المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها] - زاد المعاد في هدي خير العباد - ت الرسالة الثاني - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته]

- ‌[الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[اخْتِيَارُهُ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا]

- ‌[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَزِيَّةُ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها]

- ‌[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَوَاضِنِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْلَادِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرَارِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَالِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُدَّامِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتَّابِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَرَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَرَسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الْأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ وَخَاتَمِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْذَنُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعَرَائِهِ وَخُطَبَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُدَاتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سِلَاحِهِ وَأَثَاثِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوَابِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَلَابِسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر سراويله ونعله وخاتمه وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ غَالِبُ لُبْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْقُطْنُ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النِّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَانْتِبَاهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ في اتِّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَامَلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ]

- ‌[فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في إطالة الركعة الأولى وقراءة السور وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ في عَدَمُ تَعْيِينِهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةً بِعَيْنِهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في إِطَالَتُهُ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية ركوعه صلى الله عليه وسلم والرفع منه]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

- ‌[فَصْلٌ في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود]

- ‌[فَصْلٌ في الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في وَضْعُ الْيَدِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في الْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَاعِي حَالَ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْلٌ في مجموع ما حفظ عنه من سهوه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]

- ‌[فصل فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في السُّتْرَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ]

- ‌[فصل في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ]

- ‌[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل فِي سِيَاقِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَوِتْرِهِ وَذِكْرِ صَلَاةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل في الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل في قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[فصل في سُجُودُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

- ‌[فصل فِي مَبْدَأِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

- ‌[فصل في بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطَبِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

- ‌[فصل في الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعِهَا وَدَفْنِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَسْجِيَةُ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ]

- ‌[فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ في التَّسْلِيمُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فصل من مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْمُنْتَحِرِ وَالْغَالِّ وَالْمَقْتُولِ حَدًّا]

- ‌[فَصْلٌ في أَبْحَاثُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْإِسْرَاعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ الدَّفْنِ وَسُنِّيَّةُ اللَّحْدِ]

- ‌[فَصْلٌ في تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تُتَّخَذُ الْقُبُورُ مَسَاجِدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ التَّعْزِيَةِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْخَوْفِ]

الفصل: ‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها]

مَنَاكِيرُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ: كَانَ شَيْخًا صَالِحًا مِمَّنْ كَثُرَ وَهْمُهُ. وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بمطر الوراق، وَقَالَ: كَانَ يُشْبِهُهُ فِي سُوءِ الْحِفْظِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعِيبَ عَلَى مسلم إِخْرَاجُ حَدِيثِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ الثِّقَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، فَغَلِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَنِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ إِخْرَاجَ جَمِيعِ حَدِيثِ الثِّقَةِ، وَمَنْ ضَعَّفَ جَمِيعَ حَدِيثِ سَيِّئِ الْحِفْظِ، فَالْأُولَى: طَرِيقَةُ الحاكم وَأَمْثَالِهِ، وَالثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أبي محمد ابن حزم وَأَشْكَالِهِ، وَطَرِيقَةُ مسلم هِيَ طَرِيقَةُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «سَجَدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ، وَفِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] » ، وَهُوَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ بِسِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ، فَلَوْ تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَتَقَاوَمَا فِي الصَّحَّةِ، لَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَيْفَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَايَةِ الصَّحَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ مَا فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا

ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي

ص: 353

فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» ) .

وَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وحذيفة رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» ) .

وَفِي " الْمُسْنَدِ " وَالسُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أوس بن أوس، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:( «مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ (يَعْنِي: قَدْ بَلِيتَ) قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» ) . وَرَوَاهُ الحاكم فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ ".

ص: 354

وَفِي " جَامِعِ الترمذي " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ) . قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ الحاكم.

وَفِي " الْمُسْتَدْرَكِ " أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ( «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ) .

وَرَوَى مالك فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ( «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ، فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كعب التَّوْرَاةَ، فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو هَرِيرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، قُلْتُ فَأَخْبِرْنِي بِهَا، قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي) وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ ابن سلام: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي

ص: 355

صَلَاةٍ حَتَى يُصَلِّيَ "؟» .

وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " مَرْفُوعًا ( «لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ) .

وَفِي " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: ( «أَتَى جِبْرِيلُ عليه السلام رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ، فِيهَا نُكْتَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: " هَذِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، وَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا جِبْرِيلُ! مَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ قَالَ إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ فِيهِ كُثُبٌ مِنْ مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ عَلَيْهَا مَقَاعِدُ النَّبِيِّينَ، وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ "، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل " أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ، فَيَقُولُ قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ وَلَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَلَدَيَّ مَزِيدٌ، فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ

ص: 356

رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكَ تبارك وتعالى عَلَى الْعَرْشِ، وَفِيهِ خَلَقَ آدَمَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ» ) .

رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إبراهيم بن محمد، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عَنْ عبد الله بن عبيد، عَنْ عمير بن أنس.

ثُمَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا إبراهيم قَالَ: حَدَّثَنِي أبو عمران إبراهيم بن الجعد عَنْ أنس شَبِيهًا بِهِ.

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي شَيْخِهِ إبراهيم هَذَا، لَكِنْ قَالَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: مُعْتَزِلِيٌّ جَهْمِيٌّ قَدَرِيٌّ كُلُّ بَلَاءٍ فِيهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا صفوان: قَالَ: قَالَ أنس: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَذَكَرَهُ " وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عمر مولى غفرة، عَنْ أنس. وَرَوَاهُ أبو ظبية، عَنْ عثمان بن عمير، عَنْ أنس. وَجَمَعَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ طُرُقَهُ.

وَفِي " مُسْنَدِ أحمد " مِنْ حَدِيثِ علي بن أبي طلحة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: (لِأَنَّ فِيهِ طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهِ الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا اللَّهَ فِيهَا اسْتُجِيبَ لَهُ) » .

ص: 357

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق: حَدَّثَنَا الحسن بن يحيى الخشني، حَدَّثَنَا عمر بن عبد الله مولى غفرة، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ بُعِثْتُ بِهَا إِلَيْكَ تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَقُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، أَنْتُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. قُلْتُ فَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةُ تَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ عِنْدَنَا يَوْمَ الْمَزِيدِ. قُلْتُ: وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِأَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ هَبَطَ الرَّبُّ عز وجل مِنْ عَرْشِهِ إِلَى كُرْسِيِّهِ، وَيُحَفُّ الْكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنَ النُّورِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ، وَتُحَفُّ الْمَنَابِرُ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَيَهْبِطُ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ لَا يَرَوْنَ لِأَهْلِ الْمَنَابِرِ وَالْكَرَاسِيِّ فَضْلًا فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ يَتَبَدَّى لَهُمْ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ تبارك وتعالى، فَيَقُولُ: سَلُونِي، فَيَقُولُونَ بِأَجْمَعِهِمْ: نَسْأَلُكَ الرِّضَى يَا رَبُّ، فَيَشْهَدُ لَهُمْ عَلَى الرِّضَى، ثُمَّ يَقُولُ: سَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ نَهْمَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: ثُمَّ يُسْعَى عَلَيْهِمْ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ الْجَبَّارُ مِنْ كُرْسِيِّهِ إِلَى عَرْشِهِ، وَيَرْتَفِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ، وَهِيَ غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ أَوْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ أَوْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، لَيْسَ فِيهَا فَصْمٌ وَلَا وَصْمٌ مُنَوَّرَةٌ، فِيهَا أَنَهَارُهَا، أَوْ قَالَ مُطَّرِدَةٌ مُتَدَلِّيَةٌ فِيهَا ثِمَارُهَا، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا وَمَسَاكِنُهَا قَالَ: فَأَهْلُ الْجَنَّةِ

ص: 358

يَتَبَاشَرُونَ فِي الْجَنَّةِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَمَا يَتَبَاشَرُ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا بِالْمَطَرِ» ) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " صِفَةِ الْجَنَّةِ ": حَدَّثَنِي أزهر بن مروان الرقاشي، حَدَّثَنِي عبد الله بن عرادة الشيباني، حَدَّثَنَا القاسم بن مطيب، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أبي وائل، عَنْ حذيفة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي كَفِّهِ مِرْآةٌ كَأَحْسَنِ الْمَرَائِي وَأَضْوَئِهَا، وَإِذَا فِي وَسَطِهَا لُمْعَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ اللُّمْعَةُ الَّتِي أَرَى فِيهَا؟ قَالَ هَذِهِ الْجُمُعَةُ، قُلْتُ: وَمَا الْجُمُعَةُ؟ قَالَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكَ عَظِيمٌ، وَسَأُخْبِرُكَ بِشَرَفِهِ وَفَضْلِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُرْجَى فِيهِ لِأَهْلِهِ، وَأُخْبِرُكَ بِاسْمِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل جَمَعَ فِيهِ أَمْرَ الْخَلْقِ، وَأَمَّا مَا يُرْجَى فِيهِ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّ فِيهِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ يَسْأَلَانِ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ فِي الْآخِرَةِ وَاسْمُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جَرَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَيَّامُ وَهَذِهِ اللَّيَالِي، لَيْسَ فِيهَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ إِلَّا قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عز وجل مِقْدَارَ ذَلِكَ وَسَاعَاتِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حِينَ يَخْرُجُ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ، نَادَى أَهْلَ الْجَنَّةِ مُنَادٍ، يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! اخْرُجُوا إِلَى وَادِي الْمَزِيدِ، وَوَادِي الْمَزِيدِ لَا يَعْلَمُ سَعَةَ طُولِهِ وَعَرْضِهِ إِلَّا اللَّهُ، فِيهِ كُثْبَانُ الْمِسْكِ رُؤُوسُهَا فِي السَّمَاءِ قَالَ: فَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، وَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ يَاقُوتٍ، فَإِذَا وُضِعَتْ لَهُمْ، وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ، تُثِيرُ ذَلِكَ الْمِسْكَ، وَتُدْخِلُهُ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِمْ، وَتُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ، تِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنِ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ، لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا كُلُّ طِيبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ: ثُمَّ يُوحِي اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَى حَمَلَةِ عَرْشِهِ: ضَعُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَهُ مِنْهُ:

ص: 359

إِلَيَّ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي، وَصَدَّقُوا رُسُلِي، وَاتَّبَعُوا أَمْرِي، سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا، فَيَرْجِعُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ: أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنِّي لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ دَارِي فَسَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: يَا رَبَّنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَيَكْشِفُ تِلْكَ الْحُجُبَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ عز وجل فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ شَيْءٌ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى أَلَّا يَحْتَرِقُوا لَاحْتَرَقُوا لِمَا يَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ: ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الضِّعْفَ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ وَقَدْ خَفُوا عَلَيْهِنَّ وَخَفِينَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ، فَإِذَا رَجَعُوا تَرَادَّ النُّورُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا فَيَقُولُونَ: ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل تَجَلَّى لَنَا فَنَظَرْنَا مِنْهُ ، قَالَ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا أَحَاطَ بِهِ خَلْقٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَرَاهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيَهُمْ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فَنَظَرْنَا مِنْهُ، قَالَ: فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مِسْكِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الضِّعْفَ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] » ) [السَّجْدَةِ: 17] .

وَرَوَاهُ أبو نعيم فِي " صِفَةِ الْجَنَّةِ " مِنْ حَدِيثِ عصمة بن محمد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أبي صالح عَنْ أنس شَبِيهًا بِهِ.

ص: 360