الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل فِي الِاسْتِنْجَاء)
وَهُوَ طَهَارَة مُسْتَقلَّة على الْأَصَح
وأخره المُصَنّف عَن الْوضُوء إعلاما بِجَوَاز تَقْدِيم الْوضُوء عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف التَّيَمُّم لِأَن الْوضُوء يرفع الْحَدث وارتفاعه يحصل مَعَ قيام الْمَانِع وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الأسنوي عدم صِحَة وضوء دَائِم الْحَدث قبل الِاسْتِنْجَاء لكَونه لَا يرفع الْحَدث وَهُوَ الظَّاهِر وَإِن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِن المَاء أصل فِي رفع الْحَدث
فَكَانَ أقوى من التُّرَاب الَّذِي لَا يرفعهُ أصلا
(القَوْل فِي حكم الِاسْتِنْجَاء)(والاستنجاء) استفعال من طلب النَّجَاء وَهُوَ الْخَلَاص من الشَّيْء وَهُوَ مَأْخُوذ من نجوت الشَّجَرَة وأنجيتها إِذا قطعتها لِأَن المستنجي يقطع بِهِ الْأَذَى عَن نَفسه وَقد يترجم هَذَا الْفَصْل بالاستطابة وَلَا شكّ أَن الاستطابة طلب الطّيب فَكَأَن قَاضِي الْحَاجة يطْلب طيب نَفسه بِإِخْرَاج الْأَذَى وَقد يعبر عَنهُ بالاستجمار من الْجمار وَهُوَ الْحَصَى الصغار وَتطلق الثَّلَاثَة على إِزَالَة مَا على المنفذ لَكِن الْأَوَّلَانِ يعمان الْحجر وَالْمَاء وَالثَّالِث يخْتَص بِالْحجرِ
(وَاجِب وَمن) خُرُوج (الْبَوْل وَالْغَائِط) وَغَيرهمَا من كل خَارج ملوث وَلَو نَادرا كَدم ومذي وودي إِزَالَة للنَّجَاسَة لَا على الْفَوْر بل عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ
(القَوْل فِي الافضل فِي الِاسْتِنْجَاء)(وَالْأَفْضَل أَن يستنجي بالأحجار) أَو مَا فِي مَعْنَاهَا
(ثمَّ يتبعهَا بِالْمَاءِ) لِأَن الْعين تَزُول بِالْحجرِ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ والأثر يَزُول بِالْمَاءِ من غير حَاجَة إِلَى مخامرة النَّجَاسَة وَقَضِيَّة التَّعْلِيل أَنه لَا يشْتَرط فِي حُصُول فَضِيلَة الْجمع طَهَارَة الْحجر وَأَنه يَكْتَفِي بِدُونِ الثَّلَاث مَعَ الإنقاء وبالأول صرح الجيلي نقلا عَن الْغَزالِيّ وَقَالَ الأسنوي فِي الثَّانِي الْمَعْنى وَسِيَاق كَلَامهم يدلان عَلَيْهِ انْتهى
وَالظَّاهِر أَن بِهَذَا يحصل أصل فَضِيلَة الْجمع وَأما كمالها فَلَا بُد من بَقِيَّة شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَقَضِيَّة كَلَامهم أَن أفضيلة الْجمع لَا فرق فِيهَا بَين الْبَوْل وَالْغَائِط وَبِه صرح سليم وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن جزم الْقفال باختصاصه بالغائط وَصَوَّبَهُ الأسنوي وَشَمل إِطْلَاقه حِجَارَة الذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا قالعا وحجارة الْحرم فَيجوز الِاسْتِنْجَاء بهَا وَهُوَ الْأَصَح
(وَيجوز) لَهُ (أَن يقْتَصر) فِيهِ (على المَاء) فَقَط لِأَنَّهُ الأَصْل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة (أَو) يقْتَصر (على ثَلَاثَة أَحْجَار) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جوزه بهَا حَيْثُ فعله كَمَا
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأمر بِفِعْلِهِ بقوله فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار الْمُوَافق لَهُ مَا رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن الِاسْتِنْجَاء بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار
(القَوْل فِي شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ) وَيجب فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ أَمْرَانِ أَحدهمَا ثَلَاث مسحات بِأَن يعم بِكُل مسحة الْمحل وَلَو كَانَت بأطراف حجر لخَبر مُسلم عَن سلمَان نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَة أَطْرَاف حجر بِخِلَاف رمي الْجمار فَلَا يَكْفِي حجر لَهُ ثَلَاثَة أَطْرَاف عَن ثَلَاث رميات لِأَن الْقَصْد ثمَّ عدد الرَّمْي وَهنا عدد المسحات وَلَو غسل الْحجر وجف جَازَ لَهُ اسْتِعْمَاله ثَانِيًا كدواء دبغ بِهِ
ثَانِيهمَا نقاء الْمحل كَمَا قَالَ (ينقي بِهن) أَي بالأحجار أَو مَا فِي مَعْنَاهَا (الْمحل) فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ وَجب الإنقاء برابع فَأكْثر إِلَى أَن لَا يبْقى إِلَّا أثر لَا يُزِيلهُ إِلَّا المَاء أَو صغَار الخزف
وَيسن بعد الإنقاء إِن لم يحصل بِوتْر الإيتار بِوَاحِدَة كَأَن حصل برابعة فَيَأْتِي بخامسة لما روى الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا استجمر أحدكُم فليستجمر وترا وَصَرفه عَن الْوُجُوب رِوَايَة أبي دَاوُد وَهِي قَوْله صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج عَلَيْهِ
(القَوْل فِي شُرُوط الْحجر) وَفِي معنى الْحجر الْوَارِد كل جامد طَاهِر قالع غير مُحْتَرم كخشب وخزف لحُصُول الْغَرَض بِهِ كالحجر فَخرج بالجامد الْمَائِع غير المَاء الطّهُور كَمَاء الْورْد والخل وبالطاهر النَّجس كالبعر والمتنجس كَالْمَاءِ الْقَلِيل الَّذِي وَقعت فِيهِ نَجَاسَة وبالقالع نَحْو الزّجاج والقصب الأملس وَبِغير مُحْتَرم الْمُحْتَرَم كمطعوم آدَمِيّ كالخبز أَو جني كالعظم لما روى مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم وَقَالَ إِنَّه زَاد إخْوَانكُمْ أَي من الْجِنّ فمطعوم الْآدَمِيّ أولى وَلِأَن الْمسْح بِالْحجرِ رخصَة وَهِي لَا تناط بِالْمَعَاصِي
وَأما مطعوم الْبَهَائِم كالحشيش فَيجوز والمطعوم لَهَا وللآدمي يعْتَبر فِيهِ الْأَغْلَب فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ بِنَاء على ثُبُوت الرِّبَا فِيهِ وَالأَصَح الثُّبُوت قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنه مطعوم لِأَنَّهُ يدْفع النَّجس عَن نَفسه بِخِلَاف غَيره
وَأما الثِّمَار والفواكه فَفِيهَا تَفْصِيل ذكرته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
وَمن الْمُحْتَرَم مَا كتب عَلَيْهِ اسْم مُعظم أَو علم كَحَدِيث أَو فقه
قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَلَا بُد من تَقْيِيد الْعلم بالمحترم سَوَاء كَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مر أم لَا
كحساب وَنَحْوه وطب وعروض فَإِنَّهَا تَنْفَع فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة أما غير الْمُحْتَرَم كفلسفة ومنطق مُشْتَمل عَلَيْهَا فَلَا كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين
أما غير الْمُشْتَمل عَلَيْهَا فَلَا يجوز
وعَلى هَذَا التَّفْصِيل يحمل إِطْلَاق من جوزه وَجوزهُ القَاضِي بورق التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَهُوَ مَحْمُول على مَا علم تبديله مِنْهُمَا
وخلا عَن اسْم الله تَعَالَى وَنَحْوه وَألْحق بِمَا فِيهِ علم مُحْتَرم جلده الْمُتَّصِل بِهِ دون الْمُنْفَصِل عَنهُ بِخِلَاف جلد الْمُصحف فَإِنَّهُ يمْتَنع الِاسْتِنْجَاء بِهِ مُطلقًا
(القَوْل فِي بَقِيَّة شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ) وَشرط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَمَا ألحق بِهِ لِأَن يجزىء أَن لَا يجِف النَّجس الْخَارِج فَإِن جف تعين المَاء نعم لَو بَال ثَانِيًا بعد جفاف بَوْله الأول وَوصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ الأول كفى فِيهِ الْحجر
وَحكم الْغَائِط الْمَائِع كالبول فِي ذَلِك وَأَن لَا ينْتَقل عَن الْمحل الَّذِي أَصَابَهُ عِنْد خُرُوجه وَاسْتقر فِيهِ وَأَن لَا يطْرَأ عَلَيْهِ أَجْنَبِي نجسا كَانَ أَو طَاهِرا رطبا وَلَو ببلل الْحجر أما الجاف الطَّاهِر فَلَا يُؤثر فَإِن طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذكر تعين المَاء نعم البلل بعرق الْمحل لَا يضر لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ وَأَن يكون الْخَارِج الْمَذْكُور من فرج مُعْتَاد فَلَا يجزىء فِي الْخَارِج من غَيره كالخارج بالفصد وَلَا فِي منفتح تَحت الْمعدة وَلَو كَانَ الْأَصْلِيّ مُفْسِدا لِأَن الِاسْتِنْجَاء بِهِ على خلاف الْقيَاس وَلَا فِي بَوْل خُنْثَى مُشكل وَإِن كَانَ الْخَارِج من أحد قبليه لاحْتِمَال زِيَادَته
نعم إِن كَانَ لَهُ آلَة فَقَط لَا تشبه آلَة الرِّجَال وَلَا آلَة النِّسَاء أَجْزَأَ الْحجر فِيهَا وَلَا فِي بَوْل ثيب تيقنته دخل مدْخل الذّكر لانتشاره عَن مخرجه بِخِلَاف الْبكر لِأَن الْبكارَة تمنع دُخُول الْبَوْل مدْخل الذّكر وَلَا فِي بَوْل الأقلف إِذا وصل الْبَوْل إِلَى الْجلْدَة ويجزىء فِي دم حيض أَو نِفَاس وَفَائِدَته فِيمَن انْقَطع دَمهَا وعجزت عَن اسْتِعْمَال المَاء فاستنجت بِالْحجرِ ثمَّ تيممت لنَحْو مرض فَإِنَّهَا تصلي وَلَا إِعَادَة عَلَيْهَا وَلَو ندر الْخَارِج كَالدَّمِ والودي والمذي أَو انْتَشَر فَوق عَادَة النَّاس وَقيل عَادَة نَفسه
وَلم يُجَاوز فِي الْغَائِط صفحته وَهِي مَا انْضَمَّ من الأليين عِنْد الْقيام وَفِي الْبَوْل حشفته وَهِي مَا فَوق الْخِتَان أَو قدرهَا من مقطوعها كَمَا قَالَه الأسنوي جَازَ الْحجر وَمَا فِي مَعْنَاهُ
أما النَّادِر فَلِأَن انقسام الْخَارِج إِلَى مُعْتَاد ونادر مِمَّا يتَكَرَّر ويعسر الْبَحْث عَنهُ فنيط الحكم بالمخرج وَأما الْمُنْتَشِر فَوق الْعَادة فلعسر الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلما صَحَّ أَن الْمُهَاجِرين أكلُوا التَّمْر لما هَاجرُوا وَلم يكن ذَلِك عَادَتهم وَهُوَ مِمَّا يرق الْبُطُون وَمن رق بَطْنه انْتَشَر مَا يخرج مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك لم يؤمروا بالاستنجاء بِالْمَاءِ وَلِأَن ذَلِك يتَعَذَّر ضَبطه فنيط الحكم بالصفحة والحشفة أَو مَا يقوم مقَامهَا فَإِن جَاوز الْخَارِج مَا ذكر مَعَ الِاتِّصَال لم يجز الْحجر لَا فِي المجاوز وَلَا فِي غَيره لِخُرُوجِهِ عَمَّا تعم بِهِ الْبلوى وَلَا يجب الِاسْتِنْجَاء لدود وبعر بِلَا لوث لفَوَات مَقْصُود الِاسْتِنْجَاء من إِزَالَة النَّجَاسَة أَو تخفيفها وَلَكِن يسن خُرُوجًا من الْخلاف
وَالْوَاجِب فِي الِاسْتِنْجَاء أَن يغلب على ظَنّه زَوَال النَّجَاسَة وَلَا يضر شم رِيحهَا بِيَدِهِ فَلَا يدل على بَقَائِهَا على الْمحل وَإِن حكمنَا على يَده بِالنَّجَاسَةِ لأَنا لم نتحقق أَن مَحل الرّيح بَاطِن الْأصْبع الَّذِي كَانَ ملاصقا للمحل لاحْتِمَال أَنه من جوانبه فَلَا ننجس بِالشَّكِّ وَلِأَن هَذَا الْمحل خفف فِيهِ بالاستنجاء بِالْحجرِ فَخفف فِيهِ هُنَا فَاكْتفى فِيهِ بِغَلَبَة ظن زَوَال النَّجَاسَة
(فَإِذا أَرَادَ) المستنجي (الِاقْتِصَار على أَحدهمَا) أَي المَاء وَالْحجر (فالماء أفضل) من الِاقْتِصَار على الْحجر لِأَنَّهُ يزِيل الْعين والأثر بِخِلَاف الْحجر وَلَا استنجاء من غير مَا ذكر فقد نقل الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجب الِاسْتِنْجَاء من النّوم وَالرِّيح
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلم يفرق الْأَصْحَاب بَين أَن يكون الْمحل رطبا أَو يَابسا وَلَو قيل بِوُجُوبِهِ إِذا كَانَ الْمحل رطبا لم يبعد كَمَا قيل بِهِ فِي دُخان النَّجَاسَة وَهَذَا مَرْدُود فقد قَالَ الْجِرْجَانِيّ إِن ذَلِك مَكْرُوه
وَصرح الشَّيْخ نصر الدّين الْمَقْدِسِي بتأثيم فَاعله وَالظَّاهِر كَلَام الْجِرْجَانِيّ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاء يَقُول بعد فَرَاغه من الِاسْتِنْجَاء اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وحصن فَرجي من الْفَوَاحِش
القَوْل فِي آدَاب قَاضِي الْحَاجة ندبا (ويجتنب) قَاضِي الْحَاجة (اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها) ندبا إِذا كَانَ فِي غير الْمعد لذَلِك مَعَ سَاتِر مُرْتَفع ثُلثي ذِرَاع تَقْرِيبًا فَأكْثر بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل بِذِرَاع الْآدَمِيّ وإرخاء ذيله كَاف فِي ذَلِك فهما حِينَئِذٍ خلاف الأولى ويحرمان فِي الْبناء غير الْمعد لقَضَاء الْحَاجة و (فِي الصَّحرَاء) بِدُونِ السَّاتِر الْمُتَقَدّم
وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها ببول وَلَا غَائِط وَلَكِن شرقوا أَو غربوا
وَفِيهِمَا أَنه صلى الله عليه وسلم قضى حَاجته فِي بَيت حَفْصَة مُسْتَقْبل الشَّام مستدبر الْكَعْبَة
وَقَالَ جَابر نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن تسْتَقْبل الْقبْلَة ببول فرأيته صلى الله عليه وسلم قبل أَن يقبض بعام يستقبلها
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه فحملوا الْخَبَر الأول الْمُفِيد للْحُرْمَة على الْقَضَاء وَمَا ألحق بِهِ لسُهُولَة اجْتِنَاب الْمُحَاذَاة فِيهِ بِخِلَاف الْبناء غير الْمَذْكُور مَعَ الصَّحرَاء فَيجوز فِيهِ ذَلِك كَمَا فعله صلى الله عليه وسلم بَيَانا للْجُوَاز وَإِن كَانَ الأولى لنا تَركه كَمَا مر
وَأما فِي الْمعد لذَلِك فَلَا حُرْمَة فِيهِ وَلَا كَرَاهَة وَلَا خلاف الأولى قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَيسْتَثْنى من الْحُرْمَة مَا لَو كَانَت الرّيح تهب عَن يَمِين الْقبْلَة وشمالها فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان للضَّرُورَة كَمَا سَيَأْتِي وَإِذا تعَارض الِاسْتِقْبَال والاستدبار تعين الاستدبار وَلَا يحرم وَلَا يكره اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها حَال الِاسْتِنْجَاء أَو الْجِمَاع أَو إِخْرَاج الرّيح إِذْ النَّهْي عَن استقبالها واستدبارها مُقَيّد بِحَالَة الْبَوْل وَالْغَائِط وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَة
القَوْل فِي آدَاب قَاضِي الْحَاجة (ويجتنب) ندبا (الْبَوْل) وَالْغَائِط (فِي المَاء الراكد) للنَّهْي عَن الْبَوْل فِيهِ فِي حَدِيث مُسلم وَمثله الْغَائِط بل أولى وَالنَّهْي
فِي ذَلِك للكراهة وَإِن كَانَ المَاء قَلِيلا لِإِمْكَان طهره بِالْكَثْرَةِ وَفِي اللَّيْل أَشد كَرَاهَة لِأَن المَاء بِاللَّيْلِ مأوى الْجِنّ أما الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة الْكَرَاهَة فِي الْقَلِيل مِنْهُ دون الْكثير وَلَكِن يكره فِي اللَّيْل لما مر ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يحرم فِي الْقَلِيل مُطلقًا لِأَن فِيهِ إتلافا عَلَيْهِ وعَلى غَيره ورد بِمَا تقدم من التَّعْلِيل وَبِأَنَّهُ مُخَالف للنَّص وَسَائِر الْأَصْحَاب فَهُوَ كالاستنجاء بِخرقَة وَلم يقل أحد بِتَحْرِيمِهِ وَلَكِن يشكل بِمَا مر من أَنه يحرم اسْتِعْمَال الْإِنَاء النَّجس فِي المَاء الْقَلِيل
وَأجِيب بِأَن هُنَاكَ اسْتِعْمَالا بِخِلَافِهِ هُنَا
تَنْبِيه مَحل عدم التَّحْرِيم إِذا كَانَ المَاء لَهُ وَلم يتَعَيَّن عَلَيْهِ الطُّهْر بِهِ بِأَن وجد غَيره أما إِذا لم يكن لَهُ كمملوك لغيره أَو مُسبل أَو لَهُ وَتعين للطَّهَارَة بِأَن دخل الْوَقْت وَلم يجد غَيره فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ
فَإِن قيل المَاء العذب رِبَوِيّ لِأَنَّهُ مطعوم فَلَا يحل الْبَوْل فِيهِ
أُجِيب بِمَا تقدم وَيكرهُ أَيْضا قَضَاء الْحَاجة بِقرب المَاء الَّذِي يكره قَضَاؤُهَا فِيهِ لعُمُوم النَّهْي عَن الْبَوْل فِي الْمَوَارِد وصب الْبَوْل فِي المَاء كالبول فِيهِ
(و) يجْتَنب ذَلِك ندبا (تَحت الشَّجَرَة المثمرة) وَلَو كَانَ التَّمْر مُبَاحا وَفِي غير وَقت الثَّمَرَة صِيَانة لَهَا عَن التلويث عِنْد الْوُقُوع فتعافها النَّفس وَلم يحرموه لِأَن التَّنْجِيس غير مُتَيَقن نعم إِذا لم يكن عَلَيْهَا ثَمَر وَكَانَ يجْرِي عَلَيْهَا المَاء من مطر أَو غَيره قبل أَن تثمر لم يكره كَمَا لَو بَال تحتهَا ثمَّ أورد عَلَيْهِ مَاء طهُورا وَلَا فرق فِي هَذَا وَفِي غَيره مِمَّا تقدم بَين الْبَوْل وَالْغَائِط
(و) يجْتَنب ذَلِك ندبا (فِي الطَّرِيق) المسلوك لقَوْله صلى الله عليه وسلم (اتقو اللعانين)
قَالُوا وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله قَالَ الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس أَو فِي ظلهم تسببا بذلك فِي لعن النَّاس لَهما كثيرا عَادَة فنسب إِلَيْهِمَا بِصِيغَة الْمُبَالغَة إِذْ أَصله اللاعنان فحول الْإِسْنَاد للْمُبَالَغَة وَالْمعْنَى احْذَرُوا سَبَب اللَّعْن الْمَذْكُور وَلخَبَر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد جيد اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث البرَاز فِي الْمَوَارِد وقارعة الطَّرِيق والظل والملاعن مَوَاضِع اللَّعْن والموارد طرق المَاء والتخلي التغوط وَكَذَا البرَاز وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء على الْمُخْتَار وَقيس بالغائط الْبَوْل كَمَا صرح فِي الْمُهَذّب وَغَيره بِكَرَاهَة ذَلِك فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة
وَفِي الْمَجْمُوع ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب كَرَاهَته وَيَنْبَغِي حرمته للْأَخْبَار الصَّحِيحَة ولإيذاء الْمُسلمين انْتهى
وَالْمُعْتَمد ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وقارعة الطَّرِيق أَعْلَاهُ وَقيل صَدره وَقيل مَا برز مِنْهُ أما الطَّرِيق المهجور فَلَا كَرَاهَة فِيهِ
(و) يتَجَنَّب ذَلِك ندبا فِي (الظل) للنَّهْي عَن التخلي فِي ظلهم أَي فِي الصَّيف وَمثله مَوَاضِع اجْتِمَاعهم فِي الشَّمْس فِي الشتَاء (و) فِي الثقب وَهُوَ بِضَم الْمُثَلَّثَة المستدير النَّازِل للنَّهْي عَنهُ فِي خبر أبي دَاوُد وَغَيره لما قيل إِنَّه مسكن الْجِنّ وَلِأَنَّهُ قد يكون فِيهِ حَيَوَان ضَعِيف فَيَتَأَذَّى أَو قوي فيؤذيه أَو يُنجسهُ وَمثله السرب وَهُوَ بِفَتْح السِّين وَالرَّاء الشق المستطيل
قَالَ فِي الْمَجْمُوع يَنْبَغِي تَحْرِيم ذَلِك للنَّهْي عَنهُ إِلَّا أَن يعد لذَلِك أَي لقَضَاء الْحَاجة فَلَا تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة وَالْمُعْتَمد مَا مر من عدم التَّحْرِيم
(وَلَا يتَكَلَّم على الْبَوْل وَالْغَائِط) أَي يسكت حَال قَضَاء الْحَاجة فَلَا يتَكَلَّم بِذكر وَلَا غَيره أَي يكره لَهُ ذَلِك إِلَّا لضَرُورَة كإنذار أعمى فَلَا يكره بل قد يجب لخَبر لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط كاشفين عَن عورتهما يتحدثان فَإِن الله يمقت على ذَلِك رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَمعنى يضربان يأتيان والمقت البغض وَهُوَ إِن كَانَ على الْمَجْمُوع فبعض موجباته مَكْرُوه فَلَو عطس حمد الله تَعَالَى بِقَلْبِه وَلَا يُحَرك لِسَانه أَي بِكَلَام يسمع بِهِ نَفسه إِذْ لَا يكره الهمس وَلَا التنحنح وَظَاهر كَلَامهم أَن الْقِرَاءَة لَا تحرم حِينَئِذٍ وَقَول ابْن كج إِنَّهَا لَا تجوز أَي جَوَازًا مستوي الطَّرفَيْنِ فتكره
وَأَن قَالَ الْأَذْرَعِيّ اللَّائِق بالتعظيم الْمَنْع
وَيسن أَن لَا
ينظر إِلَى فرجه وَلَا إِلَى الْخَارِج مِنْهُ وَلَا إِلَى السَّمَاء وَلَا يعبث بِيَدِهِ وَلَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالا
(وَلَا يسْتَقْبل الشَّمْس) وَلَا (الْقَمَر) ببول وَلَا غَائِط أَي يكره لَهُ ذَلِك (وَلَا يستدبرهما) وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري فِي روضه وَالَّذِي نَقله النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة عَن الْجُمْهُور أَنه يكره الِاسْتِقْبَال دون الاستدبار
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ فِي التَّحْقِيق إِنَّه لَا أصل للكراهة فالمختار إِبَاحَته وَحكم اسْتِقْبَال بَيت الْمُقَدّس واستدباره حكم اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر واستدبارهما
وَيسن أَن يبعد عَن النَّاس فِي الصَّحرَاء وَمَا ألحق بهَا من الْبُنيان إِلَى حَيْثُ لَا يسمع للْخَارِج مِنْهُ صَوت وَلَا يشم لَهُ ريح فَإِن تعذر عَلَيْهِ الإبعاد عَنْهُم سنّ لَهُم الإبعاد عَنهُ كَذَلِك ويستتر عَن أَعينهم بمرتفع ثُلثي ذِرَاع فَأكْثر بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل لقَوْله صلى الله عليه وسلم من أَتَى الْغَائِط فليستتر فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبا من رمل فليستتر بِهِ فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم
من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج عَلَيْهِ وَيحصل السّتْر براحلة أَو وهدة أَو إرخاء ذيله
هَذَا إِذا كَانَ بصحراء أَو بُنيان لَا يُمكن تسقيفه كَأَن جلس فِي وسط مَكَان وَاسع فَإِن كَانَ فِي بِنَاء يُمكن تسقيفه أَي عَادَة كفى كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهَذَا الْأَدَب مُتَّفق على اسْتِحْبَابه وَمحله إِذا لم يكن ثمَّ من لَا يغض بَصَره عَن نظر عَوْرَته مِمَّن يحرم عَلَيْهِ نظرها وَإِلَّا وَجب الاستتار
وَعَلِيهِ يحمل قَول النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم يجوز كشف الْعَوْرَة فِي مَحل الْحَاجة فِي الْخلْوَة كحالة الِاغْتِسَال وَالْبَوْل ومعاشرة الزَّوْجَة أما بِحَضْرَة النَّاس فَيحرم كشفها وَلَا يَبُول فِي مَوضِع هبوب الرّيح وَإِن لم تكن هابة إِذْ قد تهب بعد شُرُوعه فِي الْبَوْل فَترد عَلَيْهِ الرشاش وَلَا فِي مَكَان صلب لما ذكر وَلَا يَبُول قَائِما لخَبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد جيد أَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت من حَدثكُمْ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُول قَائِما فَلَا تُصَدِّقُوهُ أَي يكره لَهُ ذَلِك إِلَّا لعذر فَلَا يكره وَلَا خلاف الأولى وَفِي الْإِحْيَاء عَن الْأَطِبَّاء أَو بولة فِي الْحمام فِي الشتَاء قَائِما خير من شربة دَوَاء وَلَا يدْخل الْخَلَاء حافيا وَلَا مَكْشُوف الرَّأْس لِلِاتِّبَاعِ
ويعتمد فِي قَضَاء الْحَاجة على يسَاره لِأَن ذَلِك أسهل لخُرُوج الْخَارِج وَينْدب أَن يرفع لقَضَاء الْحَاجة ثَوْبه عَن عَوْرَته شَيْئا فَشَيْئًا إِلَّا أَن يخَاف تنجس ثَوْبه فيرفع بِقدر حَاجته ويسبله شَيْئا فَشَيْئًا قبل انْقِضَاء قِيَامه وَلَا يستنجي بِمَاء فِي مَجْلِسه إِن لم يكن معدا لذَلِك أَي يكره لَهُ ذَلِك لِئَلَّا يعود عَلَيْهِ الرشاش فينجسه بِخِلَاف المستنجي بِالْحجرِ والمعد لذَلِك وللمشقة فِي الْمعد لذَلِك ولفقد الْعلَّة فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَيكرهُ أَن يَبُول فِي المغتسل لقَوْله صلى الله عليه وسلم وَلَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه ثمَّ يتَوَضَّأ فِيهِ فَإِن عَامَّة الوسواس مِنْهُ وَمحله إِذا لم يكن ثمَّ منفذ ينفذ مِنْهُ الْبَوْل وَالْمَاء وَعند قبر مُحْتَرم احتراما لَهُ قَالَ