المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه] - زاد المعاد في هدي خير العباد - ت الرسالة الثاني - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر ما اختار الله من مخلوقاته]

- ‌[الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[اخْتِيَارُهُ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا]

- ‌[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَزِيَّةُ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فيما اختاره الله من الأعمال وغيرها]

- ‌[فَصْلٌ اضْطِرَارُ الْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَّهَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَوَاضِنِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَهْرُ بِالدَّعْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرَى الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْلَادِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَرَارِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَالِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُدَّامِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتَّابِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمَرَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَرَسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ يَضْرِبُ الْأَعْنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ كَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ وَخَاتَمِهِ وَنَعْلِهِ وَسِوَاكِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْذَنُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعَرَائِهِ وَخُطَبَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُدَاتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْدُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سِلَاحِهِ وَأَثَاثِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوَابِّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَلَابِسِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في ذكر سراويله ونعله وخاتمه وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ غَالِبُ لُبْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْقُطْنُ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النِّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَوْمِهِ وَانْتِبَاهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ في اتِّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَامَلَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُوسِهِ وَاتِّكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ]

- ‌[فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في إطالة الركعة الأولى وقراءة السور وغير ذلك]

- ‌[فَصْلٌ في عَدَمُ تَعْيِينِهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةً بِعَيْنِهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في إِطَالَتُهُ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية ركوعه صلى الله عليه وسلم والرفع منه]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه]

- ‌[فَصْلٌ في التفاضل بين طول القيام وإكثار السجود]

- ‌[فَصْلٌ في الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ في جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في وَضْعُ الْيَدِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في الْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَاعِي حَالَ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْلٌ في مجموع ما حفظ عنه من سهوه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل في كراهة تغميض العينين في الصلاة]

- ‌[فصل فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في السُّتْرَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ]

- ‌[فصل في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ]

- ‌[فصل هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل فِي سِيَاقِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَوِتْرِهِ وَذِكْرِ صَلَاةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ]

- ‌[فصل في الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل في قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[فصل في سُجُودُ الشُّكْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ خَصَائِصِ يَوْمِهَا]

- ‌[فصل فِي مَبْدَأِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فصل في خَوَاصُّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ]

- ‌[فصل في بَيَانُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطَبِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

- ‌[فصل في الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عدم الْجَمْعُ رَاكِبًا فِي سَفَرِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى]

- ‌[فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاتِّبَاعِهَا وَدَفْنِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَسْجِيَةُ الْمَيِّتِ]

- ‌[فصل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ]

- ‌[فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ في التَّسْلِيمُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فصل من مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر]

- ‌[فصل مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْمُنْتَحِرِ وَالْغَالِّ وَالْمَقْتُولِ حَدًّا]

- ‌[فَصْلٌ في أَبْحَاثُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْإِسْرَاعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ الدَّفْنِ وَسُنِّيَّةُ اللَّحْدِ]

- ‌[فَصْلٌ في تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تُتَّخَذُ الْقُبُورُ مَسَاجِدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ في حُكْمُ التَّعْزِيَةِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْخَوْفِ]

الفصل: ‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه]

فِي أَوَّلِ مَطَرَةٍ حَتَّى يُصِيبَ جَسَدَهُ.

قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ، قَالَ:( «مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ، ثُمَّ يَقْرَأُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] » )[فَاطِرٍ: 2] .

قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عبد العزيز بن عمر، عَنْ مكحول، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:( «اطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ» ) .

وَقَدْ حَفِظَتُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ: نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ.

قَالَ البيهقي: وَقَدْ رَوَيْنَا فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ، وَتَحْتَ الْمَطَرِ.» )

وَرَوَيْنَا عَنْ أبي أمامة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» ) .

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ وَعِبَادَتِهِ فِيهِ]

كَانَتْ أَسْفَارُهُ صلى الله عليه وسلم دَائِرَةً بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَسْفَارٍ: سَفَرُهُ لِهِجْرَتِهِ، وَسَفَرُهُ لِلْجِهَادِ وَهُوَ أَكْثَرُهَا، وَسَفَرُهُ لِلْعُمْرَةِ، وَسَفَرُهُ لِلْحَجِّ.

ص: 444

( «وَكَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا سَافَرَ بِهَا مَعَهُ» ) وَلَمَّا حَجَّ سَافَرَ بِهِنَّ جَمِيعًا.

وَكَانَ إِذَا سَافَرَ خَرَجَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ( «وَدَعَا اللَّهَ تبارك وتعالى أَنْ يُبَارِكَ لِأُمَّتِهِ فِي بُكُورِهَا» )

وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ( «وَأَمَرَ الْمُسَافِرِينَ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» ) . ( «وَنَهَى أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ» ) ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «الرَّاكِبَ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» )

وَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ يَنْهَضُ لِلسَّفَرِ ( «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ بِهِ، اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ» )

ص: 445

( «وَكَانَ إِذَا قَدِمَتْ إِلَيْهِ دَابَّتُهُ لِيَرْكَبَهَا، يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ» )

وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» )

وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا عَلَوُا الثَّنَايَا، كَبَّرُوا، وَإِذَا هَبَطُوا الْأَوْدِيَةَ، سَبَّحُوا.

وَكَانَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشِّيَاطِينِ وَمَا

ص: 446

أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا» ) .

وَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرِ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا جَنَاهَا، وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا، وَحَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا» )

وَكَانَ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ، فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مُسَافِرًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي سَفَرِهِ الْبَتَّةَ، وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ، وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ، وَيَصُومُ» ) فَلَا يَصِحَّ. وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هُوَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى، وَقَدْ رُوِيَ كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ، الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ، وَكَذَلِكَ يُفْطِرُ وَتَصُومُ، أَيْ: تَأْخُذُ هِيَ بِالْعَزِيمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، قَالَ: شَيْخُنَا ابن تيمية: وَهَذَا بَاطِلٌ مَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 447

لِتُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ، فَتُصَلِّيَ خِلَافَ صَلَاتِهِمْ، كَيْفَ وَالصَّحِيحُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:( «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ» ) فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ.

قُلْتُ: وَقَدْ أَتَمَّتْ عائشة بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عثمان، وَإِنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ دَائِمًا، فَرَكَّبَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا، وَقَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْصُرُ وَتُتِمُّ هِيَ، فَغَلِطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَقَالَ: كَانَ يَقْصُرُ وَيُتِمُّ، أَيْ هُوَ.

وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَتْهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ ظَنَّتْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ فِي السَّفَرِ، فَإِذَا زَالَ الْخَوْفُ زَالَ سَبَبُ الْقَصْرِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَافَرَ آمِنًا وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَالْآيَةُ قَدِ أُشْكِلَتْ عَلَى عمر وَعَلَى غَيْرِهِ، فَسَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَهُ بِالشِّفَاءِ، وَأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ مِنَ اللَّهِ وَشَرْعٌ شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ، وَكَانَ هَذَا بَيَانَ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ غَيْرُ مُرَادٍ،

ص: 448

وَأَنَّ الْجُنَاحَ مُرْتَفِعٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ عَنِ الْآمِنِ وَالْخَائِفِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ نَوْعُ تَخْصِيصٍ لِلْمَفْهُومِ أَوْ رَفْعٍ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ قَصْرًا يَتَنَاوَلُ قَصْرَ الْأَرْكَانِ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَصْرَ الْعَدَدِ بِنُقْصَانِ رَكْعَتَيْنِ، وَقُيَّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ أُبِيحَ الْقَصْرَانِ، فَيُصَلُّونَ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَقْصُورَةً عَدَدُهَا وَأَرْكَانُهَا، وَإِنِ انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَكَانُوا آمِنِينَ مُقِيمِينَ انْتَفَى الْقَصْرَانِ فَيُصَلُّونَ صَلَاةً تَامَّةً كَامِلَةً، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَصْرُهُ وَحْدَهُ، فَإِذَا وُجِدَ الْخَوْفُ وَالْإِقَامَةُ قُصِرَتِ الْأَرْكَانُ وَاسْتُوفِيَ الْعَدَدُ، وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ، فَإِنْ وُجِدَ السَّفَرُ وَالْأَمْنُ قُصِرَ الْعَدَدُ وَاسْتُوفِيَ الْأَرْكَانُ، وَسُمِّيَتْ صَلَاةَ أَمْنٍ، وَهَذَا نَوْعُ قَصْرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَصْرِ الْمُطْلَقِ، وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْصُورَةً بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْعَدَدِ، وَقَدْ تُسَمَّى تَامَّةً بِاعْتِبَارِ إِتْمَامِ أَرْكَانِهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَصْرِ الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الصَّحَابَةِ، كعائشة، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، قَالَتْ عائشة:( «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ» ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ عِنْدَهَا غَيْرُ مَقْصُورَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ، وَأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ( «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» ) مُتَّفَقٌ عَلَى حَدِيثِ عائشة، وَانْفَرَدَ مسلم بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ عمر رضي الله عنه: ( «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَالْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ،

ص: 449

وَالْعِيدِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى» ) . وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عمر رضي الله عنه، وَهُوَ الَّذِي ( «سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» )

وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ حَدِيثَيْهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَجَابَهُ بِأَنَّ هَذِهِ صَدَقَةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَدِينُهُ الْيُسْرُ السَّمْحُ، عَلِمَ عمر أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ قَصْرَ الْعَدَدِ كَمَا فَهِمَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ. وَعَلَى هَذَا، فَلَا دِلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ قَصْرَ الْعَدَدِ مُبَاحٌ مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْجُنَاحُ، فَإِنْ شَاءَ الْمُصَلِّي، فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ، أَتَمَّ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَاظِبُ فِي أَسْفَارِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُرَبِّعْ قَطُّ إِلَّا شَيْئًا فَعَلَهُ فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ، وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ أنس: ( «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

( «وَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ،

ص: 450

وَصَلَّيْتُ مَعَ أبي بكر بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ مَسْعُودٍ لِيَسْتَرْجِعَ مِنْ فِعْلِ عثمان أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا، بَلِ الْأَوْلَى عَلَى قَوْلٍ، وَإِنَّمَا اسْتَرْجَعَ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ مُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ:«صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ فِي السَّفَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وأبا بكر وعمر وعثمان» . يَعْنِي فِي صَدْرِ خِلَافَةِ عثمان، وَإِلَّا فعثمان قَدْ أَتَمَّ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ خَرَجَ لِفِعْلِهِ تَأْوِيلَاتٌ

أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ حَجُّوا تِلْكَ السَّنَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ، لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَى بِذَلِكَ فِي حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَالْعَهْدُ بِالصَّلَاةِ قَرِيبٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُرَبِّعْ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

التَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا لِلنَّاسِ، وَالْإِمَامُ حَيْثُ نَزَلَ، فَهُوَ عَمَلُهُ وَمَحَلُّ وِلَايَتِهِ، فَكَأَنَّهُ وَطَنُهُ، وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ إِمَامَ الْخَلَائِقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الْإِمَامَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يُرَبِّعْ.

التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِنًى كَانَتْ قَدْ بُنِيَتْ وَصَارَتْ قَرْيَةً كَثُرَ فِيهَا الْمَسَاكِنُ فِي عَهْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ كَانَتْ فَضَاءً، وَلِهَذَا قِيلَ

ص: 451

لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا يُظِلُّكَ مِنَ الْحَرِّ؟ فَقَالَ: (لَا. مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» ) . فَتَأَوَّلَ عثمان أَنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ السَّفَرِ. وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

التَّأْوِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:( «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» ) فَسَمَّاهُ مُقِيمًا، وَالْمُقِيمُ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِأَنَّ هَذِهِ إِقَامَةٌ مُقَيَّدَةٌ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ لَيْسَتْ بِالْإِقَامَةِ الَّتِي هِيَ قَسِيمُ السَّفَرِ، وَقَدْ أَقَامَ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَأَقَامَ بِمِنًى بَعْدَ نُسُكِهِ أَيَّامَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

التَّأْوِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ بِمِنًى، وَاتِّخَاذِهَا دَارَ الْخِلَافَةِ، فَلِهَذَا أَتَمَّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا مِمَّا لَا يَقْوَى، فَإِنَّ عثمان رضي الله عنه مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَقَدْ مَنَعَ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ نُسُكِهِمْ، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، فَلَمْ يَكُنْ عثمان لِيُقِيمَ بِهَا، وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيهَا ثَلَاثًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ وَمَا تُرِكَ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ فِيهِ وَلَا يُسْتَرْجَعُ، وَلِهَذَا مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ شِرَاءِ الْمُتَصَدِّقِ لِصَدَقَتِهِ، وَقَالَ لعمر: ( «لَا

ص: 452

تَشْتَرِهَا وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» ) . فَجَعَلَهُ عَائِدًا فِي صَدَقَتِهِ مَعَ أَخْذِهَا بِالثَّمَنِ.

التَّأْوِيلُ السَّادِسُ: أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِمِنًى وَالْمُسَافِرُ إِذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ، وَتَزَوَّجَ فِيهِ، أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ، أَتَمَّ، وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَرَوَى عكرمة بن إبراهيم الأزدي، عَنِ ابن أبي ذباب، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى عثمان بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا، وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَمَّا قَدِمْتُ تَأَهَّلْتُ بِهَا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:( «إِذَا تَأَهَّلَ الرَّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيمٍ» ) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي " مُسْنَدِهِ "، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا، وَقَدْ أَعَلَّهُ البيهقي بِانْقِطَاعِهِ، وَتَضْعِيفِهِ عكرمة بن إبراهيم. قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضَّعْفِ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ فِي " تَارِيخِهِ " وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ، وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ، وَقَدْ نَصَّ أحمد وَابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا تَزَوَّجَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة ومالك وَأَصْحَابِهِمَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا اعْتُذِرَ بِهِ عَنْ عثمان.

وَقَدِ اعْتُذِرَ عَنْ عائشة أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ نَزَلَتْ كَانَ وَطَنَهَا وَهُوَ أَيْضًا اعْتِذَارٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبُو الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، وَأُمُومَةُ أَزْوَاجِهِ فَرْعٌ عَنْ أُبُوَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ يُتِمُّ لِهَذَا السَّبَبِ. وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْتُ لَهَا: لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ:(يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ)

ص: 453

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، لَمَا أَتَمَّهَا عثمان، وَلَا عائشة، وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا مُسَافِرٌ مَعَ مُقِيمٍ، وَقَدْ قَالَتْ عائشة: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَمَّ وَقَصَرَ، ثُمَّ رَوَى عَنْ إبراهيم بن محمد، عَنْ طلحة بن عمرو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عائشة قَالَتْ:«كُلُّ ذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَصَرَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَأَتَمَّ» .

قَالَ البيهقي: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عطاء، وَأَصَحُّ إِسْنَادٍ فِيهِ مَا أَخْبَرَنَا أبو بكر الحارثي، عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، عَنِ المحاملي، حَدَّثَنَا سعيد بن محمد بن ثواب، حَدَّثَنَا أبو عاصم، حَدَّثَنَا عمر بن سعيد، عَنْ عطاء، عَنْ عائشة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ يَقْصُرُ فِي الصَّلَاةِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ» )

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أبي بكر النيسابوري، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، أَنْبَأَنَا أبو نعيم، حَدَّثَنَا العلاء بن زهير، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ (عائشة أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، وَصُمْتَ وَأَفْطَرْتُ. قَالَ أَحْسَنْتِ يَا عائشة» )

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى عائشة، وَلَمْ تَكُنْ عائشة لِتُصَلِّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ تُشَاهِدُهُمْ يَقْصُرُونَ ثُمَّ تُتِمُّ هِيَ وَحْدَهَا بِلَا مُوجِبٍ. كَيْفَ وَهِيَ الْقَائِلَةُ:

ص: 454

( «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ» ) فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ، وَتُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ لعروة لَمَّا حَدَّثَهُ عَنْهَا بِذَلِكَ: فَمَا شَأْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عثمان. فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَسَّنَ فِعْلَهَا وَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ، فَمَا لِلتَّأْوِيلِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِتْمَامُهَا إِلَى التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا أبو بكر، وَلَا عمر» . أَفَيُظَنُّ بعائشة أم المؤمنين مُخَالَفَتُهُمْ، وَهِيَ تَرَاهُمْ يَقْصُرُونَ؟ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا أَتَمَّتْ كَمَا أَتَمَّ عثمان، وَكِلَاهُمَا تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِمْ لَا فِي تَأْوِيلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ أمية بن خالد لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْحَضَرِ، وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَخِي إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ

وَقَدْ قَالَ أنس: ( «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» )

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ( «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وأبا بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم» ) وَهَذِهِ كُلُّهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ.

ص: 455