الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقِرَانِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [الْبَقَرَة: 196].
1879 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ، فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَنَحَرَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
1880 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:«كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
1881 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْدَاءِ وَإِنَّهُ رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ يُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا جَمِيعًا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ حُمَيْدٍ
1882 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ
1883 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ، قَالا: نَا الأَوْزَاعِيُّ، نَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، بِوَادِي الْعَقِيقِ، يَقُولُ:" أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعَ حَجَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَيْ عُمْرَةٌ يُدْرِجُهَا فِي حَجَّةٍ، لأَنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ إِذَا قُرِنَ.
قَالَ رحمه الله: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى جَوَازِ الإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، فَصُورَةُ الإِفْرَادِ: أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ، وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، فَيَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَصُورَةُ الْقِرَانِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ، فَيَصِيرُ قَارِنًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ إِلا أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهَا بَعْدَ إِتْمَامِ أَعْمَالِهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ، وَيَصِيرُ قَارِنًا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الإِفْرَادَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْقِرَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، تَقْدِيمًا لِرِوَايَةِ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَحُسْنِ سِيَاقِهِ، لابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ، وَآخِرِهِ، وَفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ، وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِحْرَامًا مَوْقُوفًا، وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا، فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَضَاءَ، طَلَبَ الاخْتِيَارَ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَفْرَدَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ.
قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُمْ:«أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكِمْ، وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةٌ، فَلَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ» ، فَلَوْلا أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ الْوُجُوهِ، لَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَلَمَا تَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ:«لَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ» ، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اسْتِطَابَةَ نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يُعْجِبْهُمْ تَرْكُ الائْتِسَاءِ بِهِ، وَالْكَوْنُ مَعَهُ فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ، لِئَلا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يأْمُرُهُمْ بِخِلافِ مَا يَفْعَلُ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ لَهُمْ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلا أَنَّ سُنَّةَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، لَكَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الإِحْلالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهِ لَهُمْ بِالإِحْلالِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ إِحْرَامُهُمْ مُبْهَمًا مَوْقُوفًا عَلَى انْتِظَارِ الْقَضَاءِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ عُمْرَةً، وَيُحْرِمُوا بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ إِحْرَامُهُمْ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ خَاصًّا لَهُمْ، رُوِيَ عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً، أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ:«لَكُمْ خَاصَّةً» .
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ فَسْخُ الْحَجِّ لِغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، وَضَعَّفَ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلالٍ، وَقَالَ: لَيْسَ الْحَارِثُ بْنُ بِلالٍ بِمَعْرُوفٍ.
وَقَدْ رَوَى فَسْخُ الْحَجِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا وَقَعَ إِلَى الْعُمْرَةِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلا يَسْتَبِيحُونَهَا، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ، وَفَسْخِ الْحَجِّ صَرْفًا لَهُمْ عَنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ.
1884 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرٌ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ.
قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمَرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ:«حِلٌّ كُلُّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ
قَوْلُهُ: «بَرَأَ الدَّبَرُ» ، أَرَادَ: بَرَأَ الدَّبَرُ مِنْ ظُهُورِ الإِبِلِ إِذَا انْصَرَفَتْ عَنِ الْحَجِّ دَبِرَةً ظُهُورُهَا.
«وَعَفَا الْأَثَرُ» ، أَيْ: ذَهَبَ أَثَرُ الدَّبَرِ، يُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ: إِذَا دَرَسَ وَامَّحَى، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ فَسْخُ الْحَجِّ.
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ الْفَسَادِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَهَلَّ بِحجتين، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ إِلا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ وَلا قَضَاءَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِهِمَا فَيَرْفُضُ إِحْدَاهُمَا إِلَى قَابِلٍ، وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى، وَعَلَيْهِ دَمٍ.
قُلْنَا: لَوْ لَزِمْتَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَفْضُ إِحْدَاهُمَا، لأَنَّ فَسْخَ الإِحْرَامِ كَانَ خَاصًّا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُلْزِمُهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً مِنْ عَامِهِ، وَيُهْرِيقُ دَمًا، وَيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَصِيرُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
1885 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ:«إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُعْتَمِرًا، فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَصَارَ قَارِنًا.
قَوْلُهُ: «لَبَّدْتُ رَأْسِي» ، قِيلَ: التَّلْبِيدُ: أَنْ يَجْعَلَ فِي رَأْسِهِ شَيْئًا مِنَ الصَّمْغِ، أَوْ نَحْوَهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ شَعْرُهُ وَيَتَلَبَّدَ، فَلا يَتَخَلَّلَهُ الْغُبَارُ، وَلا يَقَعَ فِيهِ الدَّبِيبُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَطُولُ مَكْثُهُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَقَضَاءِ مَنَاسِكِهِ، دُونَ الْمُعْتَمِرِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُعْتَمِرًا، فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَصَارَ قَارِنًا.
1886 -
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ، فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ،
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى خِلافِهِ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ تَمَتَّعَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُ، وَالْقَارِنُ، وَالْمُفْرِدُ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّئِيسُ فِي قَوْمِهِ: فَعَلْنَا كَذَا، وَصَنَعْنَا كَذَا، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ بِنَفْسِهِ فِعْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَفْعَالَ أَصْحَابِهِ صَادِرَةٌ عَنْ رَأْيِهِ.
قَوْلُهُ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرْضُهَا سَاقِطٌ بِالْحَجِّ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً، وَمَنْ رَآهَا وَاجِبَةً، قَالَ: مَعْنَاهُ: دَخَلَ عمل الْعُمْرَةِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ إِذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِهَذَا الْقَوْلِ.
1887 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» ، قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ
ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِحَجٍّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ» ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ، أرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ:«هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِكِ» ، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا مِنْهَا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ.
وَأمَّا الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ
قَالَ رحمه الله: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ: «دَعِي الْعُمْرَةَ» ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اتْرُكِيهَا إِلَى الْقَضَاءِ، أَمَرَهَا بِفَسْخِ الْعُمْرَةِ وَالْخُرُوجِ عَنْهَا حَتَّى تَقْضِيَ مِنْ بَعْدُ، فَعَلَى هَذَا
كَانَتْ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ قَضَاءً لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِتَرْكِ الْعُمْرَةِ أَصْلا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، رضي الله عنه، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِتَرْكِ أَعْمَالِهَا مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَتَكُونُ قَارِنَةً.
وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ كَانَتْ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا، أَعْمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا.
1888 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، عَرَكَتْ، حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا، طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ» ، فَوَاقَعْنَا النَّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْويَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ، فَوَجدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ:«مَا شَأْنُكِ؟» ، قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «
إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ»، فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ، طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ:«قَدْ حَلَلْتُ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ:«فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ،
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: إِذا صَنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى، إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا،
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهَا:«طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ عَنِ الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي بَعْدَهُ عَنِ الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ» ، وَمَعْنَى التَّوِّ: الْوِتْرُ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ:«الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ تَوٌّ» ، أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا.
قَالَ الإِمَامُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ شَاةٌ، وَيَذْبَحُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ ذَبَحَ مَكَانَ الشَّاةِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً، جَازَ، وَهُوَ بِالْفَضْلِ مُتَطَوِّعٌ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، فَعَلَيْهِ صَوْمُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يَصُومُهَا بَعَد مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَتَى شَاءَ، قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ مُفْطِرًا، وَيَصُومَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى
أَهْلِهِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [الْبَقَرَة: 196].
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، كَمَا رَوِينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [الْبَقَرَة: 196]، إِلَى أَمْصَارِكُمْ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: عَلَى الْقَارِنِ بَدَنَةٌ، وَزَعَمَ دَاوُدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَارِنِ، لأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاسُوا الْقَارِنَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ.
وَلا يَجِبُ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يَكُونَ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِإِحْرَامٍ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، فَإِنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ.
وَلَوِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ، أَوْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 196].
فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ
مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْلُ الْحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنِ الْحَرَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ كَانَ أَهْلُهُ بِالْمِيقَاتِ، أَوْ دُونَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَالْعِبْرَةُ بِالْمَقَامِ، لَا بِالْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ، حَتَّى إِنَّ الْمَكِّيَّ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِالْعِرَاقِ، فَخَرَجَ وَتَمَتَّعَ، فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ أَقَامَ عِرَاقِيٌّ بِمَكَّةَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ مُسَافِرًا، فَلَمَّا رَجَعَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ مِنَ الْحَاضِرِينَ.
قَالَ الإِمَامُ: قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي إِحْرَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَنَفَرٌ مِنَ الْمُلْحِدِينَ فِي أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَطَالُوا لِسَانَ الْجَهْلِ فِي أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ، وَقَالُوا: لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الإِسْلامِ إِلا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَكَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ فِيهَا مَعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِحْرَامِهِ هَذَا الاخْتِلافَ الْفَاحِشَ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ
كَانَ مُفْرَدًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَأَسَانِيدُ الْكُلِّ عِنْدَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ، وَنَقَلَةُ الْأَخْبَارِ جِيَادٌ صِحَاحٌ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا هَذَا التَّنَاقُضَ! يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَوْهِينَ أَمْرِ الْحَدِيثِ، وَتَصْغِيرِ شَأْنِ النَّقْلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، رحمه الله: وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ، رضي الله عنه، بَيَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْأَحَادِيثِ، وَجَوَّدَ الْكَلامَ فِيهِ.
وَالْوَجِيزُ الْمُخْتَصَرُ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ فِيهِ: أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ، كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، كَقَوْلِهِ: بَنَى فُلانٌ دَارًا: إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا، وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلانًا: إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزًا، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَشْهَدْهُ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلامِ.
وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ، وَالْمُتَمَتِّعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ، وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلَّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَأَذِنَ فِيهَا، وكل قَالَ صِدْقًا، وَرَوَى حَقًّا، لَا يُنْكِرُهُ إِلا مَنْ جَهِلَ، أَوْ عَانَدَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْحَدِيثِ إِلَى التَّمَتُّعِ، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الاخْتِلافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لأَنَّ الْكِتَابَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَإِفْرَادَ الْحَجِّ، وَالْقِرَانِ، وَاسِعٌ كُلَّهُ، وَقَالَ: وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ، يُشْبِهُ أَنْ
يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ، إِلا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِحَجٍّ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ مُتَعَارِضَةٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَرَوَيْنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ! وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا» ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُتْعَةِ: صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ، لأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ» ، لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، بَلْ يَحْتَمِلُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ، أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، فَاسْتَحَبَّ اسْتِدَامَةَ حُكْمِ إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَخْرُجَ مِنْهُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا كَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، هَلْ يَسْتَبِيحُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحَجِّ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَصِيرُ قَارِنًا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا، وَقَدْ حَلَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ عَنْهَا، كَمَنْ لَمْ يسق الْهَدْيَ، وَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتِحْبَابٌ وَسُنَّةٌ، غَيْرُ حَتْمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
1889 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ:«بِمَ أَهْلَلْتَ؟» ، قُلْتُ: أَهْلَلْتُ كَإِهْلالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟» ، قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَنِي، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي، فَمَشَّطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ، وَزَادَ:«ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ»
هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، يَتَحَلَّلُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَيَسْتَبِيحُ مَحْظُورَاتَ الإِحْرَامِ إِلَى أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَمْكُثَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ.