المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌السهم الرابع: الصيام الفرض أو السهم الرابع من سهام الإسلام هو صيام - سهام الإسلام

[عبد اللطيف سلطاني]

الفصل: ‌ ‌السهم الرابع: الصيام الفرض أو السهم الرابع من سهام الإسلام هو صيام

‌السهم الرابع:

الصيام

الفرض أو السهم الرابع من سهام الإسلام هو صيام شهر رمضان، وهو فرض وركن عظيم من أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها، وقد فرضه الله على هذه الأمة المحمدية - كما فرضه على الأمم المتقدمة عليها في الوجود - فرضه في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، على صاحبها الصلاة والسلام، والصوم محك تمتحن به النفوس، فتظهر على حقيقتها ووإقعها، قوية الايمان بربها مطيعة لأحكامه، أو ضعيفة خوارة، فالأولى تستجيب لنداء خالقها، والآخرة تعرض عنه وتنسحب من ميدان السباق إلى الفضائل وما يزكي النفوس، إلى ساحة الشهوات والرذائل (مهزومة) فالنفوس المؤمنة تستجيب لأمر الخالق العليم، فتؤديه برغبة صادقة مؤمنة بوعد خالقها، تهون عليها الدنيا كلها بملذاتها، فلا رغبة لها فيها ولا يرضيها الا الاستجابة لأمر الله العلي العظيم في قوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1) هذا الأمر الذي لا يعصيه الا جاحد أو

(1) سورة البقرة من الآية 185.

ص: 95

منافق خبيث سيئى الطوية، منكر للجميل، معرض عن أوامر خالقه ورازقه ومولاه.

إن الصوم عبادة لله، ورياضة للنفوس، وامتحان للعزائم والإرادات، كان يقوم به كل من يرغب في طاعة ربه ومعبوده الحق، وتقربه إليه، وهو مما تعود الناس أن يقوموا به لكسر شهوات ورغبات النفوس الجامحة، كان هذا في الأمم الغابرة، كما ذكره من كتبوا عن عبادات الأمم السابقة عنا، قبل أمتنا، وقد صرح القرآن بهذا في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1).

والصوم الذي شرعه الله وأمر عباده به هو ترك الأكل والشرب وكل الشهوات النفسية من ملاذ الحياة الدنيا مدة شهر قمري يبتدئي العمل به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من كل يوم طيلة هذا الشهر الكريم الذي أنزل الله فيه القرآن على أشرف خلقه وأكمل رسله محمد عليه الصلاة والسلام.

ففي هذا الشهر المفضل يشتد تعلق المسلم بدينه الحق الذي ليس لديه في حياته ما هو أحق بالعناية والاهتمام منه، فيظل يومه صائما ممسكا عن كل ما يفسد عنه صومه وطاعته لله مولاه، ويعرض إعراضا كاملا عن كل ما يخل به أو ينقصه عن الكمال،

(1) الآية 183 من سورة البقرة.

ص: 96

تتهذب به نفسه وتترفع عن النقائص التي تقدح في كرامة المسلم، وتتحلى بحلية الأخلاق الإسلامية والإنسانية العالية، فيكف لسانه وجوارحه عن خسيس الأقوال وسيئ الأعمال، فلا رفث ولا لغو ولا فحش ولا بذاءة، لا ينطق الا بطيب القول وحميد الكلام، ولا يفعل الا ما يرضي الله ورسوله وصالح المؤمنين، بين ذكر لله تعالى، وتلاوة لكتابه العزيز، إلى المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وخاصة قيام الليل الذي يتمثل في صلاة التراويح في المساجد التي يسرع إليها عمارها في كل ليلة منه يستمعون إلى كلام الله، ويتعظون ويتزودون من كلام خالق الأكوان ومدبر شؤون هذا العالم الواسع الارجاء، والذي يدل على قدرة الصانع العليم الخبير، ومهيئى هذه الفرصة لعباده المؤمنين، ليقوموا بشكره وطاعته المتمثلة في العمل بما في شرع الله القويم، وهديه وصراطه المستقيم وليهظروا للناس بأنهم أشبه بملائكته المكرمين العابدين له الطائعين لأوامره الراكعين الساجدين له في كل وقت وحين ليس لهم ما يشغلهم عن ذلك، وهنا يظهر المسلم أنه مثل الملك النوراني في غنى عن الأكل والشرب زكت روحه وتطهرت بصيامه لله، وإمساكه عن كل ما يفسد عنه تشبهه بملائكة الرحمن.

ان الصوم نعم المربي للمسلم، يربي فيه العزيمة والارادة والصبر والصدق، وبهذه الصفات يستطيع التغلب على جميع الصعاب التي قد تصادفه في مسيرة حياته، كما يرفع الإنسان إلى درجات القادة ذوي العزائم الفولاذية غير جبان ولا خوار ولا

ص: 97

ضعيف الارادة، لأنه بصيامه قد تغلب على أكبر عدو له، وهو نفسه التي قد تسوقه إلى ما فيه هلاكه عندما تحل به إحدى مآسي هذه الحياة ومشاكلها، فقد رأينا غير المسلمين من هذه الأمم التي نساكنها في هذه الحياة، عندما تضيق بالواحد منهم سبل حياته، أو تصادفه في طريق حياته إحدى العقبات، سواء كان منشؤها من نفسه هو أو من أسرته، أو من حكومته، أو من مجتمعه، فإنه يضعف عن مقاومة تلك الشدائد والمآسي، وهنا لا يخطر بباله ولا يرى أمامه الا أن يتخلص منها بالانتحار وقتل نفسه والقضاء على حياته ليستريح مما هو فيه من عناء وأزمات وصدمات، لأنه لم يقو على التغلب عليها، وليس له إيمان بربه مبدل الأحوال من حال إلى حال، وتسأل لم أقدم على هذا؟ الجواب واضح لأنه لم يتعود الصبر وتحمل تقلبات الزمان، ولهذا تجد جريمة الانتحار التي شاعت بين الأمم في الزمان الأخير، قليلة ونادرة في الأوطان الإسلامية، لما ذكرنا من تأثير فعل الصيام في المسلمين، لأنه عودهم الصبر وتحمل ما يشق على النفوس، والقرآن ينهى عن قتل النفس والانتحار ويقول:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (1).

وأيضا فإن غير المسلم لا يؤمن بأن له ربا ومالكا هو وحده بيده تصريف الأمور، من سعادة إلى شقاوة وبالعكس من

(1) الآيتان 29 - 30 من سورة النساء.

ص: 98

أجل فقدان هذا الايمان الذي يبعث على الاطمئنان ويقضي على اليأس والقنوط يعمد إلى الانتحار، إما بإلقاء نفس المريد له نفسه من شاهق، أو أمام قطار سريع، في وقت سيره، أو بشرب سم قاتل أو بشنق نفسه أو بطلق رصاصة على رأسه الخ، فيزهق روحه، وهذا كله أصابه من عدم إيمانه بخالقه ونكرانه له وجهله بنفسه وبعاقبة أمره ومآله، وهنا نرى أن البعض ممن ينتسبون إلى الإسلام قد سلكوا هذا السلوك المخالف لطبيعة الإسلام وماضي المسلمين، فاقتدوا بالكافرين الذين لا يرجون من الله ما يرجوه المؤمنون، فكثر فيهم الانتحار في هذا العصر الذي كادت تغيب فيه شمس الإسلام في بعض الأوطان، وغشيتها سحابة سوداء دخل فيها هذا النوع من الناس الفاقدين ليقين الايمان وطمأنينة القلوب بذلك الايمان وعاقبة الصبر الجميل الذي ألفوه من درس الصيام.

أما المسلم الصائم لله فإنه تعود على التصرف في نفسه، يتصرف فيها ولا تتصرف فيه هي، تصارعه ويصارعها فيغلبها ويقهرها، فهو دائما معها في صراع، وهي عدوه اللدود، لا يسمح لها بأن تعلو عليه، فتسوقه إلى الخاطر بله إلى الحتوف والمهالك، فهو يفضل امتثال أمر مولاه على امتثال أمرها، ويؤثر حكم الله على حكمها، يرضي الله ويغضبها، فهو يكون دائما في راحة مما يعانيه غيره، قانع بما في يده من حطام الدنيا، مجد في عمله المفيد، سواء مما يعود عليه نفعه في حياته الدنيا أو في حياته الأخرى.

ص: 99