المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السهم السادس:الأمر بالمعروف - سهام الإسلام

[عبد اللطيف سلطاني]

الفصل: ‌السهم السادس:الأمر بالمعروف

‌السهم السادس:

الأمر بالمعروف

قال الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).

حفاظا على سلامة الأمة المسلمة من كل ما يفسد عنها دينها وأخلاقها وطبائعها، أمر الله جل جلاله عباده المسلمين بأن يكونوا دعاة للخير والصلاح والفضيلة، لتستقيم لهم الحياة، كما أمرهم أن يحاربوا الرذيلة والشر والفساد، ذلك لأن الإسلام - بتوجيهاته للمسلمين - قد قوم معوجهم وأصلح خللهم، ودلهم على طريق العزة والكرامة وحب الخير، وطاعة ربهم واتباع سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

ولما كان الاختلاط بغير المسلمين أمرا متوقعا، نظرا لاحتكاك سكان المعمورة بعضهم ببعض، وفيهم المسلم والكافر، والعالم

(1) الآية 104 من سورة آل عمران.

ص: 127

والجاهل والمحسن والمسيء، أمرت الشريعة الإسلامية المسلمين بالمحافظة على عقيدتهم ودينهم وأخلاقهم حتى لا تتأثر جماعتهم بما تراه وتسمعه من أقوال وأعمال من لم يكن على ملتهم وأخلاقهم.

وهذا أمر له مغزاه في بقاء الأمة المسلمة سالمة من كل ما يفسد عليها دينها وعقيدتها وأخلاقها، كما هو مشاهد في هذا الوقت الذي قل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث فرضت الحكومات عليه قيودا أبعدت بها من هم أهل للقيام به خير قيام، وأوكلته إلى غير أهله إذ ليس لهم منه نصيب، لكل هذا وغيره جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليبقى جوهر الإسلام نقيا سالما من التأثر بما لم يكن ملائما له في شكله ومضمونه بل وجوهره أيضا.

فقد رأينا في هذا العصر الذي نعيش فيه كيف تبدلت أخلاق الكثيرين من المسلمين بسبب اتصالهم بغير المسلمين، ومساكنتهم إياهم في المنازل والبيوت والمتاجر وفى الأسواق والمجتمعات، وحتى في المعاهد التعليمية والجامعات، مما هو مشاهد ومعروف، فقد تأثر المسلمون بما عاينوه في غيرهم، وما لمسوه فيهم، فتغيرت - تبعا لهذا - عوائدهم الفاضلة، وأخلاقهم الإسلامية العالية، حتى صار البعض من المسلمين المجاورين للمسيحيين يحتفلون بليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر أعني ليلة ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، فيتخذون في منازلهم شجرة الميلاد، ويزينونها كما يزينها المسيحيون بأنواع الزينة

ص: 128

من حلويات وغيرها، ويهدون لأطفالهم هدايا عيد الميلاد كما يربي المسيحيون أطفالهم على تقبل تلك الهدايا التي يقدمونها لأولادهم بدعوى أنها هدية من أبيهم المسيح الخ، كي يشبوا على حب المسيح عليه السلام، وحتى بعض النساء المسلمات - وخاصة العجائز غير المثقفات - كن يقدمن الشموع - وقد رأيت ذلك بعيني - لبعض الكنائس المحترمة عند المسيحيبن، فكيف يقف العالم المشاهد لأمثال هذه المهازل ساكتا أمام هذه العقائد الضالة والمضللة؟ وكيف لا يجد العون والتشجيع من لدن حكومته التي كتبت في دستورها "الإسلام دين الدولة" وهل يقر الإسلام هذا؟ اللهم لا، فإذا لم يفسح المجال للعلماء كي يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فإن عاقبتنا غير مرضية.

ذلك ما حدث سواء في أوساط الشباب المسلم بالوراثة أو غيرهم من الرجال والنساء، فانتشر في الرجال ترك الصلاة وأكل رمضان وشرب الخمور وغير ذلك كاختلاط الرجال بالنساء في المجتمعات من غير حرج، وخاصة فقد نزعت من الكثير منهم الغيرة على حرماتهم اقتداء بمقلديهم، وكثر في المسلمات السفور والتبرج وانعدام الحياء وغير ذلك، مما أضر بهم في دينهم وعقيدتهم، فشربت الخمور المحرمة شرعا في المجتمعات العامة والخاصة وفى الأفراح وحتى في المنازل، وتركت الصلوات وانتهك المسلم حرمة شهر رمضان، فأكل جهارا في نهار رمضان، وانتهكت الحرمات، كل هذا من الدخلاء الذين جيء بهم إلى الأوطان الإسلامية ليعينوهم على النهوض ببلادهم بعد إخراج

ص: 129

المستعمرات منها، كما جاء هذا من مهاجرة المسلمين إلى الاوطان غير الإسلامية للعمل أو الدراسة، وجاوز هذا إلى الزواج بغير المسلمات والمسلمين، وكل هذا على مرآى ومسمع من الحكومات الإسلامية الدستور، فهي إذا لم تشجعه عمليا فقد شجعته بالسكوت عنه فلم تتأثر مما هو جار في وطنها المسؤولة عنه، ولم تقف حائلا دون تسربه إلى المجتمع الإسلامي النقي، ذلك أنه لا يعنيها أمر الدين وضياع الأخلاق الإسلامية وانتهاك الحرمات وفساد الأمة المحمدية، وهذا ما يشكو منه عقلاؤنا وينحسرون على وقوعه بيننا، ورضي به ذوو النفوس المريضة من الإسلام وعقيدته، وسموا ما هم فيه من فساد في الأخلاق وذبذبة في الأعمال - تقدما ونجاحا، حينما يرون البنت المسلمة - أو حتى المرأة - تتبرج في زي يبعث على السخرية والانحطاط الخلقي، كلباس "السراويل" الضيقة والمحددة، وما يتبعها من مخازي العصر الحاضر الذي أطلقوا عليه عصر التقدم والمدنية والرقي، ولست أدري هذا الرقي إلى أين؟ أإلي أعلى أم إلى أسفل؟.

وبهذه المخازي وأمثالها فقدنا الروح الوطنية الطيبة، وألفنا حياة المجون والفجور، وحياة الكسل والتسكع في الطرقات من الرجال والنساء، ونبذنا الأخلاق الكريمة والعزة النفسية والكرامة الإنسانية، وحتى الشهامة العربية والعزة القومية، فقدناها وفى فقدانها خسارة علينا لا يعوضها لنا ما ندعي أننا اكتسبناه.

ص: 130

وللقيام بهذا السهم العظيم من سهام الإسلام يجب أن نعرف أن القيام بالأمر بالمعروف له شروط مدروسة ومعروفة، منها الأهلية والقدرة على ذلك، وحرية الكلام وإفساح المجال له، كالمساجد والمجتمعات العامة، فإذا نظرنا بعين الواقع - اليوم - إلى الأوطان الإسلامية تكشف - لنا واقع هذه الأمة وشعوبها، فمن بيده من حكامهم الحل والعقد، والاباحة والمنع هم رجال السلطة القائمة في البلاد، وهذه السلطة بيد أناس تعلمهم كان في غير مدارس المسلمين، ومعلموهم من غير المسلمين طبعا، ومن هنا جاء الخطر على الإسلام، لهذا فهم لا يهتمون بشؤون الإسلام، ومن لا يهتم بشؤون الإسلام والمسلمين فليس منهم، وسواء عليهم أتقدم الإسلام أم تأخر؟ فلم يفسحوا المجال للقائمين بالأمر بالمعرواف والنهي عن النكر، بل ضيقوا عليهم مجاله الواسع، إذ لا يهمهم أمر هذا الدين حيي أو مات. فكيف يستطيع المسلم أن يقوم بهذا الفرض الكفائي أو العيني - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وهو مكمم الفم، مكسر القلم، معطل التفكير، وقد حيل بينه وبين قيامه بهذا الواجب الديني العظيم الحاث على الاستقامة على صراط الله المستقيم، في حين أفسح المجال لأعوان إبليس ودعاة الضلالة والفجور يقولون ما يشاؤون ويفعلون ما يريدون؟ وحالهم حال من قال:

أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ

إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ.

من أجل هذه الطوارئ الدخيلة علينا، والتي تنتاب المجتمع الإسلامي بين الحين والآخر، منها القوى التأثير، ومنها ضعيفه،

ص: 131

من أجل هذه وأمثالها أمر الإسلام المسلمين بالمحافظة على كيانهم ووحدتهم المتميزة عن غيرها، حتى لا يتزعزع أو يتصدع بنيانها، ولا يذهب رواؤها وبهاؤها، فأوجب على كل طوائف الأمة أن تكون يقظة حذرة من كل دخيل مفسد، ففرض الله على هذه الأمة المسلمة لذلك أن تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تسلم ذاتها من كل مرض خطير قد يجرها إلى العاقبة التي لا يرضاها رب العباد لها.

فالأمر بالمعروف من الفروض المؤكدة على من كانت فيه أهلية القيام به، سواء أكانت هذه الأهلية بسلطان الدولة أم بسلطان العلم والجاه، وكلا السلطانين مسؤول أمام الله عما هو واجب عليه، ولا تبرأ ذمته إلا بأداء ما هو فرض عليه، وخاصة من كان بيده قوة الزجر والردع، للكلمة المشهورة والمنقولة عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي:(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).

والمعروف ما عرفه الشرع الإسلامي وحبذه ودعا إليه ورغب فيه، من فعل الواجبات والسنن وجميع الطاعات لحماية البيئة وأخلاقها الطيبة، وللمحافظة على سلامة الأمة في دينها وأخلاقها وطاعتها لربها، فالأمر بالمعروف فرض كفاية على الذكر والأنثى سواء.

فالآمر بالمعروف داع يدعو الناس إلى فضيلة وخير وصلاح، وهذا واجب على كل المسلمين كما تقدم، لا ينجو منه أحد دون

ص: 132

أحد، إلا إذا وجد من يقوم به - وهذا هو فرض الكفاية - ويصلح الخلل الذي يطرأ على الفرد والمجتمع، وهو كما قلت فرض كفاية على جميع المسلمين، فإذا قام به قائم منهم سقط فرضه عن غيره، وإذا لم يقم به أحد من المسلمين تعلق الفرض والعقاب بالجميع، شأنه في هذا شأن سائر فروض الكفاية، كغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

ومن المعلوم - شرعا - أن الفرض فرضان، فرض عين وهو على كل أحد، وفرض كفاية، إذا فعله البعض فإنه يكفي عن جميع المسلمين، ففرض العين واجب على كل واحد بعينه، كصيام شهر رمضان والصلاة والشهادة وسائر أركان الإسلام الخمسة.

أما فرض الكفاية فإنه فرض في الجملة على المسلمين، فالمطلوب به وبفعله هي الأمة والجماعة، فإذا فعلته طائفة أو واحد منها فإن بقية الجماعة غير مسؤولة عنه ولا مطالبة بفعله، وقد سقط عنها التكليف به والفعل له، لأن واحدا من الجماعة قد فعله وقام به. وفرض العين أهم وأعظم من فرض الكفاية في الطلب والاعتبار.

ويرى جماعة من العلماء المحققين أن فرض الكفاية أهم من فرض العين، والاشتغال به أفضل من الاشتغلال بأداء فرض العين، وعللوا رأيهم هذا بأن القيام بفرض الكفاية - الواجب على العموم - يسقط الطلب عن جميع المسلمين المطالبين به، بخلاف فرض العين فإنه لو ترك ولم يفعل فإن الطالب به إنما

ص: 133

هو المطلوب به فقط والاثم يقع عليه وحده إذا لم يفعله، أما فرض الكفاية فإن لم يفعل وترك طولب به جميع المسلمين والاثم عليهم كلهم، ولو فعل وان من واحد سقط الحرج والطلب والاثم عن جميع المسلمين، فالقائم بفرض الكفاية عامل على صيانة وحفظ الأمة كلها من الاثم والعقاب، ولا شك في رجحان من عمل وحل محل المسلمين كلهم في القيام بأمر مهم من مهمات الدين.

فقد قال الإمام النووي رحمه الله: للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بفرض العين، من حيث أنه أسقط الحرج عن نفسه وعن كل المسلمين، كما قاله - أيضا - إمام الحرمين وأبوه الشيخ الجويني رحمهما الله (1).

والقرآن - كلام الله - الخالق العليم - نوه بشأن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، واعتبر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل أمة عمرت هذا الكون من بين من سبقها في الوجود من الأمم الهالكة، وهذا التفضيل من أجل قيامها بهذا الركن العظيم، الذي له آثاره الثابتة والقائمة في تحسين حالة الأمة وإصلاح شأنها، ذلك أن الفرد أو الجماعة قد يطغى هو أو تطغى هي بالمال أو الجاه أو السلطان - وهذا ما هو مشاهد حتى في وقتنا هذا - قلت قد يطغى الفرد أو الجماعة بسبب ما ذكر، فيتجالوز حدوده التي هي من اختصاصه فيمد يده إلى غير ما هو له، غير ناظر إلى ما يخوله له حقه في هذه الحياة، فيفعل ما لا

(1) متن جمع الجوامع وشرحه للجلال المحلي.

ص: 134

يليق به كفرد وسط أمة لها حقوق عليه وعلى غيره، فالواجب عليه أن يحترم نفسه، فلا يقول ولا يفعل ما ليس له فيه حق، فإذا تطاول هذا الطاغي بالمال - مثلا - كما قال الله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} أو ذاك بالجاه - مثلا - وجد في الأمة من يوفقه عند حده المحدود له وخطه المرسوم له بحكم درجته أو مركزه في مجتمع أمته، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فإذا لم تقم هذه الأمة بهذا السهم العظيم من سهام الإسلام في إصلاح أحوال مجتمعها سلبت منها هذه الأفضلية وصارت مثل الأمم المتقدمة عليها زمنيا.

لهذه المعاني وردت آية القرآن الكريمة مصرحة بما لهذه الأمة من المزية أو المزايا على غيرها من الأمم السابقة عليها لأنها - هذه الأمة - تعمل على ردع كل متجاوز لحدوده، بخلاف ما كانت عليه الأمم السابقة، كالأمة الاسرائيلية في أيامها من سكوتها - ولو كانت غير راضية - على مخالفي أحكام الشرائع الإلهية، فيما فعلوه أو تركوه، وأماتوه من أحكام شريعتهم التي كان عليها أسلافهم، والتي جاء بها من عند الله رسلهم وأنبياؤهم، قال تعالى في حق أمتنا المحمدية:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1).

(1) الآية 110 من سورة آل عمران.

ص: 135

والإسلام - كما قال العلماء - حياته وبقاؤه ودوامه وانتشاره متوقف على قيام أتباعه بهذا الركن العظيم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبهما انتشر وعم الأقطار، وبهما - إذا تركا - يضعف ويموت - لا قدر الله هذا - وتموت أمته بموته، وإن كانت حية حياة الحيوانات والبهائم، التي لا يحسب لها أي حساب، ولا يعتير لها وجود إلا بقدر ما تستغل حياتها البهيمية لصالح غيرها.

والأمر بالمعروف من أوكد الواجبات على من فيهم قابلية للقيام به، ولا بد للآمر بالمعروف أن يكون هو مطبقا وممتثلا في نفسه وفي كل أعماله وأقواله وفى كل تصرفاته لما يأمر به من المعروف، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أراد أن يأمر بشيء بدأ بأهله، ويتوعد كل من يخالف منهم عما يأمر به، فإذا لم يطبق على نفسه ما يأمر به، فهو من الخاسرين الهالكين، فهذا سيدنا شعيب عليه السلام أعطانا مثلا من نفسه، كما ذكر الله في القرآن، فقال تعالى في حقه عليه السلام:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (1) وقال تعالى في حق من يخالف فعله قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (2).

(1) الآية 88 من سورة هود.

(2)

الآية 44 من سورة البقرة.

ص: 136

ومثل ما ورد في القرآن ما جاء في السنة النبوية من أحوال من يأمر بالمعروف ولا يأتمر هو، فلا يطبق على نفسه ما يدعو الناس إليه، وما أكثر هذا الصنف في الدعاة في وقتنا هذا، بل وما أخطره على الإسلام ودعوته، من حيث أنهم يصدون الناس عن الاهتداء بهدى الله، يصدونهم عن هذا بتصرفاتهم المخالفة لروح الشريعة التي نصبوا أنفسهم دعاة لها يصدونهم ويبعدونهم عن ساحة الإسلام الطاهرة والنقية من أمثال هؤلاء الدعاة الأدعياء في الإسلام، خصوصا إذا لم يكن الواحد منهم متمكنا من معرفة الشريعة، فإن عامة المسلمين - غير العالمين - ينظرون إلى الشخص الماثل أمامهم رافعا صوته بالدعوة إلى الدين، ويرون كذلك أنه العالم بالدين العامل به والمطبق لأحكامه، وما بدر منه هو الحق وهو الإسلام، ويجب الاقتداء به، وقد لفت الإسلام النظر إلى أعمال هذا الصنف من الناس، كأنه يقول لا تغتروا بالمظاهر وبما يظهر لكم من تصرفات وأعمال هؤلاء الآمرين بالمعروف، حتى تزنوا أعمالهم وتقابلوها بأقوالهم، وفى مثل هؤلاء ورد الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى!! قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".

ص: 137

هذا هو جزاء وعقاب الذين يقولون ما لا يفعلون، فقد شرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين لنا ما ينتظرهم يوم الجزاء على الأعمال والأقوال المخالفة لشرع الله، وعقابهم هذا - زيادة عن كونهم في نار جهنم - عقاب شديد، حيث أن الواحد منهم يلقى ويرمى في نار جهنم إلقاء شديدا يؤدي به إلى خروج أمعائه من بطنه - وهو معنى تندلق - والأقتاب واحدها - قتب بالفتح - وهي الأمعاء أو المعي.

اللهم إننا نسألك يا رحيم بعباده الضعفاء أن توفقنا إلى صالح الأقوال والأعمال، واحفظنا من أفعال من تخالف أفعالهم أقوالهم يا رحيم يا رحمن، آمين.

***

ص: 138