المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في الوضوء) - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ١

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة

- ‌(وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم

- ‌(فصل فِي السِّوَاك)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(فصل فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء

- ‌فصل فِي مُوجب الْغسْل

- ‌(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)

- ‌فصل فِي الأغسال المسنونة

- ‌فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

- ‌فرع لَو خرز خفه بِشعر نجس

- ‌فصل فِي التَّيَمُّم

- ‌فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة

- ‌فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصَّلَاة

- ‌فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل

- ‌فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن

- ‌فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها

- ‌فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة

- ‌فصل فِيمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا

- ‌فصل فِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة بِلَا سَبَب

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ

- ‌فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر

- ‌فصل فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف

- ‌فصل فِيمَا يجوز لبسه من الْحَرِير للمحارب وَغَيره

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْإِبِل وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْبَقر وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الْغنم وَمَا يجب إِخْرَاجه

- ‌فصل فِي زَكَاة خلْطَة الْأَوْصَاف

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة

- ‌فصل فِي بَيَان نِصَاب الزروع وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي زَكَاة الْعرُوض والمعدن والركاز

- ‌فصل فِي زَكَاة الْفطر وَيُقَال صَدَقَة الْفطر

- ‌فصل فِي قسم الصَّدقَات

- ‌كتاب الصّيام

- ‌فصل فِي الِاعْتِكَاف

- ‌كتاب الْحَج

- ‌فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام

- ‌(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان

الفصل: ‌(فصل في الوضوء)

الشيب ويصفي الْخلقَة ويذكي الفطنة ويضاعف الْأجر ويسهل النزع كَمَا مر وَيذكر الشَّهَادَة عِنْد الْمَوْت

وَيسن التَّخْلِيل قبل السِّوَاك وَبعده وَمن أثر الطَّعَام وَكَون الْخلال من عود السِّوَاك وَيكرهُ بالحديد وَنَحْوه

(فصل فِي الْوضُوء)

وَهُوَ بِضَم الْوَاو اسْم للْفِعْل وَهُوَ اسْتِعْمَال المَاء فِي أَعْضَاء مَخْصُوصَة وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَبِفَتْحِهَا اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذ من الْوَضَاءَة وَهِي الْحسن والنظافة والضياء من ظلمَة الذُّنُوب

وَأما فِي الشَّرْع فَهُوَ أَفعَال مَخْصُوصَة مفتتحة بِالنِّيَّةِ

قَالَ الإِمَام وَهُوَ تعبدي لَا يعقل مَعْنَاهُ لِأَن فِيهِ مسحا وَلَا تنظيف فِيهِ وَكَانَ وُجُوبه مَعَ وجوب الصَّلَوَات الْخمس كَمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه

وَفِي مُوجبه أوجه أَحدهَا الْحَدث وجوبا موسعا

ثَانِيهَا الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَنَحْوهَا

ثَالِثهَا هما وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي التَّحْقِيق وَشرح مُسلم

وَله شُرُوط وفروض وَسنَن

(القَوْل فِي شُرُوط الْوضُوء وَالْغسْل) فشروطه وَكَذَا الْغسْل مَاء مُطلق وَمَعْرِفَة أَنه مُطلق وَلَو ظنا وَعدم الْحَائِل وجري المَاء على الْعُضْو وَعدم الْمنَافِي من نَحْو حيض ونفاس فِي غير أغسال الْحَج وَنَحْوهَا

وَمَسّ ذكر وَعدم الصَّارِف ويعبر عَنهُ بدوام النِّيَّة وَإِسْلَام وتمييز وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْوضُوء كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الصَّلَاة وَأَن يغسل مَعَ المغسول جُزْءا يتَّصل بالمغسول ويحيط بِهِ ليتَحَقَّق بِهِ اسْتِيعَاب المغسول وَتحقّق الْمُقْتَضِي للْوُضُوء فَلَو شكّ هَل أحدث أم لَا لم يَصح وضوءه على الْأَصَح وَأَن يغسل مَعَ المغسول مَا هُوَ مشتبه بِهِ فَلَو خلق لَهُ

ص: 36

وَجْهَان أَو يدان أَو رجلَانِ واشتبه الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ وَجب غسل الْجَمِيع

(القَوْل فِيمَا يخْتَص بِهِ صَاحب الضَّرُورَة) وَيزِيد وضوء صَاحب الضَّرُورَة بِاشْتِرَاط دُخُول الْوَقْت وَلَو ظنا وَتقدم الِاسْتِنْجَاء والتحفظ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَيْهِ وبالموالاة بَينهمَا وَبَين الْوضُوء

(القَوْل فِي فروض الْوضُوء) وَأما فروضه فَذكرهَا بقوله (وفروض الْوضُوء) جمع فرض وَهُوَ وَالْوَاجِب مُتَرَادِفَانِ إِلَّا فِي بعض أَحْكَام الْحَج كَمَا ستعرفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى هُنَاكَ

وَقَوله (سِتَّة) خبر فروض زَاد بَعضهم سابعا وَهُوَ المَاء الطّهُور

قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالصَّوَاب أَنه شَرط كَمَا مر

وَاسْتشْكل بعد التُّرَاب ركنا فِي التَّيَمُّم

وَأجِيب بِأَن التَّيَمُّم طَهَارَة ضَرُورَة

الأول من الْفُرُوض (النِّيَّة) لرفع حدث عَلَيْهِ أَي رفع حكمه لِأَن الْوَاقِع لَا يرْتَفع وَذَلِكَ كَحُرْمَةِ الصَّلَاة وَلَو لماسح الْخُف لِأَن الْقَصْد من الْوضُوء رفع الْمَانِع فَإِذا نَوَاه فقد تعرض للمقصود وَخرج بقولنَا عَلَيْهِ مَا لَو نوى غَيره كَأَن بَال وَلم ينم فَنوى رفع حدث النّوم فَإِن كَانَ عَامِدًا لم يَصح أَو غالطا صَحَّ

وَضَابِط مَا يضر الْغَلَط فِيهِ وَمَا لَا يضر كَمَا ذكره القَاضِي وَغَيره أَن مَا يعْتَبر التَّعَرُّض لَهُ جملَة وتفصيلا أَو جملَة لَا تَفْصِيلًا يضر الْغَلَط فِيهِ فَالْأول كالغلط من الصَّوْم إِلَى الصَّلَاة وَعَكسه وَالثَّانِي كالغلط فِي تعْيين الإِمَام وَمَا لَا يجب التَّعَرُّض لَهُ لَا جملَة وَلَا تَفْصِيلًا لَا يضر الْغَلَط فِيهِ كالخطأ هُنَا

وَفِي تعْيين الْمَأْمُوم حَيْثُ لم يجب التَّعَرُّض للْإِمَامَة أما إِذا وَجب التَّعَرُّض لَهَا كإمام الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يضر

وَالْأَصْل فِي وجوب النِّيَّة قَوْله صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا الْأَعْمَال

ص: 37

بِالنِّيَّاتِ أَي الْأَعْمَال المعتد بهَا شرعا

(القَوْل فِي مَقَاصِد النِّيَّة) وحقيقتها لُغَة الْقَصْد وَشرعا قصد الشَّيْء مقترنا بِفِعْلِهِ

وَحكمهَا الْوُجُوب كَمَا علم مِمَّا مر

ومحلها الْقلب

وَالْمَقْصُود بهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات كالجلوس فِي الْمَسْجِد للاعتكاف تَارَة وللاستراحة أُخْرَى أَو تَمْيِيز رتبتها كَالصَّلَاةِ تكون للْفَرض تَارَة وللنفل أُخْرَى

وَشَرطهَا إِسْلَام الناوي وتمييزه وَعلمه بالمنوي وَعدم إِتْيَانه بِمَا ينافيها بِأَن يستصحبها حكما وَأَن لَا تكون معلقَة فَلَو قَالَ إِن شَاءَ الله فَإِن قصد التَّعْلِيق أَو أطلق لم تصح وَإِن قصد التَّبَرُّك صحت

ووقتها أول الْفُرُوض كأول غسل جُزْء من الْوَجْه وَإِنَّمَا لم يوجبوا الْمُقَارنَة فِي الصَّوْم لعسر مراقبة الْفجْر وتطبيق النِّيَّة عَلَيْهِ

وكيفيتها تخْتَلف بِحَسب الْأَبْوَاب فَيَكْفِي هُنَا نِيَّة رفع حدث كَمَا مر أَو نِيَّة اسْتِبَاحَة شَيْء مفتقر إِلَى وضوء كَالصَّلَاةِ وَالطّواف وَمَسّ الْمُصحف لِأَن رفع الْحَدث إِنَّمَا يطْلب لهَذِهِ الْأَشْيَاء فَإِذا نَوَاهَا فقد نوى غَايَة الْقَصْد أَو أَدَاء فرض الْوضُوء أَو فرض الْوضُوء وَإِن كَانَ المتوضىء صَبيا أَو أَدَاء الْوضُوء أَو الْوضُوء فَقَط لتعرضه للمقصود فَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للفرضية كَمَا لَا يشْتَرط فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَصَوْم رَمَضَان

(النِّيَّة فِي الْوضُوء المجدد) تَنْبِيه مَا تقرر من الْأُمُور السَّابِقَة مَحَله فِي الْوضُوء غير المجدد أما المجدد فَالْقِيَاس عدم الِاكْتِفَاء فِيهِ بنية الرّفْع أَو الاستباحة

قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَقد يُقَال يَكْتَفِي بهَا كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَة غير أَن ذَلِك مُشكل خَارج عَن الْقَوَاعِد فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ

قَالَ ابْن الْعِمَاد وتخريجه على الصَّلَاة لَيْسَ بِبَعِيد لِأَن قَضِيَّة التَّجْدِيد أَن يُعِيد الشَّيْء بِصفتِهِ الأولى انْتهى

وَالْأول أولى لِأَن الصَّلَاة اخْتلف فِيهَا هَل فَرْضه الأولى أَو الثَّانِيَة وَلم يقل أحد فِي الْوضُوء فِيمَا علمت بذلك وَإِنَّمَا اكْتفي بنية الْوضُوء فَقَط دون نِيَّة الْغسْل لِأَن الْوضُوء لَا يكون إِلَّا عبَادَة فَلَا يُطلق على غَيرهَا بِخِلَاف الْغسْل فَإِنَّهُ يُطلق على غسل الْجَنَابَة وَغسل النَّجَاسَة وَغَيرهمَا

وَلَو نوى الطَّهَارَة عَن الْحَدث صَحَّ فَإِن لم يقل عَن الْحَدث لم يَصح على الصَّحِيح كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَعلله فِي الْمَجْمُوع بِأَن الطَّهَارَة قد تكون عَن حدث وَقد تكون عَن خبث فَاعْتبر التَّمْيِيز وَمن دَامَ حَدثهُ كمستحاضة وَمن بِهِ سَلس بَوْل أَو ريح كَفاهُ نِيَّة الاستباحة الْمُتَقَدّمَة دون نِيَّة الرّفْع الْمَار لبَقَاء حَدثهُ وَينْدب لَهُ الْجمع بَينهمَا خُرُوجًا من خلاف من أوجبه لتَكون نِيَّة الرّفْع للْحَدَث السَّابِق وَنِيَّة الاستباحة أَو نَحْوهَا للاحق

وَبِهَذَا ينْدَفع مَا قيل إِنَّه قد جمع فِي نِيَّته بَين مُبْطل وَغَيره ويكفيه أَيْضا نِيَّة الْوضُوء وَنَحْوهَا مِمَّا تقدم كَمَا صرح بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير

(القَوْل فِي نِيَّة دَائِم الْحَدث) تَنْبِيه حكم نِيَّة دَائِم الْحَدث فِيمَا يستبيحه من الصَّلَوَات الْخمس وَغَيرهَا حكم نِيَّة الْمُتَيَمم

كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا وأغفله

ص: 38

فِي الرَّوْضَة

وَسَيَأْتِي بسط ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي التَّيَمُّم وَلَا يشْتَرط فِي النِّيَّة الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لَكِن تسْتَحب كَمَا فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَلَو تَوَضَّأ الشاك بعد وضوئِهِ فِي حَدثهُ احْتِيَاطًا فَبَان مُحدثا لم يجزه للتردد فِي النِّيَّة بِلَا ضَرُورَة كَمَا لَو قضى فَائِتَة الظّهْر مثلا شاكا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ بَان أَنَّهَا عَلَيْهِ لم يكف أما إِذا لم يتَبَيَّن حَدثهُ فَإِنَّهُ يُجزئهُ للضَّرُورَة وَلَو تَوَضَّأ الشاك وجوبا بِأَن شكّ بعد حَدثهُ فِي وضوئِهِ فَتَوَضَّأ أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ مترددا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث بل لَو نوى فِي هَذِه الْحَالة إِن كَانَ مُحدثا فَمن حَدثهُ وَإِلَّا فتجديد صَحَّ أَيْضا كَمَا فِي الْمَجْمُوع

(القَوْل فِي حكم من نوى التبرد مَعَ الْوضُوء) وَمن نوى بوضوئه تبردا أَو شَيْئا يحصل بِدُونِ قصد كتنظيف وَلَو فِي أثْنَاء وضوئِهِ مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة أَي مستحضرا عِنْد نِيَّة التبرد أَو نَحوه نِيَّة الْوضُوء أَجزَأَهُ لحُصُول ذَلِك من غير نِيَّة كمصل نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم فَإِنَّهَا تُجزئه لِأَن اشْتِغَاله عَن الْغَرِيم لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة فَإِن فقدت النِّيَّة الْمُعْتَبرَة كَأَن نوى التبرد وَقد غفل عَنْهَا لم يَصح غسل مَا غسله بنية التبرد وَنَحْوه وَيلْزمهُ إِعَادَته دون اسْتِئْنَاف الطَّهَارَة

تَنْبِيه هَذَا بِالنِّسْبَةِ للصِّحَّة أما الثَّوَاب فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ الظَّاهِر عدم حُصُوله

وَقد اخْتَار الْغَزالِيّ فِيمَا إِذا شرك فِي الْعِبَادَة غَيرهَا من أَمر دُنْيَوِيّ اعْتِبَار الْبَاعِث على الْعَمَل فَإِن كَانَ الْقَصْد الدنيوي هُوَ الْأَغْلَب لم يكن فِيهِ أجر

وَإِن كَانَ الْقَصْد الديني أغلب فَلهُ بِقَدرِهِ وَإِن تَسَاويا تساقطا

وَاخْتَارَ ابْن عبد السَّلَام أَنه لَا أجر فِيهِ مُطلقًا سَوَاء تساوى القصدان أم اخْتلفَا

انْتهى وَكَلَام الْغَزالِيّ هُوَ الظَّاهِر وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِذا بَطل وضوءه فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَث أَو غَيره قَالَ فِي الْمَجْمُوع عَن الرَّوْيَانِيّ يحْتَمل أَن يُثَاب على الْمَاضِي كَمَا فِي الصَّلَاة أَو يُقَال إِن بَطل بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أَو بِغَيْر اخْتِيَاره فَنعم

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ثَوَاب لَهُ بِحَال لِأَنَّهُ مُرَاد لغيره بِخِلَاف الصَّلَاة

اه

وَالْأَوْجه التَّفْصِيل فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة وَيبْطل بِالرّدَّةِ التَّيَمُّم وَنِيَّة الْوضُوء وَالْغسْل وَلَو نوى قطع الْوضُوء انْقَطَعت النِّيَّة فيعيدها للْبَاقِي وَلَو نوى بوضوئه مَا ينْدب لَهُ وضوء كَقِرَاءَة الْقُرْآن أَو الحَدِيث لم يُجزئهُ لِأَنَّهُ مُبَاح مَعَ الْحَدث فَلَا يتَضَمَّن قَصده قصد رفع الْحَدث فَلَو نَوَاه مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة يَنْبَغِي أَنه يَكْفِي كَمَا لَو نوى التبرد مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْفَتَاوَى وَلم أر من تعرض لَهَا

فروع لَو نوى أَن يُصَلِّي بوضوئه وَلَا يُصَلِّي بِهِ لم يَصح وضوءه لتلاعبه وتناقضه وَكَذَا لَو نوى بِهِ الصَّلَاة بمَكَان نجس وَلَو نسي لمْعَة فِي وضوئِهِ أَو غسله فانغسلت فِي الغسلة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة بنية التَّنَفُّل أَو فِي إِعَادَة وضوء أَو غسل لنسيان لَهُ أَجزَأَهُ بِخِلَاف مَا لَو انغسلت فِي تَجْدِيد وضوء فَإِنَّهُ لَا يجزىء لِأَنَّهُ طهر مُسْتَقْبل بنية لم تتَوَجَّه لرفع الْحَدث أصلا

(القَوْل فِي وَقت نِيَّة الْوضُوء) وَيجب أَن تكون (عِنْد) أول (غسل) أَي مغسول من أَجزَاء (الْوَجْه) لتقترن بِأول الْفَرْض كَالصَّلَاةِ وَغَيرهَا من الْعِبَادَات مَا عدا

ص: 39

الصَّوْم فَلَا يَكْفِي اقترانها بِمَا بعد الْوَجْه قطعا لخلو أول المغسول وجوبا عَنْهَا

وَلَا بِمَا قبله من السّنَن إِذْ الْمَقْصُود من الْعِبَادَات أَرْكَانهَا وَالسّنَن تَوَابِع لَهَا

هَذَا إِذْ عزبت النِّيَّة قبل غسل شَيْء من الْوَجْه فَإِن بقيت إِلَى غسل شَيْء مِنْهُ كفى بل هُوَ أفضل ليثاب على السّنَن السَّابِقَة لِأَنَّهَا إِذا خلت عَن النِّيَّة لم يحصل ثَوَابهَا

وَلَو اقترنت النِّيَّة بالمضمضة أَو الِاسْتِنْشَاق وانغسل مَعَه جُزْء من الْوَجْه أَجزَأَهُ وَإِن عزبت النِّيَّة بعده سَوَاء أغسله بنية الْوَجْه وَهُوَ ظَاهر أم لَا لوُجُود غسل جُزْء من الْوَجْه مَقْرُونا بِالنِّيَّةِ لَكِن يجب إِعَادَة غسل الْجُزْء مَعَ الْوَجْه على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لوُجُود الصَّارِف وَلَا تجزىء الْمَضْمَضَة وَلَا الِاسْتِنْشَاق فِي الشق الأول لعدم تقدمهما على غسل الْوَجْه قَالَه القَاضِي مجلي فالنية لم تقترن بمضمضة وَلَا استنشاق حَقِيقَة وَلَو وجدت النِّيَّة فِي أثْنَاء غسل الْوَجْه دون أَوله كفت وَوَجَب إِعَادَة المغسول مِنْهُ قبلهَا فوجوبها عِنْد أول غسل جُزْء مِنْهُ ليعتد بِهِ وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا يجب اسْتِصْحَاب النِّيَّة إِلَى آخر الْوضُوء لَكِن مَحَله فِي الِاسْتِصْحَاب الذكري

أما الْحكمِي وَهُوَ أَن لَا يَنْوِي قطعهَا وَلَا يَأْتِي بِمَا ينافيها كالردة فَوَاجِب كَمَا علم مِمَّا مر وَله تَفْرِيق النِّيَّة على أَعْضَاء الْوضُوء بِأَن يَنْوِي عِنْد كل عُضْو رفع الْحَدث عَنهُ كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ لِأَنَّهُ يجوز تَفْرِيق أَفعاله فَكَذَلِك يجوز تَفْرِيق النِّيَّة على أَفعاله وَهل تَنْقَطِع النِّيَّة بنوم مُمكن وَجْهَان أوجهها

لَا وَالْحَدَث الْأَصْغَر لَا يحل كل الْبدن بل أَعْضَاء الْوضُوء خَاصَّة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَالْمَجْمُوع وَإِنَّمَا لم يجز مس الْمُصحف بغَيْرهَا لِأَن شَرط الماس أَن يكون مطهرا ويرتفع حدث كل عُضْو بِمُجَرَّد غسله

ص: 40

(و) الثَّانِي من الْفُرُوض (غسل) ظَاهر كل (الْوَجْه) لقَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} وللإجماع وَالْمرَاد بِالْغسْلِ الانغسال سَوَاء كَانَ بِفعل المتوضىء أم بِغَيْرِهِ وَكَذَا الحكم فِي سَائِر الْأَعْضَاء

(القَوْل فِي حد الْوَجْه طولا وعرضا) الْوَجْه وحد طولا مَا بَين منابت شعر رَأسه وَتَحْت مُنْتَهى لحييْهِ وهما بِفَتْح اللَّام على الْمَشْهُور العظمان اللَّذَان تنْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان السُّفْلى وعرضا مَا بَين أُذُنَيْهِ لِأَن الْوَجْه مَا تقع بِهِ المواجهة وَهِي تقع بذلك

وَخرج بِظَاهِر دَاخل الْأنف والفم وَالْعين فَإِنَّهُ لَا يجب غسل ذَلِك قطعا وَإِن انفتحا بِقطع جفن أَو شفة لِأَن ذَلِك فِي حكم الْبَاطِن وَلَا يشكل ذَلِك بِمَا لَو سلخ جلدَة الْوَجْه فَإِنَّهُ يجب غسل مَا ظهر مِنْهُ لِأَن هَذَا من مَحل مَا يجب غسله فَكَانَ بَدَلا بِخِلَاف مَا ذكره فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَن شَيْء مَعَ أَنه يُمكن غسله قبل إِزَالَة مَا ذكر فَلَا يجب غسله بعد إِزَالَته وَهُوَ ظَاهر وَلَا يسن غسل دَاخل الْعين وَلَكِن يجب غسل ذَلِك إِن تنجس وَالْفرق غلظ النَّجَاسَة بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تزَال عَن الشَّهِيد إِذا كَانَت من غير دم الشَّهَادَة أما مآق الْعين فَيغسل بِلَا خلاف فَإِن كَانَ عَلَيْهِ مَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى الْمحل الْوَاجِب كالرماص وَجَبت إِزَالَته وَغسل مَا تَحْتَهُ وبمنابت شعر رَأسه الأصلع وَهُوَ من انحسر الشّعْر عَن ناصيته فَإِنَّهُ لَا يلْزمه غسلهَا وَدخل مَوضِع الغمم فَإِنَّهُ من الْوَجْه لحُصُول المواجهة بِهِ وَهُوَ مَا ينْبت عَلَيْهِ الشّعْر من الْجَبْهَة والغمم أَن يسيل الشّعْر حَتَّى تضيق الْجَبْهَة والقفا يُقَال رجل أغم وَامْرَأَة غماء وَالْعرب تذم بِهِ وتمدح بالنزع لِأَن الغمم يدل على البلادة والجبن وَالْبخل والنزع بضد ذَلِك

ص: 41

تَنْبِيه مُنْتَهى اللحيين من الْوَجْه كَمَا تقرر وَأما مَوضِع التحذيف فَمن الرَّأْس لاتصال شعره بِشعر الرَّأْس وَهُوَ مَا ينْبت عَلَيْهِ الشّعْر الْخَفِيف بَين ابْتِدَاء العذار والنزعة سمي بذلك لِأَن النِّسَاء والأشراف يحذفون الشّعْر عَنهُ ليتسع الْوَجْه

وضابطه كَمَا قَالَ الإِمَام أَن يضع طرف خيط على رَأس الْأذن والطرف الثَّانِي على أَعلَى الْجَبْهَة ويفرض هَذَا الْخَيط مُسْتَقِيمًا فَمَا نزل عَنهُ إِلَى جَانب الْوَجْه فَهُوَ مَوضِع التحذيف وَمن الرَّأْس أَيْضا النزعتان وهما بياضان يكتنفان الناصية وَهُوَ مقدم الرَّأْس من أَعلَى الجبين والصدغان وهما فَوق الْأُذُنَيْنِ متصلان بالعذارين لدخولهما فِي تدوير الرَّأْس وَيسن غسل مَوضِع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين مَعَ الْوَجْه للْخلاف فِي وُجُوبهَا فِي غسله

وَيجب غسل جُزْء من الرَّأْس وَمن الْحلق وَمن تَحت الحنك وَمن الْأُذُنَيْنِ وَمن الْوَجْه الْبيَاض الَّذِي بَين العذار وَالْأُذن لدُخُوله فِي حَده وَمَا ظهر من حمرَة الشفتين وَمن الْأنف بالجدع

(القَوْل فِي الْكَلَام على شُعُور الْوَجْه) وَيجب غسل كل هدب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على أجفان الْعين وحاجب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على أَعلَى الْعين سمي بذلك لِأَنَّهُ يحجب عَن الْعين شُعَاع الشَّمْس وعذار وَهُوَ الشّعْر النَّابِت المحاذي للأذن بَين الصدغ والعارض وشارب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على الشّفة الْعليا سمي بذلك لملاقاته الْإِنْسَان عِنْد الشّرْب وَشعر نابت على الخد وعنفقة وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على الشّفة السُّفْلى أَي يجب غسل ذَلِك ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف الشّعْر لِأَن كثافته نادرة فَألْحق بالغالب واللحية من الرجل وَهِي بِكَسْر اللَّام الشّعْر النَّابِت على الذقن خَاصَّة وَهِي مَجْمُوع اللحيين إِن خفت وَجب غسل ظَاهرهَا وباطنها وَإِن كثفت وَجب غسل ظَاهرهَا وَلَا يجب غسل بَاطِنهَا لعسر إِيصَال المَاء إِلَيْهِ مَعَ الكثافة غير النادرة وَلما روى البُخَارِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ فغرف غرفَة غسل بهَا وَجهه وَكَانَت لحيته الْكَرِيمَة كثيفة

وبالغرفة الْوَاحِدَة لَا يصل المَاء إِلَى ذَلِك غَالِبا فَإِن خف بَعْضهَا وكثف بَعْضهَا وتميز فَلِكُل حكمه فَإِن لم يتَمَيَّز بِأَن كَانَ الكثيف مُتَفَرقًا بَين أثْنَاء الْخَفِيف وَجب غسل الْكل كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن إِفْرَاد الكثيف بِالْغسْلِ يشق وإمرار المَاء على الْخَفِيف لَا يجزىء وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع مَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ خلاف مَا قَالَه الْأَصْحَاب

وَالشعر الكثيف مَا يستر الْبشرَة عَن الْمُخَاطب بِخِلَاف الْخَفِيف والعارضان وهما المنحطان عَن الْقدر المحاذي للأذن كاللحية فِي جَمِيع مَا ذكر وَخرج بِالرجلِ الْمَرْأَة فَيجب غسل ذَلِك مِنْهَا ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف لندرة كثافتها وَمثلهَا الْخُنْثَى وَيجب غسل سلْعَة نَبتَت فِي الْوَجْه وَإِن خرجت عَن حَده لحُصُول المواجهة بهَا

وَاعْلَم أَن هَذَا التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي شُعُور الْوَجْه إِذا كَانَ

ص: 42

فِي حَده أما الْخَارِج عَنهُ فَيجب غسل ظَاهرهَا وباطنها مُطلقًا إِن خفت كَمَا فِي الْعباب وظاهرها فَقَط مُطلقًا إِن كثفت كَمَا فِي الرَّوْضَة وَبَعْضهمْ قرر فِي هَذِه الشُّعُور خلاف ذَلِك فاحذره

تَنْبِيه من لَهُ وَجْهَان وَكَانَ الثَّانِي مسامتا للْأولِ وَجب عَلَيْهِ غسلهمَا كاليدين على عُضْو وَاحِد أَو رأسان كفى مسح بعض أَحدهمَا وَالْفرق أَن الْوَاجِب فِي الْوَجْه غسل جَمِيعه فَيجب عَلَيْهِ غسل جَمِيع مَا يُسمى وَجها وَفِي الرَّأْس مسح بعض مَا يُسمى رَأْسا وَذَلِكَ يحصل بِبَعْض أَحدهمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع

(و) الثَّالِث من الْفُرُوض (غسل) جَمِيع (الْيَدَيْنِ) من كفيه وذراعيه (إِلَى) أَي مَعَ (الْمرْفقين) أَو قدرهما إِن فقدا لما رَوَاهُ مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة فِي صفة وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه تَوَضَّأ فَغسل وَجهه فأسبغ الْوضُوء ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد ثمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد إِلَخ

وللاجماع وَلقَوْله تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَإِلَى بِمَعْنى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {من أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي مَعَ الله

وَقَوله تَعَالَى {ويزدكم قُوَّة إِلَى قوتكم} فَإِن قطع بعض مَا يجب غسله من الْيَدَيْنِ وَجب غسل مَا بَقِي مِنْهُ لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم أَو قطع من مرفقيه بِأَن سل عظم الذِّرَاع وَبَقِي العظمان المسميان بِرَأْس الْعَضُد فَيجب غسل رَأس عظم الْعَضُد لِأَنَّهُ من الْمرْفق أَو قطع من فَوق الْمرْفق ندب غسل بَاقِي عضده كَمَا لَو كَانَ سليم الْيَد وَإِن قطع من مَنْكِبه ندب غسل مَحل الْقطع بِالْمَاءِ كَمَا نَص عَلَيْهِ وَيجب غسل شعر على الْيَدَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف لندرته وَغسل ظفر وَإِن طَال وَغسل بَاطِن ثقب وشقوق فيهمَا إِن لم يكن لَهُ غور فِي اللَّحْم وَإِلَّا وَجب غسل مَا ظهر مِنْهُ فَقَط وَيجْرِي هَذَا فِي سَائِر الْأَعْضَاء كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْمَجْمُوع فِي بَاب صفة الْغسْل وَغسل يَد زَائِدَة إِن نَبتَت بِمحل الْفَرْض وَلَو من الْمرْفق كأصبع زَائِدَة وسلعة سَوَاء جَاوَزت الْأَصْلِيَّة أم لَا

وَإِن نَبتَت بِغَيْر مَحل الْفَرْض وَجب غسل مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَله لوُقُوع اسْم الْيَد عَلَيْهِ مَعَ محاذاته لمحل الْفَرْض بِخِلَاف مَا لم يحاذه فَإِن لم تتَمَيَّز الزَّائِدَة عَن الْأَصْلِيَّة بِأَن كَانَتَا أصليتين أَو إِحْدَاهمَا زَائِدَة وَلم تتَمَيَّز بِنَحْوِ فحش قصر وَنقص أَصَابِع وَضعف

ص: 43

بَطش غسلهمَا وجوبا سَوَاء أخرجتا من الْمنْكب أم من غَيره ليتَحَقَّق إتْيَان الْفَرْض بِخِلَاف نَظِيره من السّرقَة تقطع إِحْدَاهمَا فَقَط كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَابهَا لِأَن الْوضُوء مبناه على الِاحْتِيَاط لِأَنَّهُ عبَادَة وَالْحَد مبناه على الدرء لِأَنَّهُ عُقُوبَة وتجري هَذِه الْأَحْكَام فِي الرجلَيْن وَإِن تدلت جلدَة الْعَضُد مِنْهُ لم يجب غسل شَيْء مِنْهَا لَا المحاذي وَلَا غَيره لِأَن اسْم الْيَد لَا يَقع عَلَيْهَا مَعَ خُرُوجهَا عَن مَحل الْفَرْض أَو تقلصت جلدَة الذِّرَاع مِنْهُ وَجب غسلهَا لِأَنَّهَا مِنْهُ وَإِن تدلت جلدَة أَحدهمَا من الآخر بِأَن تقلعت من أَحدهمَا وَبلغ التقلع إِلَى الآخر ثمَّ تدلت مِنْهُ فالاعتبار بِمَا انْتهى إِلَيْهِ تقلعها لَا بِمَا مِنْهُ تقلعها فَيجب غسلهَا فِيمَا إِذا بلغ تقلعها من الْعَضُد إِلَى الذِّرَاع دون مَا إِذا بلغ من الذِّرَاع إِلَى الْعَضُد لِأَنَّهَا صَارَت جُزْءا من مَحل الْفَرْض فِي الأول دون الثَّانِي وَلَو التصقت بعد تقلعها من أَحدهمَا بِالْآخرِ وَجب غسل محاذي الْفَرْض مِنْهَا دون غَيره ثمَّ إِن تجافت عَنهُ وَجب غسل مَا تحتهَا أَيْضا لندرته وَإِن سترته اكْتفى بِغسْل ظَاهرهَا وَلَا يجب فتقها فَلَو غسله ثمَّ زَالَت عَنهُ لزمَه غسل مَا ظهر من تحتهَا لِأَن الِاقْتِصَار على ظَاهرهَا كَانَ للضَّرُورَة وَقد زَالَت وَلَو تَوَضَّأ فَقطعت يَده أَو تثقبت لم يجب غسل مَا ظهر إِلَّا لحَدث فَيجب غسله كَالظَّاهِرِ أَصَالَة وَلَو عجز عَن الْوضُوء لقطع يَده مثلا وَجب عَلَيْهِ أَن يحصل من يوضئه وَلَو بِأُجْرَة مثل وَالنِّيَّة من الْآذِن فَإِن تعذر عَلَيْهِ ذَلِك تيَمّم وَصلى وَعَاد لندرة ذَلِك

(و) الرَّابِع من الْفُرُوض (مسح بعض الرَّأْس) بِمَا يُسمى مسحا وَلَو لبَعض بشرة رَأسه أَو بعض شَعْرَة وَلَو وَاحِدَة أَو بَعْضهَا فِي حد الرَّأْس بِأَن لَا يخرج بِالْمدِّ عَنهُ من جِهَة نُزُوله فَلَو خرج بِهِ عَنهُ مِنْهَا لم يكف حَتَّى لَو كَانَ متجعدا بِحَيْثُ لَو مد لخرج عَن الرَّأْس لم يكف الْمسْح عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم}

وروى مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعَلى عمَامَته

وَاكْتفى بمسح الْبَعْض فِيمَا ذكر لِأَنَّهُ الْمَفْهُوم من الْمسْح عِنْد إِطْلَاقه وَلم يقل أحد بِوُجُوب خُصُوص الناصية وَهِي الشّعْر الَّذِي بَين النزعتين والاكتفاء بهَا يمْنَع وجوب الِاسْتِيعَاب وَيمْنَع وجوب التَّقْدِير بِالربعِ أَو أَكثر لِأَنَّهَا دونه وَالْبَاء إِذا دخلت على مُتَعَدد كَمَا فِي الْآيَة تكون للتَّبْعِيض أَو على غَيره كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} تكون للإلصاق

فَإِن قيل لَو غسل بشرة الْوَجْه وَترك الشّعْر أَو عَكسه لم يجزه فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن كلا من الشّعْر والبشرة يصدق عَلَيْهِ مُسَمّى الرَّأْس عرفا إِذْ الرَّأْس اسْم لما رُؤْس وَعلا وَالْوَجْه مَا تقع بِهِ المواجهة وَهِي تقع على الشّعْر والبشرة مَعًا

فَإِن قيل هلا اكْتفى بِالْمَسْحِ على النَّازِل عَن حد الرَّأْس كَمَا اكْتفى بذلك للتقصير فِي النّسك

ص: 44

أُجِيب بِأَن الماسح عَلَيْهِ غير ماسح على الرَّأْس والمأمور بِهِ فِي التَّقْصِير إِنَّمَا هُوَ شعر الرَّأْس وَهُوَ صَادِق بالنازل

وَيَكْفِي غسل بعض الرَّأْس لِأَنَّهُ مسح وَزِيَادَة وَوضع الْيَد عَلَيْهِ بِلَا مد لحُصُول الْمَقْصُود من وُصُول البلل إِلَيْهِ وَلَو قطر المَاء على رَأسه أَو تعرض للمطر وَإِن لم ينْو الْمسْح أَجزَأَهُ لما مر ويجزىء مسح بِبرد وثلج لَا يذوبان لما ذكره وَلَو حلق رَأسه بعد مَسحه لم يعد الْمسْح لما مر فِي قطع الْيَد

(و) الْخَامِس من الْفُرُوض (غسل) جَمِيع (الرجلَيْن) بِإِجْمَاع من يعْتد بإجماعه (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) من كل رجل أَو قدرهما إِن فقدا كَمَا مر فِي الْمرْفقين وهما العظمان الناتئان من الْجَانِبَيْنِ عِنْد مفصل السَّاق والقدم فَفِي كل رجل كعبان لما روى النُّعْمَان بن بشير أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ أقِيمُوا صفوفكم فَرَأَيْت الرجل منا يلصق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وكعبه بكعبه

رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ تَعَالَى {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرىء فِي السَّبع بِالنّصب والجر عطفا على الْوُجُوه لفظا فِي الأول وَمعنى فِي الثَّانِي لجره على الْجَوَاز وَدلّ على دُخُول الْكَعْبَيْنِ فِي الْغسْل مَا دلّ على دُخُول الْمرْفقين فِيهِ وَقد مر

تَنْبِيه مَا أطلقهُ الْأَصْحَاب هُنَا من أَن غسل الرجلَيْن فرض مَحْمُول كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ على غير لابس الْخُف أَو على أَن الأَصْل الْغسْل وَالْمسح بدل عَنهُ وَيجب إِزَالَة مَا فِي شقوق الرجلَيْن من عين كشمع وحناء

وَقَالَ الْجُوَيْنِيّ لم يصل إِلَى اللَّحْم وَيحمل على مَا إِذا كَانَ فِي اللَّحْم غور أخذا مِمَّا مر عَن الْمَجْمُوع وَلَا أثر لدهن ذائب ولون نَحْو حناء وَيجب إِزَالَة مَا تَحت الْأَظْفَار من وسخ يمْنَع وُصُول المَاء وَلَو قطع بعض الْقدَم وَجب غسل الْبَاقِي وَإِن قطع فَوق الكعب فَلَا فرض عَلَيْهِ وَيسن غسل الْبَاقِي كَمَا مر فِي الْيَدَيْنِ

(و) السَّادِس من الْفُرُوض (التَّرْتِيب على) حكم (مَا ذَكرْنَاهُ) من الْبدَاءَة بِغسْل الْوَجْه مَقْرُونا بِالنِّيَّةِ ثمَّ الْيَدَيْنِ ثمَّ مسح الرَّأْس ثمَّ غسل الرجلَيْن لفعله صلى الله عليه وسلم الْمُبين للْوُضُوء الْمَأْمُور بِهِ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذكر ممسوحا بَين مغسولات وتفريق المتجانس لَا ترتكبه الْعَرَب إِلَّا لفائدة وَهِي هُنَا وجوب التَّرْتِيب لَا نَدبه بِقَرِينَة الْأَمر فِي الْخَبَر وَلِأَن الْآيَة بَيَان للْوُضُوء الْوَاجِب فَلَو اسْتَعَانَ بأَرْبعَة غسلوا أعضاءه دفْعَة وَاحِدَة وَنوى حصل لَهُ غسل وَجهه فقد وَلَو اغْتسل مُحدث حَدثا أَصْغَر بنية رفع

ص: 45

الْحَدث أَو نَحوه وَلَو مُتَعَمدا أَو بنية رفع الْجَنَابَة غالطا صَحَّ وَإِن لم يمْكث قدر التَّرْتِيب لِأَنَّهُ يَكْفِي لرفع أَعلَى الحدثين فللأصغر أولى ولتقدير التَّرْتِيب فِي لحظات لَطِيفَة وَلَو أحدث وأجنب أَجزَأَهُ الْغسْل عَنْهُمَا لاندراج الْأَصْغَر وَإِن لم يُنَوّه فِي الْأَكْبَر فَلَو اغْتسل إِلَّا رجلَيْهِ أَو إِلَّا يَدَيْهِ مثلا ثمَّ أحدث ثمَّ غسلهمَا عَن الْجَنَابَة تَوَضَّأ وَلم يجب إِعَادَة غسلهَا لارْتِفَاع حَدثهمَا بغسلهما عَن الْجَنَابَة

وَهَذَا وضوء خَال عَن غسل الرجلَيْن أَو الْيَدَيْنِ وهما مكشوفتان بِلَا عِلّة

قَالَ ابْن الْقَاص وَعَن التَّرْتِيب وغلطه الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ غير خَال عَنهُ بل وضوء لم يجب فِيهِ غسل الرجلَيْن أَو الْيَدَيْنِ

قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ إِنْكَار صَحِيح وَلَو غسل بدنه إِلَّا أَعْضَاء الْوضُوء ثمَّ أحدث لم يجب ترتيبها وَلَو شكّ فِي تَطْهِير عُضْو قبل فرَاغ طهره أَتَى بِهِ وَمَا بعده أَو بعد الْفَرَاغ لم يُؤثر

(القَوْل فِي سنَن الْوضُوء) وَلما فرغ من فروض الْوضُوء شرع فِي سنَنه فَقَالَ (وسننه عشرَة أَشْيَاء) بِالْمدِّ غير مَصْرُوف جمع شَيْء وَالْمُصَنّف لم يحصر السّنَن فِيمَا ذكره

وَسَنذكر زِيَادَة على ذَلِك (القَوْل فِي التَّسْمِيَة) الأولى (التَّسْمِيَة) أول الْوضُوء لخَبر النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد عَن أنس قَالَ طلب بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وضُوءًا فَلم يَجدوا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم هَل مَعَ أحد مِنْكُم مَاء فَأتي بِمَاء فَوضع يَده فِي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ المَاء ثمَّ قَالَ توضؤوا بِسم الله أَي قائلين ذَلِك

فَرَأَيْت المَاء يفور من بَين أَصَابِعه حَتَّى تَوَضَّأ نَحْو سبعين رجلا

وَلخَبَر توضؤوا بِسم الله رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَإِنَّمَا لم تجب لآيَة الْوضُوء المبينة لواجباته

وَأما خبر لَا وضوء لمن لم يسم الله فضعيف

وأقلها بِسم الله وأكملها كمالها ثمَّ الْحَمد لله على الْإِسْلَام وَنعمته وَالْحَمْد لله الَّذِي جعل المَاء طهُورا وَزَاد الْغَزالِيّ بعْدهَا {رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون} وَتسن التَّسْمِيَة لكل أَمر ذِي بَال أَي حَال يهتم بِهِ من عبَادَة وَغَيرهَا كَغسْل وَتيَمّم وَذبح وجماع وتلاوة وَلَو من أثْنَاء سُورَة لَا لصَلَاة وَحج وَذكر وَتكره لمحرم أَو مَكْرُوه وَالْمرَاد بِأول الْوضُوء أول غسل الْكَفَّيْنِ فينوي الْوضُوء ويسمي الله تَعَالَى

ص: 46

عِنْده بِأَن يقرن النِّيَّة بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد أول غسلهمَا ثمَّ يتَلَفَّظ بِالنِّيَّةِ ثمَّ يكمل غسلهمَا لِأَن التَّلَفُّظ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَة سنة وَلَا يُمكن أَن يتَلَفَّظ بهما فِي زمن وَاحِد فَإِن تَركهَا سَهوا أَو عمدا أَو فِي أول طَعَام كَذَلِك أَتَى بهَا فِي أَثْنَائِهِ فَيَقُول بِسم الله أَوله وَآخره لخَبر إِذا أكل أحدكُم فليذكر اسْم الله تَعَالَى فَإِن نسي أَن يذكر اسْم الله تَعَالَى فِي أَوله فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَيُقَاس بِالْأَكْلِ الْوضُوء وبالنسيان الْعمد وَلَا يسن أَن يَأْتِي بهَا بعد فرَاغ الْوضُوء لانقضائه

كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع بِخِلَافِهِ بعد فَرَاغه من الْأكل فَإِنَّهُ يَأْتِي بهَا ليتقيأ الشَّيْطَان مَا أكله وَيَنْبَغِي أَن يكون الشّرْب كَالْأَكْلِ

(القَوْل فِي غسل الْكَفَّيْنِ)(و) الثَّانِيَة (غسل الْكَفَّيْنِ) إِلَى كوعيه قبل الْمَضْمَضَة وَإِن تَيَقّن طهرهما أَو تَوَضَّأ من نَحْو إبريق لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

فَإِن شكّ فِي طهرهما غسلهمَا (قبل إدخالهما الْإِنَاء) الَّذِي فِيهِ مَاء قَلِيل أَو مَائِع وَإِن كثر (ثَلَاثًا) فَإِن أدخلهما قبل أَن يغسلهَا كره لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا لفظ (ثَلَاثًا) فلمسلم فَقَط أَشَارَ بِمَا علل بِهِ فِيهِ إِلَى احْتِمَال نَجَاسَة الْيَد فِي النّوم كَأَن تقع على مَحل الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ لأَنهم كَانُوا يستنجون بِهِ فَيحصل لَهُم التَّرَدُّد وعَلى هَذَا حمل الحَدِيث لَا على مُطلق النّوم كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ المُرَاد فَمن لم ينم وَاحْتمل نَجَاسَة يَده كَانَ فِي معنى النَّائِم وَهَذِه الغسلات الثَّلَاث هِيَ المندوبة أول الْوضُوء لَكِن ندب تَقْدِيمهَا عِنْد الشَّك على غمس يَده وَلَا تَزُول الْكَرَاهِيَة إِلَّا بغسلهما ثَلَاثًا لِأَن الشَّارِع إِذا غيا حكما بغاية فَإِنَّمَا يخرج من عهدته باستيفائها فَسقط مَا قيل من أَنه يَنْبَغِي زَوَال الْكَرَاهَة بِوَاحِدَة لتيقن الطُّهْر بهَا كَمَا لَا كَرَاهَة إِذا تَيَقّن طهرهما ابْتِدَاء وَمن هُنَا يُؤْخَذ مَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ أَن مَحل عدم الْكَرَاهَة عِنْد تَيَقّن طهرهما إِذا كَانَ مُسْتَندا ليقين غسلهمَا ثَلَاثًا فَلَو غسلهمَا فِيمَا مضى من نَجَاسَة متيقنة أَو مشكوكة مرّة أَو مرَّتَيْنِ كره غمسهما قبل إِكْمَال الثَّلَاثَة وَمثل الْمَائِع فِيمَا ذكر كل مَأْكُول رطب كَمَا فِي الْعباب فَإِن تعذر عَلَيْهِ الصب لكبر الْإِنَاء وَلم يجد مَا يغْرف بِهِ مِنْهُ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَو أَخذه بِطرف ثوب نظيف أَو بِفِيهِ أَو نَحْو ذَلِك أما إِذا تَيَقّن نجاستهما فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ إدخالهما فِي الْإِنَاء قبل غسلهمَا لما فِي ذَلِك من التضمخ بِالنَّجَاسَةِ وَخرج بِالْمَاءِ الْقَلِيل الْكثير فَلَا يكره فِيهِ كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي دقائقه

ص: 47

(القَوْل فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق)(و) الثَّالِثَة (الْمَضْمَضَة) وَهِي جعل المَاء فِي الْفَم وَلَو من غير إدارة فِيهِ وَمَج مِنْهُ (و) الرَّابِعَة (الِاسْتِنْشَاق) بعد الْمَضْمَضَة وَهُوَ جعل المَاء فِي الْأنف وَإِن لم يصل إِلَى الخيشوم وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأما خبر تمضمضوا واستنشقوا فضعيف

(تَقْدِيمهَا على الْوَجْه مُسْتَحقّ) تَنْبِيه تَقْدِيم غسل الْيَدَيْنِ على الْمَضْمَضَة وَهِي على الِاسْتِنْشَاق مُسْتَحقّ لَا مُسْتَحبّ عكس تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَفرق الرَّوْيَانِيّ بِأَن الْيَدَيْنِ مثلا عضوان متفقان اسْما وَصُورَة بِخِلَاف الْفَم وَالْأنف

فَوَجَبَ التَّرْتِيب بَينهمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْه فَلَو أَتَى بالاستنشاق مَعَ الْمَضْمَضَة حسبت دونه وَإِن قدمه عَلَيْهَا فقضية كَلَام الْمَجْمُوع أَن الْمُؤخر يحْسب

وَقَالَ فِي الرَّوْضَة لَو قدم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على غسل الْكَفّ لم يحْسب الْكَفّ على الْأَصَح

قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَصَوَابه ليُوَافق مَا فِي الْمَجْمُوع لم تحسب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على الْأَصَح انْتهى

وَالْمُعْتَمد مَا فِي الرَّوْضَة لقَولهم فِي الصَّلَاة الثَّالِث عشر تَرْتِيب الْأَركان خرج السّنَن فيحسب مِنْهَا مَا أوقعه أَولا فَكَأَنَّهُ ترك غَيره فَلَا يعْتد بِفِعْلِهِ بعد ذَلِك كَمَا لَو تعوذ ثمَّ أَتَى بِدُعَاء الِافْتِتَاح

وَمن فَوَائِد غسل الْكَفَّيْنِ والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق أَولا معرفَة أَوْصَاف المَاء وَهِي اللَّوْن والطعم والرائحة هَل تَغَيَّرت أَو لَا وَيسن أَخذ المَاء بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَيسن أَن يُبَالغ فيهمَا غير الصَّائِم لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَة صحّح ابْن الْقطَّان إسنادها إِذا تَوَضَّأت فأبلغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مَا لم تكن صَائِما وَالْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة أَن يبلغ المَاء إِلَى أقْصَى الحنك ووجهي الْأَسْنَان واللثات وَيسن إدارة المَاء فِي الْفَم ومجه وإمرار أصْبع يَده الْيُسْرَى على ذَلِك وَالِاسْتِنْشَاق أَن يصعد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخيشوم وَيسن الاستنثار لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَن يخرج بعد الِاسْتِنْشَاق مَا فِي أَنفه من مَاء وأذى بخنصر يَده الْيُسْرَى وَإِذا بَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق فَلَا يستقصي فَيصير سعوطا لَا استنشاقا قَالَه فِي الْمَجْمُوع

أما الصَّائِم فَلَا تسن لَهُ الْمُبَالغَة بل تكره لخوف الافطار كَمَا فِي الْمَجْمُوع

فَإِن قيل لم لم يحرم ذَلِك كَمَا قَالُوا بِتَحْرِيم الْقبْلَة إِذا خشِي الْإِنْزَال مَعَ أَن الْعلَّة فِي كل مِنْهُمَا خوف الْفساد

أُجِيب بِأَن الْقبْلَة غير مَطْلُوبَة بل دَاعِيَة لما يضاد الصَّوْم من الْإِنْزَال بِخِلَاف الْمُبَالغَة فِيمَا ذكر وَبِأَنَّهُ هُنَا يُمكنهُ إطباق الْحلق وَمَج المَاء وَهُنَاكَ لَا يمنكه رد الْمَنِيّ إِذا خرج لِأَنَّهُ مَاء دافق وَبِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ فِي الْقبْلَة إِفْسَاد لعبادة اثْنَيْنِ

(الْجمع والفصل فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق) وَالْأَظْهَر تَفْضِيل الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على الْفَصْل بَينهمَا لصِحَّة الْأَحَادِيث الصَّرِيحَة فِي ذَلِك وَلم يثبت فِي الْفَصْل شَيْء كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَكَون الْجمع بِثَلَاث غرف يتمضمض من كل ثمَّ يستنشق مرّة أفضل من الْجمع بغرفة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا أَو يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق مرّة ثمَّ كَذَلِك ثَانِيَة وثالثة للْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِي ذَلِك

وَفِي الْفَصْل كيفيتان أفضلهما يتمضمض بغرفة ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق بِأُخْرَى ثَلَاثًا وَالثَّانيَِة أَن يتمضمض بِثَلَاث غرفات ثمَّ يستنشق بِثَلَاث غرفات وَهَذِه أنظف الكيفيات وأضعفها وَالسّنة تتأدى بِوَاحِدَة من هَذِه الكيفيات لما علم أَن الْخلاف فِي الْأَفْضَل مِنْهَا

فَائِدَة فِي الغرفة لُغَتَانِ الْفَتْح وَالضَّم فَإِن جمعت على لُغَة الْفَتْح تعين فتح الرَّاء وَإِن جمعت على لُغَة الضَّم جَازَ إسكان الرَّاء وَضمّهَا وَفتحهَا

فتلخص فِي غرفات أَربع لُغَات

(القَوْل فِي مسح جَمِيع الرَّأْس)(و) الْخَامِسَة (مسح جَمِيع الرَّأْس) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وخروجا من خلاف من أوجبه وَالسّنة فِي كيفيته أَن يضع يَده على مقدم رَأسه ويلصق سبابته بِالْأُخْرَى وإبهاميه على صدغيه ثمَّ يذهب بهما إِلَى قَفاهُ ثمَّ يردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي ذهب مِنْهُ إِن

ص: 48

كَانَ لَهُ شعر يَنْقَلِب وَحِينَئِذٍ يكون الذّهاب وَالرَّدّ مسحة وَاحِدَة لعدم تَمام المسحة بالذهاب فَإِن لم يَنْقَلِب شعره لضفره أَو لقصره أَو عَدمه لم يرد لعدم الْفَائِدَة فَإِن ردهما لم تحسب ثَانِيَة لِأَن المَاء صَار مُسْتَعْملا

فَإِن قيل هَذَا مُشكل بِمن انغمس فِي مَاء قَلِيل نَاوِيا رفع الْحَدث ثمَّ أحدث وَهُوَ منغمس ثمَّ نوى رفع الْحَدث فِي حَال انغماسه فَإِن حَدثهُ يرْتَفع ثَانِيًا

أُجِيب بِأَن مَاء الْمسْح تافه فَلَيْسَ لَهُ قُوَّة كقوة هَذَا وَلذَلِك لَو أعَاد مَاء غسل الذِّرَاع مثلا ثَانِيًا لم يحْسب لَهُ غسلة أُخْرَى لِأَنَّهُ تافه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَاء الانغماس

تَنْبِيه إِذا مسح كل رَأسه هَل يَقع كُله فرضا أَو مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَالْبَاقِي سنة وَجْهَان

كَنَظِيرِهِ من تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقِيَام وَإِخْرَاج الْبَعِير عَن خمس فِي الزَّكَاة وَاخْتلف كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي كتبهما فِي التَّرْجِيح فِي ذَلِك وَرجح صَاحب الْعباب أَن مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم فِي الرَّأْس فرض وَالْبَاقِي تطوع وَمثله فِي ذَلِك مَا أمكن فِيهِ التجزي كالركوع بِخِلَاف مَا لم يُمكن كبعير الزَّكَاة وَهُوَ تَفْصِيل حسن

(القَوْل فِي الْمسْح على الْعِمَامَة) فَإِن كَانَ على رَأسه نَحْو عِمَامَة كخمار وقلنسوة وَلم يرد رفع ذَلِك كمل بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا وَإِن لبسهَا على حدث لخَبر مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ فَمسح بناصيته وعَلى عمَامَته

وَسَوَاء أعْسر تنحيتها أم لَا

وَيفهم من قَوْلهم كمل أَنه لَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على الْعِمَامَة وَنَحْوهَا وَهُوَ كَذَلِك

(القَوْل فِي مسح الْأُذُنَيْنِ وكيفيته)(و) السَّادِسَة (مسح) جَمِيع (أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مسح فِي وضوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وَأدْخل أصبعيه فِي صماخي أُذُنَيْهِ وَيَأْخُذ لصماخيه أَيْضا مَاء جَدِيدا

وَكَيْفِيَّة الْمسْح أَن يدْخل مسبحتيه فِي صماخيه ويديرهما فِي المعاطف ويمر إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ ثمَّ يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا

والصماخ بِكَسْر الصَّاد وَيُقَال بِالسِّين هُوَ خرق الْأذن وَتَأْخِير مسح الْأُذُنَيْنِ عَن الرَّأْس مُسْتَحقّ كَمَا هُوَ الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَلَو أَخذ بأصابعه مَاء لرأسه فَلم يمسحه بِمَاء بَعْضهَا وَمسح بِهِ الْأُذُنَيْنِ كفى لِأَنَّهُ مَاء جَدِيد

فَائِدَة روى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله أَعْطَانِي نَهرا يُقَال لَهُ الْكَوْثَر فِي الْجنَّة لَا يدْخل أحدكُم أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ إِلَّا سمع خرير ذَلِك النَّهر

قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله وَكَيف ذَلِك قَالَ أدخلي أصبعيك فِي أذنيك وسدي فَالَّذِي تسمعين فيهمَا من خرير الْكَوْثَر وَهَذَا النَّهر يتشعب مِنْهُ أَنهَار الْجنَّة وَهُوَ مُخْتَصّ بنبينا صلى الله عليه وسلم

نسْأَل الله تَعَالَى من فَضله وَكَرمه أَن يمن علينا وعَلى محبينا بالشرب مِنْهُ فَإِن من شرب مِنْهُ شربة لَا يظمأ بعْدهَا أبدا

(الْكَلَام على تَخْلِيل اللِّحْيَة)(و) السَّابِعَة (تَخْلِيل اللِّحْيَة الكثة) وكل شعر يَكْفِي غسل ظَاهره بالأصابع من أَسْفَله لما روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه

ص: 49

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلل لحيته الْكَرِيمَة

وَلما روى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ كفا من مَاء فَأدْخلهُ تَحت حنكه فخلل بِهِ لحيته وَقَالَ هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي أما مَا يجب غسله من ذَلِك كالخفيف والكثيف الَّذِي فِي حد الْوَجْه من لحية غير الرجل وعارضيه فَيجب إِيصَال المَاء إِلَى ظَاهره وباطنه ومنابته بتخليل أَو غَيره

تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف فِي سنّ التَّخْلِيل أَنه لَا فرق بَين الْمحرم وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا اعْتَمدهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خادمه خلافًا لِابْنِ الْمقري فِي رَوْضَة تبعا للمتولي لَكِن الْمحرم يخلل بِرِفْق لِئَلَّا يتساقط مِنْهُ شعره كَمَا قَالُوهُ فِي تَخْلِيل شعر الْمَيِّت

(القَوْل فِي تَخْلِيل الْأَصَابِع)(و) من السَّابِعَة (تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن وَالْيَدَيْنِ) أَيْضا لخَبر لَقِيط بن صبرَة أَسْبغ الْوضُوء وخلل بَين الْأَصَابِع رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وصححوه والتخليل فِي أَصَابِع الْيَدَيْنِ بالتشبيك بَينهمَا فِي أَصَابِع الرجلَيْن يبْدَأ بخنصر الرجل الْيُمْنَى وَيخْتم بخنصر الرجل الْيُسْرَى ويخلل بخنصر يَده الْيُسْرَى أَو الْيُمْنَى كَمَا رَجحه فِي الْمَجْمُوع من أَسْفَل الرجلَيْن

وإيصال المَاء إِلَى مَا بَين الْأَصَابِع وَاجِب بتخليل أَو غَيره إِذا كَانَت ملتفة لَا يصل المَاء إِلَيْهَا إِلَّا بالتخليل أَو نَحوه فَإِن كَانَت ملتحمة لم يجز فتقها

قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَلم يتَعَرَّض النَّوَوِيّ وَلَا غَيره إِلَى تثليث التَّخْلِيل

وَقد روى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد كَمَا قَالَه فِي شرح الْمُهَذّب عَن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه تَوَضَّأ فخلل بَين أَصَابِع قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعل كَمَا فعلت

وَمُقْتَضى هَذَا اسْتِحْبَاب تثليث التَّخْلِيل انْتهى وَهَذَا ظَاهر

(القَوْل فِي تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى)(و) الثَّامِنَة (تَقْدِيم) غسل (الْيُمْنَى على) غسل (الْيُسْرَى) من كل عضوين لَا يسن غسلهمَا مَعًا كاليدين وَالرّجلَيْنِ لخَبر وَإِذا توضأتم فابدأوا بميامنكم رَوَاهُ ابْنا خُزَيْمَة وحبان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي شَأْنه كُله أَي مِمَّا هُوَ للتكريم كالغسل واللبس والاكتحال والتقليم وقص الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَحلق الرَّأْس والسواك وَدخُول الْمَسْجِد وَتَحْلِيل الصَّلَاة ومفارقة الْخَلَاء وَالْأكل وَالشرب والمصافحة واستلام الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ وَالْأَخْذ والإعطاء والتياسر فِي ضِدّه كدخول الْخَلَاء والاستنجاء والامتخاط وخلع اللبَاس وَإِزَالَة القذر وَكره عَكسه

أما مَا يسن غسلهمَا مَعًا كالخدين وَالْكَفَّيْنِ والأذنين فَلَا يسن تَقْدِيم الْيُمْنَى فيهمَا

نعم من بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ مَعهَا ذَلِك كَأَن قطعت إِحْدَى يَدَيْهِ فَيسنّ لَهُ تَقْدِيم الْيُمْنَى

(القَوْل فِي التَّثْلِيث فِي الطَّهَارَة)(و) التَّاسِعَة (الطَّهَارَة ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك المغسول والممسوح والتخليل الْمَنْدُوب والمفروض لِلِاتِّبَاعِ

رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَإِنَّمَا لم يجب التَّثْلِيث لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة وَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ

تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن تثليث القَوْل كالتسمية وَالتَّشَهُّد آخر الْوضُوء مَعَ أَن ذَلِك سنة فقد روى التَّثْلِيث فِي القَوْل فِي التَّشَهُّد أَحْمد وَابْن ماجة وَصرح بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَظَاهر أَن غير التَّشَهُّد مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كالتسمية مثله وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَنه يكره تثليث مسح الْخُف

قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالظَّاهِر إِلْحَاق الْجَبِيرَة والعمامة إِذا كمل بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بالخف وَتكره الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَالنَّقْص عَنْهَا إِلَّا لعذر كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَكَذَا الْوضُوء فَمن زَاد على هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع إِنَّه صَحِيح

قَالَ نقلا عَن الْأَصْحَاب وَغَيرهم فَمن زَاد على الثَّلَاث أَو نقص عَنْهَا فقد أَسَاءَ وظلم فِي كل من الزِّيَادَة وَالنَّقْص

فَإِن قيل كَيفَ يكون إساءة وظلما وَقد ثَبت أَنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة ومرتين مرَّتَيْنِ أُجِيب بِأَن ذَلِك كُله كَانَ لبَيَان الْجَوَاز

فَكَانَ فِي ذَلِك الْحَال أفضل لِأَن الْبَيَان فِي حَقه صلى الله عليه وسلم وَاجِب

قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد وَمحل الْكَرَاهَة فِي الزِّيَادَة إِذا أَتَى بهَا على قصد نِيَّة الْوضُوء أَي أَو أطلق فَلَو زَاد عَلَيْهَا بنية التبرد أَو مَعَ قطع نِيَّة الْوضُوء عَنْهَا لم يكره

وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع الْخلاف فَمَا إِذا تَوَضَّأ مَاء مُبَاح أَو مَمْلُوك لَهُ فَإِن تَوَضَّأ بِمَاء مَوْقُوف على من يتَطَهَّر مِنْهُ أَو يتَوَضَّأ مِنْهُ كالمدارس والربط حرمت عَلَيْهِ الزِّيَادَة بِلَا خلاف لِأَنَّهَا غير مَأْذُون فِيهَا

انْتهى

ص: 50

(القَوْل فِي طلب ترك التَّثْلِيث) تَنْبِيه قد يطْلب ترك التَّثْلِيث كَأَن ضَاقَ الْوَقْت بِحَيْثُ لَو اشْتغل بِهِ لخرج الْوَقْت فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ التَّثْلِيث أَو قل المَاء بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إِلَّا للْفَرض فَتحرم الزِّيَادَة لِأَنَّهَا تحوجه إِلَى التَّيَمُّم مَعَ الْقُدْرَة على المَاء كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي التُّحْفَة أَو احْتَاجَ إِلَى الْفَاضِل عَنهُ لعطش بِأَن كَانَ مَعَه من المَاء مَا يَكْفِيهِ للشُّرْب لَو تَوَضَّأ بِهِ مرّة مرّة وَلَو ثلث لم يفضل للشُّرْب شَيْء فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ التَّثْلِيث كَمَا قَالَه الجيلي فِي الإعجاز وَإِدْرَاك الْجَمَاعَة أفضل من تثليث الْوضُوء وَسَائِر آدابه وَلَا يجزىء تعدد قبل إتْمَام الْعُضْو نعم لَو مسح بعض رَأسه ثَلَاثًا حصل التَّثْلِيث لِأَن قَوْلهم من سنَن الْوضُوء تثليث الْمَمْسُوح شَامِل لذَلِك وَأما مَا تقدم فمحله فِي عُضْو يجب استيعابه بالتطهير وَلَا بعد تَمام الْوضُوء فَلَو تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ تَوَضَّأ ثَانِيًا وثالثا كَذَلِك لم يحصل التَّثْلِيث كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري فِي روضه وَفِي فروق الْجُوَيْنِيّ مَا يَقْتَضِيهِ وَإِن أفهم كَلَام الإِمَام خِلَافه

فَإِن قيل قد مر فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَن التَّثْلِيث يحصل بذلك

أُجِيب بِأَن الْفَم وَالْأنف كعضو وَاحِد فَجَاز فيهمَا كاليدين بِخِلَاف الْوَجْه وَالْيَد مثلا لتباعدهما فَيَنْبَغِي أَن يفرغ من أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الآخر وَيَأْخُذ الشاك بِالْيَقِينِ فِي الْمَفْرُوض وجوبا وَفِي الْمَنْدُوب ندبا لِأَن الأَصْل عدم مَا زَاد كَمَا لَو شكّ فِي عدد الرَّكْعَات فَإِذا شكّ هَل غسل ثَلَاثًا أَو مرَّتَيْنِ أَخذ بِالْأَقَلِّ وَغسل أُخْرَى

(القَوْل فِي الْمُوَالَاة وضابطها)(و) الْعَاشِرَة (الْمُوَالَاة) بَين الْأَعْضَاء فِي التَّطْهِير بِحَيْثُ لَا يجِف الأول قبل الشُّرُوع فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَال الْهَوَاء ومزاج الشَّخْص نَفسه وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَيقدر الْمَمْسُوح مغسولا

هَذَا فِي غير وضوء صَاحب الضَّرُورَة كَمَا تقدم وَمَا لم يضق الْوَقْت وَإِلَّا فَتجب وَالِاعْتِبَار بالغسلة الْأَخِيرَة وَلَا يحْتَاج التَّفْرِيق الْكثير إِلَى تَجْدِيد نِيَّة عِنْد عزوبها لِأَن حكمهَا بَاقٍ

(القَوْل فِي السّنَن الزَّائِدَة على الْعشْر) وَقد قدمنَا أَن المُصَنّف لم يحصر سنَن الْوضُوء فِيمَا ذكره فلنذكر مِنْهَا شَيْئا مِمَّا تَركه فَمن السّنَن ترك الِاسْتِعَانَة فِي الصب عَلَيْهِ لغير عذر لِأَنَّهُ الْأَكْثَر من فعله صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهَا نوع من التنعم والتكبر وَذَلِكَ لَا يَلِيق بالمتعبد وَالْأَجْر على قدر النصب وَهِي خلاف الأولى

أما إِذا كَانَ ذَلِك لعذر كَمَرَض أَو نَحوه فَلَا يكون خلاف الأولى دفعا للْمَشَقَّة بل قد تجب الِاسْتِعَانَة إِذا لم يُمكنهُ التَّطْهِير إِلَّا بهَا وَلَو ببذل أُجْرَة مثل وَالْمرَاد بترك الِاسْتِعَانَة الِاسْتِقْلَال بالأفعال لَا طلب الْإِعَانَة فَقَط حَتَّى لَو أَعَانَهُ غَيره وَهُوَ سَاكِت كَانَ الحكم كَذَلِك

وَمِنْهَا ترك نفض المَاء لِأَنَّهُ كالتبري من الْعِبَادَة فَهُوَ خلاف الأولى كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق وَإِن رجح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة أَنه مُبَاح

وَمِنْهَا ترك تنشيف الْأَعْضَاء بِلَا عذر لِأَنَّهُ يزِيل أثر الْعِبَادَة وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بعد غسله من الْجَنَابَة أَتَتْهُ مَيْمُونَة بمنديل فَرده وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا ينفضه

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لإباحة النفض فقد يكون فعله صلى الله عليه وسلم لبَيَان الْجَوَاز أما إِذا كَانَ هُنَاكَ عذر كحر أَو برد أَو التصاق نَجَاسَة فَلَا كَرَاهَة قطعا أَو كَانَ يتَيَمَّم عقب الْوضُوء لِئَلَّا يمْنَع البلل فِي وَجهه وَيَديه التَّيَمُّم وَإِذا نشف فَالْأولى أَن لَا يكون بذيله وطرف ثَوْبه وَنَحْوهمَا

قَالَ فِي الذَّخَائِر فقد قيل إِن ذَلِك يُورث الْفقر

وَمِنْهَا أَن يضع المتوضىء إِنَاء المَاء عَن يَمِينه إِن كَانَ يغترف مِنْهُ وَعَن يسَاره إِن كَانَ يصب مِنْهُ على يَدَيْهِ كإبريق لِأَن ذَلِك أمكن فيهمَا

قَالَه فِي الْمَجْمُوع

وَمِنْهَا تَقْدِيم النِّيَّة مَعَ أول السّنَن الْمُتَقَدّمَة على الْوَجْه ليحصل لَهُ ثَوَابهَا كَمَا مر

ص: 51

وَمِنْهَا التَّلَفُّظ بالمنوي قَالَ ابْن الْمقري سرا مَعَ النِّيَّة بِالْقَلْبِ فَإِن اقْتصر على الْقلب كفى أَو التَّلَفُّظ فَلَا

أَو التَّلَفُّظ بِخِلَاف مَا نوى فَالْعِبْرَة بِالنِّيَّةِ

وَمِنْهَا اسْتِصْحَاب النِّيَّة ذكرا إِلَى آخر الْوضُوء

وَمِنْهَا التَّوَجُّه للْقبْلَة

وَمِنْهَا دلك أَعْضَاء الْوضُوء ويبالغ فِي الْعقب خُصُوصا فِي الشتَاء فقد ورد ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار

وَمِنْهَا الْبدَاءَة بِأَعْلَى الْوَجْه وَأَن يَأْخُذ مَاءَهُ بكفيه مَعًا

وَمِنْهَا أَن يبْدَأ فِي غسل يَدَيْهِ بأطراف أَصَابِعه وَإِن صب عَلَيْهِ غَيره كَمَا جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيقه خلافًا لما قَالَه الصَّيْمَرِيّ من أَنه يبْدَأ بالمرفق إِذا صب عَلَيْهِ غَيره

وَمِنْهَا أَن يقتصد فِي المَاء فَيكْرَه السَّرف فِيهِ

وَمِنْهَا أَن لَا يتَكَلَّم بِلَا حَاجَة وَأَن لَا يلطم وَجهه بِالْمَاءِ

وَمِنْهَا أَن يتعهد موقه وَهُوَ طرف الْعين الَّذِي يَلِي الْأنف بالسبابة الْأَيْمن باليمنى والأيسر باليسرى وَمثله اللحاظ وَهُوَ الطّرف الآخر وَمحل سنّ غسلهمَا إِذا لم يكن فيهمَا رمص يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى مَحَله وَإِلَّا فغسلهما وَاجِب كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع وَمَرَّتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ

وَكَذَا كل مَا يخَاف إغفاله كالغضون

وَمِنْهَا أَن يُحَرك خَاتمًا يصل المَاء تَحْتَهُ

وَمِنْهَا أَن يتوقى الرشاش وَمِنْهَا أَن يَقُول بعد فرَاغ الْوضُوء وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء كَمَا قَالَه فِي الْعباب أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله لخَبر مُسلم من تَوَضَّأ فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى آخِره فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين

زَاده التِّرْمِذِيّ على مُسلم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك لخَبر الْحَاكِم وَصَححهُ من تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت إِلَى آخرهَا كتب فِي رق ثمَّ طبع بِطَابع وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا الْخَاتم

فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَي لم يتَطَرَّق إِلَيْهِ إبِْطَال وَيسن أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عقب الْفَرَاغ من الْوضُوء

تَتِمَّة ينْدب إدامة الْوضُوء وَيسن لقِرَاءَة الْقُرْآن أَو سَمَاعه أَو الحَدِيث أَو سَمَاعه أَو رِوَايَته أَو حمل كتب التَّفْسِير إِذا كَانَ التَّفْسِير أَكثر أَو الحَدِيث أَو الْفِقْه وكتابتهما ولقراءة علم شَرْعِي أَو إقرائه ولأذان وجلوس فِي الْمَسْجِد أَو دُخُوله وللوقوف بِعَرَفَة للسعي ولزيارة قَبره عليه الصلاة والسلام أَو غَيره ولنوم أَو يقظة

وَيسن من حمل ميت ومسه وَمن فصد وحجم وقيء وَأكل لحم جزور وقهقهة مصل وَمن لمس الرجل أَو الْمَرْأَة بدن الْخُنْثَى أَو أحد قبليه وَعند الْغَضَب وكل كلمة قبيحة وَلمن قصّ شَاربه أَو حلق رَأسه ولخطبة غير الْجُمُعَة وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْوضُوء الشَّرْعِيّ لَا اللّغَوِيّ وَلَا ينْدب للبس ثوب وَصَوْم وَعقد نِكَاح وَخُرُوج لسفر ولقاء قادم وزيارة وَالِد وصديق وعيادة مَرِيض وتشييع جَنَازَة وَلَا لدُخُول سوق وَلَا لدُخُول على نَحْو أَمِير

ص: 52