المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الصراع في قلب مراكز العدو - 1960 - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٠

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ الصراع في قلب مراكز العدو - 1960

11 -

‌ الصراع في قلب مراكز العدو - 1960

- (*)

قامت وحدات من جيش التحرير الوطني الجزائرى بشن هجوم عام على المراكز العسكرية الافرنسية القريبة من الحدود الجزائرية - التونسية في ليل 28 تشرين الثاني - نوفمبر - 1960. وتميز الهجوم بقوته وعنفه فأمكن له تدمير عدد من المراكز العسكرية الافرنسية واحتلال بعضها والسيطرة عليها سيطرة كاملة. وقد حاولت القيادة الافرنسية - كعادتها - أن تنتقص من أهمية هذا الهجوم. غير أن الوثائق والصور والمقابلات - مع الأسرى والمواطنين الذين تم تحريرهم - دحضت المزاعم الافرنسية وأكدت حقيقة باتت ثابتة وأكيدة: صدق أجهزة إعلام جيش التحرير، وكذب أجهزة إعلام الاستعمار الافرنسي ولقد كان من بين أبرز المراكز التي تعرضت لهجوم مجاهدي جيش التحرير (مركز برج أمراو) و (مركز القوارد) و (مركز عين الزرقة). وتلك هي الملامح العامة لعملية الهجوم.

(*) المرجع: من وثائق (المتحف الوطني للمجاهد).

ص: 201

يقع مركز الحمدي (أو برج أمراو) فوق أرض منبسطة، عارية من كل الأشجار، ومكشوفة من كل جهاتها، ما عدا جهة الشمال التي تتخللها شعاب صغيرة تنبت فيها نباتات (الدفلة) وتجري فيها بعض الجداول الصغيرة. وعلى بعد كيلومترين في اتجاه الشرق، ترتفع الجبال التي تكسوها غابات البلوط والصنوبر، ويضم المركز مجموعة من الأبنية وأبراج الحراسة - المراقبة - والملاجىء المحصنة، بالإضافة إلى ثكنة كبيرة، ومجموعة من الأكواخ التي أقيمت في وسط المركز من أجل حشر المدنيين الجزائريين المسلمين ممن أرغموا على الإقامة في المركز، والعيش فيه، وراء سياج من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمركز من كل جهاته.

كانت قوة من مجاهدي جيش التحرير تسير تحت ضوء القمر في ليل 28 تشرين الثاني - نوفمبر - 1960. وهي متجهة نحو هدفها، فوصلت في الساعة الواحدة صباحا الى مسافة قريبة من المركز، وتابعت زحفها بصمت حتى وصلت إلى سياج الأسلاك الشائكة والبالغ من العمق - العرض - عشرة أمتار تقريبا. وأعطيت شارة الانقضاض، ففتحت الأسلحة نيرانها من كل جهة نحو المركز، وفجرت الحشوات المستطيلة (البنغالور) تحت سياج الأسلاك الشائكة، فانفتحت الثغرات، واندفع المجاهدون بحماسة وهم يرددون صيحة الحرب:(الله أكبر! الجهاد! الجهاد!) وبلغت الحماسة ببعض المجاهدين أشدها فدفعتهم لاجتياز الأسلاك الشائكة التي لم تمزقها المتفجرات بصدمة أجسامهم، دون أن يحاولوا التمهل لقطعها بالمقصات التي كانوا يحملونها. وهدفهم الوصول بسرعة والقضاء على العدو قبل أن يستفيق من هول الصدمة، وقبل أن يلتقط أنفاسه من ذهول المباغتة. وقد حاول

ص: 202

بعض أفراد العدو إبداء بعض المقاومة، فوجهوا نار مدفع رشاش كان متمركزا في أحد الملاجىء المحصنة. غير أن مدافع البازوكا للمجاهدين أسكتته بسرعة ودمرت الملجأ الحصين.

كانت المدفعية الثقيلة للمجاهدين قد دمرت الثكنة العسكرية وبرج المراقبة (الحراسة) وكثيرا من الأبنية العسكرية التي اشتعلت فيها النيران، وتوالت بداخلها الانفجارات التي اختلطت بأصوات الجنود الافرنسيين وهم يتصايحون ويتركون مواقعهم للالتجاء إلى الملاجىء السرية. وعلى الرغم من تقدم المجاهدين من الاتجاه المكشوف نسبيا، فقد كان رد فعل العدو ضعيفا نسبيا، وفي الواقع فقد اكتشف حارس برج المراقبة (الميرادور) حركة المجاهدين، وحاول إطلاق شارة الإنذار، غير أنه لشدة هلعه وجه شهاب الإنذار نحو الأرض عوضا عن توجيهه نحو السماء. فاحترق الشهاب من غير أن يشعر به أحد.

دمر المجاهدون مراكز الحراسة، وانطلقوا بعدها في هجوم عاصف على الثكنة وبقية المنشآت العسكرية المجاورة لها. وكانت قد تهدمت كثيرا من جوانبها، فدخلها المجاهدون، فتعثرت خطواتهم بجثث القتلى من الجنود الافرنسيين المتناثرة في كل مكان. ولما حاول بعض من بقي حيا الفرار، عاجلته نيران رشاشات المجاهدين فصرعته فورا.

وفي هذه الأثناء، اتجهت إحدى وحدات المجاهدين نحو الأكواخ التي حشر فيها الجزائريون المسلمون وتحدث إليهم قائد الوحدة بقوله:

(يا أبناء الجزائر! اخرجوا ولا تبقوا تحت ذل الاستعمار الافرنسي).

ص: 203

وتدافع المواطنون - المدنيون - نحو جيش التحرير بحماسة مثيرة، وعواطف متفجرة طالما تم كبتها وجاءت فرصتها لتنطلق من عقالها، فكانت صيحات هؤلاء المواطنين تتردد في جنبات المركز قوية مجلجلة:(عاش جيش التحرير الوطني! ولتحيا جمهورية الجزائر حرة كريمة!) - ومر شيخ كهل وهو يحمل على كتفيه شقاء السنين فيحدث صاحبه، وتلتقط أذن أحد المجاهدين ما يقوله:

(هل رأيت؟ لقد أمرنا ضابط الشؤون الأهلية - الساس - ابن الكلب - بألا نفتح الأبواب غدا قبل الساعة التاسعة صباحا. وها هم إخواننا الأبطال وقد جاءوا يفتحوا لنا أبواب الحرية والعزة على مصراعيها). وخرجت النساء من معتقلاتهن، وهن يزغردن - اليويو - ويهتفن بحياة جيش التحرير ومجاهديه.

وانقلبت المعركة إلى عرس التقى فيه أبناء الشعب بجيش الشعب وارتفع صوت امرأة وهي تتحدث إلى صاحبتها (لقد تركت أربعين ألف فرنك، فهل أعود لجلبها؟) وتجيبها المرأة الثانية (أتركيها، إن الوقت يستعجلنا، غدا، عندما تستقل الجزائر سيكون لديك الملاين لا الآلاف). وأقبل طفل صغير راكضا وهو يجر كلبه الصغير، وسأل قائد المكلفة بتحرير المعتقلين بكل براءة الطفولة: أين طريق الحرية؟ ووجهه قائد الوحدة الى الاتجاه الذي يجب عليه أن يسلكه. ثم أقبل طفل آخر مسرعا وهو يحمل على كتفيه دثاره. وسأل أيضا عن الطريق الذي يجب عليه أن يسير فيه، غير أنه رفض متابعة السير قبل أن يقبل مجاهدي جيش التحرير الذين أطلقوه من معتقله، وأعادوا إليه حريته المسلوبة. وجاءت مجموعة من النسوة إلى قائد الوحدة، فقالت له إحداهن:

(إن زوجي مجاهد في جيش التحرير، وقد حررتموني لأعود وألتقي

ص: 204

به) وقالت أخرى: (إن زوجي خائن يعمل مع قوات - القوم - وأنا أتركه مسرورة سعيدة، لأني لا أقبل العيش مع رجل يعمل مع أعداء وطنه وقومه. ولم أبق معه من قبل إلا تحت الضغط والإكراه).

أكملت قوة المجاهدين عملها في تدمير المراكز والأبنية والأبراج واللاجىء، وحررت المعتقلين، فانتهت بذلك المهمة، وبدأت عملية الانسحاب، وظهرت بعض الدبابات الافرنسية التي وصلت من مراكز أخرى، فجابهتها مدافع البازوكا بنيرانها المحكمة ودمرت اثنتين منها، فأخذت بقية الدبابات بالانسحاب والفرار. وجاء رد فعل العدو التالي بقصف مدفعي حيث عملت المدفعية الإفرنسية الثقيلة على قصف ساكن المدنيين قصفا كثيفا ومركزا، فقتل عدد كبير من المواطنين الجزائريين. وانتقم العدو بنذالة من المدنيين العزل، بعد أن عجز عن مجابهة المسلحين من مجاهدي جيش التحرير.

عندما كانت وحدة مجاهدي جيش التحرير تنفذ عملياتها في مركز (امراو) كانت هناك زمرة منها تنفذ مهمة مستقلة - تقريبا -وهي: الهجوم على المركز الشمالي ببرج أمراو. كان المركز الشمالي لبرج (أمراو) يقع على رابية قريبة من الشعاب الصغيرة التي تتخلل الأرض الجرداء المحيطة (ببرج أمراو). وقد وصل المجاهدون هنا إلى المركز في الساعة الواحدة صباحا. وكشف المراقب - الحارس - أمرهم، ولكنه بدلا من إطلاق شارة الانذار، قفز من مكانه، ولاذ بالفرار. وبدأ المجاهدون عمليتهم بفتح الثغرات عبر سياج الأسلاك الشائكة التي ترتفع مترا عن سطح الأرض وتمتد بالعمق - العرض - هنا حتى إثني عشر مترا. وأمكن فتح الثغرات بالحشوات المستطيلة (البنغالور). وما إن تم تنفيذ ذلك

ص: 205

بنجاح حتى اندفعت قوات المجاهدين كالسيل الجارف، مدمرة في طريقها أبراج الحراسة (الميرادور) والملاجىء المحصنة (بواسطة مدافع البازوكا ومدافع عيار 57 مم). ولم تكن الأسلاك والملاجىء تبعد عن البناء الرئيسي للمركز بأكثر من مسافة لا تتجاوز العشرين مترا.

وهكذا لم تمض إلا ثوان قليلة على تدمير الملاجىء المحصنة، حتى كان المجاهدون قد اندفعوا نحو البناء للقضاء على المقاومة المتمركزة فيه بالقنابل اليدوية ونيران المسدسات الرشاشة التي راحت تطارد الجنود الافرنسيين وهم يحاولون الفرار في كل اتجاه، فترديهم النيران فورا، وتسقطهم، وهم يصيحون برفاقهم بألا يتركوهم، وأن يحملوهم معهم إلى الملاجىء. وكان الضباط هم أول من وصل الى الملاجىء المحصنة، فانطلق المجاهدون في بحثهم عن الافرنسيين المختبئين في الملاجىء، وكانوا كثيرا ما يتعثرون أثناء بحثهم، بجثث القتلى المتناثرة والممزقة في كل مكان. وبينما هم كذلك، سمعوا أصواتا تناديهم باللغة العربية من أحد الملاجىء، فتوجهوا نحو مصدر الصوت، وإذ ذاك عثروا على ثلاثة من المجندين الذين أرغمتهم السلطات الإفرنسية على العمل في صفوف قواتها، فتم تحريرهم، وانضموا إلى المجاهدين، ووجهوهم نحو مستودعات ومراكز المدافع الرشاشة والرشاشات - الخفيفة منها والقصيرة -

والقنابل اليدوية والوثائق والذخائر المخزونة في الملاجىء.

وكان بقايا الجنود الافرنسيين أثناء ذلك، يتابعون محاولاتهم للفرار من جحيم المعركة، وهم يطلقون صيحات الذعر والفزع. ولم يصمد منهم للمقاومة سوى جماعة التجأت إلى ملجإ حصين،

ص: 206

وأخذت في إطلاق النار على المجاهدين من مدفع رشاش - هوتشكيس - ومن بندقية رشاشة أمريكية، فتم التعامل مع هذه الجماعة بالقنابل اليدوية حتى تم إسكاتها والقضاء على رجالها. وحين انطلق المجاهدون للبحث بين الأنقاض، عثروا على سبعة جثث ممزقة، ووجدوا الأسلحة وقد صهرتها حرارة الانفجارات. ثم تابع المجاهدون بحثهم، وأحرقوا مهاجع الجنود، ودمروا المولد الكهربائي. وعندما أكملوا مهمتهم انسحبوا حاملين معهم ما حصلوا عليه من الغنائم:(الوثائق والأسلحة والذخائر والألبسة العسكرية والأجهزة اللاسلكية).

في الليلة ذاتها - ليلة 28 تشرين الثاني - نوفمبر - 1960،كانت قوة من مجاهدي جيش التحرير تشق طريقها عبر الشعاب الجبلية، مستفيدة في تحركها من ضوء القمر، حتى إذا ما تجاوزت الجبال

الواقعة غربي (القوارد) سارت في أرض مكشوفة، إلا من بعض الأشجار المتفرقة، متجهة نحو المركز المحصن الذي شيدت جدرانه بالصخور الضخمة والتي يسميها الجزائريون باسم (حجر الجهال) لأنها من بقايا الآثار الرومانية. وبدأ المجاهدون تنفيذ مهمتهم بتدمير برج المراقبة - الحراسة - والجدار الغربي من المركز العسكري (المقابل لمحور تقدم المجاهدين) ثم اندفعت قوة الهجوم، فدمرت في طريقها سياج الأسلاك الشائكة، واجتازته بسرعة مذهلة، غير مبالية بنيران العدو التي لم تستمر كثيرا، فبعد أن رأى الجنود الافرنسيون قوة الهجوم وشدة اندفاعه، لجأوا إلى الفرار، فتركوا مواقعهم، وتوجهوا إلى الملاجىء الحصينة. وعند

ص: 207

مدخل المركز، اصطدم المجاهدون بدبابة افرنسية، فوجهوا إليها طلقات مدفع البازوكا، وأشعلوا النار فيها. وأثناء ذلك، أمكن تدمير أربعة ملاجىء محصنة، وقتل فيها عشرات الجنود الافرنسيين. ثم تابع المجاهدون تطوير هجومهم، فأحرقوا في ساحة المركز أربع سيارات نقل كبيرة (ج0 م. س) ودبابة وسيارة خفيفة (جيب).

وكان ضباط جيش التحرير يتقدمون قواتهم، مستأثرين بمواقع الخطر، ضاربين المثل الأعلى في التضحية والفداء، في حين كان ضباط الإفرنسيين هم أول من لاذ بالفرار. ولم تمض فترة طويلة على بدء المعركة حتى أقبلت الطائرات الافرنسية (من طراز - ب - 26) غير أنها لم تتمكن من التدخل في المعركة، فقد أرغمتها نيران المدافع الرشاشة على البقاء بعيدا عن ميدان القتال.

كما أقبلت مجموعة كبيرة من الدبابات، فوجدت مدافع البازوكا وهي لها بالمرصاد، واشتعلت النار بسرعة فأحرقت دبابتين. وأصابت دبابة ثالثة، ولم يبق أمام الجيش الافرنسي إلا أن يشارك في تدمير مركزه العسكري بعد أن عجز عن حمايته والدفاع عنه. فبدأت المدفعية الثقيلة (من عيار 105 و 155 مم) بقصف (مركز القوارد) وسقط كثير من قنابل المدفعية الافرنسية داخل مساكن المدنيين الجزائريين العزل، فقتل وجرح عدد كبير منهم. وأصابت هذه القنابل بعض المجاهدين بجراح مختلفة، فتم إخلاؤهم إلى مراكز الاسعاف وكانت خسائر المجاهدين لا تكاد تذكر، أمام ما تكبده العدو من خسائر فادحة.

وعند الهجوم على مركز (عين الزرقة) اكتشف الحرس

ص: 208

الافرنسي أن شيئا غريبا يحدث حولهم، فأطلقوا شارة الانذار، وكان المجاهدون أثناء ذلك يتقدمون بسرعة نحو المركز الذي استمر في إطلاق الشهب المضيئة وقنابل المدفعية، الأمر الذي كان يرغم المجاهدين على تكييف حركاتهم - في الركض والسير والزحف والتوقف - مع انطلاقات الشهب وإيقاع رمي المدفعية. وإذ تبين للمجاهدين أن قنابل المدفعية باتت تسقط متناثرة وبعيدة عنهم،

عرفوا أن هذه الرمايات لا تعبر عن شيء إلا عن خوف الافرنسيين من احتمالات حدوث هجوم. فاندفع المجاهدون نحو هدفهم، وما هي إلا فترة قصيرة حتى أصبح المركز الافرنسي شعلة من الحرائق وبركانا من الانفجارات.

وكان المجاهدون يتابعون الجنود الافرنسيين الذين نزل بهم الفزع الأكبر فانطلقوا يجرون على غير هدى، وهم يصرخون ويحاولون الفرار، فتصلهم رصاصات رشاشات المجاهدين فتسكت أصواتهم. وتم للمجاهدين أثناء ذلك فتح الثغرات في السياج الشائك، واندفعوا نحو المركز بعد أن انقسموا إلى مجموعات صغيرة للتعامل مع الأبنية العسكرية في وقت واحد. ولم يكن العدو يبدي مقاومة من داخل المركز بعد وصول المجاهدين إليه، غير أنه لم يستسلم أيضا، وإنما التجأ الى مخابئه وملاجئه السرية والمحصنة. ووجه المجاهدون النداء تلو النداء إلى الجنود في ملاجئهم، طالبين إليهم الخروج والاستسلام من غير مقاومة. وعندما رفض هؤلاء الاستجابة للنداء، كان لا بد من تدمير الملاجىء على رؤوس المحتمين بها، الواثقين بقوتها ومنعتها. وكانت تنبعث من تحت الأنقاض صيحات الفزع وأنات الألم وحشرجات الاحتضار. ورمى بعضى المجاهدين قنابل يدوية داخل مباني المركز الذي تهدمت

ص: 209

جدرانه في كثير من جنباتها واقتحموا المبنى فلم يجدوا فيه إلا الجثث الممزقة والمتناثرة بين حطام الأثاث. وألقت قذائف البازوكا على أحد البيوت، فأحدث انفجارها دويا هائلا، وارتفعت ألسنة اللهب تشق عنان السماء، فعرف المجاهدون أنه كان مستودعا للذخيرة، وعلى نور القمر والضوء الساطع الذي أحدثته النيران المشتعلة في المركز، أصبح باستطاعة المجاهدين رؤية جماعات الجنود الافرنسيين بوضوح تام. وكان هؤلاء يحاولون الفرار فتسبقهم رصاصات المجاهدين وترديهم فورا. واستيقظ المدنيون الجزائريون الذين أرغموا على الاقامة في (مركز عين الزرقة) وقد تحول الليل نهارا، واندفعوا بفرح لم يشعروا بمثله منذ سنوات طويلة، وهم يحملون معهم أطفالهم، لينطلقوا إلى خارج المعسكر، بانتظار انتهاء مجاهدي جيش التحرير من تنفيذ واجباتهم، والانتقال معهم بعيدا عن جو الذل والهوان.

وفي الوقت الذي كانت فيه إحدى وحدات المجاهدين توجه المدنيين نحو الطريق الذي يجب اتباعه، كانت وحدة أخرى تتابع تنفيذ مهمتها في جمع الغنائم التي خلفها العدو، وكانت هناك وحدة تواجه بمدافعها ورشاشاتها رتلا من الدبابات الإفرنسية التي جاءت لنجدة المركز، فأرغمت على الفرار بعد أن تركت فوق أرض المعركة دبابتين محترقتين. وهكذا سيطر مجاهدو جيش التحرير سيطرة كاملة على مركز (عين زرفة) ثم غادروه مع مطلع النهار حاملين أسلحتهم وذخائرهم التي غنموها من العدو، وبرففتهم المدنيون الذين تحرروا ليبدأوا حياة جديدة.

ص: 210

تلك هي بعض ملامح الصراع المسلح الذي خاضه مجاهدو جيش التحرير الوطني الجزائري. وتلك هي أيضا الخطوط العامة لتطور جيش التحرير الوطني الجزائري عبر الصراع المرير. وتضيق صفحات (الكتيب) عن استيعاب الوجيز في قصة جيش التحرير وتطوره وإذن فلا بد من استكمال البحث في (كتيب) آخر يتابع مضمون القصة ويحاول إبراز أكثر ملامحها فائدة ومتعة وأهمية.

ص: 211