الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لم يحل) بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَكسر الْمُهْملَة أَي لم يخرج (من إِحْرَامه حَتَّى يَأْتِي بِهِ) أَي الْمَتْرُوك وَلَو بعد سِنِين لِأَن الطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق لَا آخر لوَقْتهَا أما ترك الْوُقُوف فقد عرف حكمه من كَلَامه سَابِقًا (وَمن ترك وَاجِبا) من وَاجِبَات الْحَج أَو الْعمرَة الْمُتَقَدّم ذكره سَوَاء أتركه عمدا أم سَهوا أم جهلا (لزمَه) بِتَرْكِهِ (دم) وَهُوَ شَاة كَمَا سَيَأْتِي (وَمن ترك سنة) من سنَن الْحَج أَو الْعمرَة (لم يلْزمه بِتَرْكِهَا شَيْء) كتركها من سَائِر الْعِبَادَات
فصل فِي الدِّمَاء الْوَاجِبَة وَمَا يقوم مقَامهَا
(والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان
فَهَذِهِ تِسْعَة أَنْوَاع أخل المُصَنّف بالأخير مِنْهَا وَالثَّمَانِيَة مَعْلُومَة من كَلَامه إِذْ الثَّلَاثَة الأول دَاخِلَة فِي تَعْبِيره بالنسك كَمَا سَيظْهر لَك وَدم الِاسْتِمْتَاع دَاخل فِي تَعْبِيره بالترفه كَمَا سَيظْهر لَك أَيْضا وستعرف التَّاسِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(أَحدهَا) أَي الدِّمَاء (الدَّم الْوَاجِب بترك نسك) وَهُوَ شَامِل لثَلَاثَة أَنْوَاع الأول دم التَّمَتُّع وَإِنَّمَا يجب بترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من مِيقَات بَلَده وَالثَّانِي دم الْفَوات للوقوف بعد التَّحَلُّل بِعَمَل عمْرَة كَمَا مر
وَالثَّالِث الدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ من الْوَاجِبَات الْمُتَقَدّمَة (وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب فِي هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة (على التَّرْتِيب) وَالتَّقْدِير وَسَيَأْتِي بَيَان التَّقْدِير وَأما التَّرْتِيب فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة وَوقت وجوب الدَّم على التَّمَتُّع إِحْرَامه بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يصير مُتَمَتِّعا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج وَيجوز ذبحه إِذا فرغ من الْعمرَة وَلَكِن الْأَفْضَل ذبحه يَوْم النَّحْر وَشرط وُجُوبه أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام وَهُوَ من مَسْكَنه دون مَسَافَة الْقصر من الْحرم وَأَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج من مِيقَات بَلَده وَأَن يحجّ بعْدهَا فِي سنتها وَأَن لَا يعود إِلَى الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أحرم مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بعد مُجَاوزَة الْمِيقَات وَقد بَقِي بَينه وَبَين مَكَّة مَسَافَة الْقصر فَعَلَيهِ دم الْإِسَاءَة (فَإِن لم يجد) تَارِك النّسك شَاة بِأَن عجز عَنْهَا حسا بِأَن فقدها أَو ثمنهَا أَو شرعا بِأَن وجدهَا بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا أَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو غَابَ عَنهُ مَاله أَو نَحْو ذَلِك فِي مَوْضِعه وَهُوَ الْحرم سَوَاء أقدر عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَو لَا بِخِلَاف كَفَّارَة الْيَمين لِأَن الْهَدْي يخْتَص ذبحه بِالْحرم وَالْكَفَّارَة لَا تخْتَص بِهِ (فَصِيَام عشرَة أَيَّام) بدلهَا وجوبا (ثَلَاثَة) مِنْهَا (فِي الْحَج) لقَوْله تَعَالَى {فَمن لم يجد} أَي الْهَدْي {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} أَي بعد الْإِحْرَام فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على الْإِحْرَام بِخِلَاف الدَّم لِأَن الصَّوْم عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على وَقتهَا كَالصَّلَاةِ وَالدَّم عبَادَة مَالِيَّة فَأشبه الزَّكَاة
وَيسْتَحب صَومهَا قبل يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ يسن للْحَاج فطره فَيحرم قبل سادس ذِي الْحجَّة ويصومه وتالييه وَإِذا أحرم فِي زمن يسع الثَّلَاثَة وَجب عَلَيْهِ تَقْدِيمهَا على يَوْم النَّحْر فَإِن أَخّرهَا عَن يَوْم النَّحْر أَثم وَصَارَت قَضَاء وَلَيْسَ السّفر عذرا فِي تَأْخِير صَومهَا لِأَن صَومهَا مُتَعَيّن إِيقَاعه فِي الْحَج بِالنَّصِّ وَإِن كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يكون السّفر عذرا بِخِلَاف رَمَضَان وَلَا يجوز صَومهَا فِي يَوْم النَّحْر وَكَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي الْجَدِيد وَلَا يجب عَلَيْهِ تَقْدِيم الْإِحْرَام بِزَمن يتَمَكَّن من صَوْم الثَّلَاثَة فِيهِ قبل يَوْم النَّحْر خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين فِي وجوب ذَلِك إِذْ لَا يجب تَحْصِيل سَبَب الْوُجُوب وَيجوز أَن لَا يحجّ فِي هَذَا الْعَام وَيسن للموسر أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي الْحجَّة لِلِاتِّبَاعِ وللأمر بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسمي يَوْم التَّرويَة لانتقالهم فِيهِ من مَكَّة إِلَى منى (و) أَن يَصُوم بعد الثَّلَاثَة (سَبْعَة) أَيَّام (إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله) ووطنه إِن أَرَادَ الرُّجُوع إِلَيْهِم لقَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام
فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا يجوز صَومهَا فِي الطَّرِيق لذَلِك فَإِن أَرَادَ الْإِقَامَة بِمَكَّة صامها بهَا كَمَا قَالَه فِي الْبَحْر
وَينْدب تتَابع الثَّلَاثَة والسبعة أَدَاء كَانَت أَو قَضَاء لِأَن فِيهِ مبادرة لقَضَاء الْوَاجِب وخروجا من خلاف من أوجبه
نعم إِن أحرم بِالْحَجِّ سادس ذِي الْحجَّة لزم صَوْم الثَّلَاثَة متتابعة فِي الْحَج لضيق الْوَقْت لَا للتتابع نَفسه وَلَو فَاتَتْهُ الثَّلَاثَة فِي الْحَج بِعُذْر أَو غَيره لزمَه قَضَاؤُهَا
وَيفرق فِي قَضَائهَا بَينهَا وَبَين السَّبْعَة بِقدر أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَمُدَّة إِمْكَان السّير إِلَى أَهله على الْعَادة الْغَالِبَة كَمَا فِي الْأَدَاء فَلَو صَامَ عشرَة وَلَاء حصلت الثَّلَاثَة وَلَا يعْتد بالبقية لعدم التَّفْرِيق
(وَالثَّانِي الدَّم الْوَاجِب بِالْحلقِ والترفه) كالقلم من الْيَد أَو الرجل وتكمل الْفِدْيَة فِي إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات أَو إِزَالَة ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بِأَن اتَّحد الزَّمَان وَالْمَكَان وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} أَي شعرهَا وَشعر سَائِر الْجَسَد مُلْحق بِهِ بِجَامِع الترفه وَأما الظفر فقياسا على الشّعْر لما فِيهِ من الترفه
وَالشعر يصدق بِالثَّلَاثَةِ وَيُقَاس بِهِ الْأَظْفَار وَلَا يعْتَبر جَمِيعه بِالْإِجْمَاع وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين النَّاسِي للْإِحْرَام وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ لعُمُوم الْآيَة وكسائر الْإِتْلَاف وَهَذَا بِخِلَاف النَّاسِي وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ فِي التَّمَتُّع باللبس وَالطّيب والدهن وَالْجِمَاع ومقدماته اعْتِبَار الْعلم وَالْقَصْد فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فيهمَا نعم لَو أزالها مَجْنُون أَو مغمى عَلَيْهِ أَو صبي غير مُمَيّز لم تلْزمهُ الْفِدْيَة وَالْفرق بَين هَؤُلَاءِ وَبَين الْجَاهِل وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يعقلان فعلهمَا فينسبان إِلَى التَّقْصِير بِخِلَاف هَؤُلَاءِ على أَن الْجَارِي على قَاعِدَة الْإِتْلَاف وُجُوبهَا عَلَيْهِم أَيْضا وَمثلهمْ فِي ذَلِك النَّائِم وَلَو أزيل ذَلِك بِقطع جلد أَو عُضْو لم يجب فِيهِ شَيْء لِأَن مَا أزيل تَابع غير مَقْصُود بالإزالة وَيلْزمهُ فِي الشعرة الْوَاحِدَة أَو الظفر الْوَاحِد أَو بعض شَيْء من أَحدهمَا مد طَعَام وَفِي الشعرتين أَو الظفرين مدان وللمعذور فِي الْحلق بإيذاء قمل أَو نَحوه كوسخ أَن يحلق ويفدي لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} الْآيَة
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَكَذَا تلْزمهُ الْفِدْيَة فِي كل محرم أُبِيح للْحَاجة إِلَّا لبس السَّرَاوِيل والخفين المقطوعين لِأَن ستر الْعَوْرَة ووقاية الرجل عَن النَّجَاسَة مَأْمُور بهَا فَخفف فيهمَا والحصر فِيمَا قَالَه مَمْنُوع أَو مؤول فقد اسْتثْنى صور لَا فديَة فِيهَا مِنْهَا مَا إِذا أَزَال مَا نبت من شعر فِي عينه وتأذى بِهِ وَمِنْهَا مَا إِذا أَزَال قدر مَا يغطيها من شعر رَأسه وحاجبيه إِذا طَال بِحَيْثُ ستر بَصَره وَمِنْهَا مَا لَو انْكَسَرَ ظفره فَقطع المؤذي مِنْهُ فَقَط
تَنْبِيه دخل فِي إِطْلَاق المُصَنّف الترفه كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي تعداد الْأَنْوَاع دم الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس ومقدمات الْجِمَاع وَالْجِمَاع بَين التحللين ودهن شعر الرَّأْس واللحية وَلَو محلوقين وَألْحق الْمُحب الطَّبَرِيّ بذلك بحثا الْحَاجِب والعذار والشارب والعنفقة
وَفصل ابْن النَّقِيب فَألْحق باللحية مَا اتَّصل بهَا كالشارب والعنفقة والعذار دون الْحَاجِب والهدب وَمَا على الْجَبْهَة وَمَرَّتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَأَن هَذَا هُوَ الظَّاهِر
(وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب بِمَا ذكر هُنَا (على التَّخْيِير) وَالتَّقْدِير فَتجب (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو مَا يقوم مقَامهَا من سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة (أَو صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام) وَلَو مُتَفَرِّقَة (أَو التَّصَدُّق بِثَلَاثَة آصَع) بِمد الْهمزَة وَضم الْمُهْملَة جمع صَاع (على سِتَّة مَسَاكِين) لكل مِسْكين نصف صَاع وَتقدم فِي زَكَاة الْفطر بَيَان الصَّاع وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} أَي فحلق {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
فَائِدَة سَائِر الْكَفَّارَات لَا يُزَاد الْمِسْكِين فِيهَا على مد إِلَّا فِي هَذَا
الْحَج أَو الْعمرَة
وَسكت المصف عَن بَيَان الدَّم هُنَا وَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل كَمَا سَيَأْتِي (فيتحلل) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وجوبا سَوَاء أَكَانَ حَاجا أم مُعْتَمِرًا أم قَارنا وَسَوَاء أَكَانَ الْمَنْع بِقطع الطَّرِيق أم بِغَيْرِهِ منع من الرُّجُوع أم لَا وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَإِن أحصرتم} أَي وأردتم التَّحَلُّل {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} إِذْ
(وَالثَّالِث الدَّم الْوَاجِب بالإحصار) وَهُوَ الْمَنْع من جَمِيع الطّرق عَن إتْمَام الْإِحْصَار بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجب الْهَدْي وَالْأولَى للمحصر الْمُعْتَمِر الصَّبْر عَن التَّحَلُّل وَكَذَا الْحَاج إِن اتَّسع الْوَقْت وَإِلَّا فَالْأولى التَّعْجِيل لخوف الْفَوات
نعم إِن كَانَ فِي الْحَج وتيقن زَوَال الْحصْر فِي مُدَّة يُمكنهُ إِدْرَاك الْحَج بعْدهَا أَو فِي الْعمرَة وتيقن قرب زَوَاله وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام امْتنع تحلله كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا أحد الْمَوَانِع من إتْمَام النّسك وَهِي سِتَّة
وَثَانِي الْمَوَانِع الْحَبْس ظلما كَأَن حبس بدين وَهُوَ مُعسر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يتَحَلَّل كَمَا فِي الْحصْر الْعَام وَلَا تحلل بِالْمرضِ وَنَحْوه كإضلال طَرِيق فَإِن شَرط فِي إِحْرَامه أَن يتَحَلَّل بِالْمرضِ وَنَحْوه جَازَ لَهُ أَن يتَحَلَّل بِسَبَب (وَيهْدِي) الْمحصر إِذا أَرَادَ التَّحَلُّل (شَاة) أَو مَا يقوم مقَامهَا من بَدَنَة أَو بقرة أَو سبع إِحْدَاهمَا حَيْثُ أحْصر فِي حل أَو حرم وَلَا يسْقط عَنهُ الدَّم إِذا شَرط عِنْد الْإِحْرَام أَنه يتَحَلَّل إِذا أحْصر بِخِلَاف مَا إِذا شَرط فِي الْمَرَض أَنه يتَحَلَّل بِلَا هدي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه لِأَن حصر الْعَدو لَا يفْتَقر إِلَى شَرط فَالشَّرْط فِيهِ لاغ وَلَو أطلق فِي التَّحَلُّل من الْمَرَض بِأَن لم يشرط هَديا لم يلْزمه شَيْء بِخِلَاف مَا إِذا شَرط التَّحَلُّل بِالْهَدْي فَإِنَّهُ يلْزمه وَلَا يجوز الذّبْح بِموضع من الْحل غير الَّذِي أحْصر فِيهِ كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع
وَإِنَّمَا يحصل التَّحَلُّل بِالذبْحِ وَنِيَّة التَّحَلُّل الْمُقَارنَة لَهُ لِأَن الذّبْح قد يكون للتحلل وَقد يكون لغيره فَلَا بُد من قصد صَارف وكيفيتها أَن يَنْوِي خُرُوجه عَن الْإِحْرَام وَكَذَا الْحلق أَو نَحوه إِن جَعَلْنَاهُ نسكا وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر
وَلَا بُد من مُقَارنَة النِّيَّة كَمَا فِي الذّبْح وَيشْتَرط تَأَخره عَن الذّبْح لِلْآيَةِ السَّابِقَة فَإِن فقد الدَّم حسا كَأَن لم يجد ثمنه أَو شرعا كَأَن احْتَاجَ إِلَى ثمنه أَو وجده غاليا فَالْأَظْهر أَن لَهُ بَدَلا قِيَاسا على دم التَّمَتُّع وَغَيره
وَالْبدل طَعَام بِقِيمَة الشَّاة فَإِن عجز عَن الطَّعَام صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَن كل مد يَوْمًا قِيَاسا على الدَّم الْوَاجِب بترك الْمَأْمُور بِهِ وَله إِذا انْتقل إِلَى الصَّوْم التَّحَلُّل فِي الْحَال بِالْحلقِ بنية التَّحَلُّل عِنْده لِأَن التَّحَلُّل إِنَّمَا شرع لدفع الْمَشَقَّة لتضرره بالْمقَام على الْإِحْرَام
وثالث الْمَوَانِع الرّقّ فَإِذا أحرم الرَّقِيق بِلَا إِذن سَيّده فَلهُ تَحْلِيله بِأَن يَأْمُرهُ بالتحلل لِأَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه حرَام لِأَنَّهُ يعطل عَلَيْهِ مَنَافِعه الَّتِي يَسْتَحِقهَا فَإِنَّهُ قد يُرِيد مِنْهُ مَا لَا يُبَاح للْمحرمِ كالاصطياد وَله أَن يتَحَلَّل وَإِن لم يَأْمُرهُ بذلك سَيّده فَإِن أمره بِهِ لزمَه فيحلق وَيَنْوِي التَّحَلُّل
فَعلم أَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه صَحِيح وَإِن حرم عَلَيْهِ فَإِن لم يتَحَلَّل فَلهُ اسْتِيفَاء منفعَته مِنْهُ وَالْإِثْم عَلَيْهِ
ورابع الْمَوَانِع الزَّوْجِيَّة فَللزَّوْج الْحَلَال أَو الْمحرم تَحْلِيل زَوجته كَمَا لَهُ منعهَا ابْتِدَاء من حج أَو عمْرَة تطوع لم يَأْذَن فِيهِ وَله تحليلها أَيْضا من فرض الْإِسْلَام من حج أَو عمْرَة بِلَا إِذن لِأَن حَقه على الْفَوْر والنسك على التَّرَاخِي
فَإِن قيل لَيْسَ لَهُ منعهَا من فرض الصَّلَاة وَالصَّوْم فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن مدتهما لَا تطول فَلَا يلْحق الزَّوْج كَبِير ضَرَر
وخامس الْمَوَانِع الْأُبُوَّة فَإِن أحرم الْوَلَد بنفل بِلَا إِذن من أَبَوَيْهِ فَلِكُل مِنْهُمَا مَنعه وتحليله وتحليلهما لَهُ كتحليل السَّيِّد رَقِيقه وَلَيْسَ لأحد من أَبَوَيْهِ مَنعه من فرض عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْخَوْف فِيهِ كالخوف فِي الْجِهَاد
وَيسن للْوَلَد استئذانهما إِذا كَانَا مُسلمين فِي النّسك فرضا أَو تَطَوّعا وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَو أذن الزَّوْج لزوجته كَانَ لأبويها منعهَا وَهُوَ ظَاهر إِلَّا أَن يُسَافر مَعهَا الزَّوْج
وسادس الْمَوَانِع الدّين فَلَيْسَ لغريم الْمَدِين تَحْلِيله إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي إِحْرَامه وَله مَنعه من الْخُرُوج إِذا كَانَ مُوسِرًا وَالدّين حَالا ليوفيه حَقه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُعسرا أَو مُوسِرًا وَالدّين مُؤَجّلا فَلَيْسَ لَهُ مَنعه إِذْ لَا يلْزمه أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ فَإِن كَانَ الدّين يحل فِي غيبته اسْتحبَّ لَهُ أَن يُوكل من يَقْضِيه عِنْد حل حُلُوله وَلَا قَضَاء على الْمحصر المتطوع لعدم وُرُوده فَإِن كَانَ نُسكه فرضا مُسْتَقرًّا كحجة الْإِسْلَام فِيمَا بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان أَو كَانَت قَضَاء أَو نذرا بَقِي فِي ذمَّته أَو غير مُسْتَقر كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة بعد زَوَال الْإِحْصَار
(وَالرَّابِع الدَّم الْوَاجِب بقتل الصَّيْد) الْمَأْكُول الْبري الوحشي أَو الْمُتَوَلد من الْمَأْكُول الْبري الوحشي وَمن غَيره كمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي
وَاعْلَم أَن الصَّيْد ضَرْبَان مَا لَهُ مثل من النعم فِي الصُّورَة والخلقة تَقْرِيبًا فَيضمن بِهِ وَمَا لَا مثل لَهُ فَيضمن بِالْقيمَةِ إِن لم يكن فِيهِ نقل وَمن الأول مَا فِيهِ نقل بعضه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبَعضه عَن السّلف فَيتبع
وَقد شرع المُصَنّف فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ (وَهُوَ)
أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّخْيِير بَين ثَلَاثَة أُمُور (إِن كَانَ الصَّيْد) الْمَقْتُول أَو المزمن (مِمَّا لَهُ مثل) شبه صوري من النعم
وَذكر المُصَنّف الأول من هَذِه الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أخرج الْمثل من النعم) أَي يذبح الْمثل من النعم وَيتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه فَفِي إِتْلَاف النعامة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بَدَنَة كَذَلِك فَلَا تجزىء بقرة وَلَا سبع شِيَاه أَو أَكثر لِأَن جَزَاء الصَّيْد يُرَاعى فِيهِ الْمُمَاثلَة وَفِي وَاحِد من بقر الْوَحْش أَو حِمَاره بقرة وَفِي الغزال وَهُوَ ولد الظبية إِلَى أَن يطلع قرناه معز صَغِير فَفِي الذّكر جدي وَفِي الْأُنْثَى عنَاق فَإِن طلع قرناه سمي الذّكر ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَة وفيهَا عنز وَهِي أُنْثَى الْمعز الَّتِي تمّ لَهَا سنة وَفِي الأرنب عنَاق وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا قويت مَا لم تبلغ سنة وَفِي اليربوع جفرة وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا بلغت أَرْبَعَة أشهر وَفِي الضبع كَبْش وَفِي الثَّعْلَب شَاة وَمَا لَا نقل فِيهِ من الصَّيْد عَمَّن سَيَأْتِي يحكم فِيهِ بِمثلِهِ من النعم عَدْلَانِ لقَوْله تَعَالَى {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} الْآيَة
وَالْعبْرَة بالمماثلة بالخلقة وَالصُّورَة تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقا فَأَيْنَ النعامة من الْبَدنَة لَا بِالْقيمَةِ فَيلْزم فِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الذّكر ذكر وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى وَفِي الصَّحِيح صَحِيح وَفِي الْمَعِيب معيب إِن اتَّحد جنس الْعَيْب وَفِي السمين سمين وَفِي الهزيل هزيل
وَلَو فدى الْمَرِيض بِالصَّحِيحِ أَو الْمَعِيب بالسليم أَو الهزيل بالسمين فَهُوَ أفضل وَيجب أَن يكون العدلان فقيهين فطنين لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أعرف بالشبه الْمُعْتَبر شرعا
وَمَا ذكر من وجوب الْفِقْه مَحْمُول على الْفِقْه الْخَاص بِمَا يحكم بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب من أَن الْفِقْه مُسْتَحبّ مَحْمُول على زيارته
تَنْبِيه لَو حكم عَدْلَانِ بِأَن لَهُ مثلا وعدلان بِعَدَمِهِ فَهُوَ مثلي كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة وَلَو حكم عَدْلَانِ بِمثل وآخران بِمثل آخر تخير على الْأَصَح
ثمَّ ذكر الثَّانِي من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو قومه) أَي الْمثل بِدَرَاهِم بِقِيمَة مثله بِمَكَّة يَوْم الْإِخْرَاج (وَاشْترى بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) مجزئا فِي الْفطْرَة أَو مِمَّا هُوَ عِنْده (وَتصدق بِهِ) أَي الطَّعَام وجوبا على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه القاطنين وَغَيرهم وَلَا يجوز لَهُ التَّصَدُّق بِالدَّرَاهِمِ
ثمَّ ذكر الثَّالِث من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ (وَإِن كَانَ الصَّيْد) الَّذِي وَجب فِيهِ الدَّم (مِمَّا لَا مثل لَهُ) مِمَّا لَا نقل فِيهِ كالجراد وَبَقِيَّة الطُّيُور مَا عدا الْحمام كَمَا سَيَأْتِي سَوَاء كَانَ أكبر جثة من الْحمام أم لَا (أخرج بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) وَإِنَّمَا لَزِمته الْقيمَة عملا بِالْأَصْلِ فِي المتقومات وَقد حكمت الصَّحَابَة بهَا فِي الْجَرَاد وَلِأَنَّهُ مَضْمُون لَا مثل لَهُ فضمن بِالْقيمَةِ كَمَال الْآدَمِيّ وَيرجع فِي الْقيمَة إِلَى عَدْلَيْنِ أما مَا لَا مثل لَهُ مِمَّا فِيهِ نقل وَالْحمام وَهُوَ مَا عب أَي شرب المَاء بِلَا مص وهدر أَي رَجَعَ صَوته وغرد كاليمام والقمري والفاختة وكل مطوق فَفِي الْوَاحِدَة مِنْهُ شَاة من ضَأْن أَو معز بِحكم الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَفِي مستندهم وَجْهَان أصَحهمَا تَوْقِيف
بَلغهُمْ فِيهِ وَالثَّانِي مَا بَينهمَا من الشّبَه وَهُوَ ألف الْبيُوت وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي بعض أَنْوَاع الْحمام إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الفواخت وَنَحْوهَا وَيتَصَدَّق بِالطَّعَامِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه كَمَا مر (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَوضِع كَانَ قِيَاسا على الْمثْلِيّ
تَنْبِيه تعْتَبر قيمَة الْمثْلِيّ وَالطَّعَام فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِجَمِيعِ الْحرم لِأَنَّهُ مَحل الذّبْح لَا بِمحل الْإِتْلَاف على الْمَذْهَب وَغير الْمثْلِيّ تعْتَبر قِيمَته فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِتْلَاف لَا الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِمحل الْإِتْلَاف لَا بِالْحرم على الْمَذْهَب
(وَالْخَامِس الدَّم الْوَاجِب بِالْوَطْءِ) الْمُفْسد (وَهُوَ) أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّرْتِيب) وَالتَّعْدِيل على الْمَذْهَب فَيجب بِهِ (بَدَنَة) على الرجل بِصفة الْأُضْحِية لقَضَاء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بذلك وَخرج بِالْوَطْءِ الْمُفْسد مَسْأَلَتَانِ الأولى أَن يُجَامع فِي الْحَج بَين التحللين وَالثَّانيَِة أَن يُجَامع ثَانِيًا بعد جمَاعَة الأول قبل التحللين وَفِي الصُّورَتَيْنِ إِنَّمَا تلْزمهُ شَاة وَبِالرجلِ الْمَرْأَة وَإِن شملتها عِبَارَته فَلَا فديَة عَلَيْهَا على الصَّحِيح سَوَاء أَكَانَ الواطىء زوجا أم غَيره محرما أم حَلَالا
تَنْبِيه حَيْثُ أطلقت الْبَدنَة فِي كتب الحَدِيث وَالْفِقْه المُرَاد بهَا الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى
(فَإِن لم يجد) أَي الْبَدنَة (فبقرة) تجزىء فِي الْأُضْحِية (فَإِن لم يجد) أَي الْبَقَرَة (فسبع من الْغنم) من الضَّأْن أَو الْمعز أَو مِنْهُمَا (فَإِن لم يجد) أَي الْغنم (قوم الْبَدنَة) بِدَرَاهِم بِسعْر مَكَّة حَالَة الْوُجُوب كَمَا قَالَه السُّبْكِيّ وَغَيره
وَلَيْسَت الْمَسْأَلَة فِي الشرحين وَالرَّوْضَة (وَاشْترى بِقِيمَتِهَا) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) أَو أخرجه مِمَّا عِنْده (وَتصدق بِهِ) فِي الْحرم على مساكينه وفقرائه (فَإِن لم يجد) طَعَاما (صَامَ عَن كل مد يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ ويكمل المنكسر
تَنْبِيه المُرَاد بِالطَّعَامِ فِي هَذَا الْبَاب مَا يجزىء عَن الْفطْرَة وَلَو قدر على بعض الطَّعَام وَعجز عَن الْبَاقِي أخرج مَا قدر عَلَيْهِ وَصَامَ عَمَّا عجز عَنهُ
وَقد عرفت مِمَّا تقدم أَن الْمَذْكُور فِي كَلَام المُصَنّف ثَمَانِيَة أَنْوَاع
وَأما النَّوْع التَّاسِع الْمَوْعُود بِذكرِهِ فِيمَا تقدم فَهُوَ دم الْقرَان وَهُوَ كَدم التَّمَتُّع فِي التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير وَسَائِر أَحْكَامه الْمُتَقَدّمَة وَإِنَّمَا لم يدْخل هَذَا النَّوْع فِي تَعْبِيره بترك النّسك لِأَنَّهُ دم جبر لَا دم نسك على الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة
وَسَيَأْتِي جَمِيع الدِّمَاء فِي خَاتِمَة آخر الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(وَلَا يُجزئهُ الْهَدْي وَلَا الْإِطْعَام إِلَّا بِالْحرم) مَعَ التَّفْرِقَة على مساكينه وفقرائه بِالنِّيَّةِ عِنْدهَا وَلَا يُجزئهُ على أقل من ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أَو مِنْهُمَا وَلَو غرباء وَلَا يجوز لَهُ أكل شَيْء مِنْهُ وَلَا نَقله إِلَى غير الْحرم وَإِن لم يجد فِيهِ مِسْكينا وَلَا فَقِيرا
تَنْبِيه أفضل بقْعَة من الْحرم لذبح مُعْتَمر الْمَرْوَة لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله ولذبح الْحَاج منى لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله وَكَذَا حكم مَا سَاقه الْحَاج والمعتمر من هدي نذر أَو نفل مَكَانا فِي الِاخْتِصَاص والأفضلية
وَوقت ذبح هَذَا الْهَدْي وَقت الْأُضْحِية على الصَّحِيح وَالْهَدْي كَمَا يُطلق على مَا يَسُوقهُ الْمحرم يُطلق أَيْضا على مَا يلْزمه من دم الجبرانات وَهَذَا الثَّانِي لَا يخْتَص بِوَقْت الْأُضْحِية
(وَيجزئهُ أَن يَصُوم) مَا وَجب عَلَيْهِ عِنْد التَّخْيِير أَو الْعَجز (حَيْثُ شَاءَ) من حل أَو حرم كَمَا مر إِذْ لَا مَنْفَعَة لأهل الْحرم فِي صِيَامه وَيجب فِيهِ تبييت النِّيَّة وَكَذَا تعْيين جِهَته من تمتّع أَو قرَان أَو نَحْو ذَلِك كَمَا قَالَه الْقَمُولِيّ (وَلَا يجوز) لمحرم وَلَا لحلال (قتل صيد الْحرم) أما حرم مَكَّة فبالإجماع كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَلَو كَانَ كَافِرًا مُلْتَزم للْأَحْكَام وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة قَالَ إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يجوز تنفير صَيْده لمحرم وَلَا لحلال فَغير التنفير أولى
وَقيس بِمَكَّة بَاقِي الْحرم فَإِن أتلف فِيهِ صيدا ضمنه كَمَا مر فِي الْمحرم وَأما حرم الْمَدِينَة فَحَرَام لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة
وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابتيها لَا يقطع عضاهها وَلَا يصاد صيدها وَلَكِن لَا يضمن فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لَيْسَ محلا للنسك بِخِلَاف حرم مَكَّة (وَلَا) يجوز (قطع) وَلَا قلع (شَجَره) أَي حرم مَكَّة وَالْمَدينَة لما مر فِي الْحَدِيثين السَّابِقين وَسَوَاء فِي الشّجر المستنبت وَغَيره لعُمُوم النَّهْي وَمحل ذَلِك فِي الشّجر الرطب غير المؤذي أما الْيَابِس والمؤذي كالشوك والعوسج وَهُوَ ضرب من الشوك فَيجوز قطعه
تَنْبِيه علم من تَعْبِيره بِالْقطعِ تَحْرِيم قلعه من بَاب أولى وَخرج بِالْحرم شجر الْحل إِذا لم يكن بعض أَصله فِي الْحرم فَيجوز قطعه وقلعه وَلَو بعد غرسه فِي الْحرم بِخِلَاف عَكسه عملا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أما مَا بعض أَصله فِي الْحرم فَيحرم تَغْلِيبًا للحرم وَخرج بتقييد غير المستنبت بِالشَّجَرِ الْحِنْطَة وَنَحْوهَا كالشعير والخضراوات فَيجوز قطعهَا وقلعها مُطلقَة بِلَا خلاف كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن ضَمَان شجر حرم مَكَّة فَيجب فِي قطع أَو قلع الشَّجَرَة الحرمية الْكَبِيرَة بِأَن تسمى كَبِيرَة عرفا بقرة سَوَاء أخلفت أم لَا
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا والبدنة فِي معنى الْبَقَرَة وَفِي الصَّغِيرَة إِن قاربت سبع الْكَبِيرَة شَاة فَإِن صغرت جدا فَفِيهَا الْقيمَة وَلَو أَخذ غصنا من شَجَرَة حرمية فأخلف مثله فِي سنته بِأَن كَانَ لطيفا كالسواك فَلَا ضَمَان فِيهِ فَإِن لم يخلف أَو أخلف لَا مثله أَو مثله لَا فِي سنته فَعَلَيهِ الضَّمَان وَالْوَاجِب فِي غير الشّجر من النَّبَات الْقيمَة لِأَنَّهُ الْقيَاس وَلم يرد نَص يَدْفَعهُ وَيحل
أَخذ نَبَاته لعلف الْبَهَائِم وللدواء كالحنظل وللتغذي كالرجلة للْحَاجة إِلَيْهِ وَلِأَن ذَلِك فِي معنى الزَّرْع وَلَا يقطع لذَلِك إِلَّا بِقدر الْحَاجة وَلَا يجوز قطعه للْبيع مِمَّن يعلف بِهِ لِأَنَّهُ كالطعام الَّذِي أُبِيح أكله لَا يجوز بَيْعه
وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنا حَيْثُ جَوَّزنَا أَخذ السِّوَاك كَمَا سَيَأْتِي لَا يجوز بَيْعه وَيجوز رعي حشيش الْحرم وشجره كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم بالبهائم وَيجوز أَخذ أوراق الْأَشْجَار بِلَا خبط لِئَلَّا يضر بهَا وخبطها حرَام كَمَا فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَنقل اتِّفَاقهم على أَنه يجوز أَخذ ثَمَرهَا وعود السِّوَاك وَنَحْوه وَقَضيته أَنه لَا يضمن الْغُصْن اللَّطِيف وَإِن لم يخلف
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ الْأَقْرَب وَيحرم أَخذ نَبَات حرم الْمَدِينَة وَلَا يضمن وَيحرم صيد الطَّائِف ونباته وَلَا ضَمَان فيهمَا قطعا
فَائِدَة يحرم نقل تُرَاب من الْحَرَمَيْنِ أَو أَحْجَار أَو عمل من طين أَحدهمَا كالأباريق وَغَيرهَا إِلَى الْحل فَيجب رده إِلَى الْحرم بِخِلَاف مَاء زَمْزَم فَإِنَّهُ يجوز نَقله وَيحرم أَخذ طيب الْكَعْبَة فَمن أَرَادَ التَّبَرُّك مسحها بِطيب نَفسه ثمَّ يَأْخُذهُ وَأما سترهَا فَالْأَمْر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام يصرفهُ فِي بعض مصاريف بَيت المَال بيعا وَعَطَاء لِئَلَّا يتْلف بالبلى وَبِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وجوزوا لمن أَخذه لبسه وَلَو جنبا أَو حَائِضًا
(وَالْمحل وَالْمحرم فِي ذَلِك) أَي فِي تَحْرِيم صيد الْحرم وَقطع شَجَره وَالضَّمان (سَوَاء) بِلَا فرق لعُمُوم النَّهْي
قَاعِدَة نافعة فِيمَا سبق مَا كَانَ مَحْضا كالصيد وَجَبت الْفِدْيَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ استمتاعا أَو ترفها كالطيب واللبس فَلَا فديَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ فِيهِ شَائِبَة من الْجَانِبَيْنِ كالجماع وَالْحلق والقلم فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح فِي الْجِمَاع عدم وجوب الْفِدْيَة مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَفِي الْحلق والقلم الْوُجُوب مَعَهُمَا
خَاتِمَة حَيْثُ أطلق فِي الْمَنَاسِك الدَّم فَالْمُرَاد بِهِ كَدم الْأُضْحِية فتجزىء الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة عَن سَبْعَة دِمَاء وَإِن اخْتلفت أَسبَابهَا فَلَو ذَبحهَا عَن دم وَاجِب فالفرض سبعها فَلهُ إِخْرَاجه عَنهُ وَأكل الْبَاقِي إِلَّا فِي جَزَاء الصَّيْد الْمثْلِيّ فَلَا يشْتَرط كَونه كالأضحية فَيجب فِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الْمَعِيب معيب كَمَا مر بل لَا تجزىء الْبَدنَة عَن شَاة
وَحَاصِل الدِّمَاء ترجع بِاعْتِبَار حكمهَا إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام دم تَرْتِيب وَتَقْدِير دم تَرْتِيب وتعديل دم تَخْيِير وَتَقْدِير دم تَخْيِير وتعديل
الْقسم الأول يشْتَمل على دم التَّمَتُّع وَالْقرَان والفوات والمنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَهُوَ ترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالرَّمْي وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة وَمنى وَطواف الْوَدَاع فَهَذِهِ الدِّمَاء دِمَاء تَرْتِيب بِمَعْنى أَنه يلْزمه الذّبْح وَلَا يُجزئهُ الْعُدُول إِلَى غَيره إِلَّا إِذا عجز عَنهُ وَتَقْدِير بِمَعْنى أَن الشَّرْع قدر مَا يعدل إِلَيْهِ بِمَا لَا يزِيد وَلَا ينقص
وَالْقسم الثَّانِي يشْتَمل على دم الْجِمَاع فَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل بِمَعْنى أَن الشَّرْع أَمر فِيهِ بالتقويم والعدول إِلَى غَيره بِحَسب الْقيمَة فَيجب فِيهِ بَدَنَة ثمَّ بقرة ثمَّ سبع شِيَاه فَإِن عجز قوم الْبَدنَة بِدَرَاهِم وَاشْترى بهَا طَعَاما وَتصدق بِهِ فَإِن عجز صَامَ عَن كل
مد يَوْمًا ويكمل المنكسر كَمَا مر وعَلى دم الْإِحْصَار فَعَلَيهِ شَاة ثمَّ طَعَام بالتعديل فَإِن عجز صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَالْقسم الثَّالِث يشْتَمل على دم الْحلق والقلم فَيتَخَيَّر إِذا حلق ثَلَاث شَعرَات أَو قلم ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بَين ذبح دم وإطعام سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع وَصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى دم الِاسْتِمْتَاع وَهُوَ التَّطَيُّب والدهن بِفَتْح الدَّال للرأس واللحية وَبَعض شعر الْوَجْه على خلاف تقدم واللبس ومقدمات الْجِمَاع والاستمناء وَالْجِمَاع غير الْمُفْسد
وَالْقسم الرَّابِع يشْتَمل على جَزَاء الصَّيْد وَالشَّجر فجملة هَذِه الدِّمَاء عشرُون دَمًا وَكلهَا لَا تخْتَص بِوَقْت كَمَا مر وتراق فِي النّسك الَّذِي وَجَبت فِيهِ وَدم الْفَوات يجزىء بعد دُخُول وَقت الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ كالمتمتع إِذا فرغ من عمرته فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يذبح قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ ابْن الْمقري لَا يجزىء إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَكلهَا وبدلها من الطَّعَام يخْتَص تفرقته بِالْحرم على مساكينه
وَكَذَا يخْتَص بِهِ الذّبْح إِلَّا الْمحصر فَيذْبَح حَيْثُ أحْصر كَمَا مر فَإِن عدم الْمَسَاكِين فِي الْحرم أَخّرهُ كَمَا مر حَتَّى يجدهم كمن نذر التَّصَدُّق على فُقَرَاء بلد فَلم يجدهم
وَيسن لمن قصد مَكَّة بِحَجّ أَو عمْرَة أَن يهدي إِلَيْهَا شَيْئا من النعم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم أهْدى فِي حجَّة الْوَدَاع مائَة بَدَنَة
وَلَا يجب ذَلِك إِلَّا بِالنذرِ
وَيسن أَن يُقَلّد الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة نَعْلَيْنِ من النِّعَال الَّتِي تلبس فِي الْإِحْرَام وَيتَصَدَّق بهما بعد ذَبحهَا ثمَّ يجرح صفحة سنامها الْيُمْنَى بحديدة مُسْتَقْبلا بهَا الْقبْلَة ويلطخها بِالدَّمِ لتعرف وَالْغنم لَا تجرح بل تقلد عرى الْقرب وآذانها وَلَا يلْزم بذلك ذَبحهَا