الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
معركة (عين الزانة - 1959)
يقع مركز (عين الزانة) على ارتفاع ألف وأربعمائة متر من سطح البحر. وقد اعتبر، لهذا السبب، أهم مركز على الجهة الشرقية، إذ يشرف على مساحة شاسعة تمتد من سهول (عنابة) إلى الحدود التونسية - الجزائرية. وقد نظم الإفرنسيون هذا المركز وكان يضم أربعة مبان أساسية هي:
1 -
مبنى المنارة - الميرادور -.
2 -
مبنى وحدة المغاوير (الكوماندوس) وفيه يقيم معظم الجند الإفرنسي بالمركز. وأغلبهم من اللفيف الأجنبي (الليجيون ايترانجير).
3 -
مبنى القيادة، وهو عبارة عن مكتب قديم أقامه الإفرنسيون.
4 -
مبنى ضباط الشؤون الأهلية (الساس)، وهو مزرعة إفرنسية كان يملكها المعمر (غراسيس) ونظرا لأهمية هذا المركز فقد قررت قيادة جبهة التحرير في المنطقة مهاجمته في الساعة (21و30د.)
(*) المرجع: مجلة (المجاهد) الجزائرية - 27/ 7 / 1959.
من ليل (13 جويليه - تموز - 1959). ويروي أحد منفذي العملية قصة المعركة بقوله:
(ليس بوسعي أن أذكر أكثر من جانب واحد من جوانب العملية وهو الهجوم على المنارة. فقد توجهت إليها، وكان إلى جانبها خيمة فيها جنود إفرنسيون، وكنت أحمل معي مدفعا رشاشا عيار (12،7) وكانت المسافة الفاصلة بيني وبين الميرادور - المنارة - تبلغ نحوا من ثمانين مترا. وما أن حانت الساعة التاسعة والنصف ليلا، حتى كنا قد أخذنا مواقعنا، وكانت زمرة الهجوم تنتشر من أمامي وورائي ومعها مدفعان بازوكا وعلى جنبيهما مدفع عيار (57 مم). وما أن أخذنا مواقعنا حتى كانت بقية زمرنا قد حاصرت بقية المراكز حصارا محكما. وبقينا في مراكزنا ننتظر شارة بدء الهجوم. وما إن صدر الأمر حتى أطلقت نيران مدفعي الرشاش وانطلقت في الوقت ذاته قنابل المدفع (57) لتصب أهدافها في البناء.
ولدى انطلاق النار، ظنت دوريات الحراسة الإفرنسية أن الأمر قد لا يكون أكثر من هجوم عابر بأسلحة لا يمكن أن تنال من قوة تحصينات البناء وقوته. وأنه لا يمكن لهذا الهجوم أن يصل إلى الملاجىء المحصنة والتي حفرت تحت الأرض. ودعمت بالجدران السميكة التي أحكم بناؤها بالاسمنت المسلح، وزودت بدفاع متين من المدفعية والدبابات وغيرها. ولذلك سمعنا أحد الجنود الإفرنسيين يقول لنا ساخرا:(تعالوا!! تعالوا!! وتقدمت بعد ذلك في اتجاهي دبابة ضخمة من الدبابات الحديثة والمسلحة بستة مدافع: (إثنان عيار - 12،7، ومدفع أمريكي عيار - 30 - ومدح 57 ومدفع عيار 75) فأشعل سائقها الضوء في وجهي على أمل أن يبهرني. ثم تقدم في اتجاهي حتى لم يبق بينه وبيني إلا خمسون مترا، ثم قال لي
بصوت تبينته بوضوح: (تعال يا بني، لا تضرب واصعد فوق الدبابة).
فكان جوابي الوحيد هو أن أطلقت عليه 250 طلقة من مدفعي الرشاش دفعة واحدة - هي كل ما يحتويه شريط التلقيم -. وما أن توققت عن الرمي، حتى شاهدت الحريق يندلع في الدبابة، بسبب انفجار ما فيها من الذخيرة. وجاءت في أثر الدبابة المشتعلة مصفحة، فأحرقها مدفع (57). وأعقبتها سيارة - جيب - فيها أربعة جنود إفرنسيين فروا من فرقة حراسة (المنارة) فرميتها برصاص مدفعي الرشاش، فقتلوا جميعا على الفور، واشتعلت النار في السيارة، وسمعنا صوت سيارة أخرى، تبيناها فإذا هي سيارة (ج م. س) كانت تحاول الخروج من الحصار، فوجه إليها أحد المجاهدين طلقات مدفع عيار (30) وأصاب عجلاتها. ثم وجهت لها طلقات مدفعي الرشاش حتى أصبحت كلها طعمة للنيران، وآنذاك، وجهت الرمي إلى المنارة (الميرادور). فخرج منه جندي إفرنسي حاملا مدفعه الرشاش وهو يبحث عن موقع ممتاز، فبادرته بطلقات مدفعي، وحطمته مع مدفعه.
ثم هجمت قواتنا على المخيم، فأسرع الجنود الإفرنسيون إلى التحصين بالملاجىء الأرضية، لكننا طاردناهم إلى تلك الملاجىء ودمرناها فوقهم، وماتوا من آخرهم. وإلى هنا، لم يسجل أي رد فعل من طرف العدو، ولعل قوة المباغتة هي التي شلت قدرتهم. ولكن ذلك لم يمنعنا من متابعة تنفيذ المهمة بحذر، وفي الواقع، فإنه لم تمض فترة طويلة حتى وجهت إلينا نيران مدفع رشاش (من نوع هوتشكيس) من نافذة بالمبنى الواقع فوق مخزن الأسلحة، فهاجمناه بالقنابل اليدوية، وقتلنا الجندي الإفرنسي، واستولينا على
ما كان معه من الذخيرة، ولما رأى العدو أن الرشاش (هوتشكيس) قد توقف عن الرمي، شرع بضربنا بقذائف مدفع هاون من عيار (40 مم) كان متربصا في أحد الملاجىء الأرضية التي لم نصل إليها بعد، فهاجمه جنودنا بالقنابل اليدوية، ودمروا الملجأ ومدفع الهاون. وعندما أراد مدفع هاون آخر أن يتابع الرمي ضدنا، دمرناه بقذيفة من مدفع (بازوكا).
ما أن تم للمجاهدين - في هذا القطاع - تدمير الجهاز الدفاعي للعدو، حتى عثروا على ثلاثة مدافع كبيرة: واحد عيار (155 مم) وإثنان عيار (105 مم). ولما لم يكن باستطاعة المجاهدين أخذ هذه المدافع معهم، فقد عملوا على تدميرها بقذائف البازوكا، وبقنابل المدفع (57 مم). وبعد هذا وجهوا قذائف (الانيركا) إلى المخيم، فاشتعلت النار في كل شيء - ما عدا خيمة كان بها عدد كبير من الجنود الإفرنسيين - فأنذرهم المجاهدون بالخروج، ولما رفضوا الامتثال للأمر، قذفهم المجاهدون بقنابل (الإنيركا) أيضا، فاشتعلت فيهم النار مع الخيمة، وانفجرت جميع الذخائر التي كانت هناك. وعلى أثر هذا، أقبلت طائرتان قاذفتان (ب 26) وأطلقت الصواريخ المضيئة، فاغتنم قائد مجاهدي الهجوم على المنارة هذه الفرصة، وأمر بالهجوم العام على المخيم الذي ظهر واضحا كل الوضوح. ودخل المجاهدون إلى المبنى حيث عثروا على جثتي ضابطين (نقيب وملازم أول - كابتن وليوتنان).
انتهى تنفيذ العملية في الساعة (00، 3) من صباح (14 جويليه - تموز) واستغرق تنفيذ المهمة فترة ساعتين تقريبا. وقد كان من العسير تقدير الخسائر التي نزلت بهذا القطاع من قطاعات
الهجوم. ولكن تكفي الإشارة إلى ما تكبده العدو أثناء عرض سير المعركة (تدمير الدبابة والمصفحة والسيارات والأسلحة) لتكوين فكرة عامة عن مبلغ الخسائر.
…
عندما كانت زمرة الهجوم على المنارة (الميرادور) تنفذ عمليتها بنجاح، كانت هناك زمرة أخرى تقوم بالهجوم على مركز المغاوير (الكوماندوس). وقد وصف أحد المجاهدين الذين اشتركوا في التنفيذ ما قام به وزمرته بقوله:
(أخذنا مواقعنا تجاه مركز المغاوير (الكوماندوس) وانتظرنا حتى تبدأ المدافع والرشاشات، رماياتها لنقوم بدورنا في توجيه نيراننا على أهدافها في معسكر العدو. وكان المركز محاطا بسياج من الأسلاك الشائكة. وما أن بدأت المدافع والرشاشات والبازوكا بضرب أهدافها حتى إشتعلت النيران فى المركز، وزحفنا هاجمين بعد أن فتحنا ثغرات في سياج الأسلاك الشائكة بواسطة الحشوات المتفجرة المستطيلة (البانغالور). وبالقرب من مدخل المركز، وجدنا الجندي الإفرنسي الذي كان يستعد لإطلاق نار المدفع، وهو جثة هامدة. كما وجدنا عددا كبيرا من الجنود القتلى، باغتتهم نيراننا عندما كانوا فارين في طريقهم إلى الملاجيء الأرضية المحصنة.
ولم نسجل أي رد فعل من طرف العدو، باستثناء طلقة واحدة من مدفع رشاش، ما أن سمعنا مصدره حتى قضينا عليه فورا ولما اقتربنا من المدخل، أعطينا شارة إلى البازوكا، وانبطحنا أرضا، فهدمت قذائف البازوكا البناء القائم أمامنا. وتابعنا زحفنا وسط الدخان وألسنة اللهب، إلى أن دخلنا المركز. وقد تمكن بعض جند
العدو من الوصول إلى الملاجيء الأرضية المحصنة، فطاردناهم هناك بالمتفجرات ودمرنا الملاجيء فوقهم بقذائف الإنيركا. وهنا فاجأتنا طلقة من العدو، وجهت لنا من مدفع رشاش كان في أحد الملاجىء. وتمكنا من إسكاته على الفور. ثم حملنا معنا ما وجدناه من العتاد. واستمر تفتيش المركز وتدمير منشآته حتى الساعة الثالثة وعشر دقائق. ولم يغادر المجاهدون المركز - في هذا القطاع أيضا - إلا بعد أن تم لهم تدمير الجهاز الدفاعي للعدو. والقضاء على كل مقاومة فيه).
…
وتحدث قائد الكتيبة عن هجوم زمرته على مبنى ضباط الشؤون الأهلية (الساس) بقوله:
(في الواقع، إن الهجوم على مركز- الساس - قد كلل بنجاح كبير. ويعود السبب في ذلك - إلى حد ما - إلى أننا استصحبنا معنا أربعة من رجال - القوم - كانوا قد انضموا إلينا بعد أن فروا من هذا المركز بالذات، فهم من ثم يعرفون المركز ومواقعه ونقاط ضعفه بدقة تامة. وقد قالوا لنا، إن قائدهم الإفرنسي سبق أن قال لهم ذات يوم: لئن تمكن الثوار من الوصول إلى الملاجىء الأرضية فما علينا إلا أن نستسلم بدون دفاع.
على هذا، بدأت بتنظيم قوة الهجوم منذ الساعة التاسعة مساء، فوضعت الزمر في مواقع مختلفة، وكانت المسافة التي تفصل بين المركز وبين أبعد زمر الانقضاض لا تزيد على الخمسين مترا. وهناك زمرة لم تكن تبعد عن المركز بأكثر من خمسة عشر مترا - حيث منارة المركز وهي غير المنارة التي سبق الحديث عنها -.
وضعت أمام المركز خمسة مدافع (بازوكا) على بعد خمسة عشر مترا من منارة (مركز الساس) ومدفعي هاون عيار (50) ومدفعين عيار (57) على بعد مائة وخمسين مترا. ووضعت النسق الأول من قوات الهجوم على بعد خمسة وعشرين متر وراء البازوكا، والنسق الثاني على بعد خمسين مترا والصف أو النسق الثالث على بعد مائة وخمسين مترا لمواجهة أي طارىء قد يظهر من الخلف. وبقيت أنتظر الأمر ببدء الهجوم. وعلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بالضبط أعطيت الإشارة. فبدأت المدافع الرشاشة تقذف نيرانها طوال عشر دقائق، ثم بدأ الهجوم يتقدمه (حاملو الرشاشات - الرماة).
كان أول رد فعل صدر عن العدو، هو إطلاق النار من رشاش (هوتشكيس) ومدفعين (عيار 24) مع قذف القنابل اليدوية وإطلاق نار البنادق، واستمر تبادل إطلاق النار حتى الساعة الثالثة إلا الربع، وإذ ذاك قمنا بالانقضاض عليهم، وكنا نفجر قنابلنا اليدوية في وجوههم. وأمكن لنا تدمير دفاع العدو بواسطة قذائف (البازوكا) ولم يبق إلا مدفع واحد (نموذج هوتشكيس) كان الرامي عليه مختفيا وراء نافذة، كان لا بد من تدمير الرشاش قبل كل شيء، ويقول قائد الكتيبة وهو يتابع حديثه:
أصدرت أمري إلى أحد المجاهدين (واسمه علي) بحماية جنبي بمدفعه الرشاش، بينما أقوم أنا بمهاجمته، وأعطيت الأمر إلى الجنود بالإنبطاح أرضا، ثم تقدمت نحو النافذة، وأخرجت قنبلة يدوية، ونزعت عنها مسمار الأمان، وقذفتها عليه، فانفجرت في صدره. ثم قلت لجندي آخر (واسمه مسعود) أن يقتحم بناء المركز- من الباب - بينما كنت أنا أنظر من النافذة، وأفتش داخل
الغرف مستضيئا بمصباح يدوي - ولما تأكد لي عدم وجود أية مقاومة، أصدرت الأمر إلى النسق الثاني بأن يقطع السلك، ويتقدم زحفا نحو المركز، إلى أن يحتله، ودخلت أنا، ثم لحق بي المجاهدون الذين حاصروا المبنى من جميع الجهات، ووقفوا عند جميع نوافذ المركز، فطلبت أن يتبعني ثلاثة ويبقى الآخرون في الحراسة. في حين يبقى النسق الأول متمركزا في مواقعه.
انتهت عملية احتلال المركز في الساعة (3،10) صباحا. وبدأت عملية جمع الوثائق، وحمل الذخيرة والعتاد. فحمل المجاهدون من مركز المنارة الصغيرة (الميرادور) التابعة لمركز (الساس) مدفع رشاش (هوتشكيس) وصندوق ذخيرة وثماني سلاسل من ذخيرة رشاشات (24).وعثر على مدفع 24 إلا أنه كان مدمرا بقذيفة بازوكا. كما كانت جميع الأسلحة وقد صهرت بتأثير الحرارة الشديدة الارتفاع. وحصل المجاهدون من مكتب ضابط (الساس) على وثائق هامة وبكمية جيدة. كما حصلوا على جهاز راديو ومسدس وبندقيتين حربيتين وكمية كبيرة من الألبسة. وكانت الأشلاء الممزقة في كل مكان كثيرا ما تعيق عملية البحث والتفتيش عبر الأنقاض المتهدمة، وقبل أن يغادر المجاهدون المبنى، أنزلوا العلم الإفرنسي، ورفعوا مكانه علم الجزائر، كما عملوا على إحراق سيارتين (ج. م. س) وسيارة جيب) ..
…
بقيت بعد ذلك قصة الهجوم على مركز القيادة التي تتلخص بالتالي:
(عندما أطلقت مجموعة المجاهدين المكلفة بالهجوم على هذا
المركز نيرانها وقنابل أسلحتها، التهمت النار مبنى القيادة، فلم يتمكن المجاهدون من اقتحامه ، كما لم يقم العدو بأي رد فعل مباشر، واغتنم المجاهدون الفرصة، فعملوا على تدمير الملاجىء الأرضية المحصنة، ودمروا مدرعتين نصف مزنجرتين (هاف تراك) مسلحة كل واحدة فيها ثمانية مدافع رشاشة. كما التهمت النار مستودعات الذخيرة والوقود، مع تدمير مدفع هاون (120) مم. وكان عدد أفراد العدو في هذا المركز (620) جنديا تمت إبادتهم عن آخرهم.
…
كان المواطنون الجزائريون - المدنيون - في قرية (عين الزانة) يتابعون باهتمام كبير المعركة. وما أن شاهدوا المركز وقد تحول إلى أنقاض وأكوام من التراب والحجارة والرماد حتى أقبلوا على مجاهدي جيش التحرير الوطني، يساعدونهم، ويعملون على إخلاء الجرحى والعناية بهم وعلاجهم، فأقاموا لهم المآدب في جو من الفرحة، بل أن فلاحا لا يملك إلا بقرتين، أبى إلا أن يذبحهما تكريما للمجاهدين في سبيل الله والوطن.
لقد كلل الهجوم على (عين الزانة) بهذا النجاح الرائع، لأن قيادة جيش التحرير نظمت في الوقت ذاته مجموعة من الهجمات المنسقة على جميع المراكز القريبة منه: مثل (بوحجار) و (بوسردوك) و (عين كرمة) و (الساقية) و (لاكروا) و (غيران) الخ
…
وبهذه الطريقة لم تتمكن هذه المراكز من التدخل أو دعم مركز (عين الزانة) الذي كان هو الهدف الأساسي من عملية هجوم يوم (14 - جويليه - تموز - 1959).
برهن مجاهدو جيش التحرير في عملية (عين الزانة) على حسن استيعابهم لتقنيات الأسلحة الجديدة واستخدامها بفاعلية ومهارة عالية، أما شجاعتهم في الهجوم فإنها لم تكن بالأمر الجديد عليهم، ولو أن سلوكهم الرائع في القتال، انتزع إعجاب قادتهم الذين أثنوا على مجاهديهم بما هم أهل له. ولقد بوغت الإفرنسيون مباغتة تامة لظهور الأسلحة الحديثة في قبضة الثوار وكانت المباغتة الأكبر لهم هي في استخدام هذه الأسلحة بمثل تلك الكفاءة. وقد ظهر ذهول المباغتة فورا على الافرنسيين الذي كانوا قد نشروا عشر دبابات على طول عشرة كيلومترات بالقرب من عين الزانة. وقد حاولت هذه الدبابات التدخل في بداية الأمر، لكنها ما أن سمعت أنواع الأسلحة المستخدمة، حتى أطفأت أنوارها، ولازمت جانب الصمت.
كانت القيادة الإفرنسية تعرف أن مجاهدي جيش التحرير الوطني قد حصلوا على أسلحة حديثة، غير أن هذه القيادة لم تعترف بقدرة المجاهدين على استيعابها وحتى استخدامها، وجاءت عملية (عين الزانة) لتنذر القيادة الإفرنسية بالتطور الجديد، لا في مجال التسلح فقط، وإنما في مجال التخطيط للعمليات وتنفيذها وإدارة الحرب بصورة عامة. وشعرت القيادة الإفرنسية بخطورة التحول الذي ظهر في (عين الزانة) والتي تم تنفيذ عملياتها في منتصف فصل الصيف، حيث يقصر الليل، وحيث تكون كل الظروف الجوية والبرية مناسبة لتحرك القوات الإفرسية بأكثر مما تسمح به ظروف فصل الشتاء، حيث تقف الدبابات والمركبات عاجزة عن التحرك في المناطق الصعبة.
لقد كانت معركة (عين الزانة) أكثر من مجرد هجوم ناجح:
إنها بداية مرحلة جديدة في حرب التحرير الجزائرية. فعلى مجال العمليات، تم استخدام طريقة (الحرب التشتيتية) وذلك بشن مجموعة من الهجمات الثانوية لعزل الهدف الذي يشكل (الهجوم
الرئيسي) وحرمانه من كل دعم خارجي - وعلى المستوى التكتيكي، أظهر المجاهدون كفاءة عالية في استخدام الأسلحة والتعامل مع الأهداف المناسبة في الوقت المناسب وتحقيق التناسق بين حركة القوات، وعمل الأسلحة. وكان لا بد لفرنسا من أن تضع كل ذلك في تقديرها للمواقف الجديدة.