المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في التيمم - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة

- ‌(وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم

- ‌(فصل فِي السِّوَاك)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(فصل فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء

- ‌فصل فِي مُوجب الْغسْل

- ‌(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)

- ‌فصل فِي الأغسال المسنونة

- ‌فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌فرع لَو خرز خفه بِشعر نجس

- ‌فصل فِي التَّيَمُّم

- ‌فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل

- ‌فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن

- ‌فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها

- ‌فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا

- ‌فصل فِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة بِلَا سَبَب

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر

- ‌فصل فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف

- ‌فصل فِيمَا يجوز لبسه من الْحَرِير للمحارب وَغَيره

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْإِبِل وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْبَقر وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْغنم وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي زَكَاة خلْطَة الْأَوْصَاف

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الزروع وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي زَكَاة الْعرُوض والمعدن والركاز

- ‌فصل فِي زَكَاة الْفطر وَيُقَال صَدَقَة الْفطر

- ‌فصل فِي قسم الصَّدقَات

- ‌كتاب الصّيام

- ‌فصل فِي الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام

- ‌(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان

الفصل: ‌فصل في التيمم

قَالَ فِي الْإِحْيَاء يسْتَحبّ لمن أَرَادَ أَن يلبس الْخُف أَن ينفضه لِئَلَّا يكون فِيهِ حَيَّة أَو عقرب أَو شَوْكَة أَو نَحْو ذَلِك

وَاسْتدلَّ لذَلِك لما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس خفيه حَتَّى ينفضهما

‌فصل فِي التَّيَمُّم

هُوَ لُغَة الْقَصْد يُقَال تيممت فلَانا ويممته وتأممته وأممته أَي قصدته

وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} وَشرعا إِيصَال التُّرَاب إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بشرائط مَخْصُوصَة وخصت بِهِ هَذِه الْأمة وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه فرض سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَهُوَ رخصَة وعَلى الْأَصَح وَأَجْمعُوا على أَنه مُخْتَصّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِن كَانَ الْحَدث أكبر

وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي تُرَابا طهُورا وَخبر مُسلم جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وتربتها طهُورا

(وشرائط التَّيَمُّم) جمع شريطة كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي (خَمْسَة أَشْيَاء) كَذَا فِي أَكثر النّسخ والمعدود فِي كَلَامه سِتَّة كَمَا ستعرفه

الأول (وجود الْعذر) وَهُوَ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء

أَسبَاب الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء الْمُبِيح للتيمم وللعجز ثَلَاثَة أَسبَاب أَحدهَا فَقده (ب) سَبَب (سفر) وللمسافر أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتَيَقَّن عدم المَاء فيتيمم حِينَئِذٍ بِلَا طلب إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ سَوَاء أَكَانَ مُسَافِرًا أم لَا

وفقده فِي السّفر جرى على الْغَالِب

ص: 77

الْحَالة الثَّانِيَة أَن لَا يتَيَقَّن الْعَدَم بل جوز وجوده وَعَدَمه فَيجب عَلَيْهِ طلبه فِي الْوَقْت قبل التَّيَمُّم وَلَو بمأذونه مِمَّا جوزه فِيهِ من رَحْله ورفقته المنسوبين إِلَيْهِ ويستوعبهم كَأَن يُنَادي فيهم من مَعَه مَاء يجود بِهِ ثمَّ إِن لم يجد المَاء فِي ذَلِك نظر حواليه يَمِينا وَشمَالًا وأماما وخلفا إِلَى الْحَد الْآتِي وَخص مَوضِع الخضرة وَالطير بمزيد احْتِيَاط إِن كَانَ بمستو من الأَرْض فَإِن كَانَ ثمَّ وهدة أَو جبل تردد إِن أَمن مَعَ مَا يَأْتِي اختصاصا وَمَا لَا يجب بذله لماء طَهَارَته إِلَى حد يلْحقهُ فِيهِ غوث رفقته لَو اسْتَغَاثَ بهم فِيهِ مَعَ تشاغلهم بِأَشْغَالِهِمْ فَإِن لم يجد مَاء تيَمّم لظن فَقده

الْحَالة الثَّالِثَة أَن يعلم مَاء بِمحل يصله مُسَافر لِحَاجَتِهِ كاحتطاب واحتشاش وَهَذَا فَوق حد الْغَوْث الْمُتَقَدّم وَيُسمى حد الْقرب فَيجب طلبه مِنْهُ إِن أَمن غير اخْتِصَاص وَمَال يجب بذله لماء طَهَارَته ثمنا أَو أُجْرَة من نفس وعضو وَمَال زَائِد على مَا يجب بذله للْمَاء وَانْقِطَاع عَن رفْقَة وَخُرُوج وَقت وَإِلَّا فَلَا يجب طلبه بِخِلَاف من مَعَه مَاء وَلَو تَوَضَّأ بِهِ خرج الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا يتَيَمَّم لِأَنَّهُ وَاجِد للْمَاء وَلم يعْتَبر هُنَا الْأَمْن على الِاخْتِصَاص وَلَا على المَال الَّذِي يجب بذله بِخِلَافِهِ فِيمَا مر لتيقن وجود المَاء

الْحَالة الرَّابِعَة أَن يكون المَاء فَوق ذَلِك الْمحل الْمُتَقَدّم وَيُسمى حد الْبعد فيتيمم وَلَا يجب قصد المَاء لبعده فَلَو تيقنه آخر الْوَقْت فانتظاره أفضل من تَعْجِيل التَّيَمُّم لِأَن فَضِيلَة الصَّلَاة بِالْوضُوءِ وَلَو آخر الْوَقْت أبلغ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوله وَإِن ظَنّه أَو ظن أَو تَيَقّن عَدمه أَو شكّ فِيهِ آخر الْوَقْت فتعجيل التَّيَمُّم أفضل لتحَقّق فضيلته دون فَضِيلَة الْوضُوء

السَّبَب الثَّانِي خوف مَحْذُور من اسْتِعْمَال المَاء بِسَبَب بطء برْء (أَو مرض) أَو زِيَادَة ألم أَو شين فَاحش فِي عُضْو ظَاهر للْعُذْر وللآية السَّابِقَة

والشين الْأَثر المستكره من تغير لون أَو نحول أَو استحشاف وثغرة تبقى ولحمة تزيد وَالظَّاهِر مَا يَبْدُو عِنْد المهنة غَالِبا كالوجه وَالْيَدَيْنِ ذكر ذَلِك الرَّافِعِيّ وَذكر فِي الْجِنَايَات مَا حَاصله أَنه مَا لَا يعد كشفه هتكا للمروءة وَيُمكن رده إِلَى الأول وَخرج بالفاحش الْيَسِير كقليل سَواد وبالظاهر الْفَاحِش فِي الْبَاطِن فَلَا أثر لخوف ذَلِك ويعتمد فِي خوف مَا ذكر قَول عدل فِي الرِّوَايَة

السَّبَب الثَّالِث حَاجته إِلَيْهِ لعطش حَيَوَان مُحْتَرم وَلَو كَانَت حَاجته إِلَيْهِ لذَلِك فِي الْمُسْتَقْبل صونا للروح أَو غَيرهَا من التّلف فيتيمم مَعَ وجوده وَلَا يُكَلف الطُّهْر بِهِ ثمَّ جمعه وشربه لغير دَابَّة لِأَنَّهُ مستقذر عَادَة وَخرج بالمحترم غَيره

والعطش الْمُبِيح للتيمم يعْتَبر بالخوف فِي السَّبَب الثَّانِي وللعطشان أَخذ المَاء من مَالِكه قهرا بِبَدَلِهِ إِن لم يبذله لَهُ (و) الشَّيْء الثَّانِي (دُخُول وَقت الصَّلَاة) فَلَا يتَيَمَّم لمؤقت فرضا كَانَ أَو نفلا قبل وقته لِأَن التَّيَمُّم طَهَارَة ضَرُورَة وَلَا ضَرُورَة قبل الْوَقْت بل يتَيَمَّم لَهُ فِيهِ وَلَو قبل الْإِتْيَان بِشَرْطِهِ كستر وخطبة جُمُعَة وَإِنَّمَا لم يَصح التَّيَمُّم قبل زَوَال النَّجَاسَة عَن الْبدن للتضمخ بهَا مَعَ كَون التَّيَمُّم طَهَارَة ضَعِيفَة لَا لكَون زَوَالهَا شرطا للصَّلَاة وَإِلَّا لما صَحَّ التَّيَمُّم قبل زَوَالهَا عَن الثَّوْب وَالْمَكَان وَالْوَقْت شَامِل لوقت الْجَوَاز وَوقت الْعذر وَيدخل وَقت صَلَاة الْجِنَازَة بِانْقِضَاء الْغسْل أَو بدله وَيتَيَمَّم للنفل الْمُطلق فِي

ص: 78

كل وَقت أَرَادَهُ إِلَّا وَقت الْكَرَاهَة إِذا أَرَادَ إِيقَاع الصَّلَاة فِيهِ وَيشْتَرط الْعلم بِالْوَقْتِ

فَلَو تيَمّم شاكا فِيهِ لم يَصح وَإِن صادفه

(و) الشَّيْء الثَّالِث (طلب المَاء) بعد دُخُول الْوَقْت بِنَفسِهِ أَو بمأذونه كَمَا مر

(و) الشَّيْء الرَّابِع (تعذر اسْتِعْمَاله) شرعا فَلَو وجد خابية مسبلة بطرِيق لم يجز لَهُ الْوضُوء مِنْهَا كَمَا فِي الزَّوَائِد الرَّوْضَة أَو حسا كَأَن يحول بَينه وَبَينه سبع أَو عَدو

وَمن صور التَّعَذُّر خَوفه سَارِقا أَو انْقِطَاعًا عَن رفقته

(و) الشَّيْء الْخَامِس (إعوازه) أَي المَاء أَي احْتِيَاجه إِلَيْهِ (بعد الطّلب) لعطشه أَو عَطش حَيَوَان مُحْتَرم كَمَا مر وَهُوَ مَا لَا يُبَاح قَتله

(و) وَالشَّيْء السَّادِس (التُّرَاب) بِجَمِيعِ أَنْوَاعه حَتَّى مَا يتداوى بِهِ (الطَّاهِر الَّذِي لَهُ غُبَار) قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي تُرَابا طَاهِرا كَمَا فسره ابْن عَبَّاس وَغَيره

وَالْمرَاد بالطاهر الطّهُور فَلَا يجوز بالمتنجس وَلَا بِمَا لَا غُبَار لَهُ وَلَا بِالْمُسْتَعْملِ وَهُوَ مَا بَقِي بعضوه أَو تناثر مِنْهُ حَالَة التَّيَمُّم كالمتقاطر من المَاء وَيُؤْخَذ من حصر الْمُسْتَعْمل فِي ذَلِك صِحَة تيَمّم الْوَاحِد وَالْكثير من تُرَاب يسير مَرَّات كَثِيرَة وَهُوَ كَذَلِك وَلَو رفع يَده فِي أثْنَاء مسح الْعُضْو ثمَّ وَضعهَا صَحَّ على الْأَصَح أما مَا تناثر من غير مس لعضو فَإِنَّهُ غير مُسْتَعْمل وَدخل فِي التُّرَاب الْمَذْكُور المحرق مِنْهُ وَلَو أسود مَا لم يصر رَمَادا كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا والأعفر والأصفر والأحمر والأبيض الْمَأْكُول سفها وَخرج بِالتُّرَابِ النورة والزرنيخ وسحاقة الخزف وَنَحْو ذَلِك

(فَإِن خالطه) أَي التُّرَاب الطّهُور (جص) بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَهُوَ الَّذِي تسميه الْعَامَّة الجبس أَو دَقِيق أَو نَحوه

(أَو) اخْتَلَط بِهِ (رمل) ناعم يلصق بالعضو (لم يجز) التَّيَمُّم بِهِ وَإِن قل الخليط لِأَن ذَلِك يمْنَع وُصُول التُّرَاب إِلَى الْعُضْو أما الرمل الَّذِي لَا يلصق بالعضو فَإِنَّهُ يجوز التَّيَمُّم بِهِ إِذا كَانَ لَهُ غُبَار لِأَنَّهُ من طَبَقَات الأَرْض وَالتُّرَاب جنس لَهُ وَلَو وجد مَاء صَالحا للْغسْل لَا يَكْفِيهِ وَجب اسْتِعْمَاله فِي بعض أَعْضَائِهِ مُرَتبا إِن كَانَ حَدثهُ أَصْغَر أَو مُطلقًا إِن كَانَ غَيره كَمَا يفعل من يغسل كل بدنه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَيكون اسْتِعْمَاله قبل التَّيَمُّم عَن الْبَاقِي لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَهَذَا وَاجِد لَهُ أما مَا لَا يصلح للْغسْل كثلج أَو برد لَا يذوبان فَالْأَصَحّ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يجب مسح الرَّأْس بِهِ إِذْ لَا يُمكن هَهُنَا تَقْدِيم مسح الرَّأْس وَلَو لم يجد إِلَّا تُرَابا لَا يَكْفِيهِ فَالْمَذْهَب الْقطع بِوُجُوب اسْتِعْمَاله وَمن بِهِ نَجَاسَة وَوجد مَا يغسل بِهِ بَعْضهَا وَجب عَلَيْهِ للْحَدِيث الْمُتَقَدّم أَو وجد مَاء وَعَلِيهِ حدث أَصْغَر أَو أكبر وعَلى بدنه نَجَاسَة وَلَا يَكْفِي إِلَّا لأَحَدهمَا تعين للنَّجَاسَة لِأَن إِزَالَتهَا لَا بدل لَهَا بِخِلَاف الْوضُوء وَالْغسْل وَيجب شِرَاء المَاء فِي الْوَقْت وَإِن لم يكفه وَكَذَا التُّرَاب بِثمن مثله وَهُوَ على الْأَصَح مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ الرغبات فِي ذَلِك الْموضع فِي تِلْكَ الْحَالة قَالَ الإِمَام وَالْأَقْرَب على هَذَا أَنه لَا تعْتَبر الْحَالة الَّتِي يَنْتَهِي الْأَمر فِيهَا إِلَى سد الرمق فَإِن الشربة قد تشترى حِينَئِذٍ بِدَنَانِير أَي وَيبعد فِي الرُّخص إِيجَاب ذَلِك فَإِن احْتَاجَ إِلَى الثّمن لدين عَلَيْهِ أَو لنفقة حَيَوَان مُحْتَرم سَوَاء أَكَانَ آدَمِيًّا أم غَيره لم يجب عَلَيْهِ الشِّرَاء وكالنفقة سَائِر الْمُؤَن حَتَّى الْمسكن وَالْخَادِم كَمَا صرح بهما ابْن كج فِي التَّجْرِيد وَلَو احْتَاجَ وَاجِد ثمن المَاء إِلَى شِرَاء ستْرَة للصَّلَاة قدمهَا لدوام النَّفْع بهَا وَلَو كَانَ مَعَه مَاء لَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعطش وَيحْتَاج إِلَى ثمنه فِي شَيْء مِمَّا سبق جَازَ لَهُ التَّيَمُّم كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو وهب لَهُ مَاء أَو أقْرضهُ أَو أعير دلوا أَو نَحوه وَمن آلَة الاستقاء فِي الْوَقْت وَجب عَلَيْهِ الْقبُول إِذا لم يُمكنهُ تَحْصِيل ذَلِك بشرَاء أَو نَحوه لِأَن الْمُسَامحَة بذلك يجب عَلَيْهِ قبُوله بِالْإِجْمَاع لعظم الْمِنَّة وَيشْتَرط قصد التُّرَاب لقَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي اقصدوه فَلَو سفته ريح على عُضْو من أَعْضَاء غالبة فَلَا تعظم فِيهِ الْمِنَّة

ص: 79

بِخِلَاف مَا لَو وهب لَهُ ثمن المَاء فَإِنَّهُ لَا التَّيَمُّم فردده عَلَيْهِ وَنوى لم يكف وَإِن قصد بوقوفه فِي مهب الرّيح التَّيَمُّم لانْتِفَاء الْقَصْد من جِهَته بِانْتِفَاء النَّقْل الْمُحَقق لَهُ وَلَو يمم بِإِذْنِهِ بِأَن نقل الْمَأْذُون التُّرَاب إِلَى الْعُضْو وردده عَلَيْهِ جَازَ على النَّص كَالْوضُوءِ وَلَا بُد من نِيَّة الْآذِن عِنْد النَّقْل وَعند مسح الْوَجْه كَمَا لَو كَانَ هُوَ الْمُتَيَمم وَإِلَّا لم يَصح جزما كَمَا لَو يممه بِغَيْر إِذْنه وَلَا يشْتَرط عذر لإِقَامَة فعل مأذونه مقَام فعله لكنه ينْدب لَهُ أَلا يَأْذَن لغيره فِي ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة خُرُوجًا من الْخلاف بل يكره لَهُ ذَلِك كَمَا صرح بِهِ الدَّمِيرِيّ وَيجب عَلَيْهِ عِنْد الْعَجز وَلَو بِأُجْرَة عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهَا

القَوْل فِي فَرَائض التَّيَمُّم (وفرائضه) أَي التَّيَمُّم جمع فَرِيضَة أَي أَرْكَانه هُنَا (أَرْبَعَة أَشْيَاء) وعدها فِي الْمِنْهَاج خَمْسَة فَزَاد على مَا هُنَا النَّقْل وعدها فِي الرَّوْضَة سَبْعَة فَجعل التُّرَاب وَالْقَصْد ركنين وَأسْقط فِي الْمَجْمُوع التُّرَاب وعدها سِتَّة وَجعل التُّرَاب شرطا وَالْأولَى مَا فِي الْمِنْهَاج إِذْ لَو حسن عد التُّرَاب ركنا لحسن عد المَاء ركنا فِي الطَّهَارَة وَأما الْقَصْد فداخل فِي النَّقْل الْوَاجِب قرن النِّيَّة بِهِ

الرُّكْن الأول وَهُوَ الَّذِي أسْقطه المُصَنّف هُنَا نقل التُّرَاب إِلَى الْعُضْو الْمَمْسُوح بِنَفسِهِ أَو بمأذونه كَمَا مر فَلَو كَانَ على الْعُضْو تُرَاب فردده عَلَيْهِ من جَانب إِلَى جَانب لم يكف وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ مَعَ أَن النَّقْل المقرون بِالنِّيَّةِ مُتَضَمّن لَهُ رِعَايَة للفظ الْآيَة فَلَو تلقى التُّرَاب من الرّيح بكمه أَو يَده وَمسح بِهِ وَجهه أَو تمعك فِي التُّرَاب وَلَو لغير عذر أَجزَأَهُ أَو نَقله من وَجه إِلَى يَد بِأَن حدث عَلَيْهِ بعد زَوَال تُرَاب مَسحه عَنهُ تُرَاب أَو نقل من يَد إِلَى وَجه أَو من يَد إِلَى أُخْرَى أَو من عُضْو ورده إِلَيْهِ ومسحه بِهِ كفى ذَلِك لوُجُود مُسَمّى النَّقْل

القَوْل فِي مَرَاتِب النِّيَّة وكيفيتها والركن الثَّانِي وَهُوَ الأول فِي كَلَام المُصَنّف (النِّيَّة) أَي نِيَّة اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو نَحْوهَا مِمَّا تفْتَقر استباحته إِلَى طَهَارَة كطواف وَحمل مصحف وَسُجُود تِلَاوَة إِذْ الْكَلَام الْآن فِي صِحَة التَّيَمُّم وَأما مَا يستباح بِهِ فَسَيَأْتِي وَلَو تيَمّم بنية الاستباحة ظَانّا أَن حَدثهُ أَصْغَر فَبَان أكبر أَو عَكسه صَحَّ لِأَن موجبهما وَاحِد وَإِن تعمد لم يَصح لتلاعبه وَلَو أجنب فِي سَفَره وَنسي وَكَانَ يتَيَمَّم وقتا وَيتَوَضَّأ وقتا أعَاد صلوَات الْوضُوء فَقَط لما مر

وَلَا يَكْفِي نِيَّة رفع حدث أَصْغَر أَو أكبر أَو الطَّهَارَة عَن أَحدهمَا لِأَن التَّيَمُّم لَا يرفعهُ

وَلَو نوى فرض التَّيَمُّم أَو فرض الطَّهَارَة أَو التَّيَمُّم الْمَفْرُوض لم يكف لِأَن التَّيَمُّم لَيْسَ مَقْصُودا فِي نَفسه وَإِنَّمَا يُؤْتى بِهِ عَن ضَرُورَة فَلَا يَجْعَل مَقْصُودا بِخِلَاف الْوضُوء وَلِهَذَا اسْتحبَّ تَجْدِيد الْوضُوء بِخِلَاف التَّيَمُّم وَيجب قرن النِّيَّة بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ أول الْأَركان واستدامتها إِلَى مسح شَيْء من الْوَجْه كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ فَلَو عزبت قبل الْمسْح لم يكف لِأَن النَّقْل وَإِن كَانَ ركنا

ص: 80

فَهُوَ غير مَقْصُود فِي نَفسه

قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَالْمُتَّجه الِاكْتِفَاء باستحضارها عِنْدهمَا وَإِن عزبت بَينهمَا وتعليل الرَّافِعِيّ يفهمهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالتَّعْبِير بالاستدامة جرى على الْغَالِب لِأَن هَذَا الزَّمن يسير لَا تعزب فِيهِ النِّيَّة غَالِبا وَلَو ضرب يَدَيْهِ على بشرة امْرَأَة تنقض وَعَلَيْهَا تُرَاب فَإِن منع التقاء البشرتين صَحَّ تيَمّمه وَإِلَّا فَلَا

القَوْل فِي مَا يُبَاح للمتيمم بنية الاستباحة وَأما مَا يُبَاح لَهُ بنيته فَإِن نوى اسْتِبَاحَة فرض وَنفل أبيحا لَهُ عملا بنيته أَو فرضا فَقَط فَلهُ النَّفْل مَعَه لِأَن النَّفْل تَابع لَهُ فَإِذا صلحت طَهَارَته للْأَصْل فللتابع أولى أَو نفلا فَقَط أَو نوى الصَّلَاة وَأطلق صلى بِهِ النَّفْل وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْض أما فِي الأولى فَلِأَن الْفَرْض أصل وَالنَّفْل تَابع كَمَا مر فَلَا يَجْعَل الْمَتْبُوع تَابعا

وَأما فِي الثَّانِيَة فقياسا على مَا لَو أحرم بِالصَّلَاةِ فَإِن صلَاته تَنْعَقِد نفلا وَلَو نوى بتيممه حمل الْمُصحف أَو سُجُود التِّلَاوَة أَو الشُّكْر أَو نوى نَحْو الْجنب الِاعْتِكَاف أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو الْحَائِض اسْتِبَاحَة الْوَطْء كَانَ ذَلِك كُله كنية النَّفْل فِي أَنه لَا يستبيح بِهِ الْفَرْض وَلَا يستبيح بِهِ النَّفْل أَيْضا لِأَن النَّافِلَة آكِد من ذَلِك

وَظَاهر كَلَامهم أَن مَا ذكر فِي مرتبَة وَاحِدَة حَتَّى إِذا تيَمّم لوَاحِد مِنْهَا جَازَ لَهُ فعل الْبَقِيَّة وَلَو نوى بتيممه صَلَاة الْجِنَازَة فَالْأَصَحّ أَنه كالتيمم للنفل

(و) الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَام المُصَنّف (مسح الْوَجْه) حَتَّى ظَاهر مسترسل لحيته والمقبل من أَنفه على شَفَتَيْه لقَوْله تَعَالَى {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ}

(و) الرُّكْن الرَّابِع وَهُوَ الثَّالِث فِي كَلَام المُصَنّف (مسح) كل (الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين) لِلْآيَةِ لِأَن الله تَعَالَى أوجب طَهَارَة الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة فِي الْوضُوء فِي أول الْآيَة ثمَّ أسقط مِنْهَا عضوين فِي التَّيَمُّم فِي آخر الْآيَة فَبَقيَ العضوان فِي التَّيَمُّم على مَا ذكرا فِي الْوضُوء إِذْ لَو اخْتلفَا لبينهما كَذَا قَالَه الشَّافِعِي

(و) الرُّكْن الْخَامِس وَهُوَ الرَّابِع فِي كَلَام المُصَنّف (التَّرْتِيب) بَين الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ لما مر فِي الْوضُوء وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّيَمُّم عَن حدث أكبر أَو أَصْغَر أَو غسل مسنون أَو وضوء مُجَدد أَو غير ذَلِك مِمَّا يطْلب لَهُ التَّيَمُّم

فَإِن قيل لم لم يجب التَّرْتِيب فِي الْغسْل وَوَجَب فِي التَّيَمُّم الَّذِي هُوَ بدله أُجِيب بِأَن الْغسْل لما وَجب فِيهِ تَعْمِيم جَمِيع الْبدن صَار كعضو وَاحِد وَالتَّيَمُّم وَجب فِي عضوين فَقَط فَأشبه الْوضُوء

وَلَا يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى منبت الشّعْر الْخَفِيف لما فِيهِ من الْعسر بِخِلَاف الْوضُوء بل وَلَا يسْتَحبّ كَمَا فِي الْكِفَايَة فالكثيف أولى وَلَا يجب التَّرْتِيب فِي نقل التُّرَاب إِلَى العضوين بل هُوَ مُسْتَحبّ فَلَو ضرب بيدَيْهِ التُّرَاب دفْعَة وَاحِدَة أَو ضرب الْيَمين قبل الْيَسَار وَمسح بِيَمِينِهِ وَجهه وبيساره يَمِينه أَو عكس جَازَ لِأَن الْفَرْض الْأَصْلِيّ الْمسْح وَالنَّقْل وَسِيلَة إِلَيْهِ وَيشْتَرط قصد التُّرَاب لعضو معِين يمسحه أَو يُطلق فَلَو أَخذ التُّرَاب ليمسح بِهِ وَجهه فَتذكر أَنه مَسحه لم يجز لَهُ أَن يمسح بذلك التُّرَاب يَدَيْهِ

ص: 81

وَكَذَا لَو أَخذه ليديه ظَانّا أَنه مسح وَجهه ثمَّ تذكر أَنه لم يمسحه لم يجز أَن يمسح بِهِ وَجهه ذكره الْقفال فِي فَتَاوِيهِ

وَيجب مسح وَجهه وَيَديه بضربتين لخَبر الْحَاكِم التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ

ورواى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عليه وسلم تيَمّم بضربتين مسح بِإِحْدَاهُمَا وَجهه وبالأخرى ذِرَاعَيْهِ

وَلِأَن الِاسْتِيعَاب غَالِبا لَا يَتَأَتَّى بدونهما فأشبها الْأَحْجَار الثَّلَاثَة فِي الِاسْتِنْجَاء وَلَا يتَعَيَّن الضَّرْب فَلَو وضع يَدَيْهِ على تُرَاب ناعم وعلق بهما غُبَار كفى

القَوْل فِي سنَن التَّيَمُّم ثمَّ شرع فِي سنَن التَّيَمُّم فَقَالَ (وسننه) أَي التَّيَمُّم (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَفِي بعض النّسخ ثَلَاث خِصَال بل أَكثر من ذَلِك كَمَا ستعرفه الأول (التَّسْمِيَة) أَوله كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَلَو لمحدث حَدثا أكبر

(و) الثَّانِي (تَقْدِيم الْيُمْنَى) من الْيَدَيْنِ (على الْيُسْرَى) مِنْهُمَا (و) الثَّالِث (الْمُوَالَاة) كَالْوضُوءِ لِأَن كلا مِنْهُمَا طَهَارَة عَن حدث وَإِذا اعْتبرنَا هُنَاكَ الْجَفَاف اعتبرناها هُنَا أَيْضا بتقديره مَاء وَمن سنَنه أَيْضا الْمُوَالَاة بَين التَّيَمُّم وَالصَّلَاة خُرُوجًا من خلاف من أوجبهَا وَتجب الْمُوَالَاة بقسميها فِي تيَمّم دَائِم الْحَدث كَمَا تجب فِي وضوئِهِ تَخْفِيفًا للمانع

وَمن سنَنه الْبدَاءَة بِأَعْلَى وَجهه وَتَخْفِيف الْغُبَار من كفيه أَو مَا يقوم مقامهما وتفريق أَصَابِعه فِي أول الضربتين وتخليل أَصَابِعه بعد مسح الْيَدَيْنِ وَأَن لَا يرفع الْيَد عَن الْعُضْو قبل تَمام مَسحه خُرُوجًا من خلاف من أوجبه

القَوْل فِي مبطلات التَّيَمُّم ثمَّ شرع فِي مبطلات التَّيَمُّم فَقَالَ وَالَّذِي يبطل التَّيَمُّم بعد صِحَّته (ثَلَاثَة أَشْيَاء)

القَوْل فِي حكم رُؤْيَة المَاء أَو توهمه للمتيمم الأول (مَا) أَي الَّذِي (أبطل الْوضُوء) وَتقدم بَيَانه فِي مَوْضِعه

(و) الثَّانِي (رُؤْيَة المَاء) الطّهُور (فِي غير وَقت الصَّلَاة) وَإِن ضَاقَ الْوَقْت بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر وَلخَبَر أبي دَاوُد التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك

رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَلِأَنَّهُ لم يشرع فِي الْمَقْصُود فَصَارَ كَمَا لَو رَآهُ فِي أثْنَاء التَّيَمُّم وَوُجُود ثمن المَاء عِنْد إِمْكَان شِرَائِهِ كوجود المَاء وَكَذَا توهم المَاء وَإِن زَالَ سَرِيعا لوُجُوب طلبه بِخِلَاف توهم الستْرَة لَا يجب عَلَيْهِ طلبَهَا لِأَن الْغَالِب عدم وجدانها بِالطَّلَبِ للبخل بهَا وَمن التَّوَهُّم رُؤْيَة سراب وَهُوَ مَا يرى نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء أَو رُؤْيَة غمامة مطبقة بِقُرْبِهِ أَو رُؤْيَة ركب طلع أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يتَوَهَّم مَعَه المَاء فَلَو سمع قَائِلا يَقُول عِنْدِي مَاء لغَائِب بَطل تيَمّمه لعلمه بِالْمَاءِ قبل الْمَانِع أَو يَقُول عِنْدِي لغَائِب مَاء لم يبطل تيَمّمه لمقارنة الْمَانِع وجود المَاء وَلَو قَالَ عِنْدِي لحاضر مَاء وَجب عَلَيْهِ طلبه مِنْهُ وَلَو قَالَ لفُلَان مَاء وَلم يعلم السَّامع غيبته وَلَا حُضُوره وَجب السُّؤَال عَنهُ أَي وَيبْطل تيَمّمه فِي الصُّورَتَيْنِ لما مر من أَن وجوب الطّلب يُبطلهُ وَلَو سَمعه يَقُول عِنْدِي مَاء ورد بَطل أَيْضا وَوُجُود مَا ذكر قبل تَمام تَكْبِيرَة الْإِحْرَام كوجوده قبل الشُّرُوع فِيهَا وَإِنَّمَا يُبطلهُ وجود المَاء أَو توهمه إِن لم يقْتَرن بمانع يمْنَع من اسْتِعْمَاله كعطش وَسبع لِأَن وجوده وَالْحَالة هَذِه كَالْعدمِ فَإِن وجده فِي صَلَاة لَا تسْقط قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَن صلى فِي مَكَان يغلب فِيهِ وجود المَاء بَطل تيَمّمه إِذْ لَا فَائِدَة بالاشتغال بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا بُد من إِعَادَتهَا وَإِن أسقط التَّيَمُّم قضاءها لم يبطل تيَمّمه لِأَنَّهُ شرع فِي الْمَقْصُود فَكَانَ كَمَا لَو وجد الْمُكَفّر الرَّقَبَة بعد الشُّرُوع فِي الصَّوْم وَلِأَن وجود المَاء لَيْسَ حَدثا لكنه مَانع من ابْتِدَاء التَّيَمُّم وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين صَلَاة الْفَرْض كَظهر وَصَلَاة جَنَازَة وَالنَّفْل كعيد ووتر وَلَو رأى الْمُسَافِر المَاء فِي أثْنَاء صلَاته وَهُوَ

ص: 82

قَاصِر ثمَّ نوى الْإِقَامَة أَو نوى الْقَاصِر الْإِتْمَام عِنْد رُؤْيَة المَاء بطلت صلَاته تَغْلِيبًا لحكم الْإِقَامَة فِي الأولى ولحدوث مَا لم يستبحه فِيهَا

وَفِي الثَّانِيَة لِأَن الْإِتْمَام كافتتاح صَلَاة أُخْرَى وشفاء الْمَرِيض من مَرضه فِي الصَّلَاة كوجدان الْمُسَافِر المَاء فِيهَا فَينْظر إِن كَانَت مِمَّا تسْقط بِالتَّيَمُّمِ لم تبطل وَإِن كَانَت مِمَّا لَا تسْقط بِالتَّيَمُّمِ كَأَن تيَمّم وَقد وضع الْجَبِيرَة على حدث بطلت وَقطع الصَّلَاة الَّتِي تسْقط بِالتَّيَمُّمِ ليتوضأ وَيُصلي بدلهَا أفضل من إِتْمَامهَا كوجود الْمُكَفّر الرَّقَبَة فِي أثْنَاء الصَّوْم وليخرج من خلاف من حرم إِتْمَامهَا إِلَّا إِذا ضَاقَ وَقت الْفَرِيضَة فَيحرم قطعهَا كم جزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وَلَو يمم ميت وَصلى عَلَيْهِ ثمَّ وجد المَاء وَجب غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ سَوَاء أَكَانَ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أم بعْدهَا

ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن لَا يجب وَمَا قَالَه أَولا مَحَله فِي الْحَضَر أما فِي السّفر فَلَا يجب شَيْء من ذَلِك كالحي

جزم بِهِ ابْن سراقَة فِي تلقينه لكنه فَرْضه فِي الوجدان بعد الصَّلَاة فَعلم أَن صَلَاة الْجِنَازَة كَغَيْرِهَا وَأَن تيَمّم الْمَيِّت كتيمم الْحَيّ وَلَو رأى المَاء فِي صلَاته الَّتِي تسْقط بِالتَّيَمُّمِ بَطل تيَمّمه بسلامه مِنْهَا وَإِن علم تلفه قبل سَلَامه لِأَنَّهُ ضعف بِرُؤْيَة المَاء وَكَانَ مُقْتَضَاهُ بطلَان الصَّلَاة الَّتِي هُوَ فِيهَا لَكِن خالفناه لحرمتها وَيسلم الثَّانِيَة لِأَنَّهَا من جملَة الصَّلَاة كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ تبعا للروياني وَلَو رَأَتْ حَائِض تيممت لفقد المَاء المَاء وَهُوَ يُجَامِعهَا حرم عَلَيْهَا تَمْكِينه كَمَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره وَوَجَب النزع كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَغَيره لبُطْلَان طهرهَا وَلَو رَآهُ هُوَ دونهَا لم يجب عَلَيْهِ النزع لبَقَاء طهرهَا وَلَو رأى المَاء فِي أثْنَاء قِرَاءَة فَاقِد تيَمّم لَهَا بَطل تيَمّمه بِالرُّؤْيَةِ سَوَاء نوى قِرَاءَة قدر مَعْلُوم أم لَا لبعد ارتباط بَعْضهَا بِبَعْض قَالَه الرَّوْيَانِيّ وَلَا يُجَاوز المتنفل الَّذِي وجد المَاء فِي صلَاته الَّتِي لم ينْو قدرا رَكْعَتَيْنِ بل يسلم مِنْهُمَا لِأَنَّهُ الأحب والمعهود فِي النَّفْل هَذَا إِذا رأى المَاء قبل قِيَامه للثالثة فَمَا فَوْقهَا وَإِلَّا أتم مَا هُوَ فِيهِ فَإِن نوى رَكْعَة أَو عددا أتمه لانعقاد نِيَّته عَلَيْهِ فَأشبه الْمَكْتُوبَة الْمقدرَة وَلَا يزِيد عَلَيْهِ لِأَن الزِّيَادَة كافتتاح نَافِلَة بِدَلِيل افتقارها إِلَى قصد جَدِيد وَلَو رأى المَاء فِي أثْنَاء الطّواف بَطل تيَمّمه بِنَاء على أَنه يجوز تفريقه وَهُوَ الْأَصَح

(و) الثَّالِث من المبطلات (الرِّدَّة) وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى مِنْهَا بِخِلَاف الْوضُوء لقُوته وَضعف بدله لَكِن تبطل نِيَّته فَيجب تَجْدِيد نِيَّة الْوضُوء

القَوْل فِي الْجَبِيرَة وَحكمهَا (وَصَاحب الجبائر) جمع جبيرَة وَهِي خَشَبَة أَو نَحْوهَا كقصبة تُوضَع على الْكسر ويشد عَلَيْهَا لينجبر الْكسر (يمسح) بِالْمَاءِ (عَلَيْهَا) حَيْثُ عسر نَزعهَا لخوف مَحْذُور مِمَّا تقدم وَكَذَا اللصوق بِفَتْح اللَّام والشقوق الَّتِي فِي الرجل إِذا احْتَاجَ إِلَى تقطير شَيْء فِيهَا يمْنَع من وُصُول المَاء وَيجب مسح كلهَا بِالْمَاءِ اسْتِعْمَالا لَهُ مَا أمكن بِخِلَاف التُّرَاب لَا يجب مسحها بِهِ وَإِن كَانَت فِي

ص: 83

مَحَله لِأَنَّهُ ضَعِيف فَلَا يُؤثر من وَرَاء حَائِل وَلَا يقدر الْمسْح بِمدَّة بل لَهُ الاستدامة إِلَى الِانْدِمَال لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ تأقيت وَلِأَن السَّاتِر لَا ينْزع للجنابة بِخِلَاف الْخُف فيهمَا وَيمْسَح الْجنب وَنَحْوه مَتى شَاءَ والمحدث وَقت غسل عليله وَيشْتَرط فِي السَّاتِر ليكفي مَا ذكر أَن لَا يَأْخُذ من الصَّحِيح إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ للاستمساك وَيجب غسل الصَّحِيح لِأَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فَاعْتبر الْإِتْيَان فِيهَا بأقصى الْمُمكن (وَيتَيَمَّم) وجوبا لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات عَن جَابر فِي المشجوج الَّذِي احْتَلَمَ واغتسل فَدخل المَاء شجته فَمَاتَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصب على رَأسه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده وَالتَّيَمُّم بدل عَن غسل الْعُضْو العليل وَمسح السَّاتِر بدل عَن غسل مَا تَحت أَطْرَافه من الصَّحِيح كَمَا فِي التَّحْقِيق وَغَيره

وَقَضِيَّة ذَلِك أَنه لَو كَانَ السَّاتِر بِقدر الْعلَّة فَقَط أَو بأزيد وَغسل الزَّائِد كُله لَا يجب الْمسْح وَهُوَ كَذَلِك فإطلاقهم وجوب الْمسْح جرى على الْغَالِب من أَن السَّاتِر يَأْخُذ زِيَادَة على مَحل الْعلَّة والفصد كالجرح الَّذِي يخَاف من غسله مَا مر فيتيمم لَهُ إِن خَافَ اسْتِعْمَال المَاء وعصابته كاللصوق وَلما بَين حبات الجدري حكم الْعُضْو الجريح إِن خَافَ من غسله مَا مر وَإِذا ظهر دم الفصادة من اللصوق وشق عَلَيْهِ نَزعه وَجب عَلَيْهِ مَسحه ويعفى عَن هَذَا الدَّم الْمُخْتَلط بِالْمَاءِ تَقْدِيمًا لمصْلحَة الْوَاجِب على دفع مفْسدَة الْحَرَام كوجوب تنحنح مصلي الْفَرْض حَيْثُ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة الْوَاجِبَة وَإِذا تيَمّم الَّذِي غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الْبَاقِي وَأدّى فَرِيضَة لفرض ثَان وثالث وَهَكَذَا وَلم يحدث بعد طَهَارَته الأولى لم يعد الْجنب وَنَحْوه غسلا لما غسله وَلَا مسحا لما مَسحه وَالْحَدَث كالجنب فَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة غسل مَا بعد عليله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو بطلت طَهَارَة العليل وطهارة العليل بَاقِيَة إِذْ يتَنَفَّل بهَا وَإِنَّمَا يُعِيد التَّيَمُّم لضَعْفه عَن أَدَاء فرض ثَان بِخِلَاف من نسي لمْعَة فَإِن طَهَارَة ذَلِك الْعُضْو لم تحصل وَإِذا امْتنع وجوب اسْتِعْمَال المَاء فِي عُضْو من مَحل الطَّهَارَة لنَحْو مرض أَو جرح وَلم يكن عَلَيْهِ سَاتِر وَجب التَّيَمُّم لِئَلَّا يبْقى مَوضِع الْعلَّة بِلَا طَهَارَة فيمر التُّرَاب مَا أمكن على مَوضِع الْعلَّة إِن كَانَت بِمحل التَّيَمُّم وَيجب غسل الصَّحِيح بِقدر الْإِمْكَان لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ فِي رِوَايَة لَهما أَنه غسل معاطفه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صلى بهم

قَالَ الْبَيْهَقِيّ مَعْنَاهُ أَنه غسل مَا أمكنه وَتَوَضَّأ وَتيَمّم للْبَاقِي ويتلطف فِي غسل الصَّحِيح المجاور للعليل فَيَضَع خرقَة مبلولة بِقُرْبِهِ ويتحامل عَلَيْهَا ليغسل بالمتقاطر

ص: 84

مِنْهَا مَا حواليه من غير أَن يسيل المَاء إِلَيْهِ فَإِن لم يقدر على ذَلِك بِنَفسِهِ اسْتَعَانَ وَلَو بِأُجْرَة فَإِن تعذر فَفِي الْمَجْمُوع أَنه يقْضِي وَلَو جرح عضوا الْمُحدث أَو امْتنع اسْتِعْمَال المَاء فيهمَا لغير جِرَاحَة فَيجب تيممان بِنَاء على الْأَصَح وَهُوَ اشْتِرَاط التَّيَمُّم وَقت غسل العليل لتَعَدد العليل وكل من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ كعضو وَاحِد وَيسْتَحب أَن يَجْعَل كل وَاحِدَة كعضو فَإِن كَانَ فِي أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة جِرَاحَة وَلم تعمها فَلَا بُد من ثَلَاث تيممات الأول للْوَجْه وَالثَّانِي لِلْيَدَيْنِ وَالثَّالِث للرجلين وَالرَّأْس يَكْفِي فِيهِ مسح مَا قل مِنْهُ كَمَا مر فَإِن عَمت الرَّأْس فَأَرْبَعَة وَإِن عَمت الْأَعْضَاء كلهَا فَتَيَمم وَاحِد عَن الْجَمِيع لسُقُوط التَّرْتِيب بِسُقُوط الْغسْل (وَيُصلي) صَاحب الْجَبِيرَة إِذا مسح عَلَيْهَا وَغسل الصَّحِيح وَتيَمّم (وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِن كَانَ وَضعهَا على طهر) لِأَنَّهُ أولى من الْمسْح على الْخُف للضَّرُورَة هُنَا هَذَا إِذا لم تكن الْجَبِيرَة على مَحل التَّيَمُّم وَإِلَّا وَجب الْقَضَاء

قَالَ فِي الرَّوْضَة بِلَا خلاف لنَقص الْبَدَل والمبدل جَمِيعًا وَنَقله النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع كالرافعي عَن جمَاعَة ثمَّ قَالَ وَإِطْلَاق الْجُمْهُور يَقْتَضِي أَنه لَا فرق انْتهى

وَمَا فِي الرَّوْضَة أوجه لما ذكر وَإِن وَضعهَا على حدث سَوَاء أَكَانَ فِي أَعْضَاء التَّيَمُّم أَو فِي غَيرهَا من أَعْضَاء الطَّهَارَة وَجب نَزعهَا إِن أمكن بِلَا ضَرَر يُبِيح التَّيَمُّم لِأَنَّهُ مسح على سَاتِر فَاشْترط فِيهِ الْوَضع على طهر كالخف فَإِن تعذر نَزعه وَمسح وَصلى قضى الْفَرَائِض لفَوَات شَرط الْوَضع على طَهَارَة فَانْتفى تشبيهه حِينَئِذٍ بالخف وَكَذَا يجب الْقَضَاء إِن أمكنه النزع وَلم يفعل وَكَانَ وَضعهَا على طهر

وَلَو تيَمّم عَن حدث أكبر ثمَّ أحدث حَدثا أَصْغَر انْتقض طهره الْأَصْغَر لَا الْأَكْبَر كَمَا لَو أحدث بعد غسله فَيحرم عَلَيْهِ مَا يحرم على الْمُحدث وَيسْتَمر تيَمّمه عَن الْحَدث الْأَكْبَر حَتَّى يجد المَاء بِلَا مَانع فَلَو وجد خابية مَاء مُسبل تيَمّم وَلَا يجوز الطُّهْر مِنْهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا وضعت للشُّرْب نظرا للْغَالِب وَلم يقْض صلَاته كَمَا لَو تيَمّم بِحَضْرَة مَاء يحْتَاج إِلَيْهِ لعطش وَصلى بِهِ وَلَو نسي المَاء فِي رَحْله أَو أضلّهُ فِيهِ فَلم يجده بعد إمعان الطّلب وَتيَمّم فِي الْحَالين وَصلى ثمَّ تذكره فِي النسْيَان ووجده فِي الإضلال قضى لِأَنَّهُ فِي الْحَالة الأولى وَاجِد للْمَاء لكنه قصر فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ فَيَقْضِي كَمَا لَو نسي سَاتِر الْعَوْرَة

وَفِي الثَّانِيَة عذر نَادِر لَا يَدُوم وَلَو أضلّ رَحْله فِي رحال بِسَبَب ظلمَة أَو غَيرهَا فَتَيَمم وَصلى ثمَّ وجده

ص: 85

وَفِيه المَاء فَإِن لم يمعن فِي الطّلب قضى لتَقْصِيره وَإِن أمعن فِيهِ فَلَا قَضَاء إِذْ لَا مَاء مَعَه حَال التَّيَمُّم وَفَارق إضلاله فِي رَحْله بِأَن مخيم الرّفْقَة أوسع غَالِبا من مخيمه فَلَا يعد مقصرا وَلَو أدرج المَاء فِي رَحْله وَلم يشْعر بِهِ أَو لم يعلم ببئر خُفْيَة هُنَاكَ فَلَا إِعَادَة

وَلَو تيَمّم لإضلاله عَن الْقَافِلَة أَو عَن المَاء أَو لغصب مَائه فَلَا إِعَادَة بِلَا خلاف ذكره فِي الْمَجْمُوع

فروع لَو أتلف المَاء فِي الْوَقْت لغَرَض كتبرد وتنظف وتحير مُجْتَهدا لم يعْص للْعُذْر أَو أتْلفه عَبَثا فِي الْوَقْت أَو بعده عصى لتَفْرِيطه بإتلافه مَاء تعين للطَّهَارَة وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا تيَمّم فِي الْحَالين لِأَنَّهُ تيَمّم وَهُوَ فَاقِد للْمَاء أما إِذا أتْلفه قبل الْوَقْت فَلَا يَعْصِي من حَيْثُ إِتْلَاف مَاء الطَّهَارَة وَإِن كَانَ يَعْصِي من حَيْثُ إِنَّه إِضَاعَة مَال وَلَا إِعَادَة أَيْضا لما مر

وَلَو بَاعه أَو وهبه فِي الْوَقْت بِلَا حَاجَة لَهُ وَلَا للْمُشْتَرِي أَو الْمُتَّهب لعطش لم يَصح بَيْعه وَلَا هِبته لِأَنَّهُ عَاجز عَن تَسْلِيمه شرعا لتعينه للطهر وَبِهَذَا فَارق صِحَة هبة من لَزِمته كَفَّارَة أَو دُيُون فوهب مَا يملكهُ وَعَلِيهِ أَن يسْتَردّهُ فَلَا يَصح تيَمّمه مَا قدر عَلَيْهِ لبَقَائه على ملكه فَإِن عجز عَن اسْتِرْدَاده تيَمّم وَصلى وَقضى تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي فَوت المَاء فِي وَقتهَا لتَقْصِيره دون مَا سواهَا لِأَنَّهُ فَوت المَاء قبل دُخُول وَقتهَا

وَلَا يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بِتَيَمُّم فِي الْوَقْت بل يُؤَخر الْقَضَاء إِلَى وجود المَاء أَو حَالَة يسْقط الْفَرْض فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَو أتلف المَاء فِي يَد الْمُتَّهب أَو المُشْتَرِي ثمَّ تيَمّم وَصلى فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما سلف وَيضمن المَاء المُشْتَرِي دون الْمُتَّهب لِأَن فَاسد كل عقد كصحيحه فِي الضَّمَان وَعَدَمه

وَلَو مر بِمَاء فِي الْوَقْت وَبعد عَنهُ بِحَيْثُ لَا يلْزمه طلبه ثمَّ تيَمّم وَصلى أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما مر وَلَو عطشوا ولميت مَاء شربوه ويمموه وضمنوه للْوَارِث بِقِيمَتِه لَا بِمثلِهِ وَلَو كَانَ مثلِيا إِذا كَانُوا ببرية للْمَاء فِيهَا قيمَة ثمَّ رجعُوا إِلَى وطنهم وَلَا قيمَة لَهُ فِيهِ وَأَرَادَ الْوَارِث تغريمهم إِذْ لَو ردوا المَاء لَكَانَ إِسْقَاطًا للضَّمَان فَإِن فرض الْغرم بمَكَان الشّرْب أَو بمَكَان آخر للْمَاء فِيهِ قيمَة وَلَو دون قِيمَته بمَكَان الشّرْب وزمانه غرم مثله كَسَائِر الْمِثْلِيَّات وَلَو أوصى بِصَرْف مَاء لأولي النَّاس وَجب تَقْدِيم العطشان الْمُحْتَرَم حفظا لمهجته ثمَّ الْمَيِّت لِأَن ذَلِك خَاتِمَة أمره فَإِن مَاتَ اثْنَان وَوجد المَاء قبل مَوْتهمَا قدم الأول لسبقه فَإِن مَاتَا مَعًا أَو جهل السَّابِق أَو وجد المَاء بعدهمَا قدم الْأَفْضَل لأفضليته بِغَلَبَة الظَّن لكَونه أقرب إِلَى الرَّحْمَة لَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالنّسب وَنَحْو ذَلِك فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا

وَلَا يشْتَرط قبُول الْوَارِث لَهُ كالكفن المتطوع بِهِ ثمَّ الْمُتَنَجس لِأَن طهره لَا بدل لَهُ ثمَّ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء لعدم خلوهما عَن النَّجس غَالِبا ولغلظ حَدثهمَا فَإِن اجْتمعَا قدم أفضلهما فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا ثمَّ الْجنب لِأَن حَدثهُ أغْلظ من حدث الْمُحدث حَدثا أَصْغَر نعم إِن كفى الْمُحدث دونه أولى فالمحدث بِهِ لِأَنَّهُ يرْتَفع بِهِ حَدثهُ بِكَمَالِهِ دون الْجنب

لَا يجمع فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد (وَيتَيَمَّم) الْمَعْذُور وجوبا (لكل فَرِيضَة) فَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّم غير فرض لِأَن الْوضُوء كَانَ لكل فرض لقَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة}

ص: 86

وَالتَّيَمُّم بدل عَنهُ ثمَّ نسخ ذَلِك فِي الْوضُوء بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلى يَوْم الْفَتْح خمس صلوَات بِوضُوء وَاحِد وَبَقِي التَّيَمُّم على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلما روى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عمر قَالَ يتَيَمَّم لكل صَلَاة وَإِن لم يحدث وَلِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورَة وَمثل فرض الصَّلَاة فِي ذَلِك فرض الطّواف وخطبة الْجُمُعَة فَيمْتَنع الْجمع بِتَيَمُّم وَاحِد بَين طوافين مفروضين وَبَين طواف فرض وَفرض صَلَاة وَبَين صَلَاة الْجُمُعَة وخطبتها على مَا رَجحه الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الْخطْبَة وَإِن كَانَت فرض كِفَايَة إِذْ قيل إِنَّهَا قَائِمَة مقَام رَكْعَتَيْنِ وَالصَّبِيّ لَا يُؤَدِّي بتيممه غير فرض كَالْبَالِغِ لِأَن مَا يُؤَدِّيه كالفرض فِي النِّيَّة وَغَيرهَا

نعم لَو تيَمّم للْفَرض ثمَّ بلغ لم يصل بِهِ الْفَرْض لِأَن صلَاته نفل كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَنَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْعِرَاقِيّين

فَإِن قيل لم جعل كَالْبَالِغِ فِي أَنه لَا يجمع بِتَيَمُّم فرضين وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْض إِذا بلغ أُجِيب بِأَن ذَلِك احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي أَنه يتَيَمَّم للْفَرض الثَّانِي وَيتَيَمَّم إِذا بلغ

وَهَذَا فِي غَايَة الِاحْتِيَاط وَخرج بِمَا ذكر تَمْكِين الْحَائِض من الْوَطْء مرَارًا وَجمعه مَعَ فرض آخر بِتَيَمُّم وَاحِد فَإِنَّهُمَا جائزان وَالنّذر كفرض عَيْني لتعينه على النَّاذِر فَأشبه الْمَكْتُوبَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يجمعه مَعَ فَرِيضَة أُخْرَى مُؤَدَّاة كَانَت أَو مقضية بِتَيَمُّم وَاحِد

وَلَو تعين على ذِي حدث أكبر تعلم فَاتِحَة أَو حمل مصحف أَو نَحْو ذَلِك كحائض انْقَطع حَيْضهَا وَأَرَادَ الزَّوْج وَطأهَا وَتيَمّم من ذكر لفريضة كَانَ لَهُ أَن يجمع ذَلِك مَعهَا وَكَذَا لَهُ مَعهَا صَلَاة الْجِنَازَة لِأَنَّهَا لَيست من جنس فَرَائض الْأَعْيَان فَهِيَ كالنفل فِي جَوَاز التّرْك فِي الْجُمْلَة وَإِنَّمَا تعين الْقيام فِيهَا الْقُدْرَة لِأَن الْقيام قوامها لعدم الرُّكُوع وَالسُّجُود فِيهَا فَتَركه يمحي صورتهَا وَلَو تيَمّم لنافلة كَانَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ الْجِنَازَة لما ذكره

(وَيُصلي بِتَيَمُّم وَاحِد مَا شَاءَ من النَّوَافِل) لِأَن النَّوَافِل تكْثر فَيُؤَدِّي إِيجَاب التَّيَمُّم لكل صَلَاة مِنْهَا إِلَى التّرْك أَو إِلَى حرج عَظِيم فَخفف فِي أمرهَا كَمَا خفف بترك الْقيام فِيهَا مَعَ الْقُدْرَة وبترك الْقبْلَة فِي السّفر

وَلَو نذر إتْمَام كل صَلَاة دخل فِيهَا فَلهُ جمعهَا مَعَ فرض لِأَن ابتداءها نفل ذكره الرَّوْيَانِيّ

وَلَو صلى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة ثمَّ أَرَادَ إِعَادَتهَا جمَاعَة جَازَ لِأَن فَرْضه الأولى ثمَّ كل صَلَاة أوجبناها فِي الْوَقْت وأوجبنا إِعَادَتهَا كمربوط على خَشَبَة ففرضه الثَّانِيَة وَله أَن يُعِيدهَا بِتَيَمُّم الأولى لِأَن الأولى وَإِن وَقعت نفلا فالإتيان بهَا فرض

فَإِن قيل كَيفَ يجمعهما بِتَيَمُّم مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا فرض

ص: 87