الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)
(وفرائض الْغسْل) وَلَو مسنونا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) على مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ من عدم الِاكْتِفَاء بغسلة عَن الْحَدث والخبث وفرضان على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي كتبه من الِاكْتِفَاء لَهما بغسلة وَهُوَ الْمَذْهَب
الأول (النِّيَّة) لحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فينوي رفع الْجَنَابَة أَي رفع حكمهَا إِن كَانَ جنبا وَرفع حدث الْحيض إِن كَانَت حَائِضًا أَو لتوطأ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَو الْغسْل من الْحيض كَمَا قَالَه ابْن الْمقري فَلَو نوى شخص رفع الْجَنَابَة وحدثه الْحيض أَو عَكسه أَو نوى رفع جَنَابَة الْجِمَاع وجنابته باحتلام أَو عَكسه صَحَّ مَعَ الْغَلَط دون الْعمد كَنَظِيرِهِ فِي الْوضُوء ذكر ذَلِك فِي الْمَجْمُوع
وَقَضِيَّة تَعْلِيلهم إِيجَاب الْغسْل فِي النّفاس بِكَوْنِهِ دم حيض مُجْتَمع أَنه يَصح أَحدهمَا بِالْآخرِ وَبِه جزم فِي الْبَيَان وَيَكْفِي نِيَّة رفع الْحَدث عَن كل الْبدن وَكَذَا مُطلقًا فِي الْأَصَح لاستلزام رفع الْمُطلق رفع الْمُقَيد وَلِأَنَّهُ ينْصَرف إِلَى حَدثهُ لوُجُود الْقَرِينَة الحالية
فَلَو نوى الْأَكْبَر كَانَ تَأْكِيدًا أَو لَو نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر عمدا لم ترْتَفع جنابته لتلاعبه أَو غَلطا ارْتَفَعت جنابته عَن أَعْضَاء الْأَصْغَر لِأَن غسلهَا وَاجِب فِي الحدثين وَقد غسلهَا بنيته إِلَّا الرَّأْس فَلَا ترْتَفع عَنهُ لِأَن غسله وَقع عَن مَسحه الَّذِي هُوَ فرض فِي الْأَصْغَر وَهُوَ إِنَّمَا نوى الْمسْح وَهُوَ لَا يُغني عَن الْغسْل بِخِلَاف بَاطِن لحية الرجل الكثيفة فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَن غسل الْوَجْه هُوَ الأَصْل فَإِذا غسله فقد أَتَى الأَصْل أما غير أَعْضَاء الْأَصْغَر فَلَا ترْتَفع جنابته لِأَنَّهُ لم يُنَوّه قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَو اجْتمع على الْمَرْأَة غسل حيض وجنابة كفت نِيَّة أَحدهمَا قطعا أَو يَنْوِي اسْتِبَاحَة مفتقر إِلَى غسل كَأَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطّواف مِمَّا يتَوَقَّف على غسل فَإِن نوى مَا لَا يفْتَقر إِلَيْهِ كالغسل ليَوْم الْعِيد لم يَصح أَو يَنْوِي أَدَاء فرض الْغسْل أَو فرض الْغسْل أَو الْغسْل الْمَفْرُوض أَو أَدَاء الْغسْل وَكَذَا الطَّهَارَة للصَّلَاة أما إِذا نوى الْغسْل فَقَط فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي
وَتقدم الْفرق بَينه وَبَين الْوضُوء فِي فَصله وَتَكون النِّيَّة مقرونة بِأول مَا يغسل من الْبدن سَوَاء أَكَانَ من أَعْلَاهُ أم من أَسْفَله إِذْ لَا تَرْتِيب فِيهِ
فَلَو نوى بعد غسل جُزْء مِنْهُ وَجب إِعَادَة غسله
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَإِذا اغْتسل من إِنَاء كإبريق يَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْوِي عِنْد غسل مَحل الِاسْتِنْجَاء بعد فَرَاغه مِنْهُ
لِأَنَّهُ قد يغْفل عَنهُ أَو يحْتَاج إِلَى الْمس فينتقض وضوءه أَو إِلَى كلفة فِي لف خرقَة على يَده
القَوْل فِي حكم إِزَالَة النَّجَاسَة الَّتِي على بدن المغتسل (و) الثَّانِي (إِزَالَة النَّجَاسَة إِن كَانَت على شَيْء من بدنه) على الْمُصَحح عِنْد الرَّافِعِيّ
وَقد عرفت فِيمَا تقدم ضعفه وَأَن الْأَصَح أَنه يَكْفِي لَهما غسلة وَاحِدَة كَمَا لَو اغْتَسَلت من جَنَابَة وحيض وَلِأَن واجبهما غسل الْعُضْو وَقد حصل
وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ النَّجس حكميا كَمَا فِي الْمَجْمُوع ويرفعهما المَاء مَعًا وللسابعة فِي الْمُغَلَّظَة حكم هَذِه الغسلة فَإِن كَانَ النَّجس عينيا وَلم يزل بَقِي الْحَدث أما غير السَّابِعَة فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة فَلَا يرْتَفع حدث ذَلِك الْمحل لبَقَاء نَجَاسَته
(و) الثَّالِث (إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع) أَجزَاء (الشّعْر) ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف وَيجب نقض الضفائر إِن لم يصل المَاء إِلَى بَاطِنهَا إِلَّا بِالنَّقْضِ لَكِن يُعْفَى عَن بَاطِن الشّعْر الْمَعْقُود وَلَا يجب غسل الشّعْر النَّابِت فِي الْعين أَو الْأنف وَإِن كَانَ يجب غسله من النَّجَاسَة لغلظها
(و) إِلَى جَمِيع أَجزَاء (الْبشرَة) حَتَّى الْأَظْفَار وَمَا يظْهر من صماخي الْأُذُنَيْنِ وَمن فرج الْمَرْأَة عِنْد قعودها لقَضَاء الْحَاجة وَمَا تَحت القلفة وَمَوْضِع شعر نتفه قبل غسله
قَالَ الْبَغَوِيّ وَمن بَاطِن جدري اتَّضَح
فَائِدَة لَو اتخذ لَهُ أُنْمُلَة أَو أنفًا من ذهب أَو فضَّة وَجب عَلَيْهِ غسله من حدث أَصْغَر أَو أكبر وَمن نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ غسل مَا ظهر من الْأصْبع وَالْأنف بِالْقطعِ وَقد تعذر للْعُذْر فَصَارَت الْأُنْمُلَة وَالْأنف كالأصليين وَلَا يجب فِي الْغسْل مضمضة وَلَا استنشاق بل يسن كَمَا فِي الْوضُوء وَغسل الْمَيِّت
القَوْل فِي سنَن الْغسْل (وسننه) أَي الْغسْل كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة أَشْيَاء)
وَسَنذكر مِنْهَا أَشْيَاء بعد ذَلِك الأولى (التَّسْمِيَة) مقرونة بِالنِّيَّةِ كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع هُنَا وَقد تقدم فِي الْوضُوء بَيَان أكملها
(و) الثَّانِيَة (الْوضُوء) كَامِلا (قبله) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَسَوَاء أقدم الْوضُوء كُله أَو بعضه أم أَخّرهُ أم فعله فِي أثْنَاء الْغسْل فَهُوَ مُحَصل للسّنة لَكِن الْأَفْضَل تَقْدِيمه ثمَّ إِن تجردت الْجَنَابَة عَن الْحَدث الْأَصْغَر كَأَن احْتَلَمَ وَهُوَ جَالس مُتَمَكن نوى سنة الْغسْل وَإِلَّا نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر
وَإِن قُلْنَا ينْدَرج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه فَإِن ترك الْوضُوء أَو الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق كره لَهُ وَيسن لَهُ أَن يتدارك ذَلِك
(و) الثَّالِثَة (إمرار الْيَد) فِي كل مرّة من الثَّلَاث (على) مَا أمكنه من (الْجَسَد) فيدلك مَا وصلت إِلَيْهِ يَده من بدنه احْتِيَاطًا وخروجا من خلاف من أوجبه وَإِنَّمَا لم يجب عندنَا لِأَن الْآيَة وَالْأَحَادِيث لَيْسَ فيهمَا تعرض لوُجُوبه ويتعهد معاطفه كَأَن يَأْخُذ المَاء بكفه فَيَجْعَلهُ على الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا انعطاف والتواء كالإبط والأذنين وطبقات الْبَطن وداخل السُّرَّة لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الثِّقَة بوصول المَاء ويتأكد فِي الْأذن فَيَأْخُذ كفا من مَاء وَيَضَع الْأذن عَلَيْهِ بِرِفْق ليصل المَاء إِلَى معاطفه وزواياه
(و) الرَّابِعَة (الْمُوَالَاة) وَهِي غسل الْعُضْو قبل جفاف مَا قبله كَمَا مر فِي الْوضُوء
(و) الْخَامِسَة (تَقْدِيم) غسل جِهَة (الْيُمْنَى) من جسده ظهرا وبطنا (على) غسل جِهَة (الْيُسْرَى) بِأَن يفِيض المَاء على شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي طهوره
مُتَّفق عَلَيْهِ
وَقدمنَا أَن سنَن الْغسْل كَثِيرَة فَمِنْهَا التَّثْلِيث تأسيا بِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْوضُوء
وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن يتعهد مَا ذكر ثمَّ يغسل رَأسه ويدلكه ثَلَاثًا ثمَّ بَاقِي جسده كَذَلِك بِأَن يغسل ويدلك شقة الْأَيْمن الْمُقدم ثمَّ الْمُؤخر ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك مرّة ثمَّ ثَانِيَة ثمَّ ثَالِثَة كَذَلِك للْأَخْبَار الصَّحِيحَة الدَّالَّة على ذَلِك وَلَو انغمس فِي مَاء فَإِن كَانَ جَارِيا كفى فِي التَّثْلِيث أَن يمر عَلَيْهِ ثَلَاث جريات لَكِن قد يفوتهُ الدَّلْك لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن مِنْهُ غَالِبا تَحت المَاء إِذْ رُبمَا يضيق نَفسه وَإِن كَانَ راكدا انغمس فِيهِ ثَلَاثًا بِأَن يرفع رَأسه مِنْهُ أَو ينْقل قَدَمَيْهِ أَو ينْتَقل فِيهِ من مقَامه إِلَى آخر ثَلَاثًا لَا يحْتَاج إِلَى انْفِصَال جملَته وَلَا رَأسه كَمَا فِي التسبيع من نَجَاسَة الْكَلْب فَإِن حركته تَحت المَاء كجري المَاء عَلَيْهِ وَلَا يسن تَجْدِيد الْغسْل لِأَنَّهُ لم ينْقل وَلما فِيهِ من الْمَشَقَّة بِخِلَاف الْوضُوء فَيسنّ تجديده إِذا صلى بِالْأولِ صَلَاة مَا كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي بَاب النّذر من زَوَائِد الرَّوْضَة لما روى أَبُو دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من تَوَضَّأ على طهر كتب الله لَهُ عشر حَسَنَات
وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام يجب الْوضُوء لكل صَلَاة فنسخ الْوُجُوب وَبَقِي أصل الطّلب
وَيسن أَن تتبع الْمَرْأَة غير الْمُحرمَة والمحدة لحيض أَو نِفَاس أثر الدَّم مسكا فتجعله فِي قطنة وَتدْخلهَا الْفرج بعد غسلهَا وَهُوَ المُرَاد بالأثر وَيكرهُ تَركه بِلَا عذر كَمَا فِي التَّنْقِيح والمسك فَارسي مُعرب الطّيب الْمَعْرُوف فَإِن لم تَجِد الْمسك أَو لم تمسح بِهِ فنحوه مِمَّا فِيهِ حرارة كالقسط والأظفار فَإِن لم تَجِد طيبا فطينا فَإِن لم تَجدهُ كفى المَاء أما الْمُحرمَة فَيحرم عَلَيْهَا الطّيب بأنواعه
والمحدة تسْتَعْمل قَلِيل قسط أَو أظفار وَيسن أَن لَا ينقص مَاء الْوضُوء فِي معتدل الْجَسَد عَن مد تَقْرِيبًا وَهُوَ رَطْل وَثلث بغدادي وَالْغسْل عَن صَاع تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَة أَمْدَاد لحَدِيث مُسلم عَن سفينة أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يغسلهُ الصَّاع ويوضئه الْمَدّ
وَيكرهُ أَن يغْتَسل فِي المَاء الراكد وَإِن كثر أَو بِئْر مُعينَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك فِي غير المستبحر
فَائِدَة قَالَ فِي الْإِحْيَاء لَا يَنْبَغِي أَن يحلق أَو يقلم أَو يستحد أَو يخرج دَمًا أَو يبين من نَفسه جُزْءا وَهُوَ جنب إِذْ ترد إِلَيْهِ سَائِر أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَة فَيَعُود جنبا وَيُقَال إِن كل شَعْرَة تطالب بجنابتها وَيجوز أَن ينْكَشف للْغسْل فِي خلْوَة أَو بِحَضْرَة من يجوز لَهُ نظره إِلَى عَوْرَته والستر أفضل
القَوْل فِي حكم من اجْتمع عَلَيْهِ أغسال وَمن اغْتسل لجنابة وَنَحْوهَا كحيض وجمعة وَنَحْوهَا كعيد حصل غسلهمَا كَمَا لَو نوى الْفَرْض وتحية الْمَسْجِد أَو نوى أَحدهمَا حصل فَقَط اعْتِبَارا بِمَا نَوَاه وَإِنَّمَا لم ينْدَرج النَّفْل فِي الْفَرْض لِأَنَّهُ مَقْصُود فَأشبه سنة الظّهْر مَعَ فَرْضه
فَإِن قيل لَو نوى بِصَلَاتِهِ الْفَرْض دون التَّحِيَّة حصلت التَّحِيَّة وَإِن لم ينوها
أُجِيب بِأَن الْقَصْد ثمَّ إشغال الْبقْعَة بِصَلَاة وَقد حصل وَلَيْسَ الْقَصْد هُنَا النَّظَافَة فَقَط بِدَلِيل أَنه يتَيَمَّم عِنْد عَجزه عَن المَاء
وَمن وَجب عَلَيْهِ فرضان كغسلي جَنَابَة وحيض كَفاهُ الْغسْل لأَحَدهمَا وَكَذَا لَو سنّ فِي حَقه سنتَانِ كغسلي عيد وجمعة وَلَا يضر التَّشْرِيك بِخِلَاف نَحْو الظّهْر مَعَ سنته لِأَن مبْنى الطهارات على التَّدَاخُل بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو أحدث ثمَّ أجنب أَو أجنب ثمَّ أحدث أَو أجنب وأحدث وأحدث مَعًا كفى الْغسْل لاندراج الْوضُوء فِي الْغسْل
تَتِمَّة يُبَاح للرِّجَال دُخُول الْحمام وَيجب عَلَيْهِم غض الْبَصَر عَمَّا لَا يحل لَهُم وصون عَوْرَاتهمْ عَن الْكَشْف بِحَضْرَة من لَا يحل لَهُم النّظر إِلَيْهَا وَقد رُوِيَ أَن الرجل إِذا دخل الْحمام عَارِيا لَعنه ملكاه
رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {كراما كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وروى الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ حرَام على الرِّجَال دُخُول الْحمام إِلَّا بمئزر
أما النِّسَاء فَيكْرَه لَهُنَّ بِلَا عذر لخَبر مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَلِأَن أمرهن مَبْنِيّ على الْمُبَالغَة فِي السّتْر وَلما فِي خروجهن واجتماعهن من الْفِتْنَة وَالشَّر وَيَنْبَغِي أَن يكون الخناثى كالنساء
وَيجب أَن لَا يزِيد