الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يزعم انهما من كتاب الله فعلية لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وفى نصاب الاحتساب لو أنكر آية من القرآن سوى المعوذتين يكفر انتهى وفى الأكمل عن سفيان بن سختان من قال ان المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضى الله عنه كما فى المغرب للمطرزى وقال فى هدية المهديين وفى انكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح انه كفر انتهى تمت سورة الفلق من القرآن بعون الله الملك المنان
تفسير سورة الناس
ست آيات مدينة بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ اى مالك أمورهم ومربيهم بافاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم قال القاشاني رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لان الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود فربه الذي أوجده وأفاض عليه كما له هو الذات باعتبار جميع الأسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الاولى إذ فيها تعوذ فى مقام الصفات باسمه الهادي فهداه الى ذاته وفى الحديث (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك) ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذي هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التي هى من صفات الافعال ثم لما ازداد يقينا ترك الصفات فقال وأعوذ بك منك قاصرا نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء فى ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقى من الأدنى الذي هو من صفات الافعال الى الأعلى الذي هو صفات الذات قال بعضهم من بقي له التفات الى غير الله استعاذ بافعال الله وصفاته فاما من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يستعذ الا بالله ولم يلتجئ الا الى الله والنبي عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الاول قال أعوذ بك منك. يقول الفقير ففى الالتجاء الى الله فى هذه السورة دلالة على ختم الأمر فان الله تعالى هو الاول الآخر واليه يرجع الأمر كله وان الى ربك المنتهى وفيه اشارة الى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فان الإنسان لو لم ينسه لما احتاج الى العود والرجوع بل كان فى كنف الله تعالى دائما مَلِكِ النَّاسِ عطف بيان جيئ به لبيان ان تربيته تعالى إياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه فى ترجيح المالك على الملك من ان المالك مالك العبد وانه مطلق التصرف فيه بخلاف الملك فانه انما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد الا فى المخلوقين لا فى الحق فانه من البين انه مطلق التصرف وانه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والأسماء اليه الا من حيث أكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك ان الأحاديث النبوية مبينات لاسرار القرآن ومنبهات عليها وقد ورد فى الحديث فى بعض الادعية النبوية
لك الحمد لا اله الا أنت رب كل شىء ومليكه ولم يرد ومالكه وايضا فالاسماء المستقلة لها تقدم على الأسماء المضافة واسم الملك ورد مستقلا بخلاف المالك ومما يؤيد ذلك ان الأسماء المضافة لم تنقل فى إحصاء الأسماء الثابتة بالنقل مثل قوله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا وذى المعارج وشبهها وايضا فان الحق يقول فى آخر الأمر عند ظهور غلبة الاحدية على الكثرة فى القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالوصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل انه أرجح وقد جوزوا القراءة بمالك وملك فى سورة الفاتحة لا فى هذه السورة حذرا من التكرار فان أحد معانى الاسم الرب فى اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فان الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك إِلهِ النَّاسِ هو لبيان ان ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير امور سياستهم والتولي لترتيب مبادى حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى امر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الالوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهم احياء واماتة وإيجادا واعداما وايضا ان ملك الناس اشارة الى حال الفناء فى الله كما أشرنا اليه واله الناس لبيان حال البقاء بالله لان الا له هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد فى الله ظهر كونه ملكا ثم رده الله الى الوجود لمقام العبودية فثم استعاذته من شر الوسواس لان الوسوسة تقتضى محلا وجوديا ولا وجود فى حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل ان ظهر هناك تلوين بوجود الانانية يقول أعوذ بك منك فلما صار معبودا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان اولا موجودا بوجوده وايضا مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الامام الذي على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهى موضع نظره فانها ثلاث حضرات اختصت بثلاثة اسماء نالها ثلاثة رجال وهى حضرة الرب والملك والإله فرجالها الامامان والقطب والامامان وزيران للقطب صاحب الوقت وينفرد القطب بالكشف الذاتي المطلق كما ينفرد الامام الذي على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذي لا سبيل للامام الثاني الذي يمينه اليه وانما أضيف امام الربوبية للناس وهو مع الملكوتيات لانه لا بد له عند موت الامام الثاني المسمى بالملك ان يرث مقامه بخلاف غير وفى الإرشاد تخصيص الاضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين فى سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته لان المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففى التنصيص على انتظامهم فى سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز الى انجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به قوله تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف اليه لمزيد الكشف والتقرير بالاضافة فان مالا شرف فيه لا يعبأبه ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال
أعد ذكر نعمان لنا ان ذكره
…
هو المسك ما كررته يتضوع
والتضوع بوى خوش دميدن فلولا ان الناس اشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ هو اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت
الخفي الذي لا يحس فيحتزر منه كالزلزال بمعنى الزلزلة واما المصدر فبالكسر والفرق بين المصدر واسم المصدر هو أن الحدث ان اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدرا وإذا لم يعتبر بهذه الحيثية سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه اليه كرر لفظها بإزاء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لانه يدعو الى المعصية بكلام خفى يفهمه القلب من غير ان يسمع صوته وذلك بالاغرار بسعة رحمة الله او بتخييل أن له فى عمره سعة وان وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس إلخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وانما وصفه بأعظم صفاته وأشدها شرا وأقواها تأثيرا وأعمها فسادا وانما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما فى السورة الاولى لان الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الانسانية ويظهر فى صور جميع الأسماء ويتمثل بها الا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما
تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وهاهنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام من رآنى فقد رآنى فان الشيطان لا يتمثل بي وكذا لا يتمثل بصور الكمل من أمته لانهم مظاهر الهداية المطلقة قال بعض الكبار الإلقاء اما صحيح او فاسد. فالصحيح الهى ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهاما. والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا وفى آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان اليه ابن آدم فى ست مراتب المرتبة الاولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فاذا ظفر بذلك من ابن آدم بردأنينه واستراح من تعبه معه وهذا أول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهى أحب الى إبليس من المعصية لان المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها انها صحيحة فلا يتوب منها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الثالثة وهى الكبائر على اختلاف أنواعها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الرابعة وهى الصغائر التي إذا اجتمعت أهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الحطب الصغار فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الخامسة وهى اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه باشتغاله بها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة السادسة وهى ان يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو المليس على المصلى فى صلاته وقراءته قال ابو عمر والبخاري رحمهما الله اصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثاني الأمل فاكسره بمفاجأة الاجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد
فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافي والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالإخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء الْخَنَّاسِ الذي عادته ان يخنس اى يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه (حكى) ان بعض الأولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الإنسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الإلهي كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرائيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته من وسوسته لقوله أعانني الله عليه فأسلم اى بالختم الإلهي وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما اسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس اليه لذلك ويجوز ان يدخل الشيطان فى الأجسام لانه جسم لطيف وهو وان كان مخلوقا فى الأصل من نار لكنه ليس بمحرق لانه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجا مخصوصا كتركيب الإنسان وفى الوسواس اشارة الى الوسواس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفى الخناس الى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتى القوتين فانها تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الأمر الى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتشككه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع انه يوافق العقل فى ان الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فاذا وصل العقل والوهم الى النتيجة نكص الوهم وأنكرها الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ إذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال فى التأويلات النجمية اى الناسي ذكر الله بالقلب والسر والروح كما قال تعالى يوم يدعو الداع بحذف الياء انتهى ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس او النصب او الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته اولا ثم ذكر محلها وهو صدور الناس تأمل السر فى قوله يوسوس فى صدور الناس ولم يقل فى قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع فى الصدر ثم تلج فى القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر الى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد إلقاءه الى القلب فهو يوسوس فى الصدور ووسوسته واصلة الى القلوب قال بعض ارباب الحقائق للقلب أمراء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس وأمراء خمسة ملكوتية يسمون أرواحا كالروح الحيواني والروح الخيالى والروح الفكرى والروح العقلي والروح القدسي فاذا نفذ الأمر الإلهي الى أحد
هؤلاء الأمراء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فان عزم الإنسان يخرج كلا منها الى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله فى صدور الناس يدل على انه لا يوسوس فى صدور الجن قال فى آكام المرجان لم يرد دليل على ان الجنى يوسوس فى صدور الجنى ويدخل فيه كما يدخل فى الانسى ويجرى منه مجراه من الانسى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذى يوسوس على انه ضربان جنى وانسى كما قال تعالى شياطين الانس والجن والموسوس اليه نوع واحد وهو الانس فكما ار شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس اخرى فشيطان الانس يكون كذلك وذلك لانه يلقى الأباطيل ويرى نفسه فى صورة الناصح المشفق فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وان قبل السامع كلامه بالغ فيه قال فى الاسئلة المقحمة من دعا غيره الى الباطل فان تصوره فى قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه فاذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فان حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الاشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن انهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفى الجنة اشارة الى القوى الباطنة المستجنة المستورة إذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفى الناس الى القوى الظاهرة إذ الناس من الإيناس وهو الظهور كما قال آنست نارا وفى هذا المقام لطيفة بالغة وهى ان المستعاذ به فى السورة الاولى مذكور بصفة واحدة وهى انه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة انواع من الآفات وهى الغاسق والنفاثات والحاسد واما فى هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهى الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهى الوسوسة ومن المعلوم ان المطلوب كلما كان أهم والرعبة فيه أتم واكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه اكثر وأوفر والمطلوب فى السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفى هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا ان فى نظم السورتين الكريمتين تنبيها على ان سلامة الدين من وسوسة الشيطان وان كانت امرا واحدا الا انها أعظم مراد وأهم مطلوب وان سلامة البدن من تلك الآفات وان كانت أمورا متعددة ليست بتلك المثابة فى الاهتمام وفى آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو الشر الداخل فى الإنسان الذي هو منشأ العقوبات فى الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الاول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لانه ليس من كسبه والشر الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهى وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يصنع
ذلك ثلاث مرات وفى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكي قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه ان يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب ان يحضرون وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر الله الحي القيوم. وفى اسئلة عبد الله بن سلام أخبرني يا محمد ما ابتداء القرآن وما ختمه قال ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفى خريدة العجائب يعنى ينبغى ان يقول القارئ ذلك عند الختم والا فختم القرآن سورة الناس وفى الابتداء بالباء والاختتام بالسين اشارة الى لفظ بس. يعنى حسب اى حسبك من الكونين ما أعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سنانى رحمه الله
أول وآخر قرآن ز چهـ با آمد وسين
…
يعنى اندر ره دين رهبر تو قرآن بس
يقول
الفقير أيده الله القدير ان الله تعالى انما بدأ القرآن ببسم الله وختمه بالناس اشارة الى ان الإنسان آخر المراتب الكونية كما ان الكلام آخر المراتب الإلهية وذلك لان ابتداء المراتب الكونية هو العقل الاول وانتهاؤها الإنسان ومجموعها عدد حروف التهجي وأول المراتب الإلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان أول ما يظهر من المولود الحياة وهو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لان الله تعالى خلق آدم على صورته فكان أول الكلام القرآني اسم الله لانه المبدأ الاول وآخره الناس لان الانس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلما الى ان ينتهى الى المبدأ الاول واسمه العالي والمنتهى ينزل تلاوة الى ان ينتهى الى ذكر الانس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الاول بلا بداية والآخر بلا نهاية (روى) عن ابن كثير رحمه الله انه كان إذا انتهى فى آخر الختمة الى قل أعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفي وهو الى وأولئك هم المفلحون لان هذا يسمى حال المرتحل ومعناه انه حل فى قراءته آخرا لختمة وارتحل الى ختمة اخرى إرغاما للشيطان وصار العمل على هذا فى أمصار المسلمين فى قراءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الامام احمد بن حنبل رحمه الله ان من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب ان يصل ختمه بقراءة شىء وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قراءة سورة الإخلاص ثلاثا عند ختم القرآن الا ان يكون الختم فى المكتوبة فلا يكررها وفى الحديث من شهد خاتمة القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسيم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل الله تعالى وعن الامام البخاري رحمه الله انه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة وإذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه ومن شك فى غفرانه عند الختم فليس له غفران ونص الامام احمد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما أحب مستقبل القبلة رافعا يديه خاضعا لله موقنا بالاجابة ولا يتكلف السجع فى الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلى على النبي عليه السلام ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء
وعنه عليه السلام انه امر على بن ابى طالب رضى الله عنه ان يدعو عند ختم القرآن بهذا الدعاء وهو اللهم انى اسألك إخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل برو السلامة من كل اثم ورجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار وفى شرح الجزري لابن المصنف ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخرة وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة أمورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين وبما كان يقول النبي عليه السلام عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرءان العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين وكان ابو القاسم الشاطبي رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء أماتك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته أحدا من خلقك او نزلته فى شىء من كتابك او استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الراحمين. يقول الفقير رافعا يديه الى الرب القدير اللهم انى أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فقد أنجزت لى ما وعدتني انك لا تخلف الميعاد وجعلت رؤياى حقا وأحسنت بي إذ
أخرجتنى من سجن اللهم وخاطبتنى عند ذلك بقولك سل تعط فجعلت منتهى سؤلى رضاك وبشرتنى بقبول خدمتى هذه حيث قلت فتقبلها ربها بقبول حسن وكنت أدعوك بإتمام النعمة وإكمال المنة فلم أكن بدعائك رب شقيا فأنعم على فيما بقي من عمرى القليل بأضعاف ما عودتنى به قبل هذا من انواع آلائك واصناف نعمائك واختم لى بخير وهدى ونور. وبكل بر وسعادة وسرور.
وصل على نبيك النبيه الذي هو مفتاح الخيرات. ومصباح السائرين الى منازل القربات فى جنح الأوقات. وعلى آله وأصحابه القادة. ومن تبعهم من السادة. هذا وقد تم تحرير روح البيان. فى تفسير القرآن. فى مدة الوحى تقريبا لما ان قسى الاقدار رمتنى الى أقاصي أقطار الأرض. وأيدي الاسفار النائية تداولتنى من طول الى عرض. حتى أقامني الله مقام الإتمام. فجاء بإذن الله التمام. يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور
سنة سبع عشرة ومائة ألف
…
من هجرة من يرى من قدام وخلف
وقلت فى تاريخه نظما
ان من من جناب ذى المنن
…
ختم تفسير الكتاب المستطاب
قال فى تاريخه حقى الفقير
…
حامدا لله قد تم الكتاب
وقلت بحساب الحروف المنقوطة وقع الختم بجود الباري 1117 واخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين 1117