الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع
الْمُخْتَص الْمُسَافِر بجوازهما تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لما يلْحقهُ من مشقة السّفر غَالِبا مَعَ كَيْفيَّة الصَّلَاة بِنَحْوِ الْمَطَر
وَالْأَصْل فِي الْقصر قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض}
قَالَ يعلى بن أُميَّة قلت لعمر إِنَّمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن خِفْتُمْ} وَقد أَمن النَّاس فَقَالَ عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته رَوَاهُ مُسلم
وَالْأَصْل فِي الْجمع أَخْبَار تَأتي
وَلما كَانَ الْقصر أهم هَذِه الْأُمُور بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ (وَيجوز للْمُسَافِر) لغَرَض صَحِيح (قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة) الْمَكْتُوبَة دون الثنائية والثلاثية (بِخمْس شَرَائِط) وَترك شُرُوطًا أُخْرَى سنتكلم عَلَيْهَا الأول (أَن يكون سَفَره فِي غير مَعْصِيّة) سَوَاء أَكَانَ وَاجِبا كسفر حج أَو مَنْدُوبًا كزيارة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو مُبَاحا كسفر تِجَارَة أَو مَكْرُوها كسفر مُنْفَرد
وَأما العَاصِي بِسَفَرِهِ وَلَو فِي أَثْنَائِهِ كآبق وناشزة فَلَا يقصر لِأَن السّفر سَبَب للرخصة فَلَا يناط بالمعصية كَبَقِيَّة رخص السّفر نعم لَهُ بل عَلَيْهِ التَّيَمُّم مَعَ وجوب إِعَادَة مَا صلاه بِهِ على الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَإِن تَابَ فَأول سَفَره مَحل تَوْبَته فَإِن كَانَ طَويلا أَو لم يشْتَرط للرخصة طوله كَأَكْل الْميتَة للْمُضْطَر فِيهِ ترخص وَإِلَّا فَلَا
وَألْحق بسفر الْمعْصِيَة أَن يتعب نَفسه أَو دَابَّته بالركض بِلَا غَرَض شَرْعِي ذكره فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا
(و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن تكون مسافته) أَي السّفر الْمُبَاح ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا هاشمية ذَهَابًا وَهِي مرحلتان وهما سير يَوْمَيْنِ معتدلين بسير الأثقال وَهِي (سِتَّة عشر فرسخا) وَلَو قطع هَذِه الْمسَافَة فِي لَحْظَة فِي بر أَو بَحر فقد كَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يقصران ويفطران فِي أَرْبَعَة برد وَمثله إِنَّمَا يفعل عَن تَوْقِيف
وَخرج بذهاب الإياب مَعَه فَلَا يحْسب حَتَّى لَو قصد مَكَانا على مرحلة بنية أَن لَا يُقيم فِيهِ بل يرجع فَلَيْسَ لَهُ الْقصر وَإِن ناله مشقة مرحلَتَيْنِ متواليتين لِأَنَّهُ لَا يُسمى سفرا طَويلا وَالْغَالِب فِي الرُّخص الِاتِّبَاع والمسافة تَحْدِيد لَا تقريب لثُبُوت التَّقْدِير بالأميال عَن الصَّحَابَة وَلِأَن الْقصر على خلاف الأَصْل فيحتاط فِيهِ بتحقيق تَقْدِير الْمسَافَة والميل أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة والخطوة ثَلَاثَة أَقْدَام وَالْقَدَمَانِ ذِرَاع والذراع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أصبعا معترضات والأصبع سِتّ شعيرات معتدلات معترضات والشعيرة سِتّ شَعرَات من شعر البرذون
وَخرج بالهاشمية المنسوبة لبني هَاشم الأموية المنسوبة لبني أُميَّة فالمسافة بهَا أَرْبَعُونَ ميلًا إِذْ كل خَمْسَة مِنْهَا قدر سِتَّة هاشمية
(و) الشَّرْط الثَّالِث (أَن يكون مُؤديا للصَّلَاة) الْمَقْصُورَة فِي أحد أَوْقَاتهَا الْأَصْلِيّ أَو العذري أَو الضَّرُورِيّ فَلَا تقصر فَائِتَة
الْحَضَر فِي السّفر لِأَنَّهَا ثبتَتْ فِي ذمَّته تَامَّة وَكَذَا لَا تقصر فِي السّفر فَائِتَة مَشْكُوك فِي أَنَّهَا فَائِتَة سفر أَو حضر احْتِيَاطًا وَلِأَن الأَصْل الْإِتْمَام وتقضى فَائِتَة سفر قصر فِي سفر قصر وَإِن كَانَ غير سفر الْفَائِتَة دون الْحَضَر نظرا إِلَى وجود السَّبَب
(و) الشَّرْط الرَّابِع (أَن يَنْوِي الْقصر مَعَ) تَكْبِيرَة (الْإِحْرَام) كأصل النِّيَّة وَمثل نِيَّة الْقصر مَا لَو نوى الظّهْر مثلا رَكْعَتَيْنِ وَلم ينْو ترخصا كَمَا قَالَه الإِمَام وَمَا لَو قَالَ أؤدي صَلَاة السّفر كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي فَلَو لم ينْو مَا ذكر بِأَن نوى الْإِتْمَام أَو أطلق أتم لِأَنَّهُ الْمَنوِي فِي الأولى وَالْأَصْل فِي الثَّانِيَة وَيشْتَرط التَّحَرُّز عَن منافي نِيَّة الْقصر فِي دوَام الصَّلَاة كنية الْإِتْمَام فَلَو نَوَاه بعد نِيَّة الْقصر أتم
تَنْبِيه قد علم من أَن الشَّرْط التَّحَرُّز عَن منافيها أَنه لَا يشْتَرط اسْتِدَامَة نِيَّة الْقصر وَهُوَ كَذَلِك وَلَو أحرم قاصرا ثمَّ تردد فِي أَنه يقصر أَو يتم أتم أَو شكّ فِي أَنه نوى الْقصر أم لَا أتم وَإِن تذكر فِي الْحَال أَنه نَوَاه لِأَنَّهُ أدّى جُزْءا من صلَاته حَال التَّرَدُّد على التَّمام وَلَو قَامَ إِمَامه لثالثة فَشك هَل هُوَ متمم أم ساه أتم وَإِن بَان أَنه ساه وَلَو قَامَ الْقَاصِر لثالثة عمدا بِلَا مُوجب للإتمام كنيته أَو نِيَّة إِقَامَة بطلت صلَاته أَو سَهوا ثمَّ تذكر عَاد وجوبا وَسجد لَهُ ندبا وَسلم فَإِن أَرَادَ عِنْد تذكره أَن يتم عَاد للقعود وجوبا ثمَّ قَامَ نَاوِيا الْإِتْمَام
(و) الشَّرْط الْخَامِس (أَن لَا يأتم بمقيم) أَو بِمن (جهل سَفَره) فَإِن اقْتدى بِهِ وَلَو فِي جُزْء من صلَاته كَأَن أدْركهُ فِي آخر صلَاته أَو أحدث هُوَ عقب اقتدائه لزمَه الْإِتْمَام لخَبر الإِمَام أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ مَا بَال الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا انْفَرد وأربعا إِذا ائتم بمقيم فَقَالَ تِلْكَ السّنة
وَله قصر الصَّلَاة الْمُعَادَة إِن صلاهَا أَولا مَقْصُورَة وصلاها ثَانِيًا خلف من يُصليهَا مَقْصُورَة أَو صلاهَا إِمَامًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَإِن لم أر من تعرض لَهُ وَلَو اقْتدى بِمن ظَنّه مُسَافِرًا فَبَان مُقيما فَقَط أَو مُقيما ثمَّ مُحدثا لزمَه الْإِتْمَام أما لَو بَان مُحدثا ثمَّ مُقيما أَو بانا مَعًا فَلَا يلْزمه الْإِتْمَام إِذْ لَا قدوة فِي الْحَقِيقَة وَفِي الظَّاهِر ظَنّه مُسَافِرًا وَلَو اسْتخْلف قَاصِر لحَدث أَو غَيره متما أتم المقتدون بِهِ كَالْإِمَامِ إِن عَاد واقتدى بِهِ وَلَو لزم الْإِتْمَام مقتديا فَسدتْ صلَاته أَو إِمَامه أَو بَان إِمَامه مُحدثا أتم لِأَنَّهَا صَلَاة وَجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا وَمَا ذكر لَا يَدْفَعهُ وَلَو بَان للْإِمَام حدث نَفسه لم يلْزمه الْإِتْمَام وَلَو أحرم مُنْفَردا وَلم ينْو الْقصر ثمَّ فَسدتْ صلَاته لزمَه الْإِتْمَام كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو فقد الطهُورَيْنِ فشرع فِيهَا بنية الْإِتْمَام ثمَّ قدر على الطَّهَارَة قَالَ الْمُتَوَلِي وَغَيره
قصر لِأَن مَا فعله لَيْسَ بِحَقِيقَة صَلَاة
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاء على أَنَّهَا لَيست بِصَلَاة شَرْعِيَّة بل تشبهها وَالْمذهب خِلَافه اه
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وَكَذَا يُقَال فِيمَن صلى بِتَيَمُّم مِمَّن تلْزمهُ الْإِعَادَة بنية الْإِتْمَام ثمَّ أَعَادَهَا وَلَو اقْتدى بمسافر وَشك فِي نِيَّة الْقصر فَجزم هُوَ بنية الْقصر جَازَ لَهُ الْقصر إِن بَان الإِمَام قاصرا لِأَن الظَّاهِر من حَال الْمُسَافِر الْقصر فَإِن بَان أَنه متم لزمَه الْإِتْمَام فَإِن لم يجْزم بِالنِّيَّةِ
بل قَالَ إِن قصر قصرت وَإِلَّا بِأَن أتم أتممت جَازَ لَهُ الْقصر إِن قصر إِمَامه لِأَنَّهُ نوى مَا فِي نفس الْأَمر فَهُوَ تَصْرِيح بالمقتضي فَإِن لم يظْهر للْمَأْمُوم مَا نَوَاه الإِمَام لزمَه الْإِتْمَام احْتِيَاطًا
هَذَا آخر الشُّرُوط الَّتِي اشترطها المُصَنّف
وَأما الزَّائِد عَلَيْهَا فأمور الأول يشْتَرط كَونه مُسَافِرًا فِي جَمِيع صلَاته فَلَو انْتهى سَفَره فِيهَا كَأَن بلغت سفينته دَار إِقَامَته أَو شكّ فِي انتهائه أتم لزوَال سَبَب الرُّخْصَة فِي الأولى وللشك فِيهِ فِي الثَّانِيَة
وَالثَّانِي يشْتَرط قصد مَوضِع مَعْلُوم معِين أَو غير معِين أول سَفَره ليعلم أَنه طَوِيل فيقصر أَولا فَلَا قصر للهائم وَهُوَ الَّذِي لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه وَإِن طَال سَفَره لانْتِفَاء علمه بِطُولِهِ أَوله وَلَا طَالب غَرِيم أَو آبق يرجع مَتى وجده وَلَا يعلم مَوْضِعه
نعم إِن قصد سفر مرحلَتَيْنِ أَولا كَأَن علم أَنه لَا يجد مَطْلُوبه قبلهمَا جَازَ لَهُ الْقصر كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَكَذَا لَو قصد الهائم سفر مرحلَتَيْنِ كَمَا شملته عبارَة الْمُحَرر وَلَو علم الْأَسير أَن سَفَره طَوِيل وَنوى الْهَرَب إِن تمكن مِنْهُ لم يقصر قبل مرحلَتَيْنِ وَيقصر بعدهمَا وَمثل ذَلِك يَأْتِي فِي الزَّوْجَة وَالْعَبْد إِذا نَوَت الزَّوْجَة أَنَّهَا مَتى تخلصت من زَوجهَا رجعت وَالْعَبْد أَنه مَتى عتق رَجَعَ فَلَا يترخصان قبل مرحلَتَيْنِ وَلَو كَانَ لمقصده طَرِيقَانِ طَوِيل يبلغ مَسَافَة الْقصر وقصير لَا يبلغهَا فسلك الطَّوِيل لغَرَض ديني أَو دُنْيَوِيّ كسهولة طَرِيق أَو أَمن جَازَ لَهُ الْقصر لوُجُود الشَّرْط وَهُوَ اسفر الطَّوِيل الْمُبَاح وَإِن سلكه لمُجَرّد الْقصر أَو لم يقْصد شَيْئا كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَلَا يقصر لِأَنَّهُ طول الطَّرِيق على نَفسه من غير غَرَض وَلَو تبع العَبْد أَو الزَّوْجَة أَو الجندي مَالك أمره فِي السّفر وَلَا يعرف كل وَاحِد مِنْهُم مقْصده فَلَا قصر لَهُم وَهَذَا قبل بلوغهم مَسَافَة الْقصر فَإِن قطعوها قصروا كَمَا مر فِي الْأَسير فَلَو نووا مَسَافَة الْقصر وحدهم دون متبوعهم قصر الجندي غير الْمُثبت فِي الدِّيوَان دونهمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحت يَد الْأَمِير وقهره بخلافهما فنيتهما كَالْعدمِ أما الْمُثبت فِي الدِّيوَان فَهُوَ مثلهمَا لِأَنَّهُ مقهور تَحت يَد الْأَمِير وَمثله الْجَيْش
وَالثَّالِث يشْتَرط للقصر مُجَاوزَة سور مُخْتَصّ بِمَا سَافر مِنْهُ كبلد وقرية وَإِن كَانَ دَاخله أَمَاكِن خربة ومزارع لِأَن جَمِيع مَا هُوَ دَاخله مَعْدُود مِمَّا سَافر مِنْهُ فَإِن لم يكن لَهُ سور مُخْتَصّ بِهِ بِأَن لم يكن سور مُطلقًا أَو فِي صوب سَفَره أَو كَانَ لَهُ سور غير مُخْتَصّ بِهِ كقرى متفاصلة جمعهَا سور فأوله مُجَاوزَة عمرَان وَإِن تخلله خراب لَا مُجَاوزَة خراب بطرفه هجر بالتحويط على العامر أَو زرع بِقَرِينَة مَا يَأْتِي أَو اندرس بِأَن ذهبت أصُول حيطانه لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحل إِقَامَته بِخِلَاف مَا لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يشْتَرط مجاوزته كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَلَا مُجَاوزَة بساتين ومزارع كَمَا فهمت بِالْأولَى وَإِن اتصلتا بِمَا سَافر مِنْهُ أَو كَانَتَا محوطتين لِأَنَّهُمَا لَا يتخذان للإقامة وَلَو كَانَ بالبساتين قُصُور أَو دور تسكن فِي بعض فُصُول السّنة لم يشْتَرط مجاوزتها على الظَّاهِر فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَنَّهَا لَيست من الْبَلَد والقريتان المتصلتان يشْتَرط مجاوزتهما وأوله لساكن خيام كالأعراب مُجَاوزَة حلَّة فَقَط وَمَعَ مُجَاوزَة عرض وَاد إِن سَافر فِي عرضه وَمَعَ مُجَاوزَة عرض مهبط إِن كَانَ فِي ربوة وَمَعَ مُجَاوزَة مصعد إِن كَانَ فِي وهدة هَذَا إِن اعتدلت الثَّلَاثَة فَإِن أفرطت سعتها اكْتفى بمجاوزة الْحلَّة عرفا
وَيَنْتَهِي سَفَره ببلوغ مبدأ سفر من سور أَو غَيره من وَطنه أَو من مَوضِع آخر رَجَعَ من سَفَره إِلَيْهِ أَولا وَقد نوى قبل بُلُوغه وَهُوَ
مُسْتَقل إِقَامَة بِهِ وَإِن لم يصلح لَهَا إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا أَرْبَعَة أَيَّام صِحَاح وبإقامته وَقد علم أَن إربه لَا يَنْقَضِي فِيهَا وَإِن توقعه كل وَقت قصر ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا صحاحا وَلَو غير محَارب وَيَنْتَهِي أَيْضا سَفَره بنية رُجُوعه ماكثا وَلَو من طَوِيل لَا إِلَى غير وَطنه لحَاجَة بِأَن نوى رُجُوعه إِلَى وَطنه أَو إِلَى غَيره لَا لحَاجَة فَلَا يقصر فِي ذَلِك الْموضع فَإِن سَافر فسفر جَدِيد فَإِن كَانَ طَويلا قصر وَإِلَّا فَلَا فَإِن نوى الرُّجُوع وَلَو من قصير إِلَى غير وَطنه لحَاجَة لم ينْتَه سَفَره بذلك وكنية الرُّجُوع التَّرَدُّد فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع
وَالرَّابِع يشْتَرط الْعلم بِجَوَاز الْقصر فَلَو قصر جَاهِلا بِهِ لم تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا
تَنْبِيه الصَّوْم لمسافر سفر قصر أفضل من الْفطر إِن لم يضرّهُ لما فِيهِ من بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْقصر لَهُ أفضل من الْإِتْمَام إِن بلغ سَفَره ثَلَاث مراحل وَلم يخْتَلف فِي جَوَاز قصره فَإِن لم يبلغهَا فالإتمام أفضل خُرُوجًا من خلاف أبي حنيفَة أما لَو اخْتلف فِيهِ كملاح يُسَافر فِي الْبَحْر وَمَعَهُ عِيَاله فِي سفينته وَمن يديم السّفر مُطلقًا فالإتمام لَهُ أفضل لِلْخُرُوجِ من خلاف من أوجبه كَالْإِمَامِ أَحْمد
وَلما فرغ المُصَنّف من أَحْكَام الْقصر شرع فِي أَحْكَام الْجمع فِي السّفر فَقَالَ (وَيجوز للْمُسَافِر) سفر قصر (أَن يجمع بَين) صَلَاتي (الظّهْر وَالْعصر فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وتأخيرا (و) أَن يجمع (بَين) صَلَاتي (الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وتأخيرا وَالْجُمُعَة كالظهر فِي جمع التَّقْدِيم وَالْأَفْضَل لسَائِر وَقت أولى تَأْخِير وَلغيره تَقْدِيم لِلِاتِّبَاعِ
وَشرط للتقديم أَرْبَعَة شُرُوط الأول التَّرْتِيب بِأَن يبْدَأ بِالْأولَى لِأَن الْوَقْت لَهَا وَالثَّانيَِة تبع لَهَا
وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع ليتميز التَّقْدِيم الْمَشْرُوع عَن التَّقْدِيم سَهوا أَو عَبَثا فِي الأولى وَلَو مَعَ تحلله مِنْهَا
وَالثَّالِث وَلَاء بِأَن لَا يطول بَينهمَا فصل عرفا وَلَو ذكر بعدهمَا ترك ركن من الأولى أعادهما وَله جَمعهمَا تَقْدِيمًا وتأخيرا لوُجُود المرخص فَإِن ذكر أَنه من الثَّانِيَة وَلم يطلّ الْفَصْل بَين سلامها وَالذكر تدارك وصحتا فَإِن طَال بطلت الثَّانِيَة وَلَا جمع لطول الْفَصْل وَلَو جهل بِأَن لم يدر أَن التّرْك من الأولى أَو من الثَّانِيَة أعادهما لاحْتِمَال أَنه من الأولى بِغَيْر جمع تَقْدِيم
وَالرَّابِع دوَام سَفَره إِلَى عقد الثَّانِيَة فَلَو أَقَامَ قبله فَلَا جمع لزوَال السَّبَب
وَشرط للتأخير أَمْرَانِ فَقَط أَحدهمَا نِيَّة جمع فِي وَقت أولى مَا بَقِي قدر يَسعهَا تمييزا لَهُ عَن التَّأْخِير تَعَديا وَظَاهر أَنه لَو أخر النِّيَّة إِلَى وَقت لَا يسع الأولى عصى وَإِن وَقعت أَدَاء فَإِن لم ينْو الْجمع أَو نَوَاه فِي وَقت الأولى وَلم يبْق مِنْهُ مَا يَسعهَا عصى وَكَانَت قَضَاء
وَثَانِيهمَا دوَام سَفَره إِلَى تمامهما فَلَو أَقَامَ قبله صَارَت الأولى قَضَاء لِأَنَّهَا تَابِعَة للثَّانِيَة فِي الْأَدَاء للْعُذْر وَقد زَالَ قبل تَمامهَا
وَفِي الْمَجْمُوع إِذا أَقَامَ فِي أثْنَاء الثَّانِيَة يَنْبَغِي أَن تكون الأولى أَدَاء بِلَا خلاف وَمَا بَحثه مُخَالف لإطلاقهم
قَالَ السُّبْكِيّ وَتَبعهُ الْإِسْنَوِيّ وتعليلهم منطبق على تَقْدِيم الأولى فَلَو عكس وَأقَام فِي أثْنَاء الظّهْر فقد وجد الْعذر فِي جَمِيع المتبوعة وَأول التابعة وَقِيَاس مَا مر فِي جمع التَّقْدِيم أَنَّهَا أَدَاء على الْأَصَح أَي كَمَا أفهمهُ تَعْلِيلهم وأجرى الطاوسي الْكَلَام على إِطْلَاقه فَقَالَ وَإِنَّمَا اكْتفى فِي جمع التَّقْدِيم بدوام السّفر إِلَى عقد الثَّانِيَة وَلم يكتف بِهِ فِي جمع التَّأْخِير بل شَرط دَوَامه إِلَى إِتْمَامهَا لِأَن وَقت الظّهْر لَيْسَ وَقت الْعَصْر إِلَّا فِي السّفر وَقد وجد عِنْد عقد الثَّانِيَة فَيحصل الْجمع وَأما وَقت الْعَصْر فَيجوز فِيهِ الظّهْر بِعُذْر السّفر وَغَيره فَلَا ينْصَرف فِيهِ الظّهْر إِلَى السّفر إِلَّا إِذا وجد السّفر فيهمَا وَإِلَّا جَازَ أَن ينْصَرف إِلَيْهِ لوُقُوع بَعْضهَا فِيهِ
وَأَن ينْصَرف إِلَى غَيره لوُقُوع بَعْضهَا فِي غَيره الَّذِي هُوَ الأَصْل اه
وَكَلَام الطاوسي هُوَ الْمُعْتَمد
ثمَّ شرع فِي الْجمع بالمطر فَقَالَ (وَيجوز للحاضر) أَي الْمُقِيم (فِي الْمَطَر) وَلَو كَانَ ضَعِيفا بِحَيْثُ يبل الثَّوْب وَنَحْوه كثلج وَبرد ذائبين (أَن يجمع) مَا يجمع بِالسَّفرِ وَلَو جُمُعَة مَعَ الْعَصْر خلافًا للروياني فِي مَنعه ذَلِك تَقْدِيمًا (فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا) لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء جمعا زَاد مُسلم من غير خوف وَلَا سفر
قَالَ الشَّافِعِي كمالك أرى ذَلِك فِي الْمَطَر وَلَا يجوز ذَلِك تَأْخِيرا لِأَن اسْتِدَامَة الْمَطَر لَيست إِلَى الْجَامِع فقد يَنْقَطِع فَيُؤَدِّي إِلَى إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا من غير عذر بِخِلَاف السّفر
وَشرط التَّقْدِيم أَن يُوجد نَحْو الْمَطَر عِنْد تحرمه بهما ليقارن الْجمع وَعند تحلله من الأولى ليتصل بِأول الثَّانِيَة فَيُؤْخَذ مِنْهُ اعْتِبَار امتداده بَينهمَا وَهُوَ ظَاهر وَلَا يضر انْقِطَاعه فِي أثْنَاء الأولى أَو الثَّانِيَة أَو بعدهمَا
وَيشْتَرط أَن يُصَلِّي جمَاعَة بمصلى بعيد عَن بَاب دَاره عرفا بِحَيْثُ يتَأَذَّى بذلك فِي طَرِيقه إِلَيْهِ بِخِلَاف من يُصَلِّي فِي بَيته مُنْفَردا أَو جمَاعَة أَو يمشي إِلَى الْمصلى فِي كن أَو كَانَ الْمصلى قَرِيبا فَلَا يجمع لانْتِفَاء التأذي وَبِخِلَاف من يُصَلِّي مُنْفَردا لانْتِفَاء الْجَمَاعَة فِيهِ وَأما جمعه صلى الله عليه وسلم بالمطر مَعَ أَن بيُوت أَزوَاجه كَانَت بِجنب الْمَسْجِد فَأَجَابُوا عَنهُ بِأَن بُيُوتهنَّ كَانَت مُخْتَلفَة وأكثرها كَانَ بَعيدا فَلَعَلَّهُ حِين جمع لم يكن بالقريب
وَأجِيب أَيْضا بِأَن للْإِمَام أَن يجمع بالمأمومين وَإِن لم يتأذ بالمطر صرح بِهِ ابْن أبي هُرَيْرَة وَغَيره
قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وَلمن اتّفق لَهُ وجود