الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلس الثامن والثلاثون
في بيان أسباب الحدث
قَالَ البُخَارِي:
بَابُ لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ
هذه الترجمة هي لفظ حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه من طريق ابن عمر بزيادة: «ولا صدقة من غلول» (1) والغلول: الخيانة في المغنم.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ (2) .
(1) أخرجه مسلم (1/204، رقم 224) . وأخرجه أيضاً: الطيالسي (ص: 255، رقم 1874) ، وأحمد (2/19، رقم 4700) ، وابن الجارود (1/28، رقم 65) ، وابن خزيمة (1/8، رقم 8) ، وأبو عوانة (1/198، رقم 635) ، والبيهقي (2/255، رقم 3196) .
(2)
للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد منها:
قوله: «لا تقبل» المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة. ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة» فهو الحقيقي، لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلى من جميع الدنيا، قاله ابن عمر. قال: لأن الله تعالى قال: ?إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ? [المائدة: 27] .
قوله: «أحدث» : أي وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ، ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها. وقيل إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بعد.
واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقاً.
قوله: «يتوضأ» : أي بالماء أو ما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعاً «الصعيد الطيب وضوء المسلم» فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثاً فتوضأ أي: مع باقي شروط الصلاة. والله أعلم. انظر فتح الباري (1/235) .
هذا الرجل الذي سأل أبا هريرة لا يعرف اسمه، وجاء أنه أعرابي.
قوله: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» القبول يطلق شرعاً ويراد به حصول الثواب، ولا يلزم في بقية نفي الصحة، بل نفي الثواب مع حصول الصحة، بدليل صحة صلاة العبد الآبق وصلاة شارب الخمر إذا لم يسكر ما دام في جسده شيء منها، والصلاة في الدار المغصوبة عند الشافعية، فلا ثواب لواحد منهم.
ويطلق ويراد به وقوع الفعل صحيحاً، وحينئذ يلزم من نفيه نفي الصحة، وهذا المعنى هو المراد هنا بقرينة الإجماع، فمعنى الحديث: لا تصح صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا لم يكن صحيحه فلا ثواب لها.
سؤال: فإن قيل: تقبل الصلاة وتصح بالتيمم أيضاً فكيف قال: لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ فقط؟
فالجواب: أن المراد حتى يتوضأ أو ما يقوم مقامه كالتيمم، واقتصر على الوضوء لأنه الأصل، والوضوء يطلق على التيمم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (1) .
فقوله: «حتى يتوضأ» أي: بالماء والتراب.
والحدث ينقسم إلى حدث أصغر وهو ما أوجب الوضوء، وإلى أكبر وهو ما أوجب الغسل كالجنابة ونحوها.
وقال بعض العلماء: الحدث ينقسم إلى حدث أصغر وكبير وأكبر، فالأصغر: ما أوجب الوضوء، والكبير ما أوجب الغسل كالجنابة والجماع، والأكبر ما أوجبه لحيض ونفاس.
والمراد «بالحدث» في الحديث أي: الخارج من أحد السبيلين فيمنع من صحة الصلاة، وله أربعة أسباب.
(1) أخرجه الترمذي (1/211، رقم 124) وقال: حسن صحيح. والنسائي (1/171، رقم 322) ، وابن حبان (4/140، رقم 1313) ، والدارقطني (1/186) ، والبيهقي (1/212، رقم 962) ، وعبد الرزاق (1/238، رقم 913) ، وأحمد (5/155، رقم 21408) ، والحاكم (1/284، رقم 627) وقال: صحيح. جميعا عن أبي ذر.
فإن قيل: لأي شيء اقتصر أبو هريرة حين سأله الرجل عن الحدث على بعض الأسباب وقال له في الجواب: «فساء أو ضراط» مع أن الحدث يحصل بغيرها كما ستسمعه؟
فالجواب: أن أبا هريرة إنما اقتصر على ذلك لأنه الذي كان يجهله هذا الرجل الأسباب فعلمه ما يجهله منها أو أنه أجابه عما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر، أو أنه عما يقع من الأسباب في الصلاة غالباً، ولم يذكر غيرها كالبول مثلاً لأنه لا يعهد وقوعه فيها، بدليل قوله في الحديث الآخر الآتي: لما سئل عن الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء أي الحركة التي يظن بها أنها حدث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا ينفتل ولا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» (1) أي لا يخرج من صلاته حتى يعلم وجود أحدهما يقيناً بالسماع وبالشم.
والانفتال: بمعنى الانصراف.
وقوله: «لا ينفتل» بالرفع على أنه نفي، وبالجزم على أنه نهي.
«أو لا ينصرف» شك من الراوي وهو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني.
السبب الأول (2) : خروج شيء من قبله أو دبره ولا فرق بين أن يكون صوتاً أو ريحاً، ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، ولا فرق بين أن يكون الخارج طاهراً كالحصاة أو نجساً، ولا بين أن يكون معتاداً كالبول والغائط، أو نادراً كالدم، ولا فرق في الخارج من قبل المرأة بين أن يكون من مخرج أو من غيره كمدخل الذكر، ولو أخرجت دودة رأسها من فرجها ثم رجعت انتقض الوضوء، ودبر الخنثي المشكل ينتقض الخارج منه كغيره والخارج من قبليه جميعاً، أما الخارج من أحدهما فإنه لا ينتقض.
ومن خلق له ذكران فإن كان يبول منهما انتقض الوضوء بالخارج من أحدهما، وإن كان يبول من أحدهما فالحكم له أي: ينقض الخارج منه فقط، والآخر زائد لا يتعلق به نقض قاله الأسنوي وغيره.
(1) أخرجه البخاري (1/77، رقم 175) ، ومسلم (1/276، رقم 361) ، وأبو داود (1/45 رقم 176) ، والنسائي (1/98 رقم 160) ، وابن ماجه (1/171، رقم 513) ، وأحمد (4/40، رقم 16497) ، وابن خزيمة (1/17، رقم 25) ، والحميدي (1/201، رقم 413) ، وأبو عوانة (1/201، رقم 650) .
(2)
أي من أسباب الحدث أو خروج شيء من أحد السبيلين وقد مر أنها أربعة أسباب.
قال القاضي زكريا: الحكم في الحقيقة منوط بالأصالة لا البول، حتى لو كانا أصليين ويبول بأحدهما ويطأ بالآخر نقض كل منهما، أو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً نقض الأصلي فقط وإن كان يبول بهما، إلا إذا كان الزائد على سنن (1) الأصلي فإن الوضوء ينتقض بالبول منه، قال: وإن التبس الأصلي بالزائد فالظاهر أن النقض منوط بهما معاً لا بأحدهما.
ولو خلق للمرأة فرجان فبالت وحاضت بهما انتقض الوضوء بالخارج من كل منهما فإن بالت وحاضت بأحدهما اختص الحكم به، ولو بالت بأحدهما وحاضت بالآخر فالوجه تعلق الحكم بكل منهما.
ويستثني من الخارج «المني» فإنه لا ينقض الوضوء ولكن يوجب الغسل، ويتصور خروجه من غير جماع بما إذ نام وهو قاعد على وضوء ممكن مقعده من الأرض، أو نزل بفكر أو نظر، وإنما لم ينقض لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل بخصوصه أي: بخصوص كونه منياً.
ولنا مني ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل، وصورته: فيما إذا استدخلت المرأة منيها أو مني غيرها بعد انفصاله، ثم توضأت ثم خرج منها فإنه ينقض وضوءها ولا يوجب الغسل.
سؤال: فإن قيل: لأي شيء نقض الحيض الوضوء، مع أنه أوجب أعظم الأمرين بخصوصه، فما الفرق بينه وبين المني؟
جوابه: أنهم فرقوا بينهما من وجوه:
الأول: أن الحيض مانع من صحة الوضوء في الاستدامة، فلا يبقى معه في الابتداء بخلاف الجنابة فإنها لا تمنع صحة الوضوء في الاستدامة، ولا يمتنع بقائه في الابتداء.
الثاني: أن المني خارج طاهر ودم الحيض خارج نجس، فلا يصح إيراده نقضاً لعدم المساواة وقيام الفرق.
الثالث: أن الحيض وخروج المني يختلف أحكامها في التغليظ والتخفيف، فلا يلزم من كون الحيض ناقضاً أن يكون المني ناقضاً قياساً عليه، لأن حدث الحيض استغلظ من حدث الجنابة، لأنه يحرم به أشياء لا تحرم بالمني، وقد ذكر علماء الأصول: أن شرط القياس أن لا يختلف المقيس والمقيس عليه في التغليظ والتخفيف، وحيئنذ فلا يرد
(1) هاكذا بالأصل ومعناه: على صفته من حيث أنه يؤدي به ما يوديه الأصلي.
السؤال لعدم المساواة بينهما في العلة.
قال العلماء: ولو انسد مخرج الإنسان وانفتح له مخرج بدله تحت معدته أي: تحت سرته، فخرج منه شيء انتقض وضوءه، إذ لابد للإنسان من مخرج فأقيم هذا مقامه، أما إذا انفتح له مخرج تحت المعدة، والأصلي منفتح أو فوقها أي: فوق المعدة، بأن انفتح في السرة فما فوقها، والأصلي من محاذيها يشبه القيء، والقيء لا ينقض، وما انفتح تحت المعدة والأصلي منفتح لا ضرورة إلى جعله مخرجاً مع انفتاح الأصلي، هذا إذا طرأ الانسداد على الأصلي، أما لو خلق الإنسان منسداً ففي أي: موضع انفتح له مخرج ينقض الخارج منه سواء فوق المعدة أو تحتها.
فائدة: حيث جعلنا الأصلي المنفتح كالأصلي في النقض بخروج الخارج منه فلا نجعله مثله في أجزاء الحجر فيه عند الاستنجاء، ولا في نفض الوضوء بمسه، ولا في وجوب الغسل وغيره من أحكام الوطئ بالإيلاج فيه، ولا في حرمة النظر إليه حيث كان فوق العورة، وأما الأصلي فأحكامه باقية إذا طرأ عيله الانسداد، أما إذا كان منسداً أصالة كعضو زائد من الخنثي لا يجب بمسه وضوءه إلا بإيلاجه والإيلاج فيه غسل.
السبب الثاني: زوال العقل وزوال التمييز بجنون أو إغماء أو سكر أو نوم أو غير ذلك، فإذا نام المتوضئ أو جن أو أغمي عليه أو سكر أو نحو ذلك انتقض وضوءه، وإنما انتقض الوضوء بالنوم لقوله صلى الله عليه وسلم:«العينان وكاء السَّة فمن نام فليتوضأ» (1) رواه أبو داود وابن السكن في صحاحه.
كني صلى الله عليه وسلم «بالعينين» عن اليقظة.
«الوكاء» بكسر الواو بالمد الخيط الذي يربط به الشيء، والمراد الحفاظ.
«والسة» : الدبر.
والمعنى: أن اليقظة هي الحافظة لما يخرج، والنائم قد يخرج منه الشيء ولا يشعر، وإذا ثبت النقض بالنوم ثبت بالجنون والاغماء والسكر ونحوها، لأنها أبلغ منه في الذهول الذي هو مظنة لخروج شيء من دبره، لأن النوم يستر العقل، والجنون يزيله، والإغماء يغمره، ولا ينقض النعاس المسمى «بالسنة» ، ولا حديث النفس، ولا أوائل
(1) أخرجه أبو داود (1/52، رقم 203) . وأخرجه أيضاً: أحمد (1/111، رقم 887) ، وابن ماجه (1/161، رقم 477) ، والدارقطني (1/161) ، والبيهقي (1/118، رقم 575) ، والضياء (2/255، رقم 632) عن علي.
نشوة السكر، لعدم زوال الشعور.
ويحصل الفرق بين النوم والنعاس بسماع كلام الحاضرين، وإن لم يفهمه وبالرؤيا، فإن سمع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه فذلك نعاس لا ينقض، وإن رأى رؤيا ذلك نوم ناقض، ولو شك هل نام أو نعس لم ينتقض وضوءه.
وللنوم أربع علامات سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى.
ويستثنى ما إذا نام ممكناً مقعده من مقره فإن وضوءه لا ينتقض ولو كان مستنداً إلى شيء لو أزيل عنه لسقط، وكذا لو نام محتبياً أي: جالساً على إليته رافعاَ ركبتيه محتوياً عليهما بيديه أو غيرهما.
والذي يدل على أن من نام قاعداً ممكناً مقعده من مقرة لا ينتقض وضوءه ما ورد في صحيح مسلم عن أنس: «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون» (1) .
وهو محمول على أنهم كانوا ينامون ممكنين مقعدهم من مقرهم، جمعاً بينه وبين ما رواه أبو داود والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لا وضوء على من نام قاعداً إنما الوضوء على من نام مضجعاً» (2) فإن من نام مضطجعاً استرخت مفاصله.
سؤال: فإن قيل: يحتمل أن يخرج ممن نام ممكنا مقعده من الأرض من مقره الريح من قبله، فلم قلتم لا ينتقض وضوءه مطلقاً؟
فالجواب: أن خروج الريح من القبل نادر فلم يرتفع به أصل الطهارة، نعم يستحب لمن نام قاعداً ممكناً مقعده أن يتوضأ للخروج من الخلاف قاله في الروضة.
قال العلماء: وإذا نام ممكناً مقعده من الأرض فمال في نومه حتى زالت إحدي إليتيه عن الأرض هل ينتقض وضوءه أم لا؟
فيه تفصيل وهو أن يقال: إن زالت قبل انتباهه انتقض، وإن لم تقع يده على الأرض لمضي لحظه وهو نائم غير ممكن، وإن زالت مع انتباهه أو بعد أو شك هل زالت قبل انتباهه أو بعده فلا ينتقض وضوءه، لأن الأصل بقاء الطهارة، ولو تيقن النوم وشك هل كان ممكن أم لا؟ يجب عليه الوضوء، ولو نام على قفاه ملصقاً مقعده من
(1) أخرجه مسلم (1/284، رقم 376) .
(2)
أخرجه أبو داود (1/52، رقم 202) وقال: منكر. والترمذي (1/111، رقم 77) . وأخرجه أيضاً: الطبراني (12/157، رقم 12748) ، والبيهقي (1/121، رقم 592) عن ابن عباس.
الأرض انتقض وضوءه، لأنه غير ممكن مقعده منها، نعم لنا شخص نام قاعداً ممكناً مقعده من الأرض وانتقض وضوءه، ولنا آخر نام على جنبيه أو قفاه ولم ينتقض وضوءه، أما الأول فهو الهزيل النحيف فإنه وإن اجتهد في مقعده من مقره لابد وأن يبقى بينهما بعض تجاف يخرج منه شيء من دبره هكذا قاله المارودي وأقره الرافعي، وقال الأذرعي: إنه الحق، لكن قال النووي في الروضة وغيرها: أنه لا ينتقض. وقال ابن الرفعة: إنه المذهب.
وأما الثاني فهو النبي صلى الله عليه وسلم.
السبب الثالث من أسباب الحدث: التقاء بشرتي الرجل والمراة، فإذا وقعت ملامسة بين الرجل والمراة انتقض وضوء الملامس والملموس، ولو كان الرجل خصيا أو عينياً أو ممسوحا لقوله تعالى: ?أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ? [النساء: 43] هذا مذهب إمامنا الشافعي.
وعند أبي حنيفة لا ينتقض بلمس الرجل والمرأة لا وضوء للملامس ولا الملموس، وأجاب عن قوله تعالى: ?أَوْ لامَسْتُمُ? بأن المراد: جامعتم.
وقال إمامنا الشافعي حمل ?أَوْ لامَسْتُمُ? على جامعتم خلاف الظاهر، بدليل قراءة الآخر «أو لمستم» واللمس الجس باليد وبغيرها، أو الجس باليد وألحق غيرها بها.
ومما يدل على أن اللمس لا يختص بالجماع قوله تعالى: ?فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ? [الأنعام: 7] .
والمعنى في انتقاض الوضوء بالتقاء بشرتي الرجل والمرأة: أن الالتقاء مظنة التلذذ المثير للشهوة، وينتقض عندنا الوضوء بالملامسة سواء أوقعت عمداً وسهواً بشهوة أو بغيرها بإكراه أو بغيره، بعضو أصلي أو زائد بعضو سليم، أو أشل بأعضاء الوضوء أو غيرها، هذا إذا وقعت الملامسة بين بشرتي الرجل والمرأة أي: من غير حائل.
والبشرة: ظاهر الجلد، ومنها: اللسان واللثة فإذا لمس لسانها أو لحم أسنانها أو لمست هي ذلك انتقض الوضوء، أما إذا وقعت الملامسة مع الحائل فإنها لا تنقض، ولو كان رقيقاً.
نعم لنا شيء حائل بين اللامس والملموس وينقض، وصورته: فيما إذا كثر الوسخ على البشرة من العرق فإنه حائل مع أن لمسه ينقض لأنه صار كالجزء من البدن، بخلاف ما إذا كان من غبار.
قال العلماء: ولا نقض بين التقاء بشرتي رجلين، ولا امرأتين، ولا خنثتين، ولا
خنثى ورجل، ولا خنثى وامرأة لاحتمال التوافق في الخنثتين، والخنثى مع الرجل أو المرأة، وتنقض ميتة، وذكر ميت، وعجوز، وهرم، وتستثنى من النساء المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فإذا لمس الإنسان محارمه كأمه وعمته وخالته لا ينتقض وضؤه، ولو لمسها بشهوة لأنها ليست في مظنة الشهوة وهو بالنسبة إليه كالرجل.
وضابط المحارم التي لا ينقض الوضوء بلمسها ويجوز النظر إليها والخلوة والمسافرة بها: كل امرأة حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فخرج بالتأبيد أخت الزوجة وعمتها وخالتها فإنه لا يحرم نكاحهن على التأبيد، بل إلى أن يفارق الزوجة فلسن بمحارم له فينقضن الوضوء، وخرج أيضاً: المرتدة والمجوسية والوثنية فإنهن لا يحرم نكاحهن على التأبيد، لأنهن إذا أسلمن حل نكاحهن.
والمراد بالسبب المباح: العقد والدخول وخرج به ما إذا وطئ امرأة بشبهة كوطئ من ظنها زوجته فإن أمهاتها وبناتها وإن حرمن عليه على التأبيد لا تثبت الحرمة لهن فلمسهن ينقض الوضوء، لأن سبب التحريم ليس مباحاً، لأن وطئ الشبهة في الفاعل لا يوصف بالإباحة ولا بالتحريم، نعم إذا تزوج تلك الموطوءة بشبهة ودخل بها تثبت المحرمية في أصولها وفي فروعها ولا ينقض لمسهن الوضوء.
قال الأسنوي: وترد هذه على الضابط، إذ السبب المباح وهو العقد والدخول لم يحرمهن لسبق تحريمهن بوطئ الشبهة، ويستحيل تحصيل الحاصل.
وخرج بقوله في الضابط لحرمتها: الملاعنة فإن تحريمها على التأبيد لحرمتها لا لمحرميتها، ولا تنقض أم الزوجة ولا بنتها لصدق الحد عليهما.
ولو شك هل لمس محرمة أم أجنبية؟ لم ينقض إذ الأصل بقاء الطهارة.
ولا تنقض صغيرة لا تشتهى، لأنها ليست محلاً للشهوة، ومثلها الصغير الذي لا يشتهى.
ولا ينقض شعر ولا سن ولا ظفر لأنها ليست مظنة للشهوة.
ولا ينقض وضوء الرجل بلمس الأمرد الحسن ولو كان بشهوة، لأنه لم يدخل في قوله: ?أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ? [النساء: 43] .
نعم قال في الإفصاح: قال الإمام مالك: ينقض، وبه قال الأصطخري من الشافعية، فالأفضل المستحب في حق من لمسه أن يتوضأ خروجاً من الخلاف.
ولا ينقض العضو المبان أي المقطوع فإذا قطعت يد المرأة مثلاً فلمسها الرجل، أو يد الرجل مثلاً فلمستها المرأة فلا ينتقض الوضوء، لأن العضو المقطوع لا يسمى امرأة
ولا رجل.
السبب الرابع من أسباب الحدث: مس جزء من فرج الآدمي بجزء من بطن الكف بلا حائل سواء كان الفرج الممسوس قبلاً أو دبراً من نفسه أو غيره عمداً أو سهواً لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه الأربعة وصححه الترمذي (1) .
والمراد: المس ببطن الكف لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ» رواه ابن حبان وغيره (2) .
والإفضاء لغة: المس ببطن الكف.
فإن قيل: الحديث الأول والثاني يدلان على أن من مس فرجه ينقض دون فرج غيره؟
فالجواب: أن من مس فرج غيره ينقض قياساً على مس فرجه لأن مسه أفحش من فرجه لهتكه حرمة غيره، ولهذا لا يتعدى النقض إليه.
والمراد ببطن الكف الراحة مع بطون الأصابع، فلو مس بظهر الكف لم ينقض وكل ما يستر عند وضع اليدين على الأخرى بتحامل يسير فهو بطن الكف.
وينقض المس ببطن أصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع وإلا فلا، وقبل المرأة الناقض ملتقى شفريها، فإن مست ما وراء الشفر لم ينتقض بلا خلاف.
ومس الذكر المنفصل كالمتصل لبقاء اسم الذكر عليه بعد الإبانة، بخلاف فرج المرأة إذا قطع فإنه لا ينقض لأنها جلدة لا تتميز غالباً، فلا يصدق عليها اسم الفرج، وإذا قطع بعض الذكر فلمسه انتقض وضؤه، وقلفة الصبي وهي الجلدة التي تقطع في الختان ينقض مسها قبل القطع لا بعده، ولو خلق للإنسان كفان فإن اتفقا في العمل وعدمه نقضا، وإن كانت إحداهما عاملة والأخرى غير عاملة فإن كانتا على معصم
(1) أخرجه أبو داود (1/46، رقم 181) ، والترمذي (1/126، رقم 82) ، والنسائي (1/216، رقم 447) ، وابن ماجه (1/161، رقم 479) . وأخرجه أيضاً: مالك (1/42، رقم 89) ، وأحمد (6/406 رقم 27334) ، وابن أبي شيبة (1/150، رقم 1725)، والطيالسي (ص: 230، رقم 1657) ، وابن الجارود (1/18، رقم 18) ، وابن حبان (3/400، رقم 1116) ، والحاكم (1/231، رقم 474) ، والبيهقي (1/129، رقم 613) عن بسرة بنت صفوان.
(2)
أخرجه ابن حبان (3/401، رقم 1118) . وأخرجه أيضاً: أحمد (2/333، رقم 8385) ، والشافعي (1/12) ، والدارقطني (1/147) ، والطبراني في الأوسط (2/237، رقم 1850) ، والبيهقي (1/133، رقم 630) ، والطبراني في الصغير (1/84، رقم 110) عن أبي هريرة.
واحد نقضت الزائدة كالأصلية، بشرط أن تكون الزائدة كالأصلية كالأصبع الزائدة، وإن كانتا على معصمين نقضت الأصيلة فقط، ولا تنقض الزائدة، ولو خلق له ذكران فإن اتفقا في العمل وعدمه نقضا، وإن كان أحدهما عاملاً دون الآخر نقض مس العامل، وغير العامل إن كان على سنن العامل نقض مسه وإلا فلا.
والمراد بالدبر الناقض ملتقى المنفذ دون ما ورأه.
قال العلماء: فلا ينقض الوضوء بمس العانة ولا بمس الانثيين ولا بمس الإليين ولا بمس ما بين القبل والدبر، لأنه لا يسمى فرجاً.
ولا ينتقض الوضوء بمس الذكر، برأس الأصابع وبما بينهما.
ولا ينقض بمس فرج البهيمة، كما لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه.
ولا ينتقض بقهقهة مصل ويدل عليه ما أخرجه ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: «ليس من ضحك في الصلاة إعاده وضوء» (1) وإنما كان ذلك لهم حين ضحكوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما روي من أنها تنتقض ضعيف، ولهذا قال علماؤنا: ولو افتصد الإنسان في صلاته فخرج منه الدم ولم يلوث بشرته لم تبطل صلاته لعدم بطلان طهارته، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه ينتقض الوضوء بالقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود، لا في صلاة جنازة، ولا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كدم الرعاف من جميع المأكول.
وأما ما ورد في مسلم من إيجاب الوضوء مما مست النار (2) فمنسوخ أيضاً بالخبر
(1) أخرجه ابن عساكر (61/389) . وأخرجه أيضا: الدارقطني (1/175) عن جابر.
(2)
أخرجه مسلم (1/273، رقم 353) ، وابن ماجه (1/164، رقم 486) ، وأحمد (6/89، رقم 24624) عن عائشة.
وأخرجه مسلم (1/272، رقم 352) ، والنسائي في الكبرى (1/104، رقم 179) ، وابن ماجه (1/163، رقم 485) ، وعبد الرزاق (1/173، رقم 668) ، وابن أبي شيبة (1/53، رقم 549) ، وأحمد (2/265، رقم 7594) ، وابن حبان (3/426، رقم 1147) عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن ماجه (1/164، رقم 487)، قال البوصيري (1/70) : هذا إسناد مختلف فيه من أجل خالد بن يزيد ولم ينفرد به. والطبراني في الأوسط (7/16، رقم 6720) . قال الهيثمي (1/249) : فيه خالد بن يزيد بن أبي مالك وهو كذاب. كلاهما عن أنس.
وأخرجه أبو داود (1/50، رقم 195) ، والنسائي في الكبرى (1/105، رقم 186) ، وعبد الرزاق (1/172، رقم 665) ، وأحمد (6/426، رقم 27439) ، وابن أبي شيبة (1/53، رقم 550) ، والطبراني (23/244، رقم 488) عن أم حبيبة.
الصحيح في أبي داود عن جابر رضي الله عنه كان آخر الأمرين من رسول الله رضي الله عنه ترك الوضوء مما غيرت النار (1) .
فائدة: في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» دليل على بطلان الصلاة مع الحدث، وفيه دليل على أنه يحرم على المحدث حدثاً أصغر الصلاة ولو كانت نفلا أًو صلاة جنازة، هذا في غير فاقد الطهورين، ودائم الحدث، ويحرم عليه خطبة الجمعة والطواف ولو نفلاً لقوله صلى الله عليه وسلم:«الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير» رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم (2) .
ويحرم عليه سجود التلاوة أو الشكر لأنه في معنى الصلاة.
قال ابن الصلاح: وأما ما يفعله عوام الفقراء من السجود بين يدي المشايخ محدثين فهو من العظائم، ولو كان بطهارة إلى القبلة قال: وأخشى أن يكون كفراً.
وأما قوله تعالى: ?وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً? [يوسف: 100] فهو منسوخ أو مؤول، ويحرم عليه مس المصحف ولو كان بغير أعضاء الوضوء، ولا فرق بين مس كتابته وورقه وحواشيه وما بين سطوره، لأن اسم المصحف يقع على الجميع وقوعاً واحداً، وكذلك يحرم مسه من وراء ثوبه أو ثوب غيره، وكذا يحرم مسه على فاقد الطهورين، ودليل تحريم مسه قوله تعالى ?لَا يَمَسُّهُ إِلَاّ المُطَهَّرُونَ? [الواقعة: 79] أي: إلا المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي، ولو كان باقياً على أصله من الخبرية لزم الخلف في كلامه تعالى، لأن غير المتطهر يمسه.
فإن قيل: ما المانع من جعله نهياً لا خبراً بمعناه؟
فالجواب: أنه لو كان نهياً لزم منه وقوع الطلب صفة وهو ممتنع.
وأما مس جلد المصحف فإن كان متصلاً به حرم مسه لأنه كالجزء منه، ولهذا يتبعه في البيع، وإن كان منفصلاً عنه حرم مسه.
(1) أخرجه أبو داود (1/49، رقم 192) . وأخرجه أيضا: النسائي (1/108، رقم 185) .
(2)
أخرجه الحاكم (1/630، رقم 1686) . وأخرجه أيضاً: ابن أبي شيبة (3/37، رقم 12808) ، والطبراني (11/34، رقم 10955) ، وأبو نعيم في الحلية (8/128) ، والدارمي (2/66، رقم 1847) ، وابن أبي شيبة (3/37، رقم 12808) ، وابن الجارود (1/120، رقم 461) ، وابن حبان (9/143، رقم 3836) ، والبيهقي (5/85، رقم 9074) عن ابن عباس.
فقال الأسنوي: يحل مسه، ونقل الزركشي عن الغزالي: أنه يحرم مسه أيضاً ولم ينقل ما يخالفه، وقال ابن العماد: إنه الأصح إبقاءً لحرمته قبل انفصاله.
قال العلامة القاضي زكريا: محل تحريم مسه إذا لم تنقطع نسبته عن المصحف، فإن انقطعت كأن جعلت جلد كتاب لم يحرم مسه قطعاً، وكما يحرم مسه يحرم حمله لأنه أبلغ من مسه سواء حمله وحده أو في غلافه أو بعلاقته، هذا مذهب إمامنا الشافعي والإمام مالك.
وقال أبو حنيفة: يجوز للمحدث حلمه بعلاقته أو في علاقته، نعم يجوز لنا حمله في أمتعة أو متاع واحد إذا لم يكن مقصوداً بالحمل، لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ أما إذا كان مقصوداً بالحمل ولو مع الأمتعة فإنه يحرم حمله.
ولا تحرم كتابة القرآن على المحدث من غير مس ولا حمل، بأن يضع الورقة مثلا بين يديه ويكتب فيها، ولا يحرم عليه قلب ورق المصحف بعود، لأنه ليس بحمل ولا مس، ويجوز مس التوراة والإنجيل وحملها، ويجوز مس وحمل ما نسخت تلاوته وإن لم ينسخ حكمه لزوال حرمته بالنسخ، كزوال حرمة التوراة والإنجيل بالتبديل، أما ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته فيحرم مسه وحمله، ويحرم على بالغ مس وحمل ما كتب بلوح ونحوه، ولو بعض آية لدراسة، بخلاف الصبي فإنه إذا كان مميزاً لا يجب على وليه ومعلمه مع الحدث الأصغر أن يمنعه من مس وحمل المصحف أو اللوح الذي يتعلم منه، لأنه يحتاج إلى الدراسة والتعلم، وتكليفه استصحاب الطهارة مما تعظم فيه المشقة، هذا إذا حمله لأجل الدراسة والتعلم، أما إذا لم يكن له غرض في حمله أو حمله بغرض آخر فإنه يجب على معلمه ووليه منعه من ذلك، وإذا كان البالغ محدثاً فقال للصبي: انقل هذا المصحف من هذا المكان إلى مكان آخر أو احمله معك فإنه حرام يأثم ببذلك البالغ، لأن الصبي يمنع من حمله ومسه إلا لحاجة التعلم، كما يمنع المجنون وهذا يقع فيه كثير من الناس الجهال خوفاً من مسه مع الحدث.
وإذا كان الصبي جنباً وأراد حمل المصحف ومسه للدراسة هل يمنع من ذلك أم لا؟
قال النووي: لا يمنع، وجزم به ابن السبكي، لكن قال الأسنوي: القياس المنع لأنها نادرة، وحكمها أغلظ، واستحسن كلامه كثير من المتأخرين.
قال العلماء: وإن أبيح للصبي المميز مع الحدث مس المصحف وحمله أو اللوح الذي فيه شيء من القرآن لأجل، الدراسة فيندب لوليه ومعلمه منعه منه، وأمره بالوضوء، ويجوز مع الكراهة مس وحمل كتب التفسير مع الحدث، إلا إذا كان القرآن
أكثر منه، فإنه حينئذ في معنى المصحف، ويجوز حمل الدراهم والدنانير والثياب التي كتب عليها شيء من القرآن، لأن هذه الأشياء لا يقصد بإثباب القرآن فيها قراءته، فلا يجري عليها أحكام القرآن، وسنذكر حكم الحروز في الكلام على آداب داخل الخلاف.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» أيضاً دلالة على رفع الشك والعمل باليقين، فإذا تيقن الإنسان أنه متوضئ وشك في الحدث بعده، عمل بيقينه وطرح الشك وصلى بوضوئه وصلاته صحيحة، وإذا تيقن أنه محدث وشك في أنه توضأ بعده عمل بيقينه أيضاً على الراجح وطرح الشك وتوضأ وصلى، وإن تيقن أنه وقع منه طهر وحدث وجهل السابق منهما نظر فيهما، فيما قبلهما فإن كان محدثاً فهو الآن متطهر، وإن كان متطهراً فهو الآن محدث إن اعتاد تجديد الوضوء وإن لم يعتد تجديده فهو الآن متطهر.
ويتضح ذلك بالمثال فإذا وقع من الإنسان بعد طلوع الشمس مثلاً طهر وحدث ولم يعرف أسبقهما فلينظر فيما قبل طلوعها فإن تذكر أنه كان حينئذ محدثاً فهو الآن متطهر، وإن تذكر أنه كان متطهراً فإن كان له عادة بتجديد الوضوء فهو الآن متطهر وإن لم يتذكر ما قبلهما وجب الوضوء، وتعليل هذه المسائل مقررة في كتب الفقه فلا نطول بذكرها.
* * *