الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة
اعْلَم أَن الْكتاب لُغَة مَعْنَاهُ الضَّم وَالْجمع يُقَال كتبت كتبا وَكِتَابَة وكتابا وَمِنْه قَوْلهم تكتبت بَنو فلَان إِذا اجْتَمعُوا وَكتب إِذا خطّ بالقلم لما فِيهِ من اجْتِمَاع الْكَلِمَات والحروف
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَصح أَن يكون مشتقا من الْكتب لِأَن الْمصدر لَا يشتق من الْمصدر
وَأجِيب بِأَن الْمَزِيد يشتق من الْمُجَرّد
وَاصْطِلَاحا اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْعلم ويعبر عَنْهَا بِالْبَابِ وبالفصل أَيْضا
فَإِن جمع بَين الثَّلَاثَة قيل الْكتاب اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْعلم مُشْتَمِلَة على أَبْوَاب وفصول ومسائل غَالِبا وَالْبَاب اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْكتاب مُشْتَمِلَة على فُصُول ومسائل غَالِبا والفصل اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْبَاب مُشْتَمِلَة على مسَائِل غَالِبا
وَالْبَاب لُغَة مَا يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى غَيره والفصل لُغَة الحاجز بَين الشَّيْئَيْنِ وَالْكتاب هُنَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى محذوفين كَمَا قدرته وَكَذَا يقدر فِي كل كتاب أَو بَاب أَو فصل بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ وَإِذ قد علمت ذَلِك فَلَا احْتِيَاج إِلَى تَقْدِير ذَلِك فِي كل كتاب أَو بَاب أَو فصل اختصارا
(الطَّهَارَة لُغَة وَشرعا) وَالطَّهَارَة لُغَة النَّظَافَة والخلوص من الأدناس حسية كَانَت كالأنجاس أَو معنوية كالعيوب يُقَال طهر بِالْمَاءِ وهم قوم يتطهرون أَي يتنزهون عَن الْعَيْب وَأما فِي الشَّرْع فَاخْتلف فِي تَفْسِيرهَا وَأحسن مَا قيل فِيهِ إِنَّه ارْتِفَاع الْمَنْع الْمُتَرَتب على الْحَدث وَالنَّجس فَيدْخل فِيهِ غسل الذِّمِّيَّة والمجنونة ليحلا لحليلهما الْمُسلم فَإِن الِامْتِنَاع من الْوَطْء قد زَالَ وَقد يُقَال إِنَّه لَيْسَ شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لم يرفع حَدثا وَلم يزل نجسا وَكَذَا يُقَال فِي غسل الْمَيِّت الْمُسلم فَإِنَّهُ أَزَال الْمَنْع من الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلم يزل بِهِ حدث وَلَا نجس بل هُوَ تكرمة للْمَيت وَقيل هِيَ فعل مَا تستباح بِهِ الصَّلَاة
(تَقْسِيم الطَّهَارَة إِلَى وَاجِب ومستحب) وتنقسم إِلَى وَاجِب كالطهارة عَن الْحَدث ومستحب كتجديد الْوضُوء والأغسال المسنونة ثمَّ الْوَاجِب يَنْقَسِم إِلَى بدني وقلبي فالقلبي كالحسد وَالْعجب وَالْكبر والرياء
قَالَ الْغَزالِيّ معرفَة حُدُودهَا وأسبابها وطبها وعلاجها فرض عين يجب تعلمه والبدني إِمَّا بِالْمَاءِ أَو بِالتُّرَابِ أَو بهما كَمَا فِي ولوغ الْكَلْب أَو بِغَيْرِهِمَا كالحريف فِي الدّباغ أَو بِنَفسِهِ كانقلاب الْخمر خلا
(القَوْل فِي أَنْوَاع الْمِيَاه) وَقَوله (الْمِيَاه) جمع مَاء وَالْمَاء مَمْدُود على الْأَفْصَح وَأَصله موه تحركت الْوَاو وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا ثمَّ أبدلت الْهَاء همزَة
وَمن عَجِيب لطف الله تَعَالَى أَنه أَكثر مِنْهُ وَلم يحوج فِيهِ إِلَى كثير معالجة لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ (الَّتِي يجوز التَّطْهِير بهَا) أَي بِكُل وَاحِد مِنْهَا عَن الْحَدث والخبث
وَالْحَدَث فِي اللُّغَة الشَّيْء الْحَادِث وَفِي الشَّرْع يُطلق على أَمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وعَلى الْأَسْبَاب الَّتِي يَنْتَهِي بهَا الطُّهْر وعَلى الْمَنْع الْمُتَرَتب على ذَلِك وَالْمرَاد هُنَا الأول لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يرفعهُ إِلَّا المَاء بِخِلَاف الْمَنْع لِأَنَّهُ صفة الْأَمر الاعتباري فَهُوَ غَيره لِأَن الْمَنْع هُوَ الْحُرْمَة وَهِي ترْتَفع ارتفاعا مُقَيّدا بِنَحْوِ التَّيَمُّم بِخِلَاف الأول
وَلَا فرق فِي الْحَدث بَين الْأَصْغَر وَهُوَ مَا نقض الْوضُوء والمتوسط وَهُوَ مَا أوجب الْغسْل من جماع أَو إِنْزَال والأكبر وَهُوَ مَا أوجبه من حيض أَو نِفَاس
والخبث فِي اللُّغَة مَا يستقذر وَفِي الشَّرْع مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وَلَا فرق فِيهِ بَين المخفف كبول صبي لم يطعم غير لبن والمتوسط كبول غَيره من غير نَحْو الْكَلْب والمغلظ كبول نَحْو الْكَلْب
وَإِنَّمَا تعين المَاء فِي رفع الْحَدث لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} وَالْأَمر للْوُجُوب فَلَو رفع غير المَاء لما وَجب التَّيَمُّم عِنْد فَقده
وَنقل ابْن الْمُنْذر وَغَيره الْإِجْمَاع على اشْتِرَاطه فِي الْحَدث إِزَالَة الْخبث لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ حِين بَال الْأَعرَابِي فِي الْمَسْجِد صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء والذنُوب الدَّلْو الممتلئة مَاء
وَالْأَمر للْوُجُوب كَمَا مر فَلَو كفى غَيره لما وَجب غسل الْبَوْل بِهِ وَلَا يُقَاس بِهِ غَيره لِأَن الطُّهْر بِهِ عِنْد الإِمَام تعبدي وَعند غَيره مَعْقُول الْمَعْنى لما فِيهِ من الرقة واللطافة الَّتِي لَا تُوجد فِي غَيره
الْأَفْعَال كَانَ بِمَعْنى الْحل وَهُوَ هُنَا بِمَعْنى الْأَمريْنِ لِأَن من أَمر غير المَاء على أَعْضَاء الطَّهَارَة بنية الْوضُوء أَو الْغسْل لَا يجوز وَيحرم لِأَنَّهُ تقرب بِمَا لَيْسَ مَوْضُوعا للتقرب فعصى لتلاعبه (سبع مياه) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة أَحدهَا (مَاء السَّمَاء) لقَوْله تَعَالَى {وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء}
تَنْبِيه يجوز إِذا أضيف إِلَى الْعُقُود كَانَ بِمَعْنى الصِّحَّة وَإِذا أضيف إِلَى مَاء ليطهركم بِهِ وَبَدَأَ المُصَنّف رحمه الله بهَا لشرفها على الأَرْض كَمَا هُوَ الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع
وَهل للمراد بالسماء فِي الْآيَة الجرم الْمَعْهُود أَو السَّحَاب قَولَانِ
حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ فِي دقائق الرَّوْضَة وَلَا مَانع من أَن ينزل من كل مِنْهُمَا
(و) ثَانِيهَا (مَاء الْبَحْر) أَي المالح لحَدِيث هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَسمي بحرا لعمقه واتساعه
تَنْبِيه حَيْثُ أطلق الْبَحْر فَالْمُرَاد بِهِ المالح غَالِبا ويقل فِي العذب كَمَا قَالَه فِي الْمُحكم
فَائِدَة اعْترض بَعضهم على الشَّافِعِي فِي قَوْله كل مَاء من بَحر عذب أَو مالح فالتطهير بِهِ جَائِز بِأَنَّهُ لحن وَإِنَّمَا يَصح من بَحر ملح وَهُوَ مخطىء فِي ذَلِك
قَالَ الشَّاعِر (الطَّوِيل) فَلَو تفلت فِي الْبَحْر وَالْبَحْر مالح لأصبح مَاء الْبَحْر من رِيقهَا عذبا وَلَكِن فهمه السقيم أَدَّاهُ إِلَى ذَلِك قَالَ الشَّاعِر وَكم من عائب قولا صَحِيحا وآفته من الْفَهم السقيم (و) ثَالِثهَا (مَاء النَّهر) العذب وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء وسكونها كالنيل والفرات وَنَحْوهمَا بِالْإِجْمَاع
(و) رَابِعهَا (مَاء الْبِئْر) لقَوْله صلى الله عليه وسلم المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء لما سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ تَوَضَّأ مِنْهَا وَمن بِئْر رومة
تَنْبِيه شَمل إِطْلَاقه الْبِئْر بِئْر زَمْزَم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مِنْهَا
وَفِي الْمَجْمُوع حِكَايَة الْإِجْمَاع على صِحَة الطَّهَارَة بِهِ وَإنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِزَالَة النَّجَاسَة بِهِ سِيمَا فِي الِاسْتِنْجَاء لما قيل إِنَّه يُورث البواسير وَذكر نَحوه ابْن الملقن فِي شرح البُخَارِيّ وَهل إِزَالَة النَّجَاسَة بِهِ حرَام أَو مَكْرُوه أَو خلاف الأولى أوجه حَكَاهَا الدَّمِيرِيّ وَالطّيب النَّاشِرِيّ من غير تَرْجِيح تبعا للْأَذْرَعِيّ
وَالْمُعْتَمد الْكَرَاهَة لِأَن أَبَا ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَزَال بِهِ الدَّم الَّذِي أدمته قُرَيْش حِين رَجَمُوهُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيح مُسلم وغسلت أَسمَاء بنت أبي بكر وَلَدهَا عبد الله ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حِين قتل وتقطعت أوصاله بِمَاء زَمْزَم بِمحضر من الصَّحَابَة وَغَيرهم وَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهَا أحد مِنْهُم
(و) خَامِسهَا (مَاء الْعين) الأرضية كالنابعة من أَرض أَو الْجَبَل أَو الحيوانية كالنابعة من الزلَال وَهُوَ شَيْء ينْعَقد من المَاء على صُورَة الْحَيَوَان أَو الإنسانية كالنابعة من بَين أَصَابِعه صلى الله عليه وسلم من ذَاتهَا على خلاف فِيهِ وَهُوَ أفضل الْمِيَاه مُطلقًا
(و) سادسها (مَاء الثَّلج) بِالْمُثَلثَةِ (و) سابعها (مَاء الْبرد) بِفَتْح الر لِأَنَّهُمَا ينزلان من السَّمَاء ثمَّ يعرض لَهما الجمود فِي الْهَوَاء كَمَا يعرض لَهما على وَجه الأَرْض قَالَه ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة
فَلَا يردان على المُصَنّف وَكَذَا لَا يرد عَلَيْهِ أَيْضا رشح بخار المَاء لِأَنَّهُ مَاء حَقِيقَة وَينْقص بِقَدرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَغَيره وَإِن قَالَ الرَّافِعِيّ تازع فِيهِ عَامَّة الْأَصْحَاب وَقَالُوا يسمونه بخارا أَو رشحا لَا مَاء على الْإِطْلَاق وَلَا مَاء الزَّرْع إِذا قُلْنَا بطهوريته وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ لَا يخرج عَن أحد الْمِيَاه الْمَذْكُورَة
(القَوْل فِي أَقسَام الْمِيَاه من حَيْثُ التَّطْهِير بهَا وَعَدَمه)(ثمَّ الْمِيَاه) الْمَذْكُورَة (على أَرْبَعَة أَقسَام)
أَحدهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (مطهر) لغيره (غير مَكْرُوه) اسْتِعْمَاله (وَهُوَ المَاء الْمُطلق)
(حَقِيقَة المَاء الْمُطلق) وَهُوَ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم مَاء بِلَا قيد بِإِضَافَة كَمَاء ورد أَو بِصفة كَمَاء دافق أَو بلام عهد كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم نعم إِذا رَأَتْ المَاء يَعْنِي الْمَنِيّ قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَلَا يحْتَاج لتقييد الْقَيْد بِكَوْنِهِ لَازِما لِأَن الْقَيْد الَّذِي لَيْسَ بِلَازِم كَمَاء الْبِئْر مثلا ينْطَلق اسْم المَاء عَلَيْهِ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَة للِاحْتِرَاز عَنهُ وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْقَيْد فِي جَانب الْإِثْبَات كَقَوْلِنَا غير الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد بِقَيْد لَازم
اه
(المَاء الْمُطلق يَشْمَل الْمُتَغَيّر بِمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ حكما أَو اسْما) تَنْبِيه تَعْرِيف الْمُطلق بِمَا ذكر هُوَ مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج
وَأورد عَلَيْهِ الْمُتَغَيّر كثيرا بِمَا لَا يُؤثر فِيهِ كطين وطحلب وَمَا فِي مقره وممره فَإِنَّهُ مُطلق مَعَ أَنه لم يعر عَمَّا ذكر
وَأجِيب بِمَنْع أَنه مُطلق وَإِنَّمَا أعْطى حكمه فِي جَوَاز التَّطْهِير بِهِ للضَّرُورَة فَهُوَ
مُسْتَثْنى من غير الْمُطلق على أَن الرَّافِعِيّ قَالَ أهل اللِّسَان وَالْعرْف لَا يمتنعون من إِيقَاع اسْم المَاء الْمُطلق عَلَيْهِ وَعَلِيهِ لَا إِيرَاد وَلَا يرد المَاء الْقَلِيل الَّذِي وَقعت فِيهِ نَجَاسَة وَلم تغيره وَلَا المَاء الْمُسْتَعْمل لِأَنَّهُ غير مُطلق
(و) ثَانِيهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (مطهر) لغيره إِلَّا (أَنه مَكْرُوه) اسْتِعْمَاله شرعا تَنْزِيها فِي الطَّهَارَة (وَهُوَ المَاء المشمس) أَي المتشمس لما روى الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يكره الِاغْتِسَال بِهِ وَقَالَ إِنَّه يُورث البرص لَكِن بِشُرُوط الأول أَن يكون بِبِلَاد حارة أَي وتنقله الشَّمْس عَن حَالَته إِلَى حَالَة أُخْرَى كَمَا نَقله فِي الْبَحْر عَن الْأَصْحَاب
وَالثَّانِي أَن يكون فِي آنِية منطبعة غير النَّقْدَيْنِ وَهِي كل مَا طرق نَحْو الْحَدِيد والنحاس
وَالثَّالِث أَن يسْتَعْمل فِي حَال حرارته فِي الْبدن لِأَن الشَّمْس بحدتها تفصل مِنْهُ زهومة تعلو المَاء فَإِذا لاقت الْبدن بسخونتها خيف أَن تقبض عَلَيْهِ فيحتبس الدَّم فَيحصل البرص وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن اسْتِعْمَاله فِي الْبدن لغير الطَّهَارَة كشرب كالطهارة بِخِلَاف مَا إِذا اسْتعْمل فِي غير الْبدن كَغسْل ثوب لفقد الْعلَّة الْمَذْكُورَة وَبِخِلَاف المسخن بالنَّار المعتدل وَإِن سخن بِنَجس وَلَو بروث نَحْو كلب فَلَا يكره لعدم ثُبُوت النَّهْي عَنهُ ولذهاب الزهومة لقُوَّة تأثيرها وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِبِلَاد بَارِدَة أَو معتدلة وَبِخِلَاف المشمس فِي غير المنطبع كالخزف والحياض أَو فِي منطبع نقد لصفاء جوهره أَو اسْتعْمل فِي الْبدن بعد أَن برد وَأما الْمَطْبُوخ بِهِ فَإِن كَانَ مَائِعا كره وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَيكرهُ فِي الأبرص لزِيَادَة الضَّرَر وَكَذَا فِي الْمَيِّت لِأَنَّهُ مُحْتَرم وَفِي غير الْآدَمِيّ من الْحَيَوَان إِن كَانَ البرص يُدْرِكهُ كالخيل وَإِنَّمَا لم يحرم المشمس كالسم لِأَن ضَرَره مظنون بِخِلَاف السم وَيجب اسْتِعْمَاله عِنْد فقد غَيره
أَي عِنْد ضيق الْوَقْت
(القَوْل فِي المَاء شَدِيد السخونة والبرودة) وَيكرهُ أَيْضا تَنْزِيها شَدِيد السخونة أَو الْبُرُودَة فِي الطَّهَارَة لمَنعه الإسباغ وَكَذَا مياه ديار ثَمُود وكل مَاء مغضوب على أَهله
كَمَاء ديار قوم لوط وَمَاء الْبِئْر الَّتِي وضع فِيهَا السحر لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم
فَإِن الله تَعَالَى مسخ ماءها حَتَّى صَار كنقاعة الْحِنَّاء وَمَاء ديار بابل
(القَوْل فِي أَقسَام الطَّاهِر غير المطهر)(و) ثَالِثهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (غير مطهر) لغيره (وَهُوَ) المَاء الْقَلِيل (الْمُسْتَعْمل) فِي فرض الطَّهَارَة عَن حدث كالغسلة الأولى أما كَونه طَاهِرا فَلِأَن السّلف الصَّالح كَانُوا لَا يحترزون عَمَّا يتطاير عَلَيْهِم مِنْهُ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم عَاد جَابِرا فِي مَرضه فَتَوَضَّأ وصب عَلَيْهِ من وضوئِهِ
وَأما دَلِيل إِنَّه غير مطهر لغيره فَلِأَن السّلف الصَّالح كَانُوا مَعَ قلَّة مِيَاههمْ لم يجمعوا الْمُسْتَعْمل للاستعمال ثَانِيًا بل انتقلوا إِلَى التَّيَمُّم وَلم يجمعوه للشُّرْب لِأَنَّهُ مستقذر
(القَوْل فِي المَاء الْمُسْتَعْمل) تَنْبِيه المُرَاد بِالْفَرْضِ مَا لَا بُد مِنْهُ أَثم الشَّخْص بِتَرْكِهِ كحنفي تَوَضَّأ بِلَا نِيَّة أم لَا كصبي إِذْ لَا بُد لصِحَّة صلاتهما من وضوء وَلَا أثر لاعتقاد الشَّافِعِي أَن مَاء الْحَنَفِيّ فِيمَا ذكر لم يرفع حَدثا بِخِلَاف اقتدائه بحنفي مس فرجه حَيْثُ لَا يَصح اعْتِبَارا باعتقاده لِأَن الرابطة مُعْتَبرَة فِي الِاقْتِدَاء دون الطهارات
تَنْبِيه اخْتلف فِي عِلّة منع اسْتِعْمَال المَاء الْمُسْتَعْمل فَقيل وَهُوَ الْأَصَح إِنَّه غير مُطلق كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيقه وَغَيره وَقيل مُطلق وَلَكِن منع من اسْتِعْمَاله تعبدا كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح التَّنْبِيه إِنَّه الصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَرين
وَخرج بِالْمُسْتَعْملِ فِي فرض الْمُسْتَعْمل فِي نفل الطَّهَارَة كالغسل الْمسنون وَالْوُضُوء المجدد فَإِنَّهُ طهُور على الْجَدِيد
تَنْبِيه من الْمُسْتَعْمل مَاء غسل بدل مسح من رَأس أَو خف وَمَاء غسل كَافِرَة لتحل لحليلها الْمُسلم
وَأورد على ضَابِط الْمُسْتَعْمل مَاء غسل بِهِ الرّجلَانِ بعد مسح الْخُف وَمَاء غسل بِهِ الْوَجْه قبل بطلَان التَّيَمُّم وَمَاء غسل بِهِ الْخبث المعفو عَنهُ فَإِنَّهَا لَا ترفع الْحَدث مَعَ أَنَّهَا لم تسْتَعْمل فِي فرض
وَأجِيب عَن الأول بِمَنْع عدم رَفعه لِأَن غسل الرجلَيْن لم يُؤثر شَيْئا
وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي فرض وَهُوَ رفع الْحَدث الْمُسْتَفَاد بِهِ أَكثر من فَرِيضَة
وَعَن الثَّالِث بِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي فرض أَصَالَة
(لَا يكون المَاء مُسْتَعْملا إِلَّا إِذا انْفَصل عَن الْعُضْو) فَائِدَة المَاء مَا دَامَ مترددا على الْعُضْو لَا يثبت لَهُ حكم الِاسْتِعْمَال مَا بقيت الْحَاجة إِلَى الِاسْتِعْمَال بالِاتِّفَاقِ للضَّرُورَة فَلَو
نوى جنب رفع الْجَنَابَة وَلَو قبل تَمام الانغماس فِي مَاء قَلِيل أَجزَأَهُ الْغسْل بِهِ فِي ذَلِك الْحَدث وَكَذَا فِي غَيره وَلَو من غير جنسه كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الْأَئِمَّة وَصرح بِهِ القَاضِي وَغَيره وَلَو نوى جنبان مَعًا بعد تَمام الانغماس فِي مَاء قَلِيل طهرا أَو مُرَتبا وَلَو قبل تَمام الانغماس فَالْأول فَقَط أَو نويا مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لم يرْتَفع حَدثهمَا عَن باقيهما وَلَو شكا فِي الْمَعِيَّة فَالظَّاهِر كَمَا بَحثه بَعضهم أَنَّهُمَا يطهران لأننا لَا نسلب الطّهُورِيَّة بِالشَّكِّ وسلبها فِي حق أَحدهمَا فَقَط تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَالْمَاء المتردد على عُضْو المتوضىء وعَلى بدن الْجنب وعَلى الْمُتَنَجس إِن لم يتَغَيَّر طهُور فَإِن جرى المَاء من عُضْو المتوضىء إِلَى عضوه الآخر وَإِن لم يكن من أَعْضَاء الْوضُوء كَأَن جَاوز مَنْكِبه أَو تقاطر من عُضْو وَلَو من عُضْو بدن الْجنب صَار مُسْتَعْملا نعم مَا يغلب فِيهِ التقاذف كمن الْكَفّ إِلَى الساعد وَعَكسه لَا يصير مُسْتَعْملا للْعُذْر وَإِن خرقه الْهَوَاء كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَلَو غرف بكفه جنب نوى رفع الْجَنَابَة أَو مُحدث بعد غسل وَجهه الغسلة الأولى على مَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ وَغَيره أَو الغسلات الثَّلَاث كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ أوجه إِن لم يرد الِاقْتِصَار على أقل من ثَلَاث من مَاء قَلِيل وَلم ينْو الاغتراف بِأَن نوى اسْتِعْمَالا أَو أطلق صَار مُسْتَعْملا فَلَو غسل بِمَا فِي كَفه بَاقِي يَده لَا غَيرهَا أَجزَأَهُ أما إِذا نوى الاغتراف بِأَن قصد نقل المَاء من الْإِنَاء وَالْغسْل بِهِ خَارجه لم يصر مُسْتَعْملا
(القَوْل فِي المَاء الْمُتَغَيّر وشروطه)
(و) مثل المَاء الْمُسْتَعْمل المَاء (الْمُتَغَيّر) طعمه أَو لَونه أَو رِيحه (بِمَا) أَي بِشَيْء (خالطه من) الْأَعْيَان (الطاهرات) الَّتِي لَا يُمكن فصلها المستغنى عَنْهَا كمسك وزعفران وَمَاء شجر ومني وملح جبلي تغيرا يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ المَاء قَلِيلا أم كثيرا لِأَنَّهُ لَا يُسمى مَاء وَلِهَذَا لَو حلف لَا يشرب مَاء أَو وكل فِي شِرَائِهِ فَشرب ذَلِك أَو اشْتَرَاهُ لَهُ وَكيله لم يَحْنَث وَلم يَقع الشِّرَاء لَهُ وَسَوَاء أَكَانَ التَّغَيُّر حسيا أم تقديريا
(حَقِيقَة التَّغْيِير التقديري) حَتَّى لَو وَقع فِي المَاء مَائِع يُوَافقهُ فِي الصِّفَات كَمَاء الْورْد الْمُنْقَطع الرَّائِحَة فَلم يتَغَيَّر وَلَو قدرناه بمخالف وسط كلون الْعصير وَطعم الرُّمَّان وريح اللاذن لغيره ضرّ بِأَن تعرض عَلَيْهِ جَمِيع هَذِه الصِّفَات لَا الْمُنَاسب للْوَاقِع فِيهِ فَقَط وَلَا يقدر بالأشد كلون الحبر وَطعم الْخلّ وريح الْمسك بِخِلَاف الْخبث لغلظه أما الْملح المائي فَلَا يضر التَّغَيُّر بِهِ وَإِن كثر لِأَنَّهُ مُنْعَقد من المَاء وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل كمائع فيفرض مُخَالفا وسطا للْمَاء فِي صِفَاته لَا فِي تَكْثِير المَاء فَلَو ضم إِلَى مَاء قَلِيل فَبلغ قُلَّتَيْنِ صَار طهُورا وَإِن أثر فِي المَاء بفرضه مُخَالفا
وَلَا يضر تغير يسير بطاهر لَا يمْنَع الِاسْم لتعذر صون المَاء عَنهُ ولبقاء إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ وَكَذَا لَو شكّ فِي أَن تغيره كثير أَو يسير نعم إِن كَانَ التَّغَيُّر كثيرا ثمَّ شكّ فِي أَن التَّغَيُّر الْآن يسير أَو كثير لم يطهر عملا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَتَيْنِ قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَلَا يضر تغير بمكث وَإِن فحش التَّغَيُّر وطين وطحلب وَمَا فِي مقره وممره ككبريت وزرنيخ ونورة لتعذر صون المَاء عَن ذَلِك وَلَا يضر أوراق شَجَرَة تناثرت وتفتتت واختلطت وَإِن كَانَت ربيعية أَو بعيدَة عَن المَاء لتعذر صون المَاء عَنْهَا إِن طرحت وتفتتت أَو أخرج مِنْهُ الطحلب أَو الزرنيخ ودق نَاعِمًا وَأُلْقِي فِيهِ فَغَيره فَإِنَّهُ يضر أَو تغير بالثمار الساقطة فِيهِ لِإِمْكَان التَّحَرُّز عَنْهَا غَالِبا
(حَقِيقَة الْفرق بَين المخالط والمجاور) وَاحْترز بِقَيْد المخالط عَن المجاور الطَّاهِر كعود ودهن وَلَو مطيبين وكافور صلب فَلَا يضر التَّغَيُّر بِهِ لِإِمْكَان فَصله وَبَقَاء اسْم الْإِطْلَاق عَلَيْهِ
وَكَذَا لَا يضر التَّغَيُّر بِتُرَاب وَلَو مُسْتَعْملا طرح لِأَن تغيره مُجَرّد كدورة فَلَا يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ نعم إِن تغير حَتَّى صَار لَا يُسمى إِلَّا طينا رطبا ضرّ وَمَا تقرر فِي التُّرَاب الْمُسْتَعْمل هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين
(القَوْل فِي أَقسَام المَاء الْمُتَنَجس)(و) رَابِعهَا (مَاء نجس) أَي مُتَنَجّس (وَهُوَ الَّذِي حلت فِيهِ) أَو لاقته (نَجَاسَة) تدْرك بالبصر (وَهُوَ) قَلِيل (دون الْقلَّتَيْنِ) بِثَلَاثَة أَرْطَال فَأكْثر سَوَاء تغير أم لَا لمَفْهُوم حَدِيث الْقلَّتَيْنِ الْآتِي وَلخَبَر مُسلم إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده نَهَاهُ عَن الغمس خشيَة النَّجَاسَة وَمَعْلُوم أَنَّهَا إِذا خفيت لَا تغير المَاء فلولا أَنَّهَا تنجسه بوصولها لم يَنْهَهُ
(لَا يَتَنَجَّس الْكثير إِلَّا بالتغيير بِالنَّجَاسَةِ)(أَو كَانَ كثيرا) بِأَن بلغ قُلَّتَيْنِ فَأكْثر (فَتغير) بِسَبَب النَّجَاسَة لِخُرُوجِهِ عَن الطاهرية وَلَو كَانَ التَّغَيُّر يَسِيرا حسيا أَو تقديريا فَهُوَ نجس بِالْإِجْمَاع الْمُخَصّص لخَبر الْقلَّتَيْنِ الْآتِي وَلخَبَر التِّرْمِذِيّ وَغَيره المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء كَمَا خصصه مَفْهُوم خبر الْقلَّتَيْنِ الْآتِي فالتغير الْحسي ظَاهر
(حَقِيقَة التَّغْيِير التقديري) والتقديري بِأَن وَقعت فِيهِ نَجَاسَة مائعة توافقه فِي الصِّفَات كبول انْقَطَعت رَائِحَته وَلَو فرض مُخَالفا لَهُ فِي أغْلظ الصِّفَات كلون الحبر وَطعم الْخلّ وريح الْمسك لغيره فَإِنَّهُ يحكم بِنَجَاسَتِهِ فَإِن لم يتَغَيَّر فطهور لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث قَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَغَيره بِإِسْنَاد صَحِيح فَإِنَّهُ لَا ينجس وَهُوَ المُرَاد بقوله لم يحمل الْخبث أَي يدْفع النَّجس وَلَا يقبله وَفَارق كثير المَاء كثير غَيره فَإِنَّهُ ينجس بِمُجَرَّد ملاقاة النَّجَاسَة بِأَن كَثِيره قوي ويشق حفظه عَن النَّجس بِخِلَاف غَيره وَإِن كثر
تَنْبِيهَانِ الأول لَو شكّ فِي كَونه قُلَّتَيْنِ وَوَقعت فِيهِ نَجَاسَة هَل ينجس أَو لَا ينجس رأيان أصَحهمَا الثَّانِي بل قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الصَّوَاب أَنه لَا ينجس إِذْ الأَصْل الطَّهَارَة وشككنا فِي نَجَاسَة منجسة وَلَا يلْزم من حُصُول النَّجَاسَة التَّنْجِيس
الثَّانِي لَو تغير بعض المَاء فالمتغير كنجاسة جامدة لَا يجب التباعد عَنْهَا بقلتين وَالْبَاقِي إِن قل فنجس وَإِلَّا فطاهر فَلَو غرف دلوا من مَاء قُلَّتَيْنِ فَقَط وَفِيه نَجَاسَة جامدة لم تغيره وَلم يغرفها مَعَ المَاء فباطن الدَّلْو طَاهِر لانفصال مَا فِيهِ عَن الْبَاقِي قبل أَن ينقص عَن قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهرهَا لتنجسه بِالْبَاقِي الْمُتَنَجس بِالنَّجَاسَةِ لقلته فَإِن دخلت مَعَ المَاء أَو قبله فِي الدَّلْو انعكس الحكم
فَائِدَة تَأْنِيث الدَّلْو أفْصح من تذكيره
(القَوْل فِي حكم زَوَال التَّغْيِير) فَإِن زَالَ تغيره الْحسي أَو التقديري بِنَفسِهِ بِأَن لم يحدث فِيهِ شَيْء كَأَن زَالَ بطول الْمكْث أَو بِمَاء انْضَمَّ إِلَيْهِ بِفعل أَو غَيره أَو أَخذ مِنْهُ وَالْبَاقِي قلتان طهر لزوَال سَبَب التَّنْجِيس
فَإِن زَالَ تغيره بمسك أَو نَحوه كزعفران أَو بِتُرَاب لم يطهر لأَنا لَا نَدْرِي أَن أَوْصَاف النَّجَاسَة زَالَت أَو غلب عَلَيْهَا مَا ذكر فاستترت وَيسْتَثْنى من النَّجس ميتَة لَا دم لَهَا سَائل أَصَالَة بِأَن لَا يسيل دَمهَا عِنْد شقّ عُضْو مِنْهَا فِي حَيَاتهَا كزنبور وعقرب ووزغ وذباب وقمل وبرغوث لَا نَحْو حَيَّة وضفدع وفأرة فَلَا تنجس مَاء أَو غَيره بوقوعها فِيهِ بِشَرْط أَن لَا يَطْرَحهَا طارح وَلم تغيره لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَلخَبَر البُخَارِيّ إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء أَي وَهُوَ الْيَسَار كَمَا قيل وَفِي الآخر شِفَاء زَاد أَبُو دَاوُد
وَإنَّهُ يتقى بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء وَقد يُفْضِي غمسه إِلَى مَوته فَلَو نجس الْمَائِع لما أَمر بِهِ وَقيس بالذباب مَا فِي مَعْنَاهُ من كل ميتَة لَا يسيل دَمهَا فَلَو شككنا فِي سيل دَمهَا امتحن بجنسها فتجرح للْحَاجة قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَو كَانَت مِمَّا يسيل دَمهَا لَكِن لَا دم فِيهَا أَو فِيهَا دم لَا يسيل لصغرها فلهَا حكم مَا يسيل دَمهَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب
(القَوْل فِي النَّجَاسَة المعفو عَنْهَا) وَيسْتَثْنى أَيْضا نجس لَا يُشَاهد بالبصر لقلته كنقطة بَوْل وخمر وَمَا يعلق بِنَحْوِ رجل ذُبَاب لعسر الِاحْتِرَاز عَنهُ فَأشبه دم البراغيث
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَقِيَاس اسْتثِْنَاء دم الْكَلْب من يسير الدَّم المعفو عَنهُ أَن يكون هُنَا مثله وَقد يفرق بَينهمَا بالمشقة وَالْفرق أوجه ويعفى أَيْضا عَن رَوْث سمك لم يُغير المَاء وَعَن الْيَسِير عرفا من شعر نجس من غير نَحْو كلب وَعَن كَثِيره من مركوب وَعَن قَلِيل دُخان نجس وغبار سرجين وَنَحْوه مِمَّا تحمله الرّيح كالذر وَعَن حَيَوَان مُتَنَجّس المنفذ إِذا وَقع فِي المَاء للْمَشَقَّة فِي صونه وَلِهَذَا لَا يُعْفَى عَن آدَمِيّ مستجمر وَعَن الدَّم الْبَاقِي على اللَّحْم والعظم فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ وَلَو تنجس حَيَوَان طَاهِر من هرة أَو غَيرهَا ثمَّ غَابَ وَأمكن وُرُوده مَاء كثيرا ثمَّ ولغَ فِي طَاهِر لم يُنجسهُ مَعَ حكمنَا بِنَجَاسَة فَمه لِأَن الأَصْل نَجَاسَته وطهارة المَاء وَقد اعتضد أصل طَهَارَة المَاء بِاحْتِمَال ولوغه فِي مَاء كثير فِي الْغَيْبَة فرجح
(القَوْل فِي ضبط الْقلَّتَيْنِ بِالْوَزْنِ)(والقلتان) بِالْوَزْنِ (خَمْسمِائَة رَطْل) بِكَسْر الرَّاء أفْصح من فتحهَا (بالبغدادي) أخذا من رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ وَغَيره إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ بقلال هجر لم يُنجسهُ شَيْء والقلة فِي اللُّغَة الجرة الْعَظِيمَة سميت بذلك لِأَن الرجل الْعَظِيم يقلها بيدَيْهِ أَي يرفعها وهجر بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يجلب مِنْهَا القلال وَقيل هِيَ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَه الْأَزْهَرِي
قَالَ فِي الْخَادِم وَهُوَ الْأَشْبَه
ثمَّ رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن ابْن جريج أَنه قَالَ رَأَيْت قلال هجر فَإِذا الْقلَّة مِنْهَا تسع قربتين أَو قربتين وشيئا
أَي من قرب الْحجاز فاحتاط الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَحسب الشَّيْء نصفا إِذْ لَو كَانَ فَوْقه لقَالَ تسع ثَلَاث قرب إِلَّا شَيْئا على عَادَة الْعَرَب فَتكون القلتان خمس قرب وَالْغَالِب أَن الْقرْبَة لَا تزيد على مائَة رَطْل بغدادي وَهُوَ مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم فِي الْأَصَح فالمجموع بِهِ خَمْسمِائَة رَطْل
(تَقْرِيبًا فِي الْأَصَح) فيعفى عَن نقص رَطْل أَو رطلين على مَا صَححهُ فِي