الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السهم الثالث:
- الزكاة
-
السهم الثالث من أسهم الإسلام - كما ورد في حديث حذيفة - هو الزكاة، وهي في اللغة العربية يعطي مدلولها معنى النمو والزيادة في الشيء والتطهير، فالمال الذي تخرج منه الزكاة ينمو ويزيد، وهذا بالشاهدة والتجريب. وتطهر المزكي من مرض الشح وهي قاعدة معتبرة في الشريعة الإسلامية الرحيمة بالأمة المحمدية الكريمة، فقد فرضها الخالق الحكيم على ذوي الثراء والمال ليقاوم بها طغيانه وجبروته على الضعفاء والعجزة والمحاويج من عباد الله، كما يقاوم بها الفقر الذي كاد أن يكون كفرا، بمعنى أحد أسباب الكفر، لأنه يدخل القنوط واليأس من الرزق ومن الله الرازق على قلوب الفقراء وليجعل للفقراء حظوظا وسهاما وقسمة في أموال الأغنياء، حتى لا يبقى الفقير محروما من وسائل العيش الشريف، في حين يرى الغني متمتعا في حياته الدنيوية، وأيضا حتى لا تستولي الأحقاد والضغائن والحسد على قلوب الفقراء، فيقاوموا الأغنياء على غناهم وما هم فيه من رغد العيش والبذخ، فيناصبوهم العداء
والكراهية، وما ينشأ عن هذا الا الشرور والمفاسد، من السرقات والاعتداءات، وليصفو الجو بين كل أبناء الشريعة الإسلامية، وتتحسن العلاقات ويسود بينهم جو الأخوة الدينية الحقيقية التي جعلها الله بين المسلمين، وكي لا تكون الخصومات والعداوات، من أجل حطام الدنيا الفانية، فأوجب الله على الغني أن يشرك معه الفقير فيما أعطاه الله من رزق ومال، من غير من عليه، ولا ظلم له ولا احتقار، فقد أشركه معه بنصيب من ماله لا يجحف به ولا يضر بمصلحته، بل ولا يشعر بثقله عليه، في الوقت الذي ينتفع به الفقير والعاجز عن الكسب والعمل على تحصيل مال ينفقه على ضرورياته المعيشية، وليمحو الله به آثار الفقر وذل السؤال من وسط المجتمع الإسلامي، فكل المسلمين تسود بينهم روح المودة والأخوة والصفاء والعطف على بعضهم بعضا، فإذا أدى المسلمون الزكاة المفروضة عليهم فقد سدوا منفذا عظيما كان ينفذ منه الشيطان لافساد ذات بينهم بوساوسه لاشعال نار الفتنة بينهم، حتى لا يتربص فقيرهم بغنيهم الدوائر، كما شاهدنا هذا في الأوقات التي عطل فيها بعض المسلمين أحكام الله تعالى، فمنعوا الفقراء والمساكين من حقهم الذي منحهم إياه الخالق الحكيم كما قال:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (1).
هذا هو التشريع الحق - وأيم الله - الذي لا يتنافى والفطرة الإنسانية التي فطر الله عليها عباده، تشريع حكيم إذا طبق على
(1) الآيتان 24 - 25 من سورة المعارج.
حقيقته فإن ينابيع الرحمة تنبع وتتفجر منه كذلك عيون العطف، فتسقي القلوب العطشى التي هي في حاجة إلى من يسقيها بماء الرحمة والحياة، لا ذلك الاضطهاد والقهر الذي جاءت به الاشتراكية الماركسية وزرعته في بعض الأوطان الإسلامية التي اختارته وفضلته على التشريع الرباني فأفسدت به القلوب وتركتها متنافرة متباغضة، فسلبت الناس أموالهم لتثرى بها (أذنابها) وتبني بها القصور - كما هو مشاهد - وتعيش بها عيشة البذخ والترف، في حين يعيش فيه أرباب تلك الأموال عيشة التعاسة والحرمان، فما أعدل التشريع الإسلامي وما أحكمه، فإنه لم يظلم أحدا، ولم يمتهن فقيرا، ولا أغضب غنيا، ولم يعط أحدا ما لا يستحقه ولا يقدر عليه.
فلو فعل كل ذوي الثراء والمال من المسلمين ما فرضه الله عليهم، فأخرجوا زكوات أموالهم وجمعت - كما هو المطلوب منهم - سواء في بيت مال المسلمين - إذا كانت الدولة إسلامية - عملا وتطبيقا - أو في مؤسسة خاصة بها، وتولاها أناس مسلمون - حقيقة - أمناء عليها يوزعونها بين الفقراء والمساكين في جميع أوقات الحاجة إليها - لما رأينا سائلا يسأل المارة في الطرقات، وأمام أعين غير المسلمين، وفى هذا خدش لكرامة الإنسان، ومهانة لسكان الوطن الإسلامي، فهذا أليق من أن يتولاها ويتولى توزيعها من وجبت عليه مباشرة منه إلى الفقير، فمهما يكن حريصا على إخراجها وأدائها الا أنه قد لا يصادف بها من يستحقها ومن هو في أشد الحاجة اليها، فيتلقفها منه من ليس هو من أهلها، دفعه إلى أخذها
منه الاحتيال والشعوذة، وتظاهره بالفقر والمسكنة، لأن حاله خافية عن المزكي، فتضيع الحكمة من إخراجها، وفى هذه الحالة تنعدم الفائدة منها، وهي سد حاجة الفقير وستر حاله أمام أعين الناس حتى لا ينكشف أمره فيظهر فقره، والمطلوب أن يكون ممن قال الله فيهم:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (1).
وحكمة فرضها على المسلمين في القمة من مزايا وحسنات شريعتنا الإسلامية التي سوت بين الناس، وفرض الزكاة وإخراجها يعبر عن الرحمة والتعاطف والمواساة لكل أبناء الملة الإسلامية، والى هذا الوقت - وقت التقدم العلمي والاقتصادي والحضارة الإنسانية - لم تشرع فيه أية دولة - من دوله - مهما بلغت ما بلغت من الحضارة والازدهار والرقي المادي ووفرة المال والمشاريع والشركات ما شرعته الشريعة الإسلامية في باب مقاومة الفقر والتسول والاحتياج للمسلمين - لو فعلوا ما شرعته لهم شريعتهم - وقد أعجب بهذا التشريع الحكيم بعض من لا يدينون بدين الإسلام، واعتبروه من أفضل ما دعت اليه شريعتنا، فهو وسيلة من وسائل تخفيف آلام الفقر والحرمان، كما هو في ذات الوقت نعم العون على مقاومة الشرور والمفاسد كالسرقة وغيرها، هذه هي الشريعة العادلة، زادها الله حبا في قلوب المسلمين وعملا على
(1) سورة البقرة الآية 273.
نشرها وتعميمها وتطبيقها في بلدانهم على بني الإنسانية كلهم، فإنها لم تلق في أوساط المسلمين من يدعو لها ويحببها إلى الناس الا قليلا من بعض الأفراد والهيآت الإسلامية في بعض الأوطان، التي تتزعم حركة الدعوة اليها، ولكنها غير كافية ولا وافية بالغرض منها، مع اتساع رقعة الأوطان التي يسكنها المسلمون.
والعمل - هنا - يكون بوسائله المفيدة والنافعة، ومن أفضلها تطبيقها والعمل بها فعلا - لا ادعاء - في نفس تلك الأوطان، وتطبيقها نصا وروحا، حتى يكون للدعوة صداها وتأثيرها العميق في قلوب المدعوين إلى تطبيقها والعمل بها، وحتى لا يقال لهم ما قيل لغير العاملين بأقوالهم، كما قص الله علينا في القرآن حين قال وقوله الحق:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1).
أما تاريخ فرضها على المسلمين من رب العالمين فقد كان في السنة الثانية من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقد وجد فيها الفقراء بعض ما سد خلتهم وأنقذهم من ضيق الفقر والحاجة إلى غيرهم.
وأما من هم المستحقون لها؟ وما هو النصاب - المقدار - الذي ان وجد عند الغني وملكه وجبت عليه فيه الزكاة؟ وما هو القدر المدفوع من ذلك المال للفقراء والمساكين؟ فكل هذا قد تكفلت
(1) سورة الصف الآيتان 2 - 3.
ببيانه كتب السنة النبوية المستمدة من شرح وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو مبسوط في كتب الفقه المأخوذة من كتب السنة النبوية الشريفة.
ذلك أن الصلاة والزكاة المفروضتين من الله على عباده المسلمين جاء ذكرهما في القرآن مجملا من غير بيان ولا تفصيل، حيث أمر الله بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقط من غير تعيين لأسماء الصلوات، ولا لأوقاتها، ولا لعدد ركعاتها، ولا لكونها سرية أو جهرية الخ كما لم يتعرض القرآن لأصناف ما يزكى من الأموال وما لا يزكى ولا للمبلغ الذي تدفع منه ولا للمقدار الذي يؤخذ على الأموال الخ، فقد قال الله تعالى في كثير من الآيات القرآنية ذات الصلة بالصلاة والزكاة:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} والذي بين الصلوات بأسمائها وأوقاتها وأفعالها، وحدد مقدار الزكاة والأموال التي تؤخذ منها إنما هو الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من الله - غير القرآن - ذلك أن الله قال له:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) وقال هو لأصحابه: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال كذلك: "لتأخذوا عني مناسككم" فقد أمرهم بالاقتداء والاتباع له ولأفعاله، حيث أمرهم بأن يأخذوا عنه هيئة صلاتهم وأفعال حجهم ليوافقوا ما أمرهم الله به من حسن أدائهما، وكالصلاة والحج
(1) سورة النحل الآية 33.