الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُخْرَيَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ومالك، وَالْأُخْرَى: عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّكِّ، وَبَيْنَ الظَّنِّ الْغَالِبِ الْقَوِيِّ، فَمَعَ الشَّكِّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَمَعَ أَكْثَرِ الْوَهْمِ أَوِ الظَّنِّ الْغَالِبِ يَتَحَرَّى، وَعَلَى هَذَا مَدَارُ أَجْوِبَتِهِ. وَعَلَى الْحَالَيْنِ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أبو حنيفة رحمه الله فِي الشَّكِّ: إِذَا كَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ، اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ غَالِبٌ، بَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ.
[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]
فَصْلٌ
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ يُومِئُ بِبَصَرِهِ إِلَى أُصْبُعِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَلَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أنس رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ قِرَامٌ لعائشة، سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالَ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي» ) وَلَوْ كَانَ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، لَمَا عَرَضَتْ لَهُ فِي صَلَاتِهِ.
وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَعْرِضُ لَهُ فِي صَلَاتِهِ: هَلْ تَذَكُّرُ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهَا، أَوْ نَفْسُ رُؤْيَتِهَا؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَأَبْيَنُ دَلَالَةً مِنْهُ حَدِيثُ عائشة رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ، إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا
(بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أبي جهم، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أبي جهم، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» ) وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا أَيْضًا مَا فِيهِ، إِذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ حَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ إِلَيْهَا، فَشَغَلَتْهُ تِلْكَ الِالْتِفَاتَةُ وَلَا يَدُلُّ حَدِيثُ الْتِفَاتِهِ إِلَى الشِّعْبِ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْفَارِسَ طَلِيعَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ النَّظَرَ وَالِالْتِفَاتَ مِنْهُ كَانَ لِلْحَاجَةِ، لِاهْتِمَامِهِ بِأُمُورِ الْجَيْشِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَدُّ يَدِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ؛ لِيَتَنَاوَلَ الْعُنْقُودَ لَمَّا رَأَى الْجَنَّةَ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ النَّارَ وَصَاحِبَةَ الْهِرَّةِ فِيهَا، وَصَاحِبَ الْمِحْجَنِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُدَافَعَتِهِ لِلْبَهِيمَةِ الَّتِي أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَدُّهُ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ، وَحَجْزُهُ بَيْنَ الْجَارِيَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ رَدِّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُشِيرُ إِلَى مَنْ يَرَاهُ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ لَهُ فَأَخَذَهُ فَخَنَقَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ رُؤْيَةَ عَيْنٍ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِهَا الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَرَاهَتِهِ، فَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: هُوَ