الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليوم المذكور الذي سيقع فيه الأحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ اى يوعدونه فى الدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لان الوعد الاول محمول على الآنى والاستمراري كما مر وهذا الوعد محمول على الماضي بدلالة لفظ كان وفى الذلة اشارة الى ذلة الأنانية فانهم يوم يخرجون من الأجداث يسارعون الى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية فى أنكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لا بليس بقوله أنا خير منه فكما ان إبليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من فى حكمه من الانس ولذا كان السلف يبكون دما من الأخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالانانية من آثار التعيين فان التوحيد الحقيقي هو أن يصير العبد فانيا عن نفسه باقيا بربه فاذا لم يحصل هذا فقد بقي فيه بقية من الناسوتية وكل اناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس والله أسأل أن يكرمنى به وإياكم تمت سورة المعارج بعون خالق الداخل والخارج فى العاشر من شوال سنة ست عشرة ومائة الف
سورة نوح
مكية وآيها سبع او ثمان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ مر سر نون العظمة مرارا والإرسال يقابل بالإمساك يكون للتسخير كارسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحو انا أرسلنا الشياطين على الكافرين قال قتادة أرسل نوح من جزيرة فذهب إليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه او هو سريانى معناه الساكن لان الأرض طهرت من خبث الكفار وسكنت اليه وهو أول من اوتى الشريعة فى قول وأول اولى العزم من الرسل على قول الأكثرين وأول نذير على الشرك وكان قومه يعبدون الأصنام وأول من عذبت أمته وهو شيخ المرسلين بعث ابن أربعين سنة او ثلاثمائة وخمسين او اربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على انه لم يرسل الى اهل الأرض كلهم لانه تعالى قال الى قومه فلو أرسل الى الكل لقيل الى الخلق او ما يشابهه كما قيل لرسول الله وما أرسلناك الا كافة للناس ولقول رسول الله كان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة ثم قال ان قيل فيما جريمة غير قومه حتى عممهم فى الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فانه إذا لم يرسل إليهم لم يكن كلهم مخالفا لامره وعاصيا له حتى يستحقوا الدعاء بالإهلاك أجيب بأنه يحتمل انه تحقق ان نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالإهلاك ايضا انتهى وفنه نظر لانه قال فى انسان العيون فى قوله عليه السلام وكان كل نبى انما يرسل الى قومه اى جميع اهل زمنه او جماعة منهم خاصة ومن الاول نوح عليه السلام فانه كان مرسلا لجميع من كان فى زمنه من أهل الأرض ولما أخبر بأنه لا يؤمن منهم الا من آمن معه وهم اهل السفينة وكانوا ثمانين أربعين رجلا وأربعين امرأة او كانوا
أربعمائة كما فى العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذي كان به هلاك جميع أهل الأرض الا من آمن ولو لم يكن مرسلا إليهم ما دعا عليهم بسبب مخالفتهم له فى عبادة الأصنام لقوله تعالى وما كنا معذبين اى فى الدنيا حتى نبعث رسولا وقول بعض المفسرين أرسل الى آل قابيل لا ينافى ما ذكر لانه يجوز أن يكون آل قابيل اكثر أهل الأرض وقتئذ وقد ثبت ان نوحا عليه السلام أول الرسل اى لمن يعبد الأصنام لان عبادة الأصنام أول ما حدثت فى قومه وأرسله الله إليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذ لا يخالف كون أول الرسل آدم أرسله الله الى أولاده بالايمان به تعالى وتعليم شرائعه فان قلت إذا كانت رسالة نوح عامة لجميع اهل الأرض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام قلت رسالة نوح عليه السلام عامة لجميع أهل الأرض فى زمنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من فى زمنه ومن يوجد بعد زمنه الى يوم القيامة فلا مساواة وحينئذ يسقط السؤال وهو أنه لم يبق بعد الطوفان الا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذي حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثته بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام أَنْ اى أَنْذِرْ قَوْمَكَ خوفهم بالنار على عبادة الأصنام كى ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده فان مفسرة لما فى الإرسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها الجار وأوصل إليها الفعل اى بأن أنذرهم وجعلت صلتها امرا كما فى قوله تعالى وأن أقم وجهك لان مدار وصلها بصيغ الافعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والانشائية ووجوب كون الصلة خبرية فى الموصول الاسمى انما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف الا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحرفى كذلك وحيث استوى الخبر والإنشاء فى الدلالة على المصدر استويا فى صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيغته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الأمر والنهى والمضي والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالإنذار كذا فى الإرشاد وقال بعض العارفين الأنبياء والأولياء فى درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نور العظمة وبعضهم من نور الكبرياء فمن خرج من نور الجمال أورث قومه البسط والانس ومن خرج من نور العظمة أورث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة الله ولذلك أرسله الى قومه بالإنذار فلما عصوه أخذهم بالقهر مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ من الله تعالى عَذابٌ أَلِيمٌ عاجل كالطوفان والغرق او آجل كعذاب لآخرة لئلا يبقى لهم عذرما أصلا كما قال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والأليم بمعنى المؤلم او المتألم مبالغة والألم جسمانى وروحانى والثاني أشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل قالَ لهم يا قَوْمِ اى كروه من وأصله يا قومى خاطبهم بإظهار الشفقة عليهم وارادة الخير لهم وتطبيبا لهم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ منذر من عاقبة الكفر والمعاصي وأفرد الانذار مع كونه بشيرا ايضا لان الانذار أقوى فى تأثير الدعوة لما ان اكثر الناس يطيعون اولا بالخوف من القهر وثانيا بالطمع فى العطاء وأقلهم يطيعون
بالمحبة للكمال والجمال. يقول الفقير الظاهر ان الانذار أول الأمر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام قم فأنذر والتبشير ثانى الأمر كما قال تعالى وبشر المؤمنين فالانذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وان أمكن تبشير الكفار بشرط الايمان لا فى حال الكفر فانهم فى حال الكفر انما يستحقون التبشير التهكمى كما قال تعالى فبشرهم بعذاب أليم مُبِينٌ موضح لحقيقة الأمر بلغة تعرفونها او بين الانذار أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ متعلق بنذير اى بأن اعبدوا الله والأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من افعال القلوب والجوارح وَاتَّقُوهُ يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات وَأَطِيعُونِ يتناول أمرهم بطاعته فى جميع المأمورات والمنهيات والاعتقاديات والعمليات وفى التأويلات النجمية اى فى اخلاقى وصفاتى وأفعالي وأعمالي وأقوالي وأحوالي انتهى وهذا وان كان داخلا فى الأمر بعبادة الله وتقواه الا انه خصه بالذكر تأكيدا فى ذلك التكليف ومبالغة فى تقريره قال بعضهم أصله وأطيعوني بالياء ولم يقل وأطيعوه بالهاء مع مناسبته لما قبله يعنى أسند الا طاعة الى نفسه لما ان إطاعة الرسول إطاعة الله كما قال تعالى من بطع الرسول فقد أطاع الله وقال تعالى وأطيعوا الرسول فاذا كانوا مأمورين باطاعة الرسول فكان للرسول ان يقول وأطيعون وايضا ان الاجابة كانت تقع له فى الظاهر يَغْفِرْ لَكُمْ جواب الأمر مِنْ ذُنُوبِكُمْ اى بعض ذنوبكم وهو ما سلف فى الجاهلية فان الإسلام يجب ما قبله لا ما تأخر عن الإسلام فانه يؤاخذ به ولا يكون مغفورا بسبب الايمان ولذلك لم يقل يغفر لكم ذنوبكم بطى من التبعيضية فانه يعم مغفرة جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وقيل المراد ببعض الذنوب بعض ما سبق على الايمان وهو ما لا يتعلق بحقوق العباد وَيُؤَخِّرْكُمْ بالحفظ من العقوبات المهلكة كالقتل والإغراق والإحراق ونحوها من اسباب الهلاك والاستئصال وكان اعتقادهم ان من أهلك بسبب من هذه الأسباب لم يمت بأجله فخاطبهم على المعقول عندهم فليس يريد أن الايمان يزيد فى آجالهم كذا فى بعض التفاسير إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معين مقدر عند الله والاجل المدة المضروبة للشئ قال فى الإرشاد وهو الأمد الأقصى الذي قدره الله لهم بشرط الايمان والطاعة صريح فى ان لهم أجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوا به وهو المراد بقوله تعالى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ وهو ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر وهو الاجل القريب المطلق الغير المبرم بخلاف الاجل المسمى فانه البعيد المبرم وأضيف الاجل هنا الى الله لانه المقدر والخالق أسبابه وأسند الى العباد فى قوله إذا جاء أجلهم لانهم المبتلون المصابون إِذا جاءَ وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر لا يُؤَخَّرُ فبادروا الى الايمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحققى شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيئ ويتحقق شرط التأخير الى الاجل المسمى فتؤخروا اليه فالمحكوم عليه بالتأخير هو الاجل المشروط بشرط الايمان والمحكوم عليه بامتناعه هو الاجل المشروط بشرط البقاء على الكفر فلا تناقض لانعدام وحدة الشرط ويجوز أن يراد به وقت إتيان العذاب المذكور فى قوله تعالى من قبل ان يأتيهم عذاب أليم فانه أجل موقت له حتما لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شيأ
لسارعتم الى ما أمرتكم به او لعلمتم ان الاجل لا تأخير فيه ولا إهمال وفيه اشارة الى انهم ضيعوا اسباب العلم وآلات تحصيله بتوغلهم فى حب الدنيا وطلب لذاتهم حتى بلغوا بذلك الى حيث صاروا كأنهم شاكون فى الموت
روزى كه أجل در آيد از پيش و پست
…
شك نيست كه مهلت ندهد يك نفست
يارى نرسد در ان دم از هيچ كست
…
بر باد شود جمله هوا وهوست
قالَ اى نوح مناجيا لربه وحاكيا له وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال فى تلك المدد الطوال بعد ما بذل فى الدعوة غاية المجهود وجاوز فى الانذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل رَبِّ اى پروردگار من إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي الى الايمان والطاعة لَيْلًا وَنَهاراً فى الليل والنهار أي دائما من غير فتور ولا توان فهما ظرفان لدعوت أراد بهما الدوام على الدعوة لان الزمان منحصر فيهما وفى كشف الاسرار بشبها در خانهاى ايشان وبروزها در انجمنهاى ايشان. وكان يأتى باب أحدهم ليلا فيقرع الباب فيقول صاحب البيت من على الباب فيقول أنا نوح قل لا اله الا الله فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً مما دعوتهم اليه وفى التأويلات النجمية من متابعتى ودينى وما أنا عليه من آثار وحيك والفرار وبالفارسية كريختن. وهو مفعول ثان لقوله لم يزدهم لانه يتعدى الى مفعولين يقال زاده الله خيرا وزيده فزاد وازداد كما فى القاموس واسناد الزيادة الى الدعاء مع انها فعل الله تعالى لسببيته لها والمعنى ان الله يزيد الفرار عند الدعوة الصرف المدعو اختياره اليه وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ اى الى الايمان وفى التأويلات النجمية كلما دعوتهم بلسان الأمر مجردا عن انضمام الارادة الموجبة لوقوع المأمور فان الأمر إذا كان مجردا عن الارادة لا يجب ان يقع المأمور به بخلاف ما إذا كان مقرونا بالارادة فانه لا بد حينئذ من وقوع المأمور به لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسببه جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ اى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا أصابعهم فى ثقب آذانهم قصدا الى عدم الاستماع وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ الاستغشاء جامه بسر در كشيدن. كما فى تاج المصادر مأخوذ من الغشاء وهو الغطاء وفى الأصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه واصل الاستغشاء طلب الغشي اى الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطى والستر وانما جيئ يصيغته التي هى السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل اى رجوعه الى الحالة التي قدرلها والمعنى وبالغوا فى التغطى بثيابهم كأنهم طلبوا منها ان تغشاهم اى جميع اجزاء بدنهم آلة الابصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر اليه فان المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة الى المتواضع والمؤمن والسنى او لئلا يعرفهم فيدعوهم. يقول الفقير هذا الثاني ليس بشئ لان دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من فى الأرض ذكورهم وإناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان اقل القليل
معلوما على كل حال على ان التغطى من موجبات الدعوة لان بذلك يعلم كونه من اهل الفرار إذ لم يكن فى ذلك الزمان حجاب وقال بعضهم ويجوز ان يكون التغطى مجازا عن عدم ميلهم الى الاستماع والقبول بالكلية لان من هذا شأنه لا يسمع كلامه غيره وَأَصَرُّوا اى أكبوا وأقاموا على الكفر والمعاصي وفى قوله القلوب الإصرار يكون بمعنى ان يعقد بقلبه انه متى قدر على الذنب فعله او لا يعقد الندامة ولا التوبة منه واكبر الإصرار السعى فى طلب الأوزار (وفى تاج المصادر) الإصرار بر چيزى باستادن وكوش راست كردن است. يقال أصر الحمار على العانة وهى القطيع من حمر الوحش إذا ضم اذنيه الى رأسه واقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للاقبال على الكفر والمعاصي والإكباب عليهما بتشبيه الإقبال المذكور بإصرار الحمار على العانة يكدمها ويطردها ولو لم يكن فى ارتكاب المعاصي الا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة فكيف والتشبيه فى أسوأ حاله وهو حال الكدم والطرد للسفاد وَاسْتَكْبَرُوا تعظموا عن اتباعى وطاعتى واخذتهم العزة فى ذلك اسْتِكْباراً شديدا لانهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال بعض العارفين من أصر على المعصية أورثته التمادي فى الضلالة حتى يرى قبيح اعماله حسنا فاذا رآه حسنا يتكبر ويعلو بذلك على اولياء الله ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم قال سهل قدس سره الإصرار على الذنب يورث النفاق والنفاق يورث الكفر ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ دعوة جِهاراً اى أظهرت لهم الدعوة يعنى آشكارا در محافل ايشان. والجهر ظهور الشيء بافراط لحاسة البصر أو حاسة السمع ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً اشارة الى ذكر عموم الحالات بعد ذكر عموم الأوقات اى دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخالفة وأساليب متقاوتة وثم لتفاوت الوجوه فان الجار أشد من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والإعلان ضد الاسرار يقال أسررت الى فلان حديثا أفضيت به اليه فى خفية اى من غير اطلاع أحد عليه وجهرت به اظهرته بحيث اطلع عليه الغير ويجوز ان يكون ثم لتراخى بعض الوجوه عن بعض بحسب الزمان بأن ابتدأ بمناصحتهم ودعوتهم فى السر فعاملوه بالأمور الاربعة وهى الجعل والتغطى والإصرار والاستكبار ثم؟؟؟ ثتى بالمجاهرة بعد ذلك فلما لم يؤثر جمع بين الإعلان والاسرار أي خلط دعاءه بالعلانية بدعاء السر فكما كلمهم جميعا كلمهم واحدا واحدا سرا وقال بعضهم آشكارا كردم مر بعضى ايشانرا يعنى باشكارا آواز برداشتم وباعلاى صوت دعوت كردم وبراز كفتم مر بعضى ديكر از ايشانرا. وفى بعض التفاسير ان نوحا عليه السلام لما آذوه بحيث لا يوصف حتى كانوا يضربونه فى اليوم مرات عيل صبره فسأل الله ان يواريه عن أبصارهم بحيث يسمعون كلامه ولا يرونه فينالونه بمكروه ففعل الله ذلك به فدعاهم كذلك زمانا فلم يؤمنوا فسأل ان يعيده الى ما كان وهو قوله اعلنت لهم وأسررت لهم اسرارا وقال القاشاني ثم انى دعوتهم جهارا اى نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم الى مقام العقل وعالم النور ثم انى اعلنت لهم بالمعقولات الظاهرة وأسررت لهم فى مقام القلب بالاسرار الباطنة ليتو
صلوا إليها بالمعقول فَقُلْتُ لهم عقيب الدعوة عطف على قوله دعوت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ اطلبوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصي قبل الفوت بالموت إِنَّهُ تعالى كانَ غَفَّاراً للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن والمراد من كونه غفارا فى الأزل كونه مريدا للمغفرة فى وقتها المقدر وهو وقت وجود المغفور له وفى كشف الاسرار كان صلة اليه ورؤية التقصير فى العبودية الندم على ما ضاع من ايامهم بالغفلة عن الله وفى الحديث (من اعطى الاستغفار لا يمنع المغفرة لانه تعالى قال استغفروا ربكم انه كان غفارا ولذا كان على رضى الله عنه يقول ما ألهم الله عبدا الاستغفار وهو يريد ان يعذبه وعن بعض العلماء قال الله تعالى ان أحب عبادى الى المتحابون بحبي والمعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت اهل الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم والغفار ابلغ من الغفور وهو من الغافر واصل الغفر الستر والتغطية ومنه قيل لجنة الرأس مغفر لانه يستر الرأس والمغفرة من الله ستره للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم وانما التوبة والطاعة للعبودية وعرض الافتقار وفى بعض الاخبار عبدى لو أتيتنى بقراب اصرض ذنوبا لغفرتها لك ما لم تشرك بي (حكى) ان شيخا حج مع شاب فلما احرم قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لا لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت اسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلاى شىء تتعب نفسك فبكى الشيخ فقال فالى اى باب التجئ فقيل له قد قبلناك
همه طاعت آرند ومسكين نياز
…
بيا تا بدرگاه مسكين نواز
چوشاخ برهنه برآريم دست
…
كه بي برك ازين بيش نتوان نشست
يُرْسِلِ السَّماءَ اى المطر كما قال الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم وقال بعضهم اى ماء السماء فحذف المضاف عَلَيْكُمْ حال كونه مِدْراراً اى كثير الدرور اى السيلان والانصباب وبالفارسية فرو كشايد بر شما باران پى در پى وبيهنكام. وفى الإرسال مبالغة بالنسبة الى الانزال وكذا المدرار صيغة مبالغة ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث كقولهم رجل او امرأة معطار ويرسل جواب شرط محذوف اى ان تستغفروا يرسل السماء وفى قول النجاة فى مثلة انه جواب الأمر وهو هاهنا استغفر واتسامح فى العبارة اعتمادا على وضوح المراد وكسر اللام بالوصل لتحرك الساكن به كأن قوم نوح تعللوا وقالوا ان كنا على الحق فكيف نتركه وان كنا على الباطل فكيف يقبلنا بعد ما عكفنا عليه دهرا طويلا نأمرهم الله بما يمحق ما سلف منهم من المعاصي ويجلب عليهم المنافع وهو الاستغفار ولذلك وعدهم بالعوائد العاجلة التي هى أوقع فى قلوبهم من المغفرة وأحب إليهم إذا النفس حريصة بحب العاجل ولذلك جعلها جواب الأمر بأن قال يوسل السماء إلخ دون المغفرة بأن قال يغفر لكم ليرغبوا فيها ويشاهدوا ان اثرها وبركتها ما يقاس عليه حال المغفرة فالاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات كما ان المعصية سبب لخراب العالم بظهور اسباب القهر الإلهي وقيل لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر واعقم أرحام نسائهم أربعين سنة وقيل
سبعين سنة فوعدهم ان آمنوا ان يرزقهم الله الخصب ويدفع عنهم ما كانوا فيه. يقول الفقير هذا القول هو الموافق للحكمة لان الله تعالى يبتلى عباده بالخير والشر ليرجعوا اليه ألا ترى الى قريش حيث ان الله جعل لهم سبع سنين كسنى يوسف بدعاء النبي عليه السلام ليرجعو اعما كانوا عليه من الشرك فلم يرفعوا له رأسا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ اى يوصل إليكم ويعط لكم المدد والقوة بهما كما قال الله تعالى ويزدكم قوة الى قوتكم وَيَجْعَلْ لَكُمْ اى وينشئ لكم جَنَّاتٍ بساتين ذوات أشجار واثمار وَيَجْعَلْ لَكُمْ فيها أَنْهاراً جارية تزينها بالنبات وتحفظها عن اليبس وتفرح القلوب وتسقى النفوس كان الظاهر تقديم الجنات والأنهار على الامداد لكونهما من توابع الإرسال وانما أخرهما لرعاية رأس الآية وللاشعار بأن كلا منهما نعمة الهية على حدة وعن الحسن البصري قدس سره ان رجلا شكا اليه الجدب فقال استغفر الله وشكا اليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ربع ارضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلاله الآية قال فى فتح الرحمن ولذلك شرع الاستغفار فى الاستسقاء وهو الدعاء بطلب السقيا على وجه مخصوص فاذا أجدبت الأرض وقحط المطر سن الاستسقاء بالاتفاق ومنع أبو حنيفة وأصحابه من خروج اهل الذمة ولم يمنعوا عند الثلاثة ولم يختلطوا بالمسلمين ولم يفردوا بيوم وقد سبق بعض تفصيله فى سورة البقرة ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً انكار لان يكون لهم سبب ما فى عدم رجائهم لله تعالى وقارا على ان الرجاء بمعنى الاعتقاد اى الظن بناء على انه اى الرجاء انما يكون بالاعتقاد وأدنى درجته الظن والوقار فى الأصل السكون والحلم وهو هاهنا بمعنى العظمة لانه يتسبب عنها فى الأغلب ولا ترجون حال من ضمير المخاطبين والعامل فيها معنى الاستقرار فى لكم ولله متعلق بمضمر وقع حالا من وقارا ولو تأخر لكان صفة له والمعنى اى سبب حصل لكم واستقر حال كونكم غير معتقدين لله عظمة موجية لتعظيمه بالايمان والطاعة له اى لا سبب لكم فى هذا مع تحقق مضمون الجملة الحالية وبالفارسية چيست شما را كه اميد نداريد يعنى نمى شناسيد مر خدايرا عظمت وبزركوارى واعتقاد نمى كنيد تا بترسيد از نافرمانئ او. وفى كشف الاسرار هذا الرجاء بمعنى الخوف والوقار العظمة اى لا تخافون لله عظمة وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما لكم لا تخشون منه عقابا ولا ترجون منه ثوابا بتوقيركم إياه وفى التأويلات النجمية ما لكم لا تطلبون ولا تكسبون من اسم الله الأعظم ما يوقركم عنده بالتخلق بكل اسم تحته حتى تصيروا بسبب تحققكم بجميع أسمائه الداخلة فيه مظهره ومجلاه وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً يقال فعل كذا طورا بعد طور أي تارة بعد تارة وعدا طوره اى تجاوز حده وقدره والمعنى والحال انكم على حالة منافية لما أنتم عليه بالكلية وهى انكم تعلمون انه تعالى خلقكم وقدركم تارات اى مرات حالا بعد حال عناصر ثم اغذية ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا آخر فان التقصير فى توقير من هذه شؤونه فى القرة القاهرة والإحسان التام مع العلم بها مما لا يكاد يصدر عن العاقل وقال بعضهم هى اشارة الى الأطوار السبعة المذكورة فى قوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة
من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فهذه هى التارات والأحوال السبع المترتب بعضها على بعض كل تارة أشرف مما قبلها وحال الإنسان فيها احسن مما تقدمها
چون صورت تو بت نگارند بكشمير
…
چون قامت تو سرو نه كارند بكشور
گر نقش تو پيش بت آزر بنگارند
…
از شرم فرو ريزد نقش بت آزر
وقيل خلقكم صبيانا وشبانا وشيوخا وقيل طوالا وقصارا وأقوياء وضعفاء مختلفين فى الخلق والخلق كما قال تعالى واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقيل خلقهم أطوارا حين أخرجهم من ظهر آدم للعهد ثم خلقهم حين اذن بهم ابراهيم عليه السلام للحج ثم خلقهم ليلة اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه إياهم وقال بعض اهل المعرفة خلقكم أطوارا من اهل المعرفة ومن اهل المحبة ومن اهل الحكمة ومن اهل التوحيد ومن اهل الشوق ومن اهل العشق ومن اهل الغناء ومن اهل البقاء ومن اهل الخدمة ومن اهل المشاهدة خلق طورا لارواح القدسية من نور الجبروت وطور العقول الهادية العارفة من نور الملكوت وطور القلوب الشائقة من معادن القربة وطور أجسام الصديقين من تراب الجنة فكل طور يرجع الى معدنه من الغيب أَلَمْ تَرَوْا يا قومى والاستفهام للتقرير والرؤية بمعنى العلم لعلهم علموا ذلك بالسماع من اهله او بمعنى الابصار والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ حال كونها طِباقاً اى متطابقا بعضها فوق بعض كما سبق فى سورة الملك اتبع الدليل الدال على انه يمكن ان يعيدهم وعلى انه عظيم القدرة بدلائل الأنفس لان نفس الإنسان أقرب الأشياء اليه ثم اتبع ذلك بدلائل آفاق فقال وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً اى منور الوجه الأرض فى ظلمة الليل ونسبته الى الكل مع انه فى السماء الدنيا لان كل واحدة من السموات شفافة لا يحجب ما وراءها فيرى الكل كأنها سماه واحدة ومن ضرورة ذلك أن يكون ما فى واحدة منها كأنه فى الكل على انه ذهب ابن عباس وابن عمر ووهب بن منبه رضى الله عنهم الى ان الشمس والقمر والنجوم وجوهها مما يلى السماء وظهورها مما يلى الأرض وهو الذي يقتضيه لفظ السراج لان ارتفاع نوره فى طرف العلو ولولا ذلك لأحرقت جميع ما فى الأرض بشدة حرارتها فجعلها الله نورا وسراجا لأهل الأرض والسموات فعلى هذا ينبغى أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهن سراجا حذف لدلالة الاول عليه وَجَعَلَ الشَّمْسَ هى فى السماء الرابعة وقيل فى الخامسة وقال عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنهما فى الشتاء فى الرابعة وفى الصيف فى السابع ولو أضاءت من الرابعة او من السماء الدنيا لم يطق لها شىء (كما قال فى المثنوى)
آفتابى كز وى اين عالم فروخت
…
اندكى كر پيش آيد جمله سوخت
سِراجاً من باب التشبيه البليع اى كالسراج يزيل ظلمة الليل عند الفجر ويبصر أهل الدنيا فى ضوئها الأرض ويشاهدون الآفاق كما يبصر أهل البيت فى ضوء السراج ما يحتاجون
الى ابصاره وليس القمر بهذه المثابة انما هو نور فى الجملة. وحضرت رسول صلى الله عليه وسلم بجهت آن چراغ كفته كه كما قال تعالى وسراجا منيرا نور وى تاريكى كفر ونفاق را از عرصه روى زمين زائل كردانيد
چراغ دل چشم چشم و چراغ جان رسول الله
…
كه شمع ملت است از پرتو احكام او رخشان
درين ظلمت سرا كرنه چراغ افروختى شرعش
…
كجا كس را خلاصى بودى از تاريكى طغيان
والسراج أعراق عند الناس من الشمس بوجه الشبه الذي هو ازالة ظلمة الليلى لانهم يستعملونه فى الليالى فلا يرد أن يقال ان نور القمر عرضى مستفاد من الشمس كضوء السراج فتشبه القمر بالسراج اولى من يشبيه الشمس به وايضا انه من تشبيه الأعلى بالأدنى وقال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى شرح الأربعين حديثا الضياء هو امتزاج النور بالظلمة وليس فى ذات القمر ما يمتزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولهذا سمى الحق القمر نورا دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه ممدودا من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وانها الحضرة الجامعة للاسماء والصفات وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى إنباتا عجيبا وانشأكم منها إنشاء غريبا بواسطة إنشاء أبيكم آدم منها او انشأ الكل منها من حيث انه خلقهم من النطف المتولدة من النبات المتولد من الأرض استعير الإنبات للانشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من الأرض لانهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محاله حدوث النبات ووضع نباتا موضع إنباتا على انه مصدر مؤكد لأنبتكم بحذف الزوائد ويسمى اسم مصدر دل عليه القرية الآتية وهى قوله ويخرجكم إخراجا وقال بعضهم نباتا حال لا مصدر ونبه بذلك ان الإنسان من وجه نبات من حيث ان بدأه ونشأته من التراب وانه ينمونموه وان كان له وصف زائد على النبات والنبات ما يخرج من الأرض سوآء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامة بما يأكله الحيوان وقال بعض اهل المعرفة والله أنبتكم من الأرض نباتا اى جعل غذآءكم الذي تنمو به أجسادكم من الأرض كما جعل النبات ينمو بالماء بواسطة التراب فغذآء هذه النشأة ونموها بما خلقت منه ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها اى فى الأرض بالدفن عند موتكم وَيُخْرِجُكُمْ منها عند البعث والحشر إِخْراجاً محققا لا ريب فيه وذلك لمجازاة الأولياء ومحاسبة الأعداء ولم يقل ثم يخرجكم بل ذكر بالواو الجامعة إياها مع يعيدكم رمزا الى ان الإخراج مع الاعادة فى القبر كشئ واحد لا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض وفى التأويلات النجمة والله أنبت من ارض بشريتكم نبات الأخلاق والصفات ثم يعيدكم فى تلك الأرض بالبقاء بعد الفناء بطريق الرجوع الى احكام البشرية بالله لا بالطبع والميل الطبيعي ويخرجكم اى ويظهركم ويغلبكم على التصرف فى العالم بالله لا بكم ولا بقدرتكم واستطاعتكم وَاللَّهُ كرر الاسم الجليل للتعظيم والتيمن والتبرك جَعَلَ لَكُمُ اى لمنافعكم الْأَرْضَ سبق بياتها فى سورة الملك وغيرها بِساطاً مبسوطة متسعة كالبساط والفراش تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم فى بيوتكم قال أبو حيان ظاهره ان
الأرض ليست كرية بل هى مبسوطة قال سعدى المفتى وانما هو فى التقلب عليها على ما فسروه انتهى وقد مر مرارا ان كرية الأرض لانتا فى الحرث والغرس ونحوهما لعظم دائرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة لِتَسْلُكُوا من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الإدخال مِنْها سُبُلًا فِجاجاً اى طرقا واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الواسع فجر دهنا لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين قال فى المفردات الفج طريق يكتنفها جبلان ويستعمل فى الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ اى لتسلكوا متخذين من الأرض سبلا فتصرفوا فيها مجيئا وذهابا او بمضمر هو حال من سبلا اى كائنة من الأرض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطا للسلوك المذكور لا ينافى غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك اما جسمانى بالحركة الاينية الموصلة الى المقصد واما روحانى بالحركة الكيفية الموصلة الى المقصود ولكل منهما فوائد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والانس ونحوها وقال القاشاني والله جعل لكم ارض البدن بساطا لتسلكوا منها سبل الحواس فجاجا اى خروقا واسعة او من جهتها سبل سماء الروح الى التوحيد كما قال امير المؤمنين رضى الله عنه سلونى عن طرق السماء فانى أعلم بها من طرق الأرض أراد الطرق الموصلة الى الكمال من المقامات والأحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وأمثال ذلك ولهذا كان معراج النبي عليه السلام بالبدن قالَ نُوحٌ أعبد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الاول ولذا ترك العطف اى قال مناجيا له تعالى رَبِّ اى پروردگار من إِنَّهُمْ عَصَوْنِي داموا على عصيانى ومخالفتى فيما امرتهم به مع ما بالغت فى إرشادهم بالعظة والتذكير وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى استمروا على اتباع رؤسائهم الذين ابطرتهم أموالهم وغرتهم أولادهم وصارت تلك الأموال والأولاد سببا لزيادة خسارهم فى الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفى وصفهم بذلك اشعار بأنهم انما اتبعوهم لو جاهتهم الحاصلة لهم بسبب الأموال والأولاد لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سببا مصححا للاتباع ودل الكلام على ان ازدياد المال والولد كثيرا ما يكون سببا للهلاك الروحاني ويورث الضلال فى الدين اولا والإضلال عن اليقين ثانيا قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية ان أموالهم وأولادهم عين الخسار وان ازديادهما انما هو ازدياد خسارهم والأمر فى الحقيقة كذلك فانهما وان كانا من جملة المنافع المؤدية الى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما الى وجوه الخير الا انهما إذا أديا الى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين الى العذاب المؤبد فى الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لان الدنيا فى جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما فى الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن أكل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فان تلك اللقمة فى حقه هلاك محض
إذ لا عبرة لانتفاعه بها فى جنب ما أدت اليه
تو غافل در انديشه سود ومال
…
كه سرمايه عمر شد پايمال
وَمَكَرُوا عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبرائهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفى كشف الاسرار المكر فى اللغة غاية الحيلة وهو من فعل الله تعالى إخفاء التدبير مَكْراً كُبَّاراً اى كبيرا فى الغاية وقرئ بالتخفيف والاول ابلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكرهم الكبار احتيالهم فى منع الناس عن الدين ونحريشهم لهم علا اذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد أعظم المراتب كان المنع منه والأمر بالشرك أعظم الكبائر فلذا وصفه الله بكونه مكرا كبارا وَقالُوا اى الرؤساء للاتباع والسفلة لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ اى لا تتركوا عبادتها على الإطلاق الى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً جرد الأخيرين عن حرف النفي إذ بلغ التأكيد نهايته وعلم ان القصد الى كل فرد فرد لا الى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصا فهو من عطف الخاص على العام خصوصا بالذكر مع اندراجها فيما سبق لانها كانت اكبر أصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الأصنام بأعيانها عنهم الى العرب فكان ودلكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبدود قال الراغب الود صنم سمى بذلك اما لمودتهم له او لاعتقادهم ان بينه وبين الباري تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب ابو قبيلة سمى به لانه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم موضع عربى صنعاء اليمن وقيل انتقلت اسماؤها إليهم فاتخذوا أمثالها فعبدوها إذ يبعد بقاء اعيان تلك الأصنام كيف وقد خربت الدنيا فى زمان الطوفان ولم يضعها نوح فى السفينة لانه بعث لنفيها وجوابه ان الطوفان دفنها فى ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب نظيره ما روى ان آدم عليه السلام كتب اللغات المختلفة فى طين وطبخه فلما أصاب الأرض الغرق بقي مدفونا ثم وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسمعيل عليه السلام الكتاب العربي وقيل هى اسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح وقيل من أولاد آدم ما توا فحزن الناس عليهم حزنا شديدا واجتمعوا حول قبورهم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى إبليس فعلهم ذلك جاء إليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم إذا نظرتم إليها ذكرتموهم واستأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم ان من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فى زمان مهلاييل بن
قينان ثم صارت سنة فى العرب فى الجاهلية وذلك اما بإخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق او بانه كان لعمرو بن لحى وهو أول من نصب الأوثان فى الكعبة تابع من الجن فقال له اذهب الى جدة وائت منها بالآلهة التي كانت تعبد فى زمن نوح وإدريس وهى ود إلخ فذهب وأتى بها الى مكة ودعا الى عبادتها فانتشرت عبادة الأصنام فى العرب وعاش عمرو بن لحى ثلاثمائة وأربعين سنة ورأى من ولده وولد ولد ولده الف مقاتل ومكث هو وولده فى ولاية البيت خمسمائة سنة ثم انتقلت الولاية الى قريش فمكثوا فيها خمسمائة اخرى فكان البيت بيت الأصنام ألف سنة وذكر الامام الشعراني ان اصل وضع الأصنام انما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين فانهم نزهوا الله عن كل شىء وأمروا بذلك عامتهم فلما رأوا ان بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام وكسوها الديباج والحلي والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم وغاب عن أولئك العلماء ان ذلك لا يجوز الا باذل من الله تعالى هذا كلامه قال السهيلي ولا أدرى من اين سرت لهم تلك الأسماء القديمة أمن قبل الهند فقد ذكر عنهم انهم كانوا المبدأ فى عبادتهم الأصنام بعد نوح أم الشيطان ألهمهم ما كانت عليه الجاهلية الاولى قبل نوح وفى التكملة روى تقى بن مخلد أن هذه الأسماء المذكورة فى لسورة كانوا أبناء آدم عليه السلام من صلبه وأن يغوث كان أكبرهم وهى اسماء سبيانية ثم وقعت تلك الأسماء الى أهل الهند فسموا بها أصنامهم التي زعموا انها على صور الدراري السبعة وكانت الجن تكلمهم من جوفها فافتنوا بها ثم أدخلها الى ارض العرب عمرو بن لحى بن قمعة بن الياس بن مضر فمن قبله سرت الى ارض العرب وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر وهو طائر عظيم لانه ينسر الشيء ويقتلعه وفى التأويلات النجمية لا تتركن عبودية آلهتكم التي هى ود النفس المصورة بصورة المرأة وسواع الهوى المصور بصورة الرجل ويغوث الطبيعة المشكلة بشكل الأسد ويعوق الشهوة المشكلة بصورة الفرس ونسر الشره المصور بصورة النسر وقال القاشاني اى معبوداتكم التي عكفتم بهواكم عليها من ود البدن الذي عبدتموه بشهواتكم وأحببتموه وسواع النفس ويغوث الأهل ويعوق المال ونسر الحرص وَقَدْ أَضَلُّوا اى الرؤساء والجملة حالية كَثِيراً اى خلقا كثيرا او أضل الأصنام كقوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس جمعهم جمع العقلاء لعدهم آلهة ووصفهم بأوصاف العقلاء وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ بالاشتراك فان الشرك ظلم عظيم إذ أصل الظلم وضع الشيء فى غير موضعه فهل شىء أسوأ فى هذا من وضع اخس المخلوق وعبادته موضع الخالق الفرد الصمد وعبادته إِلَّا ضَلالًا الجملة عطف على قوله تعالى رب انهم عصونى اى قال رب انهم عصونى وقال ولا تزد الظالمين الا ضلالا قالوا ومن الحكاية لا من المحكي او من كلام الله لا من كلام نوح فنوح قال كل واحد من هذين القولين من غير ان يعطف أحدهما على الآخر فحكى الله أحد قوليه بتصديره بلفظ قال وحكى قوله صاخر بعطفه على قوله الاول بالواو المنائبة عن لفظ قال فلا يلزم عطف الإنشاء على الاخبار ويجوز
عطفه على مقدر اى فاخذلهم قالوا وحينئذ من المحكي والمراد بالضلال هو الضيام والهلاك والضلال فى تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا فى امر دينهم حتى لا يتوجه انه انما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله فى أن يزيد ضلالهم وان هذا الدعاء يتضمن الرضى بكفرهم وذلك لا يجوز فى حق الأنبياء وان كان يمكن أن يجاب بأنه بعد ما اوحى اليه انه لا يؤمن من قومك الا من قد آمن وان المحذور هو الرضى المقرون باستحسان الكفر ونظيره دعاء موسى عليه السلام بقوله واشدد على قلوبهم فمن أحب موت الشرير بالطبع على الكفر حتى ينتقم الله منه فهذا ليس بكفر فيؤول المعنى الى أن يقال ولا يزد الظالمين الا ضلال وغيا ليزدادوا عقابا كقوله تعالى انما نملى لهم ليزدادوا اثما وقوله انى أريد أن تبوء بإثمي واثمك فتكون من اصحاب النار قالوا دعا نوح الأبناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون فلما ايس من ايمانهم دعا عليهم مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ اى من أجل خطيئات قوم نوح وأعمالهم المخالفة للصواب وهى الكفر والمعاصي وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فانه يدل على ان إغراقهم بالطوفان لم يكن الامن أجل خطيئاتهم تكذيبا لقول المنجمين من ان ذلك كان لاقتضاء الأوضاع الفلكية إياه ونحو ذلك فانه كفر لكونه مخالفا لصريح هذه الآية ولزيادة ما الا بهامية فائدة غير التوكيد وهى تفخيم خطيئاتهم اى من أجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلا منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ ابو عمرو خطاياهم بلفظ الكثرة لان المقام مقام تكثير خطيئاتهم لانهم كفروا ألف سنة والخطيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة الا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى ان كل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من غير نظر الى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل انهما مشتركان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى ما نفدت كلمات الله أُغْرِقُوا فى الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقا فَأُدْخِلُوا ناراً تنكير النار اما لتعظيمها وتهويلها او لانه تعالى أعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النار والمراد اما عذاب القبر فهو عقيب الإغراق وان كانوا فى الماء فان من مات فى ماء او نار او أكلته السباع او الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك انهم كانوا يغرقون من جانب اى بالأبدان ويحرقون من جانب اى بالأرواح فجمعوا بين الماء والنار كما قال الشاعر
الخلق مجتمع طورا ومفترق
…
والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت
…
فالله يجمع بين الماء والنار
او عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لاغراقهم لاقترابه وتحققه لا محالة واتصال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على ان النار اما نصف نار وهى للارواح فى البرزخ واما تمام نار وهى للارواح والأجسام جميعا بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً اى لم يجد أحد منهم لنفسه واحدا من الأنصار ينصرهم على من أخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله وبأنها
غير قادرة على نصرهم وتهكم بهم ومن دون الله حال متقدمة من قوله أنصارا والجملة الاستئنافية الى هنا من كلام الله اشعارا بدعوة اجابة نوح وتسلية للرسول عليه السلام وأصحابه وتخويفا للعاصى من العذاب وأسبابه وَقالَ نُوحٌ بعد ما قنط من اهتدائهم قنوطاتا ما بالأمارات الغالبة وبأخبار الله تعالى رَبِّ اى پروردگار من لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ لا تترك على الأرض مِنَ الْكافِرِينَ بك وبما جاء من عندك حال متقدمة من قوله دَيَّاراً أحدا يدور فى الأرض فيذهب ويجيئ اى فأهلكهم بالاستئصال والجملة عطف على نظيرها السابق وقوله تعالى مما خطيئاتهم إلخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للايذان من أول الأمر بان ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم الا لاجل خطيئاتهم التي عددها نوح وأشار الى استحقاقهم للاهلاك لاجلها لما انها حكاية لنفس الإغراق والإحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأحوال والأقوال والا لأخر عن حكاية دعائه هذا وديار من الأسماء المستعملة فى النفي العام يقال ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم اى أحد وساكن وهو فيعال من الدور او من الدار أصله ديوار وقد فعل به ما فعل بأصل سيد فمعنى ديار على الاول أحد يدور فى الأرض فيذهب ويجيئ وعلى الثاني أحد ممن ينزل الدار ويسكنها وأنكر بعضهم كونه من الدوران وقال لو كان من الدور ان لم يبق على وجه الأرض جنى ولا شيطان وليس المعنى على ذلك وانما المعنى أهلك كل ساكن دار من الكفار أي كل انسى منهم. يقول الفقير جوابه سهل فان المراد كل من يدور على الأرض من امة الدعوة وليس الجن والشيطان منها إذ لم يكن نوح مبعوثا الى الثقلين وليس ديار فعالا من الدار والا لقيل دوار لان اصل دار دور فقلبت واوه ألفا فلما ضعفت عينه كان دوارا بالواو الصحيحة المشددة إذ لا وجه لقلبها ياء إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ عليها كلا او بعضا ولا تهلكهم بيان لوجه دعائه عليهم واظهار بأنه كان من الغيرة فى الدين لا لغلبة غضب النفس لهواها يُضِلُّوا عِبادَكَ عن طريق الحق قال بعضهم عبادك المؤمنين وفيه اشعار بأن الأهل لان يقال لهم عباد اهل الايمان انتهى وفيه نظر بل المراد يصدوا عبادك عن سبيلك كقوله تعالى وصدوا عن سبيل الله دل عليه انه كان الرجل منهم ينطلق بابنه الى نوح فيقول له احذر هذا فانه كذاب وان ابى حذرنيه وأوصاني بمثل هذه الوصية فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك وَلا يَلِدُوا ونزايند إِلَّا فاجِراً لفجر شق الشيء شقا واسعا كفجر الإنسان السكر وهو بالكسر اسم لسد النهر وما سد به النهر والفجور شق ستر الديانة كَفَّاراً مبالغا فى الكفر والكفران قال الراغب الكفارا بلغ من الكفور وهو المبالغ فى كفران النعمة والمعنى الا من سيفجر ويكفر فالوجه ارتفاعهم عن وجه الأرض والعلم لك فوصفهم بما يصيرون اليه بعد البلوغ فهو من مجاز الاول وكأنه اعتذار مما عيسى يرد عليه من ان الدعاء بالاستئصال مع احتمال ان يكون من اخلافهم من يؤمن منكر وانما قاله بالوحى لقوله تعالى فى سورة هود واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فان قلت هذا إذا كان دعاء نوح متأخرا عن وحي تلك الآية وذلك
غير معلوم قلت الظاهر ان مثل هذا الدعاء انما يكون فى الأواخر بعد ظهور امارات النكال قال بعضهم لا يلد الحية الا الحية وذلك فى الأغلب ومن هناك قيل (إذا طاب اصل المرء طابت فروعه) ونحوه الولد سر أبيه قال بعضهم فى توجيهه ان الولد إذا كبر انما يتعلم من أوصاف أبيه او يسرق من طباغه بل قد يصحب المرء رجلا فيسرق من طباعه فى الخير والشر. يقول الفقير معناه فيه ما فيه اى من الجمال والجلال فقد يكون الجمال الظاهر فى الأب باطنا فى الابن كما كان فى قابيل بن آدم حيث ظهر فيه ما بطن فى أبيه من الجلال وكان الأمر بالعكس فى هابيل بن آدم وهكذا الأمر الى يوم القيامة فى الموافقة والمخالفة وقال بعض الكبار اعتذار نوح يوم القيامة عند طلب الخلق الشفاعة منه بدعوته على قومو انما هو لما فيها من قوله ولا يلدوا الا فاجرا كفارا لا نفس
دعائه عليهم من حيث كونه دعاء انتهى أشار الى ان دعاء نوح كان بالأمارات حيث جربهم قريبا من ألف سنة فلم يظهر منهم الا الكفر والفجور ولو كان بالوحى لما اعتذار كما قال القاشاني مل من دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم وحكم بظاهر الحال ان المحجوب الذي غلب عليه الكفر لا يلد الا مثله فان النطفة التي تنشأ منها النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل الا مثلها كالبذر الذي لا ينبت الا من صنفه وسبخه وغفل عن ان الولد سر أبيه اى خاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقى الاستعداد صافى الفطرة نقى الأصل بحسب الاستعداد الفطري وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ بينهم فدان بدينهم ظاهرا وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حال النورية كولادة أبى ابراهيم عليه السلام فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التي غلبت على باطنه وحجبته فى تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان وكان عقوبة لذنب حاله انتهى ويدل على ما ذكر من ان دعاءه أليس مبنيا على الوحى ما ثبت ان النبي عليه السلام شبه رضى الله عنه فى الشدة بنوح وأبا بكر رضى الله عنه فى اللبن بإبراهيم قال بعض العارفين فى قوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين فى هذه الآية عتاب لطيف فانها نزلت حين مكث يدعو على قوم شهرا مع ان سبب ذلك الدعاء انما هو الغيرة على جناب الله تعالى وما يستحقه من الطاعة ومعنى العتاب انى ما أرسلتك سبايا ولا لعانا وانما بعثتك رحمة اى لترحم مثل هؤلاء الذين دعوت عليهم كأنه يقول لو كان بدل دعائك عليهم الدعاء لهم لكان خيرا فانك إذا دعوتنى لهم ربما أجبت دعاءك فوفقتهم لطاعتى فترى سرور عينك وقرتها فى طاعتهم لى وإذا لعنتهم ودعوت عليهم وأجبت دعاءك فيهم لم يكن من كرمى ان آخذهم الا بزيادة طغيانهم وكثرة فسادهم فى الأرض وكل ذلك انما كان بدعائك عليهم فكأنك امرتهم بالزيادة فى الطغيان الذي أخذناهم به فتنبه رسول الله عليه السلام لما أدبه به ربه فقال ان الله أدبني فأحسن تأديبى ثم صار يقول بعد ذلك اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وقام ليلة كاملة الى الصباح بقوله تعالى ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم لا يزيد عليها فأين هذا من دعائه قبل ذلك على رعل وذكوان وعصية وعلى صناديد قريش اللهم عليك بفلان
اللهم عليك بفلان فاعلم ذلك فاقتد بنبيك فى ذلك والله يتولى هداك (وقال بعض اهل المعرفة) نوح چون از قوم خود برنجيد بهلاك ايشان دعا كرد ومصطفى عليه السلام چون از قوم خود برنجيد بشفقت كفت اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون. واعلم انه لا يجوز ان يدعى على كافر معين لانا لا نعلم خاتمته ويجوز على الكفار والفجار مطلقا وقد دعا عليه السلام على من تحزب على المؤمنين وهذا هو الأصل فى الدعاء على الكافرين رَبِّ اغْفِرْ لِي ذنوبى وهى ما صدر منه من ترك الاولى وَلِوالِدَيَّ ذنوبهما ابو ملك بن متوشلخ على وزن الفاعل كمتد حرج او هو بضم الميم والتاء المشددة المضمومة وفتح الشين المعجمة وسكون اللام وروى بعضهم الفتح فى الميم وامه سمخا بنت انوش كانا مؤمنين قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يكفر لنوح أب ما بينه وبين آدم وفى اشراق التواريخ امه قسوس بنت كابيل وفى كشف الاسرار هيجل بنت لاموس ابن متوشلخ بنت عمه وكانا مسلمين على ملة إدريس عليه السلام وقيل المراد بوالديه آدم وحواء عليهما السلام وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ اى منزلى وقيل مسجدى فانه بيت اهل الله وان كان بيت الله من وجه وقيل سفينتى فانها كالبيت فى حرز الحوائج وحفظ النفوس عن الحر والبرد وغيرهما مُؤْمِناً حال كون الداخل مؤمنا وبهذا القيد خرجت امرأته واعلة وابنه كنعان ولكن لم يجزم عليه السلام بخروجه الا بعد ما قيل له انه ليس من أهلك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بي او من لدن آدم الى يوم القيامة. وكفته اند مراد ابن امت مرحومه اند. خص اولا من يتصل به نسبا ودينا لانهم اولى وأحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات وفى الحديث (ما الميت فى القبر الا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او أخ او صديق فاذا لحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثل الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً اى هلاكا وكسرا وبالفارسية مكر هلاكى بسختى. والتبر دقاق الذهب قال فى الاول ولا تزد الظالمين الا ضلالا لانه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيرا وفى الثاني الا تبارا لانه وقع بعد قوله لا تذر على الأرض إلخ فذكر فى كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه ولظاهر انه عليه السلام أراد بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين فى زمانه متمكنين فى الأرض ما بين المشرق والمغرب فمسئوله ان يهلكهم الله فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من انه أراد جزيرة العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول اصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا فى الأطراف مغاربها ومشارقها من اهل السفينة دل الكلام على ان الظالم إذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق ان يدعى عليه وعلى أعوانه وأنصاره قيل غرق معهم صبيانهم ايضا لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وأمهاتهم بإراءة إهلاك أطفالهم الذين كانوا أعز عليهم من أنفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى وعن الحسن انه
سئل عن ذلك فقال علم الله براءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبيان من يموت بالغرق والحرق وسائر اسباب الهلاك وقيل اعقم الله أرحام نسائهم وايبس أصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين او سبعين سنة فلم يكن معهم صبى ولا مجنون حين غرقوا لان الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ولم يوجد التكذيب من الأطفال والمجانين وفى الاسئلة المقحمة ولو أهلك الأطفال بغير ذنب منهم ماذا يضر فى الربوبية أليس الله يقول قل فمن يملك من الله شيأ ان أراد أن يهلك المسيح بن مريم وامه ومن فى الأرض جميعا. يقول الفقير الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والأمهات لان نوحا عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا الا فاجرا كفارا إذ من سيفجر ويكفر فى حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقا عموما بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالاصالة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموما وخصوصا
بالنجاة لان المغفور ناج لا محالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان إذا قرأ القرآن بالليل فمر بآية يقول لى يا عكرمة ذكرنى هذه الآية غدا فقرأ ذات ليلة هذه الآية اى رب اغفر لى إلخ فقال يا عكرمة ذكرنى هذه غدا فذكر تهاله فقال ان نوحا دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد استجيب دعاؤه على الكافرين فاهلكوا وكذلك استجيب دعاؤه فى المؤمنين فيغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بدعائه. ورد عن بعض الصحابة رضى الله عنهم انه قال نجاة المؤمنين بثلاثة أشياء بدعاء نوح وبدعاء اسحق وبشفاعة محمد عليه السلام يعنى المذنبين وفى التأيلات النجمية رب اغفر لى ولوالدى من العقل الكلى والنفس الكلى ولمن دخل بيتي مؤمنا من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الايمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الا تبارا هلاكا بالكلية بالفناء فى الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى وقال القاشاني رب اغفر لى اى استرني بنورك بالفناء فى التوحيد ولروحى ونفسى اللذين هما أبوا لقلقب ولمن دخل بيتي اى مقامى فى حضرة القدس مؤمنا بالتوحيد لعلمى اولا رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم الى مقام الفناء فى التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الا تبارا هلاكا بالغرق فى بحر الهيولى وشدة الاحتجاب انتهى فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى تمت سورة نوح بعون من بيده الفتوح يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شوال من سنة ست عشرة ومائة وألف