الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَهُمَا حَضَرًا وَلَا سَفَرًا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: ( «صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] » )[الْأَحْزَابِ: 21] وَمُرَادُهُ بِالتَّسْبِيحِ: السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ، وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَفِي " الصِّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:( «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ لَيْلًا وَهُوَ يَقْصُرُ، وَفِي " الصِّحِيحَيْنِ ": عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ ( «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ» ) فَهَذَا قِيَامُ اللَّيْلِ.
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَنِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالتَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ بَأْسٌ، وَرُوِيَ عَنِ الحسن قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَافِرُونَ فَيَتَطَوَّعُونَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَبَعْدَهَا، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ
عمر، وعلي، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وجابر، وأنس، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وأبي ذر.
وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَكَانَ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَلَا بَعْدَهَا إِلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ الْمَقْصُورَةِ وَلَا بَعْدَهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنَ التَّطَوُّعِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ لِلصَّلَاةِ كَسُنَّةِ صَلَاةِ الْإِقَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الرُّبَاعِيَّةَ قَدْ خُفِّفَتْ إِلَى رَكْعَتَيْنِ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسَافِرِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ لَهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ يُحَافَظُ عَلَيْهَا وَقَدْ خَفَّفَ الْفَرْضَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْلَا قَصْدُ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَإِلَّا كَانَ الْإِتْمَامُ أَوْلَى بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ عبد الله بن عمر:( «لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ» ) وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحًى وَهُوَ إِذْ ذَاكَ مُسَافِرٌ» .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الليث، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أبي بسرة الغفاري، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:( «سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا، فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ قَبْلَ الظُّهْرِ» ) قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ: وَسَأَلْتُ محمدا عَنْهُ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَمْ يَعْرِفِ اسْمَ أبي بسرة وَرَآهُ حَسَنًا. وَبُسْرَةُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا» ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، وَلَعَلَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ، وَالرِّجَالُ أَعْلَمُ بِسَفَرِهِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ،