الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-4-
سورة النساء
1-
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} .
فيه تأكيد الأمر بصلة الرحم والتحذير من قطعها.
2-
قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى} الآية.
فيه التحذير من أكل مال اليتيم وأنه من الكبائر وأخرج ابن أبي حاتم في قوله ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، لا تعطى زائفاً وتأخذ جيداً.
3-
قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} .
روى البخاري عن عائشة أنها سئلت عن هذه الآية فقالت هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يشركها في مالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن يستنكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن على سنتهن وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، الحديث، ففي الآية أن المحجورة لا يجوز نكاحها بدون مهر المثل وأن غيرها يتكح على ما رضيت به وإن كان دونه، ولار عبرة برضا الولي. قال ابن العربي: ويستدل بها على أن الوصي ليس كالولي في إسقاطه المهر والعفو عنه، وعلى أنه يجوز له نكاحها إذا أقسط في الصداق ويتولى طرفي العقد سواء كانت بالغة أو دون البلوغ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يقول وإن خفتم في أموال اليتامى أن لا تقسطوا فيها فكذلك على أنفسكم من الزنا فانكحوا. ففي الآية وجوب النكاح على خائف العنت.
قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ} .
فيه الإشارة إلى النظر قبل النكاح لأن الطيب إنما عرف به، وفيه استحباب نكاح الجميلة لأنه أقرب إلى الإعفاف.
قوله تعالى: {مِنَ النِّسَاءِ} .
استدل به على منع نكاح الجنيات.
قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} .
فيه أن العدد الذي يباح جمعه من النساء أربع
فقط، وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والست والعشر فنهوا أن يتزوج الرجل فوق الأربع، واستدل بظاهر الآية من أباح جمع تسع نسوة لأن الواو تفيد الجمع، وهو مردود لأن معنى مثنى، اثنين مرتين ومعنى ثلاث: ثلاث مرات وكذا رباع فيقتضي ذلك من حيث اللغة إباحة ثماني عشرة وليس كذلك بل المراد الإباحة لكل رجل لأن يجمع اثنتين وأن يجمع ثلاثاُ وأن يجمع أربعاً، واستدل بظاهرها أيضاً من أباح للعبد وقال ابن العربي: لا مدخل له في الآية لأنها خطاب لمن ولي وملك وتولى وتوصى وهذه صفات الأحرار واستجل بها أيضاً من أباح لخائف العنت أربع مملوكات.
قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
فيه وجوب القسم والتسوية فيه وأنه خاص بالزوجات جون ملك اليمين، وأنه يستحب لمن خاف الجوز فيه ألا يزيد على زوجة واحدة أو يعدل إلى التسري. قال ابن الفرس: وفي الآية رد على من جعل النكاح واجباً عن العين لأنه تعالى خير بينه وبين ملك اليمين وجعل بعضهم {أَوْ مَا مَلَكَتْ}
عطفاً على {النِّسَاءَ}
فأباح للحر نكاح أربع إماء مطلقاً وهو مردود بأن العطف على أقرب مذكور.
قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} .
قال الشافعي: ألا يكثر عيالكم واستبط منه أن على الرجل مؤنة امرأته.
4-
قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} .
فيه مشروعية المهر ووجوبه وأنه لا يخلوا نكاح عنه، وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي صالح قال كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها فنزلت في النهي عن ذلك، وشملت الآية إصداق الأعيان والمنافع قال الكيا: وفيه دلالة على أن عتق الأمة لا يكون صداقاً لها لأنه لا بصح إعطاؤه.
قوله تعالى: {نِحْلَةً} .
قالت عائشة واجبة وقال ابن جريج فريضة مسماة أخرجهما ابن أبي حاتم وقال أبوعبيدة عن طيب نفس، قال ابن الفرس في الآية رد على من يرى
الصدقات عوضاً من البضع لأنه تعالى سماه نحلة والنحلة ما لم يعوض عليه، فهي نحلة للزوجات لا عوض عن الاستمتعا لأن كلاً منهما يستمتع بصاحبه ولذلك لم يفتقر عقد النكاح إلى تسمية مهر، ولهذا استحب بعضهم أن يكتب في الصدقات - عوض هذا ما أصدق فلان - هذا ما نحل فلان.
قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} .
فيه جواز هبة الزوجة الصداق للزوج وقبوله ذلك فهو شامل للبكر والثيب، قال ابن العربي: ورأى شريح أن لها الرجوع محتجاً بالآية لأنها متى قامت طالبة له لم تطب به نفساً، قال وهذا باطل لأنها قد طابت وقد أكل ولا كلام لها بعد ذلك.
5-
قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} الآية.
فيها الحجر على السفيه وأنه لا يمكن من ماله وأنه ينفق عليه منه ويكسى ولا ينفق في التبرعات وأنه يقال له معروف كإن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما نحتاط لنفعك، واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ، ومن قال بالحجر على من يجذع في البيوع ومن قال بأن من تصدق على محجوره وشرط أن يترك يده لا يسمع منه في ذلك، وفي الآية الحث على حفظ الأموال وعدم تفييعها.
6-
قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الآية.
فيها وجوب اختبار اليتيم على الولي لنظر حالته في المرشج وخلافه وأن محله قبل البلوغ لا بعده لقوله حتى إذا بلغوا النكاح وأن البلوغ بالاحتلام وأنه إذا آنس منه الرشد عند البلوغ وجب على الولي دفع المال إليه ولا يجوز له إمساكه واستدل به على ارتفاع الحجر بمجرد البلوغ رشيداً ولا يحتاج إلى فك الحاكم لأنه جعل الرفع لمن إليه الإبتلاء، وهو الذي إليه النظر في أمره وفسر سعيد ابن جبير الرشد بالصلاح في الدين والحفظ في الأموال، أخرجه ابن أبي حاتم. قال ابن الفرس: واستدل بعضهم بالآية على أن الوصي على المحجور إنما له النظر فيما يتعلق بالمال لا بالبدن لأنه تعالى خص الأموال بالذكر دون الأبدان.
قواه تعالى: {مَنْ كَانَ غَنِيًّا} الآية.
أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها قال: نزلت هذه الآية في ولي اليتيم: {مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
بقدر قيامه عليه، ففي الآية تحريم الأكل من ماله على الولي الغني خلافاً لمن أجازه بقدر أجرته وجوازه للولي الفقير ولكن بقدر أجرة عمله فيه وقيامه
عليه خلافاً لمن منعه مطلقاً، وقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجلاً قال يا رسول الله ليس لي مال ولي يتيم فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالاً ومن غير أن تقي مالك بماله" فهذا يفسر قوله بالمعروف، وفسر قوم قوله بالمعروف على القرض حتى يرد بدله إذا أيسر، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبن أبي طلحة عن ابن عباس وعن جماعة من التابعين، وذهب قوم إلى إباحة الأكل دون الكسوة لقوله {فَلْيَأْكُلْ} .
وأخرج الفريابي من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال إذا إحتاج ولي اليتيم وضع يده فأكل من طعامه ولا يلبس منه ثوباً ولا عمامة، وقال آخرون: الآية نزلت في حق اليتيم ينفق عليه من كاله بحسب حاله، أخرجه ابن أبي حاتم يحيى بن سعيد وربيعة وهو مردود لأنه قوله {فَلْيَسْتَعْفِفْ}
لا يعطي معنى ذلك.
قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الآية.
فيه الأمر بالإشهاد ندباً وقيل وجوباً ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبي لا الولي فلا يقبل قوله إلا ببينة.
7-
قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} الآية.
هذه أصل الميراث، واستدل بعمومها من ورث ذوي الأرحام.
8-
قوله تهالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ}
الآية؛ قيل هي منسوخة. وقيل لا ولكن أهمل الناس العمل بها، أخرج البخاري عن غبن عباس قال هي محكمة وليست بمنسوخة وأخرج البخاري والحاكم من طريق عكرمة عنه في الآية قال: يرضخ لهم فإن كان في المال تقصير اعتذر لهم فهو {قَوْلًا مَعْرُوفًا}
وأخرج سعيد بن منصور عنن يحيى بن يعمر قال ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيعهن كثير من الناس {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الآية.
وآية الاستئذان: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} .
وقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: هذه الآية مثبتة لأهل الميراث أن يرضخوا عند قسمة الميراث لمن لا يرث من أقارب الميت، وأخرج عن مجاهد، قال: هي
واجبة على أهل الميراث ما طابت له أنفسهم، وقال به ابن حزم وأخرج عن النخعي قال: إن لو كانوا كباراً أرضخوا لهم وإن كانوا صغاراً قال أولياؤهم ليس لنا من الأمر شيء ولو كان لنا لأعطيناكم فهذا القول بالمعروف. وأخرج سعيد بن منصور نحوه وزاد وإذا بلغوا أمرناهم أن يعرفوا حقكم يتبعوا فيه وصية ربهم وفي الآية مشروعية قسمة المشتركات؛ واستدل بها مع قوله قبل {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ}
من أجاز قسمة كل سيء وإن كان في قسمته ضرر.
9-
قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ} الآية.
أخرج ابن جرير وإبن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا في الرجل يحضره الموت ويسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته فأمر الله الذي يسمعه أن يتقي الله ويسدده للصواب وينظر لورثته كما يجب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة.
قلت: إنها نزلت في ولاة اليتيم أمروا أن يفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم؛ قال العلماء: لا مانع من أن يكون كلا الأمرين مراداً بالآية، وفيه أنه يستحب لقليل المال إذا كانت ورثته ضعفاء أن لا يوصي.
10-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} الآية.
فيه التشديد في أكل أموال اليتامى وبان حال آكله في الآخرة، أخرج ابن حبان من حديث أبي برزة مرفوعاً "يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواهم ناراً" قيل من هم يا رسول الله؟ قال "ألم تر أن الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا".
11-
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
هذه أصل الفرائض، واستدل بها من قال بدخول أولاد الأبن في لفظ الأولاد للإجماع على إرثهم دون أولاد البنت.
وقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية.
فيه أن الأولاد إذا أجتمعوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وأن الإبن مع البنت له الثلثان ولها الثلث وأن البنت إذا انفردت لها النصف وأن البنات الثلاث فصاعداً حيث لا ذكر معهن لهن الثلثان ولا ذكر للبنتين في الآية؛ فقال ابن عباس لهما النصف لأنه تعالى شرط في
إعطاء البنات الثلثين أن يكن فوق اثنتين، وقال غيره لهما الثلثان فقيل بالسنة، وقيل بالقياس على الأخوة لأم لأن الاثنين فصاعداً منهم سواء، وكذلك البنات، وقيل على الأخوات للأب لأنه تعالى جعل للواحدة منهن النصف وللثنتين الثلثين كما سيأتي آخر السورة، وقال الأكثرون بالقرآن لأنه جعل للبنت مع الذكر الثلث فمع الأنثى، أو الأختين آكد فلم يحتج إلى ذكره وأحتيج إلى ذكر ما فوق الأثنتين وقيل المعنى: فإن كن نساء اثنتين. فما فوقهما كقولهم راكب الناقة طليحان أي الناقة وراكبها، قال ابن الفرس: في الآية رد على من يقول بالرد لأنه جعل للواحدة النصف ولما فوق الثلثن، فلم تجز الزيادة على ما نص عليه.
قوله تعالى: {لِأَبَوَيْهِ} الآية.
فيه أن لكل من الأبوين السدس إن كان للميت ولد ذكراً أو أنثى واحد أو أكثر وإن لم يكن له ولد وأنحصر إرثه في الأبوين أستغرقا المال للأم الثلث وللأب ما بقي وهو الثلثان وأستدل ابن عباس بظاهر قوله فلأمه الثلث على أنها تأخذه كاملاً في مسألة زوج وأبوين أو زوجة وأبوين فيزيد ميراثها على ميراث الأب، أخرج الدارمي وإبن أبي شيبة عن عكرمة قال أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أتجد في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟ فقال إنما أنت رجل تقول برأيك وأنا رجل أقول برأيي، وفي الآية أن الميت إذا كان له عدد من الأخوة حجبوا الأم من الثلث إلى السدس، ثم إن كان الأب موجوداً أخذ الباقي ولا شيء للأخوة وإلا فهو لهم، وقيل إن السدس للأخوة مع جوب الأب واستدل بظاهر قوله {إِخْوَةٌ}
من قال لا يحجبها إلا ثلاثة أخرج البيهقي عن غبن عباس أنه دخل على عثمان فقال إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ}
فالأخوان ليس بلسان قومك إخوة، فقال عثمان لا أستطيع أن أغير ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. وأستدل به أيضاً من قال لا يحجبها الأخوات لأن لفظ الإخوة خاص بالذكور كلفظ البنين ولكن الجمهور على خلاف ذلك في السمسألتين. أخرج ابن أبي حاتم في تفسير الآية من طريق عطاء بن دينار عن سعيد ابن جبير فيقوله:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} .
يعني ذكر أكان أو كانتا اثنتين فما فوق ذلك فإن كان الولد بنتاً واحدة فلها نصف المال ثلاثة أسداس وللأب سدس وللأم سدس ويبقى سدس واحد يرد على الأب لأنه هو العصبة فإن لم يكن له ولد ولا ذكر ولا أنثى وورثه أبواه فلأمه الثلث وبقية المال للأب فمن كان له أخوان فصاعداً أو أختان أو أخ وأخت فلأمه السدس وما بقي فللأب وليس للأخوة مع الأب شيء ولكنهم حجبوا الأم عن الثلث.
قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} .
فيه أن الميراث إنما يقسم بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا، وفيه مشروعية الوصية وأستدل بتقديمها في الذكر من قال بتقديمها على الدين في التركة، وأجاب من أخرها بأنها قدمت لئلا يتهاون بها، واستدل بعمومها من أجاز الوصية بما قل وكثر ولو أستغرق الما ومن اجازها للوارث والكافر حربياً كان أو ذمياً، واستدل بالآية من قال: إن الدين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث ومن قال: إن دين الحج والزكاة مقدم على الميراث لعموم قوله {دَيْنٍ} .
12-
قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ}
إلى قوله {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ} .
فيه أن للزوج النصف حيث لا ولد للزوجة والربع معه زأن للزوجة الربع حيث لا ولد للزوج والثمن معه سواء أكانت الزوجة واحدة أم أكثر وسواء كان الولد ذكراً أو أنثى ومنه أم من غيره وغيرها. واستدل ابن عباس بقوله فإن كان لكم ولد على أن ولد الولد لا يحجب.
قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} الآية.
فيه أن الميت إذا لم يكن له ولد ولا والد وهو معنى الكلالة في الأشهر يرثه إخوته من الأم ويفهم منه أن الأصول والفروع يحجبون ولد الأم وأن الواحد من ولد الأم له السدس ذكراً كان أو أنثى قرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم، أخرجه سعيد بن منصور وغيره، وفيه أن الاثنين من ولد الأم فصاعداً لهم الثلث من غير زيادة يشتركون فيه ذكرهم وأنثاهم سواء ومن ورث ولد الأم مع البنت لم يدخلها في مسمى الكلالة وكذا من ورثها مع الأب ومن أدخلها في مسماها ولم يورثها مع الجد قال إنه لا يسمى أباً.
قوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} .
فيه تحريم الأضرار في الوصية، وفسر في الحديث بأن يزيد على الثلث أخرج النسائي وغيره عن ابن عباس. قال الضرار فيالوصية من الكبائر ثم قرأ:{غَيْرَ مُضَارٍّ} .
وأخرج أحمد وأبو دواود والترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: "إن الرجل يعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجن" ثم يقول أبو هريرة إن شئتم {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}
إلى قوله {عَذَابٌ مُهِينٌ} .
تنبيهان: الأول استدل بعموم الآية من قال بالإرث من الأنبياء وبإرث القاتل
والمسلم من الكافر وإرث المبعض والإرث منه ومن المرتد، ومن منع ذلك أخذ بالأخبار المخصصة.
الثاني: العول في الفرائض قاله عمر بإجتهاد منه أنكره ابن عباس وقال: أقدم من قدمه الله.
15-
قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية.
الأكثرون على أنها والآية التي بعدها منسوخة بآية الجلد من سورة النور أخرج مسلم وغيره عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتزبد وجهه فأنزل الله ذات يوم فلما سري عنه قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ثم نفي سنة والثيب بالثيب رجم بالحجارة" وأخرج الفريابي عن ابن عباس قال كن يحبسن في البيوتحتى نزلت سوة النور، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عنه في قوله:{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ}
قال: كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال، ثم نسخ ذلك بآيه الجلد في سورة النور، وفي الآية اشتراط شهادة أربعة رجال في الزنا فلا يقبل شهادة النساء ولا أقل من أربعة خلافاً لمن أجاز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين لقوله:{مِنْكُمْ}
واستدل مالك بقوله: {مِنْ نِسَائِكُمْ}
و {مِنْكُمْ}
على أن أهل الذمة لا يقام الحد عليهم في الزنا كالمسلمين، وذهب قوم إلى أن الآيتين محكمتان وأن الأولى في إتيان المرأة والثانية في إتيان الرجل الرجل ويؤيده قوله:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} .
فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة بالنساء، وقال:
16-
{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} .
فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة بالرجال ففي الآية وجوب التعزير في السحاق وإشتراط أربعة شهود فيه، واستدل بها من أوجب التعزير في اللواط دون الحد وفيها أن التعزير يكون بالحبس، وسائر أنواع الأذى من الضرب والتعيير والتوبيخ والإهانة. وعندي أن الآية الأولى في الزنا لما تقدم من الحديث ولذكرهن بلفظ الجمع والثانية في اللواط للإتيان بصيغة التثنية في {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا}
وما بعدخ ومن قال إنه أراد الزاني والزانية فهو مردود بتبييه ذلك بمن المتصلة بضمير الرجال وبإشتراكهما في الأذى والتوبة وألعراض وذلك مخصوص بالرجال لذكر ما يتعلق بالنساء أولاً وهو الحبس، ولو أريد بالآية الأولى السحاق لأتى بصيغة الإثنتين كما في الثانية ولو أريد بالثانية الزناة من الرجال لأتى بصيغة الجمع كما في الأولى وهذا ما
فسره مجاهد أخرجه عنه ابن أبي حاتم وغيره.
17-
قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ}
الآيتين، فيه بيان الوقت الذي تقبل فيه التوية وهو ما لم يصل الإنسان إلى الغرغرة ومشاهدة ملائكة الموت والعذاب فإذا وصل إلى ذلك لم تقبل له توبة ولا يصح منه إيمان، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}
قال: القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت، وعن الضحاك قال القريب ما دون الموت، وعن الحسن قال ما لم يغرغر، وأخرج عبد الرزاق عن ابن عملا أنه قال: التوبة مبسوطة للعبد ما لم يسق ثم قرأ الآية، وقال وهل الحضور إلا السوق؟ وأخرج أحمد والترمذي من حديثه مرفوعاً "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرر"، وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي العالية "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}
قال: هذه لأهل الإيمان، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} .
قال هذه لأهل النفاق، {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} .
فال هذه لأهل الشرك، واستدل بعموم الآية على صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، وبعد نقضها وعلى صحة توبة المرتد.
19-
قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} .
نزلت رداً على ما كان في الجاهلية من أن ولي الميت أحق بامرأته من أهلها إن شاء تزوجها وإن شاء زوجها. أخرجه البخاري، ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد ولا يجري مجرى الأموال بوجه.
قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} الآية.
قال ابن عباس: يعني لا تقهروهن، وهو في الرجل يكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي، أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج عبد الرزاق عن ابن السلماني قال نزلت أول الآية في أمر الجاهلية وآخرها في أمر الإسلام، ففيه تحريم الإضرار بالزوجة ليلجئها إلى الإفتداء وإباحته إذا كان النشوز منها، أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد أن ابن عباس كان يقول في هذه الآية {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
: النشوز وسوء الخلق، وأخرج من طريق العوفي عنه قال: الفاحشة المبينة أن تفحش على أهل الرجل وتؤذيهم، وأخرج من طريق مجاهد عنه قال: هي الزنا، واستدل قوم بظاهر الآية على جواز الإضرار إذا حصل منها ما ذكر والتضييق عليها حتى تفتدى، وقال آخرون إنما هي مبيحة للأخذ دون الاضرار فالاستثناء على هذا منقطع، واستدل قوم بقوله:{بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}
على منع الخلع بأكثر مما أعطاها.
قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
فيه وجوب ذلك من توفيه المهر والنفقة والثسم واللين في القول وترك الضرب والإغلاط بلا ذنب، واستدل بعمومه من أوجب لها الخدمة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها.
قوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} الآية.
قال الكيا: فيه استحباب الإمساك بالمعروف وإن كان على خلاف هوى النفس وفيه دليل على أن الطلاق مكروه.
20-
قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارً} .
فيه رد على من لم يجز المغالاة في المهور وهوقوم، نقله عنهم ابن الفرس وقد أخرج أبو يعلى عن مسروق أن عمر بن الخطاب رحمه الله نهى أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم فاعترضته امرأة من يس فقالت أما سمعت ما أنزل الله {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارً}
فقال اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال إني كنت نهيتكم أن لا تزيدزا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. وأخرج ابن المنذر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارً}
من ذهب، قال وكذلك هي في قراءة ابن مسعود فقال عمر إن امرأة خاصمت عمر فخصمته. وأخرج عبد عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال عمر: خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق فعرضت لي آية من كتاب الله {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارً} .
قوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} الآية.
استدل به من منع الخلع مطلقاً وقال إنه ناسخ لآية البقرة وقال غيره إنه منسوخ بها وقال لا ناسخ ولا منسوخ بل هو في الأخذ بغير طيب نفسها.
21-
قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى} الآية.
استدل به من أوجب المهر بالخلوة لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو المكان الذي ليس فيه بناء فعبر به عن الخلوة وهو مردود فإن الإفضاء يكنى به عن الجماع وبذلك فسره ابن عباس. أخرجه ابن أبي حاتم، وقد رد ابن الفرس على قائل الأول فأجاد، وقال: الكناية عن العرب إنما تستعمل فيما يستحى من ذكره كالجماع، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية، قلت وفي تعديته بإلى ما يدل على معنى الوصول والإتصال.
قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} .
وهو الإيجاب والقبول في عقد النكاح فسره بذلك ابن عباس ومجاهد أخرجه ابن أبي حاتم.
22-
قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
إلى قوله: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} .
فيه هذه الآيات محرمات النكاح ففيها تحريم نكاح نساء الآباء وشمل ذلك الأجداد فصاعداً من جهة الأب أو الأم من النسب أو الرضاع ومن قال: إن النكاح حقيقة في العقد، استدل بها على عدم تحريم مزنية الأب، ومن قال: حقيقة في الوطء استدل بها على تحريمها كما استدل بها على تحريم موطوءته بمالك اليمين ولا عقد فيها، وفيها تحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فذفه سبع من النسب، قال ابن الفرس: ويدخل في الأمهات كل من له عليك ولادة لأنها أم، وفي البنات كل من لك عليه ولادة بناء على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، ولا يدخل فيه المخلوقة من زنا لأنها ليست بنتاً شرعاً بدليل عدم الإرث وإذا لم تدخل في آية التحريم. دخلت في قوله:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} .
ومن حرمها قال هي بنت حقيقة وإنتفاء الأحكام من الإرث وغيره لا يجرأ هذه الحقيقة والتحريم يحتاط له، قال: ودخل في الأخوات الأشقاء وغيرها، وفي العمات والخالات كل من ولده جدك أو جدتك وإن علوا من قبل الأب والأم، وفي بنات الأخ وبنات الأخت كل من لأخيك ولأختك عليه ولادة، وفيها تحريم الأمهات من الرضاعة والأخوات منها فيدخل في الأمهات من أرضعتك من ولدك، أو ولدت مرضعتك أو لدت صاحب اللبن وإن علون، ويدخل في الأخوات أخواتك منه وأخوات أبيك وأمك منهما وأولاد إخوتك منهما فحرم أيضاً من الضراع سبع كما حرم النسب. وفي الصحيحين "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". والإقتصار في الآية على نوعين الولادة والأخوة لأنهما الأصل، والخمسة الباقية فروع وأستدل بعض الظاهرية بها على أنه لا يحرم من الرضاع إلا الأمهات والأخوات فقط دون البنات ونحوها، وأستدل مالك وغيره بقوله {اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
على أن رضاع الرجل والبهيمة لا يحرم وكذا الميتة لأنها لم ترضع وأستدل بعمومها من حرم برضاع الكبير وبمصه، وفيها تحريم أمهات النساء وأن علون دخل بالزوجة أم لا والربائب وهي بنات الزوجات بشرط أن يكون مدخولاً بها فإن لم يدخل بها فلا تحرم خلافاً لمن شذ، وأستدل بقوله:{اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}
من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة. أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال توفيت أمرأتي فأخبرت علي بن أبي طالب فقال: لها أبنة؟ قلت: نعم وهي بالطائف،
قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا؛ قال: فإنكحها. قلت: فأين قول الله {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}
قال أنها لم تكن في حجرك إنما ذاك إذا كانت في حجرك. والجمهور حرموها وقالوا: إنه صفة موافقة للغالب، ومن قال إن الأم لا تحرم إلا بالدخول أيضاً قال إن قوله {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
عائد إلى الأمهات والربائب معاً أخرجه ابن أبي حاتم عن علي وعبد الله بن الزبير ورده المطلقون بأن المجرورين إذا أختلف عاملهما لا يكون نعتها واحداً وفي الآية رد على من حرم الربيبة بغير الوطء من التقبيل ونحوه، وقد فسر ابن عباس وغيره الدخول هنا بالجماع، أخرجه ابن المنذر وغيره، وفيها تحريم الجمع بين الأختين وذلك شامل للزوجين والأمتين وقد قال عثمان وعلي وإبن عباس في الجمع بين أختين مملوكتين أحلتهما آية يعني قوله {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
وحرمتهما آية وهي هذه، وأستدل بها من أباح الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها لكن الحديث يرده، وفيها تحريم المحصنات وهن ذوات الأزواج أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطية عن ابن عباس والحاكم من طريق سعيد بن جبير عنه، واستثنى من ذلك المسبيات إذا كان لهن أزواج بدار الحرب فإنه يحل وطؤهن بعد الإستبراء ففيه دليل على أن السبي يفسخ النكاح سبيا معاً أو لا وأستدل بعموم الآية من قال إن أنتقال الملك يقطع النكاح ببيع أو إرث أو غير ذلك والجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه، وعن ابن عباس في الآية تفسير آخر، وهو أن المراد بالمحصنات العفائف وأنها حل للرجال إلا ما أنكح مما ملكت يمينه فإنها لا تحل له، أخرجه ابن ألي حاتم فعلى هذا هي مستأنفة لا معطوفة والأول أولى، وفيها إحلال من عدا المذكورات ففيه رد على من حرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة أو بين امرأة أبيها أو ما ولدت امرأة أبيه بعد أبيه، وفيها مشروعية المهر وقد أستدل بقوله {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
من قال إن أقل الصداق عشرة دراهم ظناً منه أن المراد أن يصدقها كل واحد ما يسمى صداقاً وهو ضعيف جداً، قال الكيا: وفيه دليل على منع كون عتق الأمة صداقاً لدلالة الآية على كون المهر مالاً وليس في العتق تسليم مال وإنما في إسقاط الملك من غير أن يستحق به تسليم شيء إليها قال ابن الفرس: وفيه دليل على أن الصداق إذا كان خمراً أو خنزيراً يقتضي فسخ النكاح لأنهما ليسا من أموالنا. قلت: إنما يدل على فساد الإصداق بهما دون النكاح.
24-
قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} الآية.
فيه أن الاستمتاع بالوطء ولو مرة يوجب المهر كله، أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس، وفي قوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ}
الآية قال هو النكاح إذا تزوج الرجل المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد
وجب صداقها كله ففيه رد على من قال أن الخلوة تقرر المهر، وفي الآية جواز الإبراء من الصداق وبعضه، وقال الكيا: وأستدل به قوم على جواز الزيادة وهو غلط لأنه لما قال: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .
اقتضى ذلك إعطاءها ما كان فرضاً لها أو لا فقوله ولا جناح عليكم يرجع إلى الرخصة في ترك الإبتاء بعد الأمر به وأستدل بالآية من قال إن الصداق يجب بالوطء لا باالعقد ومن قال إن الإبراء يحتاج إلى رضا المبراء، وحمل قوم الآية على نكاح المتعة وأستدلوا بها على جوازه أخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قرأها {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}
إلى أجل مسمى قال: والله لأنزلها الله كذلك وأخرج ابن المنذر أن أبياً بن كعب قرأها كذلك.
25-
قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية.
فيه إباحة الأمة بثلاثة شروط نص عليها وتحريمها بدونها.
الأول: أن لا يسيطيع طول حرة أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}
قال من لم يكن له سعة، وقال مجاهد وسعيد بن جبير. وعطاء وغيرهم: الطول: الغنى وقال ربيعة والنخعي: الطول هنا: الجلد والصبر لمن أحب أمة وهواها حتى صار لا يستطيع أن يتزوج غيرها فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواه وإن كان غنياً.
الشرط الثاني: أن تكون الأمة مؤمنة فلا يجوز نكاح أمة كافرة كما فسر به مجاهد وغيره.
الشرط الثالث: خوف العنت أي الوقوع في الزنا أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال العنت: الزنا فليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت وقاله أيضاً مجاهد وغيره.
ففي الآية رد على من أباح نكاح الأمة وإن لم يخش العنت وكان غنياً وحجته عدم القول بالمفهوم مع قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية.
وعلى من أباح نكاح الأمة الكافرة. وعلى من حرم الأمة لمن قوي تقواه، لأنه يصدق عليه لشدة شهوته أنه
خاش، وأستدل بظاهر قوله:{أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}
على إباحة الأمة مع القدرة على حرة كتابية، وبمفهوم الآية على أن العبد لا ينكح الأمة الكتابية لأن الخطاب بها يعم الحر والعبد، كذا قال ابن الفرس وفيه نظر، وفي الآية كراهة نكاح الأمة عند إجتماع الشروط لقوله:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} .
وفيها الرد على من أجاز نكاح الأمة بغير إذن سيدها وبغير معر، وأستدل مالك بقوله:{وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
على أنهن أحق بمهورهن وأنه لا حق فيه للسيد، وقوله:{فَإِذَا أُحْصِنَّ}
قال ابن عباس: يعني بالأزواج أخرجه ابن أبي حاتم، وأستدل بظاهرة من لم يوجب حد الزنا على الأمة حتى تتزوج، أخرج سعيد بن منصور وغيره عن سعيد بن جبير إنه كان يقول ليس على الأمة حد حتى تتزوج بزوج، لأن الله تعالى يقول:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} .
وأجاب الجمهور بأن ذكره لئلا يتوهم زيادة عقوبتها بالنكاح كما زاد في حق الحرة، وفي الآية أن حد الأمة على النصف من حد الحرة وأنه لا رجم عليها لأنه لا يتنصف، ففيها رد على من قال برجم الرقيق وعلى من قال إنه لا يغرب، وقال بعضهم: عندي أن الفاحشة هنا تعم الزنا والقذف وكل ما يمكن أن يتبعض من الحدود، وقال بعضهم لا حد على العبد أصلاً أحصن أو لا، لأن الآية وردت في الأمة، وقال آخرون: يجلد كالحر لعموم آية الزنا لأن آية المنصفة وردت في الإماء.
26-
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} .
قال الكيا: يدل على أنه يبين لنا ما بنا حاجة إلى معرفته إما بنص أو دلالة نص وذلك يدل على إمتناع خلو واقعة عن حكم الله.
28-
قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} .
قال طاوس: في أمر النساء لا يصبر عنهن، وقال وكيع: يذهب عقله عندهن، أخرجهما ابن أبي حاتم، ففيه أصل لما يذكره الأطباء من منافع الأطباء ومضار تركه.
29-
قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} الآية.
فيه تحريم أكل المال بالباطل بغير وجه شرعي ولإباحة التجارة والربح فيها وإن شرطها التراضي ومن هنا أخذ الشافعي اعتبار الإيجاب والقبول لفظاً لأن الرضا أمر قلبي فلا بد من دليل عليه وقد يستدل به من لم يشترطهما إذا حصل الرضا، وأستدل بالآية من نفى خيار المجلس لأنه أعتبر التراضي في تمام التجارة دون التفرق.
29-
قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}
قيل معناه لا تتجروا في بلاد العدو فتغرروا بأنفسكم وأستدل به مالك على كراهية التجارة إلى بلاد الحرب، وقيل معناه النهي عن قتل الناسبعضهم بعضاً، وقيل عن قتل الإنسان نفسه: وقد أحتج بهذه الآية عمرو بم العاص على مسألة التيمم للبرد وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على احتجاجه كما في حديث أبي داود وغيره.
31-
قوله تعالى: {إن تَجْتَنِبُوا} الآية.
فيه أم الصغائر تكفر بإجتباب الكبائر خلافاً امن أبى ذلك، وفي الآية رد على من قال: المعاصي كلها كبائر وأنه لا صغيرة.
32-
قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا} الآية.
أحتج به من كره التمني مطلقاً ويحتج به في أن تمني تغير الأحكام لا يجوز كما نص عليه الشافعي لأن سبب نزول الآية ذلك.
قوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} .
فيه الحث على سؤال الله ودعائه.
33-
قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} .
قال ابن عباس: الموالى: العصبية، أخرجه ابن أبي حاتم.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} .
الآية وهي منسوخة بقوله {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}
كما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس: وقيل: لا؛ فأحتج بها أبو حنيفة على أنة الرجلين إذا توافقا على أن يتوارثا ويتعاقلا صح وعمل به، وقال الحسن: الآية فيمن أوصي له بشيء فمات قبل موت الموصي يؤمر الوصي بدفع الوصية إلى ورثة الموصي له، وقال ابن المسيب: الآية في الوصية لا الميراث ففيه الحض على الوصية لهم.
34-
قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} .
فيه أن الزوج يقوم بتدبير زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج وأن عليها طاعته إلا في معصية وأن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة، ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها وسقط ماله من منعها من الخروج، وأستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ لأنه إذا خرج عن كونه قواماً عليها خرج عن الغرض المقصود بالنكاح، وأستدل بالآية من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه لأنه جعله قواماً
بصيغة المبالغة وهو الناظر في الشيء الحافظ له، واستدل بها على أن المرأة لا يجوز تلى القضاء كالإمامة العظمى، لأنه جعل الرجال قوامين على النساء، فلم يجز أن يقمن على الرجال.
قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآية.
أمر الله تعالى بمراعاة الترتيب في تأديب المرأة فإن خيف منها النشوز بأن ظهر منها أمارته ولم يتحقق فليعظها وليخوفها الله وعقابه فإن اصرت هجرها في المضجع فلا يرقد معها في الفراش أو يرقد ويوليها ظهره ولا يجامعها روايتان عن ابن عباس، وقال عكرمة إنما الهجران بالمنطق أن يغلظ لها وليس بالجماع أخرج ذلك ابن أبي حاتم فإن اصرت ضربها ضرباً غير مبرح فإن أطاعت لم يجزله ضربها.
35-
قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال هذا في الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن يبعثوا رسولاً صالحاً من أهل الرجل ورجلاً مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته، وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها عن زوجها ومنعوها النفقة، فإن أجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضى أحد الزوجين وكره ذلك الآخر. ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الذي كره الراضي، و {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا}
قال: هما الحكمان {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب، وأخرج قوله أن المأمور بالبعث الحكام وعن السدي أنه الزوجان فعلى الأول أستدل به من قال إنهما موليان من الحاكم فلا يشترط رضا الزوجين بما يفعلانه من طلاق وغيره، وعلى الثاني أستدل من قال إنهما وكيلان عن الزوجين فيشترط، وقال الحسن وقتادة عليهما أن يصلحا وليس بأيديهما التفرقة لأن الله لم يذكرها، وأستدل ابن عباس بهذه الآية على الخوارج في إنكارهم التحكيم في قصة علي، قال غبنالفرس: وفيها رد على من أنكر من المالكية بعث الحكمين في الزوجين وقال تخرج المرأة إلى دار أمين أو يسكن أمين معها.
36-
قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} .
الاية فيها من شعب الإيمان عبادة الله وعدم
الإشراك به وبر الوالدين، وصلة ذوي القربى واليتامى والمساكين وإبن السبيل والمملوكين والإحسان إلى الجار الذي بينكوبيته قرابه والجار الذي لا قرابة بينك وبينه الصاحب بالجنب، وفسره ابن عباس: بالرفيق، زاد مجاهد: في السفر، وقال زيد ابن أسلم هو جليسك في الحضر، ورفيقك في السفر، وفسره علي وإبن مسعود: بالمرأة أخرجهما ابن أبي حاتم، وفيها تحريم الإختيال والفخر، وفي الحديث أن إسبال الإزار من المخيلة، أخرجه ابن أبي حاتم.
37-
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية.
فيه تحريم البخل وهو منع أداء الواجب وتحريم كتم العلم وما أنعم الله به على العبد وتحريم الرياء.
40-
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} .
أستدل به على دخول كل مؤمن الجنة أخرج عبد الرازق وعبد بن حميد وإبن ماجه وإبن جرير وإبن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج من كان في قلبهمثقال ذرة من الإيمان" قال أبو سعيد فمن شك فليقرأ" {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} .
43-
قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية.
أخرج أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن علي بن أبي طال قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاماً فدعانا سقانا من الخمر فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فأنول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .
وأخرج الفريابي وإبن منذر عن علي في قوله {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} .
قال: نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابه فيتيمم ويصلي، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله، ففي الآية تحريم الصلاة على السكران حال سكره حتى يصحو وبطلانها وبطلان الإقتداء به، وعلى الجنب حتى يغتسل إلا أن يكون مسافراً فيباح له التيمم وقيل المراد السكر من النوم، أخرج الفريابي وعبد عن الضحاك في قوله:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}
قال لم يعن بها الخمر وإنما عنى سكر النوم، ففيه كراهة الصلاة حال النعاس يوافقه حديث البخاري:"إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول"، وفي الآية تفسير ثان بأن المراد مواضع الصلاة على حد {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: {لَا
تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ}
قال المساجد، وفي قوله:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}
قال لا تدخلوا المسجد وأنت عابري سبيل قال تمر به مراً ولا تجلس ففي، الآية تحريم دخول المسجد على السكرتن لما يتوقع منه من التلويث وفحش القول فيقاس به كل ذي نجاسة يخشى منها التلويث والسباب ونحوه، وعلى الجنب إلا أن يمر به مجتازاً من غير مكث فيباح له، وفي الآية رد على من حرم العبور أيضاً ما لم يجد بداً أم يتيمم، وعلى من أباح الجلوس مطلقاً أو إذا توضأ لأن الله تعالى جعل غاية التحريم الغسل فلا يقوم مقامه الضوء وأستدل ابن الفرس بقوله:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا}
على أن الجنب لا وضوء عليه وإن الحدث الأصغر مندرج في الجنابة لأنه لم يجعل عليه غي الغسل. وأستدل ابن المنذر بالآية على صحة قول الشافعي أن السكران يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب قبل الشرب، ولا يحتاج إلى أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الرجل من المرأة كما قال غيره، لأن الذين خزطبزا بهذه الآية كانوا يقربون الصلاة حال سكرهم قاصدين لها عالمين بها وقد سموا سكارى، وأستدل ابن الفرس بتوجيه الخطاب لهم في الآية وعلى تكليف السكرتن ودخوله تحت الخطاب وفيه نظر لأن الخطاب عام لكل مؤمن وعلى تقدير أنه قصد الذين صلوا في حال السكر فإنما نزل صحوتهم وأستدل بقوله: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ {من قال إنه يلزمه الأفعال ولا يلزمه الأقوال.
43-
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية.
يأتي ما يتعلق بها في سورة المائدة إن شاء الله.
48-
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
فيه رد على من قال: إن الكبائر لا تغفر، وهم المعتزلة، وعلى من قال: إن أصحاب الكبائر من المسلمين لا يعذبون وهو المرجئة لقوله: {لِمَنْ يَشَاءُ} .
49-
قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} .
قال عمر: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، وقال غبن عباس: الجبت: الشرك: وقال الشعبي: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الساحر. قال أبو مالك: الطاغوت: الكاهن، ففي الآية ذم السحر والساحر؛ والكهانة والكاهن ومصدقهما وأنه ملعون وقد أخرج الحاكم عن ابن مسعود قال:"من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد"،
وروى أبو داود والنسائي حديث "إن العرافة والطرق والطبرة من الجبت".
54-
قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} الآية.
فيه ذم الحسد.
57-
قوله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} .
فيه إشارة إلى ظل العرش وبذلك فسره الربيع ابن أنس أخرجه ابن أبي حاتم.
58-
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
فيه وجوب ردكل وديعة من أمانة وقراض وقرض وغير ذلك، وأستدل المالكية بعموم الآية على أن الحريب إذا دخل دارنا بأمان فأودع وديعة ثم مات أو قتل أنه يجب رد وديعته إلى اهله وأن المسلم إذا استدان من الربي بدار الحرب ثم خرج يجب وفاؤه وأن الأسير إذا ائتمنه الحريب على شيء لا يجوز له أن يخونه وعلى أن من أودع مالاً وكان المودع خانه قبل ذلك فليس له أن يجحده كما جحده ويوافق هذه المسألة حديث "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: مبهمة للبر والفاجر، يعني عامة وقد أخرج ابن جرير وغيره أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان بن طلحة، وأختار ما رواه عن علي وغيره أنها خطاب لولاة المسلمين أمروا بأداء الأمانة لمن ولوا عليه، فيستدل بالآية على أن على الحكام والأئمة ونظار الأوقاف تولية الوظائف من يستحقها، وفي بقية الآية مشروعية الحكم بين الناس ووجوب العدل فيه.
59-
قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال إطاعةالرسول إتباع الكتاب والسنة. وأخرج سعيد بن منصور عن أبي هريرة في قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
قال: هم الأمراء، وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله وإبن عباس ومجاهد والحسن أنهم أولوا العلم والفقه أوجب الله طاعتهم، وأخرج عن عكرمة أنهم أبو بكر وعمر، وعن الضحاك أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاة الرواة آاخرج عبد عن الكلبي أنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فيحتج بالآية على
وجوب طاعة الأئمة والمفتين ويحتج بها من قال إن قول الصحابة حجة أو الخلفاء الأربعة أو الشيخين.
قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
قال إلى كتاب الله وسنة رسوله ففيه حجية الكتاب والسنة وأنهما مقدمان على الرأي.
71-
قوله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ}
قال مقاتل: عدتكم من السلاح، أخرجه ابن أبي حاتم ففيه الأمر بإتخاذ السلاح وأنه لا ينافي التوكل.
76-
قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبن عباس قال إذا رأيتم الشيطان فاحملوا عليه ولا تخافوه وتلا {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} .
78-
قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .
فيه رد على القدرية، أخرج ابن أبي حاتم عن مطرف بن عبد الله قال ما تريدون من القدر؟ ما تكفيكم الآية التي في سورة النساء. وذكر هذه.
79-
قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} .
تمسك بها القدرية في قولهم بأن العبد يخلق لشر وهو مردود لأن المراد أنت ارتكبت ما يوجبها، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال ما كان من نكبة فبذنبك، وأنا قدرت ذلك عليك وأخرج عن أبي صالح مثله.
80-
قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} الآية.
فيه وجوب طاعة الرسول فيما يأمر به وينهى عنه.
82-
قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} الآية.
فيه الحث على تدبر القرآن قال الكرماني في عجائبه: وفيه رد على من زعم من الرافضة أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول أو تفسير الإمام، وفي بقية الآية العذر للمصنفين فيما يقطع لهم من الاختلاف والتناقض لأن السلامة عن ذلك من خصائص القرآن.
83-
قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
هذا أصل عظيم في الاستنباط والإجتهاد.
84-
قوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} .
فيه رد على من قال بأن الولي ينتهي إلى حالة يسقط عنه فيها التكليف فهذا سيد المرسلين وإمام المتقين ورأس المصطفين قد
أخبره الله بأنه مكلف بخاصة نفسه.
85-
قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ} الآية.
فيد مدح الشفاعة وذم السعاية وهي الشفاعة السيئة وذكر الناس عند السلطان بالسوء وهي معدودة من الكبائر.
86-
قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} الآية.
فيها مشروعية السلام وجوب رده فقيل: عيناً وقيل: كفاية، وأستدل بها الجمهور على رد السلام على كل مسلم مسلماً كان أو كافراً؛ لكن يختلفان في صيغة الرد، أخرج ابن أبي حاتم وإبن أبي الدنيا في الصمت عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا لأن الله تعالى يقول:{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}
للمسلمين {أَوْ رُدُّوهَا}
على أهل الكتاب، ويوافقه حديث "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم" وقيل: المراد برد أحسن منها: زيادة ورحمة الله وبركاته، وبردها: الإقتصار على مثل ما سلم، أخرج الطبراني وغيره عن سلمان قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أتى آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك، فقال الرجل: أتاك فلان وفلان وسلما علسك فرردت عليهما أكثر مما رددت علي، فقال: إنك لم تدع لنا شيئاً قال الله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
فرددناها عليك، وأستدل بعموم الآية من أوجب الرد على المصلي لفظاً أو إشارة أو نفسه مذاهب، قال ابن الفرس: وحكي عن مالك أن الآية في تشميت العاطس، قال وهو ضعيف تردده ألفاظ الآية، وقال الكيا: استدل الرازي بالآية على أن من وهب غيره شيئاً فله الرجوع ما لم يثب فيه، قال: وهو استنباط ركيك. قلت: لو استدل بها على استحباب الإثابة عليها لكان قريباً، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة أنه قال في الآية ترون هذا في السلام وحده هذ في كل شيء من أحسن إليك فأحسن إليه وكافئه لإغن لم تجد فادع له أو أثن عليه عند إخوانه، ويدل عليه حديث "من أعطي عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به من أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره."
88-
قوله تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} الآية.
فيها رد على القدرية.
90-
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} .
منسوخ بآية
براءة كما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس، وقال الكيا: إذا دعت حاجة صاحب الزمان إلى مهادنة الكفار بلا جزية فكل من أنتسب إلى المعاهدين صار منهم وأشتمل الأمان عليهم.
92-
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} الآية.
فيها تعظيم قتل المؤمن والإثم فيه ونفيه عن الخطأ وأن في قتل الخطأ كفارة ودية لا قصاص فيه وإن الدية مسلمة إلى أهل المقتول إلا أن يصدقوا بها اي يبرئوا منها ففيه جواز الإبراء من إبل الديه مع أنها مجهولة وفي قوله {مُسَلَّمَةٌ}
دون: يسلمها، إشارة إلى أنها على عاقلة القاتل ذكره سعيد ابن جبير أخرجه ابن أبي حاتم وأستدل بقوله:{إِلَى أَهْلِهِ}
على أن الزوجة ترث منها لأنها من جملة الأهل خلافاً للظاهرية وأحتج بها من أجاز إرث القاتل منها لأنه من أهله وأحتج الظاهرية بقوله: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}
على أن المقتول ليس له العفو عن الدية لأن الله جعل ذلك لأهله خاصة وعموم الآية شامل للإمام إذا قتل خطأ خلافاً لمن قال: لا شيء عليه ولا عاقلته، وأستدل بعمومها أيضاً من قال إن في قتل العبد الدية والكفارة، وأن على الصبي والمجنوا إذا قتلا الكفارة وأن المشارك في القتل عليه كفارة كاملة.
قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} الآية.
أخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس في قوله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ}
قال كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه وهم مشركون فيصيبه المسلمون في سرية أو غزاة فيعتق الذي يصيبه رقبة. وفي قوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . قال: هل الرجل يكون معاهداً ويكون قومه أهل عهد فيسلم إليهم الجية ويعتق الذي أصابه رقبة، وقال الشافعي رحمه الله: المعنى فإن كان في قوم، ففيها أن المؤمن إذا كان في بلاد الحرب فقتله رجل اهل به فلا دية فيه بل الكفارة فقط، وذهب آخرون إلى وجوب الدية لعموم الآية الأولى وأن السكوت عنها هنا لا ينفيها وإنما سكت عنها لأنه لا يجب فيه دية تسلم إلى أهل المقتوللأن أهلخ كفار بل يكون لبيت المال فأراد أن يبين بالسكوت أن أهله لا يستحقون شيئاً. قلت: المسألة في أعم من ذلك وقد يكون أهلخ مسلمين والصواب مع الشافعي لأن الله ذكر الكفارة في المواضع الثلاثة وذكر الدية في الأول والثالث فلولا أنها لا تجب في الثاني لم يسكت عنها وفي بقية الآية أن المقتول إذا كان من أهل الذمة والعهد
ففيه دية مسلمة إلى اهله مع الكفارة، ففيه رد على من قال لا كفارة في قتل الذمي والذين قالوا ذلك قالوا إن الآية في المؤمن الذي أهله أهل عهد وقالوا إنهم أحق بديته لأجل عهدهم ويردده تفسير ابن عباس السابق وأنه تعالى لم يقل فيه مؤمن كما قال في الذي قبله واستدل أبو حنيفة بالآية على أن دية المسلم والذمي سواء يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً لأنه تعالى ذكر في كل منهما الكفارة والدية، فوجب أن تكون ديتهما سواء، كما أن الكفارة عنهما سواء. وفي الآية أن الكفارة عتق رقبة مؤمنة فاستدل بها على عدم إجزاء كافرة لمن أجاز عتق كتابي أو مجوسي كبير أو صغير وعلى عدم إجزاء نصف رقبة ونصف أخرى وعلى إجزاء عتق ولد الزنا لدخوله في كسمى الرقبة، وفيها أن فاقد الرقبة ينتقل إلى صوم شهرين متتابعين يكفر به، أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في قوله:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [رقبة] فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ}
وأخرج عن مجاهد قال فمن لم يجد دية أو عتاقة فصيام فاستبدل ب هذا من قال إن الصوم على فاقد الدية والرقبة يجزيه عنهما. قال ابن جرير: الصواب الأول؛ لأن الدية في الخطأ على العاقلة والكفارة على القاتل فلا يقضي صوم صائم عما لزم غيره في ماله، واستدل بالإقتصار على الرقبة والصوم من قال: إنه لا إطعام في هذه الكفارة، ومن قال ينتقل إليه عند العجز عن الصوم قاسه على الظهار واستدل بذكر الكفارة في الخطأ دون العمد من قال إنه لا كفارة في العمد والشافعي قال: هو أولى بها من الخطأ.
93-
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية.
فيه تغليظ قتل المؤمن وتعظيم شأنه وأستدل بها ابن عباس، وأبو هريرة وغيرهما على أن قاتل المؤمن لا توبة له، واستدل بها بعض الناس على خلوده في النار.
"تنبيه": ذكر الله تعالى قتل الخطأ والعمد ولم يذكر معهما ثالثاً فاستدل به من قال إنه لا واسطة بينهما ونفي القتل المسمى شبه العمد.
94-
قوله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية.
أستدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الاستسلام لأنه لم يفرق بين الزنديق وغيره وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده على قراءة السلام وفي الآية وجوب التثبيت في الأمور خصوصاً القتل ووجوب الدعوة قبل القتال.
95-
قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} الآية.
فيها تفضيل المجاهدين على غيرهم وأن المعذورين في درجة المجاهدين، وأستدل بقوله:{بِأَمْوَالِهِمْ}
على تفضيل المجاهد بمال نفسه على المجاهد بما يعطاه من الديوان ونحوه، قال ابن الفرس: وأحتج بهذه الآية من فضل الغني على الفقر لأنه فضل المجاهد بماله على المجاهد بغير ماله، فالدرجة الزائدة من الفضل للمجاهد من ماله إنما هي من جهة المال.
97-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} الآية.
أستدل بها على وجوب الهجرة من دار الكفر إلا على من لم يطلقها وعن مالك: الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تغير فيه السنن فينبغي أن يخرج منه.
100-
قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ}
الآية أستدل بها من قال إن من خرج غازياً فمات قبل لقاء العدو أن له سهمه من الغنيمة.
101-
قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية.
فيما مشروعية القصر وأنه ليس بواجب، لقوله:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}
وإن القصر بعد مجاوزة عمران البلد لقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ}
والمقيم في البلدة لا يسمى ضارباً في الأرض وإن نوى السفر وأستدل بعموم الآية من جوز القصر في كل سفر طاعة كان أو مباحاً أو حراماً ومن جوزه في القصير والطويل ومن جوزه لمن دخل عليه الوقت وهو مقيم ومن جوز قصر الفائتة.
قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} الآية.
أستدل بها من لم يجوز القصر عند الأمن أخرجه ابن جرير عن عائشة، لكن أخرج مسلم وغيره عن يعلى بن أمية قال سألت عمر ابن الخطاب قلت:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
وقد أمن الناس فقال لي يا عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله ها عليكم فاقبلوا صدقته".
102-
قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} الآية.
فيها مشروعية صلاة الخوف
وصفتها وأنها جائزة في الحضر والسفر وأنه لا يجب قضاؤها وأنه يندب فيها حمل السلام إلا لعذر، وقيل إن الأمر به للوجوب ويؤيد ذلك قوله:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}
فإنه يفيد إثبات الجناح حيث لا عذر، واستدل المزني وأبو يوسف بقوله:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ}
على أن صلاة الخوف خاصة بعهده صلى الله عليه وسلم ولا تجوز بعده لانه إمامته لا عوض منها وإمامة غيره منها العوض، واستدل أصحابنا بأول الآية على مشروعية صلاة الجماعة لأنه أمر بالجماعة في حال الخوف ففي غيرها أولى قال ابن الفرس: ويؤخذ من الآية أن من صار في طين وضاق عليه الوقت يجوز له أن يصلي بالإيماء كما يجوز له في حال المرض إذا لم يمكنه السجود لأن الله سوى بين المرض والمطر، وذكر الكيا مثله. قلت: ظهر لي من هذه التسوية استنباط أحسن من هذا؛ وهو ا، هـ يجوز الجمع بالمرض كما يجوز الجمع بالمطر لأنه تعالى سوى بينهما.
103 -
قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} . الآية، قال ابن مسعود: هي في المريض يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنبه، أخرجه ابن أبي حاتم.
قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
هذه أصل مواقيت الصلاة، فسرها بذلك ابن مسعود وغيره أخرجه ابن أبي حاتم.
105 -
قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}
قال ابن الفرس: فيه إثبات الرأي والقياس. قلت: كيف وقد قال ابن عباس إياكم والرأي، فإن الله قال لنبيه:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}
ولم يقل بما رأيت أخرجه ابن أبي حاتم، وقال غيره: يحتمل قوله: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}
الوحي والاجتهاد معاً، وفيه الرد على من أجاز أن يكون الحاكم غير عالم لأن الله فوض الحكم إلى الاجتهاد ومن لا علم عنده كيف يجتهد وفي الآية أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن آخر إلا بعد أن يعلم أنه محق.
114 -
قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} الآية.
فيه الحث على الصدقة والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس وأن كلام الإنسان عليه لا له إلا ما كان في هذا أو نحوه.
115 -
قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية.
استدل الشافعي وتابعه الناس بقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}
على حجية الإجماع وتحريم مخالفته لأن مخالفه متبع
غير سبيل المؤمنين وقد توعد عليه.
119 -
قوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}
قال ابن عباس: هو الخصاء، وقال أنس: منه الخصاء، أخرجهما عبد بن حميد وقال الحسن هو الوشم يعني بالشين المعجمة أخرجه ابن أبي حاتم فيستدل بالآية على تحريم الخصاء والوشم وما جرى مجراه من الوصل في الشعر والتفلج وهو برد الأسنان والنمص وهو نتف الشعر من الوجه وأخر ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله {خَلْقَ اللَّهِ}
قال: دين الله. قال ابن الفرس: فيستدل به على أحد القولين أن الإيمان مخلوق.
125 -
قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}
يحتج به من يرى شرعه لازماً لنا ما لم يرد ناسخ في شرعنا.
127 -
قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} .
نزلت فيمن كان يتزوج يتيمة بدون مهر مثلها كما تقدم أول السورة،
128 -
قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} الآية.
نزلت في الرجل تكون عنده المرأة فيريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل، كما أخرجه البخاري وغيره، فهو أصل في هبة الزوجة حقها من القسم ونحوه، واستدل به من أجاز لها بيع ذلك.
قوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
هو عام في كل صلح أصل فيه وفي الحديث "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً" واستدل بعموم الآية من أجاز الصلح على الإنكار والمجهول.
129 -
قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}
قال ابن عباس: في الحب والجماع، أخرجه ابن أبي حاتم ففي الآية أن لا تكليف في ذلك ولا تجب التسوية فيه ولكن لا يميل كل الميل بترك جماعها أصلاً وفيه وجوب القسم والتسوية فيه كسوة ومبيتاً.
135 -
قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}
استدل به على أن العبد لا مدخل له في الشهادة إذ ليس قواماً بذلك لكونه ممنوعاً من الخروج إلى القاضي.
قوله تعالى: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}
قال سعيد بن جبير هو الإقرار أخرجه ابن أبي حاتم.
قوله: {أَوِ الْوَالِدَيْنِ} الآية.
فيه قبول شهادة الرجل على والديه وأقربيه ووجوب العدل في الشهادة بين القريب والبعيد والغني والفقير واجتناب الهوى.
قوله: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}
قيل هو تولي القاضي وإعراضه عن أحد الخصمين
إلى الآخر، وقيل في الشهادة بأن يحرفها ولا يؤديها على وجهها قولان لابن عباس أخرجهما ابن أبي حاتم وإسناد الأول صحيح أيضاً، وفيه وجوب التسوية بين الخصمين على الحاكم.
137 -
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} الآية.
استدل بها من قال تقبل توبة المرتد ثلاثاً ولا تقبل في الرابعة أخرج ابن أبي حاتم على علي أنه قال: في المرتد إن كنت لمستتيبه ثلاثاً ثم قرأ هذه الآية.
140 -
قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}
قال مقاتل: في سورة الأنعام بمكة. قال ابن الفرس: استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي والأهواء وأخرج ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة أن عمر بن عبد العزيز أخذ قوماً يشربون فضربهم وفيهم رجل صالح فقيل له إنه صالح فتلا {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} .
قلت: ويستدل بهذه الآية على أن الأمة داخلة في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال في سورة الأنعام: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ}
كلها خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده كالآية التي قبلها وقال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ}
إلى قوله: {فَلَا تَقْعُدُوا}
مريداً تلك الآية فدل على دخولهم فيها وفي الآية أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر والتنبيه عليه.
141 -
قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
استدل به على بطلان شراء الكافر العبد المسلم.
142 -
قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}
استدل به على استحباب دخول الصلاة بنشاط وعلى كراهة أن يقول الإنسان: كسلت. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس إنه كان يكره أن يقول الرجل إني كسلان ويتأول هذه الآية.
146 -
قوله تعالى: {وَأَخْلَصُوا}
فيه الحث على الإخلاص.
148 -
قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية يقول لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه وأخرج عبد عن مجاهد قال هو الرجل ينزل بالرجل فلا يضيفه فلا بأس أن يقول لم يضيفني أخره ابن أبي حاتم بلفظ: فرخص
له أن يقول له ويسمعه فاحتج بها الليث على وجوب الضيافة وأخرج عن الحسن قال الرجل يشتمك فتشتمه.
153 -
قوله تعالى: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} .
يستدل به على منع رؤيته، تعالى في الدنيا.
158-
قوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} .
فيه قصة رفع عيسى.
قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} .
فيه نزول عيسى أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً "ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج"، قال وتلا هذه الآية:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} .
165 -
قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} .
فيه دليل لقول أهل السنة: إنه لا حكم قبل البعثة ولا يحكم العقل.
166 -
قوله تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} .
أي مشتملاً على علم الله، ففيه دليل على أن في القرآن علم كل شيء، كذا فسره أبو عبد الرحمن السلمي التابعي أخرجه ابن أبي حاتم.
172 -
قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}
قال الزمخشري: أي ولا من هو أجل منه قدراً وأعظم خطراً، فاستدل به على تفضيل الملك على البشر على أنه من باب الترقي، وجوابه أنه من باب الاستطراد لأن أول الكلام مسوق للرد على النصارى الزاعمين أن عيسى ابن الله، واستطرد منه إلى الرد على العرب الزاعمين أن الملائكة بنات الله.
173 -
قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} .
فسر في حديث مرفوع بالشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا أخرجه الطبراني وغيره بسند ضعيف من حديث ابن مسعود وأخرجه ابن أبي حاتم عن الأعمش موقوفاً عليه.
176 -
قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} الآية.
فيها أن من مات عن أخت لأبوين أو لأب ولا ولد له ولا والد فلها النصف وأن للأختين الثلثين وأن الأخ كذلك يستغرق المال وأن الأخوة إذا اجتمعوا رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين وأن الولد والوالد يحجب الأخوة والأخوات أخرج عبد في تفسيره عن قتادة قال: ذكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته: إلا أن الآية في أول سورة النساء أنزلها الله في شأن الوالد والولد، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والأخوة من الأم، والآية
التي في آخر سورة النساء أنزلها الله في الأخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها الله في أولي الأرحام ما جرت به الرحم من العصبة.
**