المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الحاقة - روح البيان - جـ ١٠

[إسماعيل حقي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌تفسير سورة التغابن

- ‌تفسير سورة الطلاق

- ‌تفسير سورة التحريم

- ‌سورة الملك مكية

- ‌تفسير سورة ن

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌تفسير سورة الضحى

- ‌تفسير سورة الم نشرح

- ‌تفسير سورة التين

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌تفسير سورة الإيلاف

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌تفسير سورة الكافرين

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌تفسير سورة الناس

الفصل: ‌تفسير سورة الحاقة

والثاني الكركي لا يطا الأرض بقدميه بل بإحداهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الأرض والثالث الطائر الذي يقعد على سواقى الماء من الأنهار يعرف بمالك الحزين شبيه الكركي لا يشبع من الماء خشية ان يفنى فيموت عطشا ففى الاول اشارة الى ذم العجب وفى الثاني الى مدح الخوف وفى الثالث الى قدح الحرص فليعتبر العاقل من غير العاقل والسعيد من وعظ بغيره وأخذ الاشارة من كل شىء نسأل الله البصيرة التامة بمنه وَيَقُولُونَ لغاية حيرتهم فى امره عليه السلام ونهاية جهلهم بما فى القرآن من بدائع العلوم ولتنفير الناس عنه والا فقد علموا انه اعقلهم إِنَّهُ عليه السلام لَمَجْنُونٌ الظاهر أنه مثل قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون (وقال الكاشفى) بدرستى كه اين مرد ديو كرفته يعنى با او جنى است كه او را تعليم ميدهند. كما قال الوليد ابن المغيرة معلم مجنون يعنى يأتيه رئيى من الجن فيعلمه وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه عليه السلام رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ على انه حال من فاعل يقولون مفيدة لغاية بطلان قولهم وتعجيب للسامعين من جراءتهم على التفوه بتلك العظيمة اى يقولون ذلك والحال ان القرآن ذكر للعالمين من الجن والانس اى تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون اليه من امور دينهم فأين من انزل عليه ذلك وهو مطلع على أسراره طرا ومحيط بجميع حقائقه خبرا مما قالوا فى حقه من الجنون اى انه من أول الأمور على كمال عقله وعلو شأنه فمن نسب اليه القصور فانما هو من جهله وجنته فان الفضل لا يعرفه إلا ذووه

إذا لم يكن للمرء عين صحيحة

فلا غروأن يرتاب والصحيح مسفر

وقيل معناه شرف وفضل لقوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك وفيه اشارة الى الإلهام فانه ذكر لصاحبه ولمن اعتقده واقتدى به إذا الآثار باقية الى يوم القيامة وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكونه ذكرا وشرفا للعالمين لا ريب فيه

اى شرف جمله عالم بتو

روشنى ديده عالم بتو

وفيه اشارة الى سادات أمته واركان دينه تمت سورة نون بعونه خالق القلم وما يسطرون فى الخامس والعشرين يوم الاثنين من شعبان من سنة ست عشرة بعد المائة

‌تفسير سورة الحاقة

وآيها احدى وخمسون اية مكية بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَاقَّةُ هى من اسماء القيامة من حق يحق بالكسر إذا وجب وثبت لانها يحق اى يجب مجيئها ويثبت وقوعها كما قال تعالى ان الساعة آتية لا ريب فيها فالاسناد حقيقى وقال الراغب فى المفردات لانها يحق فيها الجزاء فالاسناد مجاذى كنهاره صائم ونحو مَا الْحَاقَّةُ الأصل ما هى اى اى شىء هى فى حالها وصفتها فان ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر

ص: 130

تأكيدا لهولها كما يقال زيد ما زيد على التعظيم لشأنه فقوله الحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان وما بعده خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط تكرير المبتدأ بلفظه هذا ما ذكروه فى اعراب هذه الجملة ونظائرها ومقتضى التحقيق أن تكون ما الاستفهامية خبرا لما بعدها فان مناط الفائدة بيان أن الحاقة امر بديع وخطب فظيع كما يفيده كون ما خبرا لا بيان ان امرا بديعا الحاقة كما يفيده كونها مبتدأ وكون الحاقة خبرا كذا فى الإرشاد وَما أَدْراكَ من الدراية بمعنى العلم يقال دراه ودرى به اى علم به من باب رمى وأدراه به اعلمه قال فى تاج المصادر الدراية والدرية والدري دانستن ويعدى بالباء وبنفسه قال سيبويه وبالباء اكثر قوله ما مبتدأ وادراك خبره ولا مساغ هاهنا للعكس والمعنى واى شىء أعلمك يا محمد وبالفارسية و چهـ چيز دانا كردانيد ترا مَا الْحَاقَّةُ جملة من مبتدأ وخبر فى موضع المفعول الثاني لأدراك والجملة الكبيرة تأكيد لهول الساعة وفظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علم المخلوقات على معنى ان أعظم شأنها ومدى هولها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية أحد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهى أعظم من ذلك وأعظم فلا يتسنى الاعلام قال بعضهم ان النبي عليه السلام وان كان عالما بوقوعها ولكن لم يكن عالما بكمال كيفيتها ويحتمل أن يقال له عليه السلام اسماعا لغيره وفى التأويلات النجمية يشير بالحاقة الى التجلي الاحدى الاطلاقى فى مرءاة الواحدية المفنى للكل كما قال لمن الملك اليوم لله الواحد القهار بقهر سطوات أنوار الاحدية جميع ظلمات التعينات الساترة اطلاق الذات المطلقة وسمى بالحاقة لثبوته فى ذاته وتحققه فى نفسه كَذَّبَتْ ثَمُودُ قوم صالح من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له وَعادٌ قوم هود وهى قبيلة ايضا وتمنع كما فى القاموس بِالْقارِعَةِ من جملة اسماء الساعة ايضا لانها تقرع الناس اى تضرب بفنون الافزاع والأهوال اى تصيبهم بها كأنها تقرعهم بها والسماء بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعت موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع فيها زيادة فى وصف شدتها فان فى القارعة ما ليس فى الحاقة من الوصف يقال أصابتهم قوارع الدهر أي أهواله وشدائده قيل منها قوارع القرآن للآيات التي تقرأ حين الفزع من الجن والانس لقرع قلوب المؤذين بذكر جلال الله والاستمداد من رحمته وحمايته مثل آية الكرسي ونحوها وفى الآية تخويف لاهل مكة من عاقبة تكذيبهم بالبعث والحشر فَأَمَّا ثَمُودُ وكانوا عربا منازلهم بالحجر بين الشام والحجاز يراها حجاج الشام ذهابا وإيابا فَأُهْلِكُوا اى اهلكهم الله لتكذيبهم فأخبر عن الفعل لانه المراد دون الفاعل لانه معلوم بِالطَّاغِيَةِ اى بالصيحة التي جاوزت عن حد سائر الصيحات فى الشدة فرجفب منها الأرض والقلوب وتزلزلت فاندفع ما يرى من التعارض بين قوله تعالى فأخذتهم الرجفة وبين قوله تعالى فأخذتهم الصيحة والقصة واحدة وفى الآية اشارة الى اهل العلم الظاهر المحجوبين عن العلوم الحقيقية فانهم اهل العلم القليل كما ان ثمود اهل الماء القليل فلما كذبوا فناء اهل العلم الباطن من طريق السلوك اهلكهم الله بصاعقة نار البعد والاحتجاب فليس لهم صلاح فى الباطن وان كان لهم صلاح

ص: 131

فى الظاهر وذلك لانهم لم يتبعوا صالحا من الصلحاء الحقيقيين فيقوا فى فساد النفس وَأَمَّا عادٌ وكانت منازلهم بالأحقاف وهى الرمل بين عمان الى حضر موت واليمن وكانوا عربا ايضا ذوى بسطة فى الخلق وكان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين وأوسطهم ما بين ذلك وكان رأس الرجل منهم كالقبة يفرخ فى عينيه ومنخره السباع وتأخيره عن ثمود مع تقدمهم زمانا من قبيل الترقي من الضال الشديد الى الاضل الأشد فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ هى الدبور لقوله عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور صَرْصَرٍ اى شديدة الصوت لها صرصرة فى هبوبها وهى بالفارسية بانك كردن باز و چرغ وآنچهـ بدان ماند. او شديدة البرد تحرق ببردها النبات والحرث فان الصر بالكسر شدة البرد عاتِيَةٍ مجاوزة للحد فى شدة العصن كأنها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها والرياح مسخرة لميكائيل تهب باذنه وتنقطع باذنه وله أعوان كأعوان ملك الموت (روى انه ما يخرج من الريح شىء الا بقدر معلوم ولما اشتد غضب الله على قوم عاد أصابتهم ريح خارجة عن ضبط الخزان ولذلك سميت عاتية او المعنى عاتية على عاد فلم يقدر وأعلى ردها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل او اختفاء فى حفرة فانها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم سَخَّرَها عَلَيْهِمْ التسخير سوق الشيء الى الغرض المختص به قهرا والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط الله تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة اخرى ويقال استئناف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع انه لو كان كذلك لكان بتسبيبه وتقديره فلا يخرج من تسخيره تعالى سَبْعَ لَيالٍ منصوب على الظرفية لقوله سخرها أنت العدد لكون الليالى جمع ليلة وهى مؤنث فتبع مفرد موصوفه يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويومة وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالى بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالاعلال مثل الاهالى والاهال فى جمع اهل إلا حالة النصب نحو قوله تعالى سيروا فيها ليالى وأياما آمنين لانه غير منصرف والفتح خفيف وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ ذكر العدد لكون الأيام جمع يوم وهو مذكر حُسُوماً جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها فى تلك الليالى والأيام وقال بعضهم صفة لما قبله (كما قال الكاشفى) روزها وشبهاى متوالى. والمعنى على الاول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها فى تلك المدة ساعة حتى أهلكتهم تمثيلا لتنابعها بتتابع فعل الحاسم فى إعادة الكي على داء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال فى تاج المصادر الحسم بريدن و پيوسته داغ كردن. فهو من استعمال المقيد فى المطلق إذا لخسم هو تتابع الكي او نحسات حسمت كل خير واستأصلته او قاطعات قطعت دابرهم والحاصل ان تلك الرياح فيها ثلاث حبثيات الاولى تتابع هبوبها والثانية كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة أتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حسوما بمعنى حاسمات اما تشبيها لها بمن يحسم الداء فى تتابع الفعل واما لان الحسم فى اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لانه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته وهى كانت ايام برد العجوز

ص: 132

من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر الى غروب الأربعاء الآخر وهو آخر الشهر وعن ابن عباس رضى الله عنه برفعه آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وانما سميت عجوزا لان عجوزا من عاد تورات فى سرب اى فى بيت فى الأرض فانتزعتها الريح فى اليوم الثامن فأهلكتها وقبل هى ايام العجز وهى آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر الى الاول قال برد العجوز ومن نظر الى الثاني قال برد العجز وفى روضة الاخبار رغبت عجوز الى أولادها أن يزوجوها وكان لها سبعة بنين فقالوا الى أن تصبرى على البرد عارية لكل واحد مناليلة ففعلت فلما كانت فى السابعة ماتت فسميت تلك الأيام ايام العجوز واسماء هذه الأيام الصن وهو بالكسر أول ايام العجوز كما فى القاموس والصنبر وهى الريح الباردة والثاني من ايام العجوز كما فى القاموس والوبر وهو ثالث ايام العجوز والمعلل كمحدث وهو الرابع من أيامها

ومطفئ الجمر وهو خامس ايام العجوز او رابعها كما فى القاموس وقيل مكفئ الظعن اى مميلها وهو جمع ظعينة وهو الهودج فيه امرأة أم لا والآمر والمؤتمر قال فى القاموس آمر ومؤتمر آخر ايام العجوز قال الشاعر

كسع الشتاء بسبعة غبر

ايام شهلتنا من الشهر

فاذا انقضت ايام شهلتنا

بالصن والصنبر والوبر

وبآمر وأخيه مؤتمر

ومعلل وبمطفئ الجمر

ذهب الشتاء موليا هربا

وأتتك موقدة من الحر

قال فى الكواشي ولم يسم الثامن لان هلاكهم واهلاكها كان فيه وفى عين المعاني ان الثامن هو مكفئ الظعن ثم قال فى الكواشي ويجوز انها سميت ايام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لاهلاكهم فيه والذي لم يسم هو الاول وان كان العذاب واقعا فى ابتدائه لان ليلته غير مذكورة فلم يسم اليوم تبعا للتلة لان التاريخ يكون بالليالي دون الأيام فالصن ثانى الأيام الثمانية أول الأيام المذكورة لياليها انتهى. يقول الفقير سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة الى الانس سبعة ايام من ايام الآخرة وفى اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم فى الليالى السبع اشارة الى الليالى البشرية الساترة للصفات السبع الالهية التي هى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وفى الأيام اشارة الى الأيام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهى الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التي تقطع امور الحق وأحكامه من الخيرات والمبرات يعنى قاطعات كل خير وبر وقال القاشاني واما عاد المغالون المجاوزون حد الشرائع بالزندقة والإباحة فى التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية اى الشديدة الغالبة عليم الذاهبة بهم فى اودبة الهلاك سخرها الله عليهم فى مراب الغيوب السبع التي هى لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالايام وهى الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم فَتَرَى يا محمد او يا من شأنه أن يرى ويبصر ان كنت حاضرا حينئذ الْقَوْمَ اى

ص: 133

قوم عاد فاللام للعهد وبالفارسية پس تو ميديدى قوم عاد را اگر حاضر مى بودى فِيها اى فى محال هبوب تلك الريح او فى تلك الليالى والأيام ورجحه ابو حيان للقرب وصراحة الذكر صَرْعى موتى جمع صريع كقتلى وقتيل حال من القوم لان الروية بصرية ولصريع بمعنى مصروع اى مطروح على الأرض ساقط لان الصرع الطرح وقد صرعوا بموتهم كَأَنَّهُمْ كوبيا ايشان از عظم أجسام أَعْجازُ نَخْلٍ بيخهاى درخت خرمااند.

الكاف فى موضع الحال اما من القوم على قول من جوز حالين من ذى حال واحد او من المنوي فى صرعى عند من لم يجوز ذلك اى مصروعين مشبهين بأصول نخل كما قال فى القاموس العجز مثلثة وكندس وكتف مؤخر الشيء واعجاز النخل أصولها انتهى والنخل اسم جنس مفرد لفظا وجمع معنى واحدتها نخلة خاوِيَةٍ اصل الخوى الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام اى خلا والمعنى متأكلة الأجواف خالتتها لا شىء فيها يعنى انهم متساقطون على الأرض أمواتا طوالا غلاظا كأنهم اصول نخل مجوفة بلا فروع شبهوا بها من حيث ان أبدانهم خوت وخلت من أرواحهم كالنخل الخاوية وقيل كانت الريح تدخل من أفواههم فتخرج ما فى أجوافهم من ادبارهم فصاروا كالنخل الخاوية ففيه اشارة الى عظم خلفهم وضخامة أجسادهم ولذا كانوا يقولون من أشد منا قوة والى ألذ الريح ابلتهم فصاروا كالنخل الموصوفة وفيه اشارة الى ان اهل النفس موتى لا حياة حقيقية لهم لانهم قائمون بالنفس لا بالله كما قال كأنهم خشب مسندة كأنهم أعجاز نخل اى أقوياء بحسب الصورة لا معنى فيهم ولا حياة ساقطة عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقي إذ لا تقوم بالله والى ان النفس وصفائها مجوفة ليس لها بقاء لان البقاء انما هو بفيض الروح يعنى ان الذي رش عليه من رطوبة الروح حى بإذن الله وصلح قابلا للصفات الالهية وإلا مات وفسد فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الاستفهام لانكار الرؤية والباقية اسم كالبقية لاوصف والتاء للنقل الاسمية ومن زائدة وباقية مفعول ترى اى ما ترى منهم بقية من صغارهم وكبارهم وذكورهم وإناثهم غير المؤمنين ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف بمعنى نفس باقية او مصدرا بمعنى البقاء كالكاذبة والطاغية والبقاء ثبات الشيء على الحالة الاولى وهو يضاد الفناء

مقرر است كه بودند بر زمانه بسى

شهان تخت نشين خسروان شاه نشان

چوعاصفات قضا از مهب قهر وزيد

شدند خاك واز ان خاك نيز نيست نشان

فعلى العاقل أن يجتهد حتى يبقى فى الدنيا بالعمر الثاني كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن ابراهيم الخليل عليه السلام واجعل لى لسان صدق فى الآخرين على ان الحياة الباقية الحقيقية هى ما حصلت بالتجلى الإلهي والفيض المآلى الكلى نسأل الله سبحانه أن يفيض علينا سجال فيضه وجوده بحرمة أسمائه وصفاته ووجوب وجوده وَجاءَ فِرْعَوْنُ اى فرعون موسى أفرده بالذكر لغاية علوه واستكباره وَمَنْ قَبْلَهُ ومن تقدمه من الكفرة غير عاد وثمود فهو من قبيل التعميم بعد التخصيص ومن صولة وقبل نقيض بعد وقرأ ابو عمرو ويعقوب والكسائي قبله بكسر القاف وفتح الباء بمعنى ومن معه من القبط من اهل مصرف وَالْمُؤْتَفِكاتُ

ص: 134

اى قرى قوم لوط اى أهلها لانها عطفت على ما قبلها من فرعون ومن قبله يقال افكه عن الشيء اى قلبه وائتفكت البلدة بأهلها اى انقلبت والله تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم فهى المنقلبات بالخسف وهى خمس قريات صعبه وصعده وعمره ودوما سدوم وهى أعظم القرى ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتتميم لان قوم لوط أتوا بفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين بِالْخاطِئَةِ الباء للملابسة والتعدية وهو الأظهر اى بالخطأ او بالغفلة او الافعال ذات الخطأ العظيم التي من جملتها تكذيب البعث والقيامة فالخاطئة على الاول مصدر كالعاقبة وعلى الأخيرين صفة لمحذوف والبناء للنسبة على التجريد والأظهر انه من المجاز العقلي كشعر شاعر فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ اى فعصى كل امة رسولهم حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح فالرسول هنا بمعنى الجمع لان فعولا وفعيلا يستوى فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع فهو من مقابلة الجمع بالجمع المستدعية لانقسام الآحاد على الآماد فالاضافة ليست للعهد بل للجنس فَأَخَذَهُمْ اى الله تعالى بالعقوبة اى كل قوم منهم أَخْذَةً رابِيَةً اى زائدة فى الشدة على عقوبات سائر الكفار أو على القدر المعروف عند الناس لما زادت معاصيهم فى القبح على معاصى سائر الكفرة أغرق من كذب نوحا وهم كل اهل الأرض غير من ركب معه فى السفينة وحمل مدائن لوط بعد ان نتقها من الأرض على متن الريح بواسطة من امره بذلك من الملائكة ثم قلبها واتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتن الذي ليس فى الأرض ما يشبهه وأغرق فرعون وجنوده ايضا فى بحر القلزم او فى النيل وهكذا عوقب كل امة عاصية بحسب أعمالهم القبيحة وجوزيت جزاء وفاقا وفى كل ذلك تخويف لقريش وتحذير لهم عن التكذيب وفيه عبرة موقظة لأولى الألباب يقال ربا الشيء يربو إذا زاد ومنه الربا الشرعي وهو الفضل الذي يأخذه آكل الربا زائدا على ما أعطاه إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ المعهود وقت الطوفان اى جاوز حده المعتاد حتى ارتفع على كل شىء خمسمائة ذراع وقال بعضهم ارتفع على ارفع جبل فى الدنيا خمسة عشر ذاعا أوحده فى المعاملة مع خزانه من الملائكة بحيث لم يقدروا على ضبطه وذلك الطغيان ومجاوزة الحد بسبب اصرار قوم نوح على فنون الكفر والمعاصي ومبالغتهم فى تكذيبه فيما اوحى اليه من الاحكام التي جملتها احوال القيامة فانتقم الله منهم بالاغراق حَمَلْناكُمْ ايها الناس اى حملنا آباءكم وأنتم فى أصلابهم فكأنكم محمولون باشخاصكم وفيه تنبيه على المدة فى الحمل لان نجاة آبائهم سبب ولادتهم فِي الْجارِيَةِ يعنى فى سفينة نوح لان من شانها أن تجرى على الماء والمراد بحملهم فيها رفعهم فوق الماء الى انقضاء ايام الطوفان لا مجرد رفعهم الى السفينة كما يعرب عنه كلمة فى فانها ليست بصلة للحمل بل متعلقة بمحذوف هو حال من مفعوله اى رفعناكم فوق الماء وحفظناكم حال كونكم فى السفينة الجارية بأمرنا وحفظنا من غير غرق وخرق وفيه تنبيه على ان مدار نجاتهم محض عصمته تعالى وانما السفينة سبب صورى لِنَجْعَلَها

اى لنجعل الفعلة التي هى عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لَكُمْ تَذْكِرَةً

عبرة ودلالة على كمال قدرة الصانع وحكمته وقوة قهره وسعة رحمته

ص: 135

فضمير لنجعها الى المفعلة والقصة بدلالة ما بعد الآية من الوعى (وقال الكاشفى) ناكردانيم آن كشتى را براى شما پندى وعبرتى در نجات مؤمنان وهلاك كافران وفى كشف الاسرار تا آنرا يادگارى كنيم تا جهان بود. وقد أدرك السفينة أوائل هذه الامة وكان ألوحها على الجودي وَتَعِيَها

اى تحفظها وبالفارسية ونكاه دارد اين پند را. والوعى أن تحفظ العلم ووعيت الشيء فى نفسك يقال وعيت ما قلته ومنه ما قال عليه السلام لا خير فى العيش إلا لعالم ناطق ومستمع واع والايعاء أن تحفظه فى غير نفسك من وعاء يقال أوعيت المتاع فى الوعاء منه ما قال عليه السلام لاسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما لا توعى فيوعى الله عليك ارضخى ما استطعت وقال الشاعر

الخير يبقى وان طال الزمان به

والشر أخبث ما أوعيت من زاد

أُذُنٌ واعِيَةٌ

اى اذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره والتفكر فيه ولا تضيعه بترك العمل به يقال الوعى فعل القلب ولكن الآذان تؤدى الحديث الى القلوب الواعية فنعتت الآذن بنعت القلوب (وفى البستان)

وگر نيستى سعى جاسوس كوش

خبر كى رسيدى بسلطان هوش

والتنكير والتوحيد حيث لم يقل الآذان الواعية للدلالة على قلتها وان من هذا شأنه مع قلته يتسبب لنجاة الجم الغفير وادامة نسلهم يعنى ان من وعى هذه القصة انما يعيها ويحفظها لاجل أن يذكرها للناس ويرغبهم فى الايمان المنجى ويحذرهم عن الكفر المردي فيكون سببا للنجاة والادامة المذكورتين قال فى الكشاف الاذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهى السواد الأعظم عند الله وان ما سواها لا يبالى بهم وان ملأوا ما بين الخافقين وفى الحديث (فلح من جعل الله له قلبا واعيا) وعن النبي عليه السلام انه قال لعلى رضى الله عنه عنك نزول هذه الآية سألت الله أن يجعلها اذنك يا على قال على فما نسيت شيأ بعد وما كان لى ان أنسى إذ هو الحافظ للاسرار الالهية وقد قال ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة وفى رواية أخذ بأذن على بن ابى طالب وقال هى هذه ذكره النقاش

كر چهـ ناصح را بود صد داعيه

پند را اذنى ببايد واعيه

كر نبودى كوشهاى غيب كير

وحي ناوردى ز كردون يك بشير

قال بعضهم تلك آذان أسمعها الله فى الأزل خطابه فهى واعية تعى من الحق كل خطاب وعن أبى هريرة انه قيل لى انك تكثر رواية الحديث وغيرك لا يروى مثلك فقلت ان المهاجرين والأنصار كان شغلهم عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله وأقنع بقوتي وقال عليه السلام يوما من الأيام انه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتى ثم يجمع اليه ثوبه إلا وعى ما أقول فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى مقالته جمعتها الى صدرى فما نسيت من مقالته عليه السلام شيأ وفيه اشارة الى تأثير حسن المقال وفائدته والا لكان دعاؤه عليه السلام كافيا فى وعيه كما وقع لأمير المؤمنين رضى الله عنه فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ شروع فى بيان نفس الحاقة وكيفية وقوعها

ص: 136

اثر بيان عظم شأنها باهلاك مكذبيها والنفخ إرسال الريح من الفم وبالفارسية دميدن. والصور قرن من نور أوسع من السموات ينفخ فيه اسرافيل بأمر الله فيحدث صوت عظيم فاذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون الا من شاء الله والمصدر المبهم هو الذي يكون لمجرد التأكيد وان كان لا يقام مقام الفاعل فلا يقال ضرب ضرب إذ لا يفيد امرا زائدا على مدلول الفعل الا نه حسن اسناد الفعل فى الآية الى المصدر وهو النفخة لكونها نفخا مقيدا بالوحدة والمرة لا نفخا مجردا مبهما والمراد بها هاهنا النفخة الاولى التي لا يبقى عندها حيوان إلا مات ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان وفى الكشاف فان قلت هما نفختان فلم قيل واحدة قلت معناه انها لا تثنى فى وقتها انتهى يعنى ان حدوث الأمر العظيم بالنفخة وعلى عقبها انما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة لا من حيث انه نفخ فنبه على ذلك بقوله واحدة وفى كشف الاسرار ذكر الواحدة للتأكيد لان النفخة لا تكون إلا واحدة وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ اى قلعت ورفعت من أماكنها بمجرد القدرة الالهية او بتوسط الزلزلة والريح العاصفة فان الريح من قوة عصفها تحمل الأرض والجبال كما حملت ارض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً اى فضربت الجملتان جملة الأرضين وجملة الجبال اثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج الى تكرار الضرب وتثنية الدق حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا والا فالظاهر فدككن دكة واحدة لاسناد الفعل الى الأرض والجبال وهى امور متعددة ونظيره قوله تعالى ان السموات والأرض كانتا رتقا حيث لم يقل كن والدك ابلغ من الدق وفى الصحاح الدك الدق وقد دكه إذا ضربه وكسره حتى سواه بالأرض وبابه رد وفى المفردات الدك الأرض اللينة السهلة ودكت الجبال دكا اى جعلت بمنزلة الأرض اللينة ومنه الدكان فَيَوْمَئِذٍ اى فحينئذ وهو منصوب بقوله وَقَعَتِ الْواقِعَةُ هى من اسماء القيامة بالغلبة لتحقق وقوعها وبهذا الاعتبار أسند اليه وقعت اى إذا كان الأمر كذلك قامت القيامة التي توعدون بها او نزلت النازلة العظيمة التي هى صيحة القيامة وهو جواب لقوله فاذا نفخ فى الصور ويومئذ بدل من إذا كرر لطول الكلام والعامل فيهما وقعت وَانْشَقَّتِ السَّماءُ وآسمان بر شكافت از طرف مجره. يعنى انفرجت لنزول الملائكة لامر عظيم أراده الله كما قال يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا او بسبب شدة ذلك اليوم وهو معطوف على وقعت فَهِيَ اى السماء يَوْمَئِذٍ ظرف لقوله واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية ساقطة القوة جدا كالغزل المنقوض بعد ما كانت محكمة مستمسكة وان كانت قابلة للخرق والالتئام يقال وهى البناء يهى وهيا فهو واه إذا ضعف جدا قال فى القاموس وهى كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه وفى المفردات الوهي شق فى الأديم والثوب ونحوهما وَالْمَلَكُ اى الخلق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى الى قولك ما من ملك الا وهو شاهد أعم من قولك ما من ملائكة عَلى أَرْجائِها اى جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهى جملة حالية ويحتمل ان تعطف على ما قبلها كذا قالوا والمعنى تنشق السماء التي هى مساكنهم فيلجأون الى أكنافها

ص: 137

وحافلتها قالوا وقوفهم لحظة على أرجائها وموتهم بعدها فان الملائكة يموتون عند النفخة الاولى لا ينافى التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال انهم هم المستثنون بقوله الا من شاء الله اى ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض الا الملائكة ونحوهم قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة فاذا وهت السماء نزلت ملائكتها على أرجائها فيرون اهل الأرض خلقا عظيما أضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون ان الله نزل فيهم لما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون أفيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهوآت فيصطف الملائكة صفا مستدبرا على نواحى الأرض محيطين بعالمى الانس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل اهل السماء الثانية بعد ما يقبضها الله ايضا ويرمى بكوكبها فى النار وهو المسمى كاتبا وهم اكثر عددا من اهل السماء الدنيا فيقول الخلائق أفيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا

وهو آت فيفعلون فعل الأولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل اهل السماء الثالثة ويرمى بكوكبها المسمى زهرة فى النار فيقبضها الله بيمينه فيقول الخلائق أفيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان دبنا ليس هو فينا وهو آت فلا يزال الأمر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل اهل السماء السابعة فيرون خلقا اكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق أفيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وان كان وعد ربنا لمفعولا فيأتى الله فى ظلل من الغمام والملائكة على المجنية اليسرى منهم ويكون إتيانه إتيان الملك فانه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسمى بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فاذا ابصر الخلائق جهنم لها فوران وتغيظ على الجبابرة المتكبرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الأكبر الا الطائفة التي لا يحزنهم الفزع الأكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على أنفسهم غيران النبيين يفزعون على أممهم للشففة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون فى ذلك سلم سلم وكان قد امر أن ينصب للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم فى الموقف فيجلسون عليها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيئ الرب تعالى فاذا فر الناس خوفا من جهنم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزعة الملك الحق سبحانه وتعالى الى الحشر فيناديهم انبياؤهم ارجعوا ارجعوا او ينادى بعضهم بعضا فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله عليه السلام انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم انتهى. يقول الفقير دل هذا البيان على ان المراد بالوهى سقوط السماء على الأرض التي تسمى بالساهرة وان نزول الملائكة على ارجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وان ذكر فى أثناء النفخة الاولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والأرض اللذين انما يكونان بعد النفخة الثانية وان معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى لا تنفذون الا بسلطان اى لا تقصدون مهربا الا وهناك لى أعوان ولى به سلطان وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ وهو الفلك التاسع وهو جسم عظيم لا يعلم عظمه الا الله تعالى لانه فى الآفاق بمنزلة لقلب فى الأنفس والقلب أوسع شىء لما وسع الله

ص: 138

كما فى الحديث وكان عرش الرحمن والفائدة فى ذكر العرش عقيب ما تقدم ان العرش بحاله خلاف السماء والأرض ولذلك لا يفنى وايضا له وجه آخر سيأتى وعن على بن الحسن رضى الله عنهما قال ان الله خلق العرش رابعا لم يخلق قبله الا ثلاثة الهولء والقلم والنور ثم خلق العرش من أنوار مختلفة من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار قال بعض الكبار الأنوار أربعة على عدد المراتب الأربع فاذا اعطى الأنوار يعطى فى مرتبة الطبيعة نورا اسود وفى مرتبة النفس نورا احمر وفى مرتبة الروح نورا اخضر وفى مرتبة السر نورا ابيض فَوْقَهُمْ اى فوق الملائكة الذين هم على الارجاء او فوق الثمانية اى يحملون العرش فوق أنفسهم فالمحمول لا يلزم ان يكون فوق الحامل فقد يكون فى يده وقد يكون فى جيبه فكل واحد من قوله فوقهم ويومئذ ظرف لقوله يحمل حينئذ واما على التقدير الاول فالظاهر أن فوقهم حال من ثمانية قدمت عليها لكونها نكرة يَوْمَئِذٍ اى يوم القيامة ثَمانِيَةٌ من الملائكة عن النبي عليه السلام هم اليوم اربعة فاذا كان يوم القيامة أيدهم الله باربعة اخرى فيكون ثمانية قال بعض العلماء الاربعة اللاحقة اشارة الى الأئمة الاربعة الذين هم أبو حنيفة والشافعي ومالك واحمد لانهم اليوم حملة الشرع فاذا كان يوم القيامة انقلب الشرع العرش فيكونون من حملته حكما وروى ثمانية املاك أرجلهم فى تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤسهم وهم مطرقون مسبحون قال عليه السلام اذن لى ان أحدث عن ملك من حملة العرش من شحمة اذنه الى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة يقول سبحانك حيث كتت قال يحيى بن سلام بلغني ان اسمه زوقيل وعن الحسن البصري قدس سره ثمانية اى ثمانية آلاف وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عددهم الا الله. يقول الفقير الأنسب هو الاول لكونهن أدخل فى العظمة والهيبة واظهار والقدرة ولان الأركان اربعة كاركان الكعبة واركان القلب إذ فى يمين القلب الروح والسر وفى يساره النفس والطبيعة وباعتبار الظاهر والباطن يحصل ثمانية آلاف إذا لالف تفصيل الواحد بحيث لا تفصيل وراءه الا باعتبار التضعيف والله اعلم ومر فى أوائل سورة حم المؤمن بعض ما يتعلق بهذا المقام فلا نعيده وفى التأويلات النجمية يشير الى عرش الذات الحاملة للصفات الثمانية الذاتية الغيبية التي هى مفاتيح الغيب الموصوفة بحمل ذوات الصفات والصفات تحمل ظهورات الصفات فافهم يَوْمَئِذٍ العامل فيه قوله تُعْرَضُونَ على الله اى تسألون وتحاسبون عبر عنه بذلك تشبيها له بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم يقال عرض الجند إذا أمرهم عليه ونظر ما حالهم والخطاب عام للكل على التغليب (روى) ان فى يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ واما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله وهذا العرض وان كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال اهل الجنة الجنة واهل النار النار صح جعله ظرفا للكل كما تقول جئت عام كذا وانما كان مجيئك فى وقت واحد من أوقاته

ص: 139

وذهب المشبهة من حمل العرش والعرض الى كونه تعالى محمولا حاضرا فى العرش وأجيب بانه تمثيل لعظمة الله بما يشاهد من احوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من إتيانه تعالى فى ظلل من الغمام إتيان امره وقضائه واما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى فى مرتبة الصفات ولا مناقشة فيه لان النبي عليه السلام رآه ليلة المعراج فى صورة شاب امرد لان الصورة الانسانية اجمع الصور ومثله الرؤيا المنامية والله تعالى منزه فى ذاته عن أوصاف الجسمانيات لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان فى الأصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالا اى تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفية اى سر من اسراركم وانما العرض لافشاء الحال والمبالغة فى العدل وغير خاف يومئذ على الناس كقوله تعالى يوم تبلى السرائر فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب (قال فى الكشاف) خافية اى سريرة وحال كانت تخفى فى الدنيا بستر الله عليكم والسر والسريرة الذي يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة احوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر احوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح ففى الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها الى الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الإنسان ينبغى ان يكون بحال لو وضع فى طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة اهل الإخلاص والنصيحة فَأَمَّا تفصيل لاحكام العرض مَنْ موصولة أُوتِيَ كِتابَهُ اى مكتوبه الذي كتبت الحفظة فيه تفاصيل اعماله بِيَمِينِهِ تعظيما له لان اليمين يتيمن بما والباء بمعنى فى او للالصاق وهو الا وجه والمراد منهم الأبرار فان ال مقربين لا كتاب لهم ولا حساب لهم لمكانتهم من الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه عليه السلام قال أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس قيل له فأين أبو بكر فقال هيهات زفته الملائكة الى الجنة. يقول الفقير لعل هذا مكافاة له حين أخذ سيفه بيده وخرج من دار الأرقم وهو يظهر الإسلام على ملأ من قريش فبسيفه ظهر الإسلام فرضى الله عنه وعن مجيه وفى الحديث اثبت أحد فانما عليك نبى والصديق وشهيدان وكان عليه رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فتحرك فقاله دل الحديث على أن رتبة أبى بكر فوق رتبة غيره لان الصديقية تلى النبوة فَيَقُولُ فرحا وسرورا فانه لما اوتى كتابه بيمينه علم انه من الناجين من النار ومن الفائزين بالجنة فأحب ان يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ اى خذوا يا اهل بيتي وقرابتى وأصحابي كتابى وتناولوه اقرأوا كتابى زيرا در اينجا عملى نيست كه از اظهار آن شرم دارم ودر تبيان آورده كه اين كتاب ديكر است بغير كتاب اعمال كه نوشته ودر او بشارت جنت است و پس چهـ كتاب حفظ ميان بنده وخداوندست وكسى آنرا نه بيند ونه خواند. وفى الخبر حسنات المؤمن فى ظاهر كتابه وسيئاته فى باطنه لا يراها الا هو فاذا انتهى يرى مكتوبا فقد غفر تهالك فاقلب فيرى فى الظاهر قد قبلتها منك فيقول من فرط السرور هاؤم اقرأوا كتابيه اى هلموا أصحابي كما فى عين المعاني

ص: 140

يقال هاء يا رجل بفتح الهمزة وهاء يا امرأة بكسرها وهاؤما يا رجلان او يا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة بمعنى خذ خذا خذوا خذى خذا خذن ومفعوله محذوف وكتابى مفعول اقرأ والا اقرب العاملين فهو أقوى لكونه بمنزلة العلة القربية وأصله هاؤم كتابى اقرأوا كتابى فحذف الاول لدلالة الثاني عليه ونظيره آتوني افرغ عليه قطرا والهاء للوقف والاستراحة والسكت تثبت بالوقف وتسقط فى الوصل كما هو الأصل فى هاء السكت لانها انما جيئ بها حفظا للحركة اى لتحفظ حركة الموقوف عليه إذ لو لاها لسقطت الحركة فى الوقف فتثبت حال ال وقف إذ لا حاجة إليها حال الوصل فلذلك كان حقها ان تثبت فى الوقف وتسقط فى الوصل الا ان القراء السبعة اتفقوا فى كل المواضع على إثباتها وقفا ووصلا إجراء للوصل مجرى الوقف واتباعا لرسم الامام فانها ثابتة فى المصحف فى كل المواضع وهى كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه وماهيه فى القارعة وما كان ثابتا فيه لا بد أن يكون مثبتا فى اللفظ الا ان حمزة أسقط الهاء من ثلاث كلم وصلا وهى ماليه وسلطانيه وماهيه وأثبتها وقفا على الأصل ولم يعمل بالأصل فى كتابيه وحسابيه وأثبتها فى الحالين جمعا بين اللغتين وتبين من هذا التقرير ان المستحب إيثار الوقف اتباعا للوصل وان إثباتها وصلا انما هو لاتباع المصحف قال فى القاموس هاء السكت هى اللاحقة لبيان حركة او حرف نحو ماهيه وها هناه وأصلها ان يوقف عليها وربما وصلت بنية الوقف انتهى وهذه الهاء لا تكون الا ساكنة وتحريكها لحن اى خطأ لانه لا يجوز الوقف على المتحرك وهاء السكت فى القرآن فى سبعة مواضع فى لم يتسنه وفى فبهداهم اقتده وفى كتابيه وفى حسابيه وفى ماليه وفى سلطانيه وفى ماهيه واما الهاء التي فى القاضية وفى هاوية وخاوية وثمانية وعالية ودانية وأمثالها فللتأنيث فيوقف عليهن بالهاء يوصلن بالتاء إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ الحساب بمعنى المحاسبة وهو عد اعمال العباد فى الآخرة. خيرا وشرا للمجازاة اى علمت وأيقنت انى مصادف حسابى فى ديوان الحساب الإلهي وانى أحاسب فى الآخرة يعنى دانستم وايمان آوردم كه مرا حساب خواهند كرد وآنرا آماده ومتهيئ شدم. قال الراغب الظن اسم لما يحصل من امارة ومتى قويت أدت الى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم انتهى ومنه يعلم قول من قال سمى اليقين ظنا لان الظن يلد اليقين انتهى وانما فسر الظن بالعلم لان البعث والحساب مما يجب بهما الايمان ولا ايمان بدون اليقين قال سعدى المفتى وفيه بحث فايمان المقلد ذو اعتبار وصرحوا بأن الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيص يكفى فى الايمان ثم انه يجوز أن يكون المراد ما حصل له من حسابه اليسير ولا يقين به لوجوب ان يكون المؤمن بين الخوف والرجاء والمراد انى ظننت انى ملاق حسابى على الشدة والمناقشة لما سلف منى من الهفوات والآن أزال الله عنى ذلك وفرج همى انتهى. يقول الفقير هذا عدول عما عليه ظاهر القرآن فان الظن فى مواضع كثيرة منه بمعنى اليقين كما فى قوله تعالى حكاية قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله وهم المؤمنون بالآخرة وفى قوله

ص: 141

تعالى وظن داود انما فتناه اى علم وأيقن بالعلامة القوية قال القاضي ولعل التعبير عن العلم بالظن للاشعار بانه لا يقدح فى الاعتقاد وما يهجس فى النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا يعنى ان الظن استعير للعلم الاستدلالي لانه لا يخلو عن الخطرات والوساوس عند الذهول عما قاد اليه من الدليل للاشعار المذكور واما العلوم الضرورية والكشفية فعارية عن الاضطراب وفى الكشاف وانما اجرى الظن مجرى العلم لان الظن الغالب يقام مقام العلم فى العادات والاحكام ويقال أظن ظنا كاليقين ان الأمر كيت وكيت فَهُوَ اى من اوتى كتابه بيمينه فِي عِيشَةٍ نوع من العيش وهو بالفتح وكذا العيشة والمعاش والمعيش والعيشوشة بالفارسية زيستن. قال بعض العلماء إذا كسر العين من العيش يلزمه التاء كما فى عيشة والعيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لان الحياة تقال فى الحيوان وفى البازي وفى الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه قال عليه السلام لا عيش الا عيش الآخرة راضِيَةٍ ذات رضى يرضاها من يعيش فيها على النسبة بالصيغة فان النسبة نسبتان نسبة بالحرف كمكى ومدنى وتسبة بالصيغة كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر ويجوز أن يجعل الفعل لها وهو لصاحبها فيكون من قبيل الاسناد المجازى ومآل الوجهين كون العيشة مرضية والى ما ذكرنا يرجع قول من قال راضية فى نفسها فكأنها لرغادتها قد رضيت بما هى فيه مجازا او بمعنى مرضية كماء دافق اى مدفوق انتهى وفى التأويلات النجمية راضية هنيئة مريئة صافية عن شوآئب الكدر طائرة عن نوآئب الحذر وبالفارسية در زندكانى باشد پسنديده صافى از كدورت ومقرون بحرمت وحشمت. وذلك اى كون العيشة مرضية لاشتمالها على امور ثلاثة الاول كونها منفعة صافية عن الشوائب والثاني كونها دائمة لا يترقب زوالها وانقطاعها والثالث كونها بحيث يقصد بها تعظيم من رضى بها وإكرامه والا يكون استهزاء واستدراجا وعيشة من اعطى كتابه بيمينه جامعة لهذه الأمور فتكون مرضيا بها كمال الرضى قال ابن عباس رضى الله عنهما يعيشون فلا يموتون ويصحون فلا يمرضون وينعمون فلا يرون بؤسا ابدا فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ مرتفعة المكان لانها فى السماء كما ان المنار سافلة لانها تحت الأرض او الدرجات او الأبنية والأشجار فيكون عالية من الصفات الجارية على غير من هى له وهو بدل من عيشة يا عادة الجار ويجوز كونه متعلقا بعيشة راضية اى يعيش عيشا مرضيا فى جنة عالية قُطُوفُها ثمراتها جمع قطف بالكسر وهو ما يقطف ويجتنى بسرعة والقطف بالفتح مصدر قال سعدى المفتى اعتبار السرعة فى مفهوم القطف محل كلام قال ابن الشيخ معنى السرعة قطع الكل بمرة وفى القاموس القطف بالكسر العنقود واسم للثمار المقطوفة انتهى فلا حاجة الى أن يقال غلب هنا فى جميع ما يجتنى منى الثمر عنبا كان او غيره دانِيَةٌ من الدنو وهو القرب اى قريبة من مريديها. يعنى خوشه هاى آن از دست چيننده نزديك.

ينالها القائم والقاعد والمضطجع من غير تعب وقيل لا يتأخر إدراكها انتهى وإذا أراد

ص: 142

أن تدنو الى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فان فى قطفها وتحصيلها تعبا ومشقة غالبا وكذا لا تؤكل الا بمزاولة اليد. يقول الفقير أشجار الجنة على صورة الإنسان يعنى ان اصل الإنسان رأسه وهى فى طرف العلو ورجله فرعه مع انها فى طرف السفل فكذلك اصول أشجار الجنة فى طرف العلو وأغصانها متدلية الى جانب السفل ولذا لا يرون تعبا فى القطف على ان نعيم الجنة تابع لارادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة كُلُوا وَاشْرَبُوا بإضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والأمر امر امتنان واباحة لا امر تكليف ضرورة ان الآخرة ليست بدار تكليف وجمع بين الاكل والشرب لان أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وان ذكرت فى موضع آخر يقال لمن اوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقا هَنِيئاً أكلا وشربا هنيئا اى سائغا لا تنغيص فيه فى الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشاميدنى كوارنده. وجعل الهنيء صفة لهما لان المصدر يتناول المثنى ايضا من هنؤ الطعام والشراب وهنئ يهنأ ويهنؤ ويهنئ هناءة وهناء اى صار هنيئا سائغا فهو هنيئ ومنه اليهنئ المشتهر فى اللسان التركي فى اللحم المطبوخ ويستعمله العجم بالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال فى المثنوى

وين پزاز بهر ميان روز را

يخنئ باشد شه فيروز را

واسناد الهناءة الى الاكل والشرب مجاز للمبالغة لانها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئا عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لان السائغ محظوظ منه بسبب الصحة والعافية غالبا بِما أَسْلَفْتُمْ بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة او بدله او بسببه ومعنى الاسلاف فى اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالاقراض ومنه يقال أسلف فى كذا إذا قدم فيه ماله فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ اى الماضية فى الدنيا وعن مجاهد ايام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه الله فى ايام الصيام لا سيما فى الأيام الحارة وهو الاولى لان الجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل وملائما له كما قال بعض الكبار لم يقل اشهدوا ولا اسمعوا وانما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله ان تسخروا منا فانا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم فى المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمنى وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فان هذا ما لا تعطيه الحكمة كما فى مواقع النجوم (وروى) يقول الله يا أوليائي طالما نظرت إليكم فى الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الاشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم فى نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الأيام الخالية. قوله قلصت من الباب الثاني يقال قلص الظل اى نقص والماء اى ارتفع فى البئر والشفة اى انزوت والثوب اى انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شىء بعضه الى بعض وخمصه الجوع خمصا ومخمصة من الباب الاول يعنى باريك ميان كرد ويرا كرسنكى. وفيه اشارة الى ايام الأزل الخالية عن الأعمال والعلل والأسباب اى كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما اسلفه الله لكم فى الأزل

ص: 143

والقدم من العناية إذ بتلك العناية قمتم مع الحق فى جميع الأحوال

چون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست

آن به كه كار خود بعنايت رها كنند

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ تحقير اله لان الشمال يتشاءم بها بان تلوى يسراه الى خلف ظهره فيأخذه بها ويرى ما فيه من قبائح الأعمال فَيَقُولُ تحزنا وتحسرا وخوفا مما فيه وهو من قبيل الألم الروحاني الذي هو أشد من الألم الجسماني يا هؤلاء يا معشر المحشر لَيْتَنِي كاشكى من. وهو تمن للمحال لَمْ أُوتَ متكلم مجهول من الإيتاء بمعنى لم أعط كِتابِيَهْ هذا الذي جمع جميع سيئاتى وَلَمْ أَدْرِ متكلم من الدراية بمعنى العلم ما حِسابِيَهْ لما شاهد من سوء العاقبة وبالفارسية كاشكى ندانستمى امروز چيست حساب من چهـ حاصلى نيست مرانرا جز عذاب وشدت ومحنت. فما استفهامية معلق بها الفعل عن العمل ويجوز أن تكون موصولة بتقدير المبتدأ فى الصلة يا لَيْتَها تكرير للتمنى وتجديد للتحسر أي يا ليت الموتة التي متها وذقتها وذلك ان الموتة وان لم تكن مذكورة الا انها فى حكم المذكور بدلالة المقام كانَتِ الْقاضِيَةَ اى القاطعة لامرى وحياتى ولم ابعث بعدها ولم ألق ألقى ما يتمنى عند مطالعة كتابه ان تدوم عليه الموتة الاولى وانه لا يبعث للحساب ولا يلقى ما أصابه من الخجالة وسوء العاقبة ويجوز ان يكون ضمير ليتها لما شاهد من الحالة اى يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت على يتمنى ان يكون بدل تلك الحالة الموتة القاطعة للحياة لما انه وجد تلك الحالة امر من الموت فتمناه عندها وكان فى الدنيا أشد كراهية للموت قال الشاعر

وشر من الموت الذي ان لقيته

تمنيت منه الموت والموت أعظم

ما أَغْنى عَنِّي اى لم يدفع عنى شيأ من عذاب الآخرة على ان ما نافية والمفعول محذوف مالِيَهْ اى الذي كان لى فى الدنيا من المال والاتباع على ان ما موصولة واللام جارة داخلة على ياء المتكلم ليعم مثل الاتباع فانه إذا كان اسما مضافا الى ياء المتكلم لم يعم وفى الكشاف ما اغنى نفى واستفهام على وجه الإنكار اى اى شىء اغنى عنى ما كان لى من اليسار انتهى حتى ضيعت عمرى فيه اى لم ينفعنى ولم يدفع عنى شيأ من العذاب فما استفهامية منصوبة المحل على انها مفعول اغنى. يقول الفقير الظاهر أن مالية هو المال المضاف الى ياء المتكلم اى لم يغن عنى المال الذي جمعته فى الدنيا شيأ من العذاب بل ألهانى عن الآخرة وضرنى فضلا عن ان ينفعنى وذلك ليوافق قوله تعالى ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيأ وقوله وما يغنى عنه ماله إذا تردى وقوله ما اغنى عنه ماله وما كسب ونظائر ذلك فما ذهب اليه اكثر اهل التفسير من التعميم عدول عما ورد به ظاهر القرآن هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ قال الراغب السلاطة التمكن من القهر ومنه سمى السلطان والسلطان يقال فى السلاطة نحو قوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطانا وقد يقال الذي السلاطة وهو الأكثر وسميت الحجة سلطانا وذلك لما لحق من الهجوم على القلوب لكن اكثر تسلطه على اهل العلم والحكمة من المؤمنين وقوله هلك عنى سلطانيه يحتمل السلطانين انتهى والمعنى هلك عنى

ص: 144

ملكى وتسلطى على الناس وبقيت فقيرا ذليلا أو ضلت عنى حجتى كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ومعناه بطلت هجتى التي كنت احتج بها عليهم فى الدنيا وبالفارسية كم كشت از من حجتى كه در دنيا چنك در ان زده بودم. ورجح هذا المعنى بأن من اوتى كتابه بشماله لا اختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع اهل الشقاوة. بقول الفقير قوله تعالى ما اغنى عنى ماليه يدل على الاول على ان فيه تعريضا بنحو الوليد من رؤساء قريش واهل ثروتهم ويجوز أن يكون المعنى تسلطى على القوى والآلات فعجزت عن استمالها فى العبادات وذلك لان كل أحد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول فى القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعا خُذُوهُ حكاية لما يقول الله يومئذ لخزنة النار وهم الزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع الى من الثاني اى خذوا العاصي لربه فَغُلُّوهُ بلا مهلة اى اجمعوا يديه الى عنقه بالقيد ولحديد وشدوه به يقال غل فلان وضع فى عنقه او يده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد الى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالفتح دست با كردن بستن. وفى الفقه وكره جعل الغل فى عنق عبده لانه عقوبة اهل النار وقال الفقيه ان فى زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الإباق كمال فى الكبرى بخلاف التقييد فانه غير مكروه لانه سنة المسلمين فى المتمردين ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه اى لا تدخلوه الا الجحيم ولا تحرقوه الا فيها وهى النار العظمى ليكون الجزاء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتى فيكون مخصوصا بالمتعظمين وفيه بحث انتهى وقد مر جوابه ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ من نار وهى حلق منتظمة كل حلقة منها فى حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق ذَرْعُها طولها وبالفارسية كزان. والذراع ككتاب ما يذرع به حديدا او قضيبا وفى المفردات الذارع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والأرض والذرع پيمودن. قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله سَبْعُونَ والجملة فى محل الجر على انها صفة سلسلة وقوله ذِراعاً تمييز فَاسْلُكُوهُ السلك هو الإدخال فى الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك فى السلسلة فى الشدة لا على تراخى المدة يعنى ان ثم اخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك إذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ ان كلمتى ثم وإلقاء ان كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفى العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغى ان يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه اى قيل لخزية النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع إفادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على ان الأمر الأخير أشد وأهول مما قبله من الأوامر مع تعاقب المأمور بها من الاخذ وجعل يده مغلولة الى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم إياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطابها فهو فيما بينهما مرهق مضيق عليه

ص: 145

لا يستطيع حراكا ما كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اهل النار يكونون فى السلسلة كما يكون الثعلب فى الجلبة والثعلب طرف خشبة الرمح الداخل فى الجلبة السنان وهى الدرع وذلك انما يكون رهقا اى غشية وبالفارسية پس در آريد او را در ان يعنى در جسد او پيچيد محكم تا حركت نتواند كرد. وتقديم السلسلة على السلك كتقديم الجحيم على التصلية فى الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به اى لا تسلكوه الا فى هذه السلسلة لانها أفظع من سائر مواضع الارهاق فى الجحيم وجعلها سبعين ذراعا ارادة لوصف بالطول كما قال ان تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثيرة لانها إذا طالت كان الارهاق أشد فهو كناية عن زيادة الطول لشيوع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة فى التكثير وقال سعدى المفتى الظاهر انه لا منع من الحمل على ظاهره من العدد قال الكاشفى يعنى بذراع ملك كه هر ذراعى هفتاد باعست وهر باعى از كوفه تا مكه. وقال بعض المفسرين هى بالذراع المعروفة عندنا وانما خوطبنا بما نعرفه ونحصله وقال الحسن قدس سره الله اعلم بأى ذراع هى وعن كعب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها ولو وضعت منها حلقة على جبل لذاب مثل الرصاص تدخل السلسلة فى فيه وتخرج من دبره ويلوى فضلها على عنقه وجسده ويقرن بها بينه وبين شيطانه. يقول الفقير هذا يقتضى ان يكون ذلك عذاب الكافر لان جسده يكون فى العظم مسيرة ثلاثة ايام وضرسه مثل جبل أحد على ما جاء فى الحديث وعن النبي عليه السلام قال لو أن رضراضة اى صخرة قدر رأس الرجل وفى رواية لو أن رضرضة مثل هذه وأشار الى صخرة مثل الجمجة سقطت من السماء الى الأرض وهى خمسمائة عام لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل ان تبلغ أصلها وقعرها قال الشراح اللام فى السلسلة فى هذا الحديث للعهد اشارة الى السلسلة التي ذكرها الله فى قوله ثم فى سلسلة إلخ (روى) ان شابا قد حضر صلاة الفجر مع الجماعة خلف واحد من المشايخ فقرأ ذلك الشيخ سورة الحاقة فلما بلغ الى فوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه صاح الشاب وسقط وغشى عليه فلما أتم الشيخ صلاته قال من هذا قالوا هو شاب صالح خائف من الله تعالى وله والدة عجوز ليس لها غيره قال الشيخ ارفعوه واحملوه حتى نذهب به الى امه ففعلوا ما امر به الشيخ فلما رأت امه ذلك فزعت وأقبلت وقالت ما فعلتم بابني قالوا ما فعلنا به شيأ الا انه حضر الجماعة وسمع آية مخوفة من القرآن فلم يطق سماعها فكان هكذا بأمر الله فقالت اية آية هى فاقرأوها حتى اسمع فقرأها الشيخ فلما وصلت الآية الى سمع الشاب شهق شهقة اخرى خرجت معها روحه بأمر الله فلما رأت الام ذلك خرت ميتة وفى التأويلات النجمية قوله ثم فى سلسلة إلخ يشير الى كثرة أخلاقه السيئة وأوصافه الرديئة واحكام طبيعته الظلمانية إذ هى يوم القيامة كلها سلاسل العذاب وأغلال الطرد والحجاب إِنَّهُ بدرستى كه اين كس. كأنه قيل ماله يعذب بهذا العذاب الشديد فاجيب بانه كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وصفه تعالى بالعظم للايذان بانه المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها الى نفسه استحق أعظم العقوبات وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الحض الحث على الفعل بالحرص على وقوعه قال الراغب

ص: 146

الحض التحريك كالحث الا ان الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك وأصله من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض والمعنى ولا يحث اهله وغيرهم على إعطاء طعام يطعم به الفقير فضلا عن ان يعطى ويبذل من ماله على ان يكون المراد من الطعام العين فاضمر مثل إعطاء او بذل لان الحث والتحريض لا يتعلق بالأعيان بل بالأحداث وأضيف الطعام الى المسكين من حيث ان له إليه نسبة أو المعنى ولا يحثهم على إطعامه على ان يكون اسما وضع موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء فالاضافة الى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم ان تارك الحض بهذه المنزلة فيكف بتارك الفعل يعنى يكون ترك الفعل أشد فى ان يكون سبب المؤاخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام البخل كفر والكافر فى النار فتخصيص الامرين بالذكر لما ان أقبح العقائد الكفر واشنع الرذائل البخل والعطف للدلالة على ان حرمان المسكين صفة الكفرة كما فى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فلا يلزم ان يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفى عين المعاني وبه تعلق الشافعي فى خطاب الكفار بالشرائع ولا يصح عندنا لان توجيه الخطاب بالأمر ولا امر هاهنا على انه ذكر الايمان مقدما وبه نقول انتهى وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى انهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى انهم يطالبون بها حال كفرهم فانهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام اهلية الأداء فيهم لان مدار اهلية الأداء هو استحقاق الثواب بالاداء ولا ثواب لاعمال الكفار واهلية الوجوب لا تستلزم اهلية الأداء كما تقرر فى الأصول انتهى والحاصل ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة لا غير وعن أبى الدرداء رضى الله عنه انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان أفلا نخلع نصفها الآخر بالاطعام والحض عليه

جوى باز دارد بلاي درشت

عصايى شنيدى كه عوجى بكشت

كسى نيك بيند بهر دو سراى

كه نيكى رساند بخلق خداى

فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ وهو يوم القيامة هاهُنا اى فى هذا المكان وهو مكان الاخذ والغل حَمِيمٌ اى قريب نسبا او ودا يحميه ويدفع عنه ويحزن عليه لان أولياءه يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميما وقال فى عين المعاني قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشاني لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيره منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية فى حقه اعلاما بانه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ قال فى القاموس الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر فى النار انتهى والمعنى ولا طعام الا من غسالة اهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارسية زردابه وريمى كه از تنهاى ايشان ميرود (روى) انه لو وقعت قطرة منه على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم

ص: 147

يقال للنار دركات ولكل دركة نوع طعام وشراب وسيجيئ وجه التلفيق بينه وبين قوله ليس لهم طعام الا من ضريع فى الغاشية وهو فعلين من الغسل فالياء والنون زائدتان وفى الكواشي او نونه غير زائدة وهو شجر فى النار وهو من أخبث طعامهم والظاهر ان الاستثناء متصل ان جعل الطعام شاملا للشراب كما فى قوله تعالى ومن لم يطعمه فانه منى فانهم فسروه بمن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا كان او مشروبا لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ صفة غسلين والتعبير بالأكل باعتبار ذكر الطعام اى لا يأكل ذلك الغسلين الا الآثمون اصحاب الخطايا وهم المشركون كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد جوز أن يرادبهم الذين يتخطون الحق الى الباطل ويتعدون حدود الله من خطئ الرجل من باب علم إذا تعمد الخطا اى الذنب فالخاطئ هو الذي يفعل ضد الصواب متعمدا لذلك والمخطئ هو الذي يفعله غير متعمد أي يريد الصواب فيصير الى غيره من غير قصد كما يقال المجتهد قد يخطئ وقد يصيب وفى عين المعاني الخاطئون طريق التوحيد وفى التأويلات النجمية ولا يحض مساكين الأعضاء والجوارح بالأعمال الصالحات والأقوال الصادقات والأحوال الصافيات فليس له اليوم هاهنا من يعينه ويؤنسه لان المؤنس ليس الا الأعمال والأحوال ولا طعام لنفسه الميشومة الا غسالة اعماله وأفعاله القبيحة الشنيعة لا يأكله الا المتجاوزون عن اعمال الروح والقلب القاصدون مراضى النفس والهوى متبعون للشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية فَلا أُقْسِمُ اى فأقسم على ان لا مزيدة للتأكيد واما حمله على معنى نفى الاقسام لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم فيرده تعبين المقسم به بقوله بما إلخ وقال بعضهم هو جملتان والتقدير وما قاله المكذبون فلا يصح إذ هو قول باطل ثم قال اقسم بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ قسم عظيم لانه قسم بالأشياء كلها على سبيل الشمول والإحاطة لانها لا تخرج عن قسمين مبصر وغير مبصر فالمبصر المشاهدات وغير المبصر المغيبات فدخل فيهما الدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والانس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة وغير ذلك مما يكون لائقا بأن يكون مقسما به إذ من الأشياء ما لا يليق بأن يكون مقسما به واليه الاشارة بقول القاشاني اى الوجود كله ظاهرا وباطنا وبقول ابن عطاء آثار القدرة واسرارها وبقول الشيخ نجم الدين بما تبصرون من المشهودات والمحسوسات بابصار الظواهر وما لا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن يعنى بالمظاهر الاسمائية والمظاهر الذاتية وبقول الحسين اى بما اظهر الله لملائكته والقلم واللوح وبما اختزن فى علمه ولم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر الله للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه فى جنب ما اختزن عنهم الا كذرة فى جنب الدنيا والآخرة ولو أظهر الله ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حمله وقال الشيخ أبو طالب المكي قدس سره فى قوت القلوب إذا كان العبد من اهل العلم بالله والفهم عنه والسمع منه والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وابصر ما عمى عنه سواه كما قال تعالى فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إِنَّهُ اى القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ وقوله قول الحق كما قال وما ينطق عن الهوى وكما قال فأجره حتى يسمع كلام الله

ص: 148

وفى كشف الاسرار أضاف القول اليه لانه لما قال قول رسول اقتضى مرسلا وكان معلوما ان ما يقرأه كلام مرسله وانما هو مبلغه فالاضافة الاختصاصية الى رسول الله تدل على اختصاص القول بالرسول من حيث التبليغ ليس الا إذ شأن الرسول التبليغ لا الاختراع وقد يأتى القول فى القرآن والمراد به القراءة قال الله تعالى حتى تعلموا ما تقولون اى ما تقرءون فى صلاتكم كَرِيمٍ على الله تعالى يعنى بزركوار نزد خداى تعالى. وهو النبي عليه السلام ويدل عليه مقابلة رسول بشاعر وكاهن لان المعنى على اثبات انه رسول لا شاعر ولا كاهن ولم يقولو الجبريل شاعر ولا كاهن وقيل هو جبريل اى هو قول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون انه شاعر أو كاهن فالمقصود حينئذ اثبات حقية القرآن وانه من عند الله والحاصل ان القرآن كلام الله حقيقة أظهره فى اللوح المحفوظ وكلام جبريل ايضا من حيث انه أنزله من السموات الى الأرض وتلاه على خاتم النبيين وكلام سيد المرسلين ايضا من حيث انه أظهره للخلق ودعا الناس الى الايمان به وجغله حجة لنبوته وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمون تارة (قال الكاشفى) چنانچهـ ابو جهل ميكويد وسبق معنى الشعر فى يس قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ايمانا قليلا تؤمنون بالقرءان وكونه كلام الله او بالرسول وكونه مرسلا من الله والمراد بالقلة النفي اى لا تؤمنون أصلا كقولك لمن لا يزورك قلما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلا. يقول الفقير يجوز عندى أن تكون قلة الايمان باعتبار قلة المؤمن بمعنى ان القليل منكم يؤمنون وقس عليه نظائره وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ كما تدعون ذلك تارة اخرى (قال الكاشفى) چنانچهـ عقبة بن ابى معيط كمان ميبرد. كرر القول مبالغة فى ابطال أقاويلهم الكاذبة على القرآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب وفى كشف الاسرار الكاهن هو الذي يزعم ان له خدما من الجن يأتونه بضرب من الوحى وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام لان الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى وقال الراغب فى المفردات الكاهن الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطئ ويصيب قال عليه السلام من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل الله على محمد ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى وفى شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما أخفى من المسروق ومكان الضالة والكاهن من يخبر بما يكون فى المستقبل وفى الصحاح العراف الكاهن قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون اى لا تتذكرون أصلا (قال الكاشفى) اندكى پند ميكيريد يعنى پند كير نمى شويد (وفى كشف الاسرار) اندك پند مى پذيريد ودر مى يابيد (وفى تاج المصادر) التذكر ياد كردن ويا ياد آوردن و پند كرفتن ومذكر شدن كلمه كه مؤنث بود. وقال بعضهم المراد من الايمان القليل ايمانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفي وقال بعضهم ان كان المراد منه الايمان الشرعي فالتقليل للنفى وان كان اللغوي فالتقليل على حاله لانهم كانوا يصدقون

ص: 149

ببعض احكام القرآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع نفى الكاهنية لما ان عدم مشابهة القرآن الشعر امر بين لا ينكره الا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الايمان فلذلك ونجوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فانها تتوقف على تذكر أحواله عليه السلام ومعانى القرآن المنافية لطريفة الكهنة ومعانى أقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوائع والاخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرا ويأخذ جعلا على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل ان الكاهن من يأتيه الشياطين ويلقون اليه من اخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين فانهم لا ينزلون شيأ فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معانى ما يلقيه عليه السلام منافية لمعانى اقوال الكهنة فانهم لا يدعون الى تهذيب الأخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معانى قوله عليه السلام فلو تذكر أهل مكة معانى القرآن ومعانى اقوال الكهنة لما قالوا بأنه كاهن وفى برهان القرآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لان من قال القرآن شعر ومحمد عليه السلام شاعر بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة إيمانه فان الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما تذكرون لان من ذهب الى ان القرآن كهانه وان محمدا عليه السلام كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهان فانه اسجاع لا معانى تحتها وأوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون فى كلامهم ذكر الله انتهى قال المولى ابو السعود فى الإرشاد وأنت خبير بأن ذلك ايضا مما لا يتوقف على تأمل قطعا انتهى اى فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه ان الانابة شرط للتذكر كما قال تعالى وما يتذكر الامن ينيب والكافر ليس من اهل الانابة وايضا ما يذكر الا أولوا الألباب اى أولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر ليس منهم فليس من اهل التذكر ولا شك ان كون الشيء امرا بينا لا ينافى التذكر ألا ترى الى قوله تعالى اله مع الله قليلا ما تذكرون مع ان شواهد الالوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على انه يظهر من تقريراتهم انه لا بد من التذكر فى نفى الكهانة لخفاء أمرها فى الجملة بالنسبة الى الشعر والعلم عند الله العلام تَنْزِيلٌ اى هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ نزله على لسان جبريل تربية للسعداء وتبشيرا لهم وانذارا للاشقياء كما قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين وقال تعالى ومبشرا ونذيرا وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ كما يتقوله الشعراء اى ولو ادعى محمد علينا شيأ لم نقله كما نزعمون كما قال تعالى أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون وفى ذكر البعض اشارة الى ان القليل كاف فى المؤاخذة الآتية فضلا عن الكثير سمى الافتراء تقولا وهو بناء التكلف لانه قول متكلف كما قال صاحب الكشاف التقول افتعال القول لان فيه تكلفا من المفتعل وسميت الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها لان صيغة افعولة انما تطلق على محقرات الأمور وغرائبها

ص: 150

كالاعجوبة لما يتعجب منه والا ضحوكة لما يضحك منه وكان الأقاويل جمع أقوولة من القول وان لم يثبت عن نقلة اللغلة ولم يكن أقوولة مستعملا لكن كونه على صورة جمع افعولة كاف فى التحقير ويؤيد انه ليس جمع الأقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة اقوال فالاقاويل هاهنا بمعنى الأقوال لا انه جمعه وفى حواشى ابن لشيخ الظاهر ان الأقاويل جمع اقوال جمع قول كأناعيم جمع انعام جمع نعم لَأَخَذْنا مِنْهُ حال من قوله بِالْيَمِينِ اى بيمينه وقال سعدى المفتى هو من باب ألم نشرح لك فى التفصيل بعد الإجمال ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ اى نياط قلبه بضرب عنقه والنياط عرق ابيض غليظ كالقصبة علق به القلب إذا انقطع مات صاحبه وفى المفردات الوتين عرق يسقى الكبد إذا انقطع مات صاحبه ولم يقل لا هلكناه او لضربنا عنقه لانه تصوير لاهلاكه بافظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنفه فانه إذا أراد أن يوقع الضرب فى قفاء أخذ بيساره وإذا أراد أن يوقعه فى جيده وأن يكفحه بالسيف اى يواجهه وهو أشد من المصبور لنظره الى السيف أخذ بيمينه فلذا خص اليمين درن اليسار وفى المفردات لاخذنا منه باليمين اى منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك بالأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان انتهى وقيل اليمين بمعنى القوة فالمعنى لانتقمنا بقوتنا وقدرتنا وقيل المعنى حينئذ لأخذنا منه اليمين وسلبنا منه القوة والقدرة على التكلم بذلك على ان الباء صلة اى زائدة وعبر عن القوة باليمين لان قوة كل شىء فى ميا منه فيكون من قبيل ذكر المحل وارادة الحال او ذكر الملزوم وارادة اللازم فَما مِنْكُمْ ايها الناس مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ اى عن القتل او المقتول وهو متعلق بقوله حاجِزِينَ دافعين وهو وصف لاحد فانه عام لوقوعه فى سياق النفي كما فى قوله عليه السلام لم تحل الغنائم لاحد اسود الرأس غيرنا فمن أحد فى موضع الرفع بالابتداء ومن زائدة لتأكيد النفي ومنكم خبره والمعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول او عن قتله وإهلاكه المدلول عليه بقوله ثم لقطعنا منه الوتين اى لا يقدر على الحجز والدفع وهذا مبنى على اصل بنى تميم فانهم لا يعلمون ما لدخولها على القبيلتين وقد يجعل حاجزين خبرا لما على اللغة الحجازية ولعله اولى فتكون كلمة ما هى المشبهة بليس فمن أحد اسم ما وحاجزين منصوب على انه خبرها ومنكم حال مقدم وكان فى الأصل صفة لاحد وفى الآية تنبيه على ان النبي عليه السلام لو قال من عند نفسه شيأ او زادأ ونقص حرفا واحدا على ما اوحى اليه لعاقبه الله وهو أكرم الناس عليه فما ظنك بغيره ممن قصد تغيير شىء من كتاب الله او قال شيأ من ذات نفسه كما ضل بذلك بعض الفرق الضالة وَإِنَّهُ اى القرآن لَتَذْكِرَةٌ موعظة وبالفارسية پنديست لِلْمُتَّقِينَ لمن اتقى الشرك وحب الدنيا فانه يتذكر بهذا القرآن وينتفع به بخلاف المشرك ومن مال الى الدنيا وغلبه حبها فانه يكذب به ولا ينتفع وفى تاج المصادر التذكير والتذكرة با ياد دادن وحرف را مذكر كردن. ومنه الحديث فذكروه اى فأجلوه لان فى تذكير الشيء إجلالا له وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ اى ان منكم ايها الناس مكذبين بالقرءان فنجازيهم

ص: 151

على تكذيبهم قال مالك رحمه الله ما أشد هذه الآية على هذه الامة وفيه اشارة الى مكذبى الإلهام ايضا فانهم ملتحقون بمكذبى الوحى لان الكل من عند الله لكن اهل الاحتجاب لا يبصرون النور كالاعمى فكيف يقرون وَإِنَّهُ اى القرآن لَحَسْرَةٌ وندامة يوم القيامة عَلَى الْكافِرِينَ المكذبين له عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به وفى الدنيا ايضا إذا رأوا دولة المؤمنين ويجوز أن يرجع الضمير الى التكذيب المدلول عليه بقوله مكذبين وَإِنَّهُ اى القرآن لَحَقُّ الْيَقِينِ اى لليقين الذي لا ريب فيه فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد أضيف أحدهما الى الآخر اضافة الشيء الى نفسه كحب الحصيد للتأكيد فان الحق هو الثابت الذي لا يتطرق اليه الريب وكذا اليقين قال الراغب فى المفردات اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتهما يقال علم اليقين عين اليقين حق اليقين وبينها فرق مذكور فى غير هذا الكتاب انتهى وقد سبق الفرق من شرح الفصوص فى آخر سورة الواقعة فالرجع وقال الامام معناه انه حق يقين اى حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه ثم أضيف أحد الوصفين الى الآخر للتأكيد وقال الزمخشري لليقين حق اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم ويراد به البليغ الكامل فى شأنه وفى تفسير القاشاني محض اليقين وصرف اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم اى خلاصة العالم وحقيقته من غير شوب شىء آخر وقال الجنيد قدس سره حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك معرفة بالحق وهو أن يشاهد الغيوب كمشاهدته للمرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما اخبر الصديق الأكبر فى مشاهدة النبي عليه السلام حين سأله ماذا أبقيت لنفسك قال الله ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وانقطاعه عن كل ما سوى الله ووقوفه على الصدق معه ولم يسأله النبي عليه السلام عن كيفيته ما أشار اليه لما عرف من صدقه وبلوغه المنتهى فيه ولما سأل عليه السلام حارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمنا حقا فأخبر عن حقيقة إيمانه فسأله عليه السلام عن ذلك لما كان يجد فى نفسه من عظيم دعواه ثم لما اخبر لم يحكم له بذلك فقال عرفت فالزم اى عرفت الطريق الى حقيقة الايمان فالزم الطريق حتى تبلغ اليه وكان يرى حال أبى بكر رضى الله عنه مستورا من غير استخبار عنه ولا استكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى وهذا مقام حق اليقين واليقين اسم للعلم الذي زال عنه اللبس ولهذا لا يوصف علم رب العزة باليقين فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ اى فسبح الله بذكر اسمه العظيم بأن تقول سبحانه الله تنزيها له عن الرضى بالتقول الله وشكرا على ما أوحى إليك فمفعول سبح محذوف والباء فى باسم ربك للاستعانة كما فى ضربته بالسوط فهو مفعول ثان بواسطة حرف الجر على حذف المضاف والعظيم صفة الاسم ويحتمل أن يكون صفة ربك ويؤيده ما روى ان رسول الله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية اجعلوها فى ركوعكم فالتزم ذلك جماعة من العلماء كما فى فتح الرحمن وقال فى التأويلات النجمية نزه وقدس تنزيها فى عين التشبيه اسم ربك اى مسمى ربك إذا لاسم عين المسمى عند أرباب

ص: 152