المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه] - زاد المعاد في هدي خير العباد - ت الرسالة الثاني - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته]

- ‌[الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[اخْتِيَارُهُ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا]

- ‌[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَزِيَّةُ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها]

- ‌[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَوَاضِنِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْلَادِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرَارِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَالِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُدَّامِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتَّابِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَرَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَرَسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الْأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ وَخَاتَمِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْذَنُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعَرَائِهِ وَخُطَبَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُدَاتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سِلَاحِهِ وَأَثَاثِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوَابِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَلَابِسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر سراويله ونعله وخاتمه وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ غَالِبُ لُبْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْقُطْنُ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النِّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَانْتِبَاهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ في اتِّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَامَلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ]

- ‌[فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في إطالة الركعة الأولى وقراءة السور وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ في عَدَمُ تَعْيِينِهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةً بِعَيْنِهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في إِطَالَتُهُ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية ركوعه صلى الله عليه وسلم والرفع منه]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

- ‌[فَصْلٌ في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود]

- ‌[فَصْلٌ في الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في وَضْعُ الْيَدِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في الْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَاعِي حَالَ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْلٌ في مجموع ما حفظ عنه من سهوه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]

- ‌[فصل فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في السُّتْرَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ]

- ‌[فصل في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ]

- ‌[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل فِي سِيَاقِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَوِتْرِهِ وَذِكْرِ صَلَاةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل في الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل في قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[فصل في سُجُودُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

- ‌[فصل فِي مَبْدَأِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

- ‌[فصل في بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطَبِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

- ‌[فصل في الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعِهَا وَدَفْنِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَسْجِيَةُ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ]

- ‌[فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ في التَّسْلِيمُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فصل من مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْمُنْتَحِرِ وَالْغَالِّ وَالْمَقْتُولِ حَدًّا]

- ‌[فَصْلٌ في أَبْحَاثُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْإِسْرَاعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ الدَّفْنِ وَسُنِّيَّةُ اللَّحْدِ]

- ‌[فَصْلٌ في تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تُتَّخَذُ الْقُبُورُ مَسَاجِدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ التَّعْزِيَةِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْخَوْفِ]

الفصل: ‌[فصل في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

الشَّدِيدَ، وَكَمَا أَحْدَثُوا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ هَدْيَهُ صلى الله عليه وسلم، وَرُبِّيَ فِي ذَلِكَ مَنْ رُبِّيَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ.

[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

فَصْلٌ

ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ رحمه الله وَهُوَ وَهْمٌ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ الْبَتَّةَ، وَالَّذِي غَرَّهُ أَنَّ الرَّاوِيَ غَلِطَ مِنْ قَوْلِهِ:( «كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، إِلَى قَوْلِهِ: كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» ) وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَمْ يَفْطِنْ لِسَبَبِ غَلَطِ الرَّاوِي وَوَهْمِهِ فَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ بَعْدَهُمَا، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ) هذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ شريك، عَنْ عاصم بن كليب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ:( «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» )

ص: 215

وَلَمْ يُرْوَ فِي فِعْلِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ ( «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ) فَالْحَدِيثُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَدْ وَقَعَ فِيهِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ

ص: 216

الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ يُخَالِفُ آخِرَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَقَدْ بَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، فَإِنَّ الْبَعِيرَ إِنَّمَا يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا، وَلَمَّا عَلِمَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ ذَلِكَ قَالُوا: رُكْبَتَا الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ، لَا فِي رِجْلَيْهِ، فَهُوَ إِذَا بَرَكَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، فَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَهُوَ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ فَإِنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَتَبْقَى رِجْلَاهُ قَائِمَتَيْنِ، فَإِذَا نَهَضَ فَإِنَّهُ يَنْهَضُ بِرِجْلَيْهِ أَوَّلًا وَتَبْقَى يَدَاهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَفَعَلَ خِلَافَهُ. وَكَانَ أَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ الْأَقْرَبَ مِنْهَا فَالْأَقْرَبَ، وَأَوَّلُ مَا يَرْتَفِعُ عَنِ الْأَرْضِ مِنْهَا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى.

وَكَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ. وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَ رَأْسَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، وَهَذَا عَكْسُ فِعْلِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم نَهَى فِي الصَّلَاةِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْحَيَوَانَاتِ، فَنَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، وَافْتِرَاشٍ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَرَفْعِ الْأَيْدِي وَقْتَ

ص: 217

السَّلَامِ كَأَذْنَابِ الْخَيْلِ الشُّمْسِ، فَهَدْيُ الْمُصَلِّي مُخَالِفٌ لِهَدْيِ الْحَيَوَانَاتِ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُمْ: رُكْبَتَا الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا الرُّكْبَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى اللَّتَيْنِ فِي يَدَيْهِ اسْمُ الرُّكْبَةِ فَعَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ لَقَالَ: فَلْيَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ مِنَ الْبَعِيرِ يَدَاهُ.

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ بُرُوكَ الْبَعِيرِ وَعَلِمَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ» عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ هُوَ الصَّوَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ يَقَعُ لِي أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَا مِمَّا انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ مَتْنُهُ وَأَصْلُهُ، وَلَعَلَّهُ " وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ "، كَمَا انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ( «إِنَّ بلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) فَقَالَ: ( «ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ

ص: 218

بلال» ) .

وَكَمَا انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ حَدِيثُ: ( «لَا يَزَالُ يُلْقَى فِي النَّارِ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ: وَأَمَّا النَّارُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا يُسْكِنُهُمْ إِيَّاهَا» ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ قَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عبد الله بن سعيد، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الْفَحْلِ» ) وَرَوَاهُ الأثرم فِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ كَذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُوَافِقُ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.

قَالَ ابن أبي داود: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ هُوَ مُحَمَّدٌ، عَنْ عبد الله بن سعيد، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ إِذَا سَجَدَ بَدَأَ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ» )

وَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:( «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بِالرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» ) وَعَلَى

ص: 219

هَذَا، فَإِنْ كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْفُوظًا فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ عِلَّتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يحيى بن سلمة بن كهيل، وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا، إِنَّمَا هُوَ قِصَّةُ التَّطْبِيقِ، وَقَوْلُ سعد: كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ.

وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ " الْمُغْنِي " عَنْ أبي سعيد قَالَ: ( «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» ) فَهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَهْمٌ فِي الِاسْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ سعد، وَهُوَ أَيْضًا وَهْمٌ فِي الْمَتْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي قِصَّةِ التَّطْبِيقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدَّمُ، فَقَدْ عَلَّلَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: محمد بن عبد الله بن حسن لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي أَسَمِعَ مِنْ أبي الزناد أَمْ لَا.

وَقَالَ الترمذي: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أبي الزناد إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي، عَنْ أبي الزناد، وَقَدْ ذَكَرَ النَّسَائِيُّ عَنْ قتيبة، حَدَّثَنَا عبد الله بن نافع، عَنْ محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي، عَنْ أبي الزناد

ص: 220

عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَيَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ» ) وَلَمْ يَزِدْ.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَهُمْ فِيهَا إِسْنَادَانِ، هَذَا أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ عَنْ عبيد الله عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قُلْتُ: أَرَادَ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنِ الدراوردي عَنْ عبيد الله عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ( «كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ) وَيَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ الحاكم فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " مِنْ طَرِيقِ محرز بن سلمة عَنِ الدراوردي وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مسلم.

وَقَدْ رَوَاهُ الحاكم مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أنس قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ» قَالَ الحاكم: عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً.

قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. انْتَهَى.

وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ العلاء بن إسماعيل العطار عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ والعلاء هَذَا مَجْهُولٌ لَا ذِكْرَ

ص: 221

لَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا الْآثَارُ الْمَحْفُوظَةُ عَنِ الصَّحَابَةِ فَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ عبد الرزاق وابن المنذر، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ فهد عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إبراهيم، عَنْ أَصْحَابِ عبد الله علقمة والأسود قَالَا: حَفِظْنَا عَنْ عمر فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ خَرَّ بَعْدَ رُكُوعِهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا يَخِرُّ الْبَعِيرُ، وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: حُفِظَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رُكْبَتَيْهِ كَانَتَا تَقَعَانِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ عَنْ أبي مرزوق، عَنْ وهب، عَنْ شعبة، عَنْ مغيرة قَالَ: سَأَلْتُ إبراهيم عَنِ الرَّجُلِ يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ إِذَا سَجَدَ؟ قَالَ أَوَيَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا أَحْمَقُ أَوْ مَجْنُونٌ!

قَالَ ابن المنذر: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَبِهِ قَالَ النخعي، ومسلم بن يسار، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، قَالَهُ مالك. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَدْرَكْنَا النَّاسَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ قَبْلَ رُكَبِهِمْ. قَالَ ابن أبي داود: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ ذَكَرَهُ البيهقي، وَهُوَ ( «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ» ) قَالَ

ص: 222

البيهقي: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الْإِهْوَاءِ إِلَى السُّجُودِ.

وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَوْلَى لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَهُ الخطابي وَغَيْرُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهِ: وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْعَكْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ رَأْسًا.

الثَّالِثُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُخَارِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ قَدِ ادَّعَى فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّسْخَ، قَالَ ابن المنذر: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ مَنْسُوخٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْجَمَلِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ عَنِ الصَّحَابَةِ، كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَا يُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا عَنْ عمر رضي الله عنه عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ.

السَّابِعُ: أَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدٌ، فَلَوْ تَقَاوَمَا؛ لَقُدِّمَ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ مِنْ أَجْلِ شَوَاهِدِهِ، فَكَيْفَ وَحَدِيثُ وائل أَقْوَى كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 223

الثَّامِنُ: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ إِنَّمَا يُحْفَظُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ومالك، وَأَمَّا قَوْلُ ابن أبي داود: إِنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَعْضَهُمْ، وَإِلَّا فأحمد وَالشَّافِعِيُّ وإسحاق عَلَى خِلَافِهِ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ فِيهِ قِصَّةٌ مَحْكِيَّةٌ سِيقَتْ لِحِكَايَةِ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا كَانَ فِيهِ قِصَّةٌ مَحْكِيَّةٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حُفِظَ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَحْكِيَّةَ فِيهِ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ، فَهِيَ أَفْعَالٌ مَعْرُوفَةٌ صَحِيحَةٌ وَهَذَا وَاحِدٌ مِنْهَا فَلَهُ حُكْمُهَا، وَمُعَارِضُهُ لَيْسَ مُقَاوِمًا لَهُ، فَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ، وَلَكِنْ رَوَى عبد الرزاق فِي " الْمُصَنَّفِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ،» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ حَدِيثِ جابر وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عمر بن شمر عَنْ جابر الجعفي، مَتْرُوكٌ عَنْ مَتْرُوكٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أبو داود فِي الْمَرَاسِيلِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَسَجَدَ بِجَبِينِهِ وَقَدِ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جَبْهَتِهِ» .

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.

وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ،

ص: 224

وَجَافَى بِهِمَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، وَلَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ - وَهِيَ الشَّاةُ الصَّغِيرَةُ - أَنْ تَمُرَّ تَحْتَهُمَا لَمَرَّتْ.

وَكَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَأُذُنَيْهِ، وَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنِ البراء أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ» ) .

وَكَانَ يَعْتَدِلُ فِي سُجُودِهِ وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ.

وَكَانَ يَبْسُطُ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ، وَلَا يُفَرِّجُ بَيْنَهَا وَلَا يَقْبِضُهَا، وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ( «كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ فَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» ) وَأَمَرَ بِهِ.

وَكَانَ يَقُولُ: ( «سُبْحَانَكَ اللَّهُمُّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» ) .

ص: 225

وَكَانَ يَقُولُ: ( «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتَ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ

ص: 226

إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» ) .

وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا» ) .

وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَقَالَ: ( «إِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» ) . وَهَلْ هَذَا أَمْرٌ بِأَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ، أَوْ أَمْرٌ بِأَنَّ الدَّاعِيَ إِذَا دَعَا فِي مَحَلٍّ، فَلْيَكُنْ فِي السُّجُودِ؟ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّ الدُّعَاءَ نَوْعَانِ: دُعَاءُ ثَنَاءٍ، وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكْثِرُ فِي سُجُودِهِ مِنَ النَّوْعَيْنِ، وَالدُّعَاءُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي السُّجُودِ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ.

وَالِاسْتِجَابَةُ أَيْضًا نَوْعَانِ: اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الطَّالِبِ بِإِعْطَائِهِ سُؤَالَهُ، وَاسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُثْنِي بِالثَّوَابِ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّوْعَيْنِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186][الْبَقَرَةِ: 187] وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ.

ص: 227