الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَفْيٌ لِهَدْيِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ هَدْيِهِ وَطَرِيقَتِهِ صلى الله عليه وسلم.
[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]
كَانَ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ مَنْ مَرِضَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَادَ غُلَامًا كَانَ يَخْدِمُهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَادَ عَمَّهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ وَلَمْ يُسْلِمْ عَمُّهُ.
وَكَانَ يَدْنُو مِنَ الْمَرِيضِ، وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ فَيَقُولُ (كَيْفَ تَجِدُكَ؟)
وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْمَرِيضَ عَمَّا يَشْتَهِيهِ، فَيَقُولُ:(هَلْ تَشْتَهِي شَيْئًا؟) فَإِنِ اشْتَهَى شَيْئًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَمَرَ لَهُ بِهِ.
وَكَانَ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْمَرِيضِ وَيَقُولُ ( «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَأْسَ، وَاشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سُقْمًا» )
وَكَانَ يَقُولُ: ( «امْسَحِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ» ) .
وَكَانَ يَدْعُو لِلْمَرِيضِ ثَلَاثًا كَمَا قَالَهُ لسعد: ( «اللَّهُمَّ اشْفِ سعدا، اللَّهُمَّ اشْفِ سعدا، اللَّهُمَّ اشْفِ سعدا» )
وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمَرِيضِ يَقُولُ لَهُ: ( «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» )
وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ: (كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ) . وَكَانَ يَرْقِي مَنْ بِهِ قُرْحَةٌ، أَوْ جُرْحٌ أَوْ شَكْوَى، فَيَضَعُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا وَيَقُولُ:( «بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا» ) هَذَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَهُوَ يُبْطِلُ اللَّفْظَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ. فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " لَا يَرْقُونَ " غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي، سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابن تيمية يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ " «هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ» ". قُلْتُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ دَخَلُوا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
لِكَمَالِ تَوْحِيدِهِمْ، وَلِهَذَا نَفَى عَنْهُمُ الِاسْتِرْقَاءَ، وَهُوَ سُؤَالُ النَّاسِ أَنْ يَرْقُوهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ ( «وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ) ، فَلِكَمَالِ تَوَكُّلِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَسُكُونِهِمْ إِلَيْهِ، وَثِقَتِهِمْ بِهِ، وَرِضَاهُمْ عَنْهُ، وَإِنْزَالِ حَوَائِجِهِمْ بِهِ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئًا لَا رُقْيَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ طِيَرَةٌ تَصُدُّهُمْ عَمَّا يَقْصِدُونَهُ، فَإِنَّ الطِّيَرَةَ تُنْقِصُ التَّوْحِيدَ وَتُضْعِفُهُ.
قَالَ: وَالرَّاقِي مُتَصَدِّقٌ مُحْسِنٌ، وَالْمُسْتَرْقِي سَائِلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَقَى، وَلَمْ يَسْتَرْقِ، وَقَالَ:( «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ» )
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] وَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ عائشة: فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ» )
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ. أَحَدُهَا: هَذَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالثَّالِثُ: قَالَتْ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا، وَفِي لَفْظٍ رَابِعٍ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ، وَضَعْفُهُ وَوَجَعُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إِمْرَارِ يَدِهِ عَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ. فَكَانَ يَأْمُرُ عائشة أَنْ تُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بَعْدَ نَفْثِهِ هُوَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِرْقَاءِ فِي شَيْءٍ
وَهِيَ لَمْ تَقُلْ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَرْقِيَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَتِ الْمَسْحَ بِيَدِهِ بَعْدَ النَّفْثِ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ، أَيْ: أَنْ أَمْسَحَ جَسَدَهُ بِيَدِهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَفْعَلُ.
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَخُصَّ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَلَا وَقْتًا مِنَ الْأَوْقَاتِ بَلْ شَرَعَ لِأُمَّتِهِ عِيَادَةَ الْمَرْضَى لَيْلًا وَنَهَارًا وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ. وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْهُ ( «إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مَشَى فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ فَإِنْ كَانَ غَدْوَةً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ» ) وَفِي لَفْظٍ ( «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَيَّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ كَانَتْ حَتَّى يُمْسِيَ، وَأَيَّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ كَانَتْ حَتَّى يُصْبِحَ» )
وَكَانَ يَعُودُ مِنَ الرَّمَدِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جَبْهَةِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ يَمْسَحُ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ وَيَقُولُ (اللَّهُمَّ اشْفِهِ) وَكَانَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ أَيْضًا.
( «وَكَانَ إِذَا يَئِسَ مِنَ الْمَرِيضِ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» )