المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجلس التاسع والعشرين - شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية - جـ ٢

[شمس الدين السفيري]

الفصل: ‌المجلس التاسع والعشرين

‌المجلس التاسع والعشرين

في بيان فضل العلم

قَالَ البُخَارِي:

بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَابُ الْعِلم

إنما قدم البخاري رضي الله عنه كتاب العلم على سائر الكتب الآتية وهي: كتاب الوضوء والغسل والتيمم والصلاة وغيرها لأنها من باب العمل والعلم ينبغي أن يكون قبل العمل، وآخره يكون كذلك وهو مبتدأ كل خير.

باب فَضْلِ الْعِلْمِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ? وَقَوْلِهِ عز وجل ?رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا?.

نفعنا الله بالعلماء، وأنزل علينا ببركاتهم وذكر فضائلهم الرحمة من السماء، وزادهم الله تعالى في الدنيا والآخرة من مدده الفياض شرفاً وكرماً وبعد.

فقد دل الكتاب والسنة والأخبار والآثار المنقولة عن الأئمة على فضل العلماء وفضل العلم وفضل تعلمه وفضل تعليمه وفضل حضور مجلسه.

قال الله تعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ? [آل عمران: 18] جعل الله مرتبتهم بعد الملائكة.

وجعل النبي صلي صلى الله عليه وسلم مرتبتهم بين الأنبياء والشهداء، فقد ورد عند ابن ماجة وغيرة عن عثمان بن عفان أنه صلى الله عليه وسلم قال:«يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» (1) .

قال بعض العلماء: أعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال تعالى: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ? [فاطر: 28] القراءة المشهورة بنصب لفظ الجلالة، ورفع العلماء.

وقد قرئ: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءَ? [فاطر: 28] برفع اسم الله،

(1) أخرجه ابن ماجه في سننه (2/1443، رقم 4313)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/260) : هذا إسناد ضعيف. وأخرجه أيضاً: البيهقي في شعب الإيمان (2/265، رقم 1707) .

ص: 80

ونصب العلماء.

وقد استشكلوا هذه القراءة وقالوا: كيف يخشى الله من عبادة العلماء، والله تعالى لا يخاف من مخلوقاته أحداً بل الكل تحت قهره.

وأجابوا عن الاستشكال بأن يخشى هنا مؤول بيعظم أي: إنما يعظم الله من عبادة العلماء، وأول بغير ذلك أيضاً.

وقال الله تعالى: ?هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ? [الزمر: 9] .

وقال الله تعالى: ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ? [المجادلة: 11] .

قال ابن عباس: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام (1) .

وعن أبي أمامه رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت يصلون على معلم الناس الخير» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (2) .

وعن صفوان بن عسال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب» (3) .

وقد ذكر العلماء في معنى وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم أقوالاً:

الأول: أن المراد بالموضع بسط الأجنحة أي: فرشها تحت أقدامه إذا مشى لتكون وطاء له.

الثاني: أن المراد به التواضع تعظيماً لطالب العلم.

(1) انظر: إحياء علوم الدين (1/5) .

(2)

أخرجه الترمذي في سننه (5/50، رقم 2685) . وأخرجه أيضاً: الطبراني في المعجم الكبير (8/233، رقم 7911) .

(3)

أخرجه الترمذي في سننه (5/545، رقم 3535) وقال: حسن صحيح. والطيالسي في مسنده (1/160، رقم 1165) ، وأحمد في مسنده (4/239، رقم 18114) ، والدارمي في سننه (1/113، رقم 357) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/276، رقم 1225) ، والطبراني في المعجم الكبير (8/63 رقم 7373) .

ص: 81

الثالث: أن المراد به النزول عند مجالس العلم وترك الطيران.

الرابع: أن المراد به إظلالهم بها، فمعنى تضع أجنحتها على هذا القول تجعلها فوق رأسه كالظلة، وعلى القول بأن المراد إظلالهم بها فمعنى:«تضع أجنحتها» على هذا القول، بأن المراد يوضع الأجنحة فرشها.

حكى النووي: أن رجلاً سمع هذا الحديث فجعل في نعليه مسامير من حديد، وقال أريد أن أطأ بهما أجنحة الملائكة، فوقعت الأكلة رجليه.

وحكي عن بعضهم أنه قال: كنا نمشي إلى بعض المحدثين فقال رجل: ارفعوا أقدامكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى يبست رجلاه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» حديث متفق عليه (1) .

وقال أيضا لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها» رواه أحمد (2) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص آثامهم شيئاً» رواه مسلم (3) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/1357، رقم 3498) ، ومسلم في صحيحه (4/1872، رقم 2406) . وأخرجه أيضاً: النسائي في السنن الكبرى (5/110، رقم 8403) ، وابن حبان في صحيحه (15/377، رقم 6932) عن سهل بن سعد.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (5/238، رقم 22127)، قال الهيثمي (5/334) : رجاله ثقات إلا أن ذويد بن نافع لم يدرك معاذاً.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (4/2060، رقم 2674) . وأخرجه أيضاً: أبو داود في سننه (4/201، رقم 4609) ، والترمذي في سننه (5/43، رقم 2674) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه في سننه (1/75، رقم 206) ، وأحمد في سننه (2/397، رقم 9149) ، وأبو يعلى في مسنده (11/373، رقم 6489) ، وابن حبان في صحيحه (1/318، رقم 112) ، والدارمي في سننه (1/141، رقم 513) عن أبي هريرة.

ص: 82

أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم (1) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد» رواه الترمذي (2) .

أنشد محمد بن الحسن رحمه الله تعالى:

تعلم فإن العلم زين لأهله

وفضل وعنوان لأهل المحامد

وكن مستفيداً كل يوم زيادة

من العلم واسبح في بحور الفوائد

تفقه فإن الفقه أوصل قائد

إلى البر والتقوى وأعدل قاصد

هو العلم الهادي إلى سنن الهدى

هو الحصن منجي من جميع الشدائد

فإن فقيهاً واحد متورعاً

أشد على الشيطان من ألف عابد

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه، وما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين» رواه الدارقطني (3) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضا بما يطلب، وإن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (3/1255، رقم 1631) . وأخرجه أيضاً: أبو داود في سننه (3/117، رقم 2880) ، والترمذي في سننه (3/660، رقم 1376) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه في سننه (1/88، رقم 242) ، والنسائي في سننه (6/251، رقم 3651) ، وأحمد (2/372، رقم 8831) ، والبخاري في الأدب المفرد (1/28، رقم 38) عن أبي هريرة.

(2)

أخرجه الترمذي في سننه (5/48 رقم 2681) وقال: غريب. وأخرجه أيضاً: ابن ماجه في سننه (1/81 رقم 222) ، والبيهقي في شعب الإيمان (2/267، رقم 1715) ، والطبراني في الكبير (11/78، رقم 11099) ، وفي الشاميين (2/161، رقم 1109) ، والديلمي في الفردوس (3/148، رقم 4398) عن ابن عباس.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/79) . وأخرجه أيضاً: الطبراني في الأوسط (6/194، رقم 6166) قال الهيثمي (1/121) : فيه يزيد بن عياض، وهو كذاب. والبيهقي في شعب الإيمان (2/266 رقم 1712) وقال: فيه يزيد بن عياض ضعيف. والخطيب (2/402) ، والقضاعي في مسند الشهاب (1/150، رقم 206) عن أبي هريرة.

ص: 83

درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» رواه الترمذي (1) .

وهنا سؤال وهو: هل استغفار الحوت ونحوه من الحيوانات التي لا تعقل بلسان الحال أو بلسان القال؟

والمرجح كما قال النووي: إنها تستغفر وتسبح بلسان القال، إذ لا يمتنع عقلاً إن يجعل الله فيها قوة تنطق بها وتميز، كما يجوز ذلك في بعض الجمادات كقوله تعالى في الحجارة: ?وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ? [البقرة: 74] .

وقوله تعالى: ?وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ? [الإسراء: 44] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء، فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم» رواه الطبراني في الكبير (2) .

وقيل في قوله تعالى: ?يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى? [الأعراف: 26] .

إن المراد باللباس: العلم.

وبالريش: اليقين.

وبلباس التقوى: الحياء.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وثمرته العلم والعمل والجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل» (3) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «فقيه واحد أفضل عند الله من ألف عابد» .

(1) أخرجه الترمذي في سننه (5/48، رقم 2682) وقال: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل. ثم أورد له إسناداً وقال هذا أصح. وأخرجه أيضاً: أبو داود في سننه (3/317، رقم 3641) ، وابن ماجه في سننه (1/81، رقم 223) ، وابن حبان في صحيحه (1/289، رقم 88) ، والبيهقي في شعب الإيمان (2/262، رقم 1696) ، وأحمد في مسنده (5/196، رقم 21763) عن أبي الدرداء.

(2)

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (1/126) قال الهيثمي: فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف جدّاً. وأخرجه أيضاً: الروياني في مسنده (1/353، رقم 542) ، والطبراني في المعجم الأوسط (4/302، رقم 4264) عن أبي موسى.

(3)

أورده الغزالي في إحياء علوم الدين (1/5)، وقال العراقي: أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف.

ص: 84

وإنما فضل العالم على العابد لأن الشيطان يدع البدعه للناس فينظرها العالم فيزيلها، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه إليها ولا يعرف بها.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من عمد إلى المسجد لا يريد إلا إن يتعلم خيراًُ أو يعلم، كان له كأجر حاج تاماً حجته» رواه الطبراني بإسناد لا بأس به (1) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم» (2) .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دخل المسجد فرأى مجلسين أحد المجلسين يذكرون الله تعالى ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه فقال صلى الله عليه وسلم:«كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من الآخر، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيعلمون الجهال، وإنما بعثت معلماً، فهؤلاء أفضل ثم جلس معهم» (3) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن تغدوا فتتعلم باباً من العلم خير من أن تصلي مائة ركعة» (4) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (5) .

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/94، رقم 7473)، قال الهيثمي (1/123) : رجاله موثقون كلهم. وأخرجه أيضاً: في مسند الشاميين (1/238، رقم 423) عن أبي أمامة.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/367 رقم 6636) قال الهيثمي (1/136) : فيه الحكم بن عبد الله، قال أبو حاتم: كذاب. وأبو نعيم في الحلية (8/188)، وابن عدي في الكامل (2/79 ترجمة 302 بقية بن الوليد) وقال: حديث منكر المتن. والخطيب في تلريخ بغداد (6/100) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده (2/553 رقم 1128) عن عائشة.

(3)

أخرجه الطيالسي في مسنده (ص: 298، رقم 2251) ، والبزار في مسنده (6/428، رقم 2458) ، والحارث كما في بغية الباحث (1/185، رقم 40) عن ابن عمرو.

(4)

أخرجه الديلمي في الفردوس (5/338، رقم 8362) ، وأورده الذهبي في إحياء علوم الدين (1/8)، وقال العراقي: أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي ذر، وليس إسناده بذاك.

(5)

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/202، ترجمة 48 أحمد بن هارون بن موسى) وقال: له نسخ موضوعة مناكير ليس عند أحد منها شىء كنا نتهمه بوضعها. والبيهقي في شعب الإيمان (2/254، رقم 1665) ، وأبو يعلى في مسنده (5/223، رقم 2837) ، والطبراني في الأوسط (1/7، رقم 9) ، وفي الصغير (1/36، رقم 22) ، وأبو نعيم في الحلية (8/323) ، والقضاعي في مسند الشهاب (1/136، رقم 175) ، والبزار في مسنده (1/172، رقم 94) عن أنس.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (4/245، رقم 4096) عن ابن عباس، قال الهيثمي (1/120) : فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد ضعيف جداً.

وأخرجه الرافعي (2/340) ، وابن عدي في الكامل (1/179، ترجمة 19 أحمد بن إبراهيم بن موسى) وقال: هذا الحديث منكر بهذا الإسناد. كلاهما عن ابن عمر.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (8/258، رقم 8567)، قال الهيثمي (1/120) : فيه يحيي بن هاشم السمسار كذاب. والبيهقي في شعب الإيمان (2/254، رقم 1667) ، والخطيب (4/427) ، والقضاعي (1/135، رقم 174) عن أبي سعيد.

وأخرجه الطبراني في الكبير (10/195، رقم 10439) ، وفي الأوسط (6/96، رقم 5908) كلاهما ابن مسعود، قال الهيثمي (1/119) : فيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي عن حماد بن أبي سليمان وعثمان هذا قال البخاري مجهول ولا يقبل من حديث حماد إلا ما رواه عنه القدماء شعبة وسفيان الثوري والدستوائي ومن عدا هؤلاء رووا عنه بعد الاختلاط.

ص: 85

وقال: «اطلبوا العلم ولو بالصين» (1) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله، ولا للعالم أن يسكت عن علمه» (2) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاءه ملك الموت وهو يطلب العلم ليحي به الإسلام، فبينه وبين الأنبياء درجة واحدة في الجنة» .

وقال علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه فلله در العلم ومن به تردى، وتعساً للجهل ومن في أوديته تردى.

ومن نظم سيدنا على كرم الله وجهة ورضي عنه:

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء

إن لم يكن لهم في أصلهم شرف

يفاخرون به فالطين والماء

ما الفضل إلا لأهل العلم بينهم

على الهدى لمن استهدى أدلاء

(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/230، ترجمة 777) ، وابن عدي (4/118، ترجمة 963) كلاهما في ترجمة طريف بن سلمان أبو عاتكة. والبيهقي في شعب الإيمان (2/253، رقم 1663)، وقال: هذا الحديث شبه مشهور، وإسناده ضعيف، وقد روى من أوجه كلها ضعيفة. والخطيب (9/363) جميعاً عن أنس. قال العجلوني (1/154) : ضعيف بل قال ابن حبان: باطل.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/298، رقم 5365) . قال الهيثمي (7/165) : فيه محمد بن أبي حميد وقد أجمعوا علي ضعفه. وأخرجه الديلمي في الفردوس (5/139، رقم 7748) عن جابر.

ص: 86

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداء

وقال معاذ بن جبل: «تعلموا العلم فإن تعلمه خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهلة قربة، وهو الأنس في الوحده، والصاحب في الخلوة» (1) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم خزائن ومفاتيحها السؤال، فإنه يؤجر فيها أربعة السائل والعالم والمستمع والمحب» (2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أن الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً» رواه الترمذي (3) .

وقال الرازي في تفسيره: قال عليه الصلاة والسلام: «كن عالماً ومتعلماً ومستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك» (4) .

ثم قال وجه التوفيق بين هذه الرواية والأخرى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «الناس رجلان عالم ومتعلم وسائر الناس همج لا خير فيهم» (5) أن المستمع والمحب بمنزلة المتعلم.

وقال في روض الأفكار: سافر رجل سبعمائة فرسخ ليسأل عالماً عن سبع كلمات:

الأولى: ما أثقل من السماوات؟ قال: البهتان على البريء.

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (2/41، رقم 2237) ، وأبو نعيم في الحلية (1/239) .

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/192) وقال: غريب من هذا الوجه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد. والرافعي في التدوين (3/4) ، والديلمي في الفردوس (3/68، رقم 4192)، قال المناوي (4/389) : قال الحافظ العراقي: ضعيف. قال العجلوني في الكشف (2/85) : رواه أبو نعيم والعسكري بسند ضعيف. جميعاً عن علي.

(3)

أخرجه الترمذي في سننه (4/561 رقم 2322) وقال: حسن غريب. وأخرجه أيضاً: ابن ماجه في سننه (2/1377 رقم 4112) عن أبي هريرة.

(4)

أخرجه الدارمي في سننه (1/91، رقم 248) ، والبخاري في التاريخ الكبير (4/99) ، والبيهقي في المدخل إلي السنن الكبرى (1/268، رقم 380) وقال: وهو منقطع. جميعاً عن ابن مسعود موقوفاً.

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/307، رقم 7575) عن ابن مسعود بلفظ: «الناس رجلان عالم ومتعلم هما في الأجر سواء ولا خير فيما بينهما من الناس» . قال الهيثمي (1/122) : فيه نهشل بن سعيد وهو كذاب.

وأخرجه أيضاً في الكبير (10/201، رقم 10461) عن ابن مسعود بلفظ: «الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما» . قال الهيثمي (1/122) : فيه الربيع بن بدر وهو كذاب.

ص: 87

الثانية: ما أوسع من الأرض؟ قال: الحق.

الثالثة: ما أغنى من البحر؟ قال: القلب الغني.

الرابعة: ما أبرد من الثلج؟ قال: طلب الحاجة من الصديق ولم يقضها.

الخامسة: ما أحر من النار؟ قال: الحسد.

السادسة: ما أقسى من الحجر؟ قال: قلب الكافر.

السابعة: ما أذل من اليتيم؟ قال النمام عند المقابلة.

وقال الرازي في التفسير: أربع لا ينبغي للشريف أن يأنف فيها وإن كان أميراً قيامة من مجلسه لأبية، وخدمته لضيفه، وخدمته للعالم الذي يتعلم منه، وسؤاله عما لا يعلم ممن هو أعلم منه.

وقال ابن مسعود: منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا، وهما لا يستويان، أما طالب العلم فيزداد في رضا الرحمن، وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان، ثم قرأ: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ? [فاطر: 28] ثم قرأ: ?كَلَاّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى? [العلق: 6، 7] .

قال ابن عباس رضي الله عنهما: العلم أفضل من المال.

لأن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة.

ولأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال.

ولأن العلم لا يعطيه الله إلا لمن يحبه، والمال يعطيه من يحب ومن لا يحب.

ولأن العلم لا ينقص بالبذل والإنفاق، والمال ينقص بهما.

ولأن صاحب المال إذا مات انقطع ذكره، والعالم إذا مات فذكره باق.

ولأن صاحب المال يسأل عن كل درهم من أين أكتسبه وأين أنفقه، وصاحب العلم له بكل حديث درجة في الجنة.

وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه كان في حال الموت ورجل عنده يكتب له العلم، فقيل له في مثل هذه الحالة؟

فقال: لعل الكلمة التي تنفعني لم تبلغني بعد.

ويقال: إن العلماء سرج الأزمنة، فكل عالم مصباح أهل زمانه يستضئ به أهل عصره (1) .

(1) انظر: إحياء علوم الدين (1/7) .

ص: 88

وقال أبو مسلم الخولاني (1) : مثل العلماء كالنجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا، وإذا خفيت عنهم تحيروا.

وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه: العلم أفضل من صلاة النافلة.

وقال: ليس بعد الفريضة أفضل من طلب العلم.

وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعمل.

وقال: من لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكون بينك وبينه معرفة وصداقة.

وقال: العلم مروءه من لا مروءة له.

وقال: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء فليس لله ولي.

وقال: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يعين نفسه لم ينفعه علمه.

في كلامه هذا إشارة إلى أنه ينبغي للعالم أن يأخذ من كل علم ما يحتاج إليه.

ونسب إلى الإمام الشافعي أنه قال:

ما حوى العلم جميعاً أحد

ج

لا ولو دارسه ألف سنه

إنما العلم كبحر زاخر

فخذوا من كل شيء أحسنه

وسئل عبد الله بن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء.

قيل: من الملوك؟ قال: الزهاد.

قيل فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه (2) .

قال الإمام حجه الإسلام الغزالي: لم يجعل غير العالم من الناس، لأن الخاصية التي يتميز بها عن سائر البهائم هو العلم، والإنسان إنسان بما هو شريف، لأجله وليس ذلك لقوته فإن الجمل أقوى منه، ولا لأكله فإن الجمل أوسع بطناً منه، ولا لجماعه فإن أخس العصافير أقوى على ذلك منه، بل لم يتميز إلا بالعلم (3) .

قال الإمام الرازي في تفسيره: إن من جلس عند العلماء ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً فله سبع كرامات:

أولها: ينال فضل المتعلمين.

الثاني: مادام جالساً عنده كان محبوساً عن الذنوب.

(1) أبو مسلم الخولاني هو: عبد الله بن ثوب -بضم ففتح- الخولاني تابعي، فقيه عابد زاهد، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، وفي أكثر المصادر: وفاته بدمشق سنة: 62 هـ، وكان يقال: أبو مسلم حكيم هذه الأمة، وقيل: توفي بالشام، وهو قول ضعيف.

(2)

انظر: إحياء علوم الدين (1/7) .

(3)

انظر: إحياء علوم الدين (1/7) .

ص: 89

الثالث: إن خرج من منزله طالباً للعلم نزلت الرحمة علية.

الرابع: إذا جلس في حلقة العلم فتتنزل الرحمة فينال نصيبه منها.

الخامس: ما دام في الاستماع يكتب له طاعة.

السادس: إذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه لحرمانه عن إدراك العلم فيصير ذلك وسيلة إلى حضرة الرب سبحانه وتعالى لقوله: «أنا عند قلوب المنكسرة قلوبهم لأجلي» .

السابع: إذا حضر العاصي مجلس العلم وسمع فربما يرق قلبه ويخشع فؤاده، فيكون ذلك وسيلة إلى توبته.

فلهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالسة العلماء، ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن الرجل ليخرج من منزلة وعليه من الذنوب مثل جبال تهامه، فإذا سمع العلم خاف واسترجع من ذنوبه، فينصرف إلى منزلة وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجلس العلماء، فإن الله تعالى لم يخلق تربة على وجه الأرض أكرم من مجالس العلماء (1) .

قال الفقيه أبو الليث: من جلس مع الأغنياء زاده الله حب الدنيا والرغبه فيها.

ومن جلس مع الفقراء حصل له الشكر والرضا بقسمة الله.

ومن جلس مع السلاطين زاده الله القسوة والكبر.

ومن جلس مع النساء زاده الله الشهوة.

ومن جلس مع الصبيان زاده الله المزاح.

ومن جلس مع الفساق ازداد من الجراءة على الذنوب وتسويف التوبة.

ومن جلس مع الصالحين ازداد رغبة في الطاعات.

ومن جلس مع العلماء ازداد من العلم والورع.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من خرج يطلب باباً من العلم ليرد به باطلاً إلى الحق وضلالاً إلى الهدى كان علمه كعبادة أربعين عاماً» .

وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين، فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة، وبني له بكل قدم مدينة في الجنة، ويمشي على الأرض والأرض تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة لهم بأنهم عتقاء

(1) انظر: إحياء علوم الدين (1/349) .

ص: 90

الله من النار» (1) .

وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «من صلى خلف عالم من العلماء فكأنما صلى خلف نبي من الأنبياء» (2) .

وقال علية الصلاة والسلام: «من تعلم على يد عالم كتب الله له بكل خطوة عتق رقبة، ومن قبل رأس عالم كتب الله له بكل شعرة حسنة» .

وقال علية الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة: «بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن، والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، العزيز ذل، وغني افتقر، وعالم تلعب به الجهال» .

وسائر كتب الله ناطقة بفضل العلم قال الله تعالى في التوراة لموسى عليه الصلاة والسلام: «عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة في قلب عبد إلا وأردت أن أغفر له، فتعلمها ثم أعمل بها كي تنال بذلك كرامتي في الدنيا والآخرة» .

وقال الله في الزبور لداود: «قل لأحبار بني إسرائيل ورهبانهم حادثوا من الناس الأتقياء، فإن لم تجدوا فيهم تقياً فحادثوا العلماء، فإن لم تجدوا فيهم عالماً فحادثوا العقلاء، لأن التقى والعلم والعقل ثلاث مراتب ما جعلت واحده منهن في أحد من خلقي وأنا أريد هلاكه» .

وقال في الإنجيل: «اطلبوا العلم وتعلموه فإن العلم إن لم يسعدكم لم يشقكم، وإن لم يرفعكم لم يضعكم، وإن لم يغنكم لم يفقركم، وإن لم ينفعكم لم يضركم» .

لطيفة في محبه العلماء والصالحين: قال ابن الجوزي في كتابه «سوق العروس» قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان شيخ قوام بالذنوب مدمن على شراب الخمور، إلا أنه كان يحب الصالحين ويحضر مجالس العلم ويحسن الظن فيهم، فمرض واشتد مرضه فحضرته الوفاة، فقال لولده: يا ولدي إني أري أعمالي جميعها معروضة عليَّ، وما أرى لي حيله غير محبتي للصالحين، وحسن ظني بالعلماء، وإني أرى الموت الحق قد نزل بي لا محالة، وقد ندمت هذه الساعة على ما فرطت في جنب الله، فليت شعري هل يقبل المولى توبتي أم لا؟ ثم قال: يا ولدي لي إليك حاجة قال: وما هي يا أبت؟ قال: اسمع ما أقول لك ثم أنشد يقول:

(1) قال العجلوني في كشف الخفاء (2/290) : كذب موضوع.

(2)

قال العجلوني في كشف الخفاء (2/337) : ذكر السخاوي أنه لم يقف عليه.

ص: 91

نُح على ما فات

مني من قبيح التبعات

نُح إذا صارت عظامي

في العظام الناخرات

نُح بدمع ثم لا

تبخل بفيض العبرات

نُح إذا عاينت قبري

في عظامي الدارسات

نُح إذا ما صرت وحدي

ج

في القفار الموحشات

بين دور وهوام وتراب ودقات

نح لتذكار الخطايا وقطيع المنكرات

ثم بكي الشيخ حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: يا ولدي بحق التربية لا تضيعني، فأنا كنت المفرط في نفسي، والمضيع لحقي من يخلصني من عذاب الله، واشقوتاه، أنا المعترف بذنبي وخطيئتي أترى المولى يقبل توبتي ويرحم شيبتي ويمحوا زلتي، ثم خرجت روحة وأسود وجهة، فبكى ولده عند ذلك لما رأى من حال أبية، وإذا بهاتف يهتف به: يا هذا أبشر فقد أعتقه الله من النار بحسن ظنه بربه عز وجل وحبه وصحبته للصالحين والعلماء، ثم عاد وجهة في الحال أبيض، يتهلل نوراً وعلى جبهته مكتوب: ?وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ? [التوبة: 102] ولله در القائل حيث قال:

يا من أساء ثم اعتدى ثم أقترف

ثم أرعوى ثم انتهى ثم أعترف

أبشر بقول الله في تنزيله

إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

* * *

ص: 92