الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَذْرَعِيّ وَيَنْبَغِي أَن يحرم عِنْد قُبُور الْأَنْبِيَاء وتشتد الْكَرَاهَة عِنْد قُبُور الْأَوْلِيَاء وَالشُّهَدَاء قَالَ وَالظَّاهِر تَحْرِيمه بَين الْقُبُور المتكرر نبشها لاختلاط ترابها بأجزاء الْمَيِّت انْتهى
وَهُوَ حسن وَيحرم على الْقَبْر وَكَذَا فِي إِنَاء فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح وَيسن أَن يستبرىء من الْبَوْل عِنْد انْقِطَاعه بِنَحْوِ تنحنح ونثر ذكر
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالْمُخْتَار أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس وَالْقَصْد أَن يظنّ أَنه لم يبْق بمجرى الْبَوْل شَيْء يخَاف خُرُوجه فَمنهمْ من يحصل هَذَا بِأَدْنَى عصر وَمِنْهُم من يحْتَاج إِلَى تكرره وَمِنْهُم من يحْتَاج إِلَى تنحنح وَمِنْهُم من لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء من هَذَا وَيَنْبَغِي لكل أحد أَن لَا يَنْتَهِي إِلَى حد الوسوسة وَإِنَّمَا لم يجب الِاسْتِبْرَاء كَمَا قَالَ بِهِ القَاضِي وَالْبَغوِيّ وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم لقَوْله صلى الله عليه وسلم تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ لِأَن الظَّاهِر من انْقِطَاع الْبَوْل عدم عوده وَيحمل الحَدِيث على مَا إِذا تحقق أَو غلب على ظَنّه بِمُقْتَضى عَادَته أَنه لَو لم يستبرىء خرج مِنْهُ وَيكرهُ حَشْو مخرج الْبَوْل من الذّكر بِنَحْوِ الْقطن
وإطالة الْمكْث فِي مَحل قَضَاء الْحَاجة لما رُوِيَ عَن لُقْمَان أَنه يُورث وجعا للكبد
وَينْدب أَن يَقُول عِنْد وُصُوله إِلَى مَكَان قَضَاء الْحَاجة باسم الله أَي أتحصن من الشَّيْطَان اللَّهُمَّ أَي يَا الله إِنِّي أعوذ بك أَي أَعْتَصِم بك من الْخبث بِضَم الْخَاء وَالْبَاء جمع خَبِيث والخبائث جمع خبيثة وَالْمرَاد ذُكُور الشَّيَاطِين وإناثهم
وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
والاستعاذة مِنْهُم فِي الْبناء الْمعد لقَضَاء الْحَاجة لِأَنَّهُ مأواهم وَفِي غَيره لِأَنَّهُ سيصير مأوى لَهُم بِخُرُوج الْخَارِج
وَيَقُول ندبا عقب انْصِرَافه غفرانك الْحَمد الله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني من الْبلَاء لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة أَن نوحًا عليه السلام كَانَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأبقى فِي منفعَته وأذهب عني أَذَاهُ
فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء
وَتسَمى الْأَحْدَاث (وَالَّذِي ينْقض الْوضُوء) أَي يَنْتَهِي بِهِ (خَمْسَة أَشْيَاء) فَقَط
وَلَا يُخَالف من جعلهَا أَرْبَعَة كالمنهاج
لِأَن مَفْهُوم قَول الْمِنْهَاج إِلَّا نوم مُمكن مَقْعَده هُوَ مَنْطُوق الثَّانِي هُنَا فتوافقا فَتَأَمّله
وَعلة النَّقْض بهَا غير معقولة الْمَعْنى فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا غَيرهَا
فَلَا نقض بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ
وَلَا بِمَسّ الْأَمْرَد الْحسن وَلَا بِمَسّ فرج الْبَهِيمَة وَلَا بِأَكْل لحم الْجَزُور على الْمَذْهَب فِي الْأَرْبَعَة وَإِن صحّح النَّوَوِيّ الْأَخير مِنْهَا
من جِهَة الدَّلِيل
ثمَّ أجَاب من جِهَة الْمَذْهَب فَقَالَ أقرب مَا يستروح إِلَيْهِ فِي ذَلِك قَول الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وجماهير الصَّحَابَة
وَمِمَّا يضعف النَّقْض بِهِ أَن الْقَائِل بِهِ لَا يعديه إِلَى شحمه وسنامه مَعَ أَنه لَا فرق وَلَا بالقهقهة فِي الصَّلَاة وَإِلَّا لما اخْتصَّ النَّقْض بهَا كَسَائِر النواقض وَمَا رُوِيَ من أَنَّهَا تنقض فضعيف
وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَة من غير الْفرج كالفصد والحجامة لما روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حرسا الْمُسلمين فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع فَقَامَ أَحدهمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رجل من الْكفَّار بِسَهْم فَنَزَعَهُ وَصلى وَدَمه يجْرِي
وَعلم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهِ وَلم يُنكره وَأما صلَاته مَعَ الدَّم فلقلة مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بشفاء دَائِم الْحَدث لِأَن حَدثهُ لم يرْتَفع
فَكيف يَصح عد الشِّفَاء سَببا للْحَدَث مَعَ أَنه لم يزل وَلَا بِنَزْع الْخُف لِأَن نَزعه يُوجب غسل الرجلَيْن فَقَط على الْأَصَح
أَحدهمَا (مَا) أَي شَيْء (خرج) من أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي من قبل المتوضىء الْحَيّ الْوَاضِح وَلَو من مخرج الْوَلَد أَو أحد ذكرين يَبُول بهما أَو أحد فرجين تبول بِأَحَدِهِمَا وتحيض بِالْآخرِ فَإِن
بَال بِأَحَدِهِمَا أَو حَاضَت بِهِ فقد اخْتصَّ الحكم بِهِ أما الْمُشكل فَإِن خرج الْخَارِج من فرجيه جَمِيعًا فَهُوَ مُحدث وَإِن خرج من أَحدهمَا فَلَا نقض أَو من دبر المتوضىء الْحَيّ سَوَاء أَكَانَ الْخَارِج عينا أم ريحًا طَاهِرا أم نجسا جافا أم رطبا مُعْتَادا كبول أَو نَادرا كَدم
انْفَصل أم لَا قَلِيلا أم كثيرا طَوْعًا أم كرها
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} الْآيَة
وَالْغَائِط الْمَكَان المطمئن من الأَرْض تقضى فِيهِ الْحَاجة سمي بِهِ الْخَارِج للمجاورة وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَذْي يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ وَفِيهِمَا اشْتَكَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة قَالَ لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا وَالْمرَاد الْعلم بِخُرُوجِهِ لَا سَمعه وَلَا شمه وَلَيْسَ المُرَاد حصر الناقض فِي الصَّوْت وَالرِّيح بل نفي وجوب الْوضُوء بِالشَّكِّ فِي خُرُوج الرّيح وَيُقَاس بِمَا فِي الْآيَة وَالْأَخْبَار كل خَارج مِمَّا ذكر وَإِن لم تَدْفَعهُ الطبيعة كعود خرج من الْفرج بعد أَن دخل فِيهِ
تَنْبِيه التَّعْبِير بالسبيلين جرى على الْغَالِب إِذْ للْمَرْأَة ثَلَاثَة مخارج اثْنَان من قبلهَا وَوَاحِد من دبرهَا وَلِأَنَّهُ لَو خلق للرجل ذكران فَإِنَّهُ ينْتَقض بالخارج من كل مِنْهُمَا كَمَا مر وَكَذَا لَو خلق للْمَرْأَة فرجان كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع
وَيسْتَثْنى من ذَلِك خُرُوج مني الشَّخْص نَفسه الْخَارِج مِنْهُ أَولا
كَأَن أمنى بِمُجَرَّد نظر أَو احْتِلَام مُمكنا مَقْعَده فَلَا ينْتَقض وضوءه بذلك لِأَنَّهُ أوجب أعظم الْأَمريْنِ وَهُوَ الْغسْل بِخُصُوصِهِ فَلَا يُوجب أدونهما وَهُوَ الْوضُوء بِعُمُومِهِ
كزنا الْمُحصن لما أوجب أعظم الحدين لكَونه زنا الْمُحصن فَلَا يُوجب أدونهما لكَونه زنا وَإِنَّمَا أوجبه الْحيض وَالنّفاس مَعَ إيجابهما الْغسْل لِأَنَّهُمَا يمنعان صِحَة الْوضُوء فَلَا يجامعانه بِخِلَاف خُرُوج الْمَنِيّ يَصح مَعَه الْوضُوء فِي صُورَة سَلس الْمَنِيّ فيجامعه
أما مني غَيره أَو منيه إِذا عَاد فينقض خُرُوجه لفقد الْعلَّة نعم لَو ولدت ولدا جافا انْتقض وضوءها لِأَن الْوَلَد مُنْعَقد من منيها ومني غَيرهَا وَأما خُرُوج بعض الْوَلَد فَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا تخير بَين الْوضُوء وَالْغسْل
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من منيها فَقَط أَو من منيه فَقَط
(القَوْل فِي حكم الْخَارِج من الثقب) وَلَو انسد مخرجه الْأَصْلِيّ من قبل أَو دبر بِأَن لم يخرج مِنْهُ شَيْء وَإِن لم يلتحم وَانْفَتح مخرج بدله تَحت معدته وَهِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين على الْأَفْصَح مُسْتَقر الطَّعَام
وَهِي من السُّرَّة إِلَى الصَّدْر
كَمَا قَالَه الْأَطِبَّاء وَالْفُقَهَاء واللغويون هَذَا حَقِيقَتهَا
وَالْمرَاد بهَا هُنَا السُّرَّة فَخرج مِنْهُ الْمُعْتَاد خُرُوجه كبول أَو النَّادِر كدود وَدم نقض لقِيَامه مقَام الْأَصْلِيّ
فَكَمَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ الْمُعْتَاد والنادر فَكَذَلِك هَذَا أَيْضا وَإِن انْفَتح فِي السُّرَّة أَو فَوْقهَا أَو محاذيها والأصلي منسد أَو تحتهَا والأصلي منفتح فَلَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ
أما فِي الأولى فَلِأَن مَا يخرج من الْمعدة أَو فَوْقهَا لَا يكون مِمَّا أحالته الطبيعة
لِأَن مَا تحيله تلقيه إِلَى أَسْفَل فَهُوَ بالقيء أشبه
وَأما فِي الثَّانِيَة فَلَا ضَرُورَة إِلَى جعل الْحَادِث مخرجا مَعَ انفتاح الْأَصْلِيّ وَحَيْثُ أَقَمْنَا المنفتح كالأصلي إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للنقض بالخراج
فَلَا يجزىء فِيهِ الْحجر وَلَا ينْتَقض الْوضُوء بمسه
وَلَا يجب الْغسْل وَلَا غَيره من أَحْكَام الْوَطْء بالإيلاج فِيهِ
وَلَا يحرم النّظر إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوق الْعَوْرَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا فِي الانسداد الْعَارِض
أما الخلقي فينقض مَعَه الْخَارِج من المنفتح مُطلقًا
والمنسد حِينَئِذٍ كعضو زَائِد من الْخُنْثَى لَا وضوء بمسه وَلَا غسل بإيلاجه والإيلاج فِيهِ
قَالَ النَّوَوِيّ فِي نكته على التَّنْبِيه أَن تعبيرهم بالانسداد يشْعر بِمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَخرج بالمنفتح مَا لَو خرج شَيْء من المنافذ الْأَصْلِيَّة كالفم وَالْأُذن
فَإِنَّهُ لَا ينْقض بذلك كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم
(و) الثَّانِي من نواقض الْوضُوء (النّوم)
وَهُوَ استرخاء أعصاب الدِّمَاغ بِسَبَب رطوبات الأبخرة الصاعدة من الْمعدة
وَإِنَّمَا ينْقض إِذا كَانَ (على غير هَيْئَة المتمكن) من الأَرْض مَقْعَده أَي ألييه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عليه وسلم العينان وكاء السه فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره والسه بسين مُهْملَة مُشَدّدَة مَفْتُوحَة وهاء حَلقَة الدبر
والوكاء بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ الْخَيط الَّذِي يرْبط الَّذِي يرْبط بِهِ الشَّيْء
وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْيَقَظَة هِيَ الْحَافِظ لما يخرج والنائم قد يخرج مِنْهُ شَيْء وَلَا يشْعر بِهِ
فَإِن قيل الأَصْل عدم خُرُوج شَيْء فَكيف عدل عَنهُ وَقيل بِالنَّقْضِ أُجِيب بِأَنَّهُ لما جعل مَظَنَّة لِخُرُوجِهِ من غير شُعُور بِهِ أقيم مقَام الْيَقِين كَمَا أُقِيمَت الشَّهَادَة المفيدة للظن مقَام الْيَقِين فِي شغل الذِّمَّة
أما إِذا نَام وَهُوَ مُمكن ألييه من مقره من أَرض أَو غَيرهَا فَلَا ينْتَقض وضوءه وَلَو كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا لَو زَالَ لسقط للأمن من خُرُوج شَيْء حِينَئِذٍ من دبره وَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال خُرُوج ريح من قبله لِأَنَّهُ نَادِر وَلقَوْل أنس رضي الله عنه كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون
رَوَاهُ مُسلم
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد ينامون حَتَّى تخفق رؤوسهم الأَرْض فَحمل على نوم الْمُمكن جمعا بَين الْحَدِيثين
فَدخل فِي ذَلِك مَا لَو نَام مُحْتَبِيًا وَأَنه لَا فرق بَين النحيف وَغَيره وَهُوَ مَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا
نعم إِن كَانَ بَين مَقْعَده ومقره تجاف نقض
كَمَا نَقله فِي الشَّرْح الصَّغِير عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ وَلَا تَمْكِين لمن نَام على قَفاهُ مُلْصقًا مَقْعَده بمقره
وَمن خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَنه لَا ينْتَقض وضوءه بنومه مُضْطَجعا
وَيسن الْوضُوء من النّوم مُمكنا خُرُوجًا من الْخلاف
(و) الثَّالِث من نواقض الْوضُوء (زَوَال الْعقل) الغريزي بجنون (أَو بسكر) وَإِن لم يَأْثَم بِهِ (أَو) بِعَارِض (مرض) كإغماء أَو بتناول داوء لِأَن ذَلِك أبلغ من النّوم
وَلَا فرق بَين أَن يكون مُتَمَكنًا أم لَا
فَائِدَة قَالَ الْغَزالِيّ الْجُنُون يزِيل الْعقل وَالْإِغْمَاء يغمره وَالنَّوْم يستره
تَنْبِيه علم من كَلَام المُصَنّف أَن أَوَائِل السكر الَّذِي لَا يَزُول بِهِ الشُّعُور لَا ينْقض
وَهُوَ كَذَلِك
القَوْل فِي النَّقْض باللمس وشروطه (و) الرَّابِع من نواقض الْوضُوء (لمس الرجل) ببشرته (الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة) أَي بَشرَتهَا من غير حَائِل لقَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} أَي لمستم كَمَا قرىء بِهِ فعطف اللَّمْس على الْمَجِيء من الْغَائِط ورتب عَلَيْهِمَا الْأَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد فقد المَاء فَدلَّ على أَنه حدث
لَا جامعتم لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر إِذْ اللَّمْس لَا يخْتَص بِالْجِمَاعِ قَالَ تَعَالَى {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَعَلَّك لمست وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون بِشَهْوَة أَو إِكْرَاها أَو نِسْيَان أَو يكون الرجل ممسوحا أَو خَصيا أَو عنينا أَو الْمَرْأَة عجوزا شوهاء أَو كَافِرَة بتمجس أَو غَيره أَو حرَّة أَو رقيقَة أَو أَحدهمَا مَيتا لَكِن لَا ينْتَقض وضوء الْمَيِّت
واللمس الجس بِالْيَدِ
وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه مَظَنَّة ثوران الشَّهْوَة
وَمثله فِي ذَلِك بَاقِي صُورَة الالتقاء فَألْحق بِهِ بِخِلَاف النَّقْض بِمَسّ الْفرج كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِبَطن الْكَفّ لِأَن الْمس إِنَّمَا يثير الشَّهْوَة بِبَطن الْكَفّ
واللمس يثيرها بِهِ وَبِغَيْرِهِ
والبشرة ظَاهر الْجلد وَفِي مَعْنَاهَا كلحم الْأَسْنَان وَاللِّسَان واللثة وبطن الْعين
وَخرج مَا إِذا كَانَ على الْبشرَة حَائِل وَلَو رَقِيقا
نعم لَو كثر الْوَسخ على الْبشرَة من الْعرق فَإِن لمسه ينْقض لِأَنَّهُ صَار كالجزء من الْبدن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من غُبَار
وَالسّن وَالشعر وَالظفر كَمَا سَيَأْتِي
وَبِالرجلِ وَالْمَرْأَة الرّجلَانِ والمرأتان والخنثيان وَالْخُنْثَى مَعَ الرجل أَو الْمَرْأَة وَلَو بِشَهْوَة لانْتِفَاء مظنتها ولاحتمال التوافق فِي صُورَة الْخُنْثَى
وَالْمرَاد بِالرجلِ الذّكر إِذا بلغ حدا يشتهى لَا الْبَالِغ
وبالمرأة الْأُنْثَى إِذا بلغت حدا يشتهى كَذَلِك لَا الْبَالِغَة
تَنْبِيه لَو لمست الْمَرْأَة رجلا أَجْنَبِيّا أَو الرجل مرأة أَجْنَبِيَّة هَل ينْتَقض وضوء الْآدَمِيّ أم لَا يَنْبَغِي أَن يبْنى ذَلِك على صِحَة مناكحتهم وَفِي ذَلِك خلاف يَأْتِي فِي النِّكَاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلَا ينْقض لمس محرم لَهُ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَلَو بِشَهْوَة لِأَنَّهَا لَيست مَظَنَّة للشهوة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَرجل وَلَو شكّ فِي الْمَحْرَمِيَّة لم ينْتَقض وضوءه
لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة وَظَاهر كَلَامهم أَن الحكم كَذَلِك وَإِن اخْتلطت محرمه بأجنبيات غير محصورات وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الطُّهْر لَا يرفع بِالشَّكِّ نعم إِن تزوج بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ انْتقض وضوءه بلمسها
لِأَن الحكم لَا يَتَبَعَّض
لوإن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يَنْبَغِي عدم النَّقْض كَمَا لَو تزوج بصغيرة لَا تشْتَهى وَمثل ذَلِك مَا لَو تزوج بِامْرَأَة مَجْهُولَة النّسَب واستلحقها أَبوهُ وَلم يصدقهُ فَإِن النّسَب يثبت وَتصير أُخْتا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاحه وينتقض وضوءه بلمسها لما تقدم
قَالَ بَعضهم وَلَيْسَ لنا من ينْكح أُخْته فِي الْإِسْلَام إِلَّا هَذَا
وَلَا تنقض صَغِيرَة السن وَلَا صَغِير لم يبلغ كل مِنْهُمَا حدا يشتهى عرفا لانْتِفَاء مَظَنَّة الشَّهْوَة بِخِلَاف مَا إِذا بلغاها وَإِن انْتَفَت بعد ذَلِك لنَحْو هرم كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَا شعر وَسن وظفر وَعظم لِأَن مُعظم الالتذاذ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ دون اللَّمْس وَلَا ينْقض الْعُضْو المبان غير الْفرج وَلَو قطعت الْمَرْأَة نِصْفَيْنِ هَل ينْقض كل مِنْهُمَا أَو لَا وَجْهَان وَالْأَقْرَب عدم الانتقاض قَالَ النَّاشِرِيّ وَلَو كَانَ أحد الجزأين أعظم نقض دون غَيره انْتهى
وَالَّذِي يظْهر أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم امْرَأَة نقض وَإِلَّا فَلَا وَتقدم أَنه ينْتَقض الْوضُوء بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وَوَقع للنووي فِي رُؤُوس الْمسَائِل أَنه رجح عدم النَّقْض بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وعد من السَّهْو
القَوْل فِي النَّقْض بالمس وشروطه (و) الْخَامِس وَهُوَ آخر النواقض (مس) شَيْء من (فرج الْآدَمِيّ) من نَفسه أَو غَيره ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا بِبَطن الْكَفّ من غير حَائِل لخَبر من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلخَبَر ابْن حبَان إِذا أفْضى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ والإفضاء لُغَة الْمس بِبَطن الْكَفّ فَثَبت النَّقْض فِي فرج نَفسه بِالنَّصِّ فَيكون فِي فرج غَيره أولى لِأَنَّهُ أفحش لهتك حُرْمَة غَيره بل ثَبت أَيْضا فِي رِوَايَة من مس ذكرا فَليَتَوَضَّأ وَهُوَ شَامِل لنَفسِهِ وَلغيره وَأما خبر عدم النَّقْض بِمَسّ الْفرج فَقَالَ ابْن حبَان وَغَيره إِنَّه مَنْسُوخ وَالْمرَاد بِبَطن الْكَفّ الرَّاحَة مَعَ بطُون الْأَصَابِع الْأصْبع الزَّائِدَة إِن كَانَت على سنَن الْأَصَابِع انْتقض الْوضُوء بالمس بهَا وَإِلَّا فَلَا وَسميت كفا لِأَنَّهَا تكف الْأَذَى عَن الْبدن وبفرج الْمَرْأَة ملتقى الشرفين على المنفذ فَلَا نقض بِمَسّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا الأليين وَلَا بِمَا بَين الْقبل والدبر وَلَا بالعانة
(و) ينْقض (مس حَلقَة دبره) أَي الْآدَمِيّ (على الْجَدِيد) لِأَنَّهُ فرج وَقِيَاسًا على الْقبل بِجَامِع النَّقْض بالخارج مِنْهُمَا وَالْمرَاد بهَا ملتقى المنفذ لَا مَا وَرَاءه وَلَام حَلقَة سَاكِنة وَحكي فتحهَا
وينقض مس بعض الذّكر المبان كمس كُله وَإِلَّا مَا قطع فِي الْخِتَان إِذْ لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الذّكر قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَأما قبل الْمَرْأَة والدبر فَالْمُتَّجه إِن بَقِي اسمهما بعد قطعهمَا نقض مسهما وَإِلَّا فَلَا لِأَن الحكم مَنُوط بِالِاسْمِ وَمن لَهُ ذكران نقض الْمس بِكُل مِنْهُمَا سَوَاء كَانَا عاملين أم غير عاملين لَا زَائِد مَعَ عَامل وَمحله كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ نقلا عَن الفوراني إِذا لم يكن مسامتا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كأصبع زَائِدَة مسامتة للبقية فينقض وَمن لَهُ كفان نقضتا بالمس سَوَاء أكانتا عاملتين أم غير عاملتين لَا زَائِدَة مَعَ عاملة فَلَا نقض إِذا كَانَ الكفان على معصمين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَتَا على معصم وَاحِد وَكَانَت على سمت الْأَصْلِيَّة كالأصبع الزَّائِدَة فَإِنَّهَا ينْقض الْمس بهَا
وينقض فرج الْمَيِّت وَالصَّغِير وَمحل الْجب وَالذكر الأشل وباليد الشلاء
وَخرج بِبَطن الْكَفّ رُؤُوس الْأَصَابِع وَمَا بَينهَا وحرفها وحرف الْكَفّ فَلَا نقض بذلك لخروجها عَن سمت الْكَفّ وَضَابِط مَا ينْقض مَا يسْتَتر عِنْد وضع إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى مَعَ تحامل يسير وبفرج الْآدَمِيّ فرج بَهِيمَة أَو طير فَلَا نقض بمسه قِيَاسا على عدم وجوب ستره وَعدم تَحْرِيم النّظر إِلَيْهِ
قَاعِدَة فقهية يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام تَتِمَّة من الْقَوَاعِد المقررة الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة اسْتِصْحَاب الأَصْل وَطرح الشَّك وإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَقد أجمع النَّاس على أَن الشَّخْص لَو شكّ هَل طلق زَوجته أم لَا أَنه يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَأَنه لَو شكّ فِي امْرَأَة هَل تزَوجهَا أم لَا لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَمن ذَلِك أَنه لَا يرْتَفع يَقِين طهر أَو حدث بِظَنّ ضِدّه فَلَو تَيَقّن الطُّهْر وَالْحَدَث كَأَن وجدا مِنْهُ بعد الْفجْر وَجَهل السَّابِق مِنْهُمَا أَخذ بضد مَا قبلهمَا فَإِن كَانَ قبلهمَا مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر سَوَاء اعْتَادَ تَجْدِيد الطُّهْر أم لَا لِأَنَّهُ تَيَقّن الطُّهْر