الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الإيلاف
اربع آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما فى الكلام من معنى الشرط إذ المعنى ان نعم الله عليهم غير محصورة فان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة فالايلاف تعدية الألف مصدر من المبنى للمفعول مضاف الى مفعوله الاول مطلقا عن المفعول الثاني الذي هو الرحلة كما قيد به فى الإيلاف الثاني يقال الفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والإيلاف لازما ويقال ايضا آلفته غيرى بالمد اى ألزمته إياه وجعلته يألفه فيكون متعديا قال فى تاج المصادر الإيلاف الف دادن والف كرفتن. وضد الإيلاف والإيناس هو الايحاش وقيل متعلق بما قبله من قوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده انهما فى مصحف ابى رضى الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الإيلاف بمعنى الالف اللازم فالمعنى أهلك الله من قصدهم من الحبشة لان يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا إياهما ويثبتوا عليهما متصلالا منقطعا بحيث إذ فرغوا من ذه أخذوا فى ذه وبالعكس وذلك لان الناس إذا تسامعوا بذلك الإهلاك تهببوا لهم زيادة تهبب واحترموهم فضل احترام فلا يجترئ عليهم أحد فينتظم لهم الا من فى رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام فيمتارون ويتجرون وكانوا فى رحلتيهم آمنين لانهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك ان قريشا إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله الى موضع وضربوا على أنفسهم خباء حتى يموتوا وكانوا على ذلك الى ان جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيبا فى قريش فقال انكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتذلون وأنتم أهل حرم الله واشرف ولد آدم والناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بنى اب على الرحلتين فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام لان بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرائهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الإسلام وهم على ذلك فلم يكن فى العرب بنوا اب اكثر مالا ولا أعز من قريش وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كنانة ومن لم يلده فليس بقرشي سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق الا بالنار فشبهوا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكانه قيل قريش عظيم وقال بعضهم الاوجه ان التصغير على حقيقته لانه إذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشا فهو لا محالة قريش وفيه ان جعل قريش قريشا لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المأكولية ووصف الغلبة وعدم المغلوبية وهذان الوصفان يوجد ان فى تلك الدابة على وجه الكمال
فلا معنى للتصغير الا التعظيم قال الزمخشري سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بنى شيبة يصف لى القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا الى الكعبة ومن شأنه ان يتعرض للسفن الكبار فلا يرده شىء الا ان يأخذ أهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شىء عنده قليل الى النار وبه سميت قريش قال الشاعر
وقريش هى التي تسكن البحر
…
بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا
…
تترك فيه لذى جناحين ريشا
هكذا فى البلاد حتى قريش
…
يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبى
…
يكثر القتل فيهموا والخموشا
الخموش الخدوش وأكلا كميشا اى سريعا وفى القاموس قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البيعات فيشترونها أو لأن النضر ابن كنانة اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء الى قومه فقالوا كأنه جمل قريش اى شديد أو لأن قصيا كان يقال له القريشي أو لأنهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها او سميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها او سميت بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب غيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش والنسبة قرشى وقريشى انتهى إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ بدل من الاول ورحلة مفعول به لايلافهم وهى بالكسر الارتحال وبالضم الجهة التي يرحل إليها واصل الرحلة السير على الراحلة وهى الناقة القوية ثم استعمل فى كل سير وارتحال وافرادها مع انه أراد رحلتى الشتاء والصيف لأمن الإلباس مع تناول اسم الجنس للواحد والكثير وفى اطلاق الإيلاف عن المفعول اولا ثم ابدال المقيد منه تفخيم لامره وتذكير لعظيم النعمة فيه والشتاء الفصل المقابل للصيف وفى القاموس الشتاء أحد أرباع الازمنة والموضع المشتى والصيف القيظ او بعد الربيع والقيظ صميم الصيف من طلوع الثريا الى طلوع سهيل فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانه وسكان حرمه وقيل بدعوة إبراهيم عليه السلام يجيى اليه ثمرات كل شىء مِنْ جُوعٍ شديد كانوا فيه قبلهما وكان الجوع يصيبهم الى ان جمعهم عمرو العلى وهو هاشم المذكور على الرحلتين قال ابو حيان من هاهنا للتعليل اى لاجل الجوع وقال سعدى المفتى الجوع لا يجامع الإطعام والظاهر انها للبدلية. يقول الفقير الظاهر ان مآل المعنى نجاهم من الجوع بسبب الإطعام والترزيق وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ عظيم لا يقادر قدره وهو خوف اصحاب الفيل او خوف التخطف فى بلدهم ومسايرهم وقال صاحب الكشاف الفرق بين عن ومن ان عن يقتضى حصول جوع قد زال بالاطعام ومن يقتضى المنع من لحاق الجوع والمعنى أطعمهم فلم يلحقهم جوع وآمنهم فلم يلحقهم خوف فيكون من لابتداء الغاية والمعنى أطعمهم فى بدء جوعهم قبل