المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مواقف لبعض رؤساء الدول الإسلامية من الإسلام: - سهام الإسلام

[عبد اللطيف سلطاني]

الفصل: ‌مواقف لبعض رؤساء الدول الإسلامية من الإسلام:

‌مواقف لبعض رؤساء الدول الإسلامية من الإسلام:

تصدر عن بعض رؤساء دول الشعوب الإسلامية تصرفات وأقوال تخالف أحكام الإسلام وتنقض عراه، ومن هذا ما صدر عن رئيس جمهورية الصومال (محمد زياد بري) وتناقلته شركات الأخبار والصحافة العالمية، الإسلامية منها وغير الإسلامية، ومن ذلك ما نشرته مجلة "الاعتصام" القاهرية، وهي مجلة إسلامية تنشر ما يفيد المسلم وما يهمه الاطلاع عليه، فقد نشرت هذه المجلة في عددها الثامن من سنتها السابعة والثلاثين الصادر في صفر من عام 1395 الموافق لشهر مارس من سنة 1975، تحت عنوان:

شاهد عيان يسجل: الماركسية

في الصومال:

وبإمضاء عبد العزيز أحمد رضوان واعظ سيدي سالم ما يلي:

نعم أنا عائد من الصومال

وبقرار من المجلس الأعلى لقيادة الثورة في الصومال الذي اجتمع في مساء الجمعة 17/ 1 / 1975 م لا للنظر في أمر المجاعة التي تحل بالبلد، ولا للتخلف الفظيع، من فقر وجهل ومرض وعاهات مزمنة بنسبة خطيرة، ولكنه اجتمع ليصدر حكم الإعدام الفوري وبصورة غير إنسانية على فئة آمنت بربها وقالت كلمة الحق أمام الجبروت والظلم والإرهاق.

فقالت المجلة الإسلامية تلك:

خطب رئيس الجمهورية الصومالية (محمد زياد بري) في 11 يناير من سنة 1975 م بمناسبة يوم المرأة فقال: "إن التمسك

ص: 194

بالقرآن في العصر بدعة سيئة، فقد نزل في عصر جاهلي، وهذا العصر قد انقضى إلى غير رجعة، فلم يعد القرآن صالحا لزماننا، ثم إن نصفه على الأقل منسوخ، ونصفه الآخر متنافض، فما ضرورة التمسك به؟ (!!!) ثم قال: إنه يسرني أن أكون رئيس جمهورية تقدمية ثورية مستنيرة، تعلن هذا في وضوح، وتعلن أيضا أن المرأة ستأخذ نصيبها في الميراث مثل الرجل، وما كنا نسمعه عن الثمن والربع (والخمس) والثلث وغير ذلك لن يحدث في الصومال بعد اليوم!!!

وأرجو أن يتبعني الناس جميعا، والدول الإسلامية في هذا!!! ثم قال مهددا متوعدا: وأنا أعلم أن هنا في الصومال علماء سميتهم قديما بعلماء السوء تساعدهم الرجعية الصومالية، سيتهامسون ويلغطون ويبلبلون الأفكار، وإنني لهم بالمرصاد، وهذا القرار لا رجعة فيه" انتهى هذا التصريح الخطير الذي أدلى به هذا المغرور بالسلطة الزمنية التي اغتصبها بالقوة، وهو بهذا التصريح يعتبر في نظر وأحكام الشرع اإسلامي مرتدا وكافرا بالله وبالإسلام وبالقرآن، فقد حكم على نفسه بنفسه من خلال هذا التصريح، إذ بن المعلوم أن من أنكر شيئا من القرآن كلام الله فقد كفر والعياذ بالله.

ومن الملاحظ أن هذا التصريح المصحوب بالتهديد وأعمال القمع والتعسف يدور حول نطاق واحد ضرب على الدين الإسلامي

ص: 195

وأحكامه، والحق الذي لا مجال للنزاع فيه أن هذه حرب سلطت على الإسلام من أفراد ادعوا أنهم من شعوبهم، وقد كشف الستار عن الوجوه التي تختفي وراء هذه الدعوى الكاذبة والمكذبة من الواقع، فقد بان الصبح لذى عينين أنه مسخر من طرف الملاحدة للقضاء على الإسلام - فيما يزعم - هو وغيره من أذناب الملاحدة وقد جازوه جزاء - سنمار - فقد نبذه الملاحدة ورموه بعيدا عنهم وأداروا له ظهورهم، وولوا وجوههم شطر الأثيوبيين خصومه، وما مواقفهم منه في حربه مع الاثيوبيين بخافية، حيث أمدوا دولة الأثيوبيين المسيحية بالسلاح وسلطوها عليه - وما واقعة أوغادن بخافية - ولا منسية من ذوي الأبصار، وفى هذا عبرة للمغترين الذين يخرجون عن صفهم الإسلامي.

فبعد أن تخلى عنه الملاحدة وتركوه بعد ما قضوا منه وطرهم صار يتنقل من عاصمة إسلامية إلى أخرى مستجديا وطالبا الإعانة والإغاثة، وكان الواجب الديني يحتم على حكام تلك البلاد التي تردد عليها أن لا يستقبلوه بتاتا لمواقفه المعادية للإسلام.

كما نلاحظ أيضا أن رئيس جمهورية الصومال وأمثاله من الحكام العسكريبن الذين استولوا على الحكم بقوة الجيش - هم في الغالب من حالاتهم مثله في التصرفات المناهضة للإسلام، إذ لم تكن شعوبهم المسلمة هي التي بوأتهم مناصب الحكم بصفة حرة وديموقراطية وبواسطة انتخابات نزيهة كانت لشعوبها الكلمة النالفذة فيها، بل بالعكس من هذا تماما، ومع هذا فأولئك الحكام

ص: 196

يدعون - دون حياء - الديموقراطية، ويقولون أنهم ديموقراطيوين وهذا من عجائب الزمان.

أما العلماء الذين هددهم وتوعدهم رئيس جمهورية الصومال لما رفضوا موافقته على ما ذهب إليه من تعطيل أحكام القرآن، فقد تم له ما هددهم به في تصريحه ذلك المتقدم الذكر، فقد نفذ فيه حكمه حيث أعدمهم بواسطة حرقهم بالنار في ميدان عام حسبما تناقلته وكالات الأخبار العالمية، وهم من خيار العلماء، رحمهم الله وأهلك كل ظالم جبار، فقد نشرت مجلة "رابطة العالم الإسلامي" التي تصدر في مكة المكرمة أسماءهم في عددها الصادر في شهر ربيع الأول من سنة 1393هـ وجاء في تلك المجلة قولها:

(وفى موقاديشو) بالصومال عشرة من العلماء يقتلون لإنكارهم إبطال العمل بالقرآن في آية الميراث، وهم الشهداء/

1 -

الشهيد شيخ أحمد محمد.

2 -

الشهيد شيخ علي حسن درسمة.

3 -

الشهيد شيخ حسن عيسى ألبي.

4 -

الشهيد شيخ أحمد إيمان.

5 -

الشهيد شيخ موسى يوسف.

6 -

الشهيد شيخ محمد زياد مرسي.

ص: 197

7 -

الشهيد شيخ علي جامع مرسي.

8 -

الشهيد شيخ آدم علي مرسي.

9 -

الشهيد شيخ سليمان جامع محمد.

10 -

الشهيد شيخ ياسين علم عول.

انتهى ما نشرته مجلة "رابطة العالم الإسلامي" الصادرة بمكة المكرمة، كما نشرت المجلة الإسلامية الحرة "المعرفة" التونسية في العدد الثامن من سنتها الثانية ما وقع في العراق، وهو من نوع ما وقع في الصومال. قالت "المعرفة" المذكورة وتحت عنوان:

فى العراق

(صدر حكم بالاعدام على خمسة من العلماء ونفذ، من بينهم/ الشيخ عارف البصري، والشيخ عماد التبريزي لماذا؟ لأنهم رفعوا أصواتهم بقولة الحق وإنكار الباطل).

ولا زلنا نذكر الكلمة التي قالها رئيس الجمهورية الجزائرية الهالك في مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في (لاهور) فقد صرح في خطبته بقوله: "إننا نعمل على أن يدخل المسلمون الجنة وهم شباع أولى من أن يدخلوها وهم جياع الخ" والواقع الذي نشاهده في كل حين أن الكثير من هؤلاء المسلمين الذين كانوا محرومين من متاع الدنيا قد أطغاهم المال والمنصب الذي ما كانوا

ص: 198

يحلمون به، فعصوا ربهم وكفروا بنعمة الله وصاروا من أشد أعداء الدين المحاربين له بحكم مناصبهم، {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} سورة الانعام الآية 132 كما قال في كتابه العزيز:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} من الآية 42 من سورة إبراهيم عليه السلام.

وهكذا يقع في بعض البلدان الإسلامية - التي كانت تحت سلطة المستعمر الأجنبي عن الدين والوطن - ما لم يقع من المستعمر المذكور في أيام حكمه لها، وشاء الله أن يقع هذا ممن يزعمون أنهم جاءوا لخدمة أوطانهم ومواطنيهم، والحقيقة التي كشفتها الأيام أنهم عملاء للشيوعيين الملاحدة، وما استولوا على الحكم إلا لتنفيذ ما يأمرهم به سادتهم، ولكن هل يصد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم هذا الظلم والتعسف؟ نقول لا

وألف لا

و (على نفسها جنت براقش) كما جاء في المثل العربي القديم، وكما قال الله في كتابه العزيز:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} من سورة التوبة، وهل في استطاعة البشر أن يحجبوا عن الناس نور الشمس أو نور القمر أو يطفئوا نورهما بأفواههم؟؟؟

ما أعجزك أيها الإنسان الضعيف والمغرور بعفو الله!!

ص: 199

ونعود إلى تتميم ما بقي من الكلام على السهم الثامن من سهام الإسلام وهو (الجهاد في سبيل الله) فنشير إلى أن تطور الأزمنة بما فيها من التقدم العلمي في مجالات الحياة كلها، ومن اختراعات متنوعة متطورة سواء كانت حربية أو صناعية أو اقتصادية إلى غير ما ذكر، فنرى أن كلمة "الجهاد" كلمة عامة في مدلولها ومعناها، فقد تقدم العلم الصناعي بالإنسانية في ميادين الحياة كلها، في لباسها ومعيشتها وغير ما ذكر، والمسلم بما ناله من المستعمر - في أيام حكمه له - بواسطة تفوقه عليه في القوة والسلاح، قد تركه ذلك في آخر ركب الحياة، يدب إليها وفيها دبيبا، بينما عدوه تقدم عليه بعلومه المختلفة وصناعاته المتنوعة، فقد سبقه إلى ميادين الحياة العزيزة والمنيعة، بأشواط وأشواط، والعالم الإسلامي في وقتنا الحاضر بعد ما استرجع من المستعمر أوطانه وجد نفسه ضعيفا أمام قوة عدوه، فلا يستطيع مجاراته، سواء في العلوم أو في الاختراعات، أو في الأسلحة، فهو الآن غير قادر على القتال المنظم، وبالأسلحة العصرية المبنية على العلم والتجربة وذات الأشكال الكثيرة، من طائرات وصواريخ، وهذا لا يملكه المسلم اليوم فضلا عن صنعه، والذي في إمكان المسلم - اليوم - في دفاعه عن دينه وعقيدته وحربه لعدوه، وجهاده في سبيل الله وفى سبيل دينه الذي أمره الله بنشره وإذاعته بين الناس ودفاعه عنه عدوان المعتدين الذي هو في استطاعته والذي يمكن أن يقوم به - متى شاء - لينجو من وعيد ربه للذين لا يجاهدون في سبيل

ص: 200

دين الله، والذين لا يحدثون أنفسهم في أمر هذا الجهاد - هو حرب الكلام المدعم بالحجج والبراهين، ووسائل هذا الآن ميسورة وممكنة، ومن أسلحتها/ "الإذاعة، والتلفزة، والصحافة، وشركات الأخبار، والنشرات، والوفود التي تجوب الأقطار والقارات لتلقي المحاضرات والدروس في فضائل الإسلام وأنه لا نجاة للإنسانية مما تتخبط فيه إلا به، ونشر المباديء الإسلامية الخ ما يتطلبه هذا الجهاد، كما تتلقى هذه الوفود الأسئلة من المسترشدين.

فالإذاعة التي تسمع صوتها إلى خارج حدود بلادها تستطيع أن تنقل إلى خارج الوطن الدعوة إلى الله وإلى دين الله، تلك الدعوة المنظمة بشتى اللغات، من أناس فيهم مقدرة على الدعاية بتلك اللغات التي تؤثر في مستميعها، فإن الناس في وقتنا هذا يبحثون عن السبل التي تخرجهم من هذه الحياة الفكرية المضطربة التي يحياها غير المسلمين، - والأحرار منهم بالخصوص - فهم يبحثون عن السبل التي تخرج بهم إلى فضاء الدين الحق، وإلى سعة فضل الله من ضيق العقائد في الاديان الأخرى، كما قال الصحابي المجاهد (ربعي بن عامر) إلى "رستم " قائد جيوش الفرس في المقابلة التي تمت بينهما، فقد جاء في أخبار وحوادث غزوة "القادسية" التي وقعت بين جيش المسلمين وجيوش الفرس بقيادة قائدهم "رستم " وكانت قيادة جيش المسلمين للصحابي سعد بن أبي وقاص في السنة الخامسة عشرة

ص: 201

وقيل في غيرها، فقد طلب قائد الفرس ذلك من قائد المسلمين أن يرسل له من المسلمين من يفاوضه في أمر هذا الدين الذي جئتم إلينا تنشرونه، فأرسل إليه بعضا من الصحابة منهم/ المغيرة بن شعبة وربعي بن عامر وغيرهما بالتناوب، فلما كان المغيرة بن شعبة مع قائد الفرس "رستم" قال له رستم: أخبرني عن هذا الدين الذي تدعوننا إليه، فقال له المغيرة بعد حوار دار بينهما: وقد بعث الله إلينا رسولا قال له قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني، فأنا منتقم منهم بهم، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، ولا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز، فقال رستم للمغيرة: وأيضا، قال المغيرة: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، إلى آخر ما في القصة، فرجع المغيرة إلى مقر جيش المسلمين بعد أن عرف رستم بمهمة مجيء المسلمين إلى بلادهم، وهي تتمثل في نشر دين التوحيد فقط، ليتحرر الإنسان مسيطرة الإنسان عليه باسم الدين.

وبعد مدة أعاد الطلب القائد رستم، فطلب من قائد المسلمين "سعد" أن يرسل اليه رجلا آخر من المسلمين لنفس الغرض الأول، فأرسل اليه الصحابي "ربعي بن عامر" ولما اجتمع به قال له: ما جاء بكم إلينا؟ فقال له "ربعي": الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه الى

ص: 202

خلقه لندعوهم إليه الخ ولما فهم الغرض من مجيء المسلمين مال إلى قبول الإسلام لولا معارضة قادة جيشه له، وأبى يد يتبع الحق، فدارت الدائرة عليه وحاربه المسلمون بما معهم من العتاد الحربي رغم القلة، ولكن الله أمكنهم منهم، ونصر جيش الهدى على جيش الضلال، وجيش الإسلام على جيش الشرك، وزالت دولة الأكاسرة الظالمة، وحلت محلها دولة الإسلام والعدل والحرية، إلى يومنا هذا، وقد أحيا الله به في هذه الأيام الأخيرة ما مات منه بقيادة العالم المجاهد الإمام "آية الله الخميني" فهو بالحق آية من آيات الله التي تظهر بين الفترة والفترة من الزمان، ثبته الله وقواه وأعلى مقامه في الدنيا والآخرة.

فكلمة "الجهاد" كلمة عامة في مدلولها ومعناها، إذ هي تدل على بذل الوسع والطاقة والقدرة في سبيل حماية دين الله وإذاعته ونشره بين عباد الله، فالدعوة إلى الدين، والتجول في الأوطان لنشره وإبلاغه إلى عباد الله لإنقاذهم من الضلال والغواية التي عاقبتها الهلاك والخسران، كل ما ذكر جهاد في سبيل الله، ويتطلب من القائمين به بذل مجهودات ضخمة وشاقة، لأنها تتطلب منهم القدرة على الكلام من فصاحة لسان وإطلاع على ما فيه سر تبليغه إلى السامعين، كما تتطلب قوة بدنية تتحمل الأتعاب ومشاق التنقل من مكان إلى مكان بوسائل سريعة ومريحة - أحيانا - حسب الزمان والمكان، وأهم وسائل النجاح إخلاص النية لله وفى سبيل الله، مع حسن السلوك

ص: 203

المعهود من قبل والاستقامة على الطريقة المثلى، وإني أرى أن هذا النوع هو جهاد الوقت الحاضر، وهو المجهود العظيم ذو الفائدة العظمى، ولا يستطيع الفرد وحده أن يتولاه إلا في محيط ضيق، لأن مجهود الفرد قليل ومحدود، إذ لا يستطيع أن يبلغ الأهداف المقصودة منه، فالجهاد بوسائل العصر الحديثة من إذاعة وتلفزة الخ نراه محصورا في دائرة اثنين لما لهما من القدرة عليه، وهما إما:

1 -

الحكومات المسلمة - حقيقة وواقعا - لا كتابة في الدستور فقط من غير تطبيق للإسلام وأحكامه، فهي تستطيع أن تدخل ضمن مخططاتها الإنمائية كل سنة مالية ما يلزمها لذلك من رجال وأموال وعتاد وكل ما يتطلبه هذا المشروع الديني من جميع نواحيه، فتدخل في مخططاتها تنمية الروح الدينية، وتكثير سواد المسلمين بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، مع المحافظة على الروح الإسلامية في أوطانها، بحيث لا تترك منفذا فيها للمخربين والملحدين ينفذون منه ليبثوا في الوسط الإسلامي إلحادهم وكفرهم بأقوالهم وأفعالهم ضد الإسلام والمسلمين، ويعبثوا بالدين، كما قلنا سابقا في إرسال الدعاة إلى خارج الحدود، ثم بعد هذا التخطيط تشرع في العمل الذي كان قد درس من قبل هذا التخطيط، وكان على سبيل الفرض والتقدير فقط، هذا ما أراه ممكنا نظريا حسبما أتوسمه في الحكومة المسلمة، أما عمليا وتطبيقا - فإني أراه غير ممكن الآن وفى هذا الزمن بالخصوص، ذلك لأن حكومات الشعوب الإسلامية الى

ص: 204

الآن لم تدخل في حسابها أنها مسولة أمام الله يوم القيامة عن تقصيرها في الدفاع عن الإسلام والعمل على نشره في ربوع العالم وتقوية الداعين إليه، ولا مفر لها من تحمل مسؤولية هذا التقصير الذي نراه في الحكومات الإسلامية، كما لا ينجيها من تبعة هذه المسؤولية أي اعتذار، في يوم الحساب على الأعمال، والله ولي التوفيق، والتوفيق من الله وحده.

فهذه الحكومات في كل وطن إسلامي إنما هي مهتمة بالسياسة والاقتصاد والصناعة وغير ما ذكر مما تراه يعود على خزينتها بالفائدة المادية فقط، أو على سمعتها - في خارج حدودها - كدولة، أما الجانب الديني - المسؤولة عنه - فهو مهمل وملغى من حسابها، فهي - مثلا - تكون رجالا للسلك الديبلوماسي الذين يمثلونها في الخارج، وفي المناسبات، أو لقضاء مصالحها الاقتصادية أو غيرها، وكثيرا ما يكون تمثيلهم لها فيه نقائص، علميا، أو أخلاقيا، أو حتى وطنيا، ولم يراع في تكوينهم الجانب الديني والأخلاقي، لأن الممثل الديبلوماسي المفروض والمطلوب فيه أن يكون نسخة طبق الأصل - الوطن الذي يمثله حتى في لباسه الذي طرح من الحساب تماما عند بعض الشعوب - وحتى يتعرف الناس منه ومن هيأته وسلوكه على صورة بلاده، وإلا كان تمثيله لبلاده ناقصا، وكثيرا ما يكون الممثل الديبلوماسي في واد والشعب الذي يمثله في واد آخر.

وأخرى فإننا لمسنا أن الحكومة تنظر إلى مصالح وطنها فقط فإذا كان الوطن أو المواطن في حاجة إلى خبراء اقتصاديين أو صناعيين -

ص: 205

مثلا - فإن الدولة تجلب هذا النوع من الخارج وتبذل لهم كل ما يطلبونه منها من أموال ومساكن وغيرهما، مع امتيازات قد تنوء بحملها خزانتها، ومع كل هذا فإنها تلبي رغباتهم، لما تراه من الفائدة في خبراتهم التي سيستفيد منها الوطن والمواطن معا، وهذا حق لا نكران له، غير أنه كثيرا ما يكون في هؤلاء الخبراء عيوب أو مباديء لا توافق مزاج الشعب أو الدولة التي طلبتهم لمساعدتها، مع أنها في أشد الحاجة إلى خبراتهم، غير أنها تستقدمهم لما ذكر، فيحملون معهم أخلاقهم ومبادئهم، وقد لا توافق أخلاق المواطنين ومبادئهم، وفى هذا الخسارة العظمى على الوطن الذي استقدمهم، ذلك من جهة أخلاق أبنائه، وهذا ما لمسناه فيهم بلا جدال.

2 -

الثاني ممن له قدرة على نشر الدين/ هيأة إسلاميه تقوم مقام الدولة في نشر الدين والعمل المثمر في سبيل الدعوة إليه، فيما إذا لم تقم به الدولة المسلمة، حسبما سبق الكلام عليه، فهذه الجماعة المسلمة تتولى جمع المال من أغنياء المسلمين لهذا الغرض، وتتكون من أعضاء صالحين لهم الخبرة الكاملة في الدعوة، وممن لهم غيرة على الدين والأخلاق الفاضلة التي قضى عليها الوقت بأساليبه المتنوعة واختراعاته العلمية التي كانت للدنيا فقط ولم يستفد منها الدين إلا قليلا، فقد أضلت خلقا كثيرا، وفتحت أمامهم أبواب الموبقات والمهلكات، فقد كثر المال والغناء في الناس، وبواسمطته امتدت الأبصار والأيدي وسارعت الأرجل بالسير إلى ما تشتهيه النفوس التي لم تستكمل

ص: 206

إيمانها بعد، بحيث صار الناس لا يتكلمون في ملتقياتهم وسمرهم إلا على كسب المال والربح والأموال المدخرة في المصارف لقضاء الشهوات الخ، أما الجانب الديني فقد ألغي وأهمل من حساباتهم بتاتا إلا من القليل، وهذا غير كاف في توعية الجماهير الضالة من المسلمين شبابهم وشيبهم ذكرانهم وإناثهم، ولو نظر أغنياؤنا إلى نشاط الجمعيات المسيحية التي تتولى التبشير بالدين المسيحي - حتى في الأوساط الإسلامية وأوطانهم - وتتحمل ما تتحمل، وتتحول جموعها إلى أبعد الجهات في العالم، محاولة أن تنشر وتبشر بالدين المسيحي - ولو نظروا - بتأمل - لخجلوا ولأدركوا أنهم مقصرون ومقصرون - كثيرا - فيما هم مطالبون به أمام الله وأمام التاريخ، ومع هؤلاء الأغنياء في المسؤولية العلماء - بل هم أشد - الذين استكانوا للدعة والراحة، وتاقت نفوسهم إلى كسب المال هم أيضا، ونسوا المسؤولية والدار الآخرة، وبهذه المذكورات توقف انتشار الإسلام وتقدمه إلى الأمام، وأرى أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا لا يضيع كالرماد تذروه الرياح، فقد قال، وقوله الحق، لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فيما رواه الترمذي وغيره عن كعب بن عياض:"إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أيضا مخاطبا أصحابه حين تعرضوا له في المسجد بعد انتهائه من صلاة الصبح مؤملين منه أن يوزع بينهم المال الذي جاء به أبو عبيدة من البحرين لأنهم سمعوا بمقدمه به قال مخاطبا لهم:

ص: 207

"فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" أخرجه مسلم عن عمر بن عوف الأنصاري.

وبناء على هذا فإنه لا يستطيع تحمل نفقات الانتقال من بلد إلى بلد أو من وطن إلى وطن، أو من قارة إلى أخرى إلا أحد هذين - المذكورين - / الحكومات الإسلامية أو الهيآت الدينية، وإذا جئنا إلى ميدان التطبيق وجدناه غير ممكن الآن، سواء من جهة الحكومات، أو من جهة الهيآت الدينية، ولماذا لا يمكن يا ترى؟ لأن الحكومات الإسلامية غير متجهة للدين ولا هي مهتمة به بتاتا، وقد رأيناها تضيق عليه المسالك في بلدانها، وتسد وتغلق في وجهه أبواب التوسع والانطلاق، وتتوجس منه خفية ومن الدعاة إليه كذلك، وتصدهم عن مهمتهم بكل وسيلة، وتراهم خطرا على بقائها، فهي تتهمهم بأنهم ما قاموا بدعوتهم الدينية إلا لأنهم يحاولون ويعملون للاستيلاء على السلطة والحكم، وهذا مجرد اتهام لا حجة واقعية عليه، هذا من جهة الواقع، أما من جهة النظر، فهل الحكم والحكومة موقوف على حضراتهم فقط؟ أما الجماعات أو الهيآت التي تتولى الدعوة للدين فإنه لا يتوفر لديهما المال الكافي الذي تنفقه على الوفود في تنقلاتهم ومصاريفهم وغيرهما.

وإلى جانب هذه المثبطات فقد شاعت بين حكام المسلمين في هذا الوقت تهمة "الإخوان المسلمين" التي يتذرع بها كل الحكام

ص: 208

ويجعلونها ذريعة لتهمة من أرادوا التنكيل به أو القضاء عليه، فبواسطتها يتم لهم هذا، فكل بادرة تظهر من أي جماعة تعمل أو تقول أو تنادي بالعودة إلى الشريعة الإسلامية إلا وسلطت عليها هذه التهمة من جماعة تحمل في قلبها العداوة والبغضاء للدين الإسلامي، فتوشي بهم إلى السلطة المحلية، وهذه تنزل بهم أشد العقاب، كما فعل جبار مصر الهالك (جمال عبد الناصر) بجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة سنة 1966 حيث أنزل عليهم أقسى العقوبات، فسفك دماءهم وعذبهم بما لم ينقل حتى عن أعدى الأعادي للمسلمين، وعاملهم معاملة جبابرة القرون الوسطى، فيما حكاه التاريخ عنهم، ولم يفرق بين كبير وصغير أو ذكر وأنثى، ولم يرحم شيخا لكبر سنه، ولا مريضا لمرضه، حسب أمر تلقاه من الملاحدة، فقد شرد جماعة كانت تدعو إلى الله على بصيرة، وتعمل وتحارب الكفر والإلحاد، وتدعو لتحكيم القرآن وتطبيق شرع الله، وهذا ما يرغب فيه كل مسلم مؤمن بربه، وهل في هذا خطر على أحد إلا على الشيطان وأعوانه؟ وكانت العقوبات تنزل عليهم وكأنهم أعداء الله وأعداء الدين والوطن بلا شفقة ولا إنسانية، وكل هذا قد دخل في طي التاريخ وسجله، وسيجد جزاءه عليه يوم "القيامة" يوم يقف بين يدي خالقه، ويا ويله من ذلك اليوم الذي لا يجد فيه وليا ولا نصيرا ولا معينا ولا شفيعا، بل لا يجد إلا الحساب العسير والجزاء العدل على الأعمال الواقعة من البشر في هذه الحياة الغرارة، فعذاب الله ينتظرهم كما عذبوا هم عباد الله الضعفاء يعذبهم الله،

ص: 209

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" عن ابن مسعود، متفق عليه، ولم تكن هذه الجماعة إحدى هذه الفرق الثلاث فقتلهم ظلم وحرام شنيع.

فعمل الجمعيات الإسلامية، في سبيل الدين هو أقل عمل تقوم به لنشره وإحيائه والتبشير به وقد رأينا توقف نشاطه لما ذكرنا من الأسباب، فقد ظهرت في الفترة الأخيرة بعض الأقوال أو التصريحات من بعض حكام المسلمين يهددون بها كل من يتجرأ على الخروج في حديثه عن حدود الدين، وذلك لما رأوه في حركة الإمام آية الله الخميني من الإطاحة بعرش حاكم إيران - الشاه - بواسطة أحد العلماء الأفذاذ، ولعل ما يأتي من الزمان يتبدل فيه الحال وتتيسر فيه الأمور وينشط فيه الدعاة، ويدرك فيه الحكام ما لهم وما عليهم، وتنطلق فيه الدعوة إلى الدين من عقالها، في داخل الأوطان الإسلامية، وفى خارجها لتبليغ دين الله ونشره بالدعوة إليه، ويجدون ما يساعدهم على هذا، سواء من الحكام أو من أغنياء هذه الأمة التي لا ينقطع منها الخير إن شاء الله تعالى رب العالمين، كما قال رسول الله إلينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام الترمذي وحسنه:"مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره" رواه الترمذي وغيره.

ص: 210

ومما تجدر الإشارة إليه والتنويه به ما قامت به جماعة مسلمة تأسست في "الهند" وتسمى (جماعة التبليغ) فهي جماعة تدعو إلى الدين بنشاط وتعقد الاجتماعات والملتقيات بين الطوائف المسلمة حيثما سنحت لها الفرصة، وسمحت لها بذلك الظروف والأحوال، ولها دعاة يتنقلون من قارة إلى قارة لتبليغ الدعوة إلى الدين الإسلامي للناس، ودعوتهم إلى العمل به وإحيائه بين الأمم الإسلامية، وتشيد بفضل الإسلام على الإنسانية كلها، وقد أسست لها فروعا في كثير من الأوطان، وخاصة في الأوطان الأروبية، وقد نجحت فيها نجاحا كبيرا، حيث رجع بواسطتها كثير من المسلمين الضائعين إلى دين الله، وحتى غير المسلمين فقد هدى الله بها عددا لا بأس به منهم، وهي جماعة تتسم بالنشاط والعمل الجدي، بدون كلل ولا ملل، مع السمت الحسن، والأخلاق الإسلامية البادية عليهم تجوب الأوطان وتؤسس المساجد لإقامة الصلوات والتوعية فيها بالدروس الدينية والأخلاقية، وقد نجحت في بعض الأوطان نجاحا منقطع النظير، مع التقشف في المعيشة وفى اللباس والتنقل، مع المحافظة على الزي الإسلامي في غير بلده، هذه الجماعة لو وجدت التنظيم الكافي والرجال الأكفاء لتبليغ الدعوة الإسلامية لكان نجاحها كبيرا، وعملها عظيما، يثمر أحسن من أي عمل آخر من نوعه، وعلى كل حال فهي سائرة في طريق النمو والانتشار وتوسيع دائرة نشاطها، ونرجو من الله أن يحقق على يديها نصرا عظيما للإسلام ودعوته الخالدة، وقد حوربت في بعض الأوطان الإسلامية ومنعت من الدخول إليها من طرف حكام تلك الأوطان

ص: 211

التي تنهج منهجا لا يرضى به الإسلام، لأنهم يتخوفون من الدين أكثر من تخوفهم من عدوهم.

هذا وذلك هو الجهاد الذي يجب على أهله أن يقوموا به، وأن يوفوا لله بعهدهم - كما تعهدوا - كما هو الحال مع جماعة التبليغ، فإنها تعمل وتبلغ حسب الطاقة والجهد.

فالجهاد الشرعي - إذن - يتكيف في كل زمان بحسب أسلحته وكيفيتها، لذا في آية الاستعداد للعدو هذه الإشارة، وهي كما قال تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وفى المدلول اللفظي لكلمة - ما - ما يعم كل نوع من أنواع ما يستطيع المسلم أن يعده للدفاع عن دينه وحريته، ولنشره الذي أمره ربه به، وهو ما يستطيع أن يعده لمحاربة عدوه به.

وبهذا الاعتبار يتنوع الجهاد على حسب السلاح المستعمل في كل زمان، وقد شاهد الناس جميعا فعالية هذا السلاح المذكور آنفا وتأثيره، سواء في النصر أو في الهزيمة، إذ فيه القضاء على الخصم قضاء تاما، فهناك نوع من السلاح الحاد يقال له (الدعاية) يحمله أناس معروفون يتقنون استعماله في الهجوم وفى الدفاع، فإذا حملوه وتقدموا إلى ميدانه من أجل نصرة "فلان" نصروه وفاز بمرغوبه لأن السلاح المستعمل في نصرته كان موجها بنظام وإتقان وإحكام إلى الخصم، كما يحدث هذا في معارك الانتخابات الحرة والصادقة، فبإتقان الدعاية - وهي السلاح الوحيد - ينتصر فلان وينهزم فلتان، وهذا من أجل التأثير في السامعين،

ص: 212