المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الشمس - روح البيان - جـ ١٠

[إسماعيل حقي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌تفسير سورة التغابن

- ‌تفسير سورة الطلاق

- ‌تفسير سورة التحريم

- ‌سورة الملك مكية

- ‌تفسير سورة ن

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌تفسير سورة الضحى

- ‌تفسير سورة الم نشرح

- ‌تفسير سورة التين

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌تفسير سورة الإيلاف

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌تفسير سورة الكافرين

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌تفسير سورة الناس

الفصل: ‌تفسير سورة الشمس

خبر مقدم لقوله نارٌ مُؤْصَدَةٌ اى نار أبوابها مغلقة فلا يفتح لهم باب فلا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح ابد الآباد الا انها جعلت صفة للنار اشعارا بإحاطتهم فاصل التركيب مؤصدة الأبواب فلما تركت الاضافة عاد التنوين إليها لانهما يتعاقبان من أوصدت الباب من المعتل الفاء وآصدته بالمد من المهموز مثل آمن إذا أطبقته وأغلته وأحكمته فمن قرأها مؤصدة بالهمزة جعلها اسم مفعول من آصدت ومن لم يهمزها أخذها من او صدت مثل او عد فهو موعد وذلك موعد ويحتمل ان يكون من آصد مثل آمن لكنه قلبت همزته الساكنة واو الضمة ما قبلها للتخفيف وكان ابو بكر بن عباس راوى عاصم يكره الهمزة فى هذا الحرف ويقول لنا امام يهمز مؤصدة فاشتهى ان اسد أذنى إذا سمعته وكانه لم يحفظه عن شيخه إلا بترك الهمزة وقد حفظه حفص بالهمزة وهو اضبط للحرف من ابى بكر على ما نقله القراء وان كان ابو بكر اكبر وأتقن وأوثق عند اهل الحديث وفيه اشارة الى ان نار

الحجاب والخذلان والخسران مؤصدة على نفس الامارة تمت سورة البلد بعون الله الأحد فى خامس الثاني من الربيعين سنة سبع عشرة ومائة وألف

‌تفسير سورة الشمس

خمس عشرة اوست عشرة آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ سوكند ميخورم بآفتاب وَضُحاها اى ضوئها إذا طلعت وقام سلطانها وانبسط نورها يعنى سوكند بتابش وى چون بلند كردد وبموضع چاشت رسد. يقال وقت الضحى اى وقت اشراق الضوء فالضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو نور الشمس المنبسط على وجه الأرض المضاد للظل وفيه اشارة الى الاقسام بشمس الروح وضوئها المنتشر فى البدن الساطع على النفس وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها من التلو بمعنى التبع اى إذا تبعها بان طلع بعد عروبها آخذا من نورها وذلك فى الصف الاول من الشهر قال الراغب تلاه تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء فى الحكم ومصدره تلو وتلو وتارة بالقرءان وتدبر المعنى ومصدره تلاوة ثم قال قوله والقمر إذا تلاها فانما يراد به هاهنا الاتباع على سبيل الاقتداء والمرتبة وذلك انه فيما قبل ان القمر يقتبس النور من الشمس وهولها بمنزلة الخليفة قيل وعلى هذا قوله وجعل الشمس ضياء والقمر نورا والضياء على مرتبة من النور إذ كل ضياء نور دون العكس وفيه اشارة الى قمر القلب إذا تلا الروح فى التنور بها وإقباله نحوها واستضاءته بنورها ولم يتبع النفس فيخسف بظلمتها قال شيخى وسندى روح الله روحه فى كتاب اللائحات البرقيات له ان الشمس آية للحقيقة الالهية الكمالية الاكملية واشارة إليها والقمر آية للحقيقة الانسانية الكمالية الاكملية واشارة إليها فكما ان القمر منذ خلقه الله الى يوم القيامة كان مجلى ومظهر التجلي نور الشمس وظهوره فى الليل حتى يهتدى به ارباب الليل فى الظلمات الليلة فى سيرهم وسلوكهم فى طرق مقاصدهم فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكملية

ص: 440

منذ خلقها الله الى ابد الآبدين كانت مجلى ومظهرا لتجلى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وظهوره فى الكون حتى يهتدى به ارباب الكون فى ظلمات الكون عند سلوكهم وسيرهم فى العوالم والأطوار الكونية نزولا عند السير الى عالم الإمكان وعروجا عند السلوك الى عالم الوجوب فكما ان القمر يفنى من نوره ونفسه بالنمام فى نور الشمس ونفسها بحيث لا يبقى اثر من نوره ونفسه عند المقارنة والمواصلة الحاصلة بينهما بالتوجه الشمسى القابض والإقبال الجاذب عليه ويبقى مع نوره ونفسه اى جرمه بالكمال وبنور الشمس ونفسها بحيث لا يفنى شىء من نوره ونفسه عند المقابلة والمفارقة الكاملة الحاصلة بينهما بالإرسال الى نفسه والبسط الى نوره مرارا وكرارا دائما وباقيا الى يوم القيامة فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكملية تفنى من نورها وتعينها فى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وتعينها بالتمام بحيث لا يبقى لها اثر ما أصلا عند الوصلة الالهية الحاصلة فى مرتبة الذات الاحدية الجمعية المطلقة بالقبض والجذب من نورها وتعينها الى نورها وتعينها الأزلي الابدى السرمدي وتبقى مع نورها وتعينها بنورها بحيث لا يفنى منها اثر أصلا عند الفرقة الكونية الحاصلة فى مرتبة المظهرية الكثرتية الفرقية المقيدة بالبسط والإرسال الى نورها وتعينها مرارا وكرارا ابدا سرمدا وعند تجلى النور الشمسى والإلهي وظهوره فى القمر والإنسان الكامل تدريجا الى حد الكمال يكمل بقاؤهما وعند استتاره واختفائه عنهما تدريجا ايضا الى حد التمام يتم فناؤهما وفناؤهما على هذا الوجه من قبض جلال الحق سبحانه وبقاؤهما على ذلك النمط من بسط جماله تعالى والله يقبض ويبسط دائما من مرتبة كماله الذاتي بيدي جلال كماله وجماله بل يداه مبسوطتان كلانمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انتهى كلامه قدس الله سره فان قلت إذا هاهنا ليست بشرطية لعدم جوابها لفظا او تقديرا حتى يعمل فيها فتكون ظرفا مطلقا فلا بد لها من عامل وهو فى المشهور اقسم المقدر وهو إنشاء فيكون للحال وإذا للاستقبال ولا اجتماع بينهما فلا تكون ظرفا ووقتا له قلت إذا فى أمثال هذا المقام للتعليل اى اقسم بالقمر اعتبارا بتلوها وبالنهار اعتبارا بتجليته الشمس وبالليل اعتبارا بغشيانه إياها كما تقول أشهدك على هذا حيث كنت صالحا متدينا اى لاجل ذلك كذا فى بعض التفاسير وقال فى القاموس إذا تجيئ للحال وذلك بعض القسم مثل والليل إذا يغشى والنجم إذا هوى انتهى فيكون بمعنى حين فاعرف وَالنَّهارِ هو نور الشمس الذي ينسخ ظل الأرض بمحو ظلمة الليل إِذا جَلَّاها اى جلى الشمس يعنى هويدا كرد. فانها تتجلى عند انبساط النهار واستيفائه تمام الانجلاء فكأنه جلاها مع انها التي تبسطه يعنى لما كان انتشار الأثر وهو زمان ارتفاع النهار زمانا لانجلاء الشمس وكان الجلاء واقعا فيه أسند فعل التجلية اليه اسنادا مجازيا مثل نهاره صائم او جلى الظلمة او الدنيا او الأرض وان لم يجرلها ذكر للعلم بها وفيه اشارة الى نهار استيلاء نور الروح وقيام سلطانها واستواء نورها إذا جلاها وابرزها فى غاية الظهور كالنهار عند الاستواء فى تجلية الشمس وَاللَّيْلِ هو ظل الأرض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة

ص: 441

الليل إِذا يَغْشاها اى الشمس فيغطى ضوءها فتغيب وتظلم الآفاق ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها واقعا فى الليل صار الليل كأنه حجبها وغطاها فاسند التغطية وتغشية الى الليل لذلك او إذا يغشى الآفاق والأرض ولعل اختيار صيغة المضارع هنا على المضي للدلالة على انه لا يجرى عليه تعالى زمان فالمستقبل عند كالماضى مع مراعاة الفواصل ولم يجئ غشاها من التغشية لانه يتعدى الى المفعولين وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الاولى القسمية القائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معا فى قولك اقسم بالله حق ان يعملن عمل الفعل والجار جميعا كما تقول ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما فاندفع ما يورد هاهنا من ان تلك الواوات ان كانت عاطفة يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين وان كانت قسمية يلزم تعداد القسم مع وحدة الجواب وحاصل الدفع اختيار الشق الاول ومنع لزوم المحذور وفيه اشارة الى ليل النفس عند غشيانه بظلمتها شمس نهار الروح وهو أيضا آية من آياته الكبرى لان الليل مظهر الاسم المضل فيجوز القسم به كما جاز القسم بالنهار نظرا الى انه مظهر الاسم الهادي وَالسَّماءِ وَما بَناها اى ومن بناها على غاية العظم ونهاية العلو وهو الله تعالى وايثارها على من لارادة الوصفية تعجبا لأن ما يسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل والقادر العظيم الشان الذي بناها وكذا الكلام فى قوله وَالْأَرْضِ وَما طَحاها اى ومن بسطها من كل جانب على الماء كى يعيش أهلها فيها والطحو كالدحو بمعنى البسط وابدال الطاء من الدال جائز وافراد بعض المخلوقات بالذكر وعطف الخالق عليه والاقسام بهما ليس لاستوائهما فى استحقاق التعظيم بل النكتة فى الترتيب ان يتبين وجود صانع العالم وكمال قدرته ويظفر العقل بإدراك جلال الله وعظمة شأنه حسبما أمكن فانه تعالى لما اقسم بالشمس التي هى أعظم المحسوسات شرفا ونفعا ووصفها باوصافها الاربعة وهى ضوؤها وكونها متبوعة للقمر ومتجلية عند ارتفاع النهار ومختفية متغطية بالليل ثم اقسم بالسماء التي هى مسير الشمس وأعظم منها فقدنبه على عظمة شأنهما لما تبين ان الاقسام بالشيء تعظيم له ومن المعلوم انهما لحركاتهما الوضعية وتغير أحوالهما من الأجسام الممكنة المحتاجة الى صانع مدبر كامل القدرة بالغ الحكمة فتوسل العقل بمعرفة أحوالهما واوصافهما الى كبرياء صانعهما فكان الترتيب المذكور كالطريق الى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات الى يفاع عالم الربوبية وبيداء كبريائه الصمدية وفيه اشارة الى سماء الأرواح وارض الأجساد وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها اى ومن انشأها وابدعها مستعدة لكمالاتها والتنكير للتفخيم على ان المراد نفس آدم عليه السلام او للتكثير وهو الأنسب للجواب وذكر فى تعريف ذات الله تعالى السماء والأرض والنفس لان الاستدلال على الغائب لا يمكن الا بالشاهد والشاهد ليس الا العالم الجسماني وهو اما علوى بسيط كالسماء واما سفلى بسيط كالارض واما مركب وهو أقسام أشرفها ذوات الأنفس وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبلها على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس وكذا

ص: 442

فى غيره إذا المقدر فى المعطوف عليه يقدر فى المعطوف فيكون التقدير ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها وبطلانه ظاهر فان الظاهر ان تكون فى مواضعها موصولة فاعرف وسجيئ شرح النفس وتسويتها عند اهل التأويل ان شاء الله تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها الفاء ان كانت لسببية التسوية فالامر ظاهر وان كانت لتعقبها فلعل المراد منها إتمام ما يتوقف عليه الإلهام من القوى الظاهرة والباطنة والإلهام إلقاء الشيء فى الروع اما من جهة الله او من جهة الملاء الأعلى واصل الهام الشيء ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل او لشدة الاهتمام فيه لانه إذا انتفى الفجور وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه اعنى والمعنى افهم النفس إياهما وعرفها حالهما من الحسن والقبح وما يؤدى اليه كل منهما ومكنها من اختيار أيهما شاءت قال بعض الكبار الإلهام لا يكون الا فى الخير فلا يقال فى الشر الهمنى الله كذا واما قوله تعالى فالهمها فجورها وتقواها فالمراد فجورها لتجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به إذ ليس فى كلام الله تناقض ابدا وقال بعضهم لا يخفى ان محل الإلهام هو النفس قال تعالى فالهمها فجورها وتقواها فاعلمنا ان الفاعل فى الإلهام هويته تعالى لا غيره لكن الهم النفس فجورها لتعلمه ولا تعمل به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو فى قسم الفجور الهام اعلام لا الهام عمل ان الله لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فانه لوالهم بها ما قامت الحجة لله على العبد فهذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين اى بيناله الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه الى النفس خاطر المباح ولا الهامه فيها وسبب ذلك ان المباح لها ذاتى فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس الا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للانسان وفى التأويلات النجمية تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة متحدة تختلف باختلاف توارد الأحوال والأسماء فان حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت الى الله توجها كليا سميت مطمئنة وإذا توجهت الى الطبيعة توجها كليا سميت امارة وإذا توجهت تارة الى الحق بالتقوى وتارة اخرى الى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى وفى الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضى الله عنه سأل رجل من جهينة او مزينة رسول الله عليه السلام ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم أم شىء يستقبلونه فقال عليه السلام بل قضى عليهم قال ففيم العمل إذا يا رسول الله فقال عليه السلام من كان خلقه الله لاحدى المنزلتين يهبئه الله لها ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله عليه السلام يقول عند الآية اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضا عن اللام وانما تركه الكشاف وغيره لانه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جوابا لان اقسام الله انما يؤكد به الوعد او الظفر وادراك البغية وهو دنيوى كالظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز

ص: 443

والبقاء مع الصحة ونحوها واخروى وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش الا عيش الآخرة واصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع إذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضي الشاهد لانه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق الله الى الفقراء لما فيها من رجاء البركة او لتزكية النفس اى تنميتها بالخيرات والبركات او لهما جميعا فان الخيرين موجودان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى النفس وأعلاها بالتقوى اى رفعها وأظهرها وشهرها بها فاهل الصلاح يظهرون أنفسهم ويشهرونها بما سطح من أنوار تقواهم الى الملاء الأعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف اهل الفسق فانهم يخفون أنفسهم ويدسونها فى المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد الله المقربين واصل هذا ان أجواد العرب كانوا ينزلون فى ارفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون أشهر واللئام ينزلون الأطراف والهضاب لتخفى اما كنهم عن الطالبين فاخفوا أنفسهم فالبار ايضا اظهر نفسه باعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير ايضا كما قال فى القاموس الزكاة صفوة الشيء وما أخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد أفلح من طهر نفسه من المخالفات الشرعية عقدا وخلقا وعملا وقولا فقد اقسم تعالى بسبعة أشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيبا فى تزكيتها. وابن عباس رضى الله عنهما روايت كرده كه حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نزديك تلاوت اين آيت فرمودى كه تزكيه انفس موجب تزكيه دل است هرگاه كه نفس از شوب هوا مزكى شود فى الحال دل از لوث تعلق بما سوى مصفى كردد

تا نفس مبرا ز مناهى نشود

دل آيينه نور الهى نشود

وكون افعال العبد بتقدير الله تعالى وخلقه لا ينافى اسناد الفعل الى العبد فانه يقال ضرب زيد ولا يقال ضرب الله مع أن الضرب بخلقه وتقديره وذلك لأن وضع الفعل بالنسبة الى الكاسب قال الراغب وبزكاه النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق فى الدنيا الأوصاف المحمودة وفى الآخرة الاجر والمثوبة وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة الى العبد لاكتسابه ذلك نحو قد أفلح من زكاها وتارة الى الله لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو بل الله يزكى من يشاء وتارة الى الشيء لكونه واسطة فى وصول ذلك إليهم نحو خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتارة الى العبادة التي هى آلة فى ذلك نحو وحنانا من لدنا وزكاء انتهى وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها فى القاموس خاب يخيب خيبة حرم وخسرو كفر ولم ينل ما طلب واصل دسى دسس كتقضى البازي وتقضض من التدسيس وهو الإخفاء مبالغة الدس واجتماع الأمثال لما أوجب الثقل قلبت السين الاخيرة ياء وقال الراغب الدس إدخال الشيء فى الشيء بضرب من الإكراه ودساها اى دسسها فى المعاصي انتهى والمعنى قد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور وبإرسالها فى المشتهيات الطبيعية وقال شيخى و؟؟؟ قدس سره فى قوله تعالى ونفس إلخ المراد بالنفس هنا الذات والحقيقة الجمعية

ص: 444

الانسانية الكمالية المخلوقة على الصورة الالهية الجمعية الكمالية لتكون مرءاة لها كما ورد خلق الله آدم على صورته ويقال لها النفس الناطقة المدبرة للبدن وما سواها اى خلقها مستوية قابلة لتكون مجلى لتجليات تعينات الكمال والجلال والجمال ومتوسطة ممكنة لتكون مظهرا الظهورات الذات والصفات والافعال ومعتدلة صالحة لتكون مشهدا لمشاهدات آثار الأسماء والمراتب والأحوال وبهذه القابلية الجامعة بين القبضتين الجمال والجلال كانت أتم كل موجود فألهمها اى أفاض عليها بوساطة سادة الجلال فجورها اى آثار الجلال المندرج فى جمعية حقيقتها البرزخية وأحكامه وأحواله من العقائد والعلوم والأعمال والمذاهب وغير ذلك مما نفجر وتميل فيه من الحق الى الباطل فتجازى بالخسران وتقواها وأفاض عليها بوساطة خادم الجمال اى آثار الجمال وأموره وأحكامه من كلمة التوحيد العلمي الرسمى المنافي للشرك والكفر والهوى الجلى وسائر الفساد فى مرتبة الشريعة والطريقة ومن كلمة التوحيد العيني الحقيقي المزيل للشرك والكفر والهوى الخفي وباقى الكساد فى مرتبة المعرفة والحقيقة ومن غيرهما من لطائف العلوم والمعارف ومحاسن الأعمال والأحوال ومكارم الأخلاق والصفات قد أفلح اى دخل فى الفلاح فى جميع المراتب صورة وحقيقة من زكاها من طهرها من رذائل آثار الجلال فى جميع الأطوار وقد خاب اى حرم من الفلاح من دساها اى أخفى فيها الآثار الجلالية والصفات النفسانية وكتم فيها العيوب والقبائح الشيطانية والأهواء والشهوات البهيمية والأعمال والأخلاق الرديئة ولم يعالجها بأضدادها بل أهملها عن التربية فى مرتبة الشريعة بالتقوى والصلاح وعن التزكية فى مرتبة الطريقة بالمجاهدة والإصلاح وساعدها فى هواها وشهواتها فى النيات والمقصود والأعمال والأقوال وصارت حركاتها وسكناتها جميعا بالأهواء انتهى باختصار فان كلامه رحمه الله فى هذه الآية يبلغ الى نصف جزء بل اكثر كَذَّبَتْ ثَمُودُ المراد القبيلة ولذا قال بِطَغْواها وهو استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى وقد خاب من دساها فان الطغيان أعظم انواع التدسية والطغوى بالفتح مصدر بمعنى الطغيان الا انه لما كان أشبه برؤوس الآيات اختير على لفظ الطغيان وان كان الطغيان أشهر وفى الكشف الطغوى من الطغيان فصلوا بين الاسم والصفة فى فعلى من بنات الياء بان قلبوا الياء واوا فى الاسم وتركوا القلب فى الصفة فقالوا امرأة خزيا وصديا من الخزي بالفتح والقصر بمعنى الاستحياء ومن الصدى بمعنى العطش والباء للسببية اى فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمنى بجراءته على الله فالفعل منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول وهو المشهور او كذبت ثمود نبيها صالحا عليه السلام فحذف المفعول للعلم به وفيه اشارة الى أن العصيان إذا اشتد بلغ الكفر ويجوز ان تكون الباء صلة للتكذيب اى كذبت بما أوعدت به من العذاب ذى الطغوى والتجاوز عن الحد وهو الصيحة كقوله تعالى فاهلكوا بالطاغية اى بصيحة ذات طغيان إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها منصوب بكذبت او بالطغوى اى حين قام أشقى ثمود وهو قدار بن سالف امتثالا لامر من بعثه اليه فان انبعث مطاوع لبعث يقال بعثت فلانا على امر فانبعث له

ص: 445

وامتثل قال فى كشف الاسرار الانبعاث الاسراع فى الطاعة للباعث او حين قام قدار ومن تصدى معه لعقر الناقة من الأشقياء فان افعل التفضيل إذا أضيف يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث ويدل على الاول قوله تعالى فى سورة القمر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فانه يدل على أن المباشر واحد معين وفضل شقاوتهم على من عداهم مباشرتهم العقر مع اشتراك الكل فى الرضى به فَقالَ لَهُمْ اى لثمود رَسُولُ اللَّهِ لما علم ما عزموا عليه وهو صالح عليه السلام ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن عوص بن ارم فالاضافة للعهد عبر عنه بعنوان الرسالة إيذانا بوجوب اطاعته وبيانا لغاية عتوهم وتماديهم فى الطغيان ناقَةَ اللَّهِ منصوب على التحذير وان لم يكن من الصور التي يجب فيها حذف العامل والناقة بالفارسية اشتر ماده أضيفت اليه تعالى للشريف كبيت الله اى ذروا ناقة الله الدالة على وحدانيته وكمال قدرته وعلى نبوتى واحذروا عقرها وَسُقْياها يعنى شربها وهو نصيبها من الماء ولا تطردوها عنه فى نوبتها فانها كان لها شرب يوم معلوم ولهم ولمواشيهم شرب يوم آخر وكانوا يستضرون بذلك فى مواشيهم فهموا بعقرها فَكَذَّبُوهُ اى رسول الله فى وعيده بقوله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فَعَقَرُوها اى الأشقى والجمع على تقدير وحدته لرضى الكل بفعله قال السهيلي العاقر قدار بن سالف وامه قديرة وصاحبه الذي شاركه فى عقر الناقة اسمه مصدع بن وهراوا بن جهم والعقر النحر وقدم التكذيب على العقر لأنه كان سبب العقر وفى الحديث قال عليه السلام لعلى يا على أتدري من أشقى الأولين قال الله رسوله اعلم قال عاقر الناقة قال أتدري من أشقى الآخرين قال الله ورسوله اعلم قال قاتلك وذلك أن الناقة اشارة الى ناقة الروح فكما أن عقرها بالظلمة النفسانية والشهوات الحيوانية من مزيد شقاوة النفس فكذا قتل على رضى الله عنه فانه كان مظهرا لروحانية نبينا عليه السلام ولذا كان وارثه الأكبر فى مقام الحقيقة فالقصد الى على الولي رضى الله عنه قصد الى محمد النبي عليه السلام ولا شقاوة فوق الشقاوة من قابل مظهر الرحمة الكلية بالغضب وانتقام فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ فاطبق عليم العذاب وهو الصيحة الهائلة وهو من تكرير قولهم ناقة مدمومة إذا طلبت بالشحم وأحيطت بحيث لم يبق منها شىء لم يمسه الشحم ودم الشيء سده بالقير ودممت على القبر وغيره إذا أطبقت عليه ثم كررت الدال للمبالغة فى الإحاطة فالدمدمة من الدمدم كالكبكة من الكب قال فى كشف الاسرار تقول العرب دممت على فلان ثم تقول من المبالغة دممت بالتشديد ثم نقول من تشديد المبالغة دمدمت والتركيب يدل على غشيان الشيء الشيء بِذَنْبِهِمْ اى بسبب ذنبهم المحكي والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للانذار بعاقبة الذنب ليعتبر به كل مذنب فَسَوَّاها اى الدمدمة والإهلاك بينهم لم يفلت منهم أحد من صغير وكبير او فسوى ثمود بالأرض (روى) أنهم لما رأوا علامات العذاب طلبوا صالحا عليه السلام ان يقتلوه فانجاه الله كما قال فى سورة هود فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا وَلا يَخافُ عُقْباها الواو للاستئناف او للحال من المنوي فى فسواها الراجع الى الله تعالى اى فسواها الله غير خائف عاقبة الدمدمة

ص: 446