المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة عبس - روح البيان - جـ ١٠

[إسماعيل حقي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌تفسير سورة التغابن

- ‌تفسير سورة الطلاق

- ‌تفسير سورة التحريم

- ‌سورة الملك مكية

- ‌تفسير سورة ن

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌تفسير سورة الضحى

- ‌تفسير سورة الم نشرح

- ‌تفسير سورة التين

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌تفسير سورة الإيلاف

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌تفسير سورة الكافرين

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌تفسير سورة الناس

الفصل: ‌تفسير سورة عبس

الاعشية او ضحى احتمل أن يكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الاول الى الزمان الآخر من اليوم الآخر واما إذا قيل الاعشية او ضحاها لم يحتمل ذلك البتة قال فى الإرشاد واعتبار كون اللبث فى الدنيا او فى القبور لا يقتضيه المقام وانما الذي يقتضيه اعتبار كونه بعد الانذار أو بعد الوعيد تحقيقا للانذار وردا لاستبطائهم وفى الآية اشارة الى ساعة الفناء فى الله فانها امر وجداني لا يعرفها الا من وقع فيها وهم باقون بنفوسهم الغليظة الشديدة فكيف يفهمونها بذكرها بلسان العبارة كما قيل من لم يذق لم يعرف كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الاعشية او ضحاها لاتصال آخر الفناء بأول البقاء كما قال العارف الطيار العطار قدس سره

كر بقا خواهى فناى خود كزين

أولين چيزى كه مى زايد بقاست

وفى الحديث من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله

فى القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة وهو عبارة عن استقصار مدة اللبث فيما يلقى من البشرى والكرامة فى البرزخ والموقف كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه الله تمت سورة النازعات بعون خالق البريات فى يوم الاثنين ثانى صفر الخير من شهور ستة سبع عشرة ومائة وألف

‌تفسير سورة عبس

أربعون او احدى وأربعون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم

عَبَسَ من الباب الثاني والعبس والعبوس ترش روى شدن يعنى ترش كرد روى خود را محمد عليه السلام وَتَوَلَّى اعرض يعنى روى بگردانيد أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولى على رأى المبصريين لقربه منه اى تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال فى افتقاد البصيرة ايضا ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن أم مكتوم المؤذن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأذان ولذلك قال عليه السلام ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان من المهاجرين الأولين استخلفه عليه السلام على المدينة مرتين حين خرج غازيا وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة وقيل شهيدا بالقادسية وهى قرية فوق الكوفة قال أنس رضى الله عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء ويقال ليوم فتح عمر رضى الله عنه يوم القادسية فانه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا فى اسم ابن أم مكتوم فقيل هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر ابن لؤى وقيل هو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم من بنى عامر بن هلال وهو ابن خال خديجة رضى الله عنها وأم مكتوم اسم أم أبيه كما فى الكشاف وقال السعدي هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره انها أمه واسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم (روى) ان ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فى مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل

ص: 330

بن هشام والعباس بن عبد المطلب وامية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم الى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم لان عادة الناس انه إذا مال أكابرهم الى أمر مال اليه غيرهم كما قيل الناس على دين ملوكهم فقال له يا رسول الله علمنى مما علمك الله انتفع به وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله عليه السلام بالقوم إذا لسمع لا يكفى فى العلم بالتشاغل بل لا بد من الابصار على انه يجوز انهم كانوا يخفضون أصواتهم عند المكالمة او جاء الأعمى فى منقطع من الكلام فكره رسول الله قطعه لكلامه واشتغاله به عنهم وعبس واعرض عنه فرجع ابن أم مكتوم محزونا خائفا أن يكون عبوسه واعراضه عنه انما هو لشئ أنكره الله منه فنزلت. امام زاهد فرموده كه سيد عالم صلى الله عليه وسلم از عقب او رفت واو را باز گردانيده ورداى مبارك خود بگسترانيد وبران نشانيد. فكان رسول الله يكرمه ويقول إذا رآه مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى اى لا منى مع بقاء المحبة ويقول له هل لك من حاجة ويقال ان رسوالله عليه السلام لم يغتم فى عمره كغمه حين أنزلت عليه سورة عبس لان فيها عتبا شديدا على مثله لانه الحبيب الرشيد ومع ذلك فلم يجعل ذلك الخطاب بينه وبينه فيكون أيسر للعتاب بل كشف ذلك للمؤمنين ونبه على فعله عباده المتقين ولذلك روى ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه بلغه ان بعض المنافقين يؤم قومه فلا يقرأ فيهم الا سورة عبس فارسل اليه فضرب عنقه لما استدل بذلك على كفره ووضع مرتبته عنده وعند قومه قال ابن زيد لو جاز له أن يكتم شيأ من الوحى لكان هذا وكذا نحو قوله لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك ونحو قوله امسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وكان ما فعله عليه السلام من باب ترك الاولى فلا يعد ذنبا لان اجتهاده عليه السلام كان فى طلب الاولى والتعرض لعنوان عماه مع ان ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضى تحقير شأنه وهو ينافى تعظيمه المفهوم من العتاب على العبوس فى وجهه اما لتمهيد عذره فى الاقدام على قطع كلامه عليه السلام للقوم والإيذان باستحقاقه الرفق والرأفة لا الغلظة واما لزيادة الإنكار فان أصل الإنكار حصل من دلالة المقام كأنه قيل تولى لكونه أعمى وهو لا يليق بخلقه العظيم كما ان الالتفات فى قوله تعالى وَما يُدْرِيكَ لذلك فان المشافهة أدخل فى تشديد العتاب كمن يشكو الى الناس جانيا جنى عليه ثم يقبل على الجاني إذا حمى فى الشكاية مواجها له بالتوبيخ اى واى شىء يجعلك داريا وعالما بحاله ويطلعك على باطن امره حتى تعرض عنه اى لا يدريك شىء فتم الكلام عنده فيوقف عليه وليس ما بعده مفعوله بل هو ابتداء كلام وقال الامام السهيلي رحمه الله انظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا شبيه حال الغائب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك علما منه تعالى انه لم يقصد بالاعراض عنه الا الرغبة فى الخير ودخول ذلك المشرك فى الإسلام وهو الوليد أو أمية وكان مثله يسلم بإسلامه بشر كثير فكلم نبيه عليه السلام حين ابتدار الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له عليه السلام بعد الايحاش فانه قيل ان ابن أم

ص: 331

مكتوم كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امور الدين واما أولئك الكفار فما كانوا قد اسلموا وكان إسلامهم سببا لاسلام جمع عظيم فكلامه فى البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم والأهم مقدم على المهم فثبت بهذا ان فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية وما فعله النبي عليه السلام كان واجبا فكيف عاتبه الله على ذلك قيل ان الأمر وإن كان كما ذكر الا ان ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقراء وهو لا يليق بمنصب النبوة لانه ترك الأفضل كما أشير اليه سابقا فلذا عاتبه الله تعالى لَعَلَّهُ اى الأعمى يَزَّكَّى بتشديدين أصله يتزكى اى يتطهر بما يقتبس منك من اوضار الأوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكى وارد على سنن الكبرياء فان لعل فى كلام العظماء يراد به القطع والتحقيق او على اعتبار معنى الترجي بالنسبة اليه عليه السلام للتنبيه على ان الاعراض عنه عند كونه مرجوا التزكى مما لا يجوز فكيف إذا كان مقطوعا بالتزكى كما فى قولك لعلك ستندم على ما فعلت أَوْ يَذَّكَّرُ يتشديدين ايضا أصله يتذكر والتذكر هو الاتعاظ يعنى با خود پند كيرد فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى اى فتنفعه موعظتك ان لم يبلغ درجة التزكى التام وفى الكشاف المعنى انك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزكى او تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك انتهى أشار الى ان قوله يزكى من باب التخلية عن الآثام وقوله او يذكر من باب التحلية ببعض الطاعات ولذا دخلت كلمة الترديد فقوله او يذكر عطف على بزكى داخل معه فى حكم الترجي وقوله فتنفعه الذكرى بالنصب على جواب لعل تشبيها له بليت وفيه اشارة الى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكى والتذكر أصلا واشعار بأن اللائق بالعلم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمه ولا ينظر الى شبحه وصورته كما ينظر العوام وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن أرجاس الضلالة وتطهير قلبه من أدباس الجهالة لا احكام الدنيا الدنية أَمَّا للتفضيل مَنِ اسْتَغْنى عن الايمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوى عليها القرآن فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والاهتمام بإرشاده واستصلاحه دون الأعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام عن مصاحبتهم فان الإقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدي للشئ التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفى المفردات التصدي ان يقابل الشيء مقابلة الصدى اى الصوت الراجع من الجبل وفى كشف الاسرار التصدي التعرض للشئ على حرص كتعرض الصديان للماء اى العطشان وعن بعضهم اصل تصدى تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علة وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى اى وليس عليك بأس ووزر ووبال فى أن لا يتزكى ذلك المستغنى بالإسلام حتى تهتم بأمره وتعرض عمن أسلم ان عليك الا البلاغ وكيف تحرض على الإسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن اعرض عنه فما نافية وكلمة فى المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدى مقررة لجهة الإنكار

ص: 332

وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى اى حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من احكام الرشد وخصال الخير وَهُوَ والحال انه يَخْشى الله تعالى او يخشى الكفار وأذا هم إتيانك قال سعدى المفتى الظاهر أن النظم من الاحتباك ذكر الغنى اولا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيء والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما اولا فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشيء بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهوا إذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبي ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة وفى بعض التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والإرشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الإنكار خصوصيته عليه السلام أي مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضونهما تنبيه حيث أفادت القصة ان العبرة بالأرواح والأحوال لا بالأشباح والأموال والعزيز من أعزه الله بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله الله بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقراء فى مجلسه عليه السلام أمراء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي عليه السلام فى هذه السورة قال بعضهم بين الله درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقير أهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقراء لان فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الأغنياء إذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث (من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه) يقال تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقة وتحامل فلان على فلان إذا لم يعدل وقال بعض الأكابر انما كان صلى الله عليه وسلم يتواضع لاكابر قريش لان الأعزاء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقراء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها إذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو أعلى منه وهو ما امره الله به آخرا بعد ما صدر سورة عبس فى قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده فى شىء دون شىء للاطلاق الذي هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى كَلَّا انزجر من التصدي للمستغنى والاعراض عن ارشاد المسترشد قال الحسن لما تلا جبرائيل هذه الآيات على النبي عليه السلام عاد وجهه كأنما استف فيه الرماد اى تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عليه فلما

ص: 333

قال كلاسرى عنه والتسرية اندوه را بردن

اى لا نفعل مثل ذلك فانه غير لائق بك

إِنَّها اى القرآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تَذْكِرَةٌ اى موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها فَمَنْ پس هر كه شاءَ ذَكَرَهُ اى القرآن اى حفظه ولم ينسه او اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة الى الاهتمام بأمره فِي صُحُفٍ جمع صحيفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيئ به للترغيب فيها والحث على حفظها اى كائنة فى صحف منتسخة من اللوح او خبرثان لان فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندى على انه خبر محذوف اى وهى فى صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هربا من إيهام تعلقة به وهو غير جائزلان ذكر من شاء لا يكون فى صحف مُكَرَّمَةٍ عند الله لكونها صحف القرآن المكرم مَرْفُوعَةٍ اى فى السماء السابعة او مرفوعة المقدار والذكر فانها فى المشهور موضوعة فى بيت العزة فى السماء الدنيا مُطَهَّرَةٍ منزهة عن مساس. أيدي الشياطين بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على انه جمع سافر من السفر وهو الكتب إذ فى الكتابة معنى السفر اي الكشف والتوضيح والكاتب سافر لانه يبين الشيء ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفرا لانه يسفر ويكشف عن اخلاق المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وان جاز الإطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال القفال فى وجه لما لم يمسها الا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها وقال القرطبي ان المراد فى قوله تعالى لا يمسه الا المظهرون هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون فى محل الجر على انها صفة لصحف اى فى صحف كائنة بأيدى سفرة او مكتوبة بأيدى سفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطهرة وقفا لازما هربا من توهم تعلق الباء به كِرامٍ عند الله بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم او متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه الله يريد انهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاء الحاجة يشير الى انهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراما كاتبين وفيه تأمل بَرَرَةٍ أتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات او مطيعين الله من قولهم فلان يبر خالقه اى يطيعه او صادقين من بر فى يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه بأشنع الدعوات فان القتل غاية شدائد الدنيا وأفظعها ومن فسر القتل باللعن أراد به الإهلاك الروحاني فانه أشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعنى كافر. وفى عين المعاني عذب ما أَكْفَرَهُ ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه اليه وبالفارسية چهـ كافرترين خلقست. تعجب من افراطه فى الكفران اى على صورته فان حقيقة التعجب انما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشيء والذي أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو فى الحقيقة تعجيب من الله لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه اى اعجبوا من كفره بالله

ص: 334

ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه اليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك قال بعضهم لعن الله الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التي لو عرفها عرف صانعها وقال ابن الشيخ هذا الدعاء وارد على اسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لانه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بايراد ما هو فى صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على انه استحق اهول العقوبات وأشنعها وبايراد صيغة التعجب الذم البليغ له من حيث ارتكابه أقبح القبائح ولا شك ان السخط يجوز من الله وكذا الذم ويجوز أن يكون ما اكفره استفهاما بمعنى التقريع والتوبيخ اى اى شىء حمله على الكفر والمراد من الإنسان اما من استغنى عن القرآن المذكور نعوته واما الجنس باعتبار انتظامه له ولا مثاله من افراده لا باعتبار جمع افراده مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اى من اى شىء حقير مهين خلقه يعنى نمى انديشد كه خداى تعالى از چهـ چيز بيافريد او را. ثم بينه بقوله مِنْ نُطْفَةٍ قذرة خَلَقَهُ فمن كان أصله مثل هذا الشيء الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق المنعم الذي كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندى على قوله من نطفة حتى وضع عليه علامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة اخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق وإتمامه من انعامه ومن جعله متعلقا بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه فَقَدَّرَهُ فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والاشكال اى أحدثه بمقدار معلوم من الأعضاء والاشكال والكمية والكيفية فجعله مستعدا لان ينتهى فيها الى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطف الشيء على نفسه وذلك ان خلق الشيء ايضا تقديره واحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية پس اندازه او پديد كرد از اعضا وإشكال وهيئات در بطن ما در. او فقدره أطوار الى ان تم خلقه فالتقدير المنفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أي او جده على التقدير الاولى ثم جعله ذا أطوار من علقة ومضغة الى آخر أطواره ذكرا او أنثى شقيا او سعيدا قال بعضهم وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فان التقدير يتضمنه على المعنيين ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ منصوب بمضمر يفسره الظاهر اى سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحم وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه ان ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت ولولا ذلك لا يمكثها ان تلد ويسر له سبيل الخير والشر فى الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالاقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب ونحو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الاضافة بأن يقال سبيله للاشعار بعمومه لانه عام للانس والجن على المعنى الثاني وللحيوانات ايضا على المعنى الاول قال ابن عطاء رحمه الله يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه ثُمَّ أَماتَهُ اى قبض روحه عند تمام اجله المقدر المسمى فَأَقْبَرَهُ اى جعله فى قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحا على وجه الأرض جزرا اى قطعا

ص: 335

للسباع والطير كسائر الحيوان قال فى كشف الاسرار لم يجعله مما يطرح للسباع او يلقى للنواويس والقبر مما أكرم به المسلمون انتهى يقال قبر الميت إذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره إذا امر بدفنه او مكن منه فالمقبر هو الله لانه الآمر بالدفن فى القبور قال فى المفردات اقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى (وفى المثوى)

كندن كورى كه كمتر پيشه بود

كى ز مكر وحيله وانديشه بود

جمله حرفتها يقين از وحي بود

أول او ليك عقل آنرا فزود

وعد الاماتة من النعم بالنسبة الى المؤمن فان بالموت يتخلص من سجن الدنيا وايضا ان شأن الموت ان يكون تحفة ووصلة الى الحياة الابدية والنعيم المقيم وانما كان مفتاح كل بلاء ومحنة فى حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات اعماله وفى بعض التفاسير ذكر الاماتة اما لانها مقدمة الإقبار واما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرها الموت وعن الشافعي رحمه الله

فلا تمشين فى منكب الأرض فاخرا

فعما قليل يحتويك ترابها

واما الحث على الاستعداد واما رعاية المقابلة بينه وبين انشره تنبيها على كمال قدرته وتمام حكمته ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ اى إذا شاء انشاره وإحياءه وبعثه انشره وأحياه وبعثه وفى تعليق الإنشاء بمشيئته له إيذان بأن وقته غير متعين فى نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فانا نجزم بأن أحدا من أبناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا وليس لاحد مثل هذا الجزم فى النشور هكذا قالوا وفيه ان الموت ايضا له سن معلوم وأجل محدود فكيف يتعين فى نفسه ويجزم بوقوعه فى سن كذا بحيث لا يكون موكولا الى مجرد مشيئته تعالى ولعل تقييد الانشار بالمشيئة لا ينافى تقييد الموت بها ايضا إذ لا يجرى عليه تعالى زمان وانه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام من مات فقد قامت قيامته اى لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه اشارة الى ان الميت ان كان من اهل السعادة فانشاره من قبور اهل السعادة وان كان مدفونا فى قبور اهل الشقاود وان كان من اهل الشقاوة فانشاره من قبور اهل الشقاوة وان كان مدفونا فى قبور اهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق فى خطبة كتابه ثم إذا شاء منها انشره اى من مكة فان من دفن بمكة ولم يكن لائقلبها تنقله الملائكة الى موضع آخر وفى الحديث (من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم) وفى حديث آخر (من مات وهو يعمل عمل قوم لوط ساربه قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطي رحمه الله وحكى ان شخصا كان يقال له ابن هيلان من المبالغين فى التشيع بحيث يفضى الى ما يستقبح فى حق الصحابة مع الإسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطا إذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثانى يوم الدفن فى القبر الذي دفن به ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث

ص: 336

يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا للبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضي جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته أرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التي يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلامة وحكى ايضا ان محمد بن ابراهيم المؤذن حكى عنه انه حمل ميتا فى ايام الحاج ولم يوجد من يساعده عليه غير شخص قال فحملناه ووضعناه فى اللحد ثم ذهب الرجل وجئت أنا باللبن لاجل اللحد فلم أجد الميت فى اللحد فذهبت وتركت القبر على حاله ونقل ان بعض الصلحاء ممن لم يمت بالمدينة رؤى فى النوم وهو يقول للرائى سلم على أولادي وقل لهم انى قد حملت ودفنت بالبقيع عند قبر العباس فاذا أرادوا زيارتى فليقفوا هناك ويسلموا ويدعوا كذا فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الآية اشارة الى ان الإنسان ما كان له ان يكفر لان الله خلقه من نطفة الوجود المطلق وهيأه لمظهرية ذاته وصفاته وأسمائه ثم سهل عليه سبيل الظهور بمظاهر الأسماء الجمالية والجلالية ثم أماته عن انانيته فأقبره فى قبر الفناء عن رؤية الفناء ثم إذا شاء انشره بصورة البقاء بعد الفناء فعلى العبد أن يعرف قدر النعمة ولا يظهر بالعجب والغرور بأن يدعى لنفسه ما كان لله من الكمالات كالعلم والقدرة والارادة ونحوها كَلَّا ردع للانسان عما هو عليه وجعله السجاوندى بمعنى حقا ولذا لم يقف عليه بل على امره فانه إذا كان بمعنى حقا يكون تابعا لما بعده لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ قال فى بعض التفاسير ما فى لما صلة دخلت للتأكيد كقوله فيما رحمة من الله فلما بمعنى لم وليس فيه معنى التوقع وفى ما امره موصولة وعائده يجوز أن يكون محذوفا والتقدير ما امره به فحذف الجار او لا فبقى ما امره هو ثم حذف الهاء العائد ثانيا ويجوز أن يكون باقيا على ان المحذوف من الهاءين هو العائد الى الإنسان والباقي هو العائد الى الموصول فاعرف وقس عليه أمثاله اى لم يقض الإنسان ما امره الله به من الايمان والطاعة ولم يؤد ولم يعرف ولم يعمل به وعدم القضاء محمول على عموم النفي اما على ان المحكوم عليه هو المستغنى او هو الجنس لكن لا على الإطلاق بل على ان مصداق الحكم بعدم القضاء بعض افراده وقد أسند الى الكل فلا شياع فى اللوم بحكم المجانسة واما على ان مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الإيجاب الكلى دون السلب الكلى فالمعنى لما يقض جميع افراده ما امره بل اخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل ان لا يتخلف عنه أحد أصلا. وگفته اند مراد همه آدميانند از آدم تا باين غايت وهركز هيچ آدمي از عهده حقوق اداى أوامر الهى كما ينبغى بيرون نيايد ونتوان آمد

بنده همان به كه ز تقصير خويش

عذر بدرگاه خداى آورد

ور نه سزاوار خداونديش

كس نتواند كه بجاى آورد

وفى التأويلات النجمية كلا لما يقض ما امره من الإتيان بمواجب حقوقنا من الظهور بحقائق اسمائنا والقيام بفضائل صفاتنا فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ شروع فى تعداد النعم المتعلقة

ص: 337

ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه اى فلينظر الإنسان الى طعامه الذي عليه يدور امر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضى الله عنهما فلينظر الإنسان الى طعامه ليعلم خسة قدره وفناء عمره وفى الحديث (ان مطعم ابن آدم جعله الله مثلا للدنيا وان قزحه وملحه فانظر الى ماذا يصير) يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجر ابزار الطعام وملحها جعل الملح فيها أَنَّا صَبَبْنَا أنزلنا انزالا وافيا من السحاب الْماءَ اى الغيث وهو المطر المحتاج اليه بدل اشتمال من طعامه لان الماء سبب لحدوث الطعام فالثانى مشتمل على الاول إذ لا يلزم فيه ان يكون المبدل منه مشتملا على البدل فحينئذ العائد محذوف والتقدير صببنا له صَبًّا عجيبا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ بالنبات ولما كان الشق بعد الصب أورد كلمة ثم والشق بالفارسية شكافتن شَقًّا بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة فَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض المشقوقة بالنبات والفاء للتعقيب حَبًّا فان انشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع الى ان يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لانه الأصل فى الغذاء وَعِنَباً عطف على حبا وليس من لوازم العطف ان يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطوف عليه فلا ضير فى خلو إنبات العنب عن شق الأرض وكذا فى أمثاله كذا قال فى الإرشاد ولعل شق الأرض فيه باعتبار أصله أول خروجه منها فان المراد هنا شجرة العنب وانما ذكره والزيتون باسم الثمرة لشهرتهما بها ووقوع كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لانه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من أصلح الاغذية وَقَضْباً اى رطبة وهى نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسپست ومعربه الاسفست. سميت بمصدر قضبه اى قطعه مبالغة كانها لتكرر قطعها وتكثره إذا تقضب مرة بعد اخرى فى السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه الرطب التي تقضب من النخل ورجحه بعضهم لما سبته بالعنب وقال بعضهم هو مثل النعناع والطرخون والكراث وغيرها التي يقطع ساقها من أصلها يعنى للاكل وبعضهم هو القت الرطب أفرده بالذكر تنبيها على اختلاف النباتات وان منها ما إذا قطع عاد ومنها ما لا يعود والقت حب الغاسول وهو الأشنان وقيل هو حب يا بس اسود يدفن فيلين قشره ويطحن ويخبز يقتاته اعراب طى وبعضهم هو كل ما يؤكل رطبا كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء وَزَيْتُوناً هو ما يعصر منه الزبت والمراد شجرته وتعمر ثلاثة آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوائده خصوصا لاهالى بلاد العرب فانهم ينتفعون به أكلا وادهانا واستضاءة وتطهرا فانه يجعل فى الصابون وكان عليه السلام يتطيب به فى الأوقات وَنَخْلًا هو شجر التمر جمع نخلة والرطب والتمر من أنفع الغذاء وفى العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضلة طينة آدم عليه السلام كما سبق مفصلا وَحَدائِقَ غُلْباً جمع حديقة وهى الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر او كل ما أحاط به البناء او القطعة من النخل كما فى القاموس وهى هنا من قبيل التعميم

ص: 338

بعد التخصيص والغلب جمع اغلب كحمر جمع احمر أو حمراء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل اغلب واسد اغلب اى غليظ العنق فالمعنى وحدائق عظاما وصف به الحدائق لنكاثفها وكثرة أشجارها او لانها ذات أشجار غلاظ فعلى الاول الاستعارة معنوية وعلى الثاني مجاز مرسل فان أريد من غلظ العنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق اطلاق المفيد وارادة المطلق كاطلاق المرسن على الانف واجرى على الحدائق وصفا لها بحال متعلقها وهو الأشجار سمى استعارة بناء على اللغة وفى كشف الاسرار الغلب من الشجر التي لا تثمر كالشمار والارز والعرعر والدرداء وَفاكِهَةً كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الإمامين لا عند الأعظم لان العطف يقتضى المغايرة والظاهر ان مراد الأعظم ان نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذآء يحقق القصور فى معنى التفكه به اى التنعم بعد الطعام وقبله فلا يتناوله اسم الفاكهة على الإطلاق حتى لو حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكله لكونه غذآء من وجه وان كان فاكهة من وجه آخر وعطف الفاكهة عليه لا ينافى كونه فاكهة من وجه لان المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى ان الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه او عطفه عليها كما فى مواضع من القرآن وَأَبًّا اى مرعى من أبه إذا امه اى قصده لانه يؤم ويقصد جزه للدواب او من أب لكذا إذا تهيأ له لانه متهيئ للرعى وأب الى وطنه إذا نزع اليه نزوعا تهيأ لقصده وكذا أب لسيفه إذ تهيأ لسله وابان ذلك فعلان منه وهو الزمان المتهيئ لفعله ومجيئه او الأب الفاكهة اليابسة تؤب للشتاء اى تعد وتهيأ وهو الملائم لما قبله وفى الحديث (خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجد والله على سبع) أراد بقوله خلقتم من سبع يعنى من نطقة ثم من علقة إلخ وهى التارات السبع وبقوله رزقتم من سبع قوله حبا وعنبا الى أبا لعل الحدائق خارجة عن الحساب لانها منابت تلك المرزوقات وبقوله فاسجدوا على سبع الأعضاء السبعة وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ مفعول له اى فعل ذلك تمتيعا لكم ولمواشيكم فان بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم وللالتفات لتكميل الامتنان وفى الآية اشارة الى حب المحبة الذاتية وخمير المحبة الصافية المتخذة من عنب الصفات وخمر المحبة الافعالية المتخذة من رطب وزيتون المعرفة ونخل التوحيد العالي من ان يصل اليه كل مدع كذاب وفاكهة الوجدانيات والذوقيات وحدائق الشوق والاشتياق والود والتجريد ونحوها وأب مراعى الشهوات الحيوانية فبعض هذه النعم الشريفة مخصوص بالخواص كالارواح والاسرار والقلوب وبعضها بالعوام كالنفوس البشرية والقوى الطبيعية العنصرية فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فناء النعم عن قريب كما يشعر لفظ المتاع بسرعة زوالها وقرب اضمحلالها وجواب إذا محذوف يدل عليه يوم يفر إلخ اى اشتغل كل أحد ينفسه والصاخة هى الداهية العظيمة التي يصخ لها الخلائق اى يصيخون لها

ص: 339

من صخ لحديثه إذا أصاخ واستمع وصفت بها النفخة الثانية لان الناس يصخون لها فى قبورهم فاسند الاستماع الى المسموع مجازا وقيل هى الصيحة التي تصم الآذان لشدة وقعها وقيل هى مأخوذة من صخه بالحجر أي صكه فتكون الصاخة حقيقة فى النفخة يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ روزى كه بگريزد مرد مِنْ أَخِيهِ از برادر خود با وجود موانست ومهربانى وَأُمِّهِ واز مادر خود با كثرت حقوق كه او راست وَأَبِيهِ واز پدر خود با وجود شفقت وعاطفت كه ازو ديده وَصاحِبَتِهِ واز زن خود با آنكه مونس روزكار او بوده وَبَنِيهِ واز فرزندان خود با خيال استظهار بديشان اى يعرض الإنسان عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما فى الدنيا لاشتغاله بحال نفسه ولعلمه انهم لا يغنون عنه شيأ فقوله يوم منصوب بأعني تفسيرا للصاخة وتأخيرا لاحب للمبالغة لان الأبوين أقرب من الأخ وتعلق القلب بالصاحبة والأولاد أشد من تعلقه بالأبوين وهذه الآية تشمل النساء كما تشمل الرجال ولكنها خرجت مخرج كلام العرب حيث تدرج النساء فى الرجال فى الكلام كثيرا قال عبد الله بن طاهر الأبهري قدس سره يفر منهم إذا ظهر له عجزهم وقلة حيلتهم الى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ولو ظهر له ذلك فى الدنيا لما اعتمد على سوى ربه الذي لا يعجزه شىء وتمكن من فسحة التوكل واستراح فى ظل التفويض وفى الآية اشارة الى فرار مرء القلب عن أخيه السر وامه النفس وأبيه الروح وصاحبته القوى البشرية وبنيه الأعمال والأحوال لان فى ذلك اليوم لا يتخلص أحد بعلمه بل بفضله وطوله كما قال عليه السلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا الا ان يتغمدنى الله بغفرانه لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ استئناف وارد لبيان سبب الفرار والشأن لا يقال الا فيما يعظم من الأحوال والأمور اى لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه فى الاهتمام به قال ابن الشيخ اى الهم الذي حصل له قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع فصار بذلك شبيها بالغنى فى انه ملك شيأ كثيرا ودر باب مشغولئ قيامت فريد الدين عطار را قدس سره حكايتى منظوم است

كشتئ آورد در دريا شكست

تخته زان جمله بر بالا نشست

كربه وموشى در ان تخته بماند

كارشان با يكدگر پخته بماند

نه ذكر به موش را روى گريز

نه بموش آن گ ربه را چنگال تيز

هر دوشان از هول درياى عجب

در تحير بازمانده خشك لب

در قيامت نيز اين غوغا بود

يعنى آنجا نى تو ونى ما بود

وفى الخبر ان عائشة رضى الله عنهما قالت يا رسول الله كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت وكيف تحشر النساء قال حفاة عراة قالت عائشة وا سوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول الله عليه السلام هذه الآية لكل امرئ إلخ واما الفرار حذرا من مطالبتهم بالتبعات بأن يقول الإنسان واسيتنى بمالك والأبوان قصرت فى برنا والصاحبة

ص: 340

أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون ما علمتنا وما أرشدتنا او بغضا لهم كما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان يفر قابيل من أخيه هابيل ويفر النبي من امه وابراهيم من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته فليس من قبيل الفرار المذكور وكذا ما يروى ان الرجل يفر من أصحابه وأقربائه لئلا يروه على ما هو عليه من سوء الحال قال بعض المشايخ من كان اليوم مشغولا بنفسه فهو غدا مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولا بربه فهو غدا مشغول بربه وقال يحيى بن معاذ إذا شغلتك نفسك فى دنياك وعقباك عن ربك اما فى الدنيا ففى طلب مرادها واتباع شهواتها واما فى الآخرة فكما اخبر الله عنه بقوله لكل امرئ منهم إلخ فمتى تفرغ الى معرفة ربك وطاعته وقال بعضهم العارف مع الخلق ولكنه يفارقهم بقلبه كما قيل

ولقد جعلتك فى الفؤاد محدثى

وابحت جسمى من أراد جلوسى

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ بيان لمآل امر المذكورين وانقسامهم الى السعداء والأشقياء بعد ذكر وقوعهم فى داهية دهياء فوجوه مبتدأ وان كانت نكرة لكونها فى حيز التنوين ومسفرة خبره ويومئذ اى يوم إذ يفر المرء متعلق به اى مضيئة متهللة بنورية ذواتهم وصفاتها من اسفر الصبح إذا أضاء فهو من لوازم الافعال قال فى المفردات الاسفار يختص باللون ومسفرة اى مشرق لونها وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان ذلك من قيام الليل وفى الحديث (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) وعن الضحاك من آثار الوضوء وقيل من طول ما اعبرت فى سبيل الله ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة (قال الكاشفى) ضاحكة خندان مستبشرة شادمان وفرحناك بسبب نجات از نيران ووصول بروضه جنان.

وفى بعض التفاسير ضاحكة مسرورة فرحة لما علم من الفوز والسعادة او لفراغه من الحساب بالوجه اليسير مستبشرة اى ذات بشارة بالخير كأنه بيان لقوله ضاحكة انتهى وفى عين المعاني ضاحكة من مسرة العين مستبشرة من مسرة القلب وقيل من الكفار شماتة وبأنفسهم فرحا وقال ابن طاهر رحمه الله كشف عنها ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت بمشاهدته وقال ابن عطاء رحمه الله أسفرت تلك الوجوه بنظرها الى مولاها وأضحكها رضى الله عنها وقال سهل رحمه الله منورة بنور التوحيد واتباع السنة وفى التأويلات النجمية وجوه ارباب الأرواح والاسرار والقلوب العارفين بالمعارف الالهية والحقائق اللاهوتية مضيئة بأنوار العلوم والحكم ضاحكة مستبشرة بنعم المكاشفات ومنح المشاهدات. يقول الفقير وجوه يومئذ مسفرة لا بيضاضها فى الدنيا بالتزكية والتصفية وزوال كدورتها ضاحكة لانها بكت فى الله ايام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقا كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام مستبشرة لأمنها بدل خوفها فى الدنيا ولذا قال لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة بأن تقول لهم الملائكة لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية والضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس

ص: 341

ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان ضواحك ويستعمل فى السرور المجرد كما فى الآية قال الراغب واستبشر أي وجد ما يبشره من الفرح وبشرته أخبرته بسار بسط بشرة وجهه وذلك ان النفس إذا سرت انتشرت الدم انتشار الماء فى الشجرة وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ اى غبار وكدورة وفى الخبر يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم وقيل هى غبرة الفراق والذل تَرْهَقُها اى تعلوها وتغشاها قَتَرَةٌ اى سواد وظلمة كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد فى الوجه كما إذا اغبر وجه الزنجي قال الراغب القتر هو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما وقترة نحو غبرة وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب قال السرى قدس سره ظاهر عليها حزن البعاد لانها صارت محجوبة من الباب مطرودة وقال سهل قدس سره غلب عليها اعراض الله عنها ومقته إياها فهى تزداد فى كل وقت ظلمة وقترة أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ اى أولئك الموصوفون بسواد الوجه وغبرته هم الجامعون بين الكفر والفجور فلذا جمع الله الى سواد وجوههم الغبرة وفى لحديث (ان البهائم إذا صارت ترابا يوم القيامة حول ذلك التراب فى وجوه الكفار) وفى عين المعاني أولئك هم الكفرة فى حقوق الله الفجرة فى حقوق العباد انتهى وفيه اشارة الى ان الفجور الغير المقارن بالكفر ليس فى درجة المقارن فى المذمومية والسببية للحقارة والخذلان إذ اصل الفجور الكذب والميل عن الحق ويستعمل فى الذنب الكبير وكثيرا ما يقع ذلك من المؤمن العاصي لكن ينبغى أن يخاف منه ويحذر عنه لان كبائر الذنب تجر الى الكفر كما ان صغائره تجر الى الكبائر. يكى از جمله بزركان دين كفته كه اين زر وسيم وانواع اموال نه عين دنيا ست كه اين ظروف واوعيه دنياست همچنين حركات وسكنات وطاعات بنده نه عين دين است كه آن ظروف واوعيه دين است دين جمله سوز ودرد است ودنيا همه حسرت وباد سرد است قارون آن همه زر وسيم وانواع اموال كه داشت مكروه نبود باز ازو چون حقوق حق تعالى طلب كردند امتناع نمود وحقوق حق نكزارد وكشش او بجانب زر وسيم واموال دنيا مكروه بود اى بسا كسا كه دانكى در خواب نديد وفردا فرعون اهل دنيا خواهد بود كه دل او آلوده حرص دنياست واى بسا كسا كه اموال دنيا در ملك او نهادند وفردا دل خويش باز سپارد كه داغى ازين دنيا بروى ظاهر نبود سرانجام مرد ديندار دنيا كذار اينست كه در آخر سوره كفت وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة وعاقبت كار دنيا كار دين كذار اينست كه كفت وجوه يومئذ عليها غبرة إلخ وقال بعضهم وجوه اصحاب النفوس بالمتمردة وأرباب الهوى عليها غبرة الانانية وغبار الانية يغطيها سواد الاثنينية وظلمة الثنوية هم الذين ستروا وجود الحق بغبرة وجودهم وشقوا وقطعوا نفوسهم المظلمة عن متابعة الأرواح المنورة عصمنا الله وإياكم من ذلك تمت سورة عبس بفضل الله تعالى يوم الاثنين ثامن صفر الخير من شهور سنه سبع عشرة ومائة وألف

ص: 342