المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين] - زاد المعاد في هدي خير العباد - ت الرسالة الثاني - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته]

- ‌[الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[اخْتِيَارُهُ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا]

- ‌[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَزِيَّةُ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها]

- ‌[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَوَاضِنِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْلَادِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرَارِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَالِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُدَّامِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتَّابِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَرَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَرَسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الْأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ وَخَاتَمِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْذَنُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعَرَائِهِ وَخُطَبَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُدَاتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سِلَاحِهِ وَأَثَاثِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوَابِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَلَابِسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر سراويله ونعله وخاتمه وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ غَالِبُ لُبْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْقُطْنُ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النِّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَانْتِبَاهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ في اتِّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَامَلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ]

- ‌[فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في إطالة الركعة الأولى وقراءة السور وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ في عَدَمُ تَعْيِينِهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةً بِعَيْنِهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في إِطَالَتُهُ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية ركوعه صلى الله عليه وسلم والرفع منه]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

- ‌[فَصْلٌ في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود]

- ‌[فَصْلٌ في الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في وَضْعُ الْيَدِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في الْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَاعِي حَالَ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْلٌ في مجموع ما حفظ عنه من سهوه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]

- ‌[فصل فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في السُّتْرَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ]

- ‌[فصل في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ]

- ‌[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل فِي سِيَاقِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَوِتْرِهِ وَذِكْرِ صَلَاةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل في الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل في قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[فصل في سُجُودُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

- ‌[فصل فِي مَبْدَأِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

- ‌[فصل في بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطَبِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

- ‌[فصل في الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعِهَا وَدَفْنِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَسْجِيَةُ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ]

- ‌[فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ في التَّسْلِيمُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فصل من مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْمُنْتَحِرِ وَالْغَالِّ وَالْمَقْتُولِ حَدًّا]

- ‌[فَصْلٌ في أَبْحَاثُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْإِسْرَاعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ الدَّفْنِ وَسُنِّيَّةُ اللَّحْدِ]

- ‌[فَصْلٌ في تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تُتَّخَذُ الْقُبُورُ مَسَاجِدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ التَّعْزِيَةِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْخَوْفِ]

الفصل: ‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين]

وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَرْبَعًا.

قَالَ شَيْخُنَا أبو العباس ابن تيمية: إِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قُلْتُ وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ، وَقَدْ ذَكَرَ أبو داود، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ» )

وَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعِيدَيْنِ فِي الْمُصَلَّى، وَهُوَ الْمُصَلَّى الَّذِي عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ الشَّرْقِيِّ، وَهُوَ الْمُصَلَّى الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ مَحْمِلُ الْحَاجِّ، وَلَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ بِمَسْجِدِهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَصَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ فِي الْمَسْجِدِ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أبي داود، وَابْنِ مَاجَهْ، وَهَدْيُهُ كَانَ فِعْلَهُمَا فِي الْمُصَلَّى دَائِمًا.

وَكَانَ يَلْبَسُ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِمَا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ فَكَانَ لَهُ حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا لِلْعِيدَيْنِ

ص: 425

وَالْجُمُعَةِ، وَمَرَّةً كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، وَمَرَّةً بُرْدًا أَحْمَرَ وَلَيْسَ هُوَ أَحْمَرُ مُصْمَتًا كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُرْدًا، وَإِنَّمَا فِيهِ خُطُوطٌ حُمْرٌ كَالْبُرُودِ الْيَمَنِيَّةِ فَسُمِّيَ أَحْمَرَ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْأَحْمَرِ وَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو لَمَّا رَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَحْمَرَيْنِ أَنْ يُحْرِقَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ لِيَكْرَهَ الْأَحْمَرَ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ الشَّدِيدَةَ ثُمَّ يَلْبَسُهُ، وَالَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ تَحْرِيمُ لِبَاسِ الْأَحْمَرِ أَوْ كَرَاهِيَتُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ قَبْلَ خُرُوجِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا، وَأَمَّا فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَكَانَ لَا يَطْعَمُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ الْمُصَلَّى فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَتِهِ.

وَكَانَ يَغْتَسِلُ لِلْعِيدَيْنِ، صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ، وَفِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ جُبَارَةِ بْنِ مُغَلِّسٍ، وَحَدِيثُ الفاكه بن سعد مِنْ رِوَايَةِ يوسف بن خالد السمتي.

وَلَكِنْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتَّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ، أَنَّهُ (كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) .

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ مَاشِيًا، وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْمُصَلَّى نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُصَلِّيَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الْمُصَلَّى كَانَ إِذْ ذَاكَ فَضَاءً لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ وَلَا حَائِطٌ، وَكَانَتِ الْحَرْبَةُ سُتْرَتَهُ.

ص: 426

وَكَانَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَيُعَجِّلُ الْأَضْحَى، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ لَا يَخْرُجُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُكَبِّرُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمُصَلَّى.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى أَخَذَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَلَا قَوْلِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَالسُّنَّةُ: أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمُصَلَّى شَيْئًا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا.

وَكَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ سَكْتَةً يَسِيرَةً، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ذِكْرٌ مُعَيَّنٌ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَهُ الخلال. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ تَحَرِّيهِ لِلِاتِّبَاعِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَمَّ التَّكْبِيرَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَهَا {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .

ص: 427

وَرُبَّمَا قَرَأَ فِيهِمَا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] صَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ.

فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ وَرَكَعَ، ثُمَّ إِذَا أَكْمَلَ الرَّكْعَةَ وَقَامَ مِنَ السُّجُودِ كَبَّرَ خَمْسًا مُتَوَالِيَةً، فَإِذَا أَكْمَلَ التَّكْبِيرَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْقِرَاءَةُ يَلِيهَا الرُّكُوعُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَكَبَّرَ أَوَّلًا، ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ، فَلَمَّا قَامَ فِي الثَّانِيَةِ، قَرَأَ وَجَعَلَ التَّكْبِيرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ محمد بن معاوية النيسابوري. قَالَ البيهقي: رَمَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالْكَذِبِ.

وَقَدْ رَوَى الترمذي مِنْ حَدِيثِ كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» ) قَالَ الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ: وَحَدِيثُ عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا.

ص: 428

قُلْتُ: يُرِيدُ حَدِيثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. قَالَ أحمد: وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى هَذَا. قُلْتُ: وكثير بن عبد الله بن عمرو هَذَا ضَرَبَ أحمد عَلَى حَدِيثِهِ فِي " الْمُسْنَدِ " وَقَالَ: لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا، وَالتِّرْمِذِيُّ تَارَةً يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ، وَتَارَةً يُحَسِّنُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ مَعَ حُكْمِهِ بِصِحَّةِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَكْمَلَ الصَّلَاةَ انْصَرَفَ فَقَامَ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مِنْبَرٌ يَرْقَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْرِجُ مِنْبَرَ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْطُبُهُمْ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ جابر:( «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ. . . الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مسلم.

وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقِفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ وَهُمْ صُفُوفٌ جُلُوسٌ فَيَقُولُ " تَصَدَّقُوا "، فَأَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ بِالْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ وَالشَّيْءِ. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ بَعْثًا يَذْكُرُهُ لَهُمْ، وَإِلَّا انْصَرَفَ.

وَقَدْ كَانَ يَقَعُ لِي أَنَّ هَذَا وَهْمٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ

ص: 429

مَاشِيًا، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَنًى إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بَقِيَّ بْنَ مَخْلَدٍ الْحَافِظَ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا داود بن قيس، حَدَّثَنَا عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:( «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَسْتَقْبِلُ النَّاسُ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقُوا» ) . وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، حَدَّثَنَا أبو عامر، حَدَّثَنَا داود، عَنْ عياض، عَنْ أبي سعيد:( «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقُوا» ) فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَهَذَا إِسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ إِلَّا أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أبي كريب، عَنْ أبي أسامة، عَنْ داود. وَلَعَلَّهُ: ثُمَّ يَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ، كَمَا قَالَ جابر: قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بلال فَتَصَحَّفَ عَلَى الْكَاتِبِ: بِرَاحِلَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَخْرَجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:( «شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ، قَالَ: فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يَجْلِسُ الرِّجَالُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] » )[الْمُمْتَحِنَةِ: 12] . فَتَلَا الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، الْحَدِيثَ.

ص: 430

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا عَنْ جابر «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ» ، الْحَدِيثَ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ قَدْ بُنِيَ لَهُ مِنْبَرٌ مِنْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ نَحْوِهِ؟ قِيلَ: لَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمِنْبَرَ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْبَرُ اللَّبِنِ وَالطِّينِ فَأَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ كثير بن الصلت فِي إِمَارَةِ مروان عَلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا هُوَ فِي " الصِّحِيحَيْنِ " فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ فِي الْمُصَلَّى عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ أَوْ دُكَّانٍ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى مِصْطَبَةً، ثُمَّ يَنْحَدِرُ مِنْهُ إِلَى النِّسَاءِ فَيَقِفُ عَلَيْهِنَّ فَيَخْطُبُهُنَّ فَيَعِظُهُنَّ وَيُذَكِّرُهُنَّ. وَاللُّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ كُلَّهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ خُطْبَتَيِ الْعِيدَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ سعد القرظ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ التَّكْبِيرَ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ، وَيُكْثِرُ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَتَيِ الْعِيدَيْنِ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي افْتِتَاحِ خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، فَقِيلَ: يُفْتَتَحَانِ بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ: تُفْتَتَحُ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَقِيلَ: يُفْتَتَحَانِ بِالْحَمْدِ. قَالَ شَيْخُ

ص: 431

الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهُوَ الصُّوَابُ، لِأَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «كَلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» )

وَكَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ كُلَّهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ.

وَرَخَّصَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، وَأَنْ يَذْهَبَ، وَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَجْتَزِئُوا بِصَلَاةِ الْعِيدِ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُخَالِفُ الطَّرِيقَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعُ فِي آخَرَ، فَقِيلَ: لِيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ، وَقِيلَ: لِيَنَالَ بَرَكَتَهُ الْفَرِيقَانِ، وَقِيلَ:

ص: 432