الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُجِيب بِأَن هَذَا كالمنسية فِي خمس يجوز جمعهَا بِتَيَمُّم وَإِن كَانَت فرضا لِأَن الْفَرْض بِالذَّاتِ وَاحِدَة
وَمن نسي إِحْدَى الْخمس وَلم يعلم عينهَا كَفاهُ لَهُنَّ تيَمّم لِأَن الْفَرْض وَاحِد وَمَا سواهُ وَسِيلَة لَهُ فَلَو تذكر المنسية بعد لم يجب إِعَادَتهَا كَمَا رَجحه فِي الْمَجْمُوع أَو نسي مِنْهُنَّ مختلفتين وَلم يعلم عينهما صلى كلا مِنْهُنَّ بِتَيَمُّم أَو صلى أَرْبعا كالظهر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِتَيَمُّم وأربعا لَيست مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بهَا أَي الْعَصْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح بِتَيَمُّم آخر فَيبرأ بِيَقِين أَو نسي مِنْهُنَّ متفقتين أَو شكّ فِي اتِّفَاقهمَا وَلم يعلم عينهما وَلَا تكون المتفقتان إِلَّا من يَوْمَيْنِ فَيصَلي الْخمس مرَّتَيْنِ بتيممين ليبرأ بِيَقِين
تَتِمَّة على فَاقِد الطهُورَيْنِ وهما المَاء وَالتُّرَاب كمحبوس بِمحل لَيْسَ فِيهِ وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُصَلِّي الْفَرْض لحرمه الْوَقْت وَيُعِيد إِذا وجد أَحدهمَا وَإِنَّمَا يُعِيد بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحل يسْقط بِهِ الْفَرْض إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْإِعَادَة بِهِ فِي مَحل لَا يسْقط بِهِ الْفَرْض وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل فَلَا يفعل وَيَقْضِي وجوبا متيمم وَلَو فِي سفر ليرد لندرة فقد مَا يسخن بِهِ المَاء أَو يدثر بِهِ أعضاءه ومتيمم لفقد مَاء بِمحل ينْدر فِيهِ فَقده وَلَو مُسَافِرًا لندرة فَقده بِخِلَافِهِ بِمحل لَا ينْدر فِيهِ ذَلِك وَلَو مُقيما ومتيمم لعذر كفقد مَاء وجرح فِي سفر مَعْصِيّة كآبق لِأَن عدم الْقَضَاء رخصَة فَلَا يناط بسفر الْمعْصِيَة
فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة
وَهِي لُغَة كل مَا يستقذر وَشرعا مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص
(وكل مَائِع خرج من) أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي الْقبل والدبر سَوَاء أَكَانَ مُعْتَادا كالبول وَالْغَائِط أم نَادرا كالودي والمذي (نجس) سَوَاء أَكَانَ ذَلِك من حَيَوَان مَأْكُول أم لَا
للأحاديث الدَّالَّة على ذَلِك فقد روى البُخَارِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم لما جِيءَ لَهُ بحجرين وروثة ليستنجي بهما فَأخذ الحجرين ورد الروثة وَقَالَ هَذَا ركس والركس النَّجس وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث القبرين أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يستبرىء من الْبَوْل رَوَاهُ مُسلم وَقيس بِهِ سَائِر الأبوال وَأما أمره صلى الله عليه وسلم العرنيين بِشرب أَبْوَال الْإِبِل فَكَانَ للتداوي والتداوي بِالنَّجسِ جَائِز عِنْد فقد الطَّاهِر الَّذِي يقوم مقَامه وَأما قَوْله صلى الله عليه وسلم لم يَجْعَل الله شِفَاء أمتِي فِيمَا حرم عَلَيْهَا فَمَحْمُول على الْخمر
والمذي وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة قَوِيَّة عِنْد ثورتها
والودي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاء أَبيض كدر ثخين يخرج عقب الْبَوْل أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل
تَنْبِيه فِي بعض نسخ الْمَتْن وكل مَا يخرج بِلَفْظ الْمُضَارع بِإِسْقَاط مَائِع فَمَا نكرَة مَوْصُوفَة أَي كل شَيْء
فَائِدَة هَذِه الفضلات من النَّبِي صلى الله عليه وسلم طَاهِرَة كَمَا جزم بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيره وَصَححهُ القَاضِي وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا لَيست من النَّجَاسَة لِأَن بركَة الحبشية شربت بَوْله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لن تلج النَّار بَطْنك صَححهُ
الدَّارَقُطْنِيّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ دم النَّبِي صلى الله عليه وسلم طَاهِر لِأَن أَبَا طيبَة شربه وَفعل مثل ذَلِك ابْن الزبير وَهُوَ غُلَام حِين أعطَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم دم حجامته ليدفنه فشربه فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم من خالط دَمه دمي لم تمسه النَّار
حكم الْحَصَاة الْخَارِجَة من الْقبل فَائِدَة أُخْرَى اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ فِي حَصَاة تخرج عقب الْبَوْل فِي بعض الأحيان وَتسَمى عِنْد العامية بالحصية هَل هِيَ نَجِسَة أم متنجسة تطهر بِالْغسْلِ وَالَّذِي يظْهر فِيهَا مَا قَالَه بَعضهم وَهُوَ إِن أخبر طَبِيب عدل بِأَنَّهَا منعقدة من الْبَوْل فَهِيَ نَجِسَة وَإِلَّا فمتنجسة
حكم الْمَنِيّ من الْحَيَوَانَات وَحكم الْبيض (إِلَّا الْمَنِيّ) فطاهر من جَمِيع الْحَيَوَانَات إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا أما مني الْآدَمِيّ فلحديث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تحك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ
مُتَّفق عَلَيْهِ وَأما مني غير الْآدَمِيّ فَلِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ
وَيسْتَحب غسل الْمَنِيّ كَمَا فِي الْمَجْمُوع للْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ وخروجا من الْخلاف
وَالْبيض الْمَأْخُوذ من حَيَوَان طَاهِر وَلَو من غير مَأْكُول طَاهِر وَكَذَا الْمَأْخُوذ من ميتَة إِن تصلب وبرز القز
وَهُوَ الْبيض الَّذِي يخرج مِنْهُ دود القز وَلَو استحالت الْبَيْضَة دَمًا فَهِيَ طَاهِرَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه هُنَا وَصحح فِي شُرُوط الصَّلَاة مِنْهُ أَنَّهَا نَجِسَة وَالْأَوْجه حمل هَذَا على مَا إِذا لم تستحل حَيَوَانا وَالْأول على خِلَافه
وَقَوله (وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب) أَي من مَأْكُول وَغَيره أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَة المتوسطة كالبول وَالْغَائِط بِدَلِيل ذكره النَّجَاسَة المخففة والمغلظة بعد ذَلِك وَيَكْفِي غسل ذَلِك مرّة لحَدِيث كَانَت الصَّلَاة خمسين وَالْغسْل من الْجَنَابَة وَالْبَوْل سبع مَرَّات فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْأَل الله التَّخْفِيف حَتَّى جعلت الصَّلَاة خمْسا وَالْغسْل من الْجَنَابَة مرّة وَاحِدَة وَمن الْبَوْل مرّة
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ وَأمره صلى الله عليه وسلم بصب ذنُوب على بَوْل الْأَعرَابِي وَذَلِكَ فِي حكم غسلة وَاحِدَة وَهُوَ حجَّة الْوُجُوب
القَوْل فِي تَقْسِيم النَّجَاسَة إِلَى حكمِيَّة وعينية تَنْبِيه النَّجَاسَة على قسمَيْنِ حكمِيَّة وعينية فالحكمية كبول جف وَلم يدْرك لَهُ صفة يَكْفِي جري المَاء عَلَيْهَا مرّة وَاحِدَة والعينية يجب إِزَالَة صفاتها من طعم ولون وريح إِلَّا مَا عسر زَوَاله من لون أَو ريح فَلَا تجب إِزَالَته بل يطهر الْمحل أما إِذا اجْتمعَا فَتجب إزالتهما مُطلقًا لقُوَّة دلالتهما على بَقَاء الْعين كَمَا يدل على بَقَائِهَا بَقَاء الطّعْم وَحده وَإِن عسر زَوَاله وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا بقيا فِي مَحل وَاحِد فَإِن بقيا مُتَفَرّقين لم يضر وَلَا تجب الِاسْتِعَانَة فِي زَوَال الْأَثر بِغَيْر المَاء إِلَّا إِن تعيّنت
وَيشْتَرط وُرُود المَاء إِن قل لَا إِن كثر على الْمحل لِئَلَّا يَتَنَجَّس المَاء لَو عكس فَلَا يطهر الْمحل والغسالة القليلة الْمُنْفَصِلَة بِلَا تغير وَبلا زِيَادَة وزن بعد اعْتِبَار مَا يتشربه الْمحل وَقد طهر الْمحل طَاهِرَة لِأَن الْمُنْفَصِل بعض مَا كَانَ مُتَّصِلا وَقد فرض طهره وَلَا يشْتَرط الْعَصْر إِذا البلل بعض الْمُنْفَصِل وَقد فرض طهره وَلَكِن يسن خُرُوجًا من الْخلاف فَإِن كَانَت كَثِيرَة وَلم تَتَغَيَّر أَو لم تنفصل فطاهرة أَيْضا وَإِن انفصلت متغيرة أَو غير متغيرة وَزَاد وَزنهَا بعد مَا ذكر أَو لم يزدْ وَلم يطهر الْمحل فنجسة
فرع مَاء نقل من الْبَحْر فَوجدَ فِيهِ طعم زبل أَو لَونه أَو رِيحه حكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقه وَلَا يشكل عَلَيْهِ
قَوْلهم لَا يحد برِيح الْخمر لوضوح الْفرق وَإِن احْتمل أَن يكون ذَلِك من قربَة جَائِفَة لم يحكم بنجاستة وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تعم بهَا الْبلوى
القَوْل فِي النَّجَاسَة المخففة وإزالتها ثمَّ شرع فِي حكم النَّجَاسَة المخففة فَقَالَ (إِلَّا بَوْل الصَّبِي الَّذِي يَأْكُل الطَّعَام) أَي للتغذي قبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يطهر برش المَاء عَلَيْهِ) بِأَن يرش عَلَيْهِ مَا يعمه ويغمره بِلَا سيلان بِخِلَاف الصبية وَالْخُنْثَى لَا بُد فِي بولهما من الْغسْل على الأَصْل ويتحقق بالسيلان وَذَلِكَ لخَبر الشَّيْخَيْنِ عَن أم قيس أَنَّهَا جَاءَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجره فَبَال عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ
وَلخَبَر التِّرْمِذِيّ وَحسنه يغسل من بَوْل الْجَارِيَة ويرش من بَوْل الْغُلَام
وَفرق بَينهمَا بِأَن الائتلاف بِحمْل الصَّبِي يكثر فَخفف فِي بَوْله وَأَن بَوْله أرق من بولها فَلَا يلصق بِالْمحل كلصوق بولها بِهِ وَألْحق بهَا الْخُنْثَى وَخرج بِقَيْد التغذي تحنيكه بِنَحْوِ تمر وتناوله نَحْو سفوف لإِصْلَاح فَلَا يمنعان النَّضْح كَمَا فِي الْمَجْمُوع وبقبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ مَا بعدهمَا إِذْ الرَّضَاع حِينَئِذٍ كالطعام كَمَا نقل عَن النَّص وَلَا بُد فِي النَّضْح من إِزَالَة أَوْصَافه كَبَقِيَّة النَّجَاسَات وَإِنَّمَا سكتوا عَن ذَلِك لِأَن الْغَالِب سهولة زَوَالهَا خلافًا للزركشي من أَن بَقَاء اللَّوْن وَالرِّيح لَا يضر
القَوْل فِي النَّجَاسَات المعفو عَنْهَا (وَلَا يُعْفَى عَن شَيْء من النَّجَاسَات) كلهَا مِمَّا يُدْرِكهُ الْبَصَر (إِلَّا الْيَسِير) فِي الْعرف (من الدَّم والقيح) الأجنبيين سَوَاء أَكَانَ من نَفسه كَأَن انْفَصل مِنْهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ أَو من غَيره غير دم الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا لِأَن جنس الدَّم يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْعَفو فَيَقَع الْقَلِيل مِنْهُ فِي مَحل الْمُسَامحَة
قَالَ فِي الْأُم والقليل مَا تعافاه النَّاس أَي عدوه عفوا والقيح دم اسْتَحَالَ إِلَى نَتن وَفَسَاد وَمثله الصديد
أما دم نَحْو الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لغلظه كَمَا صرح فِي الْبَيَان وَنَقله عَنهُ فِي الْمَجْمُوع وَأقرهُ وَكَذَا لَو أَخذ دَمًا أَجْنَبِيّا ولطخ بِهِ نَفسه أَي بدنه أَو ثَوْبه فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لتعديه بذلك فَإِن التضمخ بِالنَّجَاسَةِ حرَام وَأما دم الشَّخْص نَفسه الَّذِي لم ينْفَصل كَدم الدماميل والقروح وَمَوْضِع الفصد والحجامة فيعفى عَن قَلِيله وَكَثِيره انْتَشَر بعرق أم لَا ويعفى عَن دم البراغيث وَالْقمل والبق وونيم الذُّبَاب وَعَن قَلِيل بَوْل الخفاش وَعَن روثه وَبَوْل الذُّبَاب لِأَن ذَلِك مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى ويشق الِاحْتِرَاز عَنهُ وَدم البراغيث وَالْقمل رشحات تمصها من (بدن) الْإِنْسَان وَلَيْسَ لَهَا دم فِي نَفسهَا ذكره الإِمَام وَغَيره فِي دم البراغيث وَمثلهَا الْقمل
تَنْبِيه مَحل الْعَفو عَن سَائِر الدِّمَاء مَا لم تختلط بأجنبي فَإِن اخْتلطت بِهِ وَلَو دم نَفسه كَأَن خرج من عينه دم أَو دميت لثته لم يعف عَن شَيْء مِنْهُ نعم يُعْفَى عَن مَاء الطَّهَارَة إِذا لم يتَعَمَّد وَضعه عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ
قَالَ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فِي الْكَلَام على كَيْفيَّة الْمسْح على الْخُف لَو تنجس أَسْفَل الْخُف بمعفو عَنهُ لَا يمسح على أَسْفَله لِأَنَّهُ لَو مَسحه زَاد التلويث وَلَزِمَه حِينَئِذٍ غسله وَغسل الْيَد انْتهى
وَاخْتلف فِيمَا إِذا لبس ثوبا فِيهِ دم براغيث وبدنه رطب فَقَالَ الْمُتَوَلِي يجوز وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو
عَليّ السنجي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة إِلَى تلويث بدنه وَبِه جزم الْمُحب الطَّبَرِيّ تفقها وَيُمكن حمل الْكَلَام الأول على مَا إِذا كَانَت الرُّطُوبَة بِمَاء وضوء أَو غسل مَطْلُوب لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ كَمَا لَو كَانَت بعرق وَالثَّانِي فِي غير ذَلِك كَمَا علم مِمَّا مر
وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بِمَاء الطَّهَارَة مَا يتساقط من المَاء حَال شربه أَو من الطَّعَام حَال أكله أَو جعله على جرحه دَوَاء لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَأما مَا لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر فيعفى عَنهُ وَلَو من النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَن ذَلِك
تَنْبِيه اقْتِصَار المُصَنّف فِي حصر الِاسْتِثْنَاء على مَا ذكره مَمْنُوع كَمَا علم مِمَّا تقرر وَتقدم فِي الْمِيَاه بعض صور مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا
(وَمَا) أَي ويعفى عَن الَّذِي (لَا نفس لَهُ سَائِلَة) من الْحَيَوَانَات عِنْد شقّ عُضْو مِنْهَا كالذباب والزنبور وَالْقمل والبراغيث وَنَحْو ذَلِك (إِذا وَقع فِي الْإِنَاء) الَّذِي فِيهِ مَائِع (وَمَات فِيهِ لَا يُنجسهُ) أَي الْمَائِع بِشَرْط أَن لَا يطرحه طارح وَلم يُغَيِّرهُ لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلخَبَر البُخَارِيّ إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء
أَي وَهُوَ الْيَسَار كَمَا قيل وَفِي الآخر شِفَاء زَاد أَبُو دَاوُد وَإنَّهُ يَتَّقِي بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء وَقد يُفْضِي غمسه إِلَى مَوته فَلَو نجس الْمَائِع لما أَمر بِهِ وَقيس بالذباب مَا فِي مَعْنَاهُ من كل ميتَة لَا يسيل دَمهَا فَلَو شككنا فِي سيل دَمهَا امتحن بِمِثْلِهَا فيجرح للْحَاجة قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ
وَلَو كَانَت تِلْكَ الْحَيَوَانَات مِمَّا يسيل دَمهَا لَكِن لَا دم فِيهَا أَو فِيهَا دم لَا يسيل لصغرها فلهَا حكم مَا يسيل دَمهَا فَإِن غيرته الْميتَة لكثرتها أَو طرحت فِيهِ بعد مَوتهَا قصدا تنجس جزما كَمَا جزم بِهِ فِي الشَّرْح وَالْحَاوِي الصغيرين وَيُؤْخَذ من مَفْهُوم قَوْلهمَا بعد مَوتهَا قصدا أَنه لَو طرحها شخص بِلَا قصد أَو قصد طرحها على مَكَان آخر فَوَقَعت فِي الْمَائِع أَو طرحها من لَا يُمَيّز أَو قصد طرحها فِيهِ فَوَقَعت فِيهِ وَهِي حَيَّة فَمَاتَتْ فِيهِ أَنه لَا يضر وَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ فِي بعض نسخ الْكتاب وَمَاتَتْ فِيهِ فَظَاهره أَنَّهَا لَو طرحت وَهِي حَيَّة فيفصل فِيهَا بَين أَن تقع بِنَفسِهَا أم لَا
ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَإِنَّمَا يحصل الِانْتِفَاع أَو يكمل بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا نَص الشَّارِع على نَجَاسَته وَهُوَ الْمُسكر الْمَائِع وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان كُله طَاهِر لما مر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع أَيْضا وَقد نبه على ذَلِك بقوله (وَالْحَيَوَان كُله طَاهِر) أَي طَاهِر الْعين حَال حَيَاته (إِلَّا الْكَلْب) وَلَو معلما لخَبر مُسلم طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَجه الدّلَالَة أَن الطَّهَارَة إِمَّا لحَدث أَو خبث أَو تكرمة وَلَا حدث على الْإِنَاء وَلَا تكرمة فتعينت طَهَارَة الْخبث فثبتت نَجَاسَة فَمه وَهُوَ أطيب
أَجْزَائِهِ بل هُوَ أطيب الْحَيَوَانَات نكهة لِكَثْرَة مَا يَلْهَث فبقيتها أولى
(وَالْخِنْزِير) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا من الْكَلْب لِأَنَّهُ لَا يقتنى بِحَال وَنقض هَذَا التَّعْلِيل بالحشرات وَنَحْوهَا وَلذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ لَيْسَ لنا دَلِيل وَاضح على نَجَاسَته لَكِن ادّعى ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على نَجَاسَته وعورض بِمذهب مَالك وَرِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه طَاهِر وَيرد النَّقْض بِأَنَّهُ مَنْدُوب إِلَى قَتله من غير ضَرَر فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ بِحمْل شَيْء عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِك الحشرات فيهمَا
(وَمَا تولد مِنْهُمَا) أَي من جنس كل مِنْهُمَا (أَو من أَحدهمَا) مَعَ الآخر أَو مَعَ غَيره من الْحَيَوَانَات الطاهرة وَلَو آدَمِيًّا كالمتولد بَين ذِئْب وكلبة تغيبا للنَّجَاسَة لتولده مِنْهُمَا وَالْفرع يتبع الْأَب فِي النّسَب وَالأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة وأشرفهما فِي الدّين وَإِيجَاب الْبَدَل وَتَقْرِيره الْجِزْيَة وأخفهما فِي عدم وجوب الزَّكَاة وأخسهما فِي النَّجَاسَة وَتَحْرِيم الذَّبِيحَة والمناكحة
القَوْل فِي حكم الْميتَة (وَالْميتَة) وَهِي مَا زَالَت حَيَاتهَا لَا بِذَكَاة شَرْعِيَّة كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم بِضَم الْمِيم وَمَا ذبح بالعظم وَغير الْمَأْكُول إِذا ذبح (كلهَا نَجِسَة) بِالْمَوْتِ وَإِن لم يسل دَمهَا لحُرْمَة تنَاولهَا قَالَ تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} وَتَحْرِيم مَا لَيْسَ بمحترم وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَخرج بالتعريف الْمَذْكُور الْجَنِين فَإِن ذَكَاته بِذَكَاة أمه وَالصَّيْد الَّذِي لم تدْرك ذَكَاته والمتردي إِذا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدخل فِي نَجَاسَة الْميتَة جَمِيع أَجْزَائِهَا من عظم وَشعر وصوف ووبر وَغير ذَلِك لِأَن كلا مِنْهَا تحله الْحَيَاة وَدخل فِي ذَلِك ميتَة نَحْو دود خل وتفاح فَإِنَّهَا نَجِسَة وَلَكِن لَا تنجسه لعسر الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَيجوز أكله مَعَه لعسر تَمْيِيزه
(إِلَّا) ميتَة (السّمك و) ميتَة (الْجَرَاد) فطاهرتان بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال
وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته
وَالْمرَاد بالسمك كل مَا أكل من حَيَوَان الْبَحْر وَإِن لم يسم سمكًا كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْأَطْعِمَة وَالْجَرَاد اسْم جنس واحدته جَرَادَة يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى
(و) إِلَّا ميتَة (الْآدَمِيّ) فَإِنَّهَا طَاهِرَة لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَنه لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان وَلَو كَانَ نجسا لأوجبنا على غاسله غسل مَا أَصَابَهُ
وَأما خبر الْحَاكِم لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا فَجرى على الْغَالِب وَلِأَنَّهُ لَو تنجس بِالْمَوْتِ لَكَانَ نجس الْعين كَسَائِر الميتات وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة
فَإِن قيل لَو كَانَ طَاهِرا لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان الطاهرة
أُجِيب بِأَنَّهُ عهد غسل الطَّاهِر بِدَلِيل الْمُحدث بِخِلَاف نجس الْعين
القَوْل فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة وإزالتها (وَيغسل الْإِنَاء) وكل جامد وَلَو معضا من صيد أَو غَيره وجوبا
(من ولوغ) كل من (الْكَلْب وَالْخِنْزِير) وَفرع أَحدهمَا وَكَذَا بملاقاة شَيْء من أَجزَاء كل مِنْهُمَا سَوَاء فِي ذَلِك لعابه وبوله وَسَائِر رطوباته وأجزائه الجافة إِذا لاقت رطبا (سبع مَرَّات) بِمَاء طهُور (إِحْدَاهُنَّ) فِي غير أَرض ترابية (بِتُرَاب) طهُور يعم مَحل النَّجَاسَة بِأَن يكون قدرا يكدر المَاء ويصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجزَاء الْمحل وَلَا بُد من مزجه بِالْمَاءِ إِمَّا قبل وضعهما على الْمحل أَو بعده بِأَن يوضعا وَلَو مرتبين ثمَّ يمزجا قبل الْغسْل وَإِن كَانَ الْمحل رطبا إِذْ الطّهُور الْوَارِد على الْمحل بَاقٍ على طهوريته خلافًا للإسنوي فِي اشْتِرَاط المزج قبل الْوَضع على الْمحل وَالْأَصْل
فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فاغسلوه سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
رَوَاهُ مُسلم
وَفِي رِوَايَة لَهُ وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ أَي بِأَن يصاحب السَّابِعَة كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد السَّابِعَة بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَة صححها التِّرْمِذِيّ أولَاهُنَّ أَو آخِرهنَّ بِالتُّرَابِ وَبَين روايتي مُسلم تعَارض فِي مَحل التُّرَاب فيتساقطان فِي تعْيين مَحَله ويكتفي بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَة من السَّبع كَمَا فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ إِحْدَاهُنَّ بالبطحاء فنص على اللعاب وَألْحق بِهِ مَا سواهُ وَلِأَن لعابه أشرف فضلاته وَإِذا ثبتَتْ نَجَاسَته فَغَيره من بَوْل وروث وعرق وَنَحْو ذَلِك أولى
تَنْبِيه إِذا لم تزل (عين) النَّجَاسَة إِلَّا بست غسلات مثلا حسبت وَاحِدَة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَلَو أكل لحم نَحْو كلب لم يجب عَلَيْهِ تسبيع مَحل الِاسْتِنْجَاء كَمَا نَقله الرَّوْيَانِيّ عَن النَّص
فَائِدَة حمام غسل دَاخله كلب وَلم يعْهَد تَطْهِيره وَاسْتمرّ النَّاس على دُخُوله والاغتسال فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة وانتشرت النَّجَاسَة فِي حصر الْحمام وفوطه فَمَا تَيَقّن إِصَابَة شَيْء مِنْهُ من ذَلِك فنجس وَإِلَّا فطاهر لأَنا لَا ننجس بِالشَّكِّ ويطهر الْحمام بمرور المَاء عَلَيْهِ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بطفل لِأَن الطِّفْل يحصل بِهِ التتريب كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة وَلَو مَضَت مُدَّة يحْتَمل أَنه مر عَلَيْهِ ذَلِك وَلَو بِوَاسِطَة الطين الَّذِي فِي نعال داخليه لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الْهِرَّة إِذا أكلت نَجَاسَة وَغَابَتْ غيبَة يحْتَمل فِيهَا طَهَارَة فمها وَيتَعَيَّن التُّرَاب وَلَو غُبَار رمل وَإِن أفسد الثَّوْب جمعا بَين نَوْعي الطّهُور فَلَا يَكْفِي غَيره كأشنان وصابون وَيسن جعل التُّرَاب فِي غير الْأَخِيرَة وَالْأولَى أولى لعدم احْتِيَاجه بعد ذَلِك إِلَى تتريب مَا يترشرش من جَمِيع الغسلات وَلَا يَكْفِي تُرَاب نجس وَلَا مُسْتَعْمل فِي حدث وَلَا يجب تتريب أَرض ترابية إِذْ لَا معنى لتتريب التُّرَاب فَيَكْفِي تسبيعها بِمَاء وَحده وَلَو أصَاب ثَوْبه مثلا مِنْهَا شَيْء قبل تَمام التسبيع لم يجب تتريبه قِيَاسا على مَا أَصَابَهُ من غير الأَرْض بعد تتريبه وَلَو ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل ثمَّ كوثر حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ طهر المَاء دون الْإِنَاء كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه عَن ابْن الْحداد وَأقرهُ فَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء مَاء كثير وَلم ينقص بولوغه عَن الْقلَّتَيْنِ لم ينجس المَاء وَلَا الْإِنَاء إِن لم يكن الْكَلْب أصَاب جرمه الَّذِي لم يصله المَاء مَعَ رُطُوبَة أَحدهمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَقَضيته أَنه لَو أصَاب مَا وَصله المَاء مِمَّا هُوَ فِيهِ لم ينجس وَتَكون كَثْرَة المَاء مَانِعَة من تنجيسه وَبِه صرح الإِمَام وَغَيره
تَنْبِيه هَل يجب إِرَاقَة المَاء الَّذِي تنجس بولوغ الْكَلْب وَنَحْوه أَو ينْدب وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي وَحَدِيث الْأَمر بإراقته مَحْمُول على من أَرَادَ اسْتِعْمَال الْإِنَاء وَلَو أَدخل كلب رَأسه فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل فَإِن خرج فَمه جافا لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ أَو رطبا فَكَذَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ عملا بِالْأَصْلِ ورطوبته يحْتَمل أَنَّهَا من لعابه
القَوْل فِي النَّجَاسَة المتوسطة وإزالتها (وَيغسل من سَائِر) أَي بَاقِي (النَّجَاسَات) المخففة والمتوسطة (مرّة) وجوبا تَأتي عَلَيْهِ (وَاحِدَة) وَقد مر دَلِيل ذَلِك وَكَيْفِيَّة الْغسْل عِنْد قَول المُصَنّف وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب (وَالثَّلَاث) وَفِي بعض النّسخ وَالثَّلَاثَة بِالتَّاءِ (أفضل) أَي من
الِاقْتِصَار على مرّة فَينْدب أَن يغسل غسلتين بعد الغسلة المزيلة لعين النَّجَاسَة لتكمل الثَّلَاث فَإِن المزيلة للنَّجَاسَة وَاحِدَة وَإِن تعدّدت النَّجَاسَة كَمَا مر فِي غسلات الْكَلْب لاستحباب ذَلِك عِنْد الشَّك فِي النَّجَاسَة لحَدِيث إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَعِنْدَ تحققها أولى وَشَمل ذَلِك الْمُغَلَّظَة وَبِه صرح صَاحب الشَّامِل الصَّغِير فَينْدب مَرَّتَانِ بعد طهرهَا
وَقَالَ الجيلي لَا ينْدب ذَلِك لِأَن المكبر لَا يكبر كَمَا أَن المصغر لَا يصغر أَي فتثلث النَّجَاسَة المخففة والمتوسطة دون الْمُغَلَّظَة وَهَذَا أوجه
لَا يشْتَرط النِّيَّة فِي إِزَالَة النَّجَاسَة تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن النَّجَاسَة لَا يشْتَرط فِي إِزَالَتهَا نِيَّة بِخِلَاف طَهَارَة الْحَدث لِأَنَّهَا عبَادَة كَسَائِر الْعِبَادَات وَهَذَا من بَاب التروك كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْب
وَإِنَّمَا وَجَبت فِي الصَّوْم مَعَ أَنه من بَاب التروك لِأَنَّهُ لما كَانَ مَقْصُودا لقمع الشَّهْوَة وَمُخَالفَة الْهوى الْتحق بِالْفِعْلِ وَيجب أَن يُبَادر بِغسْل الْمُتَنَجس عَاص بالتنجيس كَأَن اسْتعْمل النَّجَاسَة فِي بدنه بِغَيْر عذر خُرُوجًا من الْمعْصِيَة فَإِن لم يكن عَاصِيا بِهِ فلنحو الصَّلَاة وَينْدب أَن يعجل بِهِ فِيمَا عدا ذَلِك وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين الْمُغَلَّظَة وَغَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي وجوب الْمُبَادرَة بالمغلظة مُطلقًا
قَالَ الْإِسْنَوِيّ والعاصي بالجنابة يحْتَمل إِلْحَاقه بالعاصي بالتنجيس وَالْمُتَّجه خِلَافه لِأَن الَّذِي عصى بِهِ هُنَا متلبس بِهِ بِخِلَافِهِ ثمَّ وَإِذا غسل فَمه الْمُتَنَجس فليبالغ فِي الغرغرة ليغسل كل مَا فِي حد الظَّاهِر وَلَا يبلع طَعَاما وَلَا شرابًا قبل غسله لِئَلَّا يكون آكلا للنَّجَاسَة نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأقرهُ
حكم تخَلّل الْخمر (وَإِذا تخللت الْخمْرَة) أَي المحترمة وَغَيرهَا والمحترمة هِيَ الَّتِي عصرت بِقصد الخلية أَو هِيَ الَّتِي عصرت لَا بِقصد الخمرية وَهَذَا الثَّانِي أولى (بِنَفسِهَا طهرت) لِأَن عِلّة النَّجَاسَة وَالتَّحْرِيم الْإِسْكَار وَقد زَالا وَلِأَن الْعصير غَالِبا لَا يَتَخَلَّل إِلَّا بعد التخمر فَلَو لم نقل بِالطَّهَارَةِ لتعذر اتِّخَاذ خل من الْخمر وَهُوَ حَلَال إِجْمَاعًا ويطهر دنها مَعهَا وَإِن غلت حَتَّى ارْتَفَعت وتنجس بهَا مَا فَوْقهَا مِنْهُ وتشرب مِنْهَا للضَّرُورَة وَكَذَا تطهر لَو نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه أَو فتح رَأس الدن لزوَال الشدَّة من غير نَجَاسَة خلفتها
(وَإِن تخللت بطرح شَيْء فِيهَا) كالبصل وَالْخبْز الْحَار وَلَو قبل التخمر (لم تطهر) لتنجس الْمَطْرُوح فِيهَا فينجسها بعد انقلابها خلا
تَنْبِيه لَو عبر بالوقوع بدل الطرح لَكَانَ أولى لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ مَا لَو وَقع فِيهَا شَيْء بِغَيْر طرح كإلقاء ريح فَإِنَّهَا لَا تطهر مَعَه على الْأَصَح نعم لَو عصر الْعِنَب وَوَقع مِنْهُ بعض حبات فِي عصيره لم يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تضر وَلَو نزعت الْعين الطاهرة مِنْهَا قبل التخلل لم يضر لفقد الْعلَّة بِخِلَاف الْعين النَّجِسَة لِأَن النَّجس يقبل التَّنْجِيس فَلَا تطهر بالتخلل وَلَو ارْتَفَعت بِلَا غليان بل بِفعل فَاعل لم يطهر الدن إِذْ لَا ضَرُورَة وَلَا الْخمر لاتصالها بالمرتفع النَّجس فَلَو غمر الْمُرْتَفع بِخَمْر طهرت بالتخلل وَلَو بعد جفافه خلافًا لِلْبَغوِيِّ فِي تَقْيِيده بقبل الْجَفَاف وَلَو نقلت من دن إِلَى آخر طهرت بالتخلل بِخِلَاف مَا لَو أخرجت مِنْهُ ثمَّ صب فِيهِ عصير فتخمر ثمَّ تخَلّل
والخمرة هِيَ المتخذة من مَاء الْعِنَب وَيُؤْخَذ من الِاقْتِصَار عَلَيْهَا أَن النَّبِيذ وَهُوَ الْمُتَّخذ من غير مَاء الْعِنَب كالتمر لَا يطهر بالتخلل وَبِه صرح القَاضِي أَبُو الطّيب لتنجس المَاء بِهِ حَالَة الاشتداد فينجسه بعد الانقلاب خلا
وَقَالَ الْبَغَوِيّ يطهر
وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن المَاء من ضرورياته وَيدل لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الرِّبَا أَنه لَو بَاعَ خل تمر بخل عِنَب أَو خل زبيب بخل رطب صَحَّ وَلَو اخْتَلَط عصير بخل مغلوب ضرّ لِأَنَّهُ لقلَّة الْخلّ فِيهِ يتخمر فيتنجس بِهِ بعد تخلله أَو بخل غَالب فَلَا يضر لِأَن