المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الاعتكاف - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة

- ‌(وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم

- ‌(فصل فِي السِّوَاك)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(فصل فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء

- ‌فصل فِي مُوجب الْغسْل

- ‌(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)

- ‌فصل فِي الأغسال المسنونة

- ‌فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌فرع لَو خرز خفه بِشعر نجس

- ‌فصل فِي التَّيَمُّم

- ‌فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل

- ‌فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن

- ‌فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها

- ‌فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا

- ‌فصل فِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة بِلَا سَبَب

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر

- ‌فصل فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف

- ‌فصل فِيمَا يجوز لبسه من الْحَرِير للمحارب وَغَيره

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْإِبِل وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْبَقر وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْغنم وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي زَكَاة خلْطَة الْأَوْصَاف

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الزروع وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي زَكَاة الْعرُوض والمعدن والركاز

- ‌فصل فِي زَكَاة الْفطر وَيُقَال صَدَقَة الْفطر

- ‌فصل فِي قسم الصَّدقَات

- ‌كتاب الصّيام

- ‌فصل فِي الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام

- ‌(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان

الفصل: ‌فصل في الاعتكاف

فقياسا على الصَّوْم

وَمن تلبس بِصَوْم وَاجِب أَو صَلَاة وَاجِبَة حرم عَلَيْهِ قطعه سَوَاء كَانَ قَضَاؤُهُ على الْفَوْر كَصَوْم من تعدى بِالْفطرِ أَو أخر الصَّلَاة بِلَا عذر أم لَا بِأَن لم يكن تعدى بذلك

تَتِمَّة أفضل الشُّهُور بعد رَمَضَان شهر الله الْمحرم ثمَّ رَجَب ثمَّ بَاقِي الْأَشْهر الْحرم ثمَّ شعْبَان

‌فصل فِي الِاعْتِكَاف

هُوَ لُغَة اللّّبْث وَالْحَبْس

وَشرعا اللّّبْث فِي الْمَسْجِد من شخص مَخْصُوص بنية

وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ إِنَّه صلى الله عليه وسلم اعْتكف الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان ثمَّ اعْتكف الْعشْر الْأَوَاخِر مِنْهُ ولازمه حَتَّى توفاه الله تَعَالَى ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده

وَهُوَ من الشَّرَائِع الْقَدِيمَة قَالَ تَعَالَى {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا بَيْتِي للطائفين والعاكفين} وَالِاعْتِكَاف سنة مُؤَكدَة وَهِي (مُسْتَحبَّة) أَي مَطْلُوبَة فِي كل وَقت فِي رَمَضَان وَغَيره بِالْإِجْمَاع ولإطلاق الْأَدِلَّة

قَالَ الزَّرْكَشِيّ فقد رُوِيَ من اعْتكف فوَاق نَاقَة فَكَأَنَّمَا أعتق نسمَة وَهُوَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي غَيره لطلب لَيْلَة الْقدر فيحييها بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة وَكَثْرَة الدُّعَاء فَإِنَّهَا أفضل ليَالِي السّنة

قَالَ تَعَالَى {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} الْقدر 3 أَي الْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه

وَهِي منحصرة فِي الْعشْر الْأَوَاخِر كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَأَنَّهَا تلْزم لَيْلَة بِعَينهَا وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن خُزَيْمَة إِنَّهَا منتقلة فِي ليَالِي الْعشْر جمعا بَين الْأَحَادِيث وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوع وَالْمذهب الأول

قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَلَا ينَال فَضلهَا إِلَّا من أطلعه الله عَلَيْهَا

لَكِن قَالَ الْمُتَوَلِي يسْتَحبّ التَّعَبُّد فِي كل ليَالِي الْعشْر حَتَّى يجوز الْفَضِيلَة على الْيَقِين فَظَاهر هَذَا أَنه يجوز فَضلهَا سَوَاء اطلع عَلَيْهَا أم لَا وَهَذَا أولى

نعم حَال من اطلع عَلَيْهَا أكمل إِذا قَامَ بوظائفها وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي جمَاعَة من رَمَضَان فقد أدْرك لَيْلَة الْقدر وميل الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين أَو الثَّالِث وَالْعِشْرين

وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَأبي هِيَ لَيْلَة سبع وَعشْرين وَهُوَ مَذْهَب أَكثر أهل الْعلم وفيهَا نَحْو الثَّلَاثِينَ

ص: 246

قولا وَمن علاماتها أَنَّهَا طَلْقَة لَا حارة وَلَا بَارِدَة وتطلع الشَّمْس فِي صبيحتها بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا كثير شُعَاع

وَينْدب أَن يكثر فِي لَيْلَتهَا من قَول اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو كريم تحب الْعَفو فَاعْفُ عني وَأَن يجْتَهد فِي يَوْمهَا كَمَا يجْتَهد فِي لَيْلَتهَا وخصت بهَا هَذِه الْأمة وَهِي بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيسن لمن رَآهَا أَن يكتمها

(وَله) أَي الِاعْتِكَاف (شَرْطَانِ) أَي ركنان فمراده بِالشّرطِ مَا لَا بُد مِنْهُ بل أَرْكَانه أَرْبَعَة كَمَا ستعرفه

الأول (النِّيَّة) بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهِ من الْعِبَادَات وَتجب نِيَّة فَرضِيَّة فِي نَذره ليتميز عَن النَّفْل وَإِن أطلق الِاعْتِكَاف بِأَن لم يقدر لَهُ مُدَّة كفته نِيَّة وَإِن طَال مكثه لَكِن لَو خرج من الْمَسْجِد بِلَا عزم عود وَعَاد جددها سَوَاء أخرج لتبرز أم لغيره لِأَن مَا مضى عبَادَة تَامَّة فَإِن عزم على الْعود كَانَت هَذِه الْعَزِيمَة قَائِمَة مقَام النِّيَّة

وَلَو قَيده بِمدَّة كَيَوْم وَشهر وَخرج لغير تبرز وَعَاد جدد النِّيَّة أَيْضا وَإِن لم يطلّ الزَّمن لقطعه الِاعْتِكَاف بِخِلَاف خُرُوجه لتبرز فَإِنَّهُ لَا يجب تجديدها وَإِن طَال الزَّمن فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهُ فَهُوَ كالمستثنى عِنْد النِّيَّة لَا إِن نذر مُدَّة متتابعة فَخرج الْعذر لَا يقطع التَّتَابُع فَلَا يلْزمه تَجْدِيد سَوَاء أخرج لتبرز أم لغيره

(و) الثَّانِي (اللّّبْث) بِقدر مَا يُسمى عكوفا أَي إِقَامَة بِحَيْثُ يكون زَمَنهَا فَوق زمن الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَنَحْوه فَلَا يَكْفِي قدرهَا وَلَا يجب السّكُون بل يَكْفِي التَّرَدُّد فِيهِ

وَأَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّالِث بقوله (فِي الْمَسْجِد) فَلَا يَصح فِي غَيره لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وللإجماع وَلقَوْله تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَالْجَامِع أولى من بَقِيَّة الْمَسَاجِد لِكَثْرَة الْجَمَاعَة فِيهِ وَلِئَلَّا يحْتَاج إِلَى الْخُرُوج للْجُمُعَة وخروجا من خلاف من أوجبه بل لَو نذر مُدَّة متتابعة فِيهَا يَوْم جُمُعَة وَكَانَ مِمَّن تلْزمهُ الْجُمُعَة وَلم يشْتَرط الْخُرُوج لَهَا وَجب الْجَامِع لِأَن خُرُوجه لَهَا يبطل تتابعه وَلَو عين النَّاذِر فِي نَذره مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو الْأَقْصَى تعين فَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لمزيد فَضلهَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيقوم مَسْجِد مَكَّة مقَام الآخرين لمزيد فَضله عَلَيْهِمَا وَيقوم مَسْجِد الْمَدِينَة مقَام الْأَقْصَى لمزيد فَضله عَلَيْهِ فَلَو عين مَسْجِدا غير الثَّلَاثَة لم يتَعَيَّن وَلَو عين زمن الِاعْتِكَاف فِي نَذره تعين

والركن الرَّابِع معتكف وَشَرطه إِسْلَام وعقل وخلو عَن حدث أكبر فَلَا يَصح اعْتِكَاف من اتّصف بضد شَيْء مِنْهَا لعدم صِحَة نِيَّة الْكَافِر وَمن لَا عقل لَهُ وَحُرْمَة مكث من بِهِ حدث أكبر بِالْمَسْجِدِ (وَلَا يخرج من) الْمَسْجِد فِي (الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور) وَلَو غير مُقَيّد بِمدَّة وَلَا تتَابع (إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان) من بَوْل وغائط وَمَا

ص: 247

فِي مَعْنَاهُمَا كَغسْل من جَنَابَة وَلَا يضر ذَهَابه لتبرز بدار لَهُ لم يفحش بعْدهَا عَن الْمَسْجِد وَلَا لَهُ دَار أُخْرَى أقرب مِنْهَا أَو فحش وَلم يجد بطريقه مَكَانا لائقا بِهِ فَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِهِ فَلَا يجب تبرزه فِي غير دَاره كسقاية الْمَسْجِد وَدَار صديقه المجاور لَهُ للْمَشَقَّة فِي الأولى والْمنَّة فِي الثَّانِي

أما إِذا كَانَ لَهُ دَار أُخْرَى أقرب مِنْهَا أَو فحش بعْدهَا وَوجد بطريقه مَكَانا لائقا بِهِ فَيَنْقَطِع التَّتَابُع بذلك لاغتنائه بالأقرب فِي الأولى وَاحْتِمَال أَن يَأْتِيهِ الْبَوْل فِي رُجُوعه فِي الثَّانِيَة فَيبقى طول يَوْمه فِي الذّهاب وَالرُّجُوع وَلَا يُكَلف فِي خُرُوجه لذَلِك الْإِسْرَاع بل يمشي على سجيته الْمَعْهُودَة وَإِذا فرغ مِنْهُ واستنجى فَلهُ أَن يتَوَضَّأ خَارج الْمَسْجِد لِأَنَّهُ يَقع تَابعا لذَلِك بِخِلَاف مَا لَو خرج لَهُ مَعَ إِمْكَانه فِي الْمَسْجِد فَلَا يجوز

وَضبط الْبَغَوِيّ الْفُحْش بِأَن يذهب أَكثر الْوَقْت فِي التبرز إِلَى الدَّار وَلَو عَاد مَرِيضا فِي طَرِيقه أَو زار قادما فِي طَرِيقه لقَضَاء حَاجته لم يضر مَا لم يعدل عَن طَرِيقه وَلم يطلّ وُقُوفه فَإِن طَال أَو عدل انْقَطع بذلك تتابعه

وَلَو صلى فِي طَرِيقه على جَنَازَة فَإِن لم ينتظرها وَلم يعدل إِلَيْهَا عَن طَرِيقه جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِخُرُوجِهِ بِعُذْر كنسيان لاعتكافه وَإِن طَال زَمَنه (أَو عذر من حيض) أَو نِفَاس إِن طَالَتْ مُدَّة الِاعْتِكَاف بِأَن كَانَت لَا تَخْلُو عَنهُ غَالِبا أَو جَنَابَة من احْتِلَام لتَحْرِيم الْمكْث فِيهِ حِينَئِذٍ (أَو) عذر (مرض) وَلَو جنونا أَو إِغْمَاء (لَا يُمكن الْمقَام مَعَه) أَي يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد لحَاجَة فرش وخادم وَتردد طَبِيب أَو يخَاف مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد كإسهال وكإدرار بَوْل بِخِلَاف مرض لَا يحوج إِلَى الْخُرُوج كصداع وَحمى خَفِيفَة فَيَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْخرُوجِ لَهُ

وَفِي معنى الْمَرَض الْخَوْف من لص أَو حريق وَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِخُرُوج مُؤذن راتب إِلَى مَنَارَة مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد قريبَة مِنْهُ للأذان لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة لَهُ مَعْدُودَة من توابعه وَقد اعْتَادَ الرَّاتِب صعودها وَألف النَّاس صَوته فيعذر فِيهِ وَيجْعَل زمن الْأَذَان كالمستثنى من اعْتِكَافه

وَيجب فِي اعْتِكَاف منذور متتابع قَضَاء زمن خُرُوجه من الْمَسْجِد لعذر لَا يقطع التَّتَابُع كزمن حيض ونفاس وجنابة غير مفطرة لِأَنَّهُ غير معتكف فِيهِ إِلَّا زمن نَحْو تبرز مِمَّا يطْلب الْخُرُوج لَهُ وَلم يطلّ زَمَنه عَادَة كَأَكْل وَغسل جَنَابَة وأذان مُؤذن راتب فَلَا يجب قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى إِذْ لَا بُد مِنْهُ وَلِأَنَّهُ معتكف فِيهِ بِخِلَاف مَا يطول زَمَنه كَمَرَض وعدة وحيض ونفاس

(وَيبْطل) الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور وَغَيره (بِالْوَطْءِ) من عَالم بِتَحْرِيمِهِ ذَاكِرًا للاعتكاف سَوَاء أوطىء فِي الْمَسْجِد أم خَارجه عِنْد

ص: 248

خُرُوجه لقَضَاء حَاجَة أَو نَحْوهَا لمنافاته الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة

وَأما الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة فِيمَا دون الْفرج كلمس وقبلة فتبطله إِن أنزل وَإِلَّا فَلَا تبطله لما مر فِي الصَّوْم وَخرج بِالْمُبَاشرَةِ مَا إِذا نظر أَو تفكر فَأنْزل فَإِنَّهُ لَا يبطل وبالشهوة مَا إِذا قبل بِقصد الْإِكْرَام أَو نَحوه أَو بِلَا قصد فَلَا يُبطلهُ إِذا أنزل والاستمناء كالمباشرة وَلَو جَامع نَاسِيا للاعتكاف أَو جَاهِلا فكجماع الصَّائِم نَاسِيا صَوْمه أَو جَاهِلا فَلَا يضر كَمَا مر فِي الصّيام وَلَا يضر فِي الِاعْتِكَاف التَّطَيُّب والتزين وقص شَارِب وَلبس ثِيَاب حَسَنَة وَنَحْو ذَلِك من دواعي الْجِمَاع لِأَنَّهُ لم ينْقل أَنه صلى الله عليه وسلم تَركه وَلَا أَمر بِتَرْكِهِ وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على الْإِبَاحَة وَله أَن يتَزَوَّج ويزوج بِخِلَاف الْمحرم وَلَا تكره لَهُ الصَّنَائِع فِي الْمَسْجِد كالخياطة وَالْكِتَابَة مَا لم يكثر مِنْهَا فَإِن أَكثر مِنْهَا كرهت لِحُرْمَتِهِ إِلَّا كِتَابَة الْعلم فَلَا يكره الْإِكْثَار مِنْهَا لِأَنَّهَا طَاعَة كتعليم الْعلم ذكره فِي الْمَجْمُوع

وَله أَن يَأْكُل وَيشْرب وَيغسل يَدَيْهِ فِيهِ وَالْأولَى أَن يَأْكُل فِي سفرة أَو نَحْوهَا وَأَن يغسل يَده فِي طست أَو نَحْوهَا ليَكُون أنظف لِلْمَسْجِدِ وَيجوز نضحه بمستعمل خلافًا لما جرى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ من الْحُرْمَة لاتفاقهم على جَوَاز الْوضُوء فِيهِ وَإِسْقَاط مَائه فِي أرضه مَعَ أَنه مُسْتَعْمل وَيجوز الاحتجام والفصد فِي إِنَاء مَعَ الْكَرَاهَة إِذا أَمن تلويث الْمَسْجِد وَيحرم الْبَوْل فِيهِ فِي إِنَاء وَالْفرق بَينه وَبَين مَا تقدم أَن الدَّم أخف مِنْهُ لما مر أَنه يُعْفَى عَنْهَا فِي محلهَا وَإِن كثرت إِذا لم تكن بِفِعْلِهِ وَإِن اشْتغل الْمُعْتَكف بِالْقُرْآنِ وَالْعلم فَزِيَادَة خير لِأَنَّهُ طَاعَة فِي طَاعَة

خَاتِمَة يسن للمعتكف الصَّوْم لِلِاتِّبَاعِ وللخروج من خلاف من أوجبه وَلَا يضر الْفطر بل يَصح اعْتِكَاف اللَّيْل وَحده لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت أَن أعتكف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ أوف بِنَذْرِك فاعتكف لَيْلَة وَلخَبَر أنس لَيْسَ على الْمُعْتَكف صِيَام إِلَّا أَن يَجعله على نَفسه وَلَو نذر اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه فَبَان إِنَّه انْقَضى قبل نَذره لم يلْزمه شَيْء لِأَن اعْتِكَاف شهر قد مضى محَال

وَهل الْأَفْضَل للمتطوع بالاعتكاف الْخُرُوج لعيادة الْمَرِيض أَو دوَام الِاعْتِكَاف قَالَ الْأَصْحَاب هما سَوَاء

وَقَالَ ابْن الصّلاح إِن الْخُرُوج لَهَا مُخَالف للسّنة لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج لذَلِك وَكَانَ اعْتِكَافه تَطَوّعا

وَقَالَ البُلْقِينِيّ يَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع التَّسْوِيَة فِي عِيَادَة الْأَجَانِب أما ذَوُو الرَّحِم والأقارب والأصدقاء وَالْجِيرَان

فَالظَّاهِر أَن الْخُرُوج لعيادتهم أفضل لَا سِيمَا إِذا علم أَنه يشق عَلَيْهِم وَعبارَة القَاضِي الْحُسَيْن مصرحة بذلك وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله تَعَالَى أَعلَى وَأعلم

ص: 249