الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا أيها الكافرون وفى الوتر بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وبه عمل الشافعي ومالك رحمهما الله وما عند أبى حنيفة واحمد والمستحب فى الثالثة الإخلاص فقط تمت سورة الأعلى يوم الاثنين الخامس عشر من شهر المولد فى سنة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة الغاشية
ست وعشرون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال قطرب من ائمة النحو أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية قال المولى أبو السعود رحمه الله فى الإرشاد وليس بذاك بل هو استفهام أريد به التعجيب مما فى حيزه والتشويق الى استماعه والاشعار بانه من الأحاديث البديعة التي حقها ان يتناقلها الرواة ويتنافس فى تلقيها الوعاة من كل حاضر وباد والغاشية الداهية الشديدة التي تغشى الناس بشدائدها وتكتنفم بأهوالها وهى القيامة كما قال تعالى يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقال يوما كان شره مستطيرا يقال غشيه يغشاه اى غطاه وكل ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو عاش له وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عن الاستفهام التشويقى كأنه قيل من جهته عليه السلام ما أتانى حديثها ما هو فقيل وجوه يومئذ وهو ظرف لما بعده من الاخبار الثلاثة اى يوم إذ غشيت تلك الداهية الناس فان الخشوع والخضوع والتطامن والتواضع كلها بمعنى ويكنى بالجميع عما يعترى بالإنسان من الذل والخزي والهوان فوجوه مبتدأ ولا بأس بتنكيرها لانها فى موقع التنويع وخاشعة خبره قال الشيخ لعل وجه الابتداء بالنكرة كون تقدير الكلام اصحاب وجوه بالاضافة الا ان الخشوع والذل لما كان يظهر فى الوجه حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وانما قلنا ان الذل يظهر فى الوجه لانه ضد التكبر الذي محله الرأس والدماغ والمراد باصحاب الوجوه هم الكفار بدلالة ما بعده من الأوصاف عامِلَةٌ ناصِبَةٌ خبر ان آخران لوجوه إذا المراد بها أصحابها كما أشير اليه آنفا والنصب التعب والناصبة التعبة يقال نصب نصبا من باب علم إذا تعب فى العمل والمعنى تعمل أعمالا شاقة تتعب فيها لانها تكبرت عن العمل لله فى الدنيا فاعملها الله فى اعمال شاقة وهى جر السلاسل والاغلال الثقيلة كما قال فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا والخوض فى النار خوض الإبل فى الوحل اى الطين الرقيق والصعود فى تلال النار والهبوط فى وهادها وقال بعضهم خشوع الظاهر ونصب الأبدان لا يقربان الى الله تعالى بل يقطعان عنه وانما يقرب منه سعادة الأزل وخشوع السر من هيبة الله وهو الذي يمنع صاحبه من جميع المخالفات فالرهابنة والفلاسفة وأضرابهم من اهل الكفر والبدع والضلال انما يضربون حديدا باردا ويتعبون أنفسهم فى طريق الهوى والسعى فيه تَصْلى تدخل ناراً وتذوق ألمها حامِيَةً اى متناهية فى الحر وقد أو قدت ثلاثة آلاف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة وهو
خبر آخر لوجوه قال فى القاموس حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرهما وقال السجاوندى حامية اى دائمة الحمى والا فالنار لا تكون الا حامية تُسْقى بعد مدة طويلة من استغاثتهم من غاية العطش ونهاية الاحتراق اى سقاها الله او الملائكة بأمره مِنْ عَيْنٍ اى چشمه آب كه آنِيَةٍ اى متناهية بالغة فى الانى اى الحر غايتها لتسخينها بتلك النار منذ خلقت لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت فاذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم وإذا شربوا قطعت أمعاءهم كما قال تعالى وبين حميم آن يقال انى الحميم انتهى حره فهو آن وبلغ هذا اناه واناه غايته وفيه اشارة الى نار الطبيعة وعين الجهل المركب الذي هو مشرب أهلها والاعتقاد الفاسد المؤذى لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ بيان لطعام الكفار فى النار اثر بيان شرابهم وأورد ضمير العقلاء اشارة الى ان المراد من الوجوه أصحابها وانما أسند إليها ما ذكر من الأحوال لكونها مظهرا يظهر فيه ما فى الباطن مع انها يكنى بها كثيرا عن الذوات والضريع يبيس الشبرق كزبرج وهو شوك ترعاه الإبل مادام رطبا وإذا يبس تحامته وهو سم قاتل قال فى فتح الرحمن سموا ذلك الشوك ضريعا لانه مضعف للبدن ومهزل يقال ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل وعن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه الضريع شىء فى النار يشبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار وهذا طعام بعض اهل النار والزقوم والغسلين لآخرين بحسب جرائمهم وبه يندفع التعارض بين هذه الآية وبين آية الحاقة وهى قوله تعالى ولا طعام الا من غسلين قال سعدى المفتى ويمكن فى قدرة الله ان يجعل الغسلين إذا انفصل عن أبدان اهل النار على هئة الضريع فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع انتهى. يقول الفقير ويمكن عندى ان يجعل كل من الضريع والغسلين والزقوم بالنسبة الى شخص واحد بحسب الأعمال المختلفة فان لكل عمل اثرا مخصوصا وجزاء متعينا فيصح الحصر وتحقيقه ان الضريع اشارة الى الشبه والعلوم الغير المنتفع بها المؤذية كالمغالطات والخلافيات والسفسطة وما يجرى مجراها على ما قاله القاشاني والغسلين اشارة الى الشهوات الطبيعية ولذا يسيل من أبدانهم فان لكل شهوة رشحا وعرقا وكل اناء يترشح بما فيه والزقوم اشارة الى خوضهم فى الأنبياء والأولياء وطعنهم فى دينهم وضحكهم منهم وكانوا يتلذذون بذلك على ما أشار اليه قوله تعالى وإذا انقلبوا الى أهلهم انقلبوا فكهين اى متلذذين بما فعلوا من التغامز والسخرية ونحو ذلك على ان الزقمة هو الطاعون ووجه آخر وهو انه يمكن الترتيب بالنسبة الى شخص واحد بأن يكون الزقوم نزلاله والضريع أكلا له بعد ذلك والغسلين شرابا له كالحميم والعلم عند الله لا يُسْمِنُ فربه نمى كند آن ضريع وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ودفع نمى كند كرسنكى را.
اى ليس من شأنه الاسمان والإشباع كما هو شأن طعام الدنيا وانما هو شىء يضطرون الى أكله من غير أن يكون له دفع لضرورتهم لكن لا على ان لهم استعدادا للشبع والسمن الا انه لا يفيدهم شيأ منهما بل على انه لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهة طعامهم
وتحقيق ذلك ان جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما فى هذه النشأة من حالة عارضة للانسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له الى المطعوم والمشروب بحيث يتلذذ بهما عند الاكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما فى المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرارهم النار فى احشائهم الى إدخال شىء كثيف يملأها ويخرج ما فيها من اللهب واما ان يكون لهم شوق الى مطعوم ما او التذاذ به عند الاكل والاستغناء به عن الغير او استفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه فى بطونهم الى شىء مائع بارد يطفئه من غير ان يكون لهم التذاذ بشربه او استفادة قوة به فى الجملة وهو المعنى بما روى انه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم الى أكل الضريع فاذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم الى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم وتنكير الجوع للتحقير اى لا يغنى من جوع ما وتأخير نفى الإغناء عنه المراعاة الفواصل والتوسل به الى التصريح بنفي كلا الامرين إذ لو قدم لما احتيج الى ذكر نفى الاسمان ضرورة استلزام نفى الإغناء عن الجوع إياه بخلاف العكس ولذلك كرر لتأكيد النفي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ اى ذات بهجة وحسن وضياء مثل القمر ليلة البدر وبالفارسية تازه باشد اثر نعمت درو پيدا. فناعمة من نعم الشيء بالضم نعومة اى صار ناعما لينا ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة اى بالنعم الجسمانية والروحانية وهى وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وانما لم تعطف على ما قبلها إيذانا بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية اهل النار لانه ادخل فى تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه اشارة الى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة والنورية التي هى نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فان بالنظر الى الرب يحصل نضرة اى نضرة لِسَعْيِها راضِيَةٌ اى لعملها الذي عملته فى الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعيها فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف جيئ باللام لتقوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل اى لاجل سعيها فى طاعة الله راضية جزاءها وثوابها ودخل فى السعى الرياضات والمجاهدات والخلوات فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ اى كائنة او متمكنة فى جنة مرتفعة المحل فان الجنات فوق السموات العلى كما ان النيران تحت الأرضين السبع وايضا هى درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والأرض فتكون من العلو فى المكان وفى الحديث (ان المتحابين فى الله فى غرف ينظر إليهم اهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا الى كواكب السماء) ويجوز أن يكون معنى عالية علية المقدار فتكون من العلو فى القدر والشرف لتكامل ما فيها من النعيم وفيه اشارة الى المقامات العالية المعنوية لانها مقامات اهل الوجاهة والشرف المعنوي فلا يصل إليها أهل التمني والدعوى لا تَسْمَعُ أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكل من يصلح له او الوجوه فيكون التاء للتأنيت لا للخطاب فِيها اى فى تلك الجنة العالية لاغِيَةً لغوا من الكلام وهو ما لا يعتد به فهى مصدر كالعافية او كلمة ذات لغو على انها للنسبة او نفسا تلغو على انها اسم فاعل صفة لموصوف
محذوف هو نفس وذلك فان كلام أهل الجنة كله اذكار وحكم إذ لا يدخلها المؤمن الا من مرتبة القلب والروح فان النفس والطبيعة تطرحان فى النار وشأن القلب والروح هو الذكر كما ان شأن النفس والطبيعة هو اللغو فكما لا لغو فى الجنة الصورية فكذا لا لغو فى الجنة المعنوية فى الدنيا لاستغراق أهلها فى الذكر وسماع خطاب الحق ولذا لا تسمع فى مجالسهم الا المعارف الربانية والحكم الرحمانية وفى الحديث (ان أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون قالوا فما بال الطعام قال رشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس واما الدنيا ومجالس أهلها فلا تخلو من اللغو ولذلك قال عليه السلام (من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه) وهو الكلام الرديء القبيح والضجة والأصوات المختلفة لا يفهم معناها (فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان فى مجلسه ذلك) اى ما لم يتعلق بحق آدمي كالغيبة فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ التنوين للتكثير اى عيون كثيرة تجرى مياهها على الدوام حيث شاء صاحبها وهى أشد بياضا من اللبن وأحلى من الغسل من شرب منها لا يظمأ بعدها أبدا ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء وفيه اشارة الى عيون الذوق والكشف والوجدان والتوحيد فان بها يحصل الشفاء والصحة والبقاء لاهل القلوب وأصحاب الأرواح فِيها سُرُرٌ يجلسون عليها جمع سرير وهو معروف يعنى در آنجا تختها بر هر تختي هفصد بستر بر هر بسترى حورى چون ماه أنور مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك اى عالية فى الهولء على قوائم طوال فان السمك هو الامتداد الآخذ من أسفل الشيء الى أعلاه فالمراد برفعة سمكها شدة علوها فى الهولء فيرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه فى الجنة من النعيم الكبير والملك العظيم قال عليه السلام ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام قيل إذا جاء ولى الله ليجلس عليها تطامنت له فاذا استوى عليها ارتفعت ويجوز أن يكون المعنى رفيعة المقدار من حيث اشتمالها على جميع جهات الحسن والكمال فى ذواتها وصفاتها. أصل آن زر مكلل بزبرجد وجواهر. وقال الخراز قدس سره هى سرآئر رفعت عن النظر الى الاعراض والأكوان وفيه اشارة الى مراتب الأسماء الالهية التي بلغوها بالانصاف والتخلق بها فى السلوك فانها رفيع قدرها عن مراتب الجسمانيات وَأَكْوابٌ يشربون منها جمع كوب بالضم وهواناء لا عروة له ولا خرطوم يعنى بي دسته ولوله مدور الرأس ليمسك من أي طرف أريد بخلاف الإبريق وهو مستعمل فى بعض بلاد العرب الآن ولذا وقع به التشويق مَوْضُوعَةٌ اى بين أيديهم حاضرة لديهم لا يحتاجون الى أن يدعوا بها وهو لا ينافى أن يكون بعض الأقداح فى أيدى الغلمان كما سبق فى هل أتى على الإنسان إلخ وفيه اشارة الى ظروف خمور المحبة وثباتها على حالها مع ما فيها وَنَمارِقُ وسائد يستندون إليها للاستراحة جمع نمرقة بفتح النون وضمها والراء مضمومة فبهما بمعنى الوسادة مَصْفُوفَةٌ بعضها الى جنب بعض كما يشاهد فى بيوت الأكابر أينما أراد أن يجلس المؤمن جلس على واحدة واستند الى أخرى وعلى رأسه وصائف كأنهن الياقوت والمرجان
وفيه اشارة الى التجريد والتفريد والجمع والتوحيد أينما بريدون يجلسون ويستندون إليها وَزَرابِيُّ اى بسط فاخرة جمع زربى قال الراغب هو ضرب من الثياب محبر منسوب الى موضع على طريق التشبيه والاستعارة مَبْثُوثَةٌ اى مبسوطة على السرر زينة وتمتعا وفيه اشارة الى انبساط أرواحهم وانشراح صدورهم وانفتاح قلوبهم فى بساط القدس والانس والى مقامات تجليات الافعال التي تحت مقامات الصفات كالتوكل تحت الرضى مبثوثة اى مبسوطة تحتهم وأصل البث اثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الهمزة للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام والإبل بكسرتين وتسكن الباء واحد يقع على الجمع وليس بجمع ولا اسم جمع والجمع آبال كما فى القاموس وقال بعضهم اسم جمع لا واحد لها من لفظها وانما واحدها بعير وناقة وجمل وكلمة كيف منصوبة بما بعدها معلقة لفعل النظر والجملة فى حيز الجر على انها بدل اشتمال من الإبل اى أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه ويستبعدون وقوعه عن قدرة الله فلا ينظرون نظر اعتبار الى الإبل التي هى نصب عينهم يستعملونها كل حين انها كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلقة سائر انواع الحيوانات فى عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة بتأتى ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنهوض من الأرض بالأوقار الثقيلة وجر الأثقال الفادحة الى الأقطار النازحة وفى صبرها على الجوع والعطش حتى ان ظمئها ليبلغ العشر فصاعدا واكتفاءها باليسير ورعيها لكل ما تيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم وفى انقيادها مع ذلك للانسان فى الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها فى ذلك كيفما يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير وتبول من خلفها لان قائدها امامها فلا يترشش عليه بولها وعنقها سلم إليها وتتأثر من المودة والغرام وتسكر منهما الى حيث تنقطع عن الاكل والشرب زمانا ممتدا وتتأثر من الأصوات الحسنة والحداء وتصير من كمال التأثر الى حيث تهلك نفسها من سرعة الجري ويجرى الدمع عينيها عشقا وغراما پير رومى فرموده است
بر خوان أفلا ينظر تا قدرت ما بينى
…
يكره بشتر بنكر تا صنع خدا بينى
در خار خورى قانع در بار برى راضى
…
اين وصف اگر جويى در اهل صفا بينى
ولم يذكر الفيل مع انه أعظم خلقة من الإبل لانه لم يكن بأرض العرب فلم تعرفه ولا يحمل عليه عادة ولا يحلب دره ولا يؤمن ضره. بخلاف شتر كه هر چهـ مطلوبست از حيوان مثل نسل وحمل وشير ولحم وركوب هم از وحاصل است. وقال بعض العلماء ذكر الله الجنة وما اتخذ فيها من المنازل الرفيعة والسرر العالية التي سمكها كذا وكذا ذراعا قالوا فكيف يقعد أحدنا عليها وقامته قصيرة وهو لا يكاد يرقى سطحا بغير سلم وتعجب المشركون منه وأيضا. كفتند بطريق سخريت كه اگر اين واقعست پس بلال وخباب أمثال ايشانرا كار افتاد زيرا بسى زحمت بايد تا بر بالاى آن تخت بلند روند وبسى فرصت بايد تا از ان فرود
آيند اين آيت آمد كه أفلا ينظرون إلخ يعنى شتر با آن همه بلندى وبزركى برشته مسخر كودكى ميشود تا برد برآيد وفرود آيد پس چرا از تخت بهشت متعجب ميشوند كه در فرمان بهشتى باشد وَإِلَى السَّماءِ التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا سحيق المدى بلا عماد ولامساك بحيث لا يناله الفهم والإدراك وَإِلَى الْجِبالِ التي ينزلون فى أقطارها وينتفعون بمياهها وأشجارها كَيْفَ نُصِبَتْ نصبا رصينا فهى راسخة لا تميل ولا تميد وقال ابو الليث كيف نصبت على الأرض أوتادا لها وفيه اشارة الى عالم المثال لانه متوسط بين سماء الروحانيات وأرض الجسمانيات كالجبال فى الخارج وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ اى والى الأرض التي يضربون فيها ويتقلبون عليها كيف سطحت سطحا وبسطت على ظهر الماء بسطا حسبما يقتضيه صلاح امور ما عليها من الخلائق والاستدلال بكونها مسطوحة على عدم كونها كرة مجاب بأن الكرة إذا كانت عظمة جدا يكون كل قطعة منها كالسطح فيصح أن يطلق عليها البسط ففرق بين كرة وكرة كما انه فرق بين بيض الحمامة وبيض النعامة والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار الى كيفية خلو هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور لاشعارها بأن خالقها متصف بصفات الكمال من القدرة والقوة والحكمة منزه عن صفات النقصان من العجز والضعف والجهل حتى يرجعوا عما هم عليه من الإنكار والنفور ويسمعوا إنذارك ويستعدوا للقاء الله بالايمان والطاعة. در تبيان آورده كه مخاطب عرب اند واكثر ايشان اهل بريه باشند ومال ايشان شتر است وهر طرفى مينكرند جز آسمان وزمين وكوه نمى بينند لا جرم بعد از ذكر شتر آسمان وكوه وزمين ياد ميكرد.
يعنى قرنت الإبل بالسماء والجبال بالأرض لان الآية نزلت بطريق الاستدلال وهم كانوا أشد ملابسة بهذه الأشياء من غيرهم فلذا جمع الله بينها وقال الغزالي رحمه الله خص الإبل بالذكر لانها لا ثقة بقرائنها معنى فالسماء الظليلة والأرض الزاملة والجبال الثقيلة كالابل لفرش والحمولة فالسحاب تحمل الماء الزلال والإبل الأحمال الثقال والأرض الجبال والكل مسخر بأمره قال القرطبي قدم الإبل فى الذكر ولو قدم غيره جاز وعن القشيري رحمه الله انه قال ليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة. يقول الفقيران قلت لو أخر ذكر الإبل لكان له مناسبة تامة مع ذكر الأرض لان الإبل سفن البر قلت نعم لكنه اعتبر سمك الإبل فترقى منه الى سمك السماء. ثم يقول الفقير ولى كلام عريض فى هذا المقام ذكرته فى كتاب الواردات الحقية لى وخلاصته انه تعالى أشار بالإبل الى النفوس فانها ضخمة جسيمة مثلها وبدأ بالنفوس لانها اصل بمنزلة الام ولدرجة الأنوثة تقدم حكما وان كان لها تأخر صورة كحوآء بالنسبة الى آدم وأشار بالسماء الى الأرواح لانها علوية وبمنزلة الأب ولهذا أردفها بها وأشار بالجبال الى القلوب لانها أثبت من الرواسي ولانها خلقت بعد خلق الروح والنفس كما ان الجبال خلقت بعد خلق السماء والأرض فهى بمنزلة الولد لهما ولذا عقبهما بها وقد صح ان الجبال تعبر فى الرؤيا يأهل القلوب من الرجال لانهم أوتاد الأرض والعمد المعنوية فى الحقيقة كما ان الجبال أوتاد الأرض فى الصورة وأشار بقوله نصبت دون خلقت الى ان
القلوب فى الحقيقة امر ملكوتى وان ظهرت فى الصورة ظهور الولد من الأبوين وأشار بالأرض الى الأجساد السافلة وهى مؤخرة فى المرتبة فالله تعالى سطح ارض البشرية والجسدانية لتكون مستقر النفوس وخلق النفوس لتكون مستوى القلوب وخلق القلوب لتكون عروش الروح بل السر بل الأخفى فما أحسن ترتيب هذه الآية وما أشد انتظام جملتها وتناسها فهى كالجمع بين كاتب وقلم وقرطاس ودواة والله تعالى أعلم فَذَكِّرْ الفاء لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبئ عنه الإنكار السابق من عدم النظر اى فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك انهم لا ينظرون ولا يتذكرون إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تعطيل للامر بما أمرت به اى مبلغ وانما للهداية والتوفيق الى الله تعالى لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ اى لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى وما أنت عليهم بجبار واكثر القراء قرأوا بمصيطر بالصاد على القلب لمناسبة الطاء بعدها وقرئ بالسين على الأصل وبالاشمام بأن يخلط صوت الصاد بصوت الزاى بحيث يمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاى وخلط حرف بحرف أحد معانى الإشمام فى عرف القراء يقال سطر يسطر سطرا كتب والمسيطر والمصيطر المسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتب عمله فأصله من السطر فالكتاب مسيطر والذي يفعله مسيطر وقال الراغب يقال سطر فلان على كذا او تسطر عليه إذا قام عليه قيام سطر اى لست عليهم بقائم وحافظ واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم فى قوله أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت والحفيظ فى قوله وما أنت عليهم بحفيظ انتهى إِلَّا مَنْ تَوَلَّى أعرض عن الحق او عن الداعي اليه بعد التذكير وَكَفَرَ وثبت على الكفر او أظهره وفى فتح الرحمن الا من تولى عن الايمان وكفر بالقرءان او بالنعمة وفى التأويلات النجمية الامن تولى عن الحق بالإقبال على الدنيا وكفر أي ستر الحق بالخلق وهو استثناء منقطع ومن موصولة لا شرطية لمكان الفاء ورفع الفعل اى لكن من تولى وكفر فان لله الولاية والقهر وهو المسيطر عليهم قالوا وعلامة كون الاستثناء متصلا محضا لا يحسن ذلك نحو عندى مائتان إلا درهما فلا يدخل عليه ان فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ الذي هو عذاب جهنم حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد وفى فتح الرحمن الأكبر عذاب جهنم والأصغر ما عذبوا به فى الدنيا من الجوع والاسر والقتل ويؤيده ما قال الراغب فى قوله يوم نبطش البطشة الكبرى فيه تنبيه على ان كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم انتهى وايضا قوله تعالى ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر فان المراد بالعذاب الأدنى هو العذاب الأصغر الدنيوي لا البرزخى لقوله تعالى بعده لعلهم يرجعون فان الرجوع انما يعتبر فى الدنيا لا فى البرزخ وفيما بعد الموت فيكون المراد بالعذاب الأكبر هو العذاب الأخروي واليه ينظر قوله تعالى يصلى النار الكبرى كما سبق وفى تأويلات النجمية العذاب الأكبر هو عذاب الاستتار فى الدنيا وعذاب نار الهجران فى الآخرة إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر يقال آب
يؤوب اوبا وإيابا رجع اى ان إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا الى أحد سوانا لا استقلالا ولا اشتراكا كما قال تعالى ألا الى الله تصير الأمور واليه يرجع الأمر كله فتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة فانه يفيد معنى أن يقال ان إيابهم ليس الا الى الجبار المقتدر على الانتقام كما ان مبدأهم وصدورهم كان منه وفيه تخويف شديد فان رجوع العبد العاصي المصر الى مالكه الغضوب فى غاية الصعوبة ونهاية العسرة وجميع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ فى المحشر لا على غيرنا فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم وثم للتراخى فى الرتبة لا فى الزمان فان الترتب الزمانى بين إيابهم وحسابهم لا بين كون إيابهم اليه تعالى وحسابهم عليه تعالى فانهما أمران مستمران قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله ان إلينا إيابهم فى الفضل ثم ان علينا حسابهم فى العدل وقال البقلى رحمه الله انظر كيف تفضل بعد الوعيد بأن جعل نفسه مآبهم وتكفل بنفسه حسابهم فينبغى أن يعيشوا بهذين الفضلين أطيب العيش فى الدارين ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين. يقول الفقير ما قاله البقلى هو ما ذاقه العارفون بطريق المكاشفة فينبغى أن لا يغتر به العوام فانه قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية انما خف الحساب فى الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا وثقلت موازين قوم فى الآخرة وزنوا نفوسهم فى الدنيا ومحاسبة النفس تكون بالورع وموازنتها تكون بمشاهدة عين اليقين والتزين للعرض يكون بمخافة الملك الأكبر وعن على رضى الله عنه اما بعد فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من الدنيا فلا تكثرنه فرحا وما فاتك منها فلا تتبعنه أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت وفى الحديث ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يرآئى بشئ من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا ولآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وقال عليه السلام لو لم ينزل على الا هذه الآية لكانت تكفى ثم قرأ آخر سورة الكهف فمن كان يرجو لقاء ربه إلخ فكان هذا فصل الخطاب وبلاغا لأولى الألباب فالعمل الصالح الإخلاص بالعبادة ونفى الشرك بالخلق هو اليقين بتوحيد الخالق فما كان لله اى خالصا لاجله وبالله اى بمشاهدة قربه لا بمقارنة نفسه وهواه وفى الله اى سبيله وطلب ما عنده لا لاجل عاجل حظه فمقبول وأهله من المقربين وحسابهم حساب يسير بل لا حساب لهم تمت سورة الغاشية بعون الله ذى العطايا الفاشية فى السابع عشر من شهر مولد النبي عليه السلام من سنة سبع عشرة ومائة وألف