الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-2-
سورة البقرة
3-
قوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
قال الرازي: يتضمن الأمر بالصلاة والزكاة.
8-
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}
الآية: قال الرازي: يدل على أن الايمان ليس هو الإقرار دون الاعتقاد لأن الله قد أخبر عن إقرارهم بالإيمان ونفى عنهم اسمه بقوله {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
قال هو وغيره يحتج بهذه الآيات وأشباهها على استتابة الزنديق الذي ظهر منه الكفر لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك ولم يأمر بقتلهم، ومعلوم أن نزول هذه الآيات بعد فرض القتال.
22-
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا}
إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}
فيه دلالة على الأمر باستعمال حجج العقول وإبطال التقليد. قال محمود بن حمزة الكرماني: استدل أكثر المفسرين بالآية على شكل الأرض بسيط ليس بكروي.
29-
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
استدل به على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه.
23-
قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}
استدل به من قال: إنه لا يتعلق الإعجاز بأقل من سورة، ورد به على من قال من المعتزلة بأنه يتعلق بجميع القرآن.
قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}
استدل به على أن النار مخلوقة الآن.
26-
قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} الآية.
فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والضلالة من الله.
30-
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} الآية.
فيه إرشاد عباده إلى المشاورة وأن الحكمة تقتضي إيجاد ما يغلب خيره وإن كان فيه نوع شر وانه لا رأي مع وجود النص وهو أصل في المسائل التعبدية.
31-
قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}
أستدل به من قال إن اللغات توقيفية. وضعها الله بالوحي وعلمها.
33-
قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ}
استدل به صلى الله عليه وسلم على أن آدم مكلم. روى أحمد وغيره عن أبي أمامة: أن أبا ذر قال يا نبي الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: "آدم"، قال: أول نبياً كان آدم؟ قال نعم مكلم، خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم قال يا آدم قيلا وفي بقية الآية دليل على مزية العلم وأنه شرط في الخلافة وفضل آدم على الملائكة قال الإمام: لمتا أراد الله إظهار فضل آدم لم يظهره إلا بالعلم فلو كان في الإمكان شيء أفضل من الهعلم كان إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم وكذلك أمر الملائكة بالسجود له لأجل فضلية العلم.
قلت: ويؤخذ من هذا استحباب القيام للعالم. وقال الطيبي: أفادت هذه الآية أن على اللغة فوق التحلي بالعبادة فكيف علم الشريعة.
34-
قوله: {أَبَى}
رد على الجبرية إذ لا يوصف بالإباء من هو غير قادر على المطلوب.
35-
قوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
إلى آخر القصة فيها دلالة على أن الجنة مخلوقة الآن. قوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}
قال ابم الفرس هذا أًصل جيد في سد لبذرائع لأنه تعالى لما أراد النهي عن الأكل منها نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب.
40-
قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}
يستدل به على دخول اولاد الأولاد في الوقف على الأولاد. قوله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} الآية.
قال ابن الفرس فيه دليل على أن الله على الكفار نعمة خلافاً لمن قال لا نعمة لله عليه وإنما النعمة على المؤمنين.
43-
قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}
قالر الرازي: يفيد إثبات فرض الركوع في الصلاة.
45-
قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}
فيه استحباب الصلاة عند المصيبة وأنها تعين صاحبها، أخرج سعيد بن منصور وغيره عن ابن عباس أنه كان في
مسير فنعى إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال فعلنا كما أمرنا الله: واستعينوا بالصبر والصلاة.
47-
قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}
قال ابن الفرس فيه ورود العام المراد به الخصوص لأن المراد عالم زمانهم.
50-
قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاكُمْ}
الآيات في العجائب للكرماني استدل بها بعض من يقول بالتناسخ وقالوا: إن القوم كانوا هم بأعيانهم فلما تطاولت عليهم مدة التلاشي والبلى نسوا فذكوا، قال وهذا وجهل بكلام العرب فإن العرب تخاطب بمثل هذا وتعني الجد الأعلى والأب الأبعد.
57-
قزله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا}
استدل به على أن الضيف لا يملك ما قدم له وأنه لن يتصرف فيه إلا بإذن، ذكره صاحب التحرير.
59-
قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}
قال الكيا: يدل على أنه لايجوز تغيير الأقوال المنصوص عليها وأنه يتعين اتباعها، وقال الرازي: يحتج به فيما ورد من التوقيف في الأذكار والأقوال وأنه غير جائز تغييرها، وربما احتج به علينا المخالف في تجويز تحريمه الصلاة بلفظ التعظيم والتسبيح، وفي تجويز القراءة بالفارسية وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة وما جرى مجرى ذلك.
67-
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}
إلى آخر القصة فيها أحكام.
الأول استدل بقوله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}
ان الآمر لا يدخل في عموم الأمر فإن موسى لم يدخل في عموم الأمر بدليل قوله {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
ولا يظن بموسى ذلك ذكره الزركشي في شرح جمع الجوامع.
الثاني استدل به بكر بن العلاء على أن السنة في البقرة الذبح.
الثالث استدل به على جواز ورود الأمر مجملاً وتأخير بيانه.
الرابع استدل بقوله: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ}
وبقوله: {مُسَلَّمَةٌ}
على جواز الاجتهاد واستعمال غالب الظن في الأحكام لأن ذلك لا يعلم إلا من الاجتهاد.
الخامس استدل على أن المستهزئ يستحق سمة الجهل، ذكر محمد بن مسعود أن عبيد الله بن الحسن العنبير القاضي مازحه فقال له: لا تجهل، قال: وأنى وجدت المزاح جهلاً فنلا عليه: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .
السادس فيها الإرشاد إلى الاستثناء في الأمور في قوله: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} .
السابع فيها دليل لأهل السنة على المعتزلة لأن الأمر لا يستلزم المشيئة، قاله الماتري.
الثامن استدل بالآية على حصر الحيوان بالوصف وجواز السلم فيه.
التاسع قال المهدوي: في قوله: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}
دليل على أن الأمر على الفور، قال ابن الفرس ويدل على ذلك أنه استقصرهم حين لم يبادروا إلى فعل ما أمرهم به وقال فذبحوها وما كادوا يفعلون.
79-
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ}
الآية استدل به النخعي على كراهة كتابة المصاحف بالأجرة.
81-
قوله تعالى: {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}
استدل به على أن المعلق على شرطين لا يتنجز بأحدهما.
102-
قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية.
استدل بها على أن السحر كفر حيث قال: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} .
وقال {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}
قال بكر بن العلاء وفي الآية أن الساحر يقتل، ووجهه أنه قال:{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}
أي باعوا أنفسهم للقتل بالسحر الذي فعلوه كما قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ - إلى أن قال - فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} .
104-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا}
قال ابن الفرس استدل بها على سد الذرائع في الأحكام، لأن المؤمنين منعوا من وقول: راعنا له صلي الله عليه وسلم لئلا يجد اليهود بذلك السبيل إلى سبه.
106-
قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}
فيها وقوع
النسخ في هذه الملة واستدل بقوله نأت بخير منهاأو مثلها من قال إن النسخ إلى غير بدل لا يجوز ومن قال إنه لا يجوز إلى بدل أغلظ ومن قال إنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة.
114-
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
إلى قوله: {خَائِفِينَ} . قال الرازي: فيه دليل على منع دخول أهل الذمة المساجد، وقال الكيا: يدل أن للمسلمين إخراجهم منها إذا دخلوها ولولا ذلك ما كانوا خائفين بدخولها.
115-
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} . الآية. روى مسلم عن ابن عمر أنها نزلت في صلاة التطوع على الراحلة في السفر، وروى الترمذي وابن ماجة والدارقطني وغيرهم من حديث عامر بن ربيعة وجابر أنها نزلت فيمن صلى بالاجتهاد إلى القبلة ثم تبين له الخطأ. قال الرازي: لايمتنع أن تكون نزلت في الأمرين معاً وقعا في وقت واحد وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهما، فأنزل الله الآيه مريداً بها حكم جميع ذلك.
116-
قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}
ألاية تدل على امتناع اجتماع المُلْك والولادة.
124-
قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}
أخرج ابن المنذر من طريق التيمي عنة ابن عباس أنها مناسك الحج، وأخرج الحاكم وغيره من طريق طاوس عنه أنها قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وتقليم الأظافر، وحلق العانة والختان، ونتف الأبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء واخرج ابن أبي حاتم من طريق حنش الصنعاني عنه أنه المذكورات والمناسك وزاد فيها غسل يوم الجمعة، ففي الآية مشروعية جميع ذلك.
قوله تعالى: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}
؟ قال ابن الفرس: يؤخذ من هذا إباحة السعي في منافع الذرية والقرابة وسؤال ذلك من بيده ذلك.
قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}
قال الراز يفسر السدي العهد بالنبوة. وعن مجاهد أنه أراد أن الظالم لا يكون إماماً، وعن ابن عباس أنه قال لا يلزم الوفاء لعهد الظالم فإذا عقد عليك في ظلم فانقضه قال وجميع ذلك يحتمله اللفظ وجائز أن يكون جميعه مراداً لله وهو محمول على ذلك عندنا فلا يجوز أن يكون الظالم نبياً ولا خليفة نبي، ولا قاضياً ولا من يلزم الناس قبول قوله في أمور الدين، من مفت أو شاهد أو مخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً، فقد أفادت الآية أن شرط جميع من كان محل الائتمام به أمور الدين
العدالة والصلاح، قال: وهذا يدل أيضاً على أن شرط أئمة الصلاة أن يكونوا صالحين غير فساق ولا ظالمين.
125-
قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} . يحتج به في كون الحرم مأمناً. قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . فيه مشروعية ركعتي الطواف واستحبابهما خلف المقام واستدل الرازي بظاهر الأمر على وجوبهما. قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
فيه أن الأعمال المتعلقة بالبيت ثلاثة: الطواف والاعتكاف والصلاة. أخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال إذا كان قائماً فهم من الطائفين، وإذا كان جالساً فهو من العاكفين، وإذا كان مصلياً فهو من الركع السجود. وأخرج أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن ثابت قال قلت لعبد الله ابن عبيد بن عمير ما أراني إلا مكلم الأمير أن امنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال هم العاكفون. وفي الآية مشروعية طهارة المكان للطواف الصلاة. قال الرازي والكيا: وفيها دلالة على أن الطواف للغراء أفضل والصلاة للمقيم أفضل. قلت: ولم يظهر لي وجه ذلك، قالا وفيها دلالة على جواز الصلاة في نفس الكعبة حيث قال: بيتي، خلافاً لمالك. قلت: يرده قوله: للطائفين، والطواف لا يكون في نفس الكعبة، قال الرازي: وفيها دلالة على أن الطواف قبل الصلاة. قلت: قد استدل بذلك ابن عباس، فأخرج الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال أبدأ بالصفا قبل المروة وأصلي قبل أن أطوف أو أطوف قبل أو أحلق قبل أن أذبح أو أبذح قبل أن احلق؟ فقال ابن عباس: ذلك من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ قال الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}
فالصفا قبل المروة. وقال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
فالذبح قبل الحلق، وقال:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
فالطواف قبل الصلاة، وقال الحاكم صحيح الإسناد قال الرازي وفيها دلالة على جواز المجاورة بمكة لأن قوله: والعاكفين، يحتمله مع أن عطاء وغيره قد تأولوه على المجاورين.
127-
قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا} .
قال الرازي فيه أن بناء المساجد قربة. قلت: وفيه استحباب الدعاء بقبول الأعمال.
130-
قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}
فيه دلالة على لزوم اتباع ملته فبما لم يثبت نسخه، ذكره الكيا وغيره.
133-
قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ}
الآية استدل به ابن عباس على أن الجد بمنزلة الأب وعلى توريثه جون الأخوة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول الجد أب ويتلو ابن عباس: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} الآية.
ورد عليه من الآية بذكر إسماعيل فسمى العم أباً ولا يقوم مقامه إجماعاً.
141-
قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} الآية.
قال الرازي: يدل على أن الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء، ولا يعذبون على ذنوبهم، وفيه ابطال مذهب من يجيز تعذيب اولاد المشركين تبعاً لآبائهم، قال ابن الفرس: وفي قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ}
إثبات الكسب للعبد.
142-
قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية.
فيه الرد على من أنكر النسخ ودلالة على جواز نسخ السنة بالقرآن لأن استقبال بيت المقدس كان ثابتاً بالسنة الفعلية لا بالقرآن.
143-
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
يستدل به على تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم، قوله {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
قيل: أي لتكونوا حجة فيما تشهدون كما أنه صلى الله عليه وسلم شهيج بمعنى حجة. قال: ففيه دلالة إجماع الأمة. قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
أي صلاتكم إلى بيت المقدس، استدل به على أن الإيمان قول وعمل.
144-
قزله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}
فيه إيجاب استقبال الكعبة في كل صلاة فرضاً كانت أو نفلاً، في كل مكان حضراً أو سفراً، وهو مخصوص بالآية المتقدمة في نافلة السفر على الراحلة، وبالآية الآتية في حالة المسابقة. قال الرازي: والخطاب لمن كان معايناً للكعبة وغائباً عنها، والمراد لمن كان حاضرها إصابة عينها، ولمن كان غائباً عنها النحو الذي عنده أنه نحو الكعبة وجهتها في غالب ظنه دون العين يقيناً، إذ لا سبيل إلى ذلك وهذا أحد الأصول الدالة على تجويز الاجتهاد، وقد يستدل بقوله: شطره، على أن الفرض للغائب إصابه الجهة لا العين هو أحد قولي الشافعي. وقد أخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس أنه كاان يقول: شطره: نحوه، وأخرج الحاكم عن علي قال: شطره: قبله، وأخرج ابن أبي حاتم عن داود عن رفيع قال: تلقاءه، وأخرج عن البراء قال: شطره: وسطه. وهذا صريح في إرادة العين ولا الجهة.
148-
قوله تعالى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}
يدل على أن تعجيل الطاعات أفضل من تأخيرها.
154-
قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية.
فيها دلالة على حياة الشهداء بعض الموت.
155-
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الآية.
فيه استحباب الاسترجاع عند المصيبة، وإن قلت كما أشر إليه تنكير مصيبة وقد أخرج الطبراني عن أبي أمامه قال انقطع قبال النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع، فقالوا: مصيبة يا رسول الله؟ فقال: {ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة}
وله شواهد أوردتها في التفسير المسند.
158-
قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}
الآية فهم منها جماعة عدم وجوب السعي، وبه قال الثوري واسحق. قال اللخمي ورد القرآن باباحته بقوله:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ}
وتضمنت الآية الندب بقوله: {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}
وقوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}
قال ابن الفرس: وفيه نظر حيث جعله مباحاً مندوبا في آية واحدة، وقال قوم: من شعائر الله دليل على الوجوب لأنه خبر بمعنى الأمر ولا دليل على سقوطه في قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ}
لأنه ورد لرفع ما وقع في نفوسهم كما ثبت في سبب نزولها. وهذا ما ردت به عائشة على عروة في فهمه ذلك، وقال: لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا
جناح عليه ألا يطوف بهما الحديث، أخرجه الشيخان. وقد فهم صلى الله عليه وسلم من الآية الوجوب حيث قال "إن الله كتب عليكم السعي" رواه أحمد والطبراني، واستدل بتقديم الصفافي الآية على وجوب الابتداء به حيث قال:"ابدأ بما بدأ الله به" رواه مسلم وفي لفظ "نبدأ" رواه الترمذي وفي لفظ "ابدءوا" رواه النسائي وابن خزيمة. قال ابن الفرس: واستدل بعموم الآية على صحة طواف الراكب والمحدث.
159-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} الآية.
فيه وجوب إظهار العلم وتبيينه وتحريم كتمانه، قال الكيا والرازي: وعم ذلك المنصوص والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع. قال الكيا: فيه دليل على وجوب قبول قول الواحد، لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب قبول قوله، قلت: ويستدل بالآية على عدم وجوب ذلك على النساء بناء على أنهم لا يدخلن في خطاب الرجال.
160 -
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}
يدل على أنه لا يكتفي في صحة التوبة بالندم على ما سلف، بل لابد من تدارك ما فات في المستقبل حيث قال، وبينوا ذكره الرازي والكيا.
161 -
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا}
الآية استدل به على جواز لعن الكافر بعد موته خلافاً لمن قال إنه لا فائدة.
163 -
قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
فيه إثبات الوحدانية له تعالى في ذاته وصفاته.
164 -
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
الآية فيه إثبات الاستدلال بالحجج العقلية واستدل بقوله: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}
على جواز ركوب البحر تاجراً وغيره، وقد سئل بعض الأكابر عن قوله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
فأين الفلفل وكذا وكذا؟ فقال في قوله {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} .
168 -
يدل على أن من حرم طعاماً أو ثوباً أو غيره فهو لاغٍ ولا يحرم
عليه. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مسعود أن رجلاً قال له: إني حرمت أن آكل ضرعاً أبداً فقال: هذا من خطوات الشيطان أطعم وكفر عن يمينك، وأخرج عبد بن حميد ابن عباس: ما كان يمين أو نذر في غصب فهو من خطوات الشيطان وكفارته كفارة يمين. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز قال: خطوات الشيطان النذور في المعاصي.
170-
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
الآية فيه إبطال التقليد.
173-
قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} .
عام في جميع أجزائها حتى الدهن واللبن والإنفحة خلافاً لمن خالف في ذلك، واستدل بعمومه على تحريم ما لا نفس له سائله خلافاً لمن أباحه من المالكية، واستدل به أيضاً من حرم ميتة السمك الطافي وما مات من الجراد بغير سبب، وعليه أكثر المالكية، والأجنة، وعليه أبو حنيفة.
قوله تعالى: {وَالدَّمَ}
قيده في سورة الأنعام بالمسفوح وسيأتي، واستدل بعمومه على تحريمه ونجاسة دم الحوت وما لا نفس له سائلة. قوله، ولحم الخنزير، استدل بعمومه من حرم خنزير البحر.
قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}
استدل به من حرم ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم وعلى اسن المسيح.
قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}
الآية فيه إباحة المذكورات للمضطر بشرط أن لا يكون باغياً ولا عادياً فلا يحل تأولها للباغي والعادي كالعاصي بسفره. أخرج سعيد بن منصور في سننه عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}
قال غير باغ على المسلمين. ولا معتد عليهم، من خرج لقطع الرحم أو لقطع السبيل، أو يفسد في الأرض فاضطر إلى الميتة لم تحل له. ومن أباح ذلك قال: غير باغ ولا عاد في الأكل. أخرج ابن ألي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا عاد في الأكل. أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج ومن أكله غير مضطرفقد بغى واعتدى. وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عن ابن عباس قال غير باغ في الميتة ولا عاد في الأكل، واستدل بعموم الآية على جواز أكل المضطر ميتة الخنزير والآدمي خلافاً لمن منع ذلك.
174-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}
الآية فيه تحريم أخذ الأجرة على الإفتاء.
177-
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ}
فيها من شعب الإيمان بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتب والأنبياء وصلة الأرحام والأيتام والمساكين وابن السبيل والسائلين ولو أغنياء والعتق وفك الأسرى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهود والصبر على الفقر والضر والجهاد وفي قوله:{عَلَى حُبِّهِ}
دليل على أن أفضل الصدقة ما كان في حال الصحة كما فسره ابن مسعود بقوله: "تؤتيه وأنت صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر" أخرجه الحاكم وغيره.
178-
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}
الآية: فيه مشروعية القصاص، واستدل به الليث على أن الرجل لا يقتص منه لامرأة كما استدل به غيره على أن الحر لا يقتل بالعبد.
قوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ}
الأية فيه مشروعية العفو على الدية والمطالبة برفق والأداء من غير مطل، وفي ذكر {أَخِيهِ}
ترقيق مرغعفو وفي تنكير (شيء) إشارة إلى سقوط القصاص بالعفو عن بعضه، قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ}
فيه أن العافي إذا قتل بعد العفو يقتص منه وأخذ جماعة من الآية تحتم قتله وأنه لا يصح العفو عنه.
180-
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
هذا منسوخ كما تبين في كتاب والمنسوخ، وقيل محكم خاص بمن لا يرث من الوالدين كالكفار والأقربين المحجوبين، واختلف أصحاب هذا القول هل الوصية لهم واجبة لقوله:{كُتِبَ}
و {حَقًّا} .
أو مندوبة لقوله {بِالْمَعْرُوفِ} .
واستدل محمد بن الحسن بالآية على أن مطلق الأقربين لا يتناول الوالدين لعطفه عليه.
181-
قوله: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} الآية.
قال الكيا: يدل على أن الفرض يسقط عن الموصي بنفس الوصية، فإن إثم التبديل لا يلحقه وعلى أن من كان عليه دين فأوصى بقضائه يسلم من تبعته في الآخرة، وأن ترك الوصي والوارث قضاءه، قال ابن الفرس: ومن أحكام الآية أن الوصى إليه بشيء خاص لا يكون وصياً في غيره خلافاً لأبي حنيفة، والحجة عليه:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} الآية.
قال الكيا وغيره: أفادت الآية أن على الوصي والحاكم والوارث وكل من وقف على جوز في الوصية من جهة العمد أو الخطأ ردها إلى العدل، وأن قوله:{بَعْدَ مَا سَمِعَهُ}
خاص بالوصية العادلة دون الجائزة وفيها الدلالة على جواز الاجتهاد والعمل بغالب الظن لأن الخوف من الميل يكون في غالب ظن الخائف، وفيها رخصة في الدخول بينهم على وجه الصلاح مع ما فيه من زيادة أو نقصان عن الحق بعدما يكون ذلك بتراضيهم قال ابن الفرس ويؤخذ من الآية أيضاً أنه أوصى بأ: ثر من الثلث لا تبطل الوصية كلها خلافاً لزاعمه وإنما يبطل منها ما زاد عليه لأنه لم يبطل الوصية جملة بالجور فيها بل جعل فيها الوجه الإصلاح.
183-
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
فيه فرض الصوم.
184-
قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
استدل به من أباح الفطر بمجرد المرض وائن كان يسيراً أو بمجرد السفر وإن كان قصيراً أو غير طاعة أو غير مباح واستدل به داود على أنه لا يصح صوم المريض والمسافر لأنه تعالى جعل الواجب عليه أياماً أخر فكان صائماً قبل الوقت، واستدل به الكرخي على أ، الواجب أيام أخر ورمضان عليهما غير واجب فإن قدمه صح وكان معجلاً كتعجيل الزكاة واستدل بقوله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
على جواز القضاء متتابعاً ومتفرقاً. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن شاء تارع وإن شاء فرق، لأن الله تعالى يقول:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
واستدل به على أنه ليس على الفور، خلافاً لدواد على أن من أفطر رمضان كله قضى أياماً بعدده فلو كان تاماً لم يجزه شهر ناقص، أو ناقصاً لم يلزمه شهر كامل خلافاً لمن خالف في الصورتين، قال ابن القصار: ويحتج به لمذهب مالك والشافعي في أن المسافر إذا أقام، أو شفي المريض أثناء النهار، لا يلزمهم الإمساك بقيته لأنه تعالى إنما أوجب عدة من أيام أخر، وهؤلاء قد أفطروا، فحكم الإفطار لهم باقٍ ومن حكمه أن لا يجب عليه أكثر من يوم ولو أمرناه بالإمساك ثم القضاء لأوجبنا بدل اليوم أكثر منه، ويستدل بالآية على أنه يجزيء صوم يوم قصير مكان يوم طويل ولا أعلم فيه خلافاً وعلى أنه فدية مع القضاء.
قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
هذا منسوخ وقيل لا؛ والمراد لمن لا يطيق الصوم لهرم أو لمرض أو نحوه، إما بتقدير لا النافية أو أن يطيقونه بمعنى يتكلفونه كما قرئ يطوقونه، وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس لأنه قرأ:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}
قال يكلفونه وهو الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يطعموه كل يوم مسكيناً ولا يقضون وله طرق كثيرة عنه، وأخرج الدارقطني عنه أنه قال لأم ولد له حبلى أو مرضع: أنتِ من الذين لا يطيقون الصيام عليك الجزاء وليس عليك القضاء. قال الشافعي: ظاهر الآية أن الذين يطيقون الصوم إذ لم يصوموا أطعموا ونسخ في غيره حق الحامل والمرضع وبقي في حقهما، فالحاصل أنا إن جعلناها منسوخة فهي في الحامل والمرضع محكمة وإن جعلناها محكمة ففيها دليل على إباحة الإفطار لمن لا يطيق لعذر لا يرجى برؤه وأن عليه فدية بدل الصوم وأنها عن كل يوم قدر لطعام مسكين وهو مُدُّ من حبًّ، وأن من زاد على ذلك فهو أفضل وأن مصرفها طائفة المساكين بخلاف غيرهم من أهل الزكاة، وقد يستدل بالآية على أن الصوم لا يقبل النيابة وإلا لذكرها واستدل بها ابن عباس على أن الحامل والمرضع يفديان ولا قضاء عليهما قال أبو عبيد اختلف الناس في الحامل والمرضع فقيل عليهما الفدية دون القضاء وقيل القضاء دون الفدية وقيل الأمران وكل تأول الآية، من قال بالفدية فقط رأى أنهما ممن لا يطيق وليستا من أهل السفر والمرض، وأهل هذا الوصف هم أهل الفدية، ومن رأى القضاء رأى الحمل والرضاع علتين من العلل كالمرض، ومن أوجبهما قال إن الله حكم في تارك الصوم بعذر بحكمين في آية والفدية في أخرى فلما يجد لهما ذكراً في واحد منهما
جمعها عليهما أخذاً بالأحوط، واستدل بالآية على أن المسافر والمريض يفديان ولا يقضيان أخذاً من عموم اللفظ، ورد لأن قوله تعالى أولاً في حقهما:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
يمنع دلالة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} .
عليهما لأن ما عطف على الشيء غيره لا محالة، وفي الآية رد على من قال بإسقاط الصوم عن الشيخ ونحوه بلا فدية، وعلى من جوز الفدية فيه بالعتق.
قوله تعالى {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}
قال ابن الفرس يحتج بها على جواز التطوع بصوم يوم الشك لعموم قوله خيراً قوله تعالى: وأن تصوموا خير لكم. قال ابن الفرس يحتج بها على أن الصوم لمن أبيح له الفطر أفضل ما لم يجهده.
185-
قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ}
استدل به من كره أن يقال رمضان، قوله تعالى {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
يستجل به مع قوله {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
على أن ليلة القدر في رمضان ليست في غيره خلافاً لمن زعم أنها ليلة النصف من شعبان.
قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
استدل به من قال من الأصوليين بوجوب الصوم على المسافر والمريض والحائض، لأنهم شهدوا الشهر. واستدل به من قال لا قضاء على من مر عليه رمضان وهو مجنون بناء على أن شهد بمعنى: علم. واستدل به من قال لابقضي، وفسر: شهد، بمعنى: أدرك، قلت: واستدل به أبو حنيفة على أن من شهد بعض الشهر لزمه صوم كله وإن سافر لم يبح له الفطر، ووجهه أنه لا يمكن أن يراد به شهود جميع الشهر، لأنه لا يكون شاهداً لجمعية إلا بعد مضيه كله ويستحيل أن يكون مضيه كلية شرطاً للزوم صومه كله لأن الماضي من الوقت يستحيل إيقاع الصوم فيه فعلم أنه لم ير شهود جمعية فالتقدير من شهد منك الشهر فليصم ما لم يشهد منه. وقد أخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر في قول:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
قال من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر بعد لزمه الصوم لأن الله تعالى يقول: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر بعد لزمه الصوم لأن الله تعالى يقول {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال هو إهلاله بالدار واستدل بالآية عاى إجزاء صوم الأسير إذا صام بالإجتهاد ووافق رمضان خلافا للحسن بن صالح وعدمه إذا صادف ما قبله وعلى أن رأى الهلال وحده لزمه الصوم بنفسه خلافاً لمن قال لا
يلزمه إلا بحكم الإمام.
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . هذا أصل لقاعدة عظيمة يبنبي عليها فروع كثيرة وهي أن المشقة تجلب التيسير وهي إحدى القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه وتحتها من القواعد قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وقاعدة إذا ضاق الأمر اتسع ومن الفروع ما لايحصى كثرة والآية أصل في جميع ذلك، وقد يستدل بالآية على أحد الأقوال في مسألة تعارض المذاهب والروايات والاحتمالات هل يؤخذ بالأخف أو بالأقوى أو بأيهما شاء.
قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} .
فيه دليل على اعتبار العددإذا لم يكن يرى الهلال، ولا يرجع فيه لقول الحساب والمنجمين، واستدل به أبو حنيفة على أن من صام تسعة وعشرين رؤية بلده وقد صام أهل بلده أخرى ثلاثين أنه ىيلزم أولئك قضاء يوم لأنه ثبت برؤية تلك البلدة أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها.
قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ}
فيه مشروعيه التكبير لعيد الفطر وأن وقته من إكمال العدة وهو غروب شمس آخر يوم. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: حقاً المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفزعوا من عيدهم لأن الله تعالى يقول: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} . قال ابن الفرس: والآية حجة على من ذكر أثناء التكبير تهليلاً وتسبيحاً وحجة لمن لا يرى إلا التكبير.
186-
قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} الآية.
فيه تنزيهه تعالى عن المكان وإجابته الداعي والترغيب في الدعاء، وأورد الصوفية هذه الآية في باب ألنس وهو عبارة عن روح القرب.
187-
قزله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
فيه إباحة الجماع وسائر أنواع الاستمتاع للصائم ليلاً.
قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} .
قيل: إنه كناية عن المعانقة. قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}
- إلى قوله - {مِنَ الْفَجْرِ} .
فيه إباحة الجماع وأنواع المباشرة والأكل والشرب إلى تبين الفجر وتحريم المذكورات نهاراً، واستدل به على صحة صوم الجنب لأنه يلزم من إباحة الجماع إلى تبين الفجر إباحته في آخر جزء من أجزاء الليل، ويلزم من ذلك بطريق الإشارة طلوع الفجر وهو جنب. ومن منعه قال إن الغاية متعلقة بكلوا واشربوا دون باشروهن وقد يستدل به بالطريق المذكورة على أنه لا يجب
تجديد النية إذا جامع أو أمل بعدها واستدل به على جواز لمن شك في طلوع الفجر لأنه تعالى أباح الأكل إلى التبين مع الشك خلافاً لمالك، واستدل به مجاهد على عدم القضاء والحالة هذه إذا بان أنه أكل بعد الفجر لأنه أكل في وقت أذن له فيه. وأخرج سعيد ابن منصور عنه قال إذا تسحر الرجل وهو يرى أن عليه ليللاً وقد كان طلع الفجر فليتم صومه لأن الله تعالى يقول {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} .
وإذا أكل وهو يرى أن الشمس غابت ولم تغب فليقضه لأن الله تعالى يقول {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
واستدل به اللخمي على إجزاء النية مع الفجر، لأنه إذا كان الأكل مباحاً إلى الفجر لم تجب النية إلا في الموضع الذيفيه الإمساك، واستدل به قوم على صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع في الحال أو في فيه طعام فلفظه بطريق الإشارة السابقة. قلت ويستدل بقوله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}
على أن المراد بالجر في الصومونحوه من الأحكام ما يظهر لنا لا ما في نفس الأمر، وبقوله:{الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}
على أن المراد بالفجر المعترض دون المستطيل، بقرينة قوله:{الْخَيْطُ}
كما لا يخفى، وفي الآية رد على من جعل أول الصيام لأمن طلوع الشمس وقوله:{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} .
فسره ابن عباس في رواية بالولد وفي ا×رى بليلة القدر أخرجهما ابن أبي حاتم ففيه استحباب طلب ليلة القدر وأن ينوي بالجماع النسل ولإقامة السنة دون مجرد اللذة، وقال قتادة وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم، ففيه كراهية ترك الرخصة واستحباب فعلها.
قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} .
استدل بعمومه على الإفطار باليسير وبما لا يغذي، واستدل به على أنه لا يجوز الأكل لمن شك في الغروب وعلى تحريم الوصال. روى أحمد من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمر الله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فإذا كان الليل فأفطروا. وروى الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين فأتاه جبريل فقال إن الله قبل وصالك ولا يحل أحد بعدك وذلك بأن الله قال:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فلا صيام بعد الليل.
قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .
فيه مشروعية الاعتكاف واختصاصه بالمسجد وعدم اختصاص بالجامع أو المساجد الثلاثة وتحريم المباشرة فيه جماعاً وغيره، واستدل به بعضهم على أنه إذا خرج من المسجد فجامع خارجاً لا يبطل اعتكافه لأن حصر المنع من المباشرة حال كونه في المساجد، قال الكيا: ويجاب بأن معناه لا تباشروهن حال ما يقال لكم إنكم عاكفون في المساجد، ومن خرج من المسجد لقضاء الحاجة فاعتكافه باقٍ. استدل به لعضهم على أن الاعتكاف يصح في غيرالمسجد وأن تحريم المباشرة خاص بمن اعتكف في المسجد فاعتبر مفهوم:{فِي الْمَسَاجِدِ} .
والجمهور اعتبروا مفهوم: {عَاكِفِينَ} .
واستدل به أبو حنيفة على صحة اعتكاف المرأة في غير المسجد دون الرجل، بناء على أنها لا تدخل في خطاب الرجال وعلى اشتراط الصوم في الاعتكاف لأنع قصر الخطاب على الصائمين فلو لم يكن الصوم من شرط الاعتكاف لم يكن لذلك معنى وعلى أنه لا يكفي فيه أقل من يوم كما أن الصوم لا يكون أقل من يوم.
188-
قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} الآية.
فيه تحريم أكل المال بغير وجه شرعي وله صور كثيرة. روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره أن يبيع الرجل الثوب ويقول لصاحبه أن كرهته فرد معه درهماً، فهذا كما قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
وفيه تحريم الرشوة كما فسر بها قوم. {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}
وتحريم المخاصحة بغير حق، قال مجاهد في الآية: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم، أخرجه سعيد بن منصور وفيه: أن حكم الحاكم لا يحل باطلاً وأنه يحكم بالظاهر وهو مصيب في فعله لا في الواقع.
189-
قزله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .
فيه أن كل شهر اعتبره الشرع فهو هلالي لا عددي، واستدل به الحنيفة على جواز الإحرتم بالحج في كل السنة، والآية في الحقيقة دليل عليهم لا لهم لأنه لو كان كما قالوا لم يحتج إلى الهلال في ذلك، وإنما احتاج إليه لكونه خاصاً بأشهر معلومة فاحتيج إليه ليميزها عن غيرها، وأخرج الحتكم وغيره من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليمن فعدوا ثلاثين يوماً".
قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ} الآية.
فيه دليل أن ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصيرقربة بأن يتقرب به متقرب.
190-
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .
فيه فرض الجهاد. قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا} . قال ابن عباس يقول لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد إعتديتم/، أخرجه ابن أبي حاتم.
193-
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .
حجة في عدم قبول الجزية من المشركين.
194-
قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} . استدل به الشافعي على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من محدد، أو خنق، أو حرق، أو تجويع، أو تغريق، حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء ملح.
195-
قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .
قال حذيفة: نزلت في النفقة في سبيل الله أخرجه البخاري. وأخرج الفريابي عن ابن عباس مثله، وأخرج الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري أ، ها نزلت في ترك الغزو، وأخرج الطبراني عن أبي جبير بن الضحاك أنها نزلت في ترك الصدقة، وأخرج أيضاً عن النعمان بن بشير أنها نزلت في الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر لي، وأخرج الحاكم عن البراء مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل إلى العدو وحده فعاب ذلك المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه فرده وقال عمرو: قال {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
فكأنه فهم من الآية العموم.
قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا}
قال عكرمة وأحسنوا الظن بالله أخرجه ابن جرير. ففيه شعبة من شعب الإيمان.
196-
قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .
استدل به على وجوب العمرة كالحج وعلى منع فسخ الحج إلى العمرة رداً على ابن عباس وعلى وجوب إتمام الحج والعمرة فيه بعد الشروع فرضاً أو نفلاً كما فسر به الإتمام، ويدل عليه قوله بد {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}
والإحصار إنما يمنع الإتمام بعد الشروع، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة
عن ابن عباس في الآية قال: من أحرم بحج أو عمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة، وزار البيت، والصفا والمروة، واستدل به قوم على أن الإحرام من دويرة أهله أفضل. وروى الحاكم عن علي في قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال يحرم من دويرة أهله وقوم على أفضلية الإفراد روى عبد الرازق في تفسيره عن معملا عن الزهري قال بلغنا أن عمر قال في هذه الآية: من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما عن الآخر وأن تعتمر في غير أشهر الحج، وقيل إتمامهما ألأن يخرج قاصداً لهما لا للتجارة ونحوها ويؤيده قوله {لله}
وقيل أن تكون النفقة حلالاً وقيل أن يقرن بينهما، وقيل أن تستوعب المناسك كاملة، واحتج بعموم الآية على إتمام الإحرام إذا فسد بالجماع وأن القارن إذا خاف فوت عرفة فليس له رفض العمرة، والمعتمرة إذا حاضت قبل الطوافلا ترفضها والصبي والعبد إذا كملا قبل الوقوف لا يرفضانه.
فيه جواز التحلل بالإحصار وأن فيه دما وأنه لا يحصل التحلل إلا بذبحه في محله وأنه لا يجوز الحلق قبله وأن حلق الرأس حرتم على المحرم، واستدل به من لا يرى التحلل إلا من حصر العدو، فأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا حصر إلا حصر العدو فأما من أصابه مرض أو وجع او ضلال فلا. إنما قال الله: فذا أمنتم. لكن قال مجاهد الحصر حبس كله، أخرجه ابن جرير فيعم العدو والمرض وغيرهما. وفي الآية رد على منع التحلل من العمرة بالإحصار وعلى من لم يوجب الهدي على المحصر، واستدل بها الحنفية على وجوب ذبحه بالحرم لا حيث أحصر لقوله:{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
مع قوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} .
وسيأتي عن ابن عباس في تفسير الآية. واستدل بها من لم يجوز ذبحه قبل يوم النحر لأن الحل يقع على الوقت والمكان جميعاً ومن لم يجوز التحلل لفاقده، ومن لم له بدلاً ومن لم يوجب عليه القضاء لأنه تعالى لم يذكرهما ولم يكتف بالشاة لواجد البدنة زالبقرة لأنه علقه بالاستيسار ومن لم يجوز الاشتراك فيه لأن مقتضى قوله: ومن الهدي: هدي كامل، والمتقرب بمشترك فيه إنما تقرب ببعض هدي، ومن أباح التحلل للمكي واستدل بقوله: ولا تحلقوا رؤوسكم، على أن الحلق قبل الذبح في الحصر وغيره بناء على أن النهي عن الحلق عام له ولغيره،
وقد تقدم عن ابن عباس، على أن الحلال إذا حلق رأس المحرم لا شيء عليه لأن الخطاب مع المحرمين.
قوله تعال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
فيه لإباحة الحلق لعذر وأن فيه حينئذ فدية، وأنها مخيرة إما الصوم أو الإطعام أو الدم وقدروا قبل {فَفِدْيَةٌ}
فحلق وأحسن منه أن يقدر ففعل ما حرم عليه في الإحرام كما أخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}
قال: وإذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي فإن تعجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه أو مس طيباً أو تداوى بدواء كان عليه فدية من طعام أو صدقة أو نسك والصيام ثلاثة أيام والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع والنسك شاة إسنادة صحيح، وقال الكيا: قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
يفيد أنه لو كان به قروح في رأسه أو جراح واحتاج إلى شدة وتغطيته كان حكمه في الفدية حكم الحلق. وكذلك المرض الذي يحوجه إلى لبس الثياب لأنه تعالى لم يخصص شيئاً من ذلك فهو عموم في الكل، قال ابن الفرس: وظاهر الآية لا يقتضي تخصيص هذه بموضع، فيحمل على عمومها في المواضع كلها وهو مذهب مالك.
قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}
الآية استدل بها من أباح التمتع للمحصر خاصة لقوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}
الآية ومن أباح التمتع مطلقاً قال عمرتن بن حصين أنزلت آية المتعة في كتاب الله وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء يعني عمر أخرجه البخاري ومسلم. واستدل بها من أوجب على المحصر بعد زوال الإحصار حجاً وعمرة فإن جمع بينهما في أشهر فعليه دم وهو متمتع، وإلا فلا. وفي الآية أن صورة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يحج من عامة قال ابن عباس قوله: فمن تمتع، يقول: فمن أحرم بالعمرة في أشهر الحج، أخرجه ابن أبي حاتم، وفيها أن عليه دماً فإن لم يجده صام عشرة أيام وأنه يجب تفريقها ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع فينذب الإحرام بالحج قبل يوم النحر بثلاثة أيام، واختلف في المراد بقوله: رجعتم، فقيل إلى أوطانكم وقيل من مِنى، وقوله:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
قال ابو حنيفة: الإشارة بذلك إلى التمتع فليس للمكي أن يستمتع فمتى فعله أخطأ وعليه دم، وقال الشافعي رحمه الله إلى وجوب الدم فلا دم على المكي وله التمتع وقال أبو حنيفة لو كان راجعاً إليه لقال: ذلك على من، واختلف هل المراد بالمكي حاضر مكة ولو كان غريباً أو شرطه الاستيطان على وجهين عندنا مستند
الثاني. قوله: أهله، واستدل بالآية من رأى وجوب الدم على من عاد لإحرام الحج إلى الميقات لعمومها. ومن أوجب الجمع في هذا الدم بين الحل والحرم فلا يجوز شراؤه من الحرم ونحره فيه لأن الهدى مأخوذ من الهدية فيجب أن يهدى من غير الحرم إليه ومن جوز صوم أيام التشريق عن الثلاثة. وفي الآية رد على من أجاز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحج في العمرة أو بعدها، وعلى من أجاز صوم السبعة أيضاً في الحج.
197-
قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} .
اختلف الصحابة وغيرهم في الأشهر هل هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله أو وعشر منه؟ نقلان. واستدل الأول بجمع أشهر في الآية قال الكيا: أفادت الآية أن الأشهر التي يصح فيها التمتع بالعمرة إلى الحج ويثبت فيها حكمه هي هذه الأشهر. وأن من اعتمر في غيرها ثم حج لم يكن متمتعاً، وفي الآية أن الحج لا يجوز الإحرام به في غير هذه الأشهر من السنة، روى ابن خزيمة والشافعي عن ابن عباس قال لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
وورد من حديث جابر مرفوعاً أخرجه ابن مردويه.
قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} .
فيه مشروعية النية والتلبية. أخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال الفرض الإحرام وأخرج عن ابن الزبير مثله، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الفرض الإهلال وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله، وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء قال فرض الحج التلبية.
قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فيه المنع من هذه الأشياء، وفسر الرفت بالجماع وبمقدماته كالقبلة والغمز وبالتعريض به والفسوق بالمعاصي زالجدال بالمراء والخصومة، قال الكيا: فلت الآية على تحريم أشياء لأجل الإحرام، وعلى تأكيد التحريم في أشياء محرمة في غير الإحرام تعظيماً للإحرام.
قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} .
فيه الحث على الإكثار من فعل الخيرات في الحج صدقة وذكراً ودعاء وغير ذلك.
قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
فيه استجاب التزود زأنه لا ينافي التوكل وذم السؤال والتوكل على الناس.
198-
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} .
فيه إباحة التجارة والإجارة وسائر أنواع المكاسب في الحج، وأن ذلك لا يحبط أجراً ولا ينقص
ثواباً، خلافاً لأبي حنيفة في منعه الإجارة، وروى أحمد وغيره عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: انا نكري فهل لنا من حج؟ فقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية فدعاه فقال: "أنتم حجُاَّج".
قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}
فيه مشروعية الوقوف بها، والإفاضة منها.
قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} .
فيه مشروعية المبيت بمزدلفة والوقوف بقزح والذكر عنده والدعاء. روى الحاكم من طريق سالم عن ابن عمر قال: المشعر الحرتم مزدلفة كلها، واخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مثله، وروى سعيد ابن منصور من طريق نافه عن ابن عمر قال: المشعر الحرام الجبل وما حوله، وقال الكيا: الذكر في قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ}
غير الذكر في قوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}
فالمراد بالثاني المفعول عن الوقوف بمزدلفة غداة جمع. قال: والصلاة بمعنى ذكر، فيجوز أن يفهم منه تأخير المغرب إلى أن يجمع مع العشاء بمزدلفة.
200-
قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}
قال الكيا وغيره: يحتمل أن يراد به الأذكار المشروعة في خلال المناسك.
203-
قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} الآية.
فيه مشروعية الذبح والدم والتكبير أيام التشريق وأنه يجوز النحر في اليوم الثاني. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يكبر تلك الأيام بمنى ويقول: التكبير ويتأول هذه الآية في أيام معدودات، قال ابن الفرس: ويحتج لمن قال ابتداء التكبير خلف الصلاة من ظهر يوم النحر بقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} .
فإن الفاء للتعقيب وأول صلاة تلي قضاء النسك ظهر يوم النحر، واستدل بعموم الآية من قال يكبر خلف النوافل، ومن أباح التعجل للمعذور وغيره القريب والبعيد، وفسر ابن عباس وغيره قوله فلا إثم عليه فأنه خرج بالحج من ذنوبه كلها غفرت له إن اتقي في أداء حدود الحج وفرائضه.
204-
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ}
الآية قال الكيا: فيه تنبيه على الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والجنيا واستبراء أحوال الشهادة والقضاة انتهى. وفيه ذم اللدد في الخصومة قال ابن عباس وهو الجدال بالباطل وفي رواية عنده شدة الخصومة وفيه منع من إضاعة المال وعده من الفساد.
206-
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} . قال ابن مسعود: إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: إتق الله. فيقول: عليك بنفسك، أخرجه ابن المنذر، قال العلماء: إذا قال الخصم للقاضي: اعدل أو نحوه عزره، إلا أن يقول له اتق الله فلا يعزره لهذه الآية.
207-
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} الآية.
استدل بها على جواز التغرير بالنفس في الجهاد. أخرج الفريابي وغيره من المغيرة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل فقالوا القى هذا بيده إلى التهلكة. فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر: ليس كما قالوا وهو من الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} . وأخرج ابن جرير عن أبي الخليل قال سمع عمر رضي الله عنه إنساناً يقرأ هذه الآية فاسترجع وقال قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
213-
قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ}
الآية استدل به من قال إن الأصل في الناس الكفر حتى آمنوا لأنه ظاهر الآية إذ بعث النبين لأجل كونهم كفاراً. وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كانوا كفاراً. واستدل به من قال إن الأصل فيهم الإيمان حتى كفروا بتقدير فاختلفوا فبعث، وقد أخرج أبو يعلى والطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}
قال على الإسلام كلهم، إسناده صحيح، وأخرج الحاكم وغيره أن في قراءة ابن مسعود كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث.
215-
قوله تعالى: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} الآية.
هي لبيان مصارف المال الذي يتعلق به الثواب وقيل في الزكاة واستدل بها من أباح صرفها للوالدين.
216-
وقله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} .
يستدل بها لمن قال إن فرض الكفاية واجب على الكل ويسقط بالبعض، وهو رأي الجمهور من الأصوليين واستدل بها من قال إن الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم كان فرض عين.
217-
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الآية.
استدل بها على منع
القتال في الشهر الحرتم وادعى غيره نسخها.
قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} الآية.
استدل بها على أن الردة محبطة للعمل بشرط اتصالها بالموت فلو كان حج ثم ارتد وعاد إلى الإسلام لم يجب عليه إعادة الحج خلافاً لزاعمه. وكذا من ارتد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى الإسلام لا يزول عنه اسم الصحبة، واستدل بالآية من قال إن المرتد يورث لأنه سماه كافراً يرث بعضهم بعض.
219-
قوله تعالى: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} .
قد يستدل بها لمن أباح التداوي بالخمر ولما يقوله الأطباء فيها من المنافع، لكن الحديث الصحيح مصرح بتحريم التداوي بها، قال السبكي: كل ما يقوله الأطباء وغيرهم في الخمر من المنلفع فهو شيء كان عند شهادة القرآن بأن فيها منافع للناس قبل تحريمها وأما نزول آية التحريم فإن الله الخالق لكل شيء سلبها المنافع جملة فليس فيها شيء من المنافع. قال وبهذا تسقط مسألة التداوي بالخمر، وعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لم يجعل شفاء امتي فيما حرم عليها".
قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} .
قال ابن عباس الفضل عن العيال أخرجه الطبراني وغيره/ ففيه تحريم الصدقة بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، واستدل به سحنون على منع أن يهب الرجل ماله بحيث لا يبقى له ما يكفيه.
220-
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} الآية.
قال الكيا: فيه دلالة على جواز خلط الولى ماله بماله وجواز التصرف فيه بالبيع والشراء إذا وافق الإصلاح، وجواز دفعه مضاربة إلى غيره وفيه دلالة على جواز الإجتهاد في أحكام الحوادث لأن الإصلاح الذي تضمنته الآية إنما يعلم من طريق الإجتهاد، وغالب الظن، وفيج دلالة على أنه لا بأس بتأديب اليتيم وضربه بالرفق لإصلاحه انتهى. وفيه دلالة على جواز خلط أزواد الإخوان. قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} .
أصل لقاعدة: الأمور بمقاصدها، فرب أمر مباح أو مطلوب لمقصد ممنوع باعتبار مقصد آخر.
221-
قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} .
فيه تحريم نكاحهن
مطلقاً وقد خص منه في سورة المائدة الكتابيات، وأخذ ابن عمر بعموم هذه الآية فحرم نكاح اليهودية والنصرانية.
قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} .
قال الكيا وغيره: ظن قوم أنه يدل على جواز نكاح الأمة مع وجود طول الحرة وهو غلط؛ لأنه ليس في الآية نكاح الإماء وإنما ذلك للتنفير عن نكاح الحرة المشركة لأن العرب كانوا بطباعهم نافرين عن نكاح الأمة فقال تعالى ذلك أي إذا نفرتم عن الأمة فالمشركة أولى. قلت لا غلط في ذلك فالآية تدل على جواز نكاح الأمة مع وجود الحرة المشركة إذا لم يجد سواها، لأن وجود الحرة المشركة كالعدم لعدم وجود حواز نكاحها مطلقاً.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} .
فيه تقدير اعتبار الدين في النكاح على الشرف والجمال والمال ونحو ذلك.
قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} .
فيه تحريم نكاح الكافر للمسلمة مطلقاً وهو إجماع، واستدل به على اعتبار الولي في النكاح فأخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي لأنه قال النكاح بولي في كتاب الله ثم قرأ:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} .
برفع التاء.
قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} .
فيه جواز نكاح العبد الحرة.
222-
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} .
فيه تحريم وطء الحإض ودليل لما يقوله الأطباء إن وطأها مضر، واستدل بعضهم بعموم:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}
على وجوب بدنها أن يباشرها بشيء من بدنه أخرجه ابن جرير عن عبيدة السلماني.
قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} .
يستدل به على أنه يحرم الطء دون الاستمتاع بما بين السرة والركبة ويؤيده قوله بعد: {فَأْتُوهُنَّ}
فإنه يدل على أن المحرم فعله الوطء فقط. واستدل أبو حنيفة بقوله حتى يطهرن بالتخفيف على لإباحة الوطء بمجرد انقطاع الدم دون غسل، واستدل الشافعي بقراءة التشديد وبقوله فإذا تطهرن على توقفه على الغسل، وحمل بعضهم التطهير في الآية هلى غسل الفرج فقط، وبعضهم على الطهر الأصغر وهو الوضوء وقال قوم نعمل بالقراءتين جميعاً فتحمل قراءة التخفيف على انقطاع الدم أكثر الحيض وقراءة التشديد على انقطاعه لدونه وهو بعيد جداً. قلت: ويمكن إعمال القراءتين على وجه آخر وهو الإشارة بقراءة التخفيف إلى أن الغسل حال
جريان الدم لا يصح ولا يبيح فوقف حمل الوطء على الانقطاع بقوله {حَتَّى يَطْهُرْنَ}
وعلى الإغتسال بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}
ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}
يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن ولا تقربوهن حتى يطهرن من الدم فإذا تطهرن بالماء، واستدل بعموم الآية من قال بإجبار الذمية على الغسل من الحيض.
قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} .
قال ابن عباس من حيث أمركم أن تعتزلوهن في الحيض وهو الفرج خاصة أخرجه ابن جرير ففيه اختصاص الوطء بالفرج وكذا قال مجاهد وغيره.
223-
قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
قال ابن عباس أي نائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة. أخرجه عبد في تفسيره، وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عنه قال: من حيث جاء الدم من ثم أمرت أ، تأتي، فقيل: كيف {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}
؟ قال ويحك وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقاً لكان المحيض منسوخاً إذا شغل من ههنا جئت من ههنا ولكن أنى شئتم من الليل والنهار وأخرج ابن جرير عنه قال يعني بالحرث الفرج ومن طريق عكرمة عنه قال الحرث موضع الولد واستدل ابن عمر بالآية على إباحة الوطء في الدبر. وقال إنما نزلت لاخصة فيه، أخرجه البخاري وغيره وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن ابن القاسم قال ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ثم قرأ الآية قال أي شيء أبين من هذا؟ واستدل آخرون بها على إباحة العزل أخرج الحاكم عن ابن عباس أنه سئل عن العزل فقال إنكم قد أكثرتم فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه شيئاً فهو كما قال وإن لم يكن قال فيه شيئاً فأنا أقول: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
فإن شئتم فاعتزلوا وإن شئتم فلا تفعلوا.
قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} .
قال ابن عباس يقول: بسم الله عن الجماع أخرجه ابن جرير.
224-
قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الآية.
قال ابن عباس يقول الله لاتجعلني عرضة ليمينك أن لا تصلع الخير ولكن كفر عن يمينك وأصنع الخير، وأخرجه ابن أبي حاتم ففيه استحباب الحنث والتكفير لمن حلف يميناً فرأى غيرها خير منها، وقيل أراد به النهي عن كثرة الحلف لأنه نوع جراءة على الله وابتذال لاسمه في كل حق أو باطل.
225-
قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} .
قالت عائشة هو قول الرجل: لا والله وبلى الله، أخرجه البخاري، وفي لفظ عند عبد الرزاق؛ هم القوم يتدارءون في الأمر فيقول هذا لا والله وبلى والله، وكلا والله يتدارءون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم، وأخرج ابن أبي حاتم عنها قالت إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل لا والله وبلى والله فذاك لا كفارة فيه إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله فعلى هذا في الآية دليل على اعتبار القصد في اليمين وأن من سبق لسانه إليها بلا قصد لا ينعقد، وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك، وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس قال هو أأن يحلف على الشيء يراه حقاً وليس بحق. وأخرج عن جماعة من التابعين مثله فاستدل بها من قال إن من حلف على غلبة ظنه لا إثم عليه ولا كفارة قصد اليمين أو لم يقصدها، وأخرج أيضاً عن مسروق وغيره انه الحلف على المعاصي فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة، وأخرج عن ابن عباس وطاوس أنه اليمين في حالة الغضب فلا كفارة فيها، وأخرج عن النخعي أنه الذي يحلف على الشيء ثم ينساه فلا كفارة، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن يحرم ما أ؛ ل الله فذلك ما ليس عليك فيه كفارة، يعني أن يقول: مالي علي حرام إن فعلت كذا مثلاً، قال ابن الفرس: وبهذا أخذ مالك إلا في الزوجة، وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال هو كقول الرجل أ'مى الله بصري إن لم أفعل كذا ونحوه، وكقوله: هو كافر هو مشترك إن لم يفعل كذا، فلا يؤخذ به حتى يكون من قلبه.
وقيل لغو اليمين المكر حكاه ابن الفرس ولم أره مسنداً.
قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} .
فيه إنعقاد اليمين بالقصد وفسره قوم بأن يحلف وهو يعلم أنه كاذب وأسند ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس أن ذلك اليمين الصبر الكاذبة وأ، هـ لا كفارة لها بل المؤاخذة في الآخرة وبه قال مالك وغيره وأوجب الشافعي فيها الكفارة أخذاً مع عموم المؤاخذة ولأنها المنفية في أول الآية بدليل قوله في المائدة ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته.
226-
قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} الآية.
قال الكيا: ليس في نظم القرآن ما يدل على الجماع ولا على الحلف على مدة معلومة فاختلف العلماء فمنهم من لم يفصل بين اليمين المانعة من الجماع والكلام والإتفاق فيضرب له الأربعة أشهراً أخذاً من عموم الآية ومنهم من خصها بالجماع سواء كان عن غصب أو لا ومنهم من خصها عن غصب، وفي الآية أنه يمها أربعة أشهر من الإيلاء ثم يطالب بالفيئة أو الطلاق واستدل الشافعي
بها على من آلى أربعة أشهر فقط لا يكون مؤلياً خلافاً لأبي حنيفة فب قوله بوقوع طلقة لأن مدة أربعة أشهر حق خالص له فلا يفوت به حق ولا يتوجه عليه مطالبة، وفي الآية رد على من خصص الإيلاء بالمؤبد بخلاف المقيد بوقت أو صفة لإطلاق الآية، وعلى القائل أن من حلف على دون أربعة أشهر ولو يوماً يتركها أربعو أشهر من غير جماع وعلى من قال بوقوع الطلاق بمضي المدة لقوله فإن فاءوا وإن عزموا، وفي لفظ العزم ما يدل على قصد الطلاق وإنشائه. وكذا قوله سميع بمسموع وهو النطق بالطلاق ومضي المدة ليس بمسموع وعلى من قال بصحة الإيلاء من الأجنبية لقوله: واستدل بعموم الآية على صحة الإيلاء من الكافر وبأي يمين كان ومن غير المدخول بها والصغيرة والخصي وأن العبد يضرب له الأربعة أشهر كالحر، واستدل بها محمد بن الحسن على امتناع تقديم الكفارة على الحكم لأنه حكم للمولى بأحد الحكمين الفيء أو الطلاق فلو جاز تقديم الكفارة لبطل الإيلاء بدونها ففيه إسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكر الله، واستدل الحسن وبعض أصحابنا بقوله {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
على أنه لا يلزمه كفارة اليمين، واستدل بتخصيص هذا الحكم بالمولى على أن من ترك الوطء ضراراً بلا يمين لا يجري عليه هذا الحكم، واستدل بقوله: وإن عزموا من قال إن الحاكم لا يطلق عليه لأنه جعل الفيء والطلاق للمولى لا لغيره.
228-
قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} .
فيه وجوب العدة على المطلقات طلاقاً رجعياً أو بائناً بشرط الدخول كما في سورة الأحزاب وأنها ثلاثة قروء لمن تحيض بخلاف الآيسة والصغيرة والحامل كما في سورة الطلاق والمستحاضة داخلة في العموم قال الأصم: والأمة.
قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} .
قال ابن عمر لا يحل لها إن كانت حاملاً أن تكتم حملها ولا يحل لها إن كانت حائضاً ان تكتم حيضها أخرجه ابن أبي حاتم وغيره، وفيه دليل على أن قولها يقبل في الحيض، وفي الحمل بلا مخيلة وإلا لم يحرم عليها الكتم، قال العلماء وإنما نهين عن الكتم لئلا يبطل حق الزوج من الرجعة لمن أراد رحعتها قبل الوضع ولئلا تضربه في النفقة إن قالت لم أحض، قال ابن الفرس وعندي أن الآية قايمة عامة في حميع ما يتعلق بالفرج من بكارة وثيوبة وعيب لأن كل ذلك مما خلق الله في أرحامهن فيجب أن يصدقن فيه.
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} .
قال ابن عباس في الآية إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع أخرجه ابن
جرير. وقال بعضهم أول الآية وآخرها خاص وذلك أن أولها عام في كل نطلقى وآخرها خاص بالرجعية. وأخرج ابن جرير عن النخعي وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال في العدة، وفيه دليل على أن الزوج يستقل بالرجعية في العدة من غير ولي ولا رضا المرأة وأنه بعد العدة بخلاف ذلك. واستدل الحنفية بقوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ}
على بقاء الزوجية وإباحة الوطء، واستدل خلافهم بقوله:{بِرَدِّهِنَّ}
والرد لا يكون إلا اما ذهب من إباحة الوطء، واستدل به من قال إن لفظ الرد من صرائح الرجعة، واستدل به أيضاً من قال إن للزوج نكاح المختلعة في عدتها برضاها لعمومه.
قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
فيه دليل على أن المرأة لها حقوق أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إني أحب أ، أزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي، لأن الله يقول {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله يقول {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
قال طاعة يطعن الأزواج الرجال ولا يطيعونهن.
229-
قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} .
قال السدي: يعني الذي يملك فيه الرجعة، أخرجه ابن جرير ويدل له قوله بعد:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} . وفيه أن لفظ الإمساك من صرائح الرجعة ولفظ التسريح من صرائح الطلاق، واستدل بقوله:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}
من قال: إن الرجعة تحصل بالوطء لأنه أقوى مقاصد النكاح فكان إمساكاً بالمعروف فتحصل به الرجعة، قال الكيا: وهذا غلط لأنه قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
في ولا طلاق الطلاق إلا بالقول.
قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا} الآية.
فيه تحريم أخذ مال الزوجة على سبيل الإكراه والمضارة وجوازه إذا كان النشوز من جهتها وذلك أصل الخلع، واستدل بعموم قوله:{فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
على جواز الخلع بقدر ما أصدقها وأكثر منه خلافاً لمن منع الزيادة، وبقوله:{افْتَدَتْ}
من قال إن لفظ المفاداة من صرائح الخلع. واستدل بالآية من منع الخلع لغير الضر منها ومنه، ومن منعه لضرر أحدهما فقط لتعليقه بخوفهما معاً واستدل بها من قال إن الخلع فسخ لا طلاق لأنه تعالى ذكر الطلاق مرتان، ثم ذكر الخلع،
ثم قال فإن طلقها فدل على أن الخلع ملغى غير محسوبوإلا كان الطلاق أربعاً ورد بأن ذكر المفاجاة حكم على حياله فلا فرق بين ذكره بين الطلقتين والثلاثة وفي غير ذلك وفي الآية رد على من لم يجعل الخلع إلا عن السلطان وقد يستدل بها من لا يجوز خلع الأجنبي لأنخ خص الافتداء بهما.
230-
قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} .
فيه تحريم المطلقة ثلاثاً وعموم الآية دليل لمن قال بعدم الهدم إذ لا فرق بين أن يتخلل الطلاق نكاح غيره أم لا.
قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} الآية.
فيه أن المطلقة ثلاثاً إنما تحل بعد نكاح زوج آخر سواء كانت حرة أم أمة ثم أشتراها وينبغي أن يستفاد الوطء من لفظ تنكح والنكاح الصحيح من قوله زوجاً فلابد من وطء زوج في نكاح صحيح لا وطء سيد ولا نكاح بلا وطء ولا وطء في نكاح فاسد ولا بشبهة، واستدل به سعيد بن المسيب على الإكتفاء بالعقد بلا وطء بناء على أن النكاح حقيقة في العقد وفي الآية رد على من أحل بوطء السيد وعلى من أباح الوطء بالملك إذا أشترى مطلقته ثلاثاً وعلى من لم يكتف بنكاح الكافر إذا كانت كافرة والمراهق والمحنونة. لأنه يسمى زوجاً.
231-
قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية.
فيه وجوب الإمساك بمعروف وتحريم المضارة واستدل به الشافعي على أن العاجز عن النفقة يفرق بينه وبين زوجته لأن الله تعالى خير بين اثنين لا ثالث لهما الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان وهذا ليس ممسكاً بمعروف فلم يبق إلا الفراق، واستدل بقوله {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}
على أن الرجعة تنفذ على هذا الوجه ويكون ظالماً.
قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} .
فيه وقوع الهازيء وعتقه ونكاحه وجميع تصرفاته لأن سبب نزول الآية ذلك كما أخرجه ابن المنذر وغيره واستدل بها أيضاً على تحريم الطلاق زيادة على العدد المشروع أخرج إابن المنذر عن ابن عباس أن رجلاً قال له طلقت امرأتي ألفاً قال ثلاث تحرمها عليك وبقيتهن وزر أتخذت آيات الله هزؤا.
232-
قوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} الآية.
فيه تحريم العضل على الأولياء كما بينه سبب نزولها واعتبار الولي في النكاح وإلا لم يلتفت إلى عضله، وفيه أن المرأة إذا اختارت الولي غيره ما اختارته هي، وفيه أن الزوج بعد إنقضاء
العدة ليس له الرجعة بل إنما ينكح بولي ومهر جديد.
233-
قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} .
أمر للوالدات بإرضاع أولادهن فقيل هو للندب لا للوجوب، وقيل للوجوب مطلقاً، وقيل ما دامت في العصمة، وقيل لماذا مات الأب أو كان معسراً ولا مال للأبن، واستدل به من قال يمنع الأب من استرضاع غيرها إذا طلبت الأم أجرة ووجد متبرعة قال الكيا وغيره، ويؤخذ من قوله: يرضعن أولادهن أن الأم أحق بالحضانة لأن حاجة الولد إلى من يحضنه كحاجته إلى من يرضعه. وفي الآية أن منتهى الرضاع حولان وأنه لا رضاع بعدهما فلا يثبت التحريم، وأنه لا يجوز فطمه قبل الحولين بشرط تشاور الأبوين في ذلك واتفاقهما وأنه لا يستقل أحدهما بالفطم قبلهما بخلاف ما بعدهما وأن على الأب أجرة الرضاع للأم إذا طلبتها سواء كانت في عصمته أم لا، وأن المراعى في ذلك حال الزوج يساراً وإعساراً وتوسطاً لا الزوجة ولا هما، لقوله:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} .
وقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} الآية.
فيه أن الأم إذا رضيت بما ترضى به الأجنبية فلا تضار بإنتزاع الولد منها وأن الأب إذا وجد متبرعة فلا يضار بإلزامه الأجرة للأم، وقال مجاهد في الآية: لا تأبى أن ترضعه ليشق على أبيه ولا يمنع الوالد أمه أن ترضعه، أخرجه ابن جرير، وقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
قيل أنه منسوخ وقيل محكم وأن الإشارة إلى قوله: {لَا تُضَارَّ}
لأنه أقرب مذكور فعلى الوارث أن لا يضار الأم كما أن على الأب أن لا يضارها أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
قال: ألا يضار وقيل إلى النفقة والكسوة فاستدل به من أوجب ذلك على الزارث من عصبة الميت وقيل عصبة المولود نفسه لأنه وارث أبيه. والمعنى أن ذلك واجب في ماله يعطي منه الأم الأجرة، بهذا فسره الضحاك وغيره واختاره ابن جرير وغيره، وقوله:{إِنْ أَرَدْتُمْ} الآية.
فيها جواز اتفاق الأبوين على استرضاع الولد من غير الأم وإباحة الاستئجار للرضاع.
234-
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} الآية.
فيه وجوب العدة على المتوفى عنها مدخولاً بها أولاً، وأنها أربعة أشهر وعشر، وذلك في غير الحامل كما في سورة الطلاق وشملت الآية الكتابية والمستحاضة والصغيرة خلافاً لمن خالف فيهمن والأمة عند الأصم، واستدل بقوله {وَعَشْرًا}
من قال إنها ليال وأن اليوم العار ليس من العدة لإسقاط الهاء، واستدل ابن عباس بإطلاق الآية على أنها تعتد حيث شاءت لأنه قال {يَتَرَبَّصْنَ}
ولم يقل في بيوتهن أخرجه الحاكم، واستدل بقوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ}
على أن العدة من الموت لتعليقها عليه فلو لم يبلغها موته إلا بعد مضي المدة حكم بإنقضائها.
قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
أي من زينة وتطيب فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو الإمداد، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية يقول إذا أنقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصبغ وتترض للتزويج فذلك المعروف.
235-
قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} الآية.
فيه مشروعية الخطبة وإباحة التعريض بها في العدة وتحريم التصريح فيها وهو معنى {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}
وتحريم العقد في العدة قال الكيا: وفي الآية دليل على نفي الحد بالتعريض في القذف لأنه تعالى جعل حكمه مخالفاً لحكم التصريح، ويستدل بالآية على جواز نكاح الحامل من الزنا إذ لا عدة لها.
236-
قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ} الآية.
فيه جواز النكاح يلا تسمية مهر وبنفيه وهو التفويض وأنه لا يجب فيه المهر بالعقد بل الفرض أو المسيس وأنه يجوز الطلاق قبلهما وأنه لا يجب بالطلاق حينئذ شيء سوى المتعة، وأنها يراعى فيها حال الزوج يساراً وإعساراً، وفيها رد على من قال يراعي فيها حال الزوجة أو حالهما، واستدل بقوله: حقا على المحسنين من جعل المتعة مندوبة لا واجبة، قال الكيا وعموم قوله:{مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}
يدل على جواز الطلاق في الحيض قبل الدخول.
237-
قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية.
فيه أن في الطلاق بعد الفرض وقبل الوطء شطر المهر فيعود الزوج نصفه سواء كان الفرض في العقد أم بعده وفيه أن المهر تملكه المرأة بمجرد العقد، واستدل بقوله {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}
على أنها لو اشترت به شيئاً لم يرجع الزوج في نصف ما أشترت بل في نصف ما أخذت، وعلى أنه لو زاد زيادة متصلة لم يكن للزوج فيها نصيب وبقوله:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}
على أن الخلوة لا تقرر المهر مطلقاً، وقوله: إلا أن يعفون يفيد جواز هبة الزوجة النصف الذي ثبت لها للزوج وقوله {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} .
فسره عليٌّ بالزوج. وورد في حديث مرفوع عند الطبراني، ففيه جواز ترك الزوج نصفه لها. وفسره ابن عباس وغيره بالولي، فاستدل به من أجاز للولي العفو عن الصداق مطلقاً أو الأب فقط، ويستدل به على أن
المرأة لا تلي عقد النكاح بالكلية.
قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .
خطاب للأزواج ففيه جواز عفوهم إن كان ما قبله في الولي وفيه أن عفو الزوج أولى من عكسه لضعف جانب المرأة وما حصل لها من الكسر بالطلاق، وفي الآية دليل على جواز الهبة إن كان الصداق عيناً والإبراء إن كان ديناً وجواز هبة المشاع فيما ينقسم وما لا ينقسم لأنه أباح تمليك نصف الصداق ولم يفرق بين العين والدين ولا ما يحتمل القسمة وغيره.
238-
قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} .
فيه الأمر بالمحافظة على الصلوات المفروضات والحث على الصلاة الوسطى وبيان فضلها وهي الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الخمس أو الجمعة أو الوتر أو الضحى أو صلاة عيد الفطر أو عيد الأضحى أو صلاة الليل أو صلاة الجماعة أو صلاة الخوف. أقوال.
قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
فيه وجوب القيام في الصلاة واستدل به على تحريم الكلام فيها. روى الشيخان عن زيد بن أرقم قال كان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة حتى نزلت "وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ولاوى الطبراني عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود. قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليَّ فلما قضى الصلاة، قال إنه يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة. وأخرج عن مجاهد قال من القنوت طول الركوع وغض البصر والخشوع وأن لا يلتفت ولا يقلب الحصا ولا يعبت بشيء ولا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، واستدل بها آخرون على القنوت في صلاة الصبح. أخرج ابن جرير عن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس الغداة فقنت فيها ثم قال هذه الصلاة الوسطى التي قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} . وفي لفظ عنه: التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين.
239-
قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} .
فيه بيان صلاة شدة الخوف وأنها تجوز ماشياً وراكباً مستقبلاً ومستديراً أو مومئاً. عم خوف العدو والسبيل والسبغ وغير ذلك، وفي الآية رد على من قال بتأخير الصلاة في هذه الأحوال وإطلاق الآية يقتضي أنه لا إعادة ومن أوجبها استدل بقوله: فإذا أمنتم فاذكروا الله أي فأعيدوا الصلاة.
240-
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ}
الآية ذهب مجاهد إلى أن هذه الآية غير
منسوخة وأنها معمول بها مع الآية السابقة. فأوجب على المعتدة أربعة أشهر وعشراً أن لا تخرج من بينها ثم جعل لها تمام الحول وصية لها إن شاءت أقامت وإن شاءت خرجت أخرجه ابن جرير، وألأكثرون على أنها منسوخة، ثم قيل بنسخ كلها الاعتداد حولا بالآية السابقة والوصية بالمتاع والسكنى بآية الميراث، وقيل نسخت إلا السكنى فهي لها ثابتة.
241-
قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}
فيه وجوب المتعة لكل مطلقة قبل الدخول وبعده رجعية أو مختلعة أو بائنة بثلاث حرة أو أمة، واستدل به من لم ير المتعة في الفسوخ واللعان لأن الفسخ لا يسمى طلاقاً واستدل بقوله على الماقين على وجوب المتعة لما أخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه لما نزل:{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}
قال رجل إن أحسنت فعلت وإن لم أ {د لم أفعل فنزلت: حقاً على المتقين، وذهب الزهري إلى متعة المفوضة غير واجبة لأنه نزل فيها: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} .
ومتعة غيرها واجبة لقوله فيها: حقاً على المتقين، أخرجه ابن جرير.
243-
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} .
أخرج الحاكم عن ابن عباس أنهم خرجوا فراراً من الطاعون، ففيه ذم الفرار منه.
245-
وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} الآية.
فيه الترغيب في أعمال البر والإنفاق في سبيل الخير.
246-
قوله تعالى: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية.
فيه أن البعوث والسرايا لابد لهم من أمير يولى عليهم يرحعون إليه ويقتدون به.
247-
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} الآية.
فيه أن الإمامة ليست وراثة متعلقة بأهل بيت النبوة والملك، وإنما تستحق بالعلم والقوة دون المال وأن النسب مع فضائل النفس والعلم لا عبرة به بل هي مقدمة عليه.
249-
قوله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ} الآية.
استدل به الرازي على أن الشرب من النهر الكرع فيه بالفم دون الإغتراف فلو حلف لا يشرب من النهر حنث بالكرع دون الشرب بإناء لأ، هـ حظر الشرب إلا لمن إغترف فدل على أن الإغتراف منه ليس يشرب ورده الكيا بأن استثناء الإغتراف منه يدل على أنه من الشرب إذ المستثنى من جنس المستثنى منه، واستدل أصحابنا بقوله ولم يطعمه على أن الماء ربوي مطعوم.
250-
قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ}
الآيو، فيه استحباب هذا الدعاء عند القتال.
253-
قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
استدل به على جواز التفضيل بين الأنبياء والمرسلين حيث لم يؤد إلى نقص في المفصل عليه والحديث الوارد في النهي عن ذلك محمول على ما إذا خشى منه نقص.
256-
قوله تعالى: {250- قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ}
الآيو، فيه استحباب هذا الدعاء عند القتال.
253-
قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
استدل به على جواز التفضيل بين الأنبياء والمرسلين حيث لم يؤد إلى نقص في المفصل عليه والحديث الوارد في النهي عن ذلك محمول على ما إذا خشى منه نقص.
256-
قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .
فيه دليل على أن أهل الذمة لا يكرهون على الإسلام ولا يصح إسلامهم بالإكراه لأن الآية نزلت فيهم كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عباس.
258-
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ} الآية.
هذه الآية أصل في علم الجدل والمناظرة قال العلماء لما وصف إبراهيم ربه بما هو صفة له من الإحياء والإماتة، لكن له حقيقة ومجاز، وقصد الخليل الحقيقة فزع نمروذ إلى المجاز تمويهاً على قومه حيث قتا نفساً وأطلق نفساً فسلم له إبراهيم تسليم الجدل وأنتقل معه من المثال، وجاء بأمر لا مجاز فيه فبهت وإنقطع ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها من المشرق لأن ذوي الأسنان يكذبونه، وقال الكيا: في الآية جواز المحاجة في الدين وتسميه الكافر ملكاً.
260-
قوله تعالى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .
قال مجاهد والنخعي لأزداد إيماناً إلى إيماني وأورده الصوفية في باب التحقيق.
264-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} الآية.
قال النووي في شرح المهذب يحرم المن بالصدقة فلو من بها بطل ثوابه للآية واستشكل ذلك ابن عطية بأن العقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات، وقال غيره تمسك المعتزلة بهذه الآية في أصلهم أن السيئة تبطل الحسنة، وأستبط العلم العراقي من هذه الآية دليللاً لقاعدة: أن المانع الطاريء كالمقارن، لأنه تعالى جعل طريان المن والأذى بعد الصدقة كمقارنة الرياء لها في الابتداء، قال: ثم إن الله ضرب مثالين أحدهما للمقارن المبطل في الابتداء بقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ}
الآية فهذا فيه أن الوابل
الذي نزل قارنه الصفوان وهو الحجر الصلد وعليه التراب اليسير فأذهبه الوابل فلم يبق محل يقبل النبات وينتفع بهذا الوابل فكذلك الرياء وعدم الإيمان إذا قارن إنفاق المال، والثاني الطاريء في الدوام وأنه يفسد الشيء من أصله بقوله أيود أحدكم الآية فمعناها أ، هذه الجنة لما تعطل النفع بها بالإحتراق عند كبر صاحبها وضعفه وضعف ذريته فهو أحوج ما يكون إليها بوق فقرة وفاقته فكذلك طريان المن والأذى يحبطان أجر المتصدق أحوج ما يكون إليه يوم فقره وفاقته انتهى.
267-
قوله تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ} الآية.
أخرج سعيد بن منصور وإبن جرير عن مجاهد في قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} .
قال من التجارة: ومما أخرجنا لكم من الأرض، قال من الثمار، وعن علي وغيره نحوه ففيه وجوب زكاة التجارة والثمار وفي الآية كراهة التصدق بالرديء واستجابة بالجيد، قال الكيا وأحتج بها أبو حنيفة على وجوب زكاة قليل ما تخرجه الأرض وكثيرة وآخرون على كل ما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار وغيره حتى البقل، وقال ابن الفرس: قوله: {أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}
يعم النبات والمعدن والركاز، وقال: وفيه أن من زرع في أرض أكتراها فالزكاة عليه لا على رب الأرض لأن قوله {أَخْرَجْنَا لَكُمْ}
يقتضي كونه على الزارع.
قوله تعالى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} .
فيه أن صاحب الحق لا يجبر على أخذ المعيب وله الرد سليم بدله.
269-
قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} الآية.
وأورده الصوفية في باب الحكمة وفسروها بوضع الشيء في موضعه كأن يعطي كل شيء حقه ولا يعيده حده ولا يعجله وقته.
271-
قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ} الآية.
فيه مشروعية النذر والوفاء به.
271-
قواه تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} الآية.
فيه أن إخفاء الصدقات أفضل من إظهارها وأ، ها حق للفقير وأ، صدقة النفل عليه أفضل وأنه يجوز لرب المال تفريق الزكاة بنفسه.
272-
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}
نزلت في إباحة التصدق على الكفار
كما أخرجه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس، واستدل بعموم ذلك من أباح صرف صدقة الفرض إليهم.
273-
قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ} الآية.
فيه أن الفقير لا يخرج عن اسم الفقر بماله من ثياب وكسوة وسلاح، وفيه ذم سؤال الناس ومدح التعفف.
275-
وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
أصل في إباحة البيع بأنواعه إلا ما دل دليل على تحريمه وتحريم الربا بأنواعه إلا ما خصه دليل.
قوله تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ - إلى قوله - وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} . فيه أن من أسلم وقد أربى فعلى إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع ولإلا ضرب عنقه أخرجه ابن جرير.
280-
قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .
فيه وجوب إنظار المعسر وتحريم حبسه وملازمته ورد على من قال ببيع الحر في الدين، وأستدل به على أن المديون لا يكلف الكسب لرفاء دينه لأنه تعالى حكم بالإنظار ولم يوجب كسباً ولا غيره، ومن خالف في كل ذلك قال إن الآية نزلت في الربا.
قوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} .
فيه حث على الإبراء وأنه مع كونه مندوباً أفضل من الإنظار الذي هو واجب. أخرج ابن المنذر عن الضحاك قال النظرة واجبة وخير الله الصدقة على النظرة.
282-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . أخرج البخاري عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله وأذن فيه ثم قرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} .
قال معلوم ففي الآية إباحة السلم والاستدانة مطلقاً وأستدل بها مالك على جواز تأجيل القرض. وفيها أن الأجل المجهول لا يجوز فيستدل بها على بطلان كل بيع وسلم وعقد جرى فيه ذلك، قال ابن الفرس: فيها دليل على أن السلم لا يكون إلا مؤجلاً وفيها الأمر بالكتابة فقيل إنه
للندب وقيل للوجوب ويؤيد الأول قوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية.
قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} .
أستدل به بعضهم على أنه لا يكتب الوثائق إلا عارف بها عدل مأمون.
قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ} .
فيه وجوب الكتابة فقيل على الكفاية، وقيل على العين، وقيل هو للندب.
قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} .
فيه دليل على العمل بالإقرار.
قوله تعالى: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} .
فيه أن كل من عليه حق فالقول قوله فيه لأنه تعالى لما وعظه في ترك البخس دل على أنه إذا بخس كان قوله مقبولاً وهذه قاعدة تحتها فروع لا تحصى.
فيه أن السفية يحجرُ عليه وتلغي أقواله وتصرفاته وإقراره وأنه لابد له من ولي أمره وأن الولي يقبل إقراره عليه، وفسر الضحاك والسدي السفيه: بالصغير، وفسر مجاهد الضعيف: بالأحمق وهو الناقص العقل، ففيه الحجر على المخبول والمجنون، وفسر من لا يستطيع أن يمل بالأخرس ومن لا يحسن اللغة، وأستدل بقوله:{وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}
على أنه لا يجوز أن يكون الوصي ذمياً ولا فاسقاً وأنه يجوز أن يكون عبجاً أو امرأة لأنه لم يشترط في الأولياء إلا بالعدالة، ذكره ابن الفرس.
قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} .
فيه الأمر بالإشهاد فقيل هو للندب وقيل للوجوب. وفيه إشتراط العدد في الشهادة وأنه لا يقبل في الشهادة صبي ولا كافر لقوله: {مِنْ رِجَالِكُمْ}
واستدل بعمومه من يقل شهادة العبيد والأصول للفروع وعكسه وأحد الزوجين للآخر والصجيق والصهر والعدو والأعمى والأخرس وأهل الأهواء وولد الزنا والبدوي على الحضري والقراء بالألحان ولاعب الشطرنج والبخيل المؤدي زكاته والشاعر والأغلف وآكل الطين والصيرفي ومكاري الحمير وناتف لحيته والبائل قائماً، ومن رد الجميع أو بعضهم قال إنهم ممن لا يرضى وقد قال {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ} .
قواه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} .
فيه قبول شهادة النساء في الأموال ونحوها، وقصرها الزهري ومكحول على الدين خاصة لظاهر الآية، وفيه أن
شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل وأنه لا تقبل النساء الخلص. واستدل بظاهر الآية من منع شهادة رجل وامرأتين مع وجود رجلين وأجاب الأكثر بأن المعنى فإن لم يشهد صاحب الحق رجلين فليشهد ما ذكر، وأستدل أبو حنيفة على قول منع قبول الشاهد واليمين لعدم ذكره في الآية مع ذكره فيها أنواع التوثيق.
قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} .
فيه أشتراط العدالة وأنه لا يكفي مجرد الإسلام وأنه لا يقبل المجهول حاله وفيه تفويض الأمر إلى إجتهاد الحكام وجواز الإشهاد فى الأحكام الشرعية، وأستدل بالآية مع قوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
على أنه لابد من التزكية أن يقول هو عدل رضا لأنهما الوصف المعتبر في الشاهد فلا يكفي ذكر أحدهما ومن أكتفى به قال إنه تعالى ذكر كل لفظ على حدة ولم يجمعهما فدل على أن أحدهمتا يغني عن الآخر.
قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} .
فيه أنه لا تجوز الشهادة لمن رأى خطأه حتى يتذكر، وأن الشاهد إذا قال لا أذكر ثم ذكر يقبل.
قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} .
قال قتادة إلى محل الشهادة وقال مجاهد إلى أدائها وقال الحسن إليهما معاً ففيه وجوب التحمل والأداء، ويستدل به على أن العبد لا مدخل له في الشهادة لأنه غير متمكن من الإجابة إذا دعي إلا بإذن السيد.
قوله تعالى: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} .
قال الكيا: يستدل به على أن يكتب صفة الدين وقدره لأن الأجل بعض أوصافه فحكم سائر أوصافه بمنزلته.
قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً}
إلى آخره. فيه الرخصة في ترك الكتابة في بيع الحاضر والأمر بالإشهاد فيه وفي قوله {تُدِيرُونَهَا}
الإشارة إلى القبض.
قوله: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} .
يعني النهي عن مضارتهما بأن يجبرا على الكتابة والشهادة ولهما عذر وإن كان المرفوع فاعلاً ففيه النهي عن مضارتهما صاحب الحق بالامتناع أو تحريف الحق، ويؤيده قراءة عمر: ولا يضارره بكسر الراء أخرجه عبد الرازاق وسعيد بن منصور.
283-
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} الآية.
فيه مشروعية الرهن وأشترط
القبض وأستدل مجاهد بظاهر الآية على أن الرهن لا يجوز إلا في السفر، وأستدل به الضحاك على أنه لا يجوز في السفر إلا عند فقد الكاتب لقوله:{وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا}
أخرجه ابن المنذر عنه، وفي الآية رد على من منع الرهن في السلم.
قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}
إلى آخره، أستدل به على أن القابض أمين فيما قبضه فيكون القول قوله وهذه قاعدة تحتها فروع كثيرة.
قوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} الآية.
فيه تحريم كتم الشهادة وأنه من الكبائر قال الكيا: يستدل بآية الدين على وجوب حفظ المال والمنع من تضييعه.
286-
قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .
أستدل به على منع تكليف ما لا يطاق ومنه حديث النفس، وعلى سقوط القيام في الصلاة ونحوه عن العاجز ومن تلحقه مشقه شديدة وكذا الطهارة بالماء والصوم.
قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .
هذا أصل قاعدة: أن الناسي والمخطيء غير مكلفين، ومن فروعها عدم حنث الناسي والجاهل وسائر أحكامها.
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} .
فيه دليل على منع تكليف ما لا يطاق، والله تعالى أعلم.