الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّهِ، يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَلَّمَ مِنْهَا انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُنَاجَاةُ، وَزَالَ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ سُؤَالَهُ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَكْسَ هَذَا الْحَالِ هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُصَلِّي، إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَذَكَرَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَسَبَّحَهُ وَحَمِدَهُ وَكَبَّرَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَيَكُونُ دُعَاؤُهُ عَقِيبَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الثَّانِيَةِ، لَا لِكَوْنِهِ دُبُرَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتُحِبَّ لَهُ الدُّعَاءُ عَقِيبَ ذَلِكَ، كَمَا فِي حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ( «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ» ) قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
[فَصْلٌ في كيفية سلامه صلى الله عليه وسلم في الصلاة]
فَصْلٌ
ثُمَّ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ.
هَذَا كَانَ فِعْلَهُ الرَّاتِبَ رَوَاهُ عَنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وأبو مالك الأشعري، وطلق بن علي، وأوس بن أوس، وأبو رمثة، وعدي بن عميرة، رضي الله عنهم.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ( «كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ» ) وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ
عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَأَجْوَدُ مَا فِيهِ حَدِيثُ عائشة رضي الله عنها أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ( «كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى يُوقِظَنَا» ) وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ، لَكِنَّهُ كَانَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ التَّسْلِيمَتَيْنِ رَوَوْا مَا شَاهَدُوهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عائشة لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يُوقِظُهُمْ بِهَا، وَلَمْ تَنْفِ الْأُخْرَى، بَلْ سَكَتَتْ عَنْهَا، وَلَيْسَ سُكُوتُهَا عَنْهَا مُقَدَّمًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ حَفِظَهَا وَضَبَطَهَا، وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَحَادِيثُهُمْ أَصَحُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ صَحِيحٌ، وَالْبَاقِي حِسَانٌ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ «عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً» مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عائشة، وَمِنْ حَدِيثِ أنس، إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ، وَلَا يُصَحِّحُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ حَدِيثِ سعد:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً» . قَالَ: وَهَذَا وَهْمٌ وَغَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ» ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عامر بن سعد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:( «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَفْحَةِ خَدِّهِ» ) فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا سَمِعْنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَكُلَّ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَنِصْفَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاجْعَلْ هَذَا مِنَ النِّصْفِ الَّذِي لَمْ تَسْمَعْ. قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة رضي الله عنها: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( «كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً» ) فَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ إِلَّا زهير بن محمد وَحْدَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، رَوَاهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ، وزهير بن محمد ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَذُكِرَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثُ فَقَالَ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وزهير ضَعِيفَانِ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا قَالَ: وَأَمَّا