الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعُ: أَنَّ حَدِيثَ جابر الَّذِي احْتَجَّ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نُزُولُ الْمَلَكِ عَلَيْهِ أَوَّلًا قَبْلَ نُزُولِ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] فَإِنَّهُ قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فَدَلَّ حَدِيثُ جابر عَلَى تَأَخُّرِ نُزُولِ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لَا فِي رَأْيِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]
فَصْلٌ
فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: النُّبُوَّةُ. الثَّانِيَةُ: إِنْذَارُ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ. الثَّالِثَةُ: إِنْذَارُ قَوْمِهِ. الرَّابِعَةُ: إِنْذَارُ قَوْمٍ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِهِ وَهُمُ الْعَرَبُ قَاطِبَةً.
الْخَامِسَةُ: إِنْذَارُ جَمِيعِ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]
فَصْلٌ
وَأَقَامَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُسْتَخْفِيًا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] [الْحِجْرِ: 94] . فَأَعْلَنَ صلى الله عليه وسلم بِالدَّعْوَةِ وَجَاهَرَ قَوْمَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَتَيْنِ.
[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]
فَصْلٌ
فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم
وَكُلُّهَا نُعُوتٌ لَيْسَتْ أَعْلَامًا مَحْضَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْرِيفِ، بَلْ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ
صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَدْحَ وَالْكَمَالَ.
فَمِنْهَا مُحَمَّدٌ، وَهُوَ أَشْهَرُهَا، وَبِهِ سُمِّيَ فِي التَّوْرَاةِ صَرِيحًا كَمَا بَيَّنَّاهُ بِالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ فِي كِتَابِ " جَلَاءِ الْأَفْهَامِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ " وَهُوَ كِتَابٌ فَرْدٌ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ فِي كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَغَزَارَتِهَا، بَيَّنَّا فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَصَحِيحَهَا مِنْ حَسَنِهَا وَمَعْلُولِهَا، وَبَيَّنَّا مَا فِي مَعْلُولِهَا مِنَ الْعِلَلِ بَيَانًا شَافِيًا، ثُمَّ أَسْرَارَ هَذَا الدُّعَاءِ وَشَرَفِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ، ثُمَّ مُوَاطِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَمُحَالَّهَا، ثُمَّ الْكَلَامَ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَاخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَتَرْجِيحَ الرَّاجِحِ وَتَزْيِيفَ الْمُزَيَّفِ، وَمَخْبَرُ الْكِتَابِ فَوْقَ وَصْفِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ فِي التَّوْرَاةِ صَرِيحًا بِمَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ كُلُّ عَالِمٍ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَمِنْهَا أَحْمَدُ، وَهُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ الْمَسِيحُ لِسِرٍّ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ.
وَمِنْهَا: الْمُتَوَكِّلُ، وَمِنْهَا الْمَاحِي، وَالْحَاشِرُ، وَالْعَاقِبُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، وَالْفَاتِحُ، وَالْأَمِينُ.
وَيَلْحَقُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ: الشَّاهِدُ، وَالْمُبَشِّرُ، وَالْبَشِيرُ، وَالنَّذِيرُ، وَالْقَاسِمُ، وَالضَّحُوكُ، وَالْقَتَّالُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ، وَصَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ إِذَا كَانَتْ أَوْصَافَ مَدْحٍ فَلَهُ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ اسْمٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَصْفِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَوِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ وَيُشْتَقُّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ، وَبَيْنَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ.
وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ:( «: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» ) .
وَأَسْمَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: خَاصٌّ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ، كَمُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدَ، وَالْعَاقِبِ، وَالْحَاشِرِ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيِّ الْمَلْحَمَةِ.
وَالثَّانِي: مَا يُشَارِكُهُ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ وَلَكِنْ لَهُ مِنْهُ كَمَالُهُ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِكَمَالِهِ دُونَ أَصْلِهِ، كَرَسُولِ اللَّهِ، وَنَبِيِّهِ، وَعَبْدِهِ، وَالشَّاهِدِ، وَالْمُبَشِّرِ، وَالنَّذِيرِ، وَنَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيِّ التَّوْبَةِ.
وَأَمَّا إِنْ جُعِلَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ اسْمٌ تَجَاوَزَتْ أَسْمَاؤُهُ الْمِائَتَيْنِ، كَالصَّادِقِ، وَالْمَصْدُوقِ، وَالرَّءُوفِ الرَّحِيمِ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. وَفِي هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ لِلَّهِ أَلْفُ اسْمٍ، وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَلْفُ اسْمٍ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ، وَمَقْصُودُهُ الْأَوْصَافُ.