الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سهام الإسلام
سهام الإسلام هي وظائفه وشرائعه وأحكامه، وحدوده وجميع ما شرعه الله لعباده في شريعة الإسلام، وهي ما طلب - شرعا - من المكلف فعله أو تركه، لأن الخالق جل وعلا طلب من عباده أن يمتثلوا شرعه ودينه الذي أرسل به رسله الأكرمين إلى عباده أجمعين، وهو الغني عن الاحتياج إلى شيء من ذلك، فلا تنفعه طاعة المطيع كما لا تضره معصية العاصي، إنما المقصود من الشرائع المرسلة إلى العباد هو الامتثال والطاعة للآمر أو الناهي فيما أمر به أو نهى عنه، كما قال تعالى في ذبائح الحج: - النسك - {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} الآية 37 من سورة الحج، وكما قال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} سورة والذاريات.
والمراد منها أيضا إصلاح حال العباد في معائشهم ومعاملاتهم فيما بينهم، لتستقيم لهم هذه الحياة، وبدون شرائع الله تعالى التي شرعها لعباده تكون حياتهم مشابهة لحياة الحيوانات التي
لا إدراك لها ولا تمييز عندها بين الحسن والقبيح، والأدلة على هذا متوفرة في هذا الوقت - بالخصوص - وقت التقدم الإنساني في جميع الميادين، سواء كانت علمية أو اقتصادية أو حظارية، ذلك التقدم الذي لم تشاهد مثله الدنيا فيما مضى من أزمانها.
وأرى أن "الإسلام" مثل شركة المساهمة، وهي الشركة المكونة من شركاء مساهمين فيها، فمهما كثرت أسهمها والمساهمون فيها إلا وازدادت أرباحها وسمعتها، وعمت وانتشرت في الآفاق، وزاد ربح المساهمين فيها وعظم نفعها على حسب أسهمهم فيها وأنصبائهم منها، ورأيت أن أشبه "الإسلام" بشركة المساهمة، أخذا من الحديث الآتي الذي رواه الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه، ومنه أخذت عنوان الكتاب.
فمهما ألقيت ببصرك وسمعك إلى ما حولك من بلدان العالم ودوله، هذا العالم الذي نعيش فيه الا ووجدت كثرة الشركات فيه ذوات الأسهم المتعددة، وبالطبع تجد المساهمين فيها ذوي ثراء ومال عظيمين، مع ما يتمتعون به من جاه واسع، وطويل عريض، كل الناس يرغبون في الدخول فيها والانتساب إليها لينالوا نصيبا من أسهمها وحظوظها وفوائدها.
هذه هي الحقيقة عن واقع الحياة كما نشاهدها بأبصارنا، ونفهمها بعقولنا، ولا نعبأ بالأقوال الجوفاء التي يلوكها أدعياء السياسة المزيفة، لأنها ميتة وخالية من روح الحقيقة والواقع.
لهذه الاعتبارات فإن المساهمين في تلك الشركات التجارية أو الصناعية أو غيرهما نراهم في رغد من العيش، وسعة من المال والجاه في هذه الحياة، بل وفي كثير من الأوطان يسيرون دفة حكومتهم وحكومات غيرهم من بعيد حسب ما يريدون ويرغبون، كما في الشركات المتعددة الجنسيات التي اتسع نفوذها وكاد يعم العالم، فكل واحد من المساهمين فيها يحرص كل الحرص على تقوية شركته وجعلها ذات أرباح وفوائد تعود على المساهمين فيها بالربح الوافر والعز والجاه الواسع، والهيبة في أعين الناس، في الدنيا كلها، وتراهم جادين في رفع مستواها وإعلاء شأنها، متجنبين كل نقص أو تقصير قد يؤدي إلى إفلاسها وموتها وزوالها من الوجود بل بالعكس من هذا كله فتراهم عاملين على نشرها وانتشارها وتوسعة نشاطها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لأن في موتها خسارة - لا تعوض - على المساهمين والمنتفعين منها كلهم، وفي بقائها النفع والربح الكثير للجميع.
هذا ما هو جار ومعمول به في الأوطان التي تتمتع بالنظم الحرة غير المقيدة بقيود الاشتراكية والشيوعية التي تحتكر حكومتها التجارة والصناعة وحتى الفلاحة، وتمنع أو تضيق من انتشار الشركات الحرة على عموم المواطنين، وترى أنها خطر على نظامها المفروض على الأمم فرضا، لأنه لا يقبله - بالاختيار - ذو عقل نقي صحيح، فهي ترى أن تترك الشعوب التي تحتها لا تكثر من تأسيس الشركات حتى لا تنال
بها المال الوافر والغنى الكبير، فتضيق عليها الخناق ولا تزودها بما هي في حاجة إليه إلا بمقدار ضئيل ومحدود مما هي في حاجة إليه لتسيير مؤسساتها، ليبقى المجال لها يوحدها، لتستعمل فيه عملاءها وخدامها وأذنابها، كي يحافظوا على بقائها ودوامها ممسكة بأزمة الأمور، فتكون هي الشركات وتضفي عليها اسم "الوطنية" والواقع أنها ملك للدولة، فكأن الشركات التي يمتلكها المواطنون غير وطنية، والذين يمتلكونها ويسيرونها كأنهم أجانب عن الوطن، وهذا اصطلاح في النطق والإطلاق يثير الضحك والسخرية. وبهذه المعاملة الشاذة ينتج الحد من نشاط النبهاء العاملين.
إن الله تعالى وتقدس الخالق لكل شيء، ومن مخلوقاته هذا الإنسان الذي سخر له كل شيء يمكنه الاستفادة منه، لم يترك هذا الإنسان يشقى في حياته فاعتنى به عناية عظمى ترفع من شأنه ومنزلته، فأرسل الرسل بالشرائع ليهديه بها إلى السبيل السوي الأقوم، حتى لا يضل ولا يشقى، فيخسر الحياة الكريمة وما تجلبه له من الراحة والسعادة، فهو قد وهبه عقلا يفكر به، ويدبر شؤونه بفكره وعقله، فيفعل ما يراه حسنا نافعا له في حياته كلها، لائقا بكرامته، ككائن حي خلق ليحيى ويسعد، فيجتنب ما يعلم أن فيه مضرته وشقاوته ما وسعه ذلك.
إن الدين الإسلامي النقي من كل أدناس العقائد والأعمال المدنسة لروحه، قد وجه المسلمين إلى ما يرفع من درجاتهم
بين أمم العالم إذا عملوا بما حواه من مأمورات، واجتنبوا ما نهاهم عنه من منهيات ومنكرات، فإذا حموه ودافعوا عنه وأذاعوه في الناس - فالخير أرادوا - فقد فازوا فوزا عظيما، ونجحوا في حياتهم هذه نجاحا كبيرا، وكان في ذلك كله قوة لهم، لا يستغنون عنها أبدا، وتاريخ السلف الصالح في صدر الإسلام الحجة الواضحة واللسان الصادق الذي لا تخفى على ذوي الألباب آثاره.
لذا قلت - فيما رأيت - أن الإسلام يشبه الشركة - التجارية أو الصناعية - ذات الأسهم المالية في عصرنا هذا، فإذا قام المساهمون فيها قيام رجل واحد، بعزم وصدق وإخلاص، وغذاوها بأموالهم وأعمالهم ونشاطهم واجتهداوا في إنجاحها، وأتعبوا أنفسهم من أجلها - ليعم خيرها ونفعها - أصابوا منها خيرا كبيرا، وربحا عظيما - لهم ولمن انتفع منها - ودرت عليهم بالفوائد الجمة والأموال الغزيرة وعاشوا عيشة السعداء، فهكذا الإسلام تماما، فبقيام المسلمين بالعمل به والدعواة له ونشره بين العباد يعظم لهم الأجر والثواب والربح في الدنيا والآخر ولجميع بني الإنسان، وإن تركوا - الشركاء - شر كتهم مهملة، فلم يمدوها بما يملكون من طاقات مالية وجهود فكرية وبدنية، لو كان من بين المساهمين فيها من يعمل لفائدة غيرها، أو يسعى - بجهله - لتعطيلها أو إضعافها، فإن هذه الشركة تخسر ولا تنجح أسهمها، وتضعف عن مقاومة تيارات الشركات الأخرى المنافسة والمزاحمة لها ولفوائدها وللمساهمين فيها.
وهذا ما نراه اليوم ماثلا أماما أعيننا في الشركات العالمية المجدة في عملها، الدائبة على تحسين صنعتها ومنتوجاتها، كي تستولي بها على أسواق العالم، لترويج إنتاجها المتقن والجيد في آن واحد، فأين هم المساهمون في إنتاج الإسلام؟.
فالإسلام بناء على هذا شركة مساهمة بين جميع المسلمين، فبالعمل به وله يسعدون وينتشر ويقوى، والعكس بالعكس. فقد رأينا خصوم الإسلام توجهوا لمحاربته بكل طاقاتهم - في الهيآت - بكل الوسائل، لذا يتحتم ويتأكد على النخبة الصالحة من أبناء الإسلام العاملين له، ولو كانوا حديثي عهد به - لا الأدعياء الدخلاء فيه بالإرث فقط عليهم أن يلتفوا حوله ويبعدوا عنه هذه البضاغة الرخيصة الحقيرة التي جاءت لتزاحم بضاعة الإسلام الممتازة المختارة من بين منتوجات العالم ومصانعه، فدخلت هذه البضاعة سوق المعروضات الرخيصة التي غزت أسواق العالم بتفاهتها وحقارتها وقذارتها كي تصد الناس عن الإسلام وبضاعته الجيدة والممتازة، في حين أنها لا تستطيع أن تثبت أمام إتقان المعروضات الإسلامية ومتانتها وصلاحيتها وحسن منظرها ومخبرها واستعمالها والتجمل بها، بل حتى والفخر بها والاعتزاز بجودتها، لو وجدت من يقوم بحسن عرضها على الأنظار والدعاية لها.
وأعني ببضاعة الإسلام المختارة والممتازة شريعته بعقائدها وعباداتها وأحكامها وأخلاقها.
أما البضاعة المزاحمة لبضاعته فهي هذا الإلحاد وسوء الأخلاق وما يتبعهما.
إن البضاعة المزيفة والمغشوشة التي يدعي لابسوها ومروجوها إنها من بضاعة الإسلام وصنعه فإن الحقيقة أثبتت أنها غريبة عنه، وما هي من اتناج مصانع الإسلام، فقد كثرت وانتشرت في أسواق العالم، وكادت البضاعة الجيدة والصافية من الغش والتدليس أن تختفي من تلك الأسواق، إما لقلة عارضيها - وكثرة معارضيها - وإما لقلة المساهمين في شركتها فكان انتاجها قليلا لقلة المساهمين في شركتها أو لكون العرض جاء ناقصا عما عليه أولئك المزاحمون.
***