الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّوْضَة وَصحح فِي التَّحْقِيق مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه لَا يضر نقص قدر لَا يظْهر بنقصه تفَاوت فِي التَّغَيُّر بِقدر معِين من الْأَشْيَاء الْمُغيرَة كَأَن تَأْخُذ إناءين فِي وَاحِد قلتان وَفِي الآخر دونهمَا ثمَّ تضع فِي أَحدهمَا قدرا من المغير وتضع فِي الآخر قدره
فَإِن لم يظْهر بَينهمَا تفَاوت فِي التَّغَيُّر لم يضر ذَلِك وَإِلَّا ضرّ وَهَذَا أولى من الأول لضبطه
(القَوْل فِي الْقلَّتَيْنِ بالمساحة) وبالمساحة فِي المربع ذِرَاع وَربع طولا وعرضا وعمقا
وَفِي المدور ذراعان طولا وذراع عرضا وَالْمرَاد فِيهِ بالطول العمق وبالعرض مَا بَين حائطي الْبِئْر من سَائِر الجوانب وبالذراع فِي المربع ذِرَاع الْآدَمِيّ وَهُوَ شبران تَقْرِيبًا
وَأما فِي المدور فَالْمُرَاد بِهِ فِي الطول ذِرَاع التُّجَّار الَّذِي هُوَ بِذِرَاع الْآدَمِيّ ذِرَاع وَربع تَقْرِيبًا
(حَقِيقَة حكم المَاء الْجَارِي) وَالْمَاء الْجَارِي وَهُوَ مَا انْدفع فِي مستو أَو منخفض كراكد فِيمَا مر من التَّفْرِقَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَفِيمَا اسْتثْنِي لمَفْهُوم حَدِيث الْقلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لم يفصل بَين الْجَارِي والراكد لَكِن الْعبْرَة فِي الْجَارِي بالجرية نَفسهَا لَا بِمَجْمُوع المَاء وَهِي كَمَا فِي الْمَجْمُوع الدفعة بَين حافتي النَّهر عرضا وَالْمرَاد بهَا مَا يرْتَفع من المَاء عِنْد تموجه أَي تَحْقِيقا أَو تَقْديرا فَإِن كثرت الجرية لم تنجس إِلَّا بالتغير وَهِي فِي نَفسهَا مُنْفَصِلَة عَمَّا أمامها وَمَا خلفهَا من الجريات حكما وَإِن اتَّصَلت بهما حسا
إِذْ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة عَمَّا خلفهَا من الجريات وَيعرف كَون الجرية قُلَّتَيْنِ بِأَن يمسحا وَيجْعَل الْحَاصِل ميزانا ثمَّ يُؤْخَذ قدر عمق الجرية وَيضْرب فِي قدر طولهَا ثمَّ الْحَاصِل فِي قدر عرضهَا بعد بسط الأقدار من مخرج الرّبع لوُجُوده فِي مِقْدَار الْقلَّتَيْنِ فِي المربع فَمسح الْقلَّتَيْنِ بِأَن تضرب ذِرَاعا وربعا طولا فِي مثلهمَا عرضا فِي مثلهمَا عمقا يحصل مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ وَهِي الْمِيزَان أما إِذا كَانَ أَمَام الْجَارِي ارْتِفَاع يردهُ فَلهُ حكم الراكد
(فصل فِي الدّباغ) فِي بَيَان مَا يطهر بدباغه وَمَا يسْتَعْمل من الْآنِية وَمَا يمْتَنع
(وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم
وَفِي رِوَايَة هلا أَخَذْتُم إهابها فدبغتموه فانتفعتم بِهِ وَالظَّاهِر مَا لَاقَى الدابغ وَالْبَاطِن مَا لم يلاق الدابغ وَلَا فرق فِي الْميتَة بَين أَن تكون مأكولة اللَّحْم أم لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم الحَدِيث
(ضَابِط الدّباغ) والدبغ نزع فضوله وَهِي مائيته ورطوبته الَّتِي يُفْسِدهُ بَقَاؤُهَا ويطيبه نَزعهَا بِحَيْثُ لَو نقع فِي المَاء لم يعد إِلَيْهِ النتن وَالْفساد وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بحريف بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء كالقرظ والعفص وقشور الرُّمَّان وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الطَّاهِر كم ذكر وَالنَّجس كذرق الطُّيُور وَلَا يَكْفِي التجميد بِالتُّرَابِ وَلَا بالشمس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا ينْزع الفضول
وَإِن جف الْجلد وَطَابَتْ رَائِحَته لِأَن الفضلات لم تزل وَإِنَّمَا جمدت بِدَلِيل أَنه لَو نقع فِي المَاء عَادَتْ إِلَيْهِ العفونة
(القَوْل فِي حكم الْجلد بعد الدبغ) وَيصير المدبوغ كَثوب مُتَنَجّس لملاقاته للأدوية النَّجِسَة أَو الَّتِي تنجست بِهِ قبل طهر عينه فَيجب غسله لذَلِك فَلَا يصلى فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ قبل غسله وَيجوز بَيْعه قبله مَا لم يمْنَع من ذَلِك مَانع وَلَا يحل أكله سَوَاء كَانَ من مَأْكُول اللَّحْم أم من غَيره لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا وَخرج بِالْجلدِ الشّعْر لعدم تأثره بالدبغ
قَالَ النَّوَوِيّ ويعفى عَن قَلِيله
(إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير) فَلَا يطهره الدبغ قطعا لِأَن الْحَيَاة فِي إِفَادَة الطَّهَارَة أبلغ من الدبغ والحياة لَا تفِيد طَهَارَته
(و) كَذَا (مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا) مَعَ حَيَوَان طَاهِر لما ذكر (وَعظم) الْحَيَوَانَات (الْميتَة وشعرها) وقرنها وظفرها وظلفها (نجس) لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَتَحْرِيم مَا لَا حُرْمَة لَهُ وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَالْميتَة مَا زَالَت حَيَاتهَا بِغَيْر ذَكَاة شَرْعِيَّة فَيدْخل فِي الْميتَة مَا لَا يُؤْكَل إِذا ذبح وَكَذَا مَا يُؤْكَل إِذا اخْتَلَّ فِيهِ شَرط من شُرُوط التذكية كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم للصَّيْد وَمَا ذبح بالعظم وَنَحْوه
(القَوْل فِي مَا قطع من حَيّ) والجزء الْمُنْفَصِل من الْحَيّ كميتة ذَلِك الْحَيّ إِن كَانَ طَاهِرا فطاهر وَإِن كَانَ نجسا فنجس لخَبر مَا قطع من حَيّ فَهُوَ كميتته رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ فالمنفصل من الْآدَمِيّ أَو السّمك أَو الْجَرَاد طَاهِر وَمن غَيرهَا نجس
(إِلَّا شعر) أَو صوف أَو ريش أَو وبر الْمَأْكُول فطاهر بِالْإِجْمَاع وَلَو نتف مِنْهَا أَو انتتفت
قَالَ الله تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} وَهُوَ مَحْمُول على مَا أَخذ بعد التذكية أَو فِي الْحَيَاة على مَا هُوَ الْمَعْهُود وَلَو شككنا فِيمَا ذكر هَل انْفَصل من طَاهِر أَو نجس حكمنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة
وشككنا فِي النَّجَاسَة وَالْأَصْل عدمهَا بِخِلَاف مَا لَو رَأينَا قِطْعَة لحم وشككنا هَل هِيَ من مذكاة أَو لَا لِأَن الأَصْل عدم التذكية وَالشعر على الْعُضْو المبان نجس إِذا كَانَ الْعُضْو نجسا تبعا لَهُ وَالشعر الْمُنْفَصِل من (الْآدَمِيّ) سَوَاء انْفَصل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته أم بعد مَوته طَاهِر لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَن لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان
وَتحل ميتَة السّمك وَالْجَرَاد لقَوْله صلى الله عليه وسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال
ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه
قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا}
وَإِنَّمَا يحصل الِانْتِفَاع أَو يكمل بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا نَص الشَّارِع على نَجَاسَته وَهُوَ كل مُسكر مَائِع لقَوْله صلى الله عليه وسلم كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام وَكَذَا الْحَيَوَان كُله طَاهِر لما مر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع أَيْضا وَهُوَ الْكَلْب وَلَو معلما لخَبر مُسلم طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
وَجه الدّلَالَة أَن الطَّهَارَة إِمَّا لحَدث أَو خبث أَو تكرمة وَلَا حدث على الْإِنَاء وَلَا تكرمة لَهُ فتعينت طَهَارَة الْخبث فثبتت نَجَاسَة فَمه وَهُوَ أطيب أَجْزَائِهِ بل هُوَ أطيب الْحَيَوَانَات نكهة لِكَثْرَة مَا يَلْهَث فبقيتها أولى وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا من الْكَلْب وَفرع كل مِنْهُمَا مَعَ الآخر أَو مَعَ غَيره من الْحَيَوَانَات الطاهرة كالمتولد بَين ذِئْب وكلبة تَغْلِيبًا للنَّجَاسَة وَإِن الفضلات مِنْهَا مَا يَسْتَحِيل فِي بَاطِن الْحَيَوَان وَهُوَ نجس كَدم وَلَو تحلب من كبد أَو طحال لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} أَي الدَّم المسفوح وقيح لِأَنَّهُ دم مُسْتَحِيل وقيء وَإِن لم يتَغَيَّر وَهُوَ الْخَارِج من الْمعدة لِأَنَّهُ من الفضلات المستحيلة كالبول وجرة وَهِي بِكَسْر الْجِيم مَا يُخرجهُ الْبَعِير أَو غَيره للاجترار وَمرَّة وَهِي بِكَسْر الْمِيم مَا فِي المرارة
وَأما الزباد فطاهر
قَالَ فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ إِمَّا لبن سنور بحري كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أَو عرق سنور بري كَمَا سمعته من ثِقَات من أهل الْخِبْرَة بِهَذَا وَلَكِن يغلب اخْتِلَاطه بِمَا يتساقط من شعره فليحترز عَمَّا وجد فِيهِ فَإِن الْأَصَح منع أكل الْبري وَيَنْبَغِي الْعَفو عَن قَلِيل شعره وَأما الْمسك فَهُوَ أطيب الطّيب كَمَا رَوَاهُ مُسلم
وفأرته طَاهِرَة وَهِي خراج بِجَانِب سرة الظبية كالسلعة فتحتك حَتَّى تلقيها وَاخْتلفُوا فِي العنبر فَمنهمْ من قَالَ إِنَّه نجس لِأَنَّهُ مستخرج من بطن دويبة لَا يُؤْكَل لَحمهَا وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه طَاهِر لِأَنَّهُ ينْبت فِي الْبَحْر ويلفظه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وروث وَلَو من سمك وجراد لما روى البُخَارِيّ إِنَّه صلى الله عليه وسلم لما جِيءَ لَهُ بحجرين وروثة ليستنجي بهَا أَخذ الحجرين ورد الروثة وَقَالَ وَهَذَا ركس والركس النَّجس وَبَوْل لِلْأَمْرِ بصب المَاء عَلَيْهِ فِي بَوْل الْأَعرَابِي فِي الْمَسْجِد رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
ومذي وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة عِنْد ثورانها لِلْأَمْرِ بِغسْل الذّكر مِنْهُ فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وودي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاء أَبيض ثخين يخرج عقب الْبَوْل أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل قِيَاسا على مَا قبله وَالأَصَح طَهَارَة مني غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا لِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر وَلبن مَا لَا يُؤْكَل غير لبن الْآدَمِيّ كلبن الأتان لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْبَاطِن كَالدَّمِ أما لبن مَا يُؤْكَل لَحْمه كلبن الْفرس وَإِن ولدت بغلا فطاهر
قَالَ تَعَالَى {لَبَنًا خَالِصا سائغا للشاربين}
وَكَذَا لبن الْآدَمِيّ إِذْ لَا يَلِيق بكرامته أَن يكون منشؤه نجسا وَكَلَامهم شَامِل للبن الْميتَة وَبِه جزم فِي
الْمَجْمُوع وَلبن الذّكر وَالصَّغِيرَة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيل وَهُوَ طَاهِر كعرق ولعاب ودمع من حَيَوَان طَاهِر والعلقة وَهِي الدَّم الغليظ المستحيل من الدَّم فِي الرَّحِم والمضغة وَهِي الْعلقَة الَّتِي تستحيل فَتَصِير قِطْعَة لحم ورطوبة الْفرج من حَيَوَان طَاهِر وَلَو غير مَأْكُول طَاهِرَة
(القَوْل فِي مَا يطهر من نجس الْعين) وَلَا يطهر نجس الْعين بِغسْل وَلَا باستحالة إِلَّا شَيْئَانِ أَحدهمَا الْجلد إِذا دبغ كَمَا مر وَالثَّانِي الْخمْرَة إِذا تخللت بِنَفسِهَا فَتطهر وَإِن نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه فَإِن خللت بطرح شَيْء فِيهَا لم تطهر وَمَا نجس بملاقاة شَيْء من كلب غسل سبعا
إِحْدَاهَا بِتُرَاب طهُور يعم مَحل النَّجَاسَة وَالْخِنْزِير كَالْكَلْبِ وَكَذَا مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا فيلحف بذلك
وَمَا نجس ببول صبي لم يتَنَاوَل قبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ غير لبن للتغذي نضح بِالْمَاءِ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم قيس أَنَّهَا جَاءَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجره فَبَال عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ
وَمَا نجس بِغَيْر الْكَلْب وَنَحْوه وَالصَّبِيّ الَّذِي لم يتَنَاوَل غير اللَّبن إِن كَانَت النَّجَاسَة حكمِيَّة وَهِي مَا يتَيَقَّن وجودهَا وَلَا يدْرك لَهَا طعم وَلَا لون وَلَا ريح كفى وُصُول المَاء إِلَى ذَلِك الْمحل بِحَيْثُ يسيل عَلَيْهِ زَائِدا على النَّضْح وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة وَجب بعد زَوَال عينهَا إِزَالَة الطّعْم وَإِن عسر وَلَا يضر بَقَاء لون كلون الدَّم أَو ريح كريح الْخمر عسر زَوَاله للْمَشَقَّة بِخِلَاف مَا إِذا سهل فَيضر بَقَاؤُهُ فَإِن بقيا بِمحل وَاحِد مَعًا ضرّ لقُوَّة دلالتهما على بَقَاء الْعين وَيشْتَرط وُرُود المَاء على الْمحل إِن كَانَ قَلِيلا لِئَلَّا يَتَنَجَّس المَاء لَو عكس
(القَوْل فِي حكم الغسالة) والغسالة طَاهِرَة إِن انفصلت بِلَا تغير وَلم يزدْ الْوَزْن وَقد طهر الْمحل
فروع يطهر بِالْغسْلِ مصبوغ بمتنجس انْفَصل مِنْهُ وَلم يزدْ الْمَصْبُوغ وزنا بعد الْغسْل على وَزنه قبل الصَّبْغ وَإِن بَقِي اللَّوْن لعسر زَوَاله فَإِن زَاد وَزنه ضرّ فَإِن لم ينْفَصل عَنهُ لتعقده بِهِ لم يطهر لبَقَاء النَّجَاسَة فِيهِ وَلَو صب على مَوضِع نَحْو بَوْل أَو خمر من أَرض مَاء غمره طهر
أما إِذا صب على نفس نَحْو الْبَوْل فَإِنَّهُ لَا يطهر وَاللَّبن بِكَسْر الْمُوَحدَة إِن خالطه نَجَاسَة جامدة كالروث لم
يطهر وَإِن طبخ وَصَارَ آجرا لعين النَّجَاسَة وَإِن خالطه غَيرهَا كالبول طهر ظَاهره بِالْغسْلِ وَكَذَا بَاطِنه إِن نقع فِي المَاء إِن كَانَ رخوا يصله المَاء كالعجين وَلَو سقيت سكين أَو طبخ لحم بِمَاء نجس كفى غسلهمَا ويطهر الزئبق الْمُتَنَجس بِغسْل ظَاهره إِن لم يَتَخَلَّل بَين تنجسه وغسله تقطع وَإِلَّا لم يطهر كالدهن
وَيَكْفِي غسل مَوضِع نَجَاسَة وَقعت على ثوب وَلَو عقب عصره وَلَو تنجس مَائِع غير المَاء وَلَو دهنا تعذر تَطْهِيره إِذْ لَا يَأْتِي المَاء على كُله وَإِذا غسل فَمه الْمُتَنَجس فليبالغ فِي الغرغرة ليغسل كل مَا فِي حد الظَّاهِر وَلَا يبلع طَعَاما وَلَا شرابًا قبل غسله لِئَلَّا يكون آكلا للنَّجَاسَة
(القَوْل فِي حكم أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة)(وَلَا يجوز) لذكر أَو غَيره (اسْتِعْمَال) شَيْء من (أواني الذَّهَب) وأواني (الْفضة) بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها
مُتَّفق عَلَيْهِ
وَيُقَاس غير الْأكل وَالشرب عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا خصا بِالذكر لِأَنَّهُمَا أظهر وُجُوه الِاسْتِعْمَال وأغلبها وَيحرم على الْوَلِيّ أَن يسْقِي الصَّغِير بمسعط من إنائهما وَلَا فرق بَين الْإِنَاء الْكَبِير والإناء الصَّغِير حَتَّى مَا يخلل بِهِ أَسْنَانه والميل الَّذِي يكتحل بِهِ إِلَّا لضَرُورَة كَأَن يحْتَاج إِلَى جلاء عينه بالميل فَيُبَاح اسْتِعْمَاله وَالْوُضُوء مِنْهُ صَحِيح والمأخوذ مِنْهُ من مَأْكُول أَو غَيره حَلَال لِأَن التَّحْرِيم للاستعمال لَا لخُصُوص مَا ذكر
وَيحرم الْبَوْل فِي الْإِنَاء مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وكما يحرم استعمالهما يحرم أَيْضا اتخاذهما من غير اسْتِعْمَال لِأَن مَا لَا يجوز اسْتِعْمَاله للرِّجَال وَلَا لغَيرهم يحرم اتِّخَاذه كآلة الملاهي
(القَوْل فِي أواني غير الذَّهَب وَالْفِضَّة) وَيحل (اسْتِعْمَال كل إِنَاء طَاهِر) مَا عدا ذَلِك سَوَاء أَكَانَ من نُحَاس أم من غَيره فَإِن موه غير النَّقْد كإناء نُحَاس وَخَاتم وَآلَة
حَرْب من نُحَاس أَو نَحوه بِالنَّقْدِ وَلم يحصل مِنْهُ شي وَلَو بِالْعرضِ على النَّار أَو موه النَّقْد بِغَيْرِهِ أَو صدأ مَعَ حُصُول شَيْء من المموه بِهِ أَو الصدأ حل اسْتِعْمَاله لقلَّة المموه فِي الأولى فَكَأَنَّهُ مَعْدُوم وَلعدم الْخُيَلَاء فِي الثَّانِيَة فَإِن حصل شَيْء من النَّقْد فِي الأولى لكثرته أَو لم يحصل شَيْء من غَيره فِي الثَّانِيَة لقلته حرم اسْتِعْمَاله وَكَذَا اتِّخَاذه فالعلة مركبة من تضييق النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاء وَكسر قُلُوب الْفُقَرَاء
وَيحرم تمويه سقف الْبَيْت وجدرانه وَإِن لم يحصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار وَيحرم استدامته إِن حصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا
وَيحل اسْتِعْمَال واتخاذ النفيس كياقوت وَزَبَرْجَد وبلور بِكَسْر الْبَاء وَفتح اللَّام ومرجان وعقيق والمتخذ من الطّيب الْمُرْتَفع كمسك وَعَنْبَر وعود لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ نهي وَلَا يظْهر فِيهِ معنى السَّرف وَالْخُيَلَاء
وَمَا ضبب من إِنَاء بِفِضَّة ضبة كَبِيرَة وَكلهَا أَو بَعْضهَا وَإِن قل لزينة حرم اسْتِعْمَاله واتخاذه أَو صَغِيرَة بِقدر الْحَاجة فَلَا تحرم للصغر وَلَا تكره للْحَاجة
وَلما روى البُخَارِيّ عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ رَأَيْت قدح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ قد انصدع أَي انْشَقَّ فسلسله بِفِضَّة أَي شده بخيط فضَّة وَالْفَاعِل هُوَ أنس كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ أنس لقد سقيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْقدح أَكثر من كَذَا وَكَذَا أَو صَغِيرَة وَكلهَا أَو بَعْضهَا لزينة أَو كَبِيرَة كلهَا لحَاجَة جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة فيهمَا أما فِي الأولى فللصغر وَكره لفقد الْحَاجة وَأما فِي الثَّانِيَة فللحاجة وَكره للكبر وضبة مَوضِع الِاسْتِعْمَال لنَحْو شرب كَغَيْرِهِ فِيمَا ذكر من التَّفْصِيل لِأَن الِاسْتِعْمَال مَنْسُوب إِلَى الْإِنَاء كُله
تَنْبِيه مرجع الْكبر والصغر الْعرف
فَإِن شكّ فِي كبرها فَالْأَصْل الْإِبَاحَة قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَخرج بِالْفِضَّةِ الذَّهَب فَلَا يحل اسْتِعْمَال إِنَاء ضبب بِذَهَب سَوَاء أَكَانَ مَعَه غَيره أم لَا
لِأَن الْخُيَلَاء فِي الذَّهَب أَشد من الْفضة وبالطاهر النَّجس كالمتخذ من ميتَة فَيحرم اسْتِعْمَاله فِيمَا ينجس بِهِ كَمَاء قَلِيل ومائع لَا فِيمَا لَا ينجس بِهِ كَمَاء كثير أَو غَيره مَعَ الْجَفَاف
فروع (تسمير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي الْإِنَاء) كالتضبيب فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيل السَّابِق بِخِلَاف طرحها فِيهِ فَلَا يحرم بِهِ اسْتِعْمَال الْإِنَاء مُطلقًا وَلَا يكره وَكَذَا لَو شرب بكفه وَفِي إصبعه خَاتم أَو فِي فَمه دَرَاهِم أَو شرب بكفيه وَفِيهِمَا دَرَاهِم
(القَوْل فِي حكم اسْتِعْمَال أواني الْكفَّار وأشباههم) وَيجوز اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين إِن كَانُوا لَا يتعبدون بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة كَأَهل الْكتاب فَهِيَ كآنية الْمُسلمين لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ من مزادة مُشركَة وَلَكِن يكره اسْتِعْمَالهَا لعدم تحرزهم فَإِن كَانُوا يتدينون بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة كطائفة من الْمَجُوس