المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة المدثر - روح البيان - جـ ١٠

[إسماعيل حقي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌تفسير سورة التغابن

- ‌تفسير سورة الطلاق

- ‌تفسير سورة التحريم

- ‌سورة الملك مكية

- ‌تفسير سورة ن

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌تفسير سورة الضحى

- ‌تفسير سورة الم نشرح

- ‌تفسير سورة التين

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌تفسير سورة الإيلاف

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌تفسير سورة الكافرين

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌تفسير سورة الناس

الفصل: ‌تفسير سورة المدثر

قدم لنفسك قبل موتك صالحا

واعمل فليس الى الخلود سبيل

(وروى) عن عمر رضى الله عنه انه اتخذ حيسا يعنى تمرا بلبن فجاءه مسكين فأخذه ودفعه اليه فقال بعضهم ما يدرى هذا المسكين ما هذا فقال عمر لكن رب المسكين يدرى ما هو فكأنه قال وما تقدموا إلخ

تو نيكى كن بآب انداز اى شاه

اگر ماهى نداند داند الله

وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ اى سلوا الله المغفرة لذنوبكم فى جميع أوقاتكم وكافة أحوالكم فان الإنسان قلما يخلوه عن تفريط وكان السلف الصالح يصلون الى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار الى صلاة الصبح واستحب الاستغفار على الأسماء من القرآن مثل أن يقول استغفر الله انه كان توابا استغفر الله ان الله غفور رحيم استغفر الله انه كان غفارا رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر ما دون أن يشرك به رَحِيمٌ يبدل السيئات حسنات وفى عين المعاني غفور يستر على اهل الجهل والتقصير رحيم يخفف عن اهل الجهل والتوفير ومن عرف انه الغفور الذي لا يتعاظمه ذنب يعفره اكثر من الاستغفار وهو طلب

المغفرة ثم ان كان مع الانكسار فهو صحيح وان كان مع التوبة فهو كامل وان كان عريا عنهما فهو باطل ومن كتب سيد الاستغفار وجرعه لمن صعب عليه الموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت وقد جرب مرارا وسيد الاستغفار قوله اللهم أنت ربى لا اله الا أنت خلقتنى وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفرلى انه لا يغفر الذنوب الا أنت تمت سورة المزمل بعونه تعالى يوم الأربعاء الثاني والعشرين من ذى القعدة من سنة ست عشرة ومائة وألف

‌تفسير سورة المدثر

مكية وآيها ست وثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) بتشديدين أصله المتدثر وهو لابس الدثار وهو ما يلبس فوق الشعار الذي بلى الجسد ومنه قوله عليه السلام الأنصار شعار والناس دثار وفيه اشارة الى ان الولاية كالشعار من حيث تعلقها بالباطن والنبوة كالدثار من حيث تعلقها بالظاهر ولذلك خوطب عليه السلام فى مقام الانذار بالمدثر (روى) عن جابر رضى الله عنه عن النبي عليه السلام انه قال كنت على جبل حرآء فنوديت يا محمد انك رسول الله فنظرت عن يمينى وعن يسارى ولم أر شيأ فنظرت فوقى فاذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض يعنى الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت الى خديجة رضى الله عنها فقلت دثرونى دثرونى وصبوا على ماء باردا فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر يعنى انه انما تدثر بناء على اقشعرار جلده وارتعاد فرآئصه رعبا من الملك النازل من حيث انه رأى ما لم يره قبل

ص: 223

ولم يستأنس به بعد فظن ان به مسامن الجن فخاف على نفسه لذلك وذكر حضرة الشيخ الأكبر قدس سرة الأطهر ان التدثر انما يكون من البرودة التي تحصل عقيب الوحى وذلك ان المك إذا ورد على النبي عليه السلام بعلم او حكم يلقى ذلك الروح الإنسان وعند ذلك تشتعل الحرارة الغريزية فيتغير الوجه وتنقل الرطوبات الى سطح البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق فاذا سرى عنه ذلك سكن المزاج وانقشعت تلك الحرارة وانفتحت تلك المسام وقبل الجسم الهولء من خارج فيتخلل الجسم فيبرد المزاج فتأخذه القشعريرة فتزاد عليه الثياب ليسخن انتهى وقرر بعضهم هذا المقام على غير ما ذكر كما قال فى كشف الاسرار وتفسير الكاشفى جابر بن عبد الله رضى الله عنه نقل ميكند از رسول صلى الله عليه وسلم در زمان فترت وحي براهى ميرفتم ناكاه از آسمان آوازى شنيدم چشم بالا كردم ديدم همان ملك كه در غار حرا بمن آمده بود بر كرسى نشسته ميان زمين وآسمان از سطوت وهيأت وعظمت وهيكل او خوفى بر من طارى شد بخانه بازگشتم وكفتم مرا بپوشانيد جامها بر من پوشيدند ومن در انديشه آن حال بودم كه حضرت عزت جل شأنه وحي فرستاد كه يا ايها المدثر. وقال السهيل رحمه الله كان عليه السلام متدثرا بثيابه حين فزع من هول الوحى أول نزوله قال دثرونى دثرونى فقال له ربه يا ايها المدثر ولم يقل يا محمد ولا يا فلان ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم فى المزمل وفائدة اخرى مشاكلة الآية بما بعدها ووجه المشاكلة بين أول الكلام وبين قوله قم فأنذر خفى الا بعد التأمل والمعرفة بقوله عليه السلام انى انا النذير العريان ومعنى النذير العريان الجاد المشمر وكان النذير من العرب إذا جتهد جرد ثوبه وأشار به مع الصياح تأكيدا فى الانذار والتحذير وقد قيل ايضا ان اصل قولهم النذير العريان ان رجلا من خثعم وهو كجعفر جبل واهل خثعميون وابن انما رابو قبيلة من معد كما فى القاموس اخذه العدو فقطعوا يده وجردوا ثيابه فأفلت الى قومه نذيرا لهم وهو عريان فقيل لكل مجتهد فى الانذار والتخويف النذير العريان فاذا ثبت هذا فقد تشاكل الكلام بعضه ببعض فأمر المتدثر بالثياب مضاف الى معنى النذير العريان ومقابل ومرتبط به لفظا ومعنى قُمْ اى من مضجعك يعنى خوابكاه فَأَنْذِرْ الناس جميعا من عذاب الله ان لم يؤمنوا لانه عليه السلام مرسل الى الناس كافة فلم تكن ملة من الملل الا وقد بلغتها دعوته وقرعها إنذاره وأفرد الانذار بالذكر مع انه أرسل بشيرا ايضا لان التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان أول الأمر هو الانذار.

يقول الفقير امده الله القدير بالفيض الكثير خوطبت بقوله قم فانذر وانا متوجه مراقب عند الرأس الشريف فى الحرم النبوي فحصل لى اضطراب عظيم وحيرة كبرى من سطوة الخطاب الإلهي وغلبنى الارتعاد وظننت انى مأمور بالإنذار الظاهري فى ذلك المقام لما ان اكثر الناس كانوا يسيئون الأدب فى ذلك الحرم حتى انى بكيت مرة بكاء شديدا من غلبة الغيرة فقيل لى أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ثم انى عرفت بالهام من الله تعالى انى رسول نفسى لا غير مأمور بتزكيتها وإصلاح قواها ومن الله الاعانة على ذلك

ص: 224

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء اعتقادا وقولا وعظمة عما يقول فيه عبدة الأوثان وسائر الظالمين ويروى انه لما نزل قال رسول الله عليه السلام الله اكبر فكبرت خديجة ايضا وفرحت وأيقنت انه الوحى لان الشيطان لا يأمر بالتكبير ونحوه ودخل فيه تكبير الصلاة وان لم يكن فى أوائل النبوة صلاة وذلك لان الصلاة عبارة عن أوضاع وهيئات كلها تعطى التقييد والله منزه عن جميع التعينات فلزم التكبير فيها لان وجه الله يحاذى وجه العبد حينئذ على ما ورد فى الخبر الصحيح والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان اى اى شىء حدث فلا تدع تكبيره ووصفه بالكبرياء او للدلالة على ان المقصود الاول من الأمر بالقيام ان يكبر ربه وينزهه عن الشرك فان أول ما يجب معرفة الصانع ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه فالفاء على هذا تعقيبية لا جزائية. واعلم ان كبرياءه تعالى ذاتى له قائم بنفسه لا بغيره من المكبرين فهو اكبر من أن يكبره غيره بالتكبير الحادث ولذا قال عليه السلام ليلة المعراج لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فهو المكبر والمثنى لذاته بذاته بتكبير وثناء قديم من الأزل الى الأبد وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ جمع ثوب من اللباس اى فطهرها مما ليس بطاهر بحفظها وصيانتها عن النجاسات وغسلها بالماء الطاهر بعد تلطخها فانه قبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبيثا سوآء كان فى حال الصلاة او فى غيرها وبتقصيرها ايضا فان طولها يؤدى الى جر الذبول على القاذورات فيكون التطهير كناية عن التقصير لانه من لوازمه ومعنى التقصير أن تكون الى انصاف الساقين اولى الكعب فانه عليه السلام جعل غاية طول الإزار الى الى الكعب وتوعد على ما تحته بالنار. وحضرت مرتضى رضى الله عنه كفت كوتاه كن جامه را. فانه أتقى وأنقى وأبقى وهو أول ما أمر به عليه السلام من رفض العادات المذمومة فان المشركين ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات وفيه انتقال من تطهير الباطن الى تطهير الظاهر لان الغالب ان من نقى باطنه أبى الا اجتناب الخبث وإيثار الطهارة فى كل شىء فان الدين بنى على النظافة ولا يدخل الجنة الا نظيف والله يحب الناسك النظيف وفى الحديث غسل الإناء وطهارة الفناء يورثان الغنى وفى المرفوع نظفوا أفواهكم فانها طرق القرآن قال الراغب الطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس وقد حمل عليهما عامة الآيات وقوله وثيابك فطهر قيل معناه نفسك نزهما عن المعايب انتهى او طهر قلبك كما فى القاموس او اخلاقك فحسن قاله الحسن وفى الخبر حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار او عملك فأصلح كما فى الكواشي ومنه الحديث يحشر المرء فى ثوبيه اللذين مات فيهما اى عمليه الخبيث والطيب كما فى عين المعاني وانه ليبعث فى ثيابه اى اعماله كما فى القاموس او أهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب والعرب تسمى الأهل ثوبا ولباسا قال تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن (كما فى كشف الاسرار) وقال ابن عباس لا تلبسها على معصية ولا على غدار البسها وأنت بر طاهر كما فى فتح الرحمن قال الشاعر

وانى بحمد الله لا ثوب فاحر

لبست ولا من غدرة أتقنع

ص: 225

وذلك ان الغادر والفاجر يسمى دنس الثياب كما ان اهل الصدق والوفاء يسمى طاهر الثياب. ودر نفحات از شيخ ابو الحسن شاذلى قدس سره نقل ميكند كه حضرت رسالت را صلى الله عليه وسلم در خواب ديدم ومرا كفت اى على طهر ثيابك من الدنس تحفظ بمدد الله فى كل نفس يعنى پاكيزه كردان جامهاى خود را از چرك تا بهره مند كردى بمدد وتأييد خداى تعالى در هر نفسى كفتم يا رسول الله ثياب من كدامست فرمود كه بر تو حق تعالى پنج خلعت پوشانيد خلعت محبت وخلعت معرفت وخلعت توحيد وخلعت ايمان وخلعت اسلام هر كه خدايرا دوست دارد بر وى آسان شود هر چيز وهر كه خدايرا بشناسد در نظر وى خرد نمايد هر چيز وهر كه خدايرا به يكانكى بداند بوى شريك نيارد هيچ چيز را وهر كه خداى تعالى را ايمان آرد ايمن كردد از هر چيز وهر كه بإسلام متصف بود خدايرا عاصى نشود واگر عاصى شود اعتذار كند و چون اعتذار كند قبول افتد بفضل الله تعالى پس شيخ فرمود از اينجا دانستم قول خدايرا وثيابك فطهر

در تو پوشيد لطف يزدانى

خلعتى از صفات روحانى

دارش از لوث خشم وشهوت دور

تا بپاكيزكى شوى مشهور

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قرأ عاصم فى رواية حفص الرجز بالضم والباقون بكسر الراء ومعناهم واحد وهو الأوثان وقد سبق معنى الهجر فى المزمل اى ارفض عبادة الأوثان ولا تقربها كما قال ابراهيم عليه السلام واجنبنى وبنى ان نعبد الأصنام ويقال الرجز العذاب اى واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدى اليه من الما آثم سمى ما يؤدى الى العذاب رجزا على تسمية المسبب باسم سببه والمراد الدوام على الهجر لانه كان بريئا من عبادة الأوثان ونحوها وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ برفع تستكثر لانه مستقبل فى معنى الحال اى ولا تعط مستكثرا اى رائيا لما تعطيه كثيرا او طالبا للكثير على انه نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيأ وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له اكثر مما أعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغزر يثاب من هبته اى يعوض منها والغزارة بالغين المعجمة وتقديم الزاى الكثرة فهو اما للتحريم وهو خاص برسول الله عليه السلام لعلو منصبه فى الأخلاق الحسنة ومن ذلك حلت الزكاة لفقراء أمته ولم تحل له ولأهله لشرفه او للتنزيه للكل اى له ولامته وقال بعضهم هو من المنة لان من يمن بما يعطى يستكثره ويعتد به والمنة تهدم الصنيعة خصوصا إذا من بعمله على الله بأن يعده كثيرا فان العمل من الله منة عليه كما قال تعالى بل الله يمن عليكم ومن شكر طول عمره بالعبادة لم يقض شكر نعمة الإيجاد فضلا عما لا يحصى من انواع الجود وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ اى فاصبر لحكم ربك ولا تتألم من اذية المشركين فان المأمور بالتبليغ لا يخلو عن أذى الناس ولكن بالصبر يستحيل المر حلوا وبالتمرن يحصل الذوق

تحمل چوزهرت نمايد نخست

ولى شهد كردد چودر طبع رست

وقال بعض اهل المعرفة اى جرد صبرك عن ملاحظة الغير فى جميع المراتب اى فى الصبر عن المعصية والصبر على الله والصبر فى البلاء كما قال تعالى واصبر وما صبرك الا بالله وقال القاشاني يا أيها المدثر

ص: 226

اى المتلبس بدثار البدن المحنجب بصورته قم عمار كنت اليه وتلبست به من أشغال الطبيعة وانتبه من رقدة الغفلة فأنذر نفسك وقواك وجميع من عداك عذاب يوم عظيم وان كنت تكبر شيأ وتعظم قدره فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم فى عينك غيره وليصغر فى قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه وظاهرك فطهره اولا قبل تطهير باطنك عن مدانس الأخلاق وقبائح الافعال ومذام العادات ورجز الهيولى المؤدى الى العذاب.

فاهجر اى جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الفاسقة والغواشي الظلمانية والهيولانية ولا تعط المال عند تجردك عنه مستغزرا طالبا للاعواض والثواب الكثير به فان ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همة بل خالصا لوجه الله افعل ما تفعل صابرا على الفضيلة له لا لشئ آخر غيره فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ الناقور بمعنى ما ينقر فيه والمراد الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل مرة للاصعاق واخرى للاحياء فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرغ الذي هو سبب الصوت يعنى جعل الشيء بحيث يظهر منه الصوت بنوع قرع والمراد هنا النفخ إذ هو نوع ضرب للهوآء الخارج من الحلقوم اى فاذا نفخ فى الصور والفاء للسببية اى سببية ما بعدها لما قبلها دون العكس فهى بمعنى اللام السببية كأنه قيل اصبر على اذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة اذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل فى إذا ما دل عليه قوله تعالى فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ فان معناه عسر الأمر على الكافرين من جهة العذاب وسوء الحساب وذلك اشارة الى وقت النقر وهو مبتدأ ويومئذ بدل منه مبنى على الفتح لاضافة الى غير متمكن وهو إذ والتقدير إذ نقر فيه والخبر يوم عسير وعلى متعلقة بعسير دل عليه قوله تعالى وكان يوما على الكافرين عسيرا كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير عليهم غَيْرُ يَسِيرٍ خبر بعد خبر وتأكيد لعسره عليهم لقطع احتمال يسره بوجه دون وجه مشعر تيسره على المؤمنين ثم المراد به يوم النفخة الثانية التي يحيى الناس عندها إذ هى التي يخص عسرها بالكافرين جميعا واما النفخة الاولى فهى مختصة بمن كان حيا عند وقوعها وقد جاء فى الاخبار ان فى الصور ثقبا بعدد الأرواح كلها وانها تجمع فى تلك الثقب فى النفخة الثانية فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح الى الجسد الذي نزع منه فيعود الجسد حيا بإذن الله تعالى وفى الحديث كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه ينظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فقيل له كيف نصنع قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل وقال القاشاني ينقر فى البدن المبعوث فينقش فيه الهيئات السيئة المردية الموجبة للعذاب او الحسنة المنجية الموجبة للثواب ولا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على أحد وان خفى يسرة على غيرهم الأعلى المحققين من اهل الكشف والعيان ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً حال اما من الياء اى ذرنى وحدي معه فانى أكفيكه فى الانتقام منه او من التاء اى خلقته وحدي لم يشركنى فى خلقه أحدا أو من العائد المحذوف اى ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد نزلت فى الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب فى قومه يا لوحيد زعما منهم انه لا نظير

ص: 227

له فى وجاهته ولا فى ماله وكان يفتخر بنفسه ويقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لى فى العرب نظير لا لأبى المغيرة نظير أيضا فسماه الله بالوحيد تهكما به واستهزاء بلقبه كقوله تعالى ذق انك أنت العزيز الكريم وصرفا له عن الغرض الذي يؤمونه من مدحه الى جهة ذمه بكونه وحيدا من المال والولد أو وحيدا من أبيه ونسبه لانه كان زنيما وهو من ألحق بالقوم وليس منهم كما مر أو وحيدا فى الشرارة والخباثة والدناءة وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً اى مبسوطا كثيرا وهو ما كان له بين مكة ولطائف من صنوف الأموال وقال النوري كان له ألف ألف دينار وَبَنِينَ ودادم او را پسران شُهُوداً جمع شاهد مثل قاعد وقعود وشهده كسمعه حضره اى حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفارقونه للتصرف فى عمل او تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم او حضورا معه فى الاندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم وكان له عشرة بنين اسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة قاله المفسرون وأطبق المحدثون على ان الوليد بن الوليد اسلم وعمارة قتل كافرا اما يوم بدر أو فى الحبشة على يد النجاشي قال السهيلي رحمه الله هم هشام بن الوليد والوليد بن الوليد وخالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله واما غير هؤلاء ممن مات منهم على دين الجاهلية فلم نسمه وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً وبسطت له الرياسة والجاه العريض فأتممت عليه النعمة فان اجتماع المال والجاه هو الكمال عند اهل الدنيا ولذا كان يلقب ريحانة قريش والريحان نبت طيب الرائحة والولد والرزق وفى التأويلات النجمية يشير الى الوليد بن مغيرة النفس الوحيدة فى الشر والظلم والجور والجهل وكثرة اموال اعماله السيئة الذميمة وثروة أجناس أخلاقه الذميمة والى بنى اتباعه الخبيثة الخسيسة وبسطة وسلطنته ورياسته ووجاهته عند ارباب النفوس المتمردة عن أوامر الحق ونواهيه المعربدة مع الحق وأهاليه وهم القوى الطبيعية الظلمانية يعنى دعنى وإياه فانى أسلط عليه أبا بكر الخفي وعمر الروح وعثمان السر وعلى القلب حتى انهم بأنوار روحانيتهم يطمسون ظلمات نفسانيته ويغيرون على اعماله ويقتلون بنى اتباعه وشيعته ويطوون بساط سلطنته ويسدون باب بسطته ثُمَّ يَطْمَعُ يرجو أَنْ أَزِيدَ على ما أوتيه من المال والولد وثم استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه اما لانه لا مزيد على ما أوتيه سعة وكثرة يعنى انه اوتى غاية ما اوتى عادة لامثاله او لانه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم اى لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم كَلَّا ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب فيكون متصلا بما قبله إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يقال عند خالف الحق ورده عارفا به فهو عنيد وعاند يعنى منكر وستيزه كننده. والمعاندة المفارقة والمجانبة والمعارضة بالخلاف كالعناد والعنيد هنا بمعنى المعاند كالجليس والاكيل والعشير بمعنى المجالس والمؤاكل والمعاشر وهو تعليل لما قبله على وجه الاستئناف التحقيقى فان معاندة آيات المنعم وهى الآيات القرآنية مع وضوحها وكفران له مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية وانما اوتى ما اوتى استدراجا وتقديم لآياتنا على متعلقه وهو عنيدا يدل على التخصيص فتخصيص العناد بها مع كونه

ص: 228

تاركا للعناد فى سائر الأشياء يدل على غاية الخسران قيل ما زال بعد نزول هذه الآية فى نقصان من ماله حتى هلك وهو فقير

آنكس كه نصيحت ز عزيزان نكند كوش

بسيار بخايد سر انگشت ندامت

سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً قال الراغب رهقه الأمر غشيه بقهر يقال رهقته وأرهقته مثل ردفته وأردفته وتبعته واتبعته ومنه ارهقت الصلاة اى أخرتها حتى غشى وقت الاخرى والصعود العقبة الشاقة ويستعار لكل مشاق وهو مفعول ثان لأرحق وفى بعض التفاسير صعودا اما فعول بمعنى فاعل يستوى فيه المذكر والمؤنث مثل عقبة كؤود فيكون من قبيل تسمية المحل باسم الحال أو بمعنى مفعول من صعده وهو الظاهر فيكون تذكيره اما باعتبار كون موصوفه طريقا او باتباع مثل كؤود والمعنى سأكلفه كرها بدل ما يطمعه من الزيادة ارتقاء عقبة شاقة المصعد على حذف المضاف بحيث تغشاه شدة ومشقة من جميع الجوانب على ان يكون الارهاق تكليف الشيء العظيم المشقة بحيث تغشى المكلف شدته ومشقته من جميع الجوانب وقال الغزالي رحمه الله حالة تصعد فيها نفسه للنزع وان لم يتعقبه موت انتهى وهو مثال لما يلقى من العذاب الصعب الذي لا يطاق ويجوز أن يحمل على حقيقته كما قال عليه السلام الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى كذا ابدا. يعنى بر بالاى آن نتوان رفت او را در زنجيرهاى آتشين كشيده از پيش مى كشند واز عقب كرزهاى آتشين كشيده از پس مى كشند واز عقب كرزهاى آتشين ميزنند تا بر آنجا ميرود در هفتاد سال وباز كشتن وزير افتادن او همچنين است. قوله سبعين خريفا اى سبعين عاما لان الخريف آخر السنة فيه تتم الثمار وتدرك فصار بذلك كأنه العام كله وهذا كما تسمى العلة الصورية علة تامة لذلك قال فى القاموس الخريف كأمير ثلاثة أشهر بين القيظ والشتاء تخترف فيها الثمار اى تجتنى وعنه عليه السلام يكلف ان يصعد عقبه فى النار كلما وضع يده عليها ذابت فاذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت فاذا رفعها عادت إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ تعليل للوعيد واستحقاقه له من التفكير بمعنى التفكر والتأمل كما قال فى تاج المصادر التفكير انديشه كردن. والتقدير اندازه وتهيئه كردن. اى فكر ماذا يقول فى حق القرآن وشأنه من جهة الطعن وقدر فى نفسه ما يقوله وهيآه فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تعجيب من تقديره وأصابته فيه الغرض الذي كان ينتحيه قريش قاتلهم الله او ثناء عليه بطريق الاستهزاء به على معنى ان هذا لذى ذكره وهو كون القرآن سحرا فى غاية الركاكة والسقوط او حكاية لما ذكروه من قولهم قتل كيف قدر تهكما بهم وباعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله ومعنى قولهم قتله الله ما اشجعه وأخزاه الله ما أشعره الاشعار بانه قد بلغ من الشجاعة والشعر مبلغا حقيقا بأن يدعو عليه حاسده بذلك وقد سبق فى قاتلهم الله فى المنافقين مزيد البيان (روى) ان الوليد مر بالنبي عليه السلام وهو يقر أحم السجدة وفى بعض التفاسير فواتح سورة حم المؤمن فقال لبنى مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة اى حسنا وبهجة وقبولا وان أعلاه لمثمر وان

ص: 229

أسفله لمغدق اى كثير الماء شبه القرآن بالشجرة الغضة الطرية التي استحكم أصلها بكثرة الماء وأثمرت فروعها فى السماء واثبت له أعلى وأسفل ولأعلاه الأثمار ولأسفله الاغداق على طريق التخييل (قال الكاشفى) مر او را حلاوتى وعذوبتى هست كه هيچ سخن را نباشد وبروى طراوتى وتازكى هست كه هيچ حديثى را نبود اعلاى آن نهال مثمر سعادات كليه وأسفل اين شجره طيبه عروق فضائل وحكم عليه است. ثم قال الوليد وانه يعلو ولا يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد اى مال عن دينه وخرج الى دين غيره والله لتصبأن قريش كلهم اى بمتابعته لكونه رئيس القوم فقال ابن أخيه أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد عنده حزينا وكلمه ما أحماه اى أغضبه. يعنى كفت كه قريش ميكويند تو سخنان محمد را عليه السلام پسند ميدهى وآنرا بزرك ميدارى وثنا ميكويى تا از فضله طعام ايشان بهره بردارى اگر چنين است تا همه قريش فراهم شوند وترا كفايتى حاصل كنند تا از طعام ايشان بى نياز شوى وليد اين سخن از ابو جهل بشنيد در خشم شد كفت الم تعلم قريش انى من أكثرهم مالا وولدا واين اصحاب محمد خود هركز از طعام سير نشوند واز فقر وفاقه نياسايند چهـ صورت بندد كه ايشانرا فضله طعام بود تا بديگرى دهند پس هر دو برخاستند وبر انجمن قريش شادند وليد كفت شما كه قريش ايد بدانيد كه حال وكار اين محمد در عرب منتشر كشت وموسم حج نزديكست كه عرب مى آيند واز حال وى پرسند جواب ايشان چهـ خواهيد داد. تزعمون انه مجنون فهل رأيتموه يخنق لان العرب كانت تعتقد ان الشيطان ويخنق المجنون ويتخبطه وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون انه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيأ من الكذاب فقالوا فى كل ذلك اللهم لاثم قالوا فما هو وما تقول فى حقه ففكر فقال ما هو الا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه وما الذي يقوله الا سحر يأثره عن اهل بابل فارتج النادي فرحا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه راضين به ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تكرير للتعجب للمبالغة فى التشتيع وثم للدلالة على ان النكرة الثانية فى التعجيب ابلغ من الاولى اى للتراخى بحسب الرتبة وان اللائق فى شأنه ليس الا هذا القول دعاء عليه وفيما بعد على أصلها من الترخى الزمانى ثُمَّ نَظَرَ اى فى القرآن مرة بعد مرة وتأمل فيه ثُمَّ عَبَسَ فقلت وجه يعنى روى فاهم در كشيد وترش كرفت.

لانه لم يجد فيه مطعنا ولم يدر ماذا يقول وَبَسَرَ اتباع لعبس قال سعدى المفتى لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف والظاهر ان كلا منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر فعبس بمعنى قطب وجهه وبسر بمعنى قبض ما بين عينيه من السوء واسود وجهه منه ذكره الحلبي والعدة عليه وقال الراغب البسر الاستعجال بالشيء قبل أوانه نحو ابسر الرجل حاجته طلبها فى غير أوانها وقوله ثم عبس وبسر اى اظهر العبوس قبل أوانه وفى غير وقته انتهى ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق وَاسْتَكْبَرَ عن اتباعه فَقالَ عقيب توليه عن الحق إِنْ نافية بمعنى ما لذا أورد الا بعدها هذا الذي يقوله محمد عليه السلام اى القرآن

ص: 230

إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ اى يروى ويتعلم من الغير وليس هو من سحره بنفسه يقال اثرت الحديث آثره اثرا إذا حدثت به عن قوم فى آثارهم اى بعد ما ماتوا هذا هو الأصل ثم كان بمعنى الرواية عمن كان وحديث مأثور اى منقول ينقله خلف عن سلف وادعية مأثورة اى مروية عن الأكابر وفى تعلم السحر لحكمة رخصة واعتقاد حقيته والعمل به كفر كما قيل (عرفت الشر لا للشر لكنى لتوقيه. ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه) وقد سبق معناه وما يتعلق به فى مواضعه إِنْ هذا ما هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ تأكيد لما قبله ولذا اخلى عن العاطف قاله تمردا وعنادا لا على سبيل الاعتقاد لما روى قبل انه أقر بأن القرآن ليس من كلام الانس والجن وأراد بالبشر يسارا وجبرا وأبا فكيهة اما الأولان فكانا عبدين من بلاد فارس وكانا بمكة وكان النبي عليه السلام يجلس عندهما واما أبو فكيهة فكان غلاما روميا يتردد الى مكة من طرف مسيلمة الكذاب فى اليمامة سَأُصْلِيهِ سَقَرَ اى ادخله جهنم لما قال فى الصحاح سقر اسم من اسماء النار وقال ابن عباس رضى الله عنهما اسم للطبقة السادسة من جهنم يقال سقرته الشمس إذا آذته وآلمته وسميت سقر لايلامها قوله سأصليه سقر بدل من سارهقه صعود أبدل الاشتمال سوآء جعل مثلا لما يلقى من الشدائد أو اسم جبل من نار لان سقر تشتمل على كل منهما وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ما الاولى مبتدأ وادراك خبره وما الثانية خبر لقوله سقر لانها المفيدة لما قصد افادته من التهويل والتفظيع دون العكس كما سبق فى الحاقة والمعنى اى شىء أعلمك ما سقر فى وصفها يعنى انه خارج عن دائرة ادراك العقول ففيه تعظيم لشأنه لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمنى الذي يلوح به وما ادراك ما سقر أي لا تبقى شيأ يلقى فيها الا أهلكته بالإحراق وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد خلقا جديدا وتهلكه إهلاكا ثانيا وهكذا كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها اولا تبقى على شىء اى لا تترحم عليه ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة لانها خلقت من غضب الجبار قال فى تهذيب المصادر الإبقاء باقى كردن ونيز شفقت بردن. وقيل لا تبقى حيا ولا نذر ميتا كقوله تعالى ثم لا يموت فيها ولا يحيى لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ يقال لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسودته ولاحه السفر او العطش اى غيره وذلك ان الشيء إذا كان فيه دسومة فاذا احرق اسود والبشر جمع بشرة وهى ظاهر جلد الإنسان اى مغيرة لأعلى الجلد وظواهره مسودة لها قيل تلفح الجلد لفسحة فتدعه أشد سوادا من الليل فان قلت لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله لا تبقى ولا تذر قلت ليس فى الآية دلالة على انها تفنى بالكلية مع انه يجوز ان يكون الافناء بعد التسويد وقيل لامحة للناس على ان لواحة اسم فاعل من لاح يلوح اى ظهر وأن البشر بمعنى الناس قيل انها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام فهو كقوله تعالى ويرزت الجحيم لمن يرى فيصل الى الكافر سمومها وحرورها كما يصل الى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من مسيرة خمسمائة عام عَلَيْها اى على سقر تِسْعَةَ عَشَرَ اى ملكا يتولون أمرها ويتسلطون على أهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق

ص: 231

الخاطف وأنيابهم كالصياصى وأشعارهم تمس أقدامهم بخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبى أحدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين ألفا فى كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعه عشر عد الرؤساء والنقباء واما جملة أشخاصهم فكما قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو فيجوز أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر ارباب المعاني والمعرفة فى تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوها (منها ان سبب فساد النفس الانسانية فى قوتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هى الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة واما القوى الطبيعية فهى الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشرة قال ابن الشيخ والمراد

بالقوى الحيوانية القوى التي تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات والمعدن وهى قسمان مدركة وفاعله فالاركة اى ما لها مدخل فى الإدراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهى الحواس لخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة اى مالها مدخل فى الفعل اما باعثة او محركة وهما اثنتان الشهوة والغضب والقوى الطبيعية هى القوى التي لا تختص بالحيوان بل توجد فى النبات ايضا وهى سبع ثلاث منها مخدومة وهى الغاذية والنامية والمولدة واربع منها خوادم وهى الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى التسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن اثبات هذه القوى بناؤه على الأصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام الله عن أمثاله اى وان ذكرها الامام فى التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال ايضا والحق ان يحال علمه الى الله تعالى فالعقول البشرية قاصرة عن ادراك أمثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلي فى الأمالي ان النكتة التي من أجلها كانوا تسعة عشر عددا ولم يكونوا اكثرأ وأقل فلعمرى ان فى الكتاب والسنة لدليلا عليها واشارة إليها ولكنها كالسر المكنون والناس اسرع شىء الى انكار ما لم يألفوه وتزييف ما لم يعرفوه ولا يؤمن فى نشرها وذكرها سوء التأويل لقصور اكثر الافهام عن الوعى والتحصيل مع قلة الانصاف فى هذا الجبل انتهى (ومنها ان أبواب جهنم سبعة سنة منها للكفار وواحد للفساق ثم ان الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة ترك الاعتقاد وترك الإقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الأبواب السنة ثلاثة فالمجموع ثمانيه عشر واما باب الفساق فليس هناك الا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر (ومنها ان الساعات اربع وعشرون خمس منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة الى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعنى انه لم يخلق فى مقابلة الخمس التي جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريما لها فلا يلزم الاختصاص بالمصلين من عصاة المؤمنين كما فى حواشى سعدى المفتى فلا جرم صار عد الزبانية تسعه عشر ومنها انه تعالى حفظ جهنم بما حفظ به الأرض من الجبال وهى مائة وتسعون أصلها تسعة عشر (ومنها ان المدبرات للعالم النجوم السيارة وهى سبعة والبروج الاثنا عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم فى مهاويها) ومنها ما قال السجاوندى فى عين

ص: 232

المعاني قد تكلموا فى حكمة العدد على انه لا تطلب للاعداد العلل فان التسعة اكثر الآحاد والعشرة اقل العشرات فقد جمع بين اكثر القليل واقل الكثير يعنى ان التسعة عشر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد (ومنها ما قال فى كشف الاسرار ان قوله بسم الله الرحمن الرحيم) تسعة عشر حرفا وعدد الزبانية تسعة عشر ملكا فيدفع المؤمن بكل حرف منها واحدا منهم وقد سبقت رحمته غضبه ومنها ما لاح لهذا الفقير قبل الاطلاع على ما فى كشف الاسرار وهو أن عدد حروف البسملة تسعة عشر (كما قال المولى الجامى)

نوزده حرفست كه هـژده هزار

عالم ازو يافته فيض عميم

ولما كانت البسملة آية الرحمة والكفار والفساق لم يقبلوه هذه الآية حيث سلكوا سبيل الكفر والمعاصي خلق الله فى مقابلة كل حرف منها ملكا من الغضب والجلال وجعله آية الغضب كما جعل خازن الجنة آية الرحمة دل على ما قلنا قوله عليه السلام يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا وهو اكبر الحيات بالفارسية اژدر. فى فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف يبتلع الإنسان والحيوان وسره انه كفر بالله وبأسمائه الحسنى التي هى تسعة وتسعون فاستحق ان يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا بعد دها فى قبره الذي هو حفرة من حفر النيران فلا يلزم ان يسلط عليه ذلك العدد فى النار فالتسع عدد القهر والحصر والانقراض لانه ينقرض عن اهل النار امداد الرحمة الرحيمية (ومنها ما فى التأويلات النجمية من ان اختلال النفوس البشرية بحسب العمل والعلم والدخول فى جهنم البعد والطرد واللعن والحجاب والاحتجاب مترتب على موجباتها وهى تسعة غير الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة وهى الأعضاء والجوارح السبع التي ورد بها الحديث بقوله عليه السلام أمرت ان اسجد على سبعة أعضاء وآراب والطبيعة البشرية المشتملة على الكل المؤثرة فى الكل بحسب الظاهر والباطن ويجوز أن تكون القوة الغضبية والشهوية بدل الطبيعة فصارا الكل تسعة عشر وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ اى المدبرين لامرها القائمين بتعذيب أهلها فأصحاب النار هنا غير اصحاب النار فى قوله تعالى لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة وفى كشف الاسرار وما جعلنا خزنة اصحاب النار فخذف المضاف انتهى وفيه بعد لانهم خزنة النار لا خزنة أصحابها إِلَّا مَلائِكَةً ليخالفوا جنس المعذبين من الثقلين فلا يرقوا لهم ولا يميلوا إليهم فان المجانسة مظنة الرأفة فلذا بعث الرسول من جنسنا ليرحم بنا ولانهم أقوى الخلق وأقومهم بحق الله وبالغضب له تعالى وأشدهم بأسا وعن النبي عليه السلام لقوة أحدهم مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الامة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم فى النار ويرمى بالجبل عليهم ويروى انه لما نزل قوله تعالى عليها تسعة عشر قال أبو جهل لقريش أيعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل منهم فقال أبو الأسود ابن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش والقوة حتى كان من قوته انه إذا قام على أديم واجتمع جماعة على ازالة رجلية عنه لم يقدروا عليه فكانوا يشدون الأديم حتى يتقطع قطعا ورجلاه على حالهما أنا أكفيكم سبعة عشر منهم فاكفونى أنتم

ص: 233

اثنين فنزلت اى وما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون فمن ذا الذي يغلب الملائكة والواحد منهم يأخذ أرواح جميع الخلق وللواحد منهم من القوة ما يقلب الأرض فيجعل عاليها سافلها. وتمام آدميان طاقت ديدار يك فرشته ندارند تا بمقاومت كجا بسر آيند وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اى وما جعلنا عددهم الا العدد الذي تسبب لافتتانهم ووقوعهم فى الكفر وهو التسعة عشر فعبر بالأثر عن المؤثر أي بالفتنة عن العدد المخصوص تنبيها على التلازم بينهما وحمل الكلام على هذا لان جعل من دواخل المبتدأ والخبر فوجب حمل مفعوله الثاني على الاول ولا يصح حمل افتتان الكفار على عدد الزبانية الا بالتوجيه المذكور فان عدتهم سبب للفتنة لا فتنة نفسها ثم ليس المراد مجرد جعل عددهم ذلك العدد المعين فى نفس الأمر بل جعله فى القرآن ايضا كذلك وهو الحكم بأن عليها تسعة عشر إذ بذلك يتحقق افتتانهم باستقلالهم له واستبعادهم لتولى هذا العدد القليل امر الجم الغفير واستهزائهم به حسبما ذكر وعليه يدور ما سيأتى

من استيقان اهل الكتاب وازدياد المؤمنين ايمانا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ متعلق بالجعل على المعنى المذكور والسين للطلب اى ليكتسبوا اليقين بنبوته عليه السلام وصدق القرآن لما شاهدوا ما فيه موافقا لما فى كتابهم وفى عين المعاني سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة النار وعددهم فأجاب عليه السلام بانهم تسعة عشر. يعنى دو بار بأصابع يدين اشارت فرمود ودر كرت دوم إبهام يمنى را إمساك فرمود وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً اى يزداد ايمانهم كيفية بما رأوا من تسليم اهل الكتاب وتصديقهم انه كذلك او كمية بانضمام ايمانهم بذلك الى ايمانهم بسائر ما انزل وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ تأكيد لما قبله من الاستيقان وازدياد الايمان فان نفى ضد الشيء بعد اثبات وقوعه ابلع فى الإثبات ونفى لما قد يعترى المستيقن والمؤمن من شبهة ما فيحصل له يقين جازم بحيث لا شك بعده وانما لم ينظم المؤمنين فى سلك اهل الكتاب فى نفى الارتياب حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالا فان انتفاء الارتياب من اهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيه من الايمان وكم بينهما والتعبير عنهم باسم الفاعل بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث للايذان بثباتهم على الايمان بعد ازدياده ورسوخهم فى ذلك وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك او نفاق فان كلامنهما من الأمراض الباطنة فيكون أحبارا بما سيكون فى المدينة بعد الهجرة إذ النفاق انما حدث بالمدينة وكان اهل مكة اما مؤمنا حقا واما مكذبا واما شاكا وَالْكافِرُونَ المصرون على التكذيب فان قلت كيف يجوز أن يكون قولهم هذا مقصود الله تعالى قلت اللام ليست على حقيقتها بل للعاقبة فلا إشكال ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا تمييز لهذا او حال منه بمعنى ممثلا به كقوله هذه ناقة الله لكم آية اى اى شىء أراد بهذا العدد المستغرب استعراب المثل فاطلاق المثل على هذا العدد على سبيل الاستعارة حيث شبهوه بالمثل المضروب وهو القول السائر فى الغرابة حيث لم يكن عقدا تاما كعشرين او ثلاثين والاستفهام لانكار أنه من عند

ص: 234

الله بناء على انه لو كان من عنده لما جاء ناقصا وافراد قولهم هذا بالتعليل مع كونه من باب فتنتهم للاشعار باستقلاله فى الشناعة كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ذلك اشارة الى ما قبله من معنى الضلال اى يضل الله من يشاء إضلاله كأبى جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم وعددهم اضلالا كائنا مثل ما ذكر من الإضلال لا اضلالا أدنى منه لصرف اختياره الى جانب الضلال عند مشاهدته لآيات الله الناطقة بالحق وأصله ان الله لا يضل الا بحسب الضلالة الازلية لان الضلال وصرف الاختيار الى جانبه كل منهما من مقتضى عينه الثابثة وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته كاصحاب محمد عليه السلام هدايته كائنة مثل ما ذكر من الهداية لا هداية أدنى منها لصرف اختياره عند مشاهدة تلك الآيات الى جانب الهدى وحقيقته ان الله لا يهدى الا بموجب الهداية الازلية إذ الاهتداء وصرف الاختيار الى جانبه كل منهما من أحواله الازلية فلا يجوز خلافه فى عالم العين فى الابد وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ اى جموع خلقه التي من جملتها الملائكة المذكورون والجنود جمع جند بالضم وهو العسكر وكل مجتمع وكل صنف من الخلق على حدة وفى الحديث ان الله جنودا منها العسل إِلَّا هُوَ لفرط كثرتها وفى حديث موسى عليه السلام انه سأل ربه عن عدد اهل السماء فقال تعالى اثنا عشر سبطا عدد كل سبط عدد التراب وفى الاسرار المحدية ليس فى العالم موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله والدليل على ذلك أمر النبي عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وفيه اشارة الى ان الله فى اختيار عدد الزبانية حكمة والا فجنوده خارجة عن دائرة العد والضبط قال القاشاني وما يعلم عدد الجنود وكميتها وكيفيتها وحقيقتها الا هو لاحاطة علمه بالماهيات وأحوالها وفى التأويلات النجمية الا هويتة الجامعة لجميع جنود التعينات الغير المتناهية بحسب الأسماء الجزئية والجزئيات الأسماء قال بعض العارفين خلقت الملائكة على مراتب فأرواح ليس لهم عقل الا تعظيم جناب الله وليس لهم وجه مصروف الى العالم ولا الى نفوسهم قد هيمهم جلال الله واختطفهم عنهم فهم

فيه حيارى سكارى وأرواح مدبرة أجساما طبيعية ارضية وهى أرواح الأناسي وأرواح الحيوانات من جسم عنصرى طبيعى وهذه الأرواح المدبرة لهذه الأجسام مقصورة عليها مسخر بعضها لبعض كما قال تعالى ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وأرواح اخر مسخرات لمصالحنا وهم على طبقات كثيرة فمنهم الموكل بالوحى ومنهم الموكل بالإلقاء ومنهم الموكل بالارزاق ومنهم الموكل بقبض الأرواح ومنهم الموكل بإحياء الموتى ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ومنهم الموكل بالغراسات فى الجنة جزاء لاعمال العباد ومنهم غير ذلك واما مراتبهم وتفاوتهم ففيهم الأكبر والكبير فجبريل اكبر من عزرآئيل وميكائيل اكبر من جبريل واسرافيل اكبر من ميكائيل وقال بعضهم هذه الجنود ليست معدة للمحاربة بل هى لترتيب المملكة الظاهرة للعالم الأعلى والأسفل لانه إذا كان ما فى السموات وما فى الأرض جنوده فلمن يقاتلون فما بقي الا ان المراد بهم جنود التسخير إذ العالم كله مسخر بعضه لبعض وجمع الملائكة

ص: 235

مسخرون لنا بأسرهم تحت أيدي اثنى عشر ملكا الذين ولاهم الله على عالم الخلق ومقرهم فى الفلك الأقصى كل وال فى برج كأبراج سور المدينة جالس على تخت وقد رفع الله الحجاب بين هؤلاء الولاة وبين اللوح المحفوظ فرأوا فيه مسطرا أسماءهم ومراتبهم وما شاء الله ان يجريه على أيديهم فى عالم الخلق الى يوم القيامة فارتقم ذلك كله فى نفوسهم وعلوه علما محفوظا لا يتبدل ولا يتغير كما علمنا نحن أسماءهم وأحوالهم من مقابلة قلوبنا للوح المحفوظ ثم ان الله جعل لكل واحد من هؤلاء الولاة حاجبين ينفذان أوامرهم الى نوابهم وجعل بين كل حاجبين سفيرا يمشى بينهما بما يلقى اليه كل واحد منهما وعين الله لهؤلاء الذين جعلهم حجابا لهؤلاء الولاة فى الفلك الثاني منازل يسكنونها وأنزلهم إليها وهى الثماني والعشرون منزلة التي تسمى المنازل التي ذكرها الله بقوله والقمر قدرناه منازل يعنى فى سيره ينزل كل يوم منزلة منها الى ان ينتهى الى آخرها ثم يدور دورة اخرى ليعلموا بسيرة وسير الشمس والخنس عدد السنين والحساب وكل شىء فصله الحق لنا تفصيلا فأسكن فى هذه المنازل هذه الملائكة وهم حجاب أولئك الولاة الذين فى الفلك ثم ان الله امر هؤلاء ان يجعلوا لهم نوابا ونقباء فى السموات السبع فى كل سماء نقيبا كالحجاب لهم لينظروا فى مصالح العالم العنصري بما يلقيه إليهم هؤلاء الولاة ويأمر ونهم به وهو قوله تعالى وأوحى فى كل سماء أمرها فجعل الله أجسام هذه الكواكب النقباء أجساما نيرة مستديرة ونفخ فيها أرواحها وأنزلها فى السموات السبع فى كل سماء واحد منهم وقال لهم قد جعلتكم تستخرجون ما عند هؤلاء الاثني عشر واليا بواسطة الحجاب الثمانية والعشرين كما يأخذ أولئك الولاة عن اللوح المحفوظ ثم جعل الله لكل نقيب من هؤلاء السبعة النقباء فلكا يسبح فيه هو له كالجواد للراكب وهكذا الحجاب لهم أفلاك يسجون فيها إذ كان لهم التصرف فى حوادث العالم والاستشراف عليه ولهم سدنة وأعوان يزيدون على الالف أعطاهم الله مراكب سماها أفلاكا فهم ايضا يسجون فيها وهى تدور بهم على المملكة فى كل يوم مرة فلا يفوتهم شىء من المملكة أصلا من ملك السموات والأرض فتدور الولاة وهؤلاء الحجاب والنقباء والسدنة كلهم فى خدمة هؤلاء الولاة والكل مسخرون فى حقنا إذ كنا نحن المقصود الأعظم من العالم كله قال تعالى وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه وسبب دوران الافلاك علينا كل يوم دورة انما هو لينظر هولاء الولاة فيما تدعو حاجة الخلق اليه من الأمور فيسدوا خللهم وينفذوا احكام الله فيهم من كونه مريدا فى خلقه لا من كونه آمرا اليه فينفذون الاقدار فيهم فى ازمان مختلفة وكما جعل الله زمام هذه الأمور بأيدى هؤلاء الجماعة من الملائكة واقعد منهم من اقعد فى برجه ومسكنه الذي فيه تخت ملكه وانزل من انزل من الحجاب والنقباء الى منازلهم فى سمواتهم كذلك جعل فى كل سماء ملائكة مسخرة وجعلهم على طبقات فمنهم اهل العروج بالليل والنهار من الحق إلينا ومنا الى الحق فى كل صباح ومساء ولا يقولون الا خيرا فى حقنا ومنهم المستغفرون لمن فى الأرض ومنهم المستغفرون للمؤمنين لغلبة الغيرة الالهية عليهم كما غلبت الرحمة على

ص: 236

المستغفرين لمن فى الأرض ومنهم الموكلون بايصال الشرائع ومنهم الموكلون بالممات ومنهم الموكلون بالإلهام وهم الموصلون العلوم الى القلوب ومنهم الموكلون بالأرحام بتصوير ما يكون لله فى الأرحام ومنهم الموكلون بنفخ الأرواح ومنهم الملائكة التسعة عشر الموكلون بالفشاعة لمن دخل النار ومنهم الموكلون بالأرزاق ومنهم الموكلون بالامطار ومنهم الصافات والزاجرات والتاليات والمقسمات والمرسلات والناشرات والنازعات والناشطات والسابقات والسابحات والملقيات والمدبرات ولذلك قالوا وما منا الا له مقام معلوم فما من حادث بحدثه الله فى العالم الا وقد وكل الله بإجرائه الملائكة ولكن بأمر هؤلاء الولاة من الملائكة فلا يزالون تحت سلطانهم إذ هم خصائص الله ثم ان العامة ما تشهد من هؤلاء الملائكة الا منازلهم التي هى اجرام الكواكب ولا تشهد اعيان الحجاب ولا النقباء واما اهل الكشف فيشهدونهم فى منازلهم عيانا. ثم اعلم ان الله قد جعل فى هذا العالم العنصري خلقا من جنسهم ولاة عليهم نظير العالم العلوي فمنهم الرسل والخلفاء والسلاطين والملوك وولاة امور جميع العالم من القضاة واضرابهم ثم جعل بين أرواح هؤلاء الولاة الذين هم فى الأرض والولاة الذين هم فى السموات مناسبات ودقائق تمتد إليهم بالعدل مطهرة من الشوائب مقدسة عن العيوب فيقبل هؤلاء الولاة الارضيون منهم بحسب استعدادتهم فمن كان استعداده حسنا قويا قبل ذلك الأمر على صورته طاهرا مطهرا فكان والى عدل وامام فضل ومن كان استعداده رديئا قبل ذلك الأمر الطاهر ورده الى شكله من الرداءة والقبح والجور فكان والى جور ونائب ظلم وبخل فلا يلومن الا نفسه فهذه أمهات مراتب حكام العالم اصحاب المراتب على سبيل الإجمال واما لرعية فلا يحصى عددهم الا الله ولله تعالى فى الأرض ملائكة لا يصعدون الى السماء أبدا وملائكة فى السماء لا ينزلون الى الأرض أبدا كل قد علم صلاته وتسبيحه بالهام من الله تعالى كذا فى كتاب الجواهر للامام الشعراني رحمه الله وَما هِيَ اى سقر وذكر صفتها إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ الا تذكرة وعظة وإنذار لهم بسوء عاقبة الكفر والضلال وتخصيص الانس مع انها تذكرة للجن ايضا لانهم هم الأصل فى القصد بالتذكرة او وما عدة الخزنة الا تذكرة لهم ليتذكروا ويعلموا ان الله قادر على ان يعذب الكثير الغير المحصور من كفار الثقلين وعصاتهم بهذا العدد بل هو لا يحتاج فى ذلك الى أعوان وأنصار أصلا فانه لو قلب شعرة واحدة فى عين ابن آدم او سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة وانما عين العدد وخلق الجنود لحكمة لا لاحتياج ويجوز أن يعود الضمير الى الآيات الناطقة بأحوال سقر فانها تذكرة لاشتمالها على الانذار كَلَّا ردع لمن أنكر سقر أي ارتدع عن إنكارها فانها حق او انكار ونفى لان تكون لهم تذكرة فان كونها ذكرى للبشر لا ينافى ان بعضهم لا يتذكرون بل يعرضون عنها بسوء اختيارهم ألا يرى الى قوله تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين وَالْقَمَرِ مقسم به مجرور بواو القسم يعنى وسوكند بماه كه معرفت اوقات وآجال بوى باز بسته است. وفى فتح الرحمن تخصيص تشريف وتنبيه على النظر فى عجائبه وقدرته فى حركاته

ص: 237

المختلفة التي هى مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل وقال أبو الليث وخالق القمر يعنى الهلال بعد ثالثه وَاللَّيْلِ معطوف على القمر وكذا الصبح يعنى وبحرمه شب إِذْ بسكون الذال وهو ظرف لما مضى من الزمان أَدْبَرَ على وزن افعل اى انصرف وذهب فان الأدبار نقيض الإقبال وَالصُّبْحِ قال فى القاموس الصبح الفجر او أول النهار والجمع وا صباح وفى المفردات الصبح والصباح أول النهار وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس إِذا ظرف لما يستقبل من الزمان واتفقوا على إذا هاهنا نظرا الى تأخره عن الليل من وجه أَسْفَرَ اى ضاء وانكشف فان الاسفار بالفارسية روشن شدن. قال الراغب السفر كشف الغطاء ويختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه والاسفار يختص باللون نحو والصبح إذا اسفر اى أشرق لونه ووجهه وأسفروا بالفجر تؤجروا من قولهم أسفرت اى دخلت فيه نحو أصبحت وفى قوت القلوب الفجر الثاني هو انشقاق شفق الشمس وهو بريق بياضها الذي تحت الحمرة وهو الشفق الثاني على ضد غروبها لان شفقها الاول من العشاء هو الحمرة بعد الغروب وبعد الحمرة البياض وهو الشفق الثاني من أول الليل وهو آخر سلطان شعاع الشمس وبعد البياض سواد الليل وغسقه ثم ينقلب ذلك على الضد فيكون بعده طلوعها الشفق الاول وهو البياض وبعده الحمرة وهو شفقها الثاني وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس فالفجر هو انفجار شعاع الشمس من الفلك الأسفل إذا ظهرت على وجه ارض الدنيا يستر عينها الجبال والبحار والأقاليم المشرفة العالية ويظهر شعاعها منتشرا الى وسط الدنيا عرضا مستطيرا انتهى (قال الكاشفى) اقسم بالقمر اى بالقلب المستعد الصافي القابل للانذار المتعظ به المنتفع بتذكره تعظيما وبليل ظلمه النفس إذ أدبر أي ذهب بانقشاع ظلمتها عن القلب باشراق نور الروح عليه وتلالى طوالعه وبصبح طلوع ذلك إذا اسفر فزالت الظلمة بكليتها وتنور القلب انتهى فظهر من هذا حسن موقع ذكر القمر والليل والصبح فى مقام ذكر سقر ودواهيها لان سقر اشارة الى الطبيعة وجهنم النفس إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ جواب للقسم والكبر جمع الكبرى جعت الف التأنيث كتائه وألحقت بها فكما جمعت فعلة على فعل كركبة وركب جمعت فعلى عليها والا ففعلى لا تجمع على فعل بل على فعالى كحبلى وحبالى والمعنى ان سقر لاحدى البلايا او لاحدى الدواهي الكبر الكثيرة وهى اى سقر واحدة فى العظم لا نظيرة لها كقولك انه أحد الرجال هذا إذا كان منكر السقر وان كان منكرا لعدة الخزنة فالمعنى انها من احدى الحجج اكبر نذيرا من قدرة الله على قهر العصاة من لدن آدم عليه السلام الى قيام الساعة من الجن والانس حيث استعمل على تعذيبهم هذا العدد القليل وان كان منكر الآيات فالمعنى انها لاحدى الآيات الكبر نَذِيراً لِلْبَشَرِ تمييز من نسبة احدى الكبر الى اسم ان لان معناه انها من معظمات الدواهي التي خلقها الله للتعذيب فيصح ان ينتصب منه التمييز كما تقول هى احدى النساء عفافا والنذير مصدر كالنكير والمعنى لاحدى الكبر انذارا اى من جهة الانذار أول مما دلت

ص: 238

عليه الجملة اى معنى قوله انها لاحدى الكبر أي كبرت مندرة وحذف التاء مع ان فعيلا بمعنى فاعل يفرق فيه بين المذكر والمؤنث لكون ضمير انها فى تأويل العذاب او لكون النذير بمعنى ذات إنذار على معنى النسب كقولهم امرأة ظاهر اى ذات طهارة لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ بدل من للبشر باعادة الجار وان يتقدم مفعول شاء ومنكم حال من من اى نذيرا لمن شاء منكم ان يسبق الى الخير والجنة والطاعة فيهديه الله او لم يشأ ذلك ويتأخر بالمعصية فيضله وفيه اشارة الى ان لكسب العبد دخلا فى حصول المرحومية والمحرومية وفى التأويلات النجمية اقسم بنور قمر الشريعة الزهراء وبظلمة ليل الطبيعة الظلماء وبصبح الحقيقة البيضاء حين غلبت على غلس الطبيعة ان الجبود مظاهر احدى هذه المراتب الكلية الكبرى اما اهل الشريعة واما اهل الحقيقة واما اهل الطبيعة وقوله نذيرا للبشر اى جعلنا الحصر فى المراتب الثلاث الكلية ليتنبه الإنسان ويحترز أن يكون من اهل الانذار لمن شاء منكم ان يتقدم الى مقام الشريعة او يتأخر الى مقام الطبيعة ولما كان مقام الحقيقة أعلى المراتب ولم يصل اليه الا النذر من الكمل اعرض عن ذكره انتهى ويجوز أن يكون اهل الحقيقة داخلا فى ان يتقدم لانه واهل الشريعة كل منهما من المتقدمين وان كان بينهما فرق فى التقدم وتفاوت فى السير والمسارعة والحاصل الا اهل ان ستعداد تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات الى مقام القلب والروح والسر واما غيرهم فتأخروا بالميل الى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا فى ورطة الطبيعة كُلُّ نَفْسٍ من نفوس الانس والجن المكلفين بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ مرهونة عند الله بكسبها محبوسة ثابتة وفى بعض التفاسير بسبب ما كسبت من الأعمال السيئة من رهن الشيء اى دام وثبت وارهنته اى تركته مقيما عنده وثابتا والرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك والمرتهن هو الذي يأخذ المرهون ونفس المكلف محبوسة ثابتة عند الله بما أوجبه عليه من التكاليف التي هى حق خالص له تعالى فان أداها المكلف كما وجبت عليه فك رقبته وخلص نفسه والا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده وقال بعضهم الرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على ان تكون التاء للنقل من الوصفية الى الاسمية وفى فتح الرحمن للمبالغة او على تأنيث اللفظ لا على معنى الإنسان ونحوه وليس اى الرهينة صفة والا لقيل رهين لان فعيلا بمعنى مفعول لا تدخله التاء بل يستوى فيه المذكر والمؤنث الا ان يحمل على ما هو بمعنى الفاعل فانه يؤتى فى مؤنثه بالتاء كما فى عكسه فى قوله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين قال الراغب قيل فى قوله كل نفس بما كسبت رهينة انه فعيل بمعنى فاعل اى ثابتة مقيمة وقيل بمعنى مفعول اى كل نفس مقامة فى جزاء ما قدم من عملها ولما كان الرهن يتصور من حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شىء كان إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ استثناء متصل من كل نفس لكثرتها فى المعنى واصحاب اليمين اهل الأعمال الصالحة من المؤمنين اى فانهم فاكون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأداء الدين قال القاشاني كل نفس بمكسوبها رهن عند الله لا فكاك لها لاستيلاء هيئات أعمالها وآثار افعالها عليها ولزومها إياها وعدم انفكاكها

ص: 239

عنها الاصحاب اليمين من السعداء الذين تجردوا عن الهيئات الجسدانية وخلصوا الى مقام الفطرة ففكوا رقابهم من الرهن فِي جَنَّاتٍ كأنه قيل ما بال اصحاب اليمين فقيل هم فى جنات لا يكتنه كنهها ولا يوصف وصفها كما دل عليه التنكير والمراد ان كلا منهم ينال جنة منها يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ تفاعل هنا بمعنى فعل اى يسألون المجرمين عن أحوالهم وقد حذف المسئول لكونه عين المسئول عنه ولدلالة ما بعده عليه (يروى) ان الله يطلع اهل الجنة وهم فى الجنة حتى يرون اهل النار وهم فى النار فيسألونهم ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ مقدر بقول هو حال مقدرة من فاعل يتساءلون اى قائلين اى شىء أدخلكم فيها وكان سببا لدخولكم من سلكت الخيط فى الابرة سلكا اى أدخلته فيها فهو من السلك بمعنى الإدخال لا من السلوك بمعنى الذهاب فان قلت لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت توبيخا لهم وتحسيرا ولتكون حكاية الله ذلك فى كتابه تذكرة للسامعين قرأ ابو عمر وسلكم بإدغام الكاف فى الكاف والباقون بالإظهار قالُوا اى المجرمون مجيبين للسائلين لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ للصلوات الواجبة فعدم إقرارنا بفرضية الصلاة وعدم ادائها سلكنا فيها أصله نكن حذف النون للتخفيف مع كثرة الاستعمال وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ على معنى استمرار نفى الإطعام لا على نفى استمرار الإطعام والمراد ايضا الإطعام الواجب والا فما ليس بواجب من الصلاة والإطعام لا يجوز التعذيب على تركه وكانوا يقولون أنطعم من لو يشاء الله أطعمه فكانوا لا يرحمون المساكين بالاطعام ولا يحضون عليه ايضا كما سبق ففيه ذم للبخل ودلالة على ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة قال فى التوضيح الكفار مخاطبون بالايمان والعقوبات والمعاملات اجماعا اما العبادات فهم مخاطبون بها فى حق المؤاخذة فى الآخرة اتفاقا ايضا لقوله تعالى ما سلككم فى سقر الآيات اما فى حق وجوب الأداء فمختلف فيه قال العراقيون من مشايخنا نعم وقال مشايخ ديارنا لا وفى بعض التفاسير وللحنفى ان يقول هذا انما هو تأسف منهم على تفريطهم فى كسب الخير وحرمانهم مما ناله المصلون والمزكون من المؤمنين ولا يلزم من ذلك ان يكونوا مأمورين بالعمل قبل الايمان وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ اى نشرع فى الباطل مع الشارعين فيه والمراد بالباطل ذم النبي عليه السلام وأصحابه رضى الله عنهم وغببتهم وقولهم بانه شاعر او ساحر او كاهن وغير ذلك والخوض فى الأصل بمعنى الشروع مطلقا فى اى شىء كان ثم غلب فى العرف بمعنى الشروع فى الباطل والقبيح وما لا ينبغى وفى الحديث اكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم خوضا فى معصية الله وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ اى بيوم الجزاء أضافوه الى الجزاء مع ان فيه من الدواهي والأهوال ما لا غاية له لانه ادهاها وانهم ملابسوه وقد مضت بقية الدواهي وتأخير جنايتهم هذه مع كونها أعظم من الكل إذ هو تكذيب القيامة وإنكارها كفر والأمور الثلاثة المتقدمة فسق لتفخيمها والترقي من القبيح الى القبيح كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم الدين ولبيان كون تكذيبهم به مقارنا لسائر جناياتهم المعدودة مستمرا الى آخر عمرهم حسبما ينطق به قولهم حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ اى الموت ومقدماته فانه امر متيقن لا شك فى إتيانه وبالفارسية

ص: 240

تفد بما مرك ومقدمات او بر همان حال مرديم. فان قلت أيريدون ان كل واحد منهم بمجموع هذه الأربع دخل النار أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بهذه قلت يحتمل الامرين جميعا كما فى الكشاف وفيه اشارة الى ان بقاءهم فى سقر الطبيعة انما كان بسبب هذه الرذائل والذمائم فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ من الأنبياء والملائكة وغيرهم اى لو قدر اجتماعهم على شفاعتهم على سبيل فرض المحال لا تنفعهم تلك الشفاعة فليس المراد أنهم يشفعون لهم ولا تنفعهم شفاعتهم إذا الشفاعة يوم القيامة موقوفة على الاذن وقابلية المحل فلو وقعت من المأذون للقابل قبلت والكافر ليس بنا بل لها فلا اذن فى الشفاعة له فلا شفاعة ولا نفع فى الحقيقة وفيه دليل على صحة الشفاعة ونفعها يومئذ لعصاة المؤمنين والا لما كان لتخصيصهم بعدم منفعة الشفاعة وجه قال ابن مسعود رضى الله عنه تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلا قوله قالوا لم نك من المصلين الى قوله بيوم الدين وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان محمدا عليه السلام يشفع ثلاث مرات ثم تشفع الملائكة ثم الأنبياء ثم الآباء ثم الأبناء ثم يقول الله بقيت رحمتى ولا يدع فى النار الا من حرمت عليه الجنة ويقول الرجل من اهل النار لواحد من اهل الجنة يا فلان اما تعرفنى أنا الذي سقيتك شربة ويقول آخر أنا الذي وهبت لك وضوأ ويقول آخر أطعمتك لقمة وآخر كسونك خرقة وعلى هذا فيشفع له فيدخله الجنة اما قبل دخول النار او بعده فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ الفاء لترتيب أنكال اعراضهم عن القرآن بغير سبب على ما قبلها من موجبات الإقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير فى الجار الواقع خبرا لما الاستفهامية وعن متعلقة به اى فاذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأى شىء حصل لهم معرضين عن القرآن مع تعاضد موجبات الإقبال عليه وتأكد الدواعي للايمان به وفى كشف الاسرار پس چهـ رسيدست ايشانرا كه از چنين پندى رو گردانيده اند. يقال لاعراض يكون بالجحود وبترك الاتباع له كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ حال من المستكن فى معرضين بطريق التداخل وحمر جمع حمار وهو معروف ويكون وحشيا وهو المراد هنا ومستنفرة من نفرت الدواب بمعنى هربت لا من نفر الحاج والمعنى مشبهين بحمر نافرة يعنى خران رميد گان. فاستنفر بمعنى نفر كما ان استعجب بمعنى عجب وقال الزمخشري كأنهم حمر تطلب النفار من نفوسها بسبب انهم جمعوا هم نفوسهم للنفار وحملوه عليها فابقى السين على بابها من الطلب قال الراغب مستنفرة قد قرئ بفتح الفاء وكسرها فاذا كسر الفاء فمعناه نافرة وإذا فتح فمعناه منفرة فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ اى من اسد لان الوحشية إذا عاينت لاسد تهرب أشد الهرب ومثل القسورة الحيدرة لفظا ومعنى وهى فعولة من القسر وهو القهر والغلبة لانه يغلب السباع ويقهرها قال ابن عباس رضى الله عنهما القسورة هو الأسد بلسان الحبشة وقيل هى جماعة الرماة الذين يتصيدونها (وقال الكاشفى) كريختند از شير يا از صياد يا ريسمان دام يا مردم تير انداز يا آوازهاى مختلف. شبهوا فى اعرضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشرادهم

ص: 241

عنه بحمر جدت فى نفارها مما أفزعها يعنى چنانچهـ خر بيابانى از اينها مى كريزد ايشان از استماع قرآن مى كريزند زيرا كه كوش سخن شنو ودل پند پذير ندارند كما أشار اليه فى المثنوى

از كجا اين قوم و پيغام از كجا

از جمادى جان كجا باشد رجا

فهمهاى كج مج كوته نظر

صد خيال بد در آرد در نكر

راز جز با راز دان انباز نيست

راز اندر كوش منكر راز نيست

وفيه من ذمهم وتهجين حالهم ما لا يخفى يعنى ان فى تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله ولا ترى مثل نفار حمر الوحش واطرادها فى العدو إذا خافت من شىء ومن أراد اهانة غليظة لاحد والتشنيع عليه باشنع شىء شبهه بالحمار (روى) ان واحدا من العلماء كان يعظ الناس فى مسجد جامع وحوله جماعة كثيرة فرأى ذلك رجل من البله وكان قد فقد حماره فنادى للواعظ وقال انى فقدت حمارا فاسأل هذه الجماعة لعل واحدا منهم رآه فقال له الواعظ اقعد مكانك حتى ادلك عليه فقعد الرجل فاذا واحد من اهل المجلس قام وأخذ فى أن يذهب فقال الواعظ للرجل خذ هذا فانه حمارك والظاهر أنه قال ذلك القول أخذ من هذا الكلام فانه فرمن تذكرة الملك العلام بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها عنادا ومكابرة بل يريد كل واحد منهم ان يؤتى قراصيس تنشر وتقرأ وذلك انهم اى أبا جهل بن هشام وعبد الله بن امية وأصحابهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن نتبعك حتى تأتى كل واحد منا بكتب من السماء او يصبح عند رأس كل رجل منا أوراق منشورة يعنى مهر بر كرفته. عنوانها من رب العالمين الى فلان ابن فلان نؤمر فيها باتباعك اى بأن يقال اتبع محمدا فانه رسول من قبلى إليك كما قالوا ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه وامرئ قال فى القاموس المرء مثلثة الميم الإنسان او الرجل ولا يجمع من لفظه ومع الف الوصل ثلاث لغات فتح الراء دائما واعرابها دائما وأن مع صلته مفعول يريد وصحفا مفعول ثان ليؤتى والاول ضمير كل ومنشرة صفة صحف جمع صحيفة بمعنى الكتاب قال فى تاج المصادر وصحف منشرة شدد للكثرة كَلَّا ردع عن اقتراحهم الآيات وإرادتهم ما أرادوه فانهم انما اقترحوها تعنتا وعنادا لاهدى ورشادا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ لاستهلاكهم فى محبة الدنيا فلعدم خوفهم منها اعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف كَلَّا ردع عن اعراضهم عن التذكرة إِنَّهُ الضمير فى انه وفى ذكره للتذكرة لانها بمعنى الذكر أو القرآن كالموعظة بمعنى الوعظ والصيحة بمعنى الصوت تَذْكِرَةٌ اى تذكرة فالتنوين للتعظيم اى تذكرة بليغة كافية وفى برهان القرآن اى تذكير للحق وعدل إليها للفاصلة فَمَنْ پس هر كه شاءَ ان يذكره ويتعظ به نبل الحلول فى القبر ذَكَرَهُ اى جعله نصب عينه وحاز بسببه سعادة الدارين فانه ممكن من ذلك وَما يَذْكُرُونَ بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته فى أفعاله وضمير الجمع اما ان يعود الى الكثرة لان

ص: 242