الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الدنيا. وهذا مفهوم من قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ - وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الآية 95 من سورة النساء.
والملاحظ على الهيئة الإسلامية التي تتولى الاشراف والتسيير للقتال - حكومة أو غيرها - أنه من واجبها أن ترشد المحاربين في صفوفها إلى تلك المعاني الدينية والأهداف المطلوبة من المقاتلين، حتى لا تضيع مجهودات المجاهدين في سبيل الله وألا تذهب أتعابهم سدى من غير نية صالحة لعملهم، فعليها أن تعلمهم هذا كما تعلمهم الثبات وفنون الحرب والقتال من الكر والفر ومخادعة العدو في الواجهة أو في غيرها حتى تأمن على حياتهم وسلامتهم من حيل الأعداء، كالثبات في المعركة وشرفها وقوة الايمان بالله وبالنصر والجزاء على الشهادة في سبيل الله إلى آخر ما يقتضيه الموقف.
جهاد المرأة المسلمة:
روى ابن ماجة في سننه عن أم عطية الأنصارية قالت: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى".
وتحكي كتب الحديث والسيرة أن بعض النساء الصحابيات رضي الله عنهن قد رغبن في نيل هذا الأجر العظيم والثواب الجسيم اقتداء بالرجال، وزيادة في قوة المجاهدين، فتقدمن بالتماس هذا إلى القائد الأعلى - حسب تعبير العصر - الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يسمح لهن بمشاركتهن في الحروب إلى جنب الرجال، فكان جوابه لهن مثل جوابه للسيدة عائشة الصديقة رضي الله عنها، كما جاء في صحيح البخاري قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "جهادكن الحج" وفى رواية عنها قالت سأله نساؤه عن الجهاد فقال لهن: "نعم الجهاد الحج" كما تذكر كتب السيرة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض النساء، - وصرح باسم عائشة وأم سليم - في غزوة "أحد" أنهن كن يسقين المرضى، ويداوين الجرحى، وفى حديث البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة.
والملاحظ على ما جاء في هذا الباب أن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب، أما بعد هذا فلم يثبت، كما لاحظ بعض العلماء - بناء على ما أباحه الإسلام وما منعه - أن العمل الذي قام به بعض النسوة الصحابيات في وقت الجهاد إنما كان مع أزواجهن ومحارمهن، ولم يكن مع عموم الناس، كما صرح بهذا الإمام النووي على مسلم قال: وما كان منها - المرأة - لغيرهم لا يكون فيه مس بشرة الا في موضع الحاجة، فكن يحملن القرب
ويصببن الماء في أفواه الرجال، وفى مسألة الاقتراع بين نساء الرسول صلى الله عليه وسلم حين خرج سهم عائشة دليل على ما ذكر وقد كان هذا بعد نزول آية الحجاب، وفيها قصة حديث "الأفك" فالمرأة المسلمة لم يوجب عليها الإسلام القتال كما أوجبه على الرجل، بالنظر لضعفها وعدم تحملها للمشاق والمصاعب الحربية، ولغير هذا من المحالفظة على أنوثتها وأخلاقها وعفتها، وإبليس في كل مكان لها بالمرصاد، لأنها سلاحه الذي يحارب به الدين والرجال.
أما ما يروجه الجهلة بأحكام الشريعة الإسلامية وما يدعونه من إباحة الإسلام ذلك، فهو دليل على جهلهم وغباوتهم، وسوء قصدهم أليق بهم، فهم في زجهم بالمرأة في صفوف الشباب وقت القتال بدعوى الإعانة والنضال والكفاح الخ مخطئون حتى استغلتة المرأة التي كانت في صفوف الاستعمار، فصارت تنادي وتقول أن المرأة ناضلت ويجب أن تتبوأ مكانها كالرجل الخ فكل هذا هم أو هن فيه تابعون لغير الملة الإسلامية من سائر الطوائف والنحل، أما الإسلام فقد عرفنا كلمته عن نبينا ومبلغ الدين إلينا، وقد علمنا من الأخبار الموثوق بها وسمعنا بما وقع لكثير من المناضلات - كما يدعون أو يدعين - من الفضائح، بل ومنهن من تعلقت بكافر وقت ثورة التحرير واتخذته حليلا أو خليلا، والإسلام حكيم في تشريعه وأحكامه، وهنا في هذه القضية لا يخفي على النبهاء هذا الميزان، ذلك أن الرجل هو الرجل في كل زمان ومكان، والمرأة كذلك، وخاصة في وقتنا هذا الذي
قل فيه الايمان وذهب منه الحياء، إذ هو منه، ومن عاش زمن الثورات الحديثة في البلدان الإسلامية - بلا تخصيص - فقد شاهد أو سمع ما وقع فيها من منكرات وفواحش، وبذلك الاحتياط الذي اتخذه الإسلام تظهر عناية الإسلام وحرصه على سلامة أفراد الأمة المسلمة من كل ما تخدش كرامتها أو يخل بشرفها، وكل هذا من حمايته لأخلاقها وقيمها، ومن انساق مع التيار الوقتي وجرى في ميدان غير ميدان الإسلام فقد اقتدى بغير المسلمين في تسخيرهم للمرأة في كل الميادين، ولله در الشاعر العربي الغيور حيث قال:
كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا
…
وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذُيُولِ
والاستعداد للحروب واجب ومطلوب من الجماعة الإسلامية - دولة أو غيرها - فيجب الاستعداد لمواجهة كل ما قد يحدث من الطواريء لمحاربة المسلمين، استعداد في اليقظة، في كل وقت وحين، وفى كل زمان ومكان، استعداد في الرجال، استعداد في العتاد والسلاح الخ ما يتطلبه الوقت والعصر من آلات وغيرها ذلك أن الله تعالى قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} .
والذي يؤسف ويجرح القلب حقا سلوك ومواقف حكومات المسلمين، فقد تحولت من الجهاد في سبيل الله والدين والعقيدة إلى قتال ومحاربة بعضهم بعضا لأغراض ومطامع ترابية أو انتقامية، أو عقائدية شيطانية وهذا مما لم يأذن به الله، فهو خروج عن الإسلام ومقاصده الشرعية.
والجهاد في سبيل الله ماض وباق كما أمر به الله إلى يوم القيامة مع الإمام البر والفاجر كما جاء في الحديث، وذلك لرد العدوان والظلم عن العقيدة والدين من طرف أعدائهما، ويجيء من حكام مسؤولين امتلأت قلوبهم بحب الدين والعقيدة، فتأخذهم الغيرة عليهما، فيقومون بأعباء مسؤوليتهم كما يجب أن يكونوا في واقعهم، أما المتخاذلون وأشباه الملاحدة فإنهم يرون ويرون الهجمات والحط من منزلة الدين والعقيدة توجه إلى دينهم وأوطانهم فلا يحركون ساكنا ولا يستنكرون ذلك إلا في بعض الأوقات بأقوالهم دون أفعالهم، فكانوا وبالا على أمتهم من أجل هذا السكوت الطويل منهم على ما يوجبه عليهم دينهم، عاملهم الله بما يستحقون، فتغلب عليهم أعداؤهم وأقصوهم من أوطانهم، ووسمهم الله بسمة الذل والمهانة والاحتقار، وليس وراء هذا من عقاب هو أشد منه، ومن أجل أن لا يكون المسلم أضحوكة بين العباد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من فعل هؤلاء الحكام الذين أهملوا وضيعوا أمر الإسلام، فخسروا عز الدنيا وكرامة الآخرة، وهم المسؤولون - وحدهم - عما أصاب الإسلام من نكسات وهجمات من خصومه الواقفين منه بالمرصاد، وحكام المسلمين في لهوهم ومرحهم وشهوات النفس الأمارة بالسوء.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون
بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
وبترك المسلمين لهذا الواحب العظيم الذي يحمي الدين والعقيدة - معا - تكالب أعداؤهما عليهما بشتى وسائل الحروب العصرية، من دعاية بوسائلها الحديثة المعروفة، وغزو فكري إلحادي وإباحية مكشوفة، وفتن أضلتهم عن طريق الشرع الإلهي ودينه القويم.
فحارب الكفار بالله وبالأديان السماوية - الدين الإسلامي الحنيف، الذي بقي وحده في الميدان - مع قلة العاملين به وله - حاربوه بما يضعفه ويجعله ينكمش عن نفسه في وطنه الضيق، وإذا انتشر فبأعداد قليلة من المومنين به لا يستطيعون حماية أنفسهم من أعدائهم الأقوياء، ومع هذا فإنه بقي - ولازال - يدافع عن عقيدة التوحيد والشريعة المحمدية، وحرب الكفر للإسلام كانت بوسائل شتى من وسائل هذا العصر الكثيرة، فيها ما هو من قبيل المادة والصناعة، وفيها ما هو من قبيل تسليط سوء الأخلاق ونشر الفواحش والمناكر، كنشر الفجور والخمور وما لا يليق ذكره، ومنها الزواج بغير المسلمات - وهذا أخطرها - لأن في هذا تحويلا وإبعادا للأسرة عن الخط الإسلامي ومناهجه في تكوين الأسرة المسلمة،
إلا من قل من الأزواج الذين كونوا وربوا تربية إسلامية فلم تؤثر فيهم زوجاتهم غير المسلمات، وقليل منهن اللواتي اخترن الإسلام وفضلنه على ما كان عليه أهلهن، واخترنه عن حب وإدراك لمحاسنه، لا عن ترضية لبعولتهن فحسب، وهذا النوع قليل كما قلت في الزوجات غير المسلمات، وتحول الاقبال على الزواج من غير المسلمات إلى مآس مضرة بالأسرة المسلمة، فقد كثر الاحتيال من طرف هؤلاء النسوة، فبعد أن تنجب الزوجة من زوجها المسلم أطفالا تحدث له المشاكل كي تفارقه، ويتم لها ما أرادت، فتذهب عنه وتأخذ معها أطفالها منه، وهذا ضرر بالأسرة كما قلت، وكثيرا ما نبهنا الغافلين إلى ما في هذا الزواج بغير المسلمات من الاضرار بالأسرة المسلمة في وطنها، وهذا لا يكون إلا ممن لم يكن لديهم ضمير حي، ولا روح إسلامية شريفة، وهؤلاء لا يفكرون في العواقب الناشئة عن هذا الزواج المشؤوم.
إن النفوس الشريفة لا ترى الشرف والنجاة إلا فيما كان عليه سلفها الطيب العنصر، وقد علمنا ربنا نوعا من الدعاء وهو قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي لا تفتنا بهم فنراهم أحسن منا حالا، فنتبعهم فيما هم عليه من ملاذ وشهوات وكفر ومعاص، فنقول: إنهم على حق وصواب، ولهذا مكن الله لهم في الارض وسلطهم علينا ورفع منزلتهم فوقنا (بالعلم والصناعات) ولا تفتنهم بنا - لضعنا - فتسلطهم علينا - بقوتهم - فيكون هذا رادا لهم عن اتباع الحق وسبيل
الهدى - سبيل الله - فيقولون: لو كان المسلمون على الحق - كما يدعون - لما سلطنا الله عليهم، وقد قالوا هذا حين تغلبت جيوش فرنسا على جيش الجزائر - حين احتلالها لمدينة قسنطينة - كما قالوا ويقولون دوما: لو كان المسلمون على الحق لعاشوا كما نعيش نحن، فإننا متمتعون بنعيم الحياة - في زعمهم - من مال وغيره كشرب الخمر والربا وأكل لحم الخنزير الخ ما يتفوه به الضالون والجاهلون، فقالوا: إن المسلمين محرومون من كل ذلك، والذي حدا بالكفرة إلى هذه المقارنة ما علموه وما لمسوه من الضعف وعدم التقيد بالإسلام وأحكامه في المسلمين، فكان المسلمون هم الذين صدوا الكفار وفتنوهم عن اتباع الحق - الإسلام - بسوء سلوكهم وإهمالهم لدينهم وجريهم وراء الشهوات وارتكابهم للمنكرات والمحرمات الدينية، وقد شاهدوا المسمين بالمسلمين يخالفوان دينهم جهارا فيما أوجبه عليهم كترك الصلاة والزكاة والصوم، وكذا فيما حرمه عليهم، كشرب الخمر والربا وارتكاب الجرائم الأخرى كالسرقة والقتل المتعمد وغير هذا، فقد فتنونا باتباعنا لهم في كل شيء حسنه وقبيحه، خيره وشره، ولربما اتبعناهم في الحقير من الأشياء فقط، كما فتناهم نحن - بأفعالنا المخالفة لديننا - فنفروا من الإسلام بسبب ما شاهدوه فينا من تصرفات وأعمال تدل على الاستخفاف بديننا وعقيدتنا، وما أكثر هذا في وقتنا الحاضر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم السميع العليم
…