الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلس الحادي الثلاثون
في ذكر خواتم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أحكام خاتم الذهب والفضة وغيرهما
وذكر خاتم سليمان وقصته
وذكر شيء من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وشيء من فضائله المتعلقة بذلك
فالحمد لله العادل في حكمه وللعباد راحم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الفاتح الخاتم، وعلى آله وأصحابه ذوي المناقب والمكارم.
قَالَ البُخَارِي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَاّ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ. فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَنْ قَالَ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَسٌ (1) .
استشكل العلماء قول أنس: «كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً» وقالوا: من خصائصه كان يحرم عليه الكتابة والقراءة في الكتاب، ولهذا يقال له: النبي الأمي، وهو الذي لا يحسن الكتابة ولا يعرفها.
وأجابوا عن الاستشكال بأجوبة:
(1) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد عظيمة منها:
قوله: «كتب أو أراد أن يكتب» : شك من الراوي، ونسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازية، أي: كتب الكاتب بأمره.
قوله: «لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً» : يعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوماً ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلاً مؤتمناً.
قوله: «فقلت» القائل هو شعبة.
فائدة: لم يذكر المصنف من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة، ولا الوجادة ولا الوصية ولا الإعلام المجردات عن الإجازة، وكأنه لا يرى بشيء منها. وقد ادعى ابن منده أن كل ما يقول البخاري فيه: قال لي فهى إجازة، وهي دعوى مردودة بدليل أني استقريت كثيرا من المواضع التي يقول فيها الجامع قال لي فوجدته في غير الجامع يقول فيها حدثنا، والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، فدل على أنها عنده من المسموع، لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما يبلغ شرطه وما لا يبلغ.
أحدها: أن معنى «كتب» أي أمر غيره بالكتابة، فنسب الفعل إليه على سبيل المجاز.
الثاني: أن الله أوحى إليه أن يكتب.
الثالث: أن الكتابة وإن لم يكن يحسنها صدرت منه حقيقة في بعض الأوقات، فيكون ذلك من قبيل معجزاته الخارقة للعادة، وقد عدوا من معجزاته أنه كان ينظر إلى المكتوب ويعرفه فتنطق له الحروف وتبين له المعنى المراد.
وكما كان صلى الله عليه وسلم تحرم عليه الكتابة كان يحرم عليه أخذ الزكاة والصدقة والكفارة والمنذورات، ونزع لامته إذا لبسها حتى يقاتل، أو يحكم الله بينه وبين عدوه بما شاء، وكان يحرم عليه قول الشعر وروايته.
قال تعالى: ?وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ? [يس: 69] .
واختلف العلماء كما قاله البغوي في النبي صلى الله عليه وسلم هل كان يحسن الخط ولا يكتب الشعر ولا يقوله أم لا يحسنها؟
فقيل: كان يحسنهما ولا يفعلهما، والأصح: أنه كان لا يحسنهما ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه، ومما يدل على أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يحسن الشعر أنه ذكر يوماً قول طرفه بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
…
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقدم فيه وأخر وقال:
يأتيك من لم تزود بالأخبار
فقال له أبو بكر: يا رسول الله لم يقل هكذا، وإنما قال:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقال صلى الله عليه وسلم: «كلاهما سواء» . فقال: أشهد أنك لست بشاعر ولا تحسنه. قاله ابن الملقن في باب هل تنبش قبور الجاهلية في كتاب الصلاة.
فإن قيل: إذا كان قول الشعر حراماً عليه صلى الله عليه وسلم فكيف نقل عنه أنه قال:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
وقال:
هل أنت إلا أصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت
وأجابوا عن ذلك بأجوبة:
الأول: أن هذا ليس بشعر لأنه صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من غير قصد، والشعر هو الكلام الموزون المقفى بالقصد، وقد وقع في كلام الله من ذلك كثيراً قال تعالى: ?لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ? [البقرة: 92] .
الثاني: أن مشطور الرجز عند الأخفش وغيره ليس بشعر.
وقوله: «لأنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً» المعنى: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى العجم وإلى الروم بلا ختم، فقيل له: يا رسول الله إنهم أي الأعاجم والأروام لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً، والحكمة في أنهم كانوا لا يقرؤون إلا الكتاب مختوماً خوفاً من كشف أسرارهم وأشعار بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم، وفي هذا دلالة على أنه يسن للسلطان والقضاة والحكام ختم كتبهم، وقد صف الله كتاب سليمان الذي أرسله إلى بلقيس مع الهدهد بأنه كتاب كريم، وإنما وصفته بذلك لأنه كان مختوماً.
وقوله: «فاتخذ خاتماً» أي: لما قالوا له صلى الله عليه وسلم: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً أي: بخاتم، اتخذ له خاتماً من فضة نقشه «محمد رسول الله» وصار يختم به الكتب الذي يرسلها إلى الكفار، حتى يقرؤوا كتابه.
وفيه دلالة على جواز مكاتبة الكفار، وقد كاتب جماعة من ملوك الكفار من جملتهم كسرى ملك فارس.
وكسرى بفتح الكاف وفتحها والكسر أفصح فارسي معرب: لقبه، وأما اسمه فقيل: أنوشروان بن هرمز، والصحيح كما قاله ابن حجر في اسمه: ابرويز بن هرمز بن أنوشروان، قال: ووهم من قال: أنه أنوشروان (1) .
وملك كسرى الكافر سبعاً وأربعين سنة وسبعة أشهر، أرسل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه مع عبد الله بن حذافة يدعوه إلى الدخول في الإسلام، فلما دفع إليه عبد الله بن حذافة الكتاب وقرئ عليه أخذه ومزقه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك دعا عليه وقال:«اللهم مزق ملكه» (2) أي: فرقه وشتته، فمزق الله ملكه كل ممزق، وسلط الله عليه ولده فمزق بطنه.
فقد نقل علماء التاريخ: أن كسرى كان له ولد يقال شيرويه، أراد قتل كسرى
(1) انظر فتح الباري (1/155) .
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/259) .
لأجل الملك، فلما أيقن كسرى بالهلاك وكان مغلوباً فتح خزائنه فرأى خزانة الأدوية، فكتب على حق السم الدواء النافع للجماع، وكان ابنه مولعاً بذلك، فلما قتله فتح خزائنه فرأى خزانة الأدوية فتناول ذلك الحق منها فقرأه وفتحه وتناول منه شيئاً فأكله ومات من ذلك السم، ولم يقم لهم بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أمر نافذ، بل أدبر عنهم الأقبال، ومالت عنهم الدولة، وأقبلت عليهم النحوس، حتى انقرضوا.
وفي اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة دليل على جواز اتخاذ خاتم الفضة للرجال، وقد ذكر العلماء: أن التختم بخاتم الفضة جائز بالإجماع، بل لبسه سنة لهذا الحديث.
والأفضل عند إمامنا الشافعي وأكثر العلماء جعله في اليد اليمنى لأنها أشرف وأفضل، فهي أحق بالزينة والإكرام.
لكن نقل ابن العماد عن المتولي أنه قال: لبسه اليوم في اليسار أولى لأن لبسه في اليمين قد صار شعاراً للرافضة، قال: وهذا الذي ذكره يوافقه ما حكاه الرافعي عن أبي هريرة: أن تستطيح القبر لا يستحب في هذا الزمان، بل التسنيم أولى، لأن التسطيح صار شعاراً للرافضة، فالأولى بنا الآن مخالفتهم وصيانة للميت وأهله من الاتهام بالبدعة، قال: ومما يشهد للمتولي قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن في مواقف التهم» .
وقول علي رضي الله عنه: «إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فرب سامع نكراً لا تستطيع أن تسمعه عذراً» ، ولأنه إذا تشبه بهم خاض الناس فيه فيكون سبباً في إيقاع الناس في الإثم.
وأكثر العلماء قالوا: الأفضل لبسه في اليمنى وإن صار شعار الرافضة، قالوا: لأنا لو تركنا ما ثبت من السنة لإطباق المبتدعة عليه لجرنا ذلك إلى ترك سنن كثيرة.
وعند الإمام مالك جعله في اليسار أفضل، لأنه كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم كما قاله البغوي في شرح السنة وكرهه في اليمنى.
والسنة جعل فصه من باطن كفه لأنه أبعد من الإعجاب، وأصون للفص، ومحل التختم خنصر اليمنى واليسرى، لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد، لكونه طرفاً، ولأنه لا يشغل اليد عما يتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر.
وهل يجوز للرجل أن يلبس الخاتم في غير الخنصر من باقي أصابعه؟
قال الأذرعي: الصحيح التحريم للنهي عن التشبه بالنساء، لكن قال النووي في شرح مسلم: لا يحرم لكن يكره كراهة تنزيه.
وروي النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: «يا علي سل الله الهدى والسداد» قال علي: ونهاني عن الخاتم في هذه وهذه وأشار يعني بالسبابة والوسطي (1) .
ويجوز للرجل أن يتخذ خواتم يلبسها واحد بعد واحد.
وهل يجوز أن يلبس في وقت واحد أكثر من خاتم؟
قال المحب الطبري: لا يجوز.
قال الدرامي والخوارزمي: يجوز مع الكراهة.
واختلف العلماء في مقدار وزن الخاتم الذي يجوز لبسه للرجل من الفضة فقال ابن الرفعة والأذرعي: يجب نقصه عن المثقال لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «ولا تبلغه مثقالاً» .
وذهب الخوارزمي وغيره إلى أنه لا يتعين نقصه عن المثقال بل يجوز له أن يلبس خاتماً موافقاً لعرف الناس في لبسه، فإن جرى عرف الناس بلبس وزن دون مثقال تعين عليه ذلك، وإن جرى عرفهم بلبس خاتم فضة وزنه أكثر من مثقال جاز له أن يلبس خاتماً مقداره أكثر من مثقال، فالضابط في جوازه العرف.
بذلك أفتى كثيرين من المتأخرين من علمائنا الشافعية كالقاضي زكريا فهو المذهب.
وأما الحديث الذي قال فيه: «ولا تبلغه مثقالاً» فهو ضعيف كما قاله النووي، بل قال النسائي: منكر.
وأما المرأة فيجوز لها أن تلبس خاتم الفضة، بل ويجوز لها أن تلبس خواتم في أصابع من غير كراهة.
وفي الحديث دلالة على جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه عليه، وعلى جواز نقش اسم الله تعالى عليه من غير كراهة في ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقش على خاتمه محمد رسول الله، واتخذ كثير من السلف من العلماء والأنبياء وغيرهم خواتم نقشوا عليها.
فقد نقل عن الإمام مالك أنه اتخذ خاتماً نقش عليه: «حسبي الله ونعم الوكيل» (2) .
وعن إمامنا الشافعي أنه اتخذ خاتماً ونقش عليه: «الله ثقتي محمد بن إدريس» .
وعن موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه أنه اتخذ خاتماً ونقش عليه:
(1) أخرجه النسائي في سننه (8/177، رقم 5210) .
(2)
أورده القرطبي في تفسيره (10/88) .
وقوله في الحديث في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم نقشه: «محمد رسول الله» لم يبين في هذا الحديث كيفية كتابتها، ولا هل كانت سطراً واحداً أو أكثر، لكن بين في حديث آخر أنها كانت ثلاثة أسطر «محمد» سطر و «رسول» سطر و «الله» سطر، وقد صرح بذلك العراقي في ألفيته:
محمد سطر ورسول سطر
…
والله سطر ليس فيه كبر
«محمد» منقوش أسفل السطر، و «رسول» في الوسط، و «الله» فوق السطرين قاله الأسنوي.
قال الحافظ البرهان الحلبي: الذي يظهر أن كتابة هذه الأسطر الثلاثة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها، ختم على استواء كما في خواتم الحكام اليوم والكبار والتجار والله أعلم، ولو كانت غير مقلوبة بل مستوية لختمت مقلوباً، ويتفق أنهم أعاجم والكتابة إليهم مقلوبة في الختم فيعسر عليهم ذلك جداً والله أعلم.
وقال: ولم أر أحداً ذكر هذه.
فائدة: قال بعض العلماء: لا يجوز للإنسان أن ينقش على خاتمه «محمد رسول الله» للنهي عن ذلك لما فيه من خوف حصول المفسدة والخلل، قال: وهذا من خصائصه.
فائدة أخرى: الخاتم الذي نقش عليه النبي صلى الله عليه وسلم: «محمد رسول الله» وكان يختم به الكتب انتقل بعد وفاته إلى سيدنا أبي بكر، فكان في يده إلى أن مات، ثم انتقل إلى عمر بن الخطاب فكان في يده إلى أن مات، ثم انتقل إلى سيدنا عثمان بن عفان فكان في يده حتى وقع في بئر أريس (1) .
فائدة أخرى: قال البرهان الحلبي وغيره: كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الخواتم خمسة:
الأول: خاتم من ذهب اتخذه قبل النهي عن خاتم الذهب للرجل، فتبعه الناس في لبسه فلما رآهم اتبعوه فرماه وحرمه على الذكور، لما فيه من الفتنة وزيادة المؤنة.
الثاني: خاتم من فضة فصه منه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2202، رقم 5528) ، ومسلم في صحيحه (3/1656، رقم 2091) ، وأبو داود في سننه (4/88، رقم 4218) عن ابن عمر.
وأخرجه أبو داود في سننه (4/88، رقم 4215) عن أنس.
الثالث: خاتم من فضة فصه من جزع.
الرابع: خاتم من فضة فصه من عقيق، فإنه ورد في صحيح مسلم (1) أنه كان بفص حبشي، واختلف في المراد بالحبشي في الحديث فقيل: كان من جذع، وقيل: كان من عقيق.
الخامس: من حديد ملوي عليه فضة.
قال العلماء: خاتم الذهب حرام على الرجال حلال على النساء، وكما يحرم خاتم الذهب على الرجال يحرم اتخاذ سنه من ذهب، وهو الشعب الذي يستمسك بها الفص، دون النساء.
وأما خاتم الحديد والنحاس والرصاص فالأصح كما قاله النووي أنه لا يكره لبسها، وأما لبس خاتم العقيق فإنه جائز، وكذا الياقوت للرجال والنساء، بل قيل: إن العقيق يذهب الغم، والياقوت ينفي الفقر.
قال ابن العماد في شرح سيرته: وقد روي ابن غانم في كتابه الفائق في اللفظ الرائق: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «تختموا بالعقيق فإنه مبارك، تختموا بخواتم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام ذلك عليه، تختموا بالياقوت فإنه ينفي الفقر» (2) .
قال الدميري: روى ابن عدي في ترجمة أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفرياناني المروزي (3) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اتخذ خاتماً فصه من ياقوت نفي عنه الفقر» (4) .
وقال ابن الأثير: يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غنى، قال: والأشبه إن صح الحديث أن يكون لخاصية فيه، كما أن النار لا تؤثر فيه ولا تغيره، وأن من تختم به أمن من الطاعون، وتيسرت له أمور المعاش، ويقوي قلبه، وتهابه الناس، ويسهل عليه
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (3/1658، رقم 2094) . وأخرجه أيضا: ابن ماجه في سننه (2/1202، رقم 3646) عن أنس.
(2)
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/448، ترجمة 2076 يعقوب بن الوليد المديني) ، والخطيب (11/251) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/318) عن عائشة.
(3)
وقع في الأصل: روى ابن عدي في ترجمة أحمد بن حنبل عن أنس ثم ذكر الحديث، ولعل الصواب ما أثبتناه من الكامل لابن عدي.
(4)
أخرجه ابن عدي في الكامل (1/172، ترجمة 9 أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفرياناني المروزي) وقال ابن عدي: هذا الحديث باطل بهذا الإسناد.
قضاء الحوائج.
قيل: إن الحجر الأسود أصله من ياقوت الجنة، ففي الكامل لابن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحجر الأسود من ياقوت الجنة، فمسحه المشركون فأسود من مسحهم» (1) .
وفي كتاب الخصائص لأبي الربيع سليمان بن سبع السبتي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى علياً فصاً من ياقوت، وأمره أن ينقش عليه لا إله إلا الله ففعل، وأتى به للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ألم آمرك أن تنقش عليه لا إله إلا الله فلم زدت محمد رسول الله؟» فقال: والذي بعثك بالحق ما فعلت إلا ما أمرتني به، فهبط جبريل عليه السلام وقال:«إن الله يقول لك: أنت أحببتنا فكتبت، ونحن أحببناك فكتبنا اسمك» .
وإنما نقش صلى الله عليه وسلم على خاتمه اسم «محمد» دون «أحمد» وغيره من باقي أسمائه لأنه أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم.
فائدة: للنبي صلى الله عليه وسلم أسامي كثيرة نقل ابن العربي في شرح الترمذي عن بعض الصوفية أنه قال: إن لله تعالى ألف اسم ولرسوله ألف اسم، ولكن أشهرها «محمد» فلهذا نقشه على خاتمه دون باقي أسمائه لأنه أشهر.
وقد تكرر هذا الاسم في القرآن في مواضع قال تعالى: ?مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ? [الأحزاب: 40] .
وقال: ?مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ? [الفتح: 29] .
وقال: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ? [آل عمران: 144] .
وكان عمه أبو طالب يقول:
أغر عليه للنبوة خاتم
…
من الله من نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
…
إذا قال المؤذن في الخمس أشهد
وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمود وهذا محمد
قال البخاري في تاريخه الصغير: و «محمد» علم منقول من صفة الحمد، وهو بمعنى محمود، وفيه معنى المبالغة، سمي صلى الله عليه وسلم «محمداً» لأنه محمود عند الله وعند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلهم وإن كفر به بعضهم،
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/387 ترجمة 814 سعيد بن ميسرة البكري) عن أنس.
فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وكان كفار قريش يقلبون اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعلون مكان محمداً مذمماً.
فقد جاء في هذا الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً، وأنا محمد» (1) .
وكانت العوراء زوجة أبي لهب تقول: مذمماً قلينا، ودينه أبينا، وأمره عصينا.
وسماه «محمداً» جده عبد المطلب فقد نقل بعض العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ولدته أمه قيل لجده عبد المطلب: ما سميت ولدك؟ قال: محمد. فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من أبائك وقومك؟ قال: لأني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم (2) .
وسبب تسميته بمحمد أنه رأي في المنام كان سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون، فقصها عبد المطلب على المعبرين فعبروها له بمولود يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماوات والأرض فلذلك سماه محمداً (3) .
وقالت أمة لجده عبد المطلب لما حملت به صلى الله عليه وسلم: سمعت قائلاً يقول: «إنك قد حملت سيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمداً، فسماه محمداً (4) .
فائدة أخرى: قال القاضي عياض حمى الله هذين الإسمين يعني «محمد وأحمد» من أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه.
أما اسمه «أحمد» الذي ذكره الله في كتابه، وبشر به عيسى بن مريم، فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعواً قبله، حتى لا يدخل اللبس ولا الشك فيه على ضعيف القلب.
وأما اسمه «محمد» فلم يتسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلا حين شاع قبيل
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/1299، رقم 3340) ، والنسائي في سننه (6/159، رقم 3438) ، والحميدي في مسنده (2/481 رقم 1136) ، وأحمد في مسنده (2/369، رقم 8811) ، والبيهقي في السنن الكبرى (8/252، رقم 16920) .
(2)
انظر: الروض الأنف (1/280) .
(3)
انظر: الروض الأنف (1/280) .
(4)
انظر: الروض الأنف (1/280) .
مولده أن نبيناً يبعث اسمه محمد، فسمى قوم قليل من العرب أسماء أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يضع رسالته.
وعدد من سمي من العرب محمداً قرب ولادته صلى الله عليه وسلم قال السهيلي: ثلاثة، وقال القاضي عياض: ستة، وأوصلهم شيخ الإسلام ابن حجر إلى خمسة عشر.
فائدة أخرى: ذكر حسين بن محمد الدمغاني في كتاب «سوق العروس وأنس النفوس» نقلاً عن كعب الأحبار أنه قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم، وعند أهل النار عبد الحميد، وعند سائر الملائكة عبد المجيد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القهار، وعند الجن عبد الرحيم، وفي الجبال عبد الخالق، وفي البحر عبد المهيمن، وعند الحيتان عبد القدوس، وعند الهوام عبد الغياث، وعند الوحوش عبد الرزاق، وعند السباع عبد السلام، وعند البهائم عبد المؤمن، وعند الطيور عبد الغفار، وفي التوراة مؤذ مؤذ، وفي الإنجيل طاب طاب، وفي الصحف عاقب، وفي الزبور فاروق، وعند الله طه وياسين، وعند المؤمنين محمد.
وقد رتب بعض العلماء أسماؤه الشريفة على حروف المعجم فذكر مما جاء أوله الهمزة: «أحمد، الأبضحي، أتقى الناس، أجود الناس، أحسن الناس، الأزهر النير المشرق الوجه، الأخشى، أرجح الناس عقلاً، أرحم الناس بالعيال، أشجع الناس، أطيب الناس ريحاً، الأعلم بالله، أكثر الناس تبعاً، أكرم الناس، أكرم ولد آدم، إمام الخير، إمام الرسل، إمام المتقين، إمام النبيين، الأمي، الأمين، أول شافع، أول المسلمين، أول مشفع، الأول، الآخر» .
ومما جاء في أوله الباء: «البر، البشير، البصير، البليغ، البرهان، بشرى عيسى» .
ومما جاء في أوله التاء: «التقي، التالي، التهامي، التذكرة» .
ومما جاء في أوله الثاء: «ثاني اثنين» .
ومما جاء في أوله الجيم: «الجواد، الجامع» .
ومما جاء في أوله الحاء: «الحافظ، الحاشر، الحاكم بما أمر الله به، الحامد، حامل لواء الحمد، الحبيب، حبيب الرحمن، حبيب الله، الحجازي، الحجة البالغة، حجة الله على الخلائق، الحرمي، الحريص على الإيمان، الحفيظ، الحق، الحكيم، الحليم، الحمد» .
ومما أوله الدال: «الداعي إلى الله، دعوة إبراهيم، دعوة النبيين، دليل الخيرات، دار الحكمة» .
ومما أوله الذال: «الذاكر، ذكر الله، ذو الحوض المورود، ذو الخلق العظيم، ذو القوة، ذو المعجزات، ذو المقام المحمود، ذو الوسيلة» .
ومما أوله الراء: «الراضي، الراغب، راكب البراق، راكب البعير، الرحمة، رحمة الأمة، رحمة العالمين، الرحيم، الرسول، رسول الرحمة، رسول الله، رفيع الدرجات، روح القدس، ركن المتواضعين» .
ومما أوله الزاي: «الزاهد، الزكي، زين من وافي القيمة» .
ومما في أوله السين: «السابق بالخيرات، الساجد، السراج المنير، السعيد، سعد الخلائق، السلام، السيد، سيد ولد آدم، سيد المرسلين، سيد الناس، سيد الكونين، سيد الثقلين، سيف الله المسلول» .
ومما أوله الشين: «الشارع، الشافع، الشاكر، الشاهد، الشكور، الشمس، الشهيد» .
ومما أوله الضاد: «الضارب بالحسام المثلوم، الضاحك، الضحوك» .
ومما أوله الطاء: «الطاهر، الطيب، طه، الطبيب» .
ومما أوله الظاء: «الظاهر، الظفور، الظافر» .
ومما أوله الغين: «الغالب، الغني، الغفور، الغوث، الغياث» .
ومما أوله الفاء: «الفاتح، الفاروق، الفرط، الفصيح، فضل الله» .
ومما أوله القاف: «قائد الخير، قائد الغر المحجلين، قدم صدق، القرشي، القربي،
القمر، القثم ومعناه: الجامع الكامل وهو بالثاء المثلثة» .
ومما أوله الكاف: «الكامل في جميع أموره، الكريم» .
ومما أوله اللام: «اللسان» .
ومما أوله الهاء: «الهادي، هداية الله، الهاشمي» .
ومما أوله الواو: «الواصل، الواعد، الواعظ، الورع، الوسيلة، الوفي، الوافي، المولي، ولي الفضل» .
ومما أوله الياء: «اليثربي، ياسين» .
هذه بعض أسمائه المرتبة، وكنيته المشهورة: أبو القاسم، كنى بذلك لأنه يقسم الجنة بين أهلها ويكني أيضاً بأبي إبراهيم وبأبي الأرامل، وبأبي المؤمنين.
ولاسمه محمد صلى الله عليه وسلم خصائص منها: كونه على أربعة أحرف، والحكمة في جعله كذلك ليوافق اسم الله تعالى فإن عدد لفظ الجلالة أربعة أحرف كمحمد.
ومنها: أنه تعالى اشتقه من اسمه المحمود كما قال حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم
…
من الله محمود وهذا محمد
ومنها: أن صورة الآدمي تشبه هذا الاسم إذا كتب، فالميم الأولى رأسه، والحاء جناحاه أي: يداه، والميم الثانية سرته، والدال رجلاه، وهذا مما أكرم به الآدمي، قيل: وإذا استحق العذاب ودخول النار أعاذنا الله منها فلا يدخلها إلا ممسوح الصورة إكراما لصورة اللفظ، قال ذلك بعض العلماء.
وقد سماه الله بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام كما ورد من حديث أنس بن مالك من طريق أبي نعيم في مناجاة موسى.
وإلى ذلك اشار من قال:
بدا مجده من قبل نشأة آدم
…
فاسماؤه في العرش من قبل تكتب
ووجد على حجر بالخط العبراني: «باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله (كتبه موسي بن عمران) » .
وذكر في الشفا: أنه شوهد في بعض بلاد خراسان مولود وعلى أحد جنبيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وببلاد الهند ورد أحمر مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وذكر في تاريخ ابن النديم عن علي بن عبد الله الهاشمي الرقي: أنه وجد ببعض قرى الهند وردة كبيرة طيبة الرائحة، سوداء مكتوب عليها بخط أبيض:«لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق» قال: فشككت في ذلك وقلت: إنه معمول، فعمدت إلى وردة لم تفتح فكان فيها مثل ذلك، وأهل تلك القرية يعبدون الأحجار لا يعرفون الله تعالى.
ونقل اليافعي عن بعضهم أنه وجد ببعض بلاد الهند شجرة تحمل ثمراً كاللوز له قشرات، إذا كسر خرج منه ورقة خضراء مكتوب فيها بالحمرة لا إله إلا الله محمد رسول الله، كتابة جلية وهم يتكبرون بها.
واصطاد بعضهم سمكة فوجد على جنبها الأيمن مكتوب لا إله إلا الله، وعلى جنبها الأيسر محمد رسول الله، فقذفها في الماء احتراماً لها.
(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (23/281) .
ونقل في كتاب النطق المفهوم عن بعضهم: أنه رأى في جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة، مكتوب فيه بالحمرة والبياض في الخضرة كتابة بينة واضحة خلقة ابتدعتها الله بقدرته، في الورقة ثلاثة أسطر الأول: لا إله إلا الله، والثاني: محمد رسول الله، والثالث: إن الدين عند الله الإسلام.
وقد خصه الله تعالى بأن سماه من أسمائه الحسني بنحو من ثلاثين اسماً.
لطيفة: نقل الإخباريون عن وهب بن منبه أن رجلاً عصى الله مائتي سنة، يتمرد ويجترئ عليه فيها كلها، فلما مات أخذ بنو إسرائيل برجله وألقوة على مزبله، فأوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن غسله وكفنه وصلي عليه في جمع بني إسرائيل، ففعل ما أمره الله تعالى به، فتعجب بنو إسرائيل من ذلك، فأخبروه أنه لم يكن في بني إسرائيل أعتى منه، ولا أكثر معاصي منه، فقال: قد علمت ولكن الله أمرنى بذلك، فقالوا: سل ربك فسأل موسى ربه عز وجل فقال: يارب قد علمت ما قالوا فأوحى الله إليه أن صدقوا ما قالوا، إنه عصاني مائتي سنه، إلا أن يوماً من الأيام فتح التوراة فنظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوباً فقبله ووضعه بين عينيه، فشكرت له ذلك فغفرت له ذنوب مائتي سنة، وزوجته سبعين حوراء.
لطيفة أخرى: نقل بعض العلماء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نظر يهودي بالشام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة فوجد اسم محمد صلى الله عليه وسلم في أربعة مواضع فكشطه، ثم نظر في اليوم الثاني فوجده في ثمانية مواضع فكشطها، ثم نظر في اليوم الثالث فوجده في اثنى عشر موضعاً، فسار إلى المدينة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فقال لعلي رضي الله عنه: أرني ثوب محمد، فأخرجه له فشمه وقام عند القبر الشريف وأسلم، وقال: اللهم أن كنت قبلت إسلامي فاقبض روحي سريعاً فوقع ميتاً فغسله علي رضي الله عنه ودفنه في البقيع رحمه الله.
وقوله في الحديث: «فاتخذ خاتماً» يجوز في خاتم فتح التاء وكسرها، وقد ذكر العلماء في الخاتم ست لغات الأولى: خاتم بفتح التاء، الثانية: خاتم بكسرها، الثالثة: خاتام، الرابعة: خيتام، الخامسة: ختام، السادسة: ختم.
فائدة: لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم ختم بخاتم النبوة، واختلفت الروايات في صفته ومحله.
ففي صحيح البخاري: «أنه ختم النبوة بين كتفيه فكان ينم مسكاً مثل زر
الحجلة» (1) .
وفي الحلية لأبي نعيم: «كان عند كتفيه» (2) .
وفي صحيح مسلم: «أن الخاتم كان كبيضة الحمامة» (3) .
وفي مستدرك الحاكم: «شعر مجتمع» (4) .
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة: «شامة خضراء مختمرة في اللحم» .
وفي كتاب الترمذي الحكيم: «كبيضة حمامة مكتوب في باطنها: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهرها توجه حيث شئت فإنك منصور» .
وفي تاريخ نيسابور: «مثل البندقة من لحم مكتوب فيه باللحم محمد رسول الله» (5) .
قال السهيلي: والحكمة في ختمه بخاتم النبوة أنه لما ملئ قلبه حكمة ويقيناً، ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكاً أو زراً.
قال: وأما حكمة وضعه بين كتفيه فلأنه صلى الله عليه وسلم معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم.
سئل الحافظ برهان الدين الحلبي عن خاتم النبوة هل هو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أو أن كل نبي مختوم بخاتم النبوة؟ فأجاب بما نصه: لا أستحضر في ذلك شيئاً، لكن الذي يظهر لي أنه من خواصه، لأنه ختم به لمعان:
أحدها: لأنه إشارة إلى أنه خاتم النبيين، وليس في ذلك لغيره.
والثاني: لأن باب النبوة قد ختم به فلا يفتح بعده، وقد رفع هذا الخاتم من بين كتفيه عند موته، فإن عائشه وقيل: أسماء بنت عميس وضعت يدها على خاتم النبوة في
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/1301، رقم 3348) ، ومسلم في صحيحه (4/1823، رقم 2345) والترمذي في سننه (5/602، رقم 3643) ، والنسائي في السنن الكبرى (4/361، رقم 7518) .
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/191) .
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (4/1823، رقم 2344) عن جابر بن سمرة.
(4)
أخرجه الحاكم في المستدرك (2/663، رقم 4198) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه (14/209، رقم 6300) عن أبي زيد.
(5)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (14/210، رقم 6302) عن ابن عمر.
مرضه الذي مات فيه فلمسته فرأته قد رفع، فعرفت بذلك موته صلى الله عليه وسلم (1) .
ومن أسمائه «الفاتح الخاتم» فقد ورد في حديث الإسراء عن أبي هريرة من طريق الربيع بن أنس: «أن الله تعالى قال: وجعلتك فاتحاً وخاتماً» (2) .
سمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم فتح الله به باب الهدي بعد أن كان مرتجاً، وفتح به أعيناًٍ عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وفتح به أمصار الكفر، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع، والعمل الصالح، والدنيا والآخرة، والقلوب، والأسماع، والأبصار، والأمصار.
وقيل: سمي بذلك لأنه المبدأ المقدم في الدنيا والآخرة والخاتم له كما قال عليه الصلاة والسلام: «كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث» (3) .
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، وزاده في الدارين تشريفاً وتعظيماً.
لطيفة أخرى: قال بعض المفسرين: كان ملك سليمان صلوات الله وسلامه عليه وعزه في خاتمه، ولهذا لما ابتلاه الله بسبب الملك سلب خاتمة فسلب ملكه، قال: فقد ذكر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ?وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداًّ ثُمَّ أَنَابَ? [ص: 34] أن سليمان عليه السلام كان رجلاً غزاء يغزو في البحر والبر، فسمع بملك في جزيرة من جزائر البحر، فركب سليمان الريح هو وجنود من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة، فقتل ملكها وسبى من فيها، فوجد فيها جارية لم ير مثلها حسناً وجمالاً، وكانت ابنه الملك، فاصطفاها لنفسه، وكان يحبها أكثر من نسائه، وكان يؤثرها عليهم، فدخل عليها يوماً فقالت: إني أذكر أبي وملكه وما أصابه فيحزنني ذلك، فإني رأيت أن تأمر بعض الشياطين أن يصور لي صورة أبي في داري فأراه بكرة وعشياً، فيزول عني ما أجده، ويذهب عني حزني، فأمر سليمان «صخر» المارد فمثل لها أباها في هيئته من ناحية دارها لا ينكر منه شيء إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه فزينته وألبسته حتى تركته في هيئة أبيها ولباسه، وكانت إذا خرج سليمان من عندها تدخل عليه هي وجوارهَا وتطيبه وتسجد له، وتأمر الجوار بالسجود له ثم
(1) أورده ابن كثير في البداية والنهاية (5/244) ، والسيوطي في الخصائص الكبرى (2/480) عن أسماء بنت عميس.
(2)
أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (1/72) : رجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبي العالية أو غيره فتابعيه مجهول.
(3)
أخرجه الديلمي في الفردوس (3/282، رقم 4850) عن أبي هريرة.
تلثمه وترجع، وسليمان لا علم له بذلك، فاستمرت على هذا أربعين يوماً، حتى سمع الناس، فبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان من المقربين عند سليمان والعلماء العارفين، فدخل عليه وقال: يا نبي الله قد أحببت أن تجمع الناس حتى أذكرهم بمن مضى من الأنبياء، وأثني عليهم بعلمي فيهم، فجمع سليمان الناس فقام آصف وذكر من مضى من الأنبياء وأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر بما فضلهم الله به حتى وصل إلى سليمان، فذكر فضله وما أعطاه الله تعالى على صغر سنه، وسكت ولم يذكر باقى فضائله التي أعطيها في حال الكبر، فامتلأ سليمان غيظاً، فقام ودخل إلى منزله وأرسل خلف آصف بن برخيا فجاءه فقال: يا آصف ذكرت أنبياء الله فأثنت عليهم
بما كانوا في زمانهم كله، ولما ذكرتني ذكرت خبري في حال الصغر وسكت عن حال الكبر، فما الذي أحدثت في كبري؟ فقال له آصف: أحدثت أن غير الله يعبد في دارك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فتذكر سليمان تلك الصورة التي صورها صخراً لزوجته، فقام ودخل داره وكسر تلك الصورة التي هي على هيئة الصنم، وعاقب تلك المرأة ثم دعا بثياب الطهر فلبسها، وخرج إلى فلاة من الأرض ففرش له الرماد وجلس عليه، وجعل يتململ عليه متذللاً متضرعا يبكي، ويستغفر الله تعالى ويقول: يارب هذا جزاؤك من آل داود، أن يعبدوا غيرك وأن يقروا في دارهم عبادة غيرك، فلم يزل كذلك حتى أمسى ثم رجع، وكانت له جارية اسمها الأمينة، وكان إذا دخل الخلاء أو أراد جماع امرأة من نسائه وضع خاتمة عندها، وكان لا يلبسه إلا وهو طاهر، وكان الله جعل ملكه في ذلك الخاتم، فأراد يوماً أن يتوضأ فدفع الخاتم إلى الجارية، فجاء «صخر» المارد وسبق سليمان ودخل المكان الذي يتوضأ فيه سليمان، ولم يعلم به سليمان، فدخل سليمان ذلك المكان ليتوضأ فخرج الشيطان من ذلك المكان بصورة سليمان، ينفض لحيته من الوضوء كأنه سليمان لا ينكر منه شيء، فقال للجارية: هاتي خاتمي يا أمينة فناولته إياه، لا تحسب إلا أنه سليمان، فجعله في يده وجلس على سرير سليمان، فعكفت الطير عليه والجن والإنس، وخرج سليمان في غير هيئته وجاء إلى أمينة فطلب منها الخاتم فقالت: من أنت؟ قال: أنا سليمان وقد تغير حاله وذهب بهاؤه، قالت: كذبت إن سليمان قد أخذ الخاتم وهو جالس على سريره في ملكه، فذهب فرآه جالساً على كرسيه فقال للناس: أنا سليمان فأنكروه، فعلم أن ما حصل له بسبب تلك الصورة التي عبدت في بيته من دون الله، وأن الله عاقبه وامتحنه بسببها، فخرج هارباً خائفاً على نفسه، هائماً على وجهه، حافياً مكشوف الرأس في قميص وإزار، وكان صلوات الله عليه وسلامه يقوم على باب الرجل والمرأة ويقول: أطعموني فإني
سليمان فيطردونه
ويقولون: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان، وسليمان جالس على كرسيه، فمر في طريقه بباب في شارع وقد أجهده الجوع والعطش والحر، فطرق ذلك الباب فخرجت له امرأة فقالت: ما حاجتك؟ فقال قد أحترقت رجلاي من شدة الحر، وأجهدني الجوع والعطش، وأريد ضيافة ساعة لأستريح، فقالت: زوجي غائب ولا يسعني أن أدخل رجلاً غريباً علي، ولكن هذا البستان لنا فادخل إليه فإن فيه ثماراً وماء فكل من ثماره وتبرد من مائه، فإذا جاء زوجي أضفناك فدخل البستان فاغتسل ووضع رأسه ونام، فآذاه الذباب، فجاءت حية سوداء فأخذت ريحانه من البستان بفيها، ثم جاءت إلى سليمان فجعلت تذب عنه الذباب، حتى جاء زوج المرأة فقصت عليه القصة، فدخل على سليمان وهو نائم، فرأى الحية تنش عنه، فدعا امرأته وقال لها: انظري إلى العجب، ثم مشيا إليه فأيقظاه وكان لهما بنت من أجمل نساء زمانهما فقال له الرجل: هذه ابنتي قد زوجتكها، فتزوجها وأقام عندهم ثلاثاً، ثم قال: لابد لي من طلب المعيشة والكسب والحرفة، لأنفق علي وعلى أهلي، فخرج من عندهم حتى وصل إلى جماعة صيادين فقال لهم: أنا أعينكم فيما أنتم فيه، واجعلوا إلى سهماً من صيدكم، وكل أحد يرزقه الله فقالوا: لا حاجة لنا فيك، فمضى إلى جماعة آخرين صيادين وعرض نفسه عليهم فقبلوه وقالوا: لك العز والكرامة فأقام معهم، وفي آخر النهار يأخذ ما حصل له من الصيد وينصرف إلى أهله، واستمر سليمان مفارقاً لملكه أربعين يوماً، فلما فرغت الأربعون وتسلط ذلك الشيطان على جميع ما يملكه سليمان إلا على نسائه حفظهم الله لسليمان، وصار يقع من ذلك الشيطان أفعال تخالف أفعال سليمان وحكمه، فأنكرت الناس عليه هذه الأفعال، وقال آصف: يا معشر بني إسرائيل هذه الأفعال هي أفعال سليمان وأحكامه؟ فقالوا: لا، فلما رأي الخبيث أن الناس قد علموا بأحواله انطلق بالخاتم فألقاه في البحر، فاستقبله حوت فابتلعه فأضاء جوف ذلك الحوت من نور الخاتم، ثم ساقه الله
تعالى إلى أن وقع في شباك الصيادين الذين كان سليمان معهم، فلما أمسوا قسموا السمك فطلع ذلك الحوت من قسم سليمان، فذهب به إلى أهله، فأمرهم أن يصنعوه فلما شقوا بطنه أضاء البيت نوراً من خاتمه، فدعت المرأة سليمان فأرته الخاتم، فتختم به وخر ساجداً لله وقال: إلهي لك الحمد على قديم بلائك، وحسن صنيعك إلى آل داود، إلهي أنت ابتداتهم بالنعم وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة فلك الحمد، إلهي تجود بالكثير وتلطف بالصغير، فلك الحمد على نعمائك، إذا ظهرت فلا تخفى، وإذا بطنت فلا تحصى فلك الحمد، إلهي فأتم نعمتك علي، واغفر لي ما سلف، وهب لي ملكاً لا ينبغي
لأحد من بعدي أي: لا ينبغي لأحد سواي، «فمن بعدي» هنا بمعنى سواي كقوله تعالى في الآية ?فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ? [الجاثية: 23] أي: سوى الله.
وهذا الذي ذكرناه هو معنى قوله تعالى ?وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ? أي: ابتليناه بسلب ملكه أربعين يوماً ?وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداًّ? الجسد هو ذلك الجني المسمي بصخر المارد أو غيره ?ثُمَّ أَنَابَ? [ص: 34] ثم رجع إلى ملكه بعد فراغ تلك المدة، ووصل إلى الخاتم فلبسه، ولما وصل إلى الملك أمر بحمل أهل ذلك البيت الذي تزوج منهم، فوضعهم في وسط بيته، قيل: ولم يكن قارب تلك المرأة حتى رد الله تعالى عليه ملكه (1) .
(1) هذا الخبر ذكره الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء المسمى بالعرائس (ص 179) من قول محمد بن إسحاق، والنكارة لائحة عليه، ولم يذكره من المفسرين سوى الثعلبي، فقد ذكر المفسرون أسباباً أخرى لفقد الخاتم غير هذا السبب الوارد هاهنا.
قال السيوطي في الدر المنثور (7/181) : أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ?وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداًّ? قال: شيطاناً يقال له: آصف فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان عليه السلام وذهب ملكه، وقعد آصف على كرسيه، ومنعه الله تعالى نساء سليمان عليه السلام فلم يقربهن ولا يقربنه وأنكرنه، وأنكر الناس أمر سليمان عليه السلام، وكان سليمان عليه السلام يستطعم فيقول: أتعرفوني أنا سليمان فيكذبوه، حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً ينظف لها بطنه فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه، وفر الشيطان فدخل البحر فاراً.
رواه مجاهد في التفسير (2/550) ، وكذا الطبري في التفسير (23/157) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
…
به.
وقد أجمل ابن الجوزي في زاد المسير القول في هذه القصة وليس في كلامه ما في هذا الخبر لا من قريب ولا بعيد.
فقد قال ابن الجوزي (7/135) : اختلف العلماء في كيفية ذهاب خاتم سليمان على قولين:
أحدهما: أنه كان جالساً على شاطئ البحر فوقع منه في البحر قاله علي رضي الله عنه.
والثاني: أن شيطاناً أخذه.
وفي كيفية ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أنه دخل ذات يوم الحمام ووضع الخاتم تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، وجعل الشيطان يقول: أنا نبي الله قاله سعيد ابن المسيب.
والثاني: أن سليمان قال للشيطان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فأعطاه إياه فنبذه في البحر فذهب ملك سليمان، وقعد الشيطان على كرسيه قاله مجاهد.
والثالث: أنه دخل الحمام ووضع خاتمه عند أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان فتمثل لها في صورة سليمان، وأخذ الخاتم منها، فلما خرج سليمان طلبه منها فقالت: قد دفعته إليك فهرب سليمان، وجاء الشيطان فجلس على ملكه قاله سعيد بن جبير.
والرابع: أنه دخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه الشيطان في البحر، فذهب ملك سليمان، وألقي على الشيطان شبهه قاله قتادة.
وأما قصة الشيطان فذكر أكثر المفسرين: أنه لما أخذ الخاتم رمى به في البحر وألقي عليه شبه سليمان فجلس على كرسيه وتحكم في سلطانه.
وقال السدي: لم يلقه في البحر حتى فر من مكان سليمان.
وهل كان يأتي نساء سليمان فيه قولان:
أحدهما: أنه لم يقدر عليهن قاله الحسن وقتادة.
والثاني: أنه كان يأتيهن في زمن الحيض فأنكرنه قاله سعيد ابن المسيب، والأول أصح.
قالوا: وكان يقضي بقضايا فاسدة ويحكم بما لا يجوز، فأنكره بنو إسرائيل فقال بعضهم لبعض: إما أن تكونوا قد هلكتم أنتم، وإما أن يكون ملككم قد هلك، فاذهبوا إلى نسائه فاسألوهن، فذهبوا فقلن: إنا والله قد أنكرنا ذلك، فلم يزل على حاله إلى أن انقضى زمن البلاء.
وفي كيفية بعد الشيطان عن مكان سليمان أربعة أقوال:
أحدها: أن سليمان وجد خاتمه فتختم به، ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان قاله سعيد بن المسيب.
والثاني: أن سليمان لما رجع إلى ملكه وجاءته الريح والطير والشياطين فر الشيطان حتى دخل البحر قاله مجاهد.
والثالث: أنه لما مضى أربعون يوماً طار الشيطان من مجلسه قاله وهب.
والرابع: أن بني إسرائيل لما أنكروه أتوه فأحدقوا به، ثم نشروا التوراة فقرؤوا فطار بين أيديهم، حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت قاله السدي.
وفي قدر مكث الشيطان قولان:
أحدهما: أربعون يوماً قاله الأكثرون.
والثاني: أربعة عشر يوما حكاه الثعلبي.
وأما قصة سليمان عليه السلام فإنه لما سلب خاتمه ذهب ملكه فانطلق هارباً في الأرض.
قال مجاهد: كان يستطعم فلا يطعم، فيقول: لو عرفتموني أعطيتموني أنا سليمان، فيطردونه حتى أعطته امرأة حوتا فوجد خاتمه في بطن الحوت.
وقال سعيد بن جبير: انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر فوجد صيادين قد صادوا سمكاً كثيراً، وقد أنتن عليهم بعضه فأتاهم يستطعم فقالوا: اذهب إلى تلك الحيتان فخذ منها فقال: لا أطعموني من هذا فأبوا عليه، فقال: أطعموني فإني سليمان، فوثب إليه رجل منهم فضربه بالعصا غضباً لسليمان، فأتى تلك الحيتان فأخذ منها شيئاً فشق بطن حوت فإذا هو بالخاتم.
وقال الحسن: ذكر لي: أنه لم يؤوه أحد من الناس، ولم يعرف أربعين ليلة، وكان يأوي إلى امرأة مسكينة، فبينا هو يوماً على شط نهر وجد سمكة فأتى بها المراة فشقتها فإذا بالخاتم.
وقال الضحاك: اشترى سمكة من امرأة فشق بطنها فوجد خاتمه.
ومن هذا الإجمال من ابن الجوزي رأينا أنه لم يذكر أن سبب فقد الخاتم ما أورده المصنف هاهنا، وبان لك أن ذلك بلاء من الله عز وجل لتأهيل سليمان صلى الله عليه وسلم لقيادة قومه، والله عز وجل يصطفي من عباده الأنبياء، ويضع فيهم أسباب تأهيلهم وتربيتهم على ما سيسسون به الأمم بعد ذلك. والله أعلم وهو أجل وأحكم.