الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اى أليس الذي فعل ما ذكر باحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا حتى يتوهم عدم الاعادة والجزاء اى أليس ذلك بأبلغ اتقانا للامور من كل متقن لها إذا لحاكم هو المتقن للامور ويلزمه كونه تام القدرة كامل العلم وحيث استحال عدم كونه احكم الحاكمين تعين الاعادة والجزاء او المعنى أليس الله باقضى القاضين يحكم بينك وبين من يكذبك بالحق والعدل يقال حكم بينهم اى قضى فالآية وعيد للمكذبين وانه يحكم عليهم بما هم اهله وكان عليه السلام إذا قرأها يقول بلى وانا على ذلك من الشاهدين يعنى خارج الصلاة كما فى عين المعاني ويأمر بذلك ايضا قال من قرأ أليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ هذه السورة أعطاه الله خصلتين العافية واليقين مادام فى الدنيا ويعطى من الاجر بعدد من قرأها تمت سورة التين بعون الله المعين
تفسير سورة العلق
ثمان عشرة او تسع عشرة آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
اقْرَأْ اى ما يوحى إليك يا محمد فان الأمر بالقراءة يقتضى المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب ان يكون ذلك ما يتصل بالأمر حتما سوآء كانت السورة أول ما نزل أم لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سوآء دل الأمر على الفور أم لا والأقرب أن هذا الى قوله ما لم يعلم أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والخلاف انما هو فى تمام السورة عن عائشة رضى الله عنها أول ما ابتدئ به رسول الله عليه السلام من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح اى كضيائه وانارته فلا يشك فيها أحد كما لا يشك فى وضوح ضياء الصبح وانما ابتدئ عليه السلام بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذي هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لانهما لا تحتمل رؤية الملك وان لم يكن على صورته الاصلية ولا على سماع صوته ولا على ما يخبر به فكانت الرؤيا تأنيسا له وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر على على ما هو ادنى الحمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا الى عالم المثال ولذا قال الصوفية ان الحاجة الى التعبير انما هى فى مرتبة النفس الامارة واللوامة وإذا وصل السالك الى النفس الملهمة كما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها قل احتياجه الى التعبير لأنه حينئذ يكون ملهما من الله تعالى فمرتبة الإلهام له كمرتبة مجيئ الملك للرسول عليه السلام فاذا كانت مدة الرؤيا ذلك العدد يكون ابتداؤها فى شهر ربيع الاول وهو مولده عليه السلام ثم اوحى اليه فى اليقظة فى شهر رمضان وكان عليه السلام فى تلك المدة إذا خلا يسمع نداء يا محمد يا محمد ويرى نورا اى يقظة وكان يخشى ان يكون الذي يناديه تابعا من الجن كما ينادى الكهنة وكان فى جبل حرآء غار وهو الجبل الذي نادى رسول الله بقوله الى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عنى يا رسول الله فانى أخاف ان تقتل على ظهرى وكان عليه السلام يتعبد فى
ذلك الغار ليالى ثلاثا وسبعا وشهرا ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك فى تلك المدة وقبلها وأول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين وهم أبو أمية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضى الله عنها وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبرى وكان شيخا كبيرا قد عمى فى أواخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأس الأربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو فى الغار كما قال الامام الصرصرى رحمه الله
وأتت عليه أربعون فاشرقت
…
شمس النبوة منه فى رمضان
قالت عائشة رضى الله عنها جاءه الملك سحره يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما انا بقارئ قال فأخذنى فغطنى اى ضمنى وعصرنى ثم أرسلني فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ الى قوله ما لم يعلم وأخذ منه القاضي شريح من التابعين ان المعلم لا يضرب الصبى على تعليم القرآن اكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى إذا كان فى جانب من الجبل سمع صوتا يقول يا محمد أنت رسول الله وانا جبريل ورجع الى خديجة يرجف فؤآده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمى واثبت فو الذي نفسى بيده انى لارجو أن تكون نبى هذه الامة ثم انطلقت الى ورقة فاخبرته بذلك فقال فيه
فان يك حقا يا خديجة فاعلمى
…
حديثك إيانا فاحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما
…
من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه
…
ويشقى به الغاوي الشقي المضلل
فريقان منهم فرقة فى جنانه
…
واخرى باغلال الجحيم تغلل
ومكث عليه السلام مدة لا يرى جبريل وانما كان كذلك ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوق الى العود وكانت مدة الفترة اى فترة الوحى بين اقرأ وبين يا ايها المدثر وتوفى ورقة فى هذه الفترة دفن بالحجون وقد آمن به عليه السلام وصدقه قبل الدعوة التي هى الرسالة ولذا قال عليه السلام لقد رأيته فى الجنة وعليه ثياب الحرير ثم نزل يا ايها المدثر قم فانذر فظهر الفرق بين النبوة والرسالة قال بعض العارفين اهل الارادة فى الطلب والمراد مطلوب وهو نعت الحبيب ألا ترا أنه لما قيل له اقرأ استقبله الأمر من غير طلب ونظيره الم نشرح لك صدرك فانه فرق بينه وبين قول موسى رب اشرح له صدرى بِاسْمِ رَبِّكَ متعلق بمضمر هو حال من ضمير الفاعل اى اقرأ ملتبسا باسم الله تعالى اى مبتدئا به ليتحقق مقارنته لجميع اجزاء المقروء اى قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ فعلم أن اقرأ باسم ربك نزلت من غير بسملة وقد صرح بذلك الامام البخاري رحمه الله امره بذلك لأن ذكر اسم الله قوة له فى القراءة وانس بمولاه فان الانس بالاسم يفضى الى الانس بالمسمى والذكر باللسان يؤدى الى الذكر بالجنان والباء فى باسم بره تعالى على
على المؤمنين بانواع الكرامات فى الدارين والسين كونه سميعا لدعاء الخلق جميعا والميم معناه من العرش الى تحت الثرى ملكه وملكه وفى الكواشي دخلت الباء فى اقرأ باسم ربك لتدل على الملازمة والتكرير كأخذت بالخطام ولو قلت أخذت الخطام لم يدل على التكرير والدوام وفى كتاب شمس المعارف أول آية نزلت على وجه الأرض بسم الله الرحمن الرحيم يعنى على آدم الصفي عليه السلام فقال آم الآن علمت أن ذريتى لا تعذب بالنار مادامت عليها ثم أنزلت على ابراهيم عليه السلام فى المنجنيق فانجاه الله بها من النار ثم على موسى عليه السلام فقهر بها فرعون وجنوده ثم على سليمان عليه السلام فقالت الملائكة الآن والله قد تم ملكك فهى آية الرحمة والامان لرسله وأممهم ولما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سورة النمل انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم كانت فتحا عظيما فأمر رسول الله فكتبت على رؤوس السور وظهور الدفاتر وأوائل الرسائل وحلف رب العزة بعزته ان لا يسميه عبد مؤمن على شىء الا بورك له فيه وكانت لقائلها حجابا من النار وهى تسعة عشر حرفا تدفع تسعة عشر زبانية وفى الخبر النبوي لو وضعت السموات والأرضون وما فيهن وما بينهن فى كفة والبسملة فى كفة لرجحت عليها يعنى البسملة الَّذِي خَلَقَ وصف الرب به لتذكير أول النعماء الفائضة عليه منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الإنسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من مادة لم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القراءة للحى العالم المتكلم اى الذي له الخلق والمستأثر به لا خالق سواه فيكون خلق منزل منزلة اللازم وبه يتم مرام المقام لدلالته على أن كل خلق مختص به او خلق كل شىء فيكون من حذف المفعول للدلالة على التعميم وقال فى فتح الرحمن لما ذكر الرب وكانت العرب فى الجاهلية تسمى الأصنام أربابا جاء بالصفة التي لا شركة للاصنام فيها فقال الذي خلق خَلَقَ الْإِنْسانَ على الاول تخصيص لخلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير وعلى الثاني افراد للانسان من بين سائر المخلوقات بالبيان وتفخيم لشأنه إذ هو أشرفهم وعليه نزل التنزيل وهو المأمور بالقراءة ويجوز أن يراد بالفعل الاول ايضا خلق الإنسان ويقصد بتجريده عن المفهوم الإبهام ثم التفسير روما لتفخيم فطرته مِنْ عَلَقٍ جمع علقة كثمر وثمرة وهى الدم الجاهد وإذا جرى فهو المسفوح اى دم جامد رطب يعلق بما مر عليه لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالته الاولى والآخرة من التباين البين وإيراده بلفظ الجمع حيث لم يقل علقة بناء على أن الإنسان فى معنى الجمع لأن الالف فيه للاستغراق لمراعاة الفواصل ولعله هو السر فى تخصيصه بالذكر من بين سائر أطوار الفطرة الانسانية مع كون النطفة والتراب ادل منه على كمال القدرة لكونهما ابعد منه بالنسبة الى الانسانية ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه منه تعالى وأقوم الدلائل الدالة على وجوده تعالى وكمال قدرته وعلمه وحكمته وصف ذاته تعالى بذلك اولا ليستشهد عليه السلام به على تمكينه تعالى من القراءة وفى
حواشى ابن الشيخ ان الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولا الى المشركين لو قال له اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له لابوا أن يقبلوا ذلك منه لكنه تعالى قدم فى ذلك مقدمة تلجئهم الى الاعتراف به حيث امر رسوله أن يقول لهم انهم هم الذين خلقوا من العلقة ولا يمكنهم إنكاره ثم أن يقول لهم لا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم ان يضيفوا ذلك الفعل الى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه فبهذا التدريج يقرون بأنى انا المستحق للثناء دون دون الأوثان لأن الالهية موقوفة على الخالقية ومن لم يخلق شيأ كيف يكون الها مستحقا للعبادة ومن هذه الطريقة ما يحكى أن زفر لما بعثه ابو حنيفة رحمه الله الى البصرة لتقرير مذهبه فيهم فوصل إليهم وذكر أبا حنيفة منعوه ولم يلتفتوا اليه فرجع الى ابى حنيفة وأخبره بذلك فقال له ابو حنيفة انك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع إليهم واذكر فى المسألة أقاويل أئمتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك هاهنا قول اخر فاذكر قولى وحجتى فاذا تمكن ذلك فى قلبهم فقل هذا قول ابى حنيفة فانهم حينئذ يستحسنونه فلا يردونه اقْرَأْ اى افعل ما أمرت به وكرر علامة الأمر بالقراءة تأكيدا للايجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ إلخ فانه كلام مستأنف ولذا وضع السجاوندى علامة الوقف الجائز على خلق وارد لازاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله ما انا بقارئ يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وانا أمي فقيل له وربك الذي أمرك بالقراءة مبتدئا باسمه وهو الأكرم اى الزائد فى الكرم على كل كريم فانه ينعم بلا غرض ولا يطلب مدحا او ثوابا او تخلصا من المذمة وايضا أن كل كريم انما أخذ الكرم منه فكيف يساوى الأصل وقال ابن الشيخ ربك مبتدأ والأكرم صفته والذي مع صلته خبر الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ اى علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما وقال بعضهم علم الخط بالقلم والقلم ما يكتب به لأنه يقلم ويقص ويقطع وفيه امتنان على الإنسان بتعليم علم الخط والكتابة بالقلم ولذلك قيل العلم صيد والكتابة قيده وقيل
وما من كاتب الا سيبلى
…
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شىء
…
يسرك فى القيامة ان تراه
ولولا القلم ما استقامت امور الدين والدنيا وفيه اشارة الى القلم الأعلى الذي هو أول موجود وهو الروح النبوي عليه السلام فان الله علم القلب بواسطته ما لم يعلم من العلوم التفصيلية قال كعب الأحبار أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاث مائة سنة كتبها فى الطين ثم طبخه فاستخرج إدريس ما كتب آدم وهذا هو الأصح واما أول من كتب خط الرمل فادريس عليه السلام وأول من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس وأول من اتخذ القراطيس يوسف عليه السلام قال السيوطي رحمه الله أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ما هو كائن الى يوم
القيامة وأول ما كتب القلم انا التواب أتوب على من تاب قال بعضهم وجه المناسبة بين الخلق من العلق وتعليم القلم أن ادنى مراتب الإنسان كونه علقة وأعلاها كونه عالما فالله تعالى امتن على الإنسان بنقله من ادنى المراتب وهى العلقة الى أعلاها وهو تعلم العلم ثم الله الذي خلق الإنسان على صورته الحقيقية خلقه من علقة التجلي الأولي الحبى المشار اليه بقوله كنت كنزا مخفيا فاحببت أن اعرف فخلقت الخلق فصارت المحبة الذاتية علقة بالإيجاد الحبى وهو أكرم الأكرمين إذ هو جامع محيط بجميع الأسماء الدالة على الكرم كالجواد والواهب والمعطى والرازق وغيرها عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بدل اشتمال من علم بالقلم وتعيين للمفعول اى علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يخطر بباله أصلا فان قلت فاذا كان القلم والخط من المنن الالهية فما باله عليه السلام لم يكتب قلت لأنه لو كتب لقيل قرأ القرآن من صحف الأولين ومن كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وتشكيل العلوم بآيات الجسمانية لأن الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية وفيه اشارة بديعة الى أن أمته بين الأمم هم الروحانيون وصفهم سبحانه فى الإنجيل امة محمد أناجيلهم فى صدورهم لو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه عليه السلام بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم كَلَّا ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وان لم يسبق ذكره للمبالغة فى الزجر فيوقف عليه وقال السجاوندى يوقف على ما لم يعلم لأنه بمعنى حقا ولذا وضع علامة الوقف عليه إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى اى يتجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل ان هذا الى آخر السورة نزل فى ابى جهل بعد زمان وهو الظاهر أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى مفعول له اى يطغى لأن رأى وعلم نفسه مستغنيا او ابصر مثل ابى جهل وأصحابه ومثل فرعون ادعى الربوبية قال ابن مسعود رضى الله عنه منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان اما طالب العلم فيزداد فى رضى الله واما طالب الدنيا فيزداد فى الطغيان وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء للايذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن أبا جهل قال لرسول الله عليه السلام أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا وتتبع دينك فنزل جبريل فقال ان شئت فعلنا ذلك ثم ان لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا باصحاب المائدة فكف رسول الله عن الدعاء ابقاء عليهم ورحمة وأول هذه السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال وكفى بذلك مرغبا فى العلم والدين ومنفرا عن المال والدنيا وكان عليه السلام يقول اللهم انى أعوذ بك من غنى يطغى وفقر ينسى وفيه اشارة الى أن الإنسان إذا رأى نفسه مظهر بعض صفات ربه وأسمائه يدعيها لنفسه ويظن أن تلك الصفات والأسماء الالهية المودعة فيه بحكمة بالغة ملك له وهو مالكها فيعجب بها وبكمالاتها فيستغنى عن مالكها الذي أودعها فيه ليستدل بها على خالقه وبارئه إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
الرجعى مصدر بمعنى الرجوع والالف للتأنيث اى ان الى مالك أمرك ايها الإنسان رجوع الكل بالموت
والبعث لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك وآنجا همه را عمل بكار آيد نه اموال توانكرى نه بمالست نزد اهل كمال كه مال تا لب كورست وبعد از ان اعمال أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى الاستفهام للتعجيب والرؤية بصرية والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية وتنكير عبدا لتفخيمه عليه السلام كأنه قيل ينهى أكمل الخلق فى العبودية عن عبادة ربه والعدول عن ينهاك الى ينهى عبدا دال على أن النهى كان للعبد عن اقامة خدمة مولاه ولا أقبح منه روى أن أبا جهل قال فى ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن عنقه وفى التكملة نهى محمدا عن الصلاة وهم أن يلقى على رأسه حجرا فرآه فى الصلاة وهى صلاة الظهر فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك فقال ان بينى وبينه لخندقا من نار وهولا واجنحة فنزلت والمراد اجنحة الملائكة ابصر اللعين الاجنحة ولم يبصر أصحابها فقال عليه السلام والذي نفسى بيده لودنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وكان ابو جهل يكنى فى الجاهلية بأبى الحكم لأنهم كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة ثم سمى أبا جهل فى الإسلام. يقول الفقير كان عليه السلام يدعو ويقول اللهم أعز الإسلام بابى جهل او بعمر فلما أعزه الله بعمر رضى الله عنه دل على أن عمرا سعد قريش كما أن أبا جهل أشقى قريش إذ الأشياء تتبين بأضدادها أَرَأَيْتَ رؤية قلبية معناه أخبرني ذلك الناهي وهو المفعول الاول إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى فيما ينهى عنه من عبادة الله أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى اى امر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده وهذه الجملة الشرطية بجوابها المحذوف وهو ألم يعلم بأن الله يرى سدت مسد المفعول الثاني فان المفعول الثاني لأرأيت لا يكون الا جملة استفهامية او قسمية وانما حذف جوب هذه الشرطية اكتفاء عنه بجواب الشرطية لأن قوله ان كذب وتولى مقابل للشرط الاول وهو ان كان على الهدى أو أمر بالتقوى والآية فى الحقيقة تهكم بالناهي ضرورة انه ليس فى النهى عن عبادته تعالى والأمر بعبادة الأصنام على هدى البتة أَرَأَيْتَ أخبرني ذلك الناهي إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى اى ان كان مكذبا للحق معرضا عن الصواب كما نقول نحن ونظم الأمر والتكذيب والتولي فى سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس باعتبار انفس الافعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فان ذلك ليس فى حيز التردد أصلا بل باعتبار أوصافها التي هى كونها امرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى جواب للشرطية الثانية اى يطلع على أحواله فيجاريه بها حتى اجترأ على ما فعل اى قد علم ذلك الناهي أن الله يرى فكيف صدر منه ما صدر وانما أفرد التكذيب والتولي بشرطية مستقلة مقرونة بالجواب مصدرة باستخبار مستأنف ولم ينظمهما فى سلك الشرط الاول بعطفهما على كان للايذان باستقلالهما بالوقوع فى نفس الأمر وباستتباع الوعيد الذي ينطق به الجواب واما القسم الاول
فأمر مستحيل قد ذكر فى حيز الشرط لتوسيع الدائرة وهو السر فى تجريد الشرطية الاولى عن الجواب والاحالة به على جواب الثانية وقيل المعنى أرأيت الذي ينهى عبدا يصلى والمنهي على الهدى امرا بالتقوى والناهي مكذب متول ولا اعجب من ذا. بزركان كفته اند در كلمه ان الله يرى هم وعد مندرجست وهم وعيد اى فاسق توبه كن كه ترا ميبيند اى مرايى اخلاص ورز كه ترا ميبيند اى در خلوت قصد كناه كرده هش دار كه ترا مى بيند درويشى بعد از كناهى توبه كرده بود و پيوسته مى كريست كفتند چند مى گريى خداى تعالى غفورست كفت ارى هر چند عفو كند خجلت آنرا كه او مى ديده چهـ كونه دفع كنم
كيرم كه تو از سر كنه در كذرى
…
زان شرم كه ديدى كه چهـ كردم چهـ كنم
قال ابو الليث رحمه الله والآية عظة لجميع الناس وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة وقال ابن الشيخ فى حواشيه وهذه الآية وان نزلت فى حق ابى جهل لكن كل من نهى عن طاعة فهو شريك ابى جهل فى هذا الوعيد ولا يلزم عليه المنع من الصلاة فى الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهي عنه غير الصلاة وهو المعصية فان عدم مشروعية الوصف المقارن وكونه مستحقا لأن ينهى عنه لا ينافى مشروعية اصل الصلاة الا أنه لشدة الاتصال بينهما بحيث يكون النهى عن الوصف موهما للنهى عن الأصل احتاط فيه بعض الأكابر حتى روى عن على رضى الله عنه انه رأى فى المصلى أقواما يصلون قبل صلاة العيد فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقيل له ألا ننهاهم فقال أخشى أن ندخل تحت وعيد قوله تعالى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى فلم يصرح بالنهى عن الصلاة احتياطا وأخذ ابو حنيفة هذا الأدب الجميل حتى قال له ابو يوسف أيقول المصلى حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لى قال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهى كَلَّا ردع للناهى اللعين وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله وامره بعبادة اللات لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اللام موطئة للقسم المضمر اى والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ولم يتب ولم يسلم قبل الموت والأصل ينتهى بالياء يقال نهاه ينهاه نهيا ضد امره فانتهى لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أصله لنسفعن بالنون الخفيفة للتأكيد ونظيره وليكونا من الصاغرين كتب فى المصحف بالألف على حكم الوقف فانه يوقف على هذه النون بالألف تشبيها لها بالتنوين والسفع القبض على الشيء وجذبه بعنف وشدة والناصية شعر مقذم الرأس والمعنى لنأخذن فى الآخرة بناصيته ولنسحبنه بها الى النار بمعنى لنأمرن الزبانية ليأخذوا بناصيته ويجروه الى النار بالتحقير والاهانة وكانت العرب تأنف من جر الناصية وفى عين المعاني الاخذ بالناصية عبارة عن القهر والهوان والاكتفاء بلام العهد عن الاضافة لظهور أن المراد ناصية الناهي المذكور ويحتمل ان يكون المراد من هذا السفع سحبه على وجهه فى الدنيا يوم بدر فيكون بشارة بان يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه على وجهه إذا عاد الى النهى فلما عاد مكنهم الله من ناصيته يوم بدر (روى) أنه لما نزلت سورة الرحمن قال عليه السلام من يقرأها على رؤساء قريش فتثاقلوا فقام ابن
مسعود رضى الله عنه وقال انا فأجلسه عليه السلام ثم قال ثانيا من يقرأها عليهم فلم يقم الا ابن مسعود رضى الله عنه ثم ثالثا الى ان أذن له وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم ضعفه وصغر جثته ثم انه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة فافتتح قراءة السورة فقام ابو جهل فلطمه فشق اذنه وأدماها فانصرف وعينه تدمع فلما رآه عليه السلام رق قلبه واطرق رأسه مغموما فاذا جبرائيل جاء ضاحكا مستبشرا فقال يا جبرائيل تضحك ويبكى ابن مسعود فقال سيعلم فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود ان يكون له حظ فى الجهاد فقال له عليه السلام خذ رمحك والتمس فى الجرحى من كان له رمق فاقتله فانك تنال ثواب المجاهدين فاخذ يطالع القتلى فاذا ابو جهل مصروع يخور فخاف ان تكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منحره من بعيد فطعنه ولعل هذا قوله سنسمه على الخرطوم ثم لما عرف عجزه لم يقدر ان يصعد على صدره لضعفه فارتقى عليه بحيلة فلما رآه ابو جهل قال له يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا فقال ابن مسعود الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له ابو جهل بلغ صاحبك انه لم يكن أحد ابغض الى منه فى حال مماتى فروى أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال فرعونى أشد من فرعون موسى فانه قال آمنت وهو قد زاد عتوا ثم قال يا ابن مسعود اقطع بسيفى هذا لأنه أحد وأقطع فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق اذنه وجعل الخيط فيها وجعل يجره الى رسول الله عليه السلام وجبرائيل بين يديه يضحك ويقول يا محمد اذن بإذن لكن الرأس هاهنا مع الاذن مقطوع ولعل الحكيم سبحانه انما خلقه ضعيفا حتى لم يقو على الرأس المقطوع لوجوه أحدها أن أبا جهل كلب والكلب يجر ولا يحمل والثاني ليشق الاذن فيقتص الاذن بالاذن والثالث ليحقق الوعيد المذكور بقوله لنسفعا بالناصية فيجر تلك الرأس على مقدمها قال ابن الشيخ والناصية شعر الجبهة وقد يسمى مكان الشعر ناصية ثم انه تعالى كنى بها هاهنا عن الوجه والرأس ولعل السبب فى تخصيص السفع بها ان اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطبيبها ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ بدل من الناصية وانما جاز إبدالها من المعرفة وهى نكرة لوصفها ووصف الناصية بالكذب والخطأ على الاسناد المجازى وهما لصاحبها وفيه من الجزالة ما ليس فى قولك ناصية كاذب خاطئ كأن الكافر بلغ فى الكذب قولا والخطأ فعلا الى حيث أن كلا من الكذب والخطا ظهر من ناصيته وكان ابو جهل كاذبا على الله فى أنه لم يرسل محمدا وكاذبا فى أنه ساحر ونحوه وخاطئا بما تعرض له عليه السلام بانواع الاذية فَلْيَدْعُ من الدعوة يعنى كو بخواند ابو جهل نادِيَهُ اى اهل ناديه ومجلسه ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدى فيه القوم اى يجتمعون وقدر المضاف لأن نفس المجلس والمكان لا يدعى ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه اهله ودار الندوة بمكة كانوا يجتمعون فيها للتشاور وهى الآن لمحفل الحنفي روى أن أبا جهل مر برسول الله وهو يصلى فقال ألم ننهك فاغلظ رسول الله فقال أتهددني وانا اكثر اهل الوادي ناديا يريد كثرة من يعينه فنزلت سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ اى ملائكة العذاب ليجروه الى النار وواحد منهم يغلب على ألف ألف من أمثال اهل ناديه
قال عليه السلام لو دعا ناديه لاخذته الزبانية عيانا. اجتمعت المصاحف العثمانية على حذف الواو من سندع خطا ولا موجب للحذف من العربية لفظا ولعله للمشاكلة مع فليدع او للتشبيه بالأمر فى أن الدعاء امر لا بد منه وقال ابن خالويه فى اعراب الثلاثين آية الأصل سندعو بالواو غير أن الواو ساكنة فاستثقلتها اللام ساكنة فسقطت الواو فى المصحف من سندع ويدع الإنسان ويمح الله الباطل وكذلك الياء من واد النمل وان الله لهاد الذين آمنوا والعلة فيهأ ما انبأتك من بنائهم الخط على اللفظ انتهى والزبانية فى الأصل فى كلام العرب الشرط كصرد جمع شرطة بالضم وهم طائفة من أعوان الولاة سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها كما فى القاموس والشرط بالتحريك العلامة والواحد زبنية كعفرية وعفرية الديك شعرة القفا التي يردها الى يا فوخه عند الهراش من الزبن بالفتح كالضرب وهو الدفع لأنهم يزبنون الكفار اى يدفعونهم فى جهنم بشدة وبطش يعنى أن ملائكة العذاب سموا بما سمى به الشرط تشبيها لهم بهم فى البطش والقهر والعنف والدفع وقيل الواحد زبنى وكأنه نسب الى الزبن ثم غير الى زبانية كأنسى بكسر الهمزة وأصلها زبانى وقيل زبانية بتعويض التاء عن الياء بعد حذفها للمبالغة فى الدفع وفيه اشارة الى التجليات القوية الجلالية الجرارة أبا جهل النفس الامارة واهل ناديه الذي هو الهوى وقواه الظلمانية الى نار الخذلان وجهنم الخسران كَلَّا ردع بعد ردع للناهى المذكور وزجر له اثر زجر فهو متصل بما قبله ولذا جعلوا الوقف عليه وقفا مطلقا لا تُطِعْهُ اى دم على ما أنت عليه من معاصاة ذلك الناهي الكاذب الخاطئ كقوله تعالى ولا تطع المكذبين وَاسْجُدْ وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به وَاقْتَرِبْ وتقرب بذلك السجود الى ربك وفى الحديث (اقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد فأكثروا من الدعاء فى السجود) كلمة ما مصدرية وأقرب مبتدأ حذف خبره ويكون تامة اى اقرب وجود العبد من ربه حاصل وقت سجوده. ودر فتوحات اين را سجده قرب كفته. وهذا محل سجود عند الثلاثة خلافا لمالك وهم على أصولهم فى قولهم بالوجوب والسنية ثم ان السجود اشارة الى ازالة حجاب الرياسة وفى الحديث (لا كبر مع السجود) يعنى هر كه سجده آرد از كبر دور كشت وبر دركاه الله شرف متواضعان يافت. روى أن ابراهيم عليه السلام أضاف يوما مائتى مجوسى فلما أكلوا قالوا مرنا يا ابراهيم قال ان لى إليكم حاجة فقالوا ما حاجتك قال اسجدوا لربى سجدة واحدة فتشاوروا فيما بينهم فقالوا ان هذا الرجل قد صنع معروفا كثيرا فلو سجدنا لربه ثم رجعنا الى آلهتنا لا يضرنا ذلك بشئ فسجدوا جميعا فلما وضعوا رؤسهم على الأرض ناجى ابراهيم ربه فقال انى جهدت جهدى حتى حملتهم على هذا ولا طاقة لى على غيره وانما التوفيق والهداية بيدك اللهم زين صدورهم بالإسلام فلما رفعوا رؤوسهم من السجود اسلموا وللسجدة اقسام سجدة الصلاة وسجدة التلاوة وسجدة السهو وهذه مشهورة وسجدة التعظيم لجلال الله وكبريائه وسجدة التضرع اليه خوفا وطمعا وسجدة الشكر له وسجدة المناجاة وهذه مستحبة فى الأصح صادرة عن