المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في خواص يوم الجمعة وهي ثلاث وثلاثون] - زاد المعاد في هدي خير العباد - ت الرسالة الثاني - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته]

- ‌[الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[اخْتِيَارُهُ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا]

- ‌[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَزِيَّةُ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها]

- ‌[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَوَاضِنِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْلَادِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرَارِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَالِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُدَّامِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتَّابِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَرَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَرَسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الْأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ وَخَاتَمِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْذَنُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعَرَائِهِ وَخُطَبَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُدَاتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سِلَاحِهِ وَأَثَاثِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوَابِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَلَابِسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر سراويله ونعله وخاتمه وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ غَالِبُ لُبْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْقُطْنُ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النِّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَانْتِبَاهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ في اتِّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَامَلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ]

- ‌[فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في إطالة الركعة الأولى وقراءة السور وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ في عَدَمُ تَعْيِينِهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةً بِعَيْنِهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في إِطَالَتُهُ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية ركوعه صلى الله عليه وسلم والرفع منه]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

- ‌[فَصْلٌ في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود]

- ‌[فَصْلٌ في الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في وَضْعُ الْيَدِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في الْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَاعِي حَالَ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْلٌ في مجموع ما حفظ عنه من سهوه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]

- ‌[فصل فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في السُّتْرَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ]

- ‌[فصل في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ]

- ‌[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل فِي سِيَاقِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَوِتْرِهِ وَذِكْرِ صَلَاةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل في الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل في قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[فصل في سُجُودُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

- ‌[فصل فِي مَبْدَأِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

- ‌[فصل في بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطَبِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

- ‌[فصل في الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعِهَا وَدَفْنِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَسْجِيَةُ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ]

- ‌[فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ في التَّسْلِيمُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فصل من مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْمُنْتَحِرِ وَالْغَالِّ وَالْمَقْتُولِ حَدًّا]

- ‌[فَصْلٌ في أَبْحَاثُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْإِسْرَاعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ الدَّفْنِ وَسُنِّيَّةُ اللَّحْدِ]

- ‌[فَصْلٌ في تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تُتَّخَذُ الْقُبُورُ مَسَاجِدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ التَّعْزِيَةِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْخَوْفِ]

الفصل: ‌[فصل في خواص يوم الجمعة وهي ثلاث وثلاثون]

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: ( «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللَّهُ، أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللَّهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللَّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» ) .

وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ خُطْبَتِهِ عليه السلام عِنْدَ ذِكْرِ هَدْيِهِ فِي الْخُطَبِ.

[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ، وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ هُوَ أَفْضَلُ، أَمْ يَوْمُ عَرَفَةَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي فَجْرِهِ بِسُورَتَيِ (الم تَنْزِيلُ) وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) .

ص: 363

وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُرَادَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِسَجْدَةٍ زَائِدَةٍ، وَيُسَمُّونَهَا سَجْدَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ أَحَدُهُمْ هَذِهِ السُّورَةَ اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أُخْرَى فِيهَا سَجْدَةٌ، وَلِهَذَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْجَاهِلِينَ، وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا تَضَمَّنَتَا مَا كَانَ وَيَكُونُ فِي يَوْمِهَا، فَإِنَّهُمَا اشْتَمَلَتَا عَلَى خَلْقِ آدَمَ، وَعَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ وَحَشْرِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ فِي قِرَاءَتِهِمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ تَذْكِيرٌ لِلْأُمَّةِ بِمَا كَانَ فِيهِ وَيَكُونُ، وَالسَّجْدَةُ جَاءَتْ تَبَعًا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً حَتَّى يَقْصِدَ الْمُصَلِّي قِرَاءَتَهَا حَيْثُ اتَّفَقَتْ. فَهَذِهِ خَاصَّةٌ مِنْ خَوَاصِّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

الْخَاصَّةُ الثَّانِيَةُ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَفِي لَيْلَتِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ( «أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ» ) .

وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيِّدُ الْأَنَامِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، فَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ لِأُمَّتِهِ بِهِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَعْظَمُ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ، فَإِنَّمَا تَحْصُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمٌ فِيهِ يُسْعِفُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَبَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ، وَلَا يَرُدُّ سَائِلَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا عَرَفُوهُ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ وَعَلَى يَدِهِ، فَمِنْ شُكْرِهِ وَحَمْدِهِ وَأَدَاءِ الْقَلِيلِ مِنْ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُكْثِرَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَيْلَتِهِ.

الْخَاصَّةُ الثَّالِثَةُ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ أَعْظَمِ

ص: 364

مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَجْمَعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَأَفْرَضُهُ سِوَى مَجْمَعِ عَرَفَةَ، وَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَقَرَّبَ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَبَقَهُمْ إِلَى الزِّيَارَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَبْكِيرِهِمْ.

الْخَاصَّةُ الرَّابِعَةُ الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ فِي يَوْمِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جِدًّا، وَوُجُوبُهُ أَقْوَى مِنْ وُجُوبِ الْوِتْرِ، وَقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ، وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعَافِ، وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ.

وَلِلنَّاسِ فِي وُجُوبِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ يَحْتَاجُ إِلَى إِزَالَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ لِأَصْحَابِ أحمد.

الْخَاصَّةُ الْخَامِسَةُ: التَّطَيُّبُ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّطَيُّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ.

الْخَاصَّةُ السَّادِسَةُ: السِّوَاكُ فِيهِ، وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السِّوَاكِ فِي غَيْرِهِ.

الْخَاصَّةُ السَّابِعَةُ: التَّبْكِيرُ لِلصَّلَاةِ.

الْخَاصَّةُ الثَّامِنَةُ: أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ.

الْخَاصَّةُ التَّاسِعَةُ: الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ إِذَا سَمِعَهَا وُجُوبًا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ لَاغِيًا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ، وَفِي " الْمُسْنَدِ " مَرْفُوعًا ( «وَالَّذِي يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» )

ص: 365

الْخَاصَّةُ الْعَاشِرَةُ: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إِلَى عَنَانِ السِّمَاءِ يُضِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» ) .

وَذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ أَشْبَهُ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَقْتَ الزَّوَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أبي العباس ابن تيمية، وَلَمْ يَكُنِ اعْتِمَادُهُ عَلَى حَدِيثِ ليث عَنْ مجاهد عَنْ أبي الخليل عَنْ أبي قتادة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، «أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . وَقَالَ: ( «إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ

ص: 366

الْجُمُعَةِ» ) - وَإِنَّمَا كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ( «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَنَدَبَهُ إِلَى الصَّلَاةِ مَا كُتِبَ لَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ عَنْهَا إِلَّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: خُرُوجُ الْإِمَامِ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَخُطْبَتُهُ تَمْنَعُ الْكَلَامَ، فَجَعَلُوا الْمَانِعَ مِنَ الصَّلَاةِ خُرُوجَ الْإِمَامِ لَا انْتِصَافَ النَّهَارِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ السُّقُوفِ، وَلَا يَشْعُرُونَ بِوَقْتِ الزَّوَالِ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ مُتَشَاغِلًا بِالصَّلَاةِ لَا يَدْرِي بِوَقْتِ الزَّوَالِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ، وَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَيَنْظُرَ إِلَى الشَّمْسِ وَيَرْجِعَ، وَلَا يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ.

وَحَدِيثُ أبي قتادة هَذَا، قَالَ أبو داود: هُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أبا الخليل لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أبي قتادة، وَالْمُرْسَلُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ عَمِلَ، وَعَضَّدَهُ قِيَاسٌ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشُّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عُمِلَ بِهِ.

وَأَيْضًا فَقَدْ عَضَّدَهُ شَوَاهِدُ أُخَرُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» )

ص: 367

هَكَذَا رَوَاهُ رحمه الله فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ " وَرَوَاهُ فِي " كِتَابِ الْجُمُعَةِ ": حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد عَنْ إسحاق، وَرَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: عبد الله بن سعيد المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رَوَاهُ البيهقي فِي " الْمَعْرِفَةِ " مِنْ حَدِيثِ عطاء بن عجلان عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيد وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . وَلَكِنَّ إِسْنَادَهُ فِيهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَهُ البيهقي قَالَ: وَلَكِنْ إِذَا انْضَمَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَى حَدِيثِ أبي قتادة أَحْدَثَتْ بَعْضَ الْقُوَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ شَأْنِ النَّاسِ التَّهْجِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةُ إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ، قَالَ البيهقي: الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ فِي التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَفِي الصَّلَاةِ إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، وَذَلِكَ يُوَافِقُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي أُبِيحَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرُوِّينَا الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ.

قُلْتُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ بِحَالٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

الثَّانِي: أَنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أحمد.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ بِوَقْتِ كَرَاهَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قِرَاءَةُ (سُورَةِ الْجُمُعَةِ) وَ (الْمُنَافِقِينَ) أَوْ (سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ) فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِنَّ فِي الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ ".

ص: 368

وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِ (الْجُمُعَةِ) وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ.

وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ بَعْضَهَا أَوْ يَقْرَأُ إِحْدَاهُمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَجُهَّالُ الْأَئِمَّةِ يُدَاوِمُونَ عَلَى ذَلِكَ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ مُتَكَرِّرٍ فِي الْأُسْبُوعِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ أبي لبابة بن عبد المنذر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ) .

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلْبَسَ فِيهِ أَحْسَنُ الثِّيَابِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ أبي أيوب قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ يَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا» ) .

ص: 369

وَفِي " سُنَنِ أبي داود " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:(مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ) » .

وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ، فَقَالَ:( «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» ) .

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَمَرَ أَنْ يُجَمَّرَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ كُلَّ جُمُعَةٍ حِينَ يَنْتَصِفُ النَّهَارُ.

قُلْتُ: وَلِذَلِكَ سُمِّيَ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرَ.

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ قَبْلَ فِعْلِهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَاتٌ عَنْ أحمد، أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ، وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً.

وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، فَيَحْرُمُ عِنْدَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَهُمْ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ النووي، وَالثَّانِي: جَوَازُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الرافعي.

ص: 370

وَأَمَّا السَّفَرُ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ: جَوَازُهُ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ كَالسَّفَرِ بَعْدَ زَوَالٍ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ مالك، فَقَالَ صَاحِبُ " التَّفْرِيعِ ": وَلَا يُسَافِرُ أَحَدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا يُسَافِرَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ حَاضِرٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ.

وَذَهَبَ أبو حنيفة إِلَى جَوَازِ السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْإِفْرَادِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «مَنْ سَافَرَ مِنْ دَارِ إِقَامَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ» ) . وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ.

وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ الحكم عَنْ مقسم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: فَغَدَا أَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَتَخَلَّفُ وَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَآهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكَ؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكُ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَقَالَ: " لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ» ) .

وَأُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ الحكم لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مقسم.

ص: 371

هَذَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْمُسَافِرُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَانْقِطَاعَهُ بَعْدَهُمْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ.

وَلَعَلَّ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُسَافِرٍ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ، فَقَالَ لِيَمْضِ عَلَى سَفَرِهِ - مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: الْجُمُعَةُ لَا تَحْبِسُ عَنِ السَّفَرِ.

وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ جَوَازَ السَّفَرِ مُطْلَقًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ. وَالدَّلِيلُ: هُوَ الْفَاصِلُ عَلَى أَنَّ عبد الرزاق قَدْ رَوَى فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ معمر عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَوْ غَيْرِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابُ سَفَرٍ بَعْدَ مَا قَضَى الْجُمُعَةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ سَفَرًا فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أُصَلِّيَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَمْنَعُكَ السَّفَرَ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُهَا) فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَمْنَعُ السَّفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَبْلَهُ.

وَذَكَرَهُ عبد الرزاق أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:(أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ، وَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عمر: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ) .

وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صالح بن كثير عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ( «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسَافِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضُحًى قَبْلَ الصَّلَاةِ» ) .

وَذَكَرَ عَنْ معمر قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ: هَلْ يَخْرُجُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَكَرِهَهُ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ بِالرُّخْصَةِ فِيهِ، فَقَالَ لِي: قَلَّمَا يَخْرُجُ رَجُلٌ فِي

ص: 372

يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ، لَوْ نَظَرْتَ فِي ذَلِكَ وَجَدْتَهُ كَذَلِكَ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حسان بن أبي عطية قَالَ: إِذَا سَافَرَ الرُّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ النَّهَارُ أَنْ لَا يُعَانَ عَلَى حَاجَتِهِ، وَلَا يُصَاحَبَ فِي سَفَرِهِ.

وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لعطاء: أَبَلَغَكَ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِذَا أَمْسَى فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، فَلَا يَذْهَبُ حَتَّى يُجَمِّعَ؟ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَيُكْرَهُ.

قُلْتُ: فَمِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ؟ قَالَ لَا، ذَلِكَ النَّهَارُ فَلَا يَضُرُّهُ.

السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ لِلْمَاشِي إِلَى الْجُمُعَةِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرَ سَنَةٍ صِيَامَهَا وَقِيَامَهَا، قَالَ عبد الرزاق: عَنْ معمر عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أبي قلابة عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أوس بن أوس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ) . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: غَسَّلَ، بِالتَّشْدِيدِ: جَامَعَ أَهْلَهُ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ وَكِيعٌ.

الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَوْمُ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي

ص: 373

" مُسْنَدِهِ "«عَنْ سلمان قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم: " أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ " قُلْتُ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ أَبَاكُمْ آدَمَ قَالَ: " وَلَكِنِّي أَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ، لَا يَتَطَهَّرُ الرَّجُلُ فَيُحْسِنُ طُهُورَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا اجْتُنِبَتِ الْمَقْتَلَةُ» .

وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ نبيشة الهذلي، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْإِمَامَ خَرَجَ، صَلَّى مَا بَدَا لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ خَرَجَ جَلَسَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ جُمُعَتَهُ وَكَلَامَهُ إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا، أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةً لِلْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا» .

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ سلمان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ".

وَفِي " مُسْنَدِ أحمد " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، وَمَسَّ طِيبًا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ مَشَى

ص: 374

إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ وَرَكَعَ مَا قُضِيَ لَهُ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» ".

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أبي قتادة فِي ذَلِكَ، وَسِرُّ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَقَعُ فِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْجِيرِ جَهَنَّمَ فِيهِ. وَلِذَلِكَ تَكُونُ مَعَاصِي أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ مَعَاصِيهِمْ فِي غَيْرِهِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْفُجُورِ لَيَمْتَنِعُونَ فِيهِ مِمَّا لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَغَيْرِهِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ سَجْرُ جَهَنَّمَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا تُوقَدُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يَفْتُرُ عَذَابُهَا، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، وَلِذَلِكَ يَدْعُونَ الْخَزَنَةَ أَنْ يَدْعُوا رَبَّهُمْ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ، فَلَا يُجِيبُونَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.

الْعِشْرُونَ: أَنَّ فِيهِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَقَالَ: بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» ".

ص: 375