المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في أركان الصلاة وسننها وهيئاتها - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة

- ‌(وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم

- ‌(فصل فِي السِّوَاك)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(فصل فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء

- ‌فصل فِي مُوجب الْغسْل

- ‌(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)

- ‌فصل فِي الأغسال المسنونة

- ‌فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌فرع لَو خرز خفه بِشعر نجس

- ‌فصل فِي التَّيَمُّم

- ‌فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل

- ‌فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن

- ‌فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها

- ‌فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا

- ‌فصل فِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة بِلَا سَبَب

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر

- ‌فصل فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف

- ‌فصل فِيمَا يجوز لبسه من الْحَرِير للمحارب وَغَيره

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْإِبِل وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْبَقر وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْغنم وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي زَكَاة خلْطَة الْأَوْصَاف

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الزروع وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي زَكَاة الْعرُوض والمعدن والركاز

- ‌فصل فِي زَكَاة الْفطر وَيُقَال صَدَقَة الْفطر

- ‌فصل فِي قسم الصَّدقَات

- ‌كتاب الصّيام

- ‌فصل فِي الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام

- ‌(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان

الفصل: ‌فصل في أركان الصلاة وسننها وهيئاتها

صلى أَربع رَكْعَات لأَرْبَع جِهَات بِالِاجْتِهَادِ أَربع مَرَّات فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَن كل رَكْعَة مُؤَدَّاة بِاجْتِهَاد وَلم يتَعَيَّن فِيهَا الْخَطَأ فَإِن اسْتَويَا وَلم يكن فِي صَلَاة تخير بَينهمَا إِذْ لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر وَإِن كَانَ فِيهَا عمل بِالْأولِ وجوبا كَمَا نَقله فِي أصل الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ وَفَارق حكم التَّسَاوِي قبلهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتزم بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَة فَلَا يتَحَوَّل إِلَّا بأرجح وَشرط الْعَمَل الثَّانِي فِي الصَّلَاة أَن يظنّ الصَّوَاب مُقَارنًا لظُهُور الْخَطَأ فَإِن لم يَظُنّهُ مُقَارنًا بطلت صلَاته وَإِن قدر على الصَّوَاب عَن قرب لمضي جُزْء من صلَاته إِلَى غير قبْلَة وَلَا يجْتَهد فِي محاريب النَّبِي صلى الله عليه وسلم جِهَة وَلَا يمنة وَلَا يسرة وَلَا فِي محاريب الْمُسلمين جِهَة

‌فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها

وَتقدم معنى الرُّكْن لُغَة وَاصْطِلَاحا وَالْفرق بَين الرُّكْن وَالشّرط (وأركان الصَّلَاة ثَمَانِيَة عشر ركنا) وَهَذَا مَا فِي التَّنْبِيه فَجعل الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع والاعتدال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّة الْخُرُوج أركانا وَفِي بعض النّسخ سَبْعَة عشر وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَة وَالتَّحْقِيق لِأَن الْأَصَح أَن نِيَّة الْخُرُوج لَا تجب وَجعلهَا فِي الْمِنْهَاج ثَلَاثَة عشر كَمَا فِي الْمُحَرر بِجعْل الطُّمَأْنِينَة كالهيئة التابعة وَجعلهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَة عشر فَزَاد الطُّمَأْنِينَة إِلَّا أَنه جعلهَا فِي الْأَركان الْأَرْبَعَة ركنا وَاحِدًا وَالْخلف بَينهم لَفْظِي فَمن لم يعد الطُّمَأْنِينَة ركنا جعلهَا فِي كل ركن كالجزء مِنْهُ وكالهيئة التابعة لَهُ وَيُؤَيِّدهُ كَلَامهم فِي

ص: 128

التَّقَدُّم والتأخر بِرُكْن أَو أَكثر وَبِه يشْعر خبر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة الْآتِي

وَمن عدهَا أركانا فَذَاك لاستقلالها وَصدق اسْم السُّجُود وَنَحْوه بِدُونِهَا وَجعلت أركانا لتغايرها باخْتلَاف محلهَا وَمن جعلهَا ركنا وَاحِدًا فلكونها جِنْسا وَاحِدًا كَمَا عدوا السَّجْدَتَيْنِ ركنا لذَلِك

الأول (النِّيَّة) لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي بعض الصَّلَاة وَهُوَ أَولهَا لَا فِي جَمِيعهَا فَكَانَت ركنا كالتكبير وَالرُّكُوع

وَقيل هِيَ شَرط لِأَنَّهَا عبارَة عَن قصد فعل الصَّلَاة فَتكون خَارج الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ بِالشّرطِ أشبه

وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالْإِخْلَاص فِي كَلَامهم النِّيَّة

وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى

وأجمعت الْأمة على اعْتِبَار النِّيَّة فِي الصَّلَاة وَبَدَأَ بهَا لِأَن الصَّلَاة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بهَا فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي فرضا وَلَو نذرا أَو قَضَاء أَو كِفَايَة وَجب قصد فعلهَا لتتميز عَن سَائِر الْأَفْعَال وتعيينها لتتميز عَن سَائِر الصَّلَوَات وَتجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة لتتميز عَن النَّفْل وَلَا تجب فِي صَلَاة الصَّبِي كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَن صلَاته تقع نفلا فَكيف يَنْوِي الْفَرْضِيَّة وَلَا تجب الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الْعِبَادَة لَا تكون إِلَّا لَهُ تَعَالَى وتستحب ليتَحَقَّق معنى الْإِخْلَاص وتستحب نِيَّة اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَعدد الرَّكْعَات وَلَو غير الْعدَد كَأَن نوى الظّهْر ثَلَاثًا أَو خمْسا لم تَنْعَقِد

وَتَصِح نِيَّة الْأَدَاء بنية الْقَضَاء وَعَكسه عِنْد جهل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه كَأَن ظن خُرُوج الْوَقْت فَصلاهَا قَضَاء فَبَان وقته أَو ظن بَقَاء الْوَقْت فَصلاهَا أَدَاء فَبَان خُرُوجه لاستعمال كل بِمَعْنى الآخر تَقول قضيت الدّين وأديته بِمَعْنى وَاحِد

قَالَ تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} أَي أديتم أما إِذا فعل ذَلِك عَالما فَلَا تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن تصريحهم

نعم إِن قصد بذلك الْمَعْنى اللّغَوِيّ لم يضرّهُ كَمَا قَالَه فِي الْأَنْوَار وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للْوَقْت فَلَو عين الْيَوْم وَأَخْطَأ لم يضر كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام أصل الرَّوْضَة

وَمن عَلَيْهِ فوائت لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي ظهر يَوْم كَذَا بل يَكْفِيهِ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَالنَّفْل ذُو الْوَقْت أَو ذُو السَّبَب كالفرض فِي اشْتِرَاط قصد فعل الصَّلَاة وتعيينها كَصَلَاة الْكُسُوف وراتبة الْعشَاء

قَالَ فِي الْمَجْمُوع وكسنة الظّهْر الَّتِي قبلهَا أَو الَّتِي بعْدهَا وَالْوتر صَلَاة مُسْتَقلَّة فَلَا يُضَاف إِلَى الْعشَاء فَإِن أوتر بِوَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ ووصلى نوى الْوتر وَإِن فصل نوى بالواحدة الْوتر

وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل أَو مُقَدّمَة الْوتر وسنته وَهِي أولى أَو رَكْعَتَيْنِ من الْوتر على الْأَصَح هَذَا إِذا نوى عددا فَإِن قَالَ أُصَلِّي الْوتر وَأطلق صَحَّ وَيحمل على مَا يُريدهُ من رَكْعَة إِلَى إِحْدَى عشرَة وترا وَلَا تشْتَرط نِيَّة النفلية

وَيَكْفِي فِي النَّفْل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب نِيَّة فعل الصَّلَاة

وَالنِّيَّة بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا الْقَصْد فَلَا يَكْفِي النُّطْق مَعَ غَفلَة الْقلب بِالْإِجْمَاع وَفِي سَائِر الْأَبْوَاب كَذَلِك وَلَا يضر النُّطْق بِخِلَاف مَا فِي الْقلب كَأَن قصد الصُّبْح وَسبق لِسَانه إِلَى الظّهْر وَينْدب النُّطْق بالمنوي قبيل التَّكْبِير ليساعد اللِّسَان الْقلب وَلِأَنَّهُ أبعد عَن الوسواس وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِمَشِيئَة الله لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو أطلق لم يَصح للمنافاة

(فَائِدَة) لَو قَالَ شخص لآخر صل فرضك وَلَك عَليّ دِينَار فصلى بِهَذِهِ النِّيَّة لم يسْتَحق الدِّينَار وأجزأته صلَاته وَلَو نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم صحت صلَاته لِأَن دَفعه حَاصِل وَإِن لم يُنَوّه بِخِلَاف مَا لَو نوى بِصَلَاتِهِ فرضا ونفلا غير تَحِيَّة وَسنة وضوء لتشريكه بَين عبادتين لَا تندرج إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى

وَلَو قَالَ أُصَلِّي لثواب الله تَعَالَى أَو للهرب من عِقَابه صحت صلَاته خلافًا للفخر الرَّازِيّ

ص: 129

(و) الثَّانِي من أَرْكَان الصَّلَاة (الْقيام) فِي الْفَرْض (مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ وَلَو بِمعين بِأُجْرَة فاضلة عَن مُؤْنَته وَمؤنَة ممونه يَوْمه وَلَيْلَته فَيجب حَالَة الْإِحْرَام بِهِ لخَبر البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى جنب زَاد النَّسَائِيّ فَإِن لم تستطع فمستلقيا لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا

وأجمعت الْأمة على ذَلِك وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل وبالقادر الْعَاجِز

وَقد يفهم من ذَلِك صِحَة صَلَاة الصَّبِي الْفَرْض قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَالأَصَح كَمَا فِي الْبَحْر خِلَافه

وَمثل صَلَاة الصَّبِي الصَّلَاة الْمُعَادَة وَاسْتثنى بَعضهم من ذَلِك مسَائِل الأولى مَا لَو خَافَ رَاكب السَّفِينَة غرقا أَو دوران رَأس فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ

وَالثَّانيَِة مَا لَو كَانَ بِهِ سَلس بَوْل لَو قَامَ سَالَ بَوْله وَإِن قعد لم يسل فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود على الْأَصَح بِلَا إِعَادَة وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ طَبِيب ثِقَة لمن بِعَيْنِه مَاء إِن صليت مُسْتَلْقِيا أمكن مداواتك فَلهُ ترك الْقيام على الْأَصَح

وَلَو أمكن الْمَرِيض الْقيام مُنْفَردا بِلَا مشقة وَلم يُمكنهُ ذَلِك فِي جمَاعَة إِلَّا بِأَن يُصَلِّي بَعْضهَا قَاعِدا فَالْأَفْضَل الِانْفِرَاد وَتَصِح مَعَ الْجَمَاعَة وَإِن قعد فِي بَعْضهَا كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة

الثَّالِثَة مَا لَو كَانَ للغزاة رَقِيب يرقب الْعَدو وَلَو قَامَ لرآه الْعَدو أَو جلس الْغُزَاة فِي مكمن وَلَو قَامُوا لرآهم الْعَدو وَفَسَد تَدْبِير الْحَرْب صلوا قعُودا وَوَجَبَت الْإِعَادَة على الْمَذْهَب لندرة ذَلِك

لَا إِن خَافُوا قصد الْعَدو لَهُم فَلَا تلزمهم الْإِعَادَة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق

وَالْفرق بَين مَا هُنَا وَبَين مَا مر أَن الْعذر هُنَا أعظم مِنْهُ ثمَّ وَفِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء لِأَن من ذكر عَاجز إِمَّا لضَرُورَة التَّدَاوِي أَو خوف الْغَرق أَو الْخَوْف على الْمُسلمين أَو نَحْو ذَلِك

فَإِن قيل لم أخر الْقيام عَن النيه مَعَ أَنه مقدم عَلَيْهَا أُجِيب بِأَنَّهَا ركن فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَهُوَ ركن فِي الْفَرِيضَة فَقَط فَلذَلِك قدمت عَلَيْهِ

وَشرط الْقيام نصب ظهر الْمُصَلِّي لِأَن اسْم الْقيام دائر مَعَه فَإِن وقف منحنيا إِلَى قدامه أَو خَلفه أَو مائلا إِلَى يَمِينه أَو يسَاره بِحَيْثُ لَا يُسمى قَائِما لم يَصح قِيَامه لتَركه الْوَاجِب بِلَا عذر والانحناء السالب للاسم أَن يصير إِلَى الرُّكُوع أقرب كَمَا فِي الْمَجْمُوع

وَلَو اسْتندَ إِلَى شَيْء كجدار أَجزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو تحامل عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَو رفع مَا اسْتندَ إِلَيْهِ لسقط لوُجُود اسْم الْقيام وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يرفع قَدَمَيْهِ إِن شَاءَ وَهُوَ مُسْتَند لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يُسمى قَائِما بل مُعَلّق نَفسه فَإِن عجز عَن ذَلِك وَصَارَ كراكع لكبر أَو غَيره وقف وجوبا كَذَلِك لقُرْبه من الانتصاب وَزَاد وجوبا انحناءه لركوعه إِن قدر على الزِّيَادَة ليتميز الركنان وَلَو أمكنه الْقيام مُتكئا على شَيْء أَو الْقيام على رُكْبَتَيْهِ لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ ميسوره وَلَو عجز عَن رُكُوع وَسُجُود دون قيام قَامَ وجوبا وَفعل مَا أمكنه فِي انحنائه لَهما بصلبه فَإِن عجز فبرقبته وَرَأسه فَإِن عجز أَوْمَأ إِلَيْهِمَا أَو عجز عَن قيام بلحوق مشقة شَدِيدَة قعد كَيفَ شَاءَ وافتراشه أفضل من تربعه وَغَيره لِأَنَّهُ قعُود عبَادَة

وَيكرهُ الإقعاء فِي قعدات الصَّلَاة بِأَن يجلس الْمُصَلِّي على وركيه ناصبا رُكْبَتَيْهِ للنَّهْي

ص: 130

عَن الإقعاء فِي الصَّلَاة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ

وَمن الإقعاء نوع مسنون بَين السَّجْدَتَيْنِ وَإِن كَانَ الافتراش أفضل مِنْهُ وَهُوَ أَن يضع أَطْرَاف أَصَابِع رجلَيْهِ وَيَضَع أليتيه على عَقِبَيْهِ ثمَّ ينحني الْمُصَلِّي قَاعِدا لركوعه إِن قدر وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تحاذي جَبهته مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ وأكمله أَن تحاذي جَبهته مَحل سُجُوده وركوع الْقَاعِد فِي النَّفْل كَذَلِك فَإِن عجز عَن الْقعُود اضْطجع على جنبه وجوبا لخَبر عمرَان السَّابِق وَسن على الْأَيْمن فَإِن عجز عَن الْجنب اسْتلْقى على ظَهره رَافعا رَأسه بِأَن يرفعهُ قَلِيلا بِشَيْء ليتوجه إِلَى الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ومقدم بدنه إِلَّا أَن يكون فِي الْكَعْبَة وَهِي مسقوفة ويركع وَيسْجد بِقدر إِمْكَانه فَإِن قدر الْمُصَلِّي على الرُّكُوع فَقَط كَرَّرَه للسُّجُود وَمن قدر على زِيَادَة على أكمل الرُّكُوع تعيّنت تِلْكَ الزِّيَادَة للسُّجُود لِأَن الْفرق بَينهمَا وَاجِب على المتمكن وَلَو عجز عَن السُّجُود إِلَّا أَن يسْجد بِمقدم رَأسه أَو صُدْغه وَكَانَ بذلك أقرب إِلَى الأَرْض وَجب فَإِن عجز عَن ذَلِك أَوْمَأ بِرَأْسِهِ

وَالسُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن عجز فببصره فَإِن عجز أجْرى أَفعَال الصَّلَاة بسننها على قلبه وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ

وَلَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة وعقله ثَابت لوُجُود منَاط التَّكْلِيف وللقادر على الْقيام النَّفْل قَاعِدا سَوَاء الرَّوَاتِب وَغَيرهَا وَمَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيد وَمَا لَا تسن فِيهِ ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وعَلى الْقعُود لحَدِيث البُخَارِيّ من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما أَي مُضْطَجعا فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد وَيلْزمهُ أَن يقْعد للرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِن اسْتلْقى مَعَ إِمْكَان الِاضْطِجَاع لم تصح صلَاته

وَمحل نُقْصَان أجر الْقَاعِد والمضطجع عِنْد الْقُدْرَة وَإِلَّا لم ينقص من أجرهما شَيْء

وَالثَّالِث من أَرْكَان الصَّلَاة (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) بشروطها وَهِي إيقاعها بعد الانتصاب فِي الْفَرْض باللغة الْعَرَبيَّة للقادر عَلَيْهَا وَلَفظ الْجَلالَة وَلَفظ أكبر وَتَقْدِيم لفظ الْجَلالَة على أكبر وَعدم مد همزَة الْجَلالَة وَعدم مد بَاء أكبر وَعدم تشديدها وَعدم زِيَادَة وَاو سَاكِنة أَو متحركة بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَعدم وَاو قبل الْجَلالَة وَعدم وَقْفَة طَوِيلَة بَين كلمتيه كَمَا قَيده الزَّرْكَشِيّ فِي شرح التَّنْبِيه

وَمُقْتَضَاهُ أَن الْيَسِيرَة لَا تضر وَبِه صرح فِي الْحَاوِي الصَّغِير وَأقرهُ عَلَيْهِ ابْن الملقن فِي شَرحه وَأَن يسمع نَفسه جَمِيع حروفها إِن كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا مَانع من لغط وَغَيره وَإِلَّا فيرفع صَوته بِقدر مَا يسمعهُ لَو لم يكن أَصمّ وَدخُول وَقت الْفَرْض لتكبيرة الْفَرَائِض وَالنَّفْل الْمُؤَقت وَذي السَّبَب وإيقاعها حَال الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شرطناه وتأخيرها عَن تَكْبِيرَة الإِمَام فِي حق الْمُقْتَدِي فَهَذِهِ خَمْسَة عشر شرطا إِن اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته

وَدَلِيل وجوب التَّكْبِير خبر الْمُسِيء صلَاته إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والاتباع مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي

وَلَا تضر زِيَادَة لَا تمنع اسْم التَّكْبِير كالله الْأَكْبَر لِأَنَّهَا تدل على زِيَادَة مُبَالغَة فِي التَّعْظِيم وَهُوَ الْإِشْعَار بالتخصيص وَكَذَا الله أكبر وَأجل أَو الله الْجَلِيل الْأَكْبَر وَكَذَا كل صفة من صِفَاته تَعَالَى إِن لم يطلّ بهَا الْفَصْل فَإِن طَال كالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس أكبر ضرّ

وَلَو لم يجْزم الرَّاء من أكبر لم يضر خلافًا لما اقْتَضَاهُ كَلَام ابْن يُونُس فِي شرح التَّنْبِيه وَاسْتدلَّ لَهُ الدَّمِيرِيّ بقوله صلى الله عليه وسلم التَّكْبِير جزم اه

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن هَذَا لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَول النَّخعِيّ وعَلى تَقْدِير وجوده فَمَعْنَاه عدم التَّرَدُّد فِيهِ

وَيسن

ص: 131

أَن لَا يقصر التَّكْبِير بِحَيْثُ لَا يفهم وَأَن لَا يمططه بِأَن يُبَالغ فِي مده بل يَأْتِي بِهِ مُبينًا والإسراع بِهِ أولى من مده لِئَلَّا تَزُول النِّيَّة وَأَن يجْهر بتكبيرة الْإِحْرَام وتكبيرات الِانْتِقَالَات ليسمع الْمَأْمُومين فيعلموا صلَاته بِخِلَاف غَيره من مَأْمُوم ومنفرد فَالسنة فِي حَقه الْإِسْرَار نعم إِن لم يبلغ صَوت الإِمَام جَمِيع الْمَأْمُومين جهر بَعضهم ندبا وَاحِدًا أَو أَكثر بِحَسب الْحَاجة ليبلغ عَنهُ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم صلى فِي مَرضه بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر رضي الله عنه يسمعهم التَّكْبِير وَلَو كبر للْإِحْرَام تَكْبِيرَات نَاوِيا بِكُل مِنْهَا الِافْتِتَاح دخل فِي الصَّلَاة بالأوتار وَخرج مِنْهَا بالأشفاع لِأَن من افْتتح صَلَاة ثمَّ نوى افْتِتَاح صَلَاة أُخْرَى بطلت صلَاته هَذَا إِن لم ينْو بَين كل تكبيرتين خُرُوجًا أَو افتتاحا وَإِلَّا فَيخرج بِالنِّيَّةِ وَيدخل بِالتَّكْبِيرِ فَإِن لم ينْو بِغَيْر التَّكْبِيرَة الأولى شَيْئا لم يضر لِأَنَّهُ ذكر وَمحل مَا ذكر مَعَ الْعمد كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة أما مَعَ السَّهْو فَلَا بطلَان

وَمن عجز وَهُوَ نَاطِق عَن النُّطْق بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ ترْجم عَنْهَا بِأَيّ لُغَة شَاءَ وَوَجَب التَّعَلُّم إِن قدر عَلَيْهِ وَلَو بسفر إِلَى بلد آخر لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب

فَائِدَة إِنَّمَا سميت هَذِه التَّكْبِيرَة تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لِأَنَّهُ يحرم بهَا على الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالا لَهُ قبلهَا من مفسدات الصَّلَاة كَالْأَكْلِ وَالشرب وَالْكَلَام وَنَحْو ذَلِك وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام بِالْإِجْمَاع مُسْتَقْبلا بكفيه الْقبْلَة مميلا أَطْرَاف أصابعهما نَحْوهَا مفرقا أصابعهما تفريقا وسطا كاشفا لَهما ويرفعهما مُقَابل مَنْكِبَيْه لحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة

قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم معنى حَذْو مَنْكِبَيْه أَن تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه

وَيجب قرن النِّيَّة بتكبيرة الْإِحْرَام لِأَنَّهَا أول الْأَركان بِأَن يقرنها بأوله ويستصحبها إِلَى آخِره

وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ فِي شرحي الْمُهَذّب والوسيط تبعا للْإِمَام وَالْغَزالِيّ الِاكْتِفَاء بالمقارنة الْعُرْفِيَّة عِنْد الْعَوام بِحَيْثُ يعد مستحضرا للصَّلَاة اقْتِدَاء بالأولين فِي تسامحهم بذلك وَقَالَ ابْن الرّفْعَة إِنَّه الْحق وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ ولي بهما أُسْوَة والوسوسة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام من تلاعب الشَّيْطَان وَهِي تدل على خبل فِي الْعقل أَو جهل فِي الدّين وَلَا يجب اسْتِصْحَاب النِّيَّة بعد التَّكْبِير للعسر لَكِن يسن وَيعْتَبر عدم الْمنَافِي كَمَا فِي عقد الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَإِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو تردد فِي أَن يخرج أَو يسْتَمر بطلت بِخِلَاف الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَالْحج وَالصَّوْم لِأَنَّهَا أضيق بَابا من الْأَرْبَعَة فَكَانَ تأثيرها باخْتلَاف النِّيَّة أَشد

(و) الرَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (قِرَاءَة) سُورَة (الْفَاتِحَة) فِي كل رَكْعَة فِي قِيَامهَا أَو بدله لخَبر الشَّيْخَيْنِ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ

ص: 132

بِفَاتِحَة الْكتاب أَي فِي كل رَكْعَة لما مر فِي خبر الْمُسِيء صلَاته إِلَّا رَكْعَة مَسْبُوق فَلَا تجب فِيهَا بِمَعْنى أَنه لَا يسْتَقرّ وُجُوبهَا عَلَيْهِ لتحمل الإِمَام لَهَا عَنهُ

تَنْبِيه يتَصَوَّر سُقُوط الْفَاتِحَة فِي كل مَوضِع حصل للْمَأْمُوم فِيهِ عذر تخلف بِسَبَبِهِ عَن الإِمَام بأَرْبعَة أَرْكَان طَوِيلَة وَزَالَ عذره وَالْإِمَام رَاكِع فيتحمل عَنهُ الْفَاتِحَة كَمَا لَو كَانَ بطيء الْقِرَاءَة أَو نسي أَنه فِي الصَّلَاة أَو امْتنع من السُّجُود بِسَبَب زحمة أَو شكّ بعد رُكُوع إِمَامه فِي قِرَاءَته الْفَاتِحَة فَتخلف لَهَا

نبه على ذَلِك الْإِسْنَوِيّ

(وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا) أَي من الْفَاتِحَة لما رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا

رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه

وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله فاقرؤوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها

وروى ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَى آخرهَا سِتّ آيَات

وَهِي آيَة من كل سُورَة إِلَّا بَرَاءَة لإِجْمَاع الصَّحَابَة على إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ أَوَائِل السُّور سوى بَرَاءَة

دون الأعشار وتراجم السُّور والتعوذ فَلَو لم تكن قُرْآنًا لما أَجَازُوا ذَلِك لِأَنَّهُ يحمل على اعْتِقَاد مَا لَيْسَ بقرآن قُرْآنًا وَلَو كَانَت للفصل كَمَا قيل لأثبتت فِي أول بَرَاءَة وَلم تثبت فِي أول الْفَاتِحَة

فَإِن قيل الْقُرْآن إِنَّمَا يثبت بالتواتر

ص: 133

أُجِيب بِأَن مَحَله فِيمَا يثبت قُرْآنًا قطعا أما مَا يثبت قُرْآنًا حكما فَيَكْفِي فِيهِ الظَّن كَمَا يَكْفِي فِي كل ظَنِّي وَأَيْضًا إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ من غير نَكِير فِي معنى التَّوَاتُر

فَإِن قيل لَو كَانَت قُرْآنًا لكفر جاحدها

أُجِيب بِأَنَّهَا لَو لم تكن قُرْآنًا لكفر مثبتها وَأَيْضًا التَّكْفِير لَا يكون بالظنيات وَهِي آيَة من أول الْفَاتِحَة قطعا وَكَذَا فِيمَا عدا بَرَاءَة من بَاقِي السُّور على الْأَصَح وَالسّنة أَن يصلها بِالْحَمْد لله وَأَن يجْهر بهَا حَيْثُ يشرع الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ

فَائِدَة مَا أثبت فِي الْمُصحف الْآن من أَسمَاء السُّور والأعشار شَيْء ابتدعه الْحجَّاج فِي زَمَنه

وَيجب رِعَايَة حُرُوف الْفَاتِحَة فَلَو أَتَى قَادر أَو من أمكنه التَّعَلُّم بدل حرف مِنْهَا بآخر لم تصح قِرَاءَته لتِلْك الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو أبدل ذال الَّذين الْمُعْجَمَة بِالْمُهْمَلَةِ لم تصح كَمَا اقْتضى إِطْلَاق الرَّافِعِيّ وَغَيره الْجَزْم بِهِ خلافًا للزركشي وَمن تبعه وَكَذَا لَو أبدل حاء الْحَمد لله بِالْهَاءِ وَلَو نطق بِالْقَافِ مترددة بَينهَا وَبَين الْكَاف كَمَا تنطق بِهِ الْعَرَب صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا جزم بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَغَيره وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع فِيهِ نظر وَيجب رِعَايَة تشديداتها الْأَرْبَع عشرَة مِنْهَا ثَلَاث فِي الْبَسْمَلَة فَلَو خفف مِنْهَا تشديدة بطلت قِرَاءَة تِلْكَ الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو شدد المخفف أَسَاءَ وأجزأه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ

وَيجب رِعَايَة ترتيبها بِأَن يَأْتِي بهَا على نظمها الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ منَاط البلاغة والإعجاز فَلَو بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لم يعْتد بِهِ وَيَبْنِي على الأول إِن سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلم يطلّ الْفَصْل ويستأنف إِن تعمد أَو طَال الْفَصْل وَيجب رِعَايَة موالاتها بِأَن يَأْتِي بكلماتها على الْوَلَاء لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فيقطعها تخَلّل ذكر وَإِن قل وسكوت طَال عرفا بِلَا عذر فيهمَا أَو سكُوت قصد بِهِ قطع الْقِرَاءَة لإشعار ذَلِك بِالْإِعْرَاضِ عَن الْقِرَاءَة بِخِلَاف سكُوت قصير لم يقْصد بِهِ الْقطع أَو طَوِيل أَو تخَلّل ذكر بِعُذْر من جهل أَو سَهْو أَو إعياء أَو تعلق ذكر بِالصَّلَاةِ كتأمينه لقِرَاءَة إِمَامه وفتحه عَلَيْهِ إِذا توقف فِيهَا فَإِن عجز عَن جَمِيع الْفَاتِحَة لعدم معلم أَو مصحف أَو غير ذَلِك فسبع آيَات عدد آياتها يَأْتِي بهَا وَلَو مُتَفَرِّقَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة

تَنْبِيه ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا فرق بَين أَن تفِيد المتفرقة معنى منظوما أم لَا كثم نظر

قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ أَي الثَّانِي الْمُخْتَار

ص: 134

كَمَا أطلقهُ الْجُمْهُور وَاخْتَارَ الإِمَام الأول وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا

قَالَ بَعضهم وَالثَّانِي هُوَ الْقيَاس

وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ الْمُخْتَار مَا ذكره الإِمَام وإطلاقهم مَحْمُول على الْغَالِب ثمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَي النَّوَوِيّ إِنَّمَا ينقدح إِذا لم يحسن غير ذَلِك أما مَعَ حفظه آيَات مُتَوَالِيَة أَو مُتَفَرِّقَة منتظمة الْمَعْنى فَلَا وَجه لَهُ وَإِن شَمله إِطْلَاقهم انْتهى

وَهَذَا يشبه أَن يكون جمعا بَين الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ جمع حسن

وَمن يحسن بعض الْفَاتِحَة يَأْتِي بِهِ ويبدل الْبَاقِي إِن أحْسنه وَإِلَّا كَرَّرَه فِي الْأَصَح وَكَذَا من يحسن بعض بدلهَا من الْقُرْآن

وَيجب التَّرْتِيب بَين الأَصْل وَالْبدل فَإِن كَانَ يحسن الْآيَة فِي أول الْفَاتِحَة أَتَى بهَا ثمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَإِن كَانَ فِي آخر الْفَاتِحَة أَتَى بِالْبَدَلِ ثمَّ بِالْآيَةِ وَإِن كَانَ فِي وَسطهَا أَتَى بِبَدَل الأول ثمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوسط ثمَّ أَتَى بِبَدَل الآخر فَإِن عجز عَن الْقُرْآن أَتَى بسبعة أَنْوَاع من ذكر أَو دُعَاء لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة وَيجب تعلق الدُّعَاء بِالآخِرَة كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فَإِن عجز عَن ذَلِك كُله حَتَّى عَن تَرْجَمَة الذّكر وَالدُّعَاء لزمَه وَقْفَة قدر الْفَاتِحَة فِي ظَنّه لِأَنَّهُ وَاجِب فِي نَفسه وَلَا يترجم عَنْهَا بِخِلَاف التَّكْبِير لفَوَات الإعجاز فِيهَا دونه

وَسن عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها آمين لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة وَقيس بهَا خَارِجهَا مخففا ميمها بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر وَهُوَ اسْم فعل بِمَعْنى استجب وَلَو شدد الْمِيم لم تبطل صلَاته لقصدة الدُّعَاء وَيسن فِي جهرية جهر بهَا للْمُصَلِّي حَتَّى للْمَأْمُوم لقِرَاءَة إِمَامه تبعا لَهُ وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الشَّيْخَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه

فَائِدَة فَاتِحَة الْكتاب لَهَا عشرَة أَسمَاء فَاتِحَة الْكتاب وَأم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وَسورَة الْحَمد وَالصَّلَاة والكافية والواقية والشفاء والأساس

(و) الْخَامِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الرُّكُوع) لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وللإجماع وَتقدم رُكُوع الْقَاعِد وَأما أقل الرُّكُوع فِي حق الْقَائِم فَهُوَ أَن ينحني انحناء خَالِصا لَا انخناس فِيهِ قدر بُلُوغ راحتي يَدي المعتدل خلقَة رُكْبَتَيْهِ إِذا أَرَادَ وضعهما فَلَا يحصل بانخناس لِأَنَّهُ لَا يُسمى رُكُوعًا فَلَو طَالَتْ يَدَاهُ أَو قصرتا أَو قطع شَيْء مِنْهُمَا لم يعْتَبر ذَلِك فَإِن عجز عَمَّا ذكر إِلَّا بِمعين وَلَو باعتماد على شَيْء أَو انحناء على شقَّه لزمَه

وَالْعَاجِز ينحني قدر إِمْكَانه فَإِن عجز عَن الانحناء أصلا أَوْمَأ بِرَأْسِهِ ثمَّ بطرفه

(و) السَّادِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي الرُّكُوع لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته الْمَار وأقلها أَن تَسْتَقِر أعضاؤه رَاكِعا بِحَيْثُ ينْفَصل رَفعه عَن رُكُوعه عَن هويه أَي سُقُوطه فَلَا تقوم زِيَادَة الْهَوِي مقَام الطُّمَأْنِينَة وَلَا يقْصد بالهوي غير الرُّكُوع قَصده هُوَ أم لَا كَغَيْرِهِ من بَقِيَّة الْأَركان لِأَن نِيَّة الصَّلَاة منسحبة عَلَيْهِ فَلَو هوى لتلاوة فَجعله رُكُوعًا لم يكف لِأَنَّهُ صرفه إِلَى غير الْوَاجِب بل ينْتَصب ليركع وَلَو قَرَأَ إِمَامه آيَة سَجْدَة ثمَّ ركع عَقبهَا فَظن الْمَأْمُوم أَنه يسْجد للتلاوة فهوى لذَلِك فَرَآهُ لم يسْجد فَوقف عَن السُّجُود فَالْأَقْرَب كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنه يحْسب لَهُ وَيغْتَفر ذَلِك لمتابعته

وأكمل الرُّكُوع تَسْوِيَة ظَهره وعنقه أَي يمدهما بانحناء

ص: 135

خَالص بِحَيْثُ يصيران كالصفيحة الْوَاحِدَة لِلِاتِّبَاعِ

رَوَاهُ مُسلم

فَإِن تَركه كره نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم

وَنصب سَاقيه وفخذيه وَأخذ رُكْبَتَيْهِ بكفيه لِلِاتِّبَاعِ

رَوَاهُ البُخَارِيّ

وتفريق أَصَابِعه تفريقا وسطا لجِهَة الْقبْلَة لِأَنَّهَا أشرف الْجِهَات والأقطع وَنَحْوه كقصير الْيَدَيْنِ لَا يُوصل يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بل يرسلهما إِن لم يسلما مَعًا أَو يُرْسل إِحْدَاهمَا إِن سلمت الْأُخْرَى

(و) السَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (الِاعْتِدَال) وَلَو لنافلة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيحصل بِعُود البدء بِأَن يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا

(و) الثَّامِن من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) كَمَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته بِأَن تَسْتَقِر أعضاؤه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه بِحَيْثُ ينْفَصل ارتفاعه عَن عوده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَو ركع عَن قيام فَسقط عَن رُكُوعه قبل الطُّمَأْنِينَة فِيهِ عَاد وجوبا إِلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثمَّ اعتدل أَو سقط عَنهُ بعْدهَا نَهَضَ معتدلا ثمَّ سجد وَإِن سجد ثمَّ شكّ هَل أتم اعتداله اعتدل وجوبا ثمَّ سجد وَلَا يقْصد بِهِ غَيره فَلَو رفع خوفًا من شَيْء كحية لم يكف رَفعه لذَلِك عَن رفع الصَّلَاة لِأَنَّهُ صَارف كَمَا مر

(و) التَّاسِع من أَرْكَان الصَّلَاة (السُّجُود) مرَّتَيْنِ فِي كل رَكْعَة لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا واسجدوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وَإِنَّمَا عدا ركنا وَاحِدًا لاتحادهما كَمَا عد بَعضهم الطُّمَأْنِينَة فِي محالها الْأَرْبَع ركنا وَاحِدًا لذَلِك

وَهُوَ لُغَة التطامن والميل وَقيل الخضوع والتذلل وَشرعا أَقَله مُبَاشرَة بعض جَبهته مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ من أَرض أَو غَيرهَا لخَبر إِذا سجدت فمكن جبهتك وَلَا تنقر نقرا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

وَإِنَّمَا اكْتفى بِبَعْض الْجَبْهَة لصدق اسْم السُّجُود عَلَيْهَا بذلك وَخرج بالجبهة الجبين وَالْأنف فَلَا يَكْفِي وضعهما

فَإِن سجد على مُتَّصِل بِهِ كطرف كمه الطَّوِيل أَو عمَامَته جَازَ إِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُنْفَصِل عَنهُ فَإِن تحرّك بحركته فِي قيام أَو قعُود أَو غَيره كمنديل على عَاتِقه لم يجز فَإِن كَانَ مُتَعَمدا عَالما بطلت صلَاته أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا لم تبطل وَأعَاد السُّجُود وَلَو صلى من قعُود فَلم يَتَحَرَّك بحركته وَلَو صلى من قيام لتحرك لم يضر إِذْ الْعبْرَة بالحالة الراهنة

هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلم أر من ذكره وَخرج بِمُتَّصِل بِهِ مَا هُوَ فِي حكم الْمُنْفَصِل وَإِن تحرّك بحركته كعود بِيَدِهِ فَلَا يضر السُّجُود عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء وَلَو سجد على شَيْء فِي مَوضِع سُجُوده كورقة فالتصقت بجبهته وَارْتَفَعت مَعَه وَسجد عَلَيْهَا ثَانِيًا ضرّ وَإِن نحاها ثمَّ سجد لم يضر وَلَو سجد على عِصَابَة جرح أَو نَحوه لضَرُورَة بِأَن شقّ عَلَيْهِ إِزَالَتهَا لم تلْزمهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهَا إِذا لم تلْزمهُ مَعَ الْإِيمَاء للْعُذْر فَهَذَا أولى وَكَذَا لَو سجد على شعر نبت على جَبهته لِأَن مَا نبت عَلَيْهَا مثل بَشرته ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ

وَيجب وضع جُزْء من رُكْبَتَيْهِ وَمن بَاطِن كفيه وَمن بَاطِن أَصَابِع قَدَمَيْهِ فِي السُّجُود لخَبر الشَّيْخَيْنِ أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ

وَلَا يجب كشفها بل يكره كشف الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم

فرع لَو خلق لَهُ رأسان وَأَرْبع أيد وَأَرْبع أرجل هَل يجب عَلَيْهِ وضع بعض كل من الجبهتين وَمَا بعدهمَا أم لَا الَّذِي يظْهر أَنه ينظر فِي ذَلِك إِن عرف الزَّائِد فَلَا اعْتِبَار بِهِ وَإِلَّا اكْتفى فِي الْخُرُوج عَن عُهْدَة الْوَاجِب بِوَضْع بعض إِحْدَى الجبهتين وَبَعض يدين وركبتين وأصابع رجلَيْنِ إِن كَانَت كلهَا أَصْلِيَّة فَإِن اشْتبهَ الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ وَجب وضع جُزْء من كل مِنْهُمَا

(و) الْعَاشِر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي السُّجُود لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن يُصِيب مَحل سُجُوده ثقل رَأسه للْخَبَر الْمَار إِذا سجدت فمكن جبهتك

وَمعنى الثّقل أَن يتحامل بِحَيْثُ لَو فرض تَحْتَهُ قطن أَو حشيش لانكبس وَظهر أَثَره فِي يَد لَو فرضت تَحت ذَلِك وَلَا يعْتَبر هَذَا فِي بَقِيَّة الْأَعْضَاء كَمَا يُؤْخَذ من عبارَة الرَّوْضَة وَعبارَة التَّحْقِيق وَينْدب أَن يضع كفيه

ص: 136

حَذْو مَنْكِبَيْه وينشر أصابعهما مَضْمُومَة للْقبْلَة ويعتمد عَلَيْهِمَا وَيجب أَن يهوي لغير السُّجُود كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو سقط على وَجهه من الِاعْتِدَال وَجب الْعود إِلَيْهِ ليهوي مِنْهُ لانْتِفَاء المهوي فِي السُّقُوط فَإِن سقط من الْهَوِي لم يلْزمه الْعود بل يحْسب ذَلِك سجودا إِلَّا إِن قصد بِوَضْع الْجَبْهَة الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فَقَط فَإِنَّهُ يلْزمه إِعَادَة السُّجُود لوُجُود الصَّارِف

وَلَو سقط من الْهَوِي على جنبه فَانْقَلَبَ بنية السُّجُود أَو بِلَا نِيَّة أَو بنيته وَنِيَّة الاسْتقَامَة فَقَط وَسجد أَجزَأَهُ فَإِن نوى الاسْتقَامَة لم يجزه لوُجُود الصَّارِف بل يجلس ثمَّ يسْجد وَلَا يقوم ثمَّ يسْجد فَإِن قَامَ عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَإِن نوى مَعَ ذَلِك صرفه عَن السُّجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ زَاد فعلا لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة عَامِدًا

وَيجب فِي السُّجُود أَن ترْتَفع أسافله على أعاليه لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَححهُ ابْن حبَان فَلَو صلى فِي سفينة مثلا وَلم يتَمَكَّن من ارْتِفَاع ذَلِك لميلانها صلى على حسب حَاله وَلَزِمتهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهُ عذر نَادِر

نعم إِن كَانَ بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ مَعهَا السُّجُود إِلَّا كَذَلِك صَحَّ فَإِن أمكنه السُّجُود على وسَادَة بتنكيس لزمَه لحُصُول هَيْئَة السُّجُود بذلك أَو بِلَا تنكيس لم يلْزمه السُّجُود عَلَيْهَا لفَوَات هَيْئَة السُّجُود بل يَكْفِيهِ الانحناء الْمُمكن خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير

(و) الْحَادِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ) وَلَو فِي نفل لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا فِيهِ رد على أبي حنيفَة حَيْثُ يَقُول يَكْفِي أَن يرفع رَأسه عَن الأَرْض أدنى رفع كَحَد السَّيْف

(و) الثَّانِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن لَا يقْصد بِرَفْعِهِ غَيره كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو رفع فَزعًا من شَيْء لم يكف وَيجب عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى السُّجُود وَيجب أَن لَا يطوله وَلَا الِاعْتِدَال لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ليسَا مقصودين لذاتهما بل للفصل وأكمله أَن يكبر بِلَا رفع يَد مَعَ رفع رَأسه من سُجُوده لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيجْلس مفترشا وَسَيَأْتِي بَيَانه لِلِاتِّبَاعِ وَاضِعا كفيه على فَخذيهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ تسامتهما رُؤُوس الْأَصَابِع ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود قَائِلا رب اغْفِر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وَعَافنِي لِلِاتِّبَاعِ ثمَّ يسْجد الثَّانِيَة كالأولى فِي الْأَقَل والأكمل

(و) الثَّالِث عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس الْأَخير) لِأَنَّهُ مَحل ذكر وَاجِب فَكَانَ وَاجِبا كالقيام لقِرَاءَة الْفَاتِحَة

(و) الرَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التَّشَهُّد فِيهِ) أَي الْجُلُوس الْأَخير لقَوْل ابْن مَسْعُود كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد السَّلَام على الله قبل عباده السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام على مِيكَائِيل السَّلَام على فلَان

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام وَلَكِن قُولُوا التَّحِيَّات لله

إِلَى آخِره

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالدّلَالَة فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا التَّعْبِير بِالْفَرْضِ

الثَّانِي الْأَمر بِهِ وَالْمرَاد فَرْضه فِي الْجُلُوس آخر الصَّلَاة وَأقله مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالا فِيهِ حسن صَحِيح التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَو أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَهل يجزىء وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله قَالَ الْأَذْرَعِيّ الصَّوَاب إجزاؤه لثُبُوته فِي تشهد ابْن مَسْعُود بِلَفْظ عَبده وَرَسُوله وَقد حكوا الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّشَهُّد بالروايات كلهَا وَلَا أعلم أحدا اشْترط لفظ عَبده

اه

وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وأكمله التَّحِيَّات

ص: 137

المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله

(و) الْخَامِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ) أَي التَّشَهُّد الْأَخير لقَوْله تَعَالَى {صلوا عَلَيْهِ} قَالُوا وَقد أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا لَا تجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين وُجُوبهَا فِيهَا وَالْقَائِل بِوُجُوبِهَا مرّة فِي غَيرهَا محجوج بِإِجْمَاع من قبله وَلِحَدِيث عرفنَا كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك

فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد

إِلَى آخِره مُتَّفق عَلَيْهِ

وَفِي رِوَايَة كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد

إِلَى آخِره

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

وَالْمُنَاسِب لَهَا من الصَّلَاة التَّشَهُّد آخرهَا فَتجب فِيهِ أَي بعده كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع

وَقد صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على نَفسه فِي الْوتر كَمَا رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي مُسْنده وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي وَلم يُخرجهَا شَيْء عَن الْوُجُوب وَأما عدم ذكرهَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته فَمَحْمُول على أَنَّهَا كَانَت مَعْلُومَة لَهُ وَلِهَذَا لم يذكر لَهُ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس لَهُ وَالنِّيَّة وَالسَّلَام

وَإِذا وَجَبت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجب الْقعُود لَهَا بالتبعية وَلَا يُؤْخَذ وجوب الْقعُود لَهَا من عبارَة المُصَنّف وَأَقل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَآله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله

وأكملها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد

وَفِي بعض طرق الحَدِيث زِيَادَة على ذَلِك وَنقص

وَآل إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وأولادهما وَخص إِبْرَاهِيم بِالذكر لِأَن الرَّحْمَة وَالْبركَة لم يجتمعا لنَبِيّ غَيره أَي مِمَّن قبْلَة قَالَ تَعَالَى {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}

فَائِدَة كل الْأَنْبِيَاء من بعد إِبْرَاهِيم عليه السلام من وَلَده إِسْحَاق عليه السلام وَأما إِسْمَاعِيل عليه السلام لم يكن من نَسْله نَبِي إِلَّا نَبينَا صلى الله عليه وسلم

قَالَ مُحَمَّد بن أبي بكر الرَّازِيّ وَلَعَلَّ الْحِكْمَة فِي ذَلِك انْفِرَاده بالفضيلة فَهُوَ أفضل الْجَمِيع عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

والتحيات جمع تَحِيَّة وَهِي مَا يحيى بِهِ من سَلام وَغَيره وَالْقَصْد بذلك الثَّنَاء على الله تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالك لجَمِيع التَّحِيَّات من الْخلق وَمعنى المباركات الناميات والصلوات الصَّلَوَات الْخمس والطيبات الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالسَّلَام مَعْنَاهُ اسْم السَّلَام أَي اسْم الله عَلَيْك وعلينا أَي الْحَاضِرين من إِمَام ومأموم وملائكة وَغَيرهم

والعباد جمع عبد وَالصَّالِحِينَ جمع صَالح وَهُوَ الْقَائِم بِمَا عَلَيْهِ فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق عباده وَالرَّسُول هُوَ الَّذِي يبلغ خبر من أرْسلهُ وَحميد بِمَعْنى مَحْمُود ومجيد بِمَعْنى ماجد وَهُوَ من كمل شرفا وكرما

(و) السَّادِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التسليمة الأولى) لخَبر مُسلم تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم

قَالَ الْقفال الْكَبِير وَالْمعْنَى فِي السَّلَام أَن الْمُصَلِّي كَانَ مَشْغُولًا عَن النَّاس وَقد أقبل عَلَيْهِم قَالَه الْقفال وَأقله السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يجزىء عَلَيْهِم وَلَا تبطل بِهِ صلَاته لِأَنَّهُ دُعَاء لغَائِب وَلَا عَلَيْك وَلَا عَلَيْكُمَا وَلَا سلامي عَلَيْكُم وَلَا سَلام عَلَيْكُم فَإِن تعمد ذَلِك مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته

ويجزىء عَلَيْكُم السَّلَام مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن النَّص وأكمله السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله لِأَنَّهُ الْمَأْثُور

وَلَا تسن زِيَادَة وَبَرَكَاته كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَصَوَّبَهُ

(و) السَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة) وَيجب قرنها بالتسليمة الأولى (فِي قَول) فَإِن قدمهَا عَلَيْهَا أَو

ص: 138

أَخّرهَا عَنْهَا عَامِدًا بطلت صلَاته وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تجب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات وَلِأَن النِّيَّة السَّابِقَة منسحبة على جَمِيع الصَّلَاة وَلَكِن تسن خُرُوجًا من الْخلاف

(و) الثَّامِن عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (ترتيبها) أَي الْأَركان (كَمَا ذَكرْنَاهُ) فِي عَددهَا الْمُشْتَمل على قرن النِّيَّة بِالتَّكْبِيرِ وجعلهما مَعَ الْقِرَاءَة فِي الْقيام وَجعل التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْقعُود

فالترتيب عِنْد من أطلقهُ مُرَاد فِيمَا عدا ذَلِك وَمِنْه الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا بعد التَّشَهُّد كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع كَمَا مر فَهِيَ مرتبَة وَغير مرتبَة باعتبارين

وَدَلِيل وجوب التَّرْتِيب الِاتِّبَاع كَمَا فِي الْأَخْبَار الصَّحِيحَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وعده من الْأَركان بِمَعْنى الْفُرُوض صَحِيح وَبِمَعْنى الْإِجْزَاء فِيهِ تَغْلِيب

وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف لعد الْوَلَاء من الْأَركان وصوره الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام بِعَدَمِ تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَابْن الصّلاح بِعَدَمِ طول الْفَصْل بعد سَلَامه نَاسِيا وَلم يعده الْأَكْثَرُونَ ركنا لكَونه كالجزء من الرُّكْن الْقصير أَو لكَونه أشبه بالتروك

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه الْوَلَاء وَالتَّرْتِيب شَرْطَانِ وَهُوَ أظهر من عدهما ركنين

اه

وَالْمَشْهُور عد التَّرْتِيب ركنا وَالْوَلَاء شرطا وَأما السّنَن فترتيب بَعْضهَا على بعض كالاستفتاح والتعوذ وترتيبها على الْفَرَائِض كالفاتحة وَالسورَة شَرط فِي الِاعْتِدَاد بهَا سنة لَا فِي صِحَة الصَّلَاة

فَإِن ترك تَرْتِيب الْأَركان عمدا بِتَقْدِيم ركن فعلي أَو سَلام كَأَن ركع قبل قِرَاءَته أَو سجد أَو سلم قبل رُكُوعه بطلت صلَاته أَو سَهَا فَمَا فعله بعد متروكه لَغْو لوُقُوعه فِي غير مَحَله فَإِن تذكر متروكه قبل فعل مثله فعله وَإِلَّا أَجزَأَهُ عَن متروكه وتدارك الْبَاقِي

نعم إِن لم يكن الْمثل من الصَّلَاة كسجود تِلَاوَة لم يجزه فَلَو علم فِي آخر صلَاته ترك سَجْدَة من رَكْعَة أخيرة سجد ثمَّ تشهد أَو من غَيرهَا أَو شكّ لزمَه رَكْعَة فيهمَا أَو علم فِي قيام ثَانِيَة مثلا ترك سَجْدَة من الأولى فَإِن كَانَ جلس بعد سجدته الَّتِي فعلهَا سجد من قِيَامه وَإِلَّا فليجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد أَو علم فِي آخر ربَاعِية ترك سَجْدَتَيْنِ أَو ثَلَاث جهل مَحل الْخمس فيهمَا وَجب رَكْعَتَانِ أَو أَربع جهل محلهَا وَجب سَجْدَة ثمَّ رَكْعَتَانِ أَو خمس أَو سِتّ جهل محلهَا فَثَلَاث أَو سبع جهل محلهَا فسجدة ثمَّ ثَلَاث وَفِي ثَمَانِي سَجدَات سَجْدَتَانِ وَثَلَاث رَكْعَات وَيتَصَوَّر ذَلِك بترك طمأنينة أَو سُجُود على عِمَامَة وكالعلم بترك مَا ذكر الشَّك فِيهِ

القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة قبل الدُّخُول فِيهَا وَلما فرغ من الْأَركان شرع فِي ذكر السّنَن فَقَالَ (وسننها) أَي الْمَكْتُوبَة (قبل الدُّخُول فِيهَا) أَي قبل التَّلَبُّس بهَا (شَيْئَانِ) الأول (الْأَذَان) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَة الْإِعْلَام قَالَ تَعَالَى {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} أَي أعلمهم بِهِ

وَشرعا قَول مَخْصُوص يعلم بِهِ وَقت الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة

وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم

ص: 139

(و) الثَّانِي (الْإِقَامَة) فِي الأَصْل مصدر أَقَامَ وَسمي الذّكر الْمَخْصُوص بِهِ لِأَنَّهُ يُقيم إِلَى الصَّلَاة

وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان بِالْإِجْمَاع فهما سنة للمكتوبة دون غَيرهَا من الصَّلَوَات كالسنن وَصَلَاة الْجِنَازَة والمنذورة لعدم ثبوتهما فِيهِ بل يكرهان فِيهِ كَمَا صرح بِهِ صَاحب الْأَنْوَار ويشرع الْأَذَان فِي أذن الْمَوْلُود الْيُمْنَى وَالْإِقَامَة فِي الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْعَقِيقَة

ويشرع الْأَذَان أَيْضا إِذا تغولت الغيلان أَي تمردت الجان لخَبر صَحِيح ورد فِيهِ وَينْدب الْأَذَان للمنفرد وَأَن يرفع صَوته بِهِ إِلَّا بِموضع وَقعت فِيهِ جمَاعَة

قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَانْصَرفُوا وَيُؤذن للأولى فَقَط من صلوَات والاها ومعظم الْأَذَان مثنى ومعظم الْإِقَامَة فُرَادَى

وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر الصَّحِيحَيْنِ أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَالْمرَاد مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ

وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة كلمة وَالْأَذَان كَلِمَاته تسع عشرَة كلمة بالترجيع وَيسن الْإِسْرَاع بِالْإِقَامَةِ مَعَ بَيَان حروفها فَيجمع بَين كل كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْت والكلمة الْأَخِيرَة بِصَوْت والترتيل فِي الْأَذَان فَيجمع بَين كل تكبيرتين بِصَوْت ويفرد بَاقِي كَلِمَاته لِلْأَمْرِ بذلك كَمَا أخرجه الْحَاكِم

وَيسن الترجيع فِي الْأَذَان وَهُوَ أَن يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ سرا قبل أَن يَأْتِي بهما جَهرا والتثويب فِي أَذَان الصُّبْح وَهُوَ قَوْله بعد الحيعلتين الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ وَيسن الْقيام فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة على عَال إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ والتوجه للْقبْلَة وَأَن يلْتَفت بعنقه فيهمَا يَمِينا مرّة فِي حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ فِي الْأَذَان وَمرَّة فِي الْإِقَامَة وَشمَالًا فِي حَيّ على الْفَلاح كَذَلِك من غير تَحْويل صَدره عَن الْقبْلَة وقدميه عَن مكانهما وَأَن يكون كل من الْمُؤَذّن والمقيم عدلا فِي الشَّهَادَة عالي الصَّوْت حسنه وَكرها من فَاسق وَصبي مُمَيّز وأعمى وَحده وجنب ومحدث وَالْكَرَاهَة لجنب أَشد وَهِي فِي الْإِقَامَة أغْلظ

القَوْل فِي شُرُوط الْأَذَان والإمامة وَيشْتَرط فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة التَّرْتِيب وَالْوَلَاء بَين

ص: 140

كلماتهما ولجماعة جهر وَدخُول وَقت الْأَذَان صبح فَمن نصف اللَّيْل

وَيشْتَرط فِي الْمُؤَذّن والمقيم الْإِسْلَام والتمييز ولغير النِّسَاء الذُّكُورَة وَيسن مؤذنان لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوه وَمن فوائدهما أَن يُؤذن وَاحِد للصبح قبل الْفجْر وَآخر بعده وَيسن لسامع الْمُؤَذّن والمقيم أَن يَقُول مثل قَوْلهمَا إِلَّا فِي حيعلات وتثويب وكلمتي الْإِقَامَة فيحوقل فِي كل كلمة فِي الأولى وَيَقُول فِي الثَّانِيَة صدقت وبررت وَفِي الثَّالِثَة أَقَامَهَا الله وأدامها وَجَعَلَنِي من صالحي أَهلهَا

وَيسن لكل من مُؤذن ومقيم وسامع ومستمع أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته

تَنْبِيه الْأَذَان وَحده أفضل من الْإِمَامَة وَقيل إِن الْأَذَان مَعَ الْإِقَامَة أفضل من الْإِمَامَة وَصحح النَّوَوِيّ هَذَا فِي نكته

القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة بعد الدُّخُول فِيهَا وَتسَمى الأبعاض (و) سننها أَي الصَّلَاة مُطلقًا (بعد الدُّخُول فِيهَا) أبعاض وهيئات فأبعاضها ثَمَانِيَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (شَيْئَانِ) الأول (التَّشَهُّد الأول) كُله أَو بعضه

(و) الثَّانِي الْقُنُوت (فِي) ثَانِيَة (الصُّبْح) كُله أَو بعضه وَمحل الِاقْتِصَار على الصُّبْح من بَقِيَّة الصَّلَوَات الْخمس فِي حَال الْأَمْن فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة لَا نزلت اسْتحبَّ فِي سَائِر الصَّلَوَات وَلَكِن لَيْسَ هَذَا من الأبعاض وَهُوَ اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت وَلَا يعز من عاديت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت لِلِاتِّبَاعِ

(و) كَذَا (فِي) اعْتِدَال رَكْعَة (الْوتر فِي) جَمِيع (النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان) سَوَاء أصلى التَّرَاوِيح أم لَا وَهُوَ كقنوت الصُّبْح

ص: 141

فِي أَلْفَاظه وجبره بِالسُّجُود وَيسن للمنفرد ولإمام قوم مَحْصُورين رَضوا بالتطويل أَن يَقُول بعده قنوت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك

ونتوب إِلَيْك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله نشكرك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك واللهم إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك وَإِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق (اللَّهُمَّ عذب الْكَفَرَة أهل الْكتاب الَّذِي يصدون عَن سَبِيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك واللهم اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات وَأصْلح ذَات بَينهم ومواصلاتهم ألف بَين قُلُوبهم واجمع فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة وثبتهم على مِلَّة رَسُولك وأوزعهم أَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ وانصرهم على عَدوك وعدوهم إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم)

وَهُوَ مَشْهُور وَقد ذكرته فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره

وَالْبَعْض الثَّالِث الْقعُود للتَّشَهُّد الأول وَالْمرَاد بالتشهد الأول اللَّفْظ الْوَاجِب فِي التَّشَهُّد الْأَخير دون مَا هُوَ فِيهِ سنة

وَالرَّابِع الْقيام للقنوت الرَّاتِب

وَالْخَامِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد التَّشَهُّد الأول

وَالسَّادِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد الْقُنُوت

وَالسَّابِع الصَّلَاة على الْآل بعد الْقُنُوت

وَالثَّامِن الصَّلَاة على الْآل بعد التَّشَهُّد الْأَخير

وَظَاهر أَن الْقعُود للصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد التَّشَهُّد الأول وللصلاة على الْآل بعد الْأَخير كالقعود للْأولِ وَأَن الْقيام لَهما بعد الْقُنُوت كالقيام لَهُ فتزيد الأبعاض بذلك

وَسميت هَذِه السّنَن أبعاضا لقربها بالجبر بِالسُّجُود من الأبعاض الْحَقِيقَة أَي الْأَركان وَخرج بهَا بَقِيَّة السّنَن كأذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود فَلَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود

وَلَا تسن الصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الأول خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين

القَوْل فِي هيئات الصَّلَاة وَهِي السّنَن غير الأبعاض (وهيئاتها) جمع هَيْئَة وَالْمرَاد بهَا هُنَا مَا عدا الأبعاض من السّنَن الَّتِي لَا تجبر بِالسُّجُود وَهِي كَثِيرَة وَالْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة عشر خصْلَة) الأولى (رفع الْيَدَيْنِ) أَي رفع كفيه للْقبْلَة مكشوفتين منشورتي الْأَصَابِع مفرقة وسطا (عِنْد) ابْتِدَاء (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) مُقَابل مَنْكِبَيْه بِأَن تحاذي أَطْرَاف أصابعهما أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه (وَعند) الْهَوِي إِلَى (الرُّكُوع و) عِنْد (الرّفْع مِنْهُ) وَعند الْقيام إِلَى الثَّالِثَة من التَّشَهُّد الأول كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع وَفِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَجزم بِهِ فِي شرح مُسلم أَيْضا

(و) الثَّانِيَة (وضع) بطن كف (الْيَمين على) ظهر (الشمَال) بِأَن يقبض فِي قيام أَو بدله بِيَمِين كوع يسَاره وَبَعض ساعدها ورسغها تَحت صَدره فَوق سرته لِلِاتِّبَاعِ وَقيل يتَخَيَّر بَين بسط أَصَابِع الْيَمين فِي عرض الْمفصل وَبَين نشرها صوب الساعد

وَالْقَصْد من الْقَبْض الْمَذْكُور تسكين الْيَدَيْنِ فَإِن أرسلهما وَلم يعبث فَلَا بَأْس

والكوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الْيَد والبوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الرجل

يُقَال الغبي هُوَ الَّذِي لَا يعرف كوعه من بوعه

والرسغ هُوَ الْمفصل بَين الْكَفّ والساعد

(و) الثَّالِثَة دُعَاء (التَّوَجُّه) نَحْو {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين} {إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين} لِلِاتِّبَاعِ

فَائِدَة معنى {وجهت وَجْهي}

ص: 142

أَي أَقبلت بوجهي وَقيل قصدت بعبادتي

وَمعنى {فطر} ابْتَدَأَ الْخلق على غير مِثَال والحنيف المائل إِلَى الْحق وَعند الْعَرَب من كَانَ على مِلَّة إِبْرَاهِيم والمحيا وَالْمَمَات الْحَيَاة وَالْمَوْت والنسك الْعِبَادَة

(و) الرَّابِعَة (الِاسْتِعَاذَة) للْقِرَاءَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} أَي إِذا أردْت قِرَاءَته فَقل أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم يَقُول ذَلِك فِي كل رَكْعَة لِأَنَّهُ يبتدىء فِيهَا قِرَاءَة وَفِي الأولى آكِد للاتفاق عَلَيْهَا

فَائِدَة الشَّيْطَان اسْم لكل متمرد مَأْخُوذ من شطن إِذا بعد وَقيل من شاط إِذا احْتَرَقَ

والرجيم المطرود وَقيل المرجوم

وَيسن الْإِسْرَار بِدُعَاء الِافْتِتَاح والتعوذ فِي السّريَّة والجهرية كَسَائِر الْأَذْكَار المسنونة

(و) الْخَامِسَة (الْجَهْر) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعه) فَيسنّ لغير الْمَأْمُوم أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْح وأولتي العشاءين وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وخسوف الْقَمَر وَالِاسْتِسْقَاء

والتراويح ووتر رَمَضَان وركعتي الطّواف لَيْلًا أَو وَقت الصُّبْح (والإسرار) بهَا (فِي مَوْضِعه) فيسر فِي غير مَا ذكر إِلَّا فِي نَافِلَة اللَّيْل الْمُطلقَة فيتوسط فِيهَا بَين الْإِسْرَار والجهر إِن لم يشوش على نَائِم أَو مصل أَو نَحوه

وَمحل الْجَهْر والتوسط فِي الْمَرْأَة حَيْثُ لَا يسمع أَجْنَبِي

وَوَقع فِي الْمَجْمُوع مَا يُخَالِفهُ فِي الْخُنْثَى وأجبت عَنهُ فِي شرح الْمِنْهَاج

وَالْعبْرَة فِي الْجَهْر والإسرار فِي الْفَرِيضَة المقضية بِوَقْت الْقَضَاء لَا بِوَقْت الْأَدَاء

قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن يلْحق بهَا الْعِيد وَالْأَشْبَه خِلَافه كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْمَجْمُوع فِي بَاب صفة صَلَاة الْعِيدَيْنِ قبيل بَاب التَّكْبِير عملا بِأَصْل أَن الْقَضَاء يَحْكِي الْأَدَاء وَلِأَن الشَّرْع ورد بالجهر بِصَلَاتِهِ فِي مَحل الْإِسْرَار فيستصحب

(و) السَّادِسَة (التَّأْمِين) عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها لِلِاتِّبَاعِ بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر فآمين اسْم فعل بِمَعْنى استجب مَبْنِيّ على الْفَتْح وتخفف الْمِيم فِيهِ وَلَو شدده لم تبطل الصلاته لقصده الدُّعَاء

وَيسن فِي جهرية جهر بهَا وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه

فَائِدَة فِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ حِكَايَة أَقْوَال كَثِيرَة فِي آمين من أحْسنهَا قَول وهب بن مُنَبّه آمين أَرْبَعَة أحرف يخلق الله تَعَالَى من كل حرف ملكا يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لمن يَقُول آمين

وَخرج ب فِي جهرية السّريَّة فَلَا جهر بالتأمين فِيهَا وَلَا معية بل يُؤمن الإِمَام وَغَيره سرا مُطلقًا

(و) السَّابِعَة (قِرَاءَة السُّورَة) وَلَو قَصِيرَة (بعد) قِرَاءَة (الْفَاتِحَة) فِي رَكْعَتَيْنِ أوليين لغير الْمَأْمُوم من إِمَام ومنفرد جهرية كَانَت

ص: 143

الصَّلَاة أَو سَرِيَّة لِلِاتِّبَاعِ

أما الْمَأْمُوم فَلَا تسن لَهُ السُّورَة إِن سمع للنَّهْي عَن قِرَاءَته لَهَا بل يستمع قِرَاءَة إِمَامه فَإِن لم يسْمعهَا لصمم أَو بعد أَو سَماع صَوت لم يفهمهُ أَو إسرار إِمَامه وَلَو فِي جهرية قَرَأَ سُورَة إِذْ لَا معنى لسكوته فَإِن سبق الْمَأْمُوم بأوليين من صَلَاة إِمَامه بِأَن لم يدركهما مَعَه قَرَأَهَا فِي بَاقِي صلَاته إِذا تَدَارُكه إِن لم يكن قَرَأَهَا فِيمَا أدْركهُ وَإِلَّا سَقَطت عَنهُ لكَونه مَسْبُوقا لِئَلَّا تَخْلُو صلَاته عَن السُّورَة بِلَا عذر

وَيسن أَن يطول من تسن لَهُ السُّورَة قِرَاءَة أولى على ثَانِيَة لِلِاتِّبَاعِ

نعم إِن ورد نَص بتطويل الثَّانِيَة اتبع كَمَا فِي مَسْأَلَة الزحام أَنه يسن للْإِمَام تَطْوِيل الثَّانِيَة ليلحقه منتظر السُّجُود وَيسن لمنفرد وَإِمَام مَحْصُورين فِي صبح طوال الْمفصل وَفِي ظهر قريب مِنْهَا وَفِي عصر وعشاء أوساطه وَفِي مغرب قصاره وَفِي صبح جُمُعَة فِي أولى {الم تَنْزِيل} وَفِي الثَّانِيَة {هَل أَتَى} لِلِاتِّبَاعِ

(و) الثَّامِنَة (التَّكْبِيرَات عِنْد) ابْتِدَاء (الْخَفْض) لركوع وَسُجُود (و) عِنْد ابْتِدَاء (الرّفْع) من السُّجُود ويمده إِلَى انْتِهَاء الْجُلُوس وَالْقِيَام

(و) التَّاسِعَة (قَول سمع الله لمن حَمده) أَي تقبل الله مِنْهُ حَمده وَلَو قَالَ من حمد الله سمع لَهُ كفى (و) قَول (رَبنَا لَك الْحَمد) أَو (اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد) وبواو فيهمَا قبل (لَك) ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد أَي بعدهمَا كالكرسي {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَأَن يزِيد مُنْفَرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل

أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد أَي الْغَنِيّ مِنْك أَي عنْدك الْجد لِلِاتِّبَاعِ

ويجهر الإِمَام بسمع الله لمن حَمده وَيسر بربنا لَك الْحَمد وَيسر غَيره بهما

نعم الْمبلغ يجْهر بِمَا يجْهر بِهِ الإِمَام وَيسر بِمَا يسر بِهِ كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ ناقل وَتَبعهُ عَلَيْهِ جمع من شارحي الْمِنْهَاج وَبَالغ بَعضهم فِي التشنيع على تَارِك الْعَمَل بِهِ بل استحسنه فِي الْمُهِمَّات وَقَالَ يَنْبَغِي مَعْرفَتهَا لِأَن غَالب عمل النَّاس على خِلَافه اه

وَترك هَذَا من جهل الْأَئِمَّة والمؤذنين

(و) الْعَاشِرَة (التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لِلِاتِّبَاعِ

وَتكره الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَغَيره من بَقِيَّة الْأَركان غير الْقيام كَمَا فِي الْمَجْمُوع

(و) الْحَادِيَة عشرَة التَّسْبِيح فِي (السُّجُود) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ

وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك امنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ

وَيسن الدُّعَاء فِي السُّجُود لخَبر مُسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء أَي فِي سُجُودكُمْ

وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص الْعَظِيم بِالرُّكُوعِ والأعلى بِالسُّجُود كَمَا فِي الْمُهِمَّات أَن الْأَعْلَى أفعل تَفْضِيل وَالسُّجُود فِي غَايَة التَّوَاضُع

ص: 144

لما فِيهِ من وضع الْجَبْهَة الَّتِي هِيَ أشرف الْأَعْضَاء على مواطىء الْأَقْدَام وَلِهَذَا كَانَ أفضل من الرُّكُوع فَجعل الأبلغ مَعَ الأبلغ انْتهى

(و) الثَّانِيَة عشرَة (وضع) رُؤُوس أَصَابِع (الْيَدَيْنِ على) طرف (الفخذين) فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود وَفِي التَّشَهُّد الأول وَفِي الْأَخير (يبسط) يَده (الْيُسْرَى) مَعَ ضم أصابعها فِي تشهده إِلَى جِهَة الْقبْلَة بِأَن لَا يفرج بَينهَا لتتوجه كلهَا إِلَى الْقبْلَة (وَيقبض) أَصَابِع يَده (الْيُمْنَى) كلهَا (إِلَّا المسبحة) وَهِي بِكَسْر الْبَاء الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يرسلها و (يُشِير بهَا) أَي يرفعها مَعَ إمالتها قَلِيلا حَال كَونه (متشهدا) عِنْد قَوْله إِلَّا الله لِلِاتِّبَاعِ

ويديم رَفعهَا ويقصد من ابْتِدَائه بِهَمْزَة إِلَّا الله أَن المعبود وَاحِد فَيجمع فِي توحيده بَين اعْتِقَاده وَقَوله وَفعله

وَلَا يحركها لِلِاتِّبَاعِ فَلَو حركها كره وَلم تبطل صلَاته وَالْأَفْضَل قبض الْإِبْهَام بجنبها بِأَن يَضَعهَا تحتهَا على طرف رَاحَته لِلِاتِّبَاعِ فَلَو أرسلها مَعهَا أَو قبضهَا فَوق الْوُسْطَى أَو حلق بَينهمَا أَو وضع أُنْمُلَة الْوُسْطَى بَين عقدتي الْإِبْهَام أَتَى بِالسنةِ لَكِن مَا ذكر أفضل

(و) الثَّالِثَة عشرَة (الافتراش) بِأَن يجلس على كَعْب يسراه بِحَيْثُ يَلِي ظهرهَا الأَرْض وَينصب يمناه وَيَضَع أَطْرَاف أَصَابِعه مِنْهَا للْقبْلَة يفعل ذَلِك (فِي جَمِيع الجلسات) الْخمس وَهِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وجلوس الْمَسْبُوق وجلوس الساهي وجلوس الْمُصَلِّي قَاعِدا للْقِرَاءَة

(و) الرَّابِعَة عشرَة (التورك) وَهُوَ كالافتراش لَكِن يخرج يسراه من جِهَة يَمِينه ويلصق وركه للْأَرْض لِلِاتِّبَاعِ (فِي الجلسة الْأَخِيرَة) فَقَط وحكمته التَّمْيِيز بَين جُلُوس التشهدين ليعلم الْمَسْبُوق حَالَة الإِمَام

(و) الْخَامِسَة عشرَة (التسليمة الثَّانِيَة) على الْمَشْهُور فِي الرَّوْضَة إِلَّا أَن يعرض لَهُ عقب الأولى مَا يُنَافِي صلَاته فَيجب الِاقْتِصَار على الأولى وَذَلِكَ كَأَن خرج وَقت الْجُمُعَة بعد الأولى أَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح أَو شكّ فِيهَا أَو تخرق الْخُف أَو نوى الْقَاصِر الْإِقَامَة أَو انكشفت عَوْرَته أَو سقط عَلَيْهِ نجس لَا يُعْفَى عَنهُ أَو تبين لَهُ خَطؤُهُ فِي الِاجْتِهَاد أَو عتقت أمة مكشوفة الرَّأْس وَنَحْوه أَو وجد العاري ستْرَة

وَيسن إِذا أَتَى بالتسليمتين أَن يفصل بَينهمَا كَمَا صرح بِهِ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء وَأَن تكون الأولى يَمِينا وَالْأُخْرَى شمالا

ملتفتا فِي التسليمة الأولى حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْمن فَقَط وَفِي التسليمة الثَّانِيَة حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْسَر كَذَلِك فيبتدىء بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ يلْتَفت وَيتم سَلَامه بِتمَام التفاته نَاوِيا السَّلَام على من الْتفت هُوَ إِلَيْهِ من مَلَائِكَة ومؤمني إنس وجن فينويه بِمرَّة الْيَمين على من عَن يَمِينه وبمرة الْيَسَار على من عَن يسَاره وينويه على من خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأولَى أولى وَيَنْوِي مَأْمُوم الرَّد على من سلم عَلَيْهِ من إِمَام ومأموم فينويه من على يَمِين الْمُسلم بالتسليمة الثَّانِيَة وَمن على يسَاره بالتسليمة الأولى وَمن خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيسن للْمَأْمُوم كَمَا فِي التَّحْقِيق أَن لَا يسلم إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من تسليمتيه

ص: 145