المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكمة من أدائها في أوقاتها، وفى عدد ركعاتها: - سهام الإسلام

[عبد اللطيف سلطاني]

الفصل: ‌الحكمة من أدائها في أوقاتها، وفى عدد ركعاتها:

بشرائعه المذكورة، فمنكرها ليس من المسلمين، وليس له ما لهم وعليه ما عليهم.

‌الحكمة من أدائها في أوقاتها، وفى عدد ركعاتها:

جميع المسلمين المتمسكين بإسلامهم، يعرفون أن الصلاة المفراوضة عليهم في اليوم والليلة خمس صلوات هي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح. فالصبح ركعتان، والظهر أربع ركعات، والعصر أربع كذلك، أما المغرب فثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، فمجموع الركعات الواجبة على المسلم والسلمة في اليوم والليلة (سبع عشرة ركعة).

ويرى بعض العلماء أن الحكمة في تخصيص فرض هذه السبع عشرة ركعة بين اليوم والليلة على المسلم والمسلمة ترجع إلى توزيعها على سائر ساعات العمل واليقظة في الغالب بين اليوم والليلة، فمجموع ساعات اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، تكون في الغالب الأعم موزعة بين ساعات النوم للراحة والسكون وبين ساعات اليقظة للعمل والحركة، كما قال ربنا في سورة النبأ:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} فللنوم سبع ساعات، وللعمل واليقظة سبع عشرة ساعة، فساعات النهار اثنتا عشرة ساعة، ونحو ثلاث من الغروب إلى وقت النوم، ونحو ساعتين من قبيل الفجر إلى طلوع الشمس، هذا هو الغالب في حياة المسلم الذي ينظم حياته اليومية تنظيما إسلاميا بين العمل للكسب

ص: 67

وبين النوم للراحة، ففي ساعات النوم السبع يكون المسلم نائما، والنائم غير مكلف بشيء، أما في ساعات اليقظة والعمل السبع عشرة فلربما يقصر في شيء من أمر دينه، أو يفعل ما لا يليق بالمسلم فعله، فتكون كل ركعة من الركعات السبع عشرة المفروضة عليه في اليوم والليلة تقابل كل ساعة من ساعات اليقظة والعمل، لتجبر ما كان قد حدث فيها من التقصير.

هذا رأي واستنباط بعض الفقهاء في حكمة عدد ركعات الصلاة المفروضة على المسلمين في اليوم والليلة.

أما اختصاص الصلوات الخمس بأوقاتها التي تؤدى فيها، كما هو معروف، والمحددة لها شرعا من غير تأخير عنها فوقت صلاة الظهر يبتديء من زوال الشمس عن كبد السماء، وصلاة العصر يدخل وقتها عندما يكون ظل كل شيء - قائم - مثله، وصلاة المغرب بعد غروب الشمس مباشرة، وصلاة العشاء وقتها بعد مغيب الشفق الأحمر المعروف، أما صلاة الصبح فوقتها يبتديء من طلوع الفجر الصادق.

فأما أداء وفعل الصلوات المفروضة في هذه الأوقات المعينة والمحددة لها شرعا فهو أمر - تعبدي - عند كثير من العلماء، بمعنى أن الله أمرنا بأن نفعل ونؤدي الصلوات الخمس في هذه الأوقات والأزمنة المحددة لها شرعا، من غير أن نسأل ونبحث لماذا كانت صلاة كذا في وقت كذا؟ ولم تكن في وقت كذا، ولماذا لم تكن صلاة كذا في وقت كذا؟ إلى آخر الصلوات المفروضة. ولماذا كان عدد الركعات محصورا في كذا الخ؟

ص: 68

إن تعيين هذه الأوقات للصلوات الخمس قد جاء من طريق السنة النبوية، حسبما ورد في كتب السنة النبوية، فقد جاء فيها أن الملك جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة ليلة الاسراء والمعراج وفرض الصلاة، ليعلمه أوقات أدائها بإمامة جبريل له عليه الصلاة والسلام، فصلى به جبريل عليه السلام، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، من غير أن يرى الناس جبريل، فجاءه في اليوم الأول، أي صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة - وهي ليلة الاسراء والمعراج - وعين له أول وقت صلاة الظهر - وهي الأوقات التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ولهذا تسمى الصلاة الأولى، فعين له وقت صلاة الظهر - وهو الزوال - ثم جاءه وقت صلاة العصر، وهو إذا كان ظل كل شيء قائم مثله، وهكذا وقت صلاة المغرب بعد غروب الشمس، ثم صلاة العشاء بعد مغيب الشفق الأحمر، ثم أتاه من غد وقت الفجر لصلاة الصبح، وأتاه من الغد بعد هذه الأوقات في آخر وقت كل صلاة، وصلى به الصلوات المذكورة آنفا، وبين له أن ما بين أول وقت الصلاة في المرة الأولى وبين وقت الصلاة في المرة الآخرة هو الوقت المحدد من الله لتفعل وتؤدى فيه الصلوات المفروضة.

وقد رآى بعض العلماء في تخصيص هذه الأوقات للصلوات المفروضة رأيا وأخذ منه الحكمة لكل صلاة في وقتها المحدد لها على حسب ما تقدم بيانه، ومن أحسن ما قيل في هذا هو:

ص: 69

تذكر الإنسان بها نشأته الأولى وبداية خلقه، إذ ولادته كطلوع الشمس، ونشوؤه كارتفاعها، وشبابه كوقوفها عند الاستواء، وكهولته كميلها للزوال، وشيخوخته كقربها للغروب، وموته كغروبها، وفناء جسمه كانمحاق أثرها وهو الشفق الأحمر، فوجبت حينئذ صلاة العشاء، تذكيرا له بذلك، كما أن كمال خلقته في بطن أمه وتهيئته للخروج كطلوع الفجر، الذي هو مقدمة لطلوع الشمس المشبهة بالولادة، فوجبت صلاة الصبح حينئذ تذكيرا بذلك أيضا.

وكأن حكمة كون صلاة الصبح ركعتين تكمن في بقاء كسل النوم لهذا خففت، أما كون صلاة الظهر أربعا والعصر أربعا فلتوفر النشاط عند وقتهما، لأن وقتهما وقت أعمال وتعاطي أسباب اكتساب المعيشة، وكان حكمة جعلهما أربعا أربعا فلما في جسم الإنسان من الأخلاط الأربعة وهي / الصفراء، والسوداء، والدم، والبلغم، فجعل لكل من ذلك في حال النشاط ركعة لتصلحه وتعدله، وكانت المغرب ثلاثا لأنها وتر النهار، كما جاء في الحديث "المغرب وتر النهار فأوتروا صلاة الليل"(1) فتعود بركة الوترية على المصلي، "إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"(2) وألحقت العشاء بالعصرين - في كونها أربعا - لينجبر نقص الليل عن النهار، اذ فيه فرضان فقط، وفى النهار ثلاثة فروض، لكون النفس في النهار أقوى على الحركة

(1) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر.

(2)

أخرجه الترمذي عن علي، وابن ماجة عن ابن مسعود.

ص: 70