الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
تلك هي قصة (جيش التحرير الوطني الجزائري) في ولادته ونشأته وتطوره ولقد ولد هذا الجيش وتطور من خلال الصراع المرير وعبر التضحيات والآلام التي لا تقدر ولا توصف. ولقد كان هذا التطور مثيرا بحق لاتساعه وشموله. فقد انتقل جيش التحرير من عصر (الأسلحة الفردية وبواريد الصيد) إلى عصر (الجيوش الحديثة) خلال سنوات قليلة، وزاد في حجمه عشرات الأضعاف عما كان عليه في يوم انفجار الثورة، ورافق هذا التطور (الكمي) تطور (نوعي) مماثل، رافقه، تطور في التنظيم وإدارة الحرب على مستوى القيادات، فكانت تجربة (بناء جيش التحرير الوطني) تجربة مثيرة وفريدة في العصر الحديث.
لقد نشأت جيوش كثيرة وتطورت من خلال الحرب، فجيش الولايات المتحدة كان وليد ثورة الاستقلال، وجيش نابليون كان وليد لثورة الافرنسية أيضا، وحتى الجيش الأحمر لم يكن إلا وليدا للثورة الشيوعية (أكتوبر - 1917)، وحتى جيش الهند الصينية (الفييتنامي) ولد من خلال الثورة وتطور بتطورها
…
ولكن، وعلى الرغم من هذا التشابه في ظروف الولادة والنشأة والتطور؛
فهناك فوارق جذرية لا يمكن إسقاطها أو تجاوزها، وهذه الفوارق هي التي تعطي (جيش التحرير الوطني الجزائري) خصائصه المميزة، والتي كان من أهمها:
1 -
أنه لم ينشأ على أنقاض جيش سابق، فجيش جورج واشنطن نهض على أنقاض الجيش الإنكليزي، والجيش الروسي قام على أنقاض الجيش القيصري، حتى جيش نابليون وجيش الثورة الإفرنسية، قد نهضا على أنقاض الجيش الملكي. وكانت أجهزة الجيوش السابقة وحتى قادتها وأسلحتها هي عماد الجيوش الجديدة. في حين لم يكن لدى الجزائر إلا بعض الأفراد الذين اكتسبوا خبرات محدودة أثناء خدمتهم في الجيش الإفرنسي، وهي خبرة تكتيكية وتقنية لا تصل أبدا إلى مستوى العمليات أو إدارة الحرب.
2 -
إن جيش التحرير الجزائري كان يفتقر للخبرات القتالية، وللتقاليد العسكرية. وقد كان في حاجة لمثل هذه الخبرات وتلك التقاليد وهو يواجه جيشا له تقاليده العريقة وتجاربه الوفيرة، وهو إلى ذلك مجهز بأحدث الأسلحة القتالية التي وصل إليها التطور التقني حتى تلك الحقبة التاريخية.
3 -
لقد تطور جيش التحرير بسرعة مذهلة تجاوزات كل الحدود. وكان مثل هذا التطور قمينا بإثارة الاضطراب في أكثر الجيوش أصالة، وأعمقها التزاما بالتقاليد الموروثة، فكيف الأمر بالنسبة لجيش ولد وتطور من خلال الصراع. ليست هذه كل الفوارق، وإن كانت من أبرزها.
ولكن، وإذا كان جيش التحرير في ولادته وتطوره يفتقر إلى الخبرات المتوافرة للجيوش الحديثة، فقد كان لجيش التحرير
تقاليده الثورية التي تمتد بجذورها إلى أعماق تاريخ العرب المسلمين في المغرب العربي - الإسلامي. وكانت تجارب الحروب الثورية الحديثة (عبد القادر، والمقراني، والحداد، وأحمد باي قسنطينة، وسواهم) كافية لتشكيل قاعدة ثابتة وصلبة.
وإذا كان لكافة الجيوش قادتها - جنرالاتها - فقد كان لجيش التحرير قادته المتخرجون من صفوف الشعب الجزائري؛ والذين يمثلون فيه كل الطموحات والمثل العليا والفضائل الحربية. وكان الإيمان العميق بالله والشعب هما المعاوض الطبيعي، ومصدر الإلهام للقادة في سلوكهم وممارساتهم.
لقد كانت (حرب الجزائر) مدرسة حقيقية صقلت مواهب القادة وأكسبتهم خبرة غير محدودة في إدارة الحرب وقيادة الأعمال القتالية.
وكانت (حرب الجزائر) مدرسة حقيقية أعدت الشعب الجزائري كله لاحتمال أهوال الحرب بقدر ما دفعت مجاهديه لتطوير خبراتهم القتالية، واكتساب المهارات الضرورية للحرب. ومن (مدرسة الحرب الجزائرية) ظهرت قدرة (جيش التحرير الوطني الجزائري) الذي أمكن له في النهاية أن ينتصب عملاقا في مواجهة أحدث جيوش العالم وأفضلها تلسحا وأوفرها خبرة، علاوة على ما كان يتلقاه الجيش الإفرنسي من دعم عالمي حشدت له الدوائر الإمبريالية والإستعمارية كل قدراتها وإمكاناتها.
وخاض (جيش التحرير الوطني الجزائري) حروبه ومعاركه منطلقا من قاعدة الإيمان الصلبة والإسلام المتينة، فكانت حروبه نموذجا (لحروب الإيمان) وتبقى قصة (جيش التحرير الوطني الجزائري) قصة (التجربة التاريخية الفردة) التي لا تبلى جدتها مع
تقادم الزمن، إنها تجربة الحياة، ما دامت الحياة متدفقة في مسيرتها على أرض العرب المسلمين عامة، وعلى أرض (الجزائر المجاهدة) بصورة خاصة. وستبقى هذه التجربة التاريخية خالدة في القلوب، يعتز بها كل من عاشها وكل من عرفها وكل من انتسب إليها؛ ولو لم يكن له شرف الإسهام بمنعها، من أمة العرب المسلمين
بسام العسلي
التقسيمات الإدارية - العسكرية للجزائر يوم 11/ 1/ 1954