الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158].
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ: الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ بِهَا.
قَالَ: الْفَرَّاءُ: هِيَ أُمُورُ الْحَجِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [الْمَائِدَة: 2]، وَالشِّعَارُ: الْعَلامَةُ، وَمِنْهُ إِشْعَارُ الْهَدْيِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْبَدَنَةِ عَلامَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا مِنَ الْهَدْيِ، وَسُمِّيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ بِهِ، لأَنَّهُ مِنْ عَلامَاتِ الْحَجِّ.
1918 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ بِالْحَجِّ، فَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَتَى مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَصَلَّى فِيهِ، وَنَفَسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُميْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ كَيْفَ تَفْعَلُ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتَسْتَثْفِرَ بِثَوْبِهَا، ثُمَّ تُحْرِمَ.
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَكِبَ وَمَعَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ رُكْبَانٌ وَمُشَاةٌ، كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ، فَأَهَلَّ، قَالَ: وَنَحْنُ لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ لَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، قَالَ جَابِرٌ: فَنَظَرْتُ أَمَامِي، وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، مَدَّ الْبَصَرِ مِنْ رُكْبَانٍ وَمُشَاةٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا سَبْعًا رَمَلَ فِيهَا ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَة: 125]، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158] نَبْدأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَأَتَى الصَّفَا، وَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى بَدَا لَهُ الْبَيْتُ، ثُمَّ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ثُمَّ مَشَى، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ، سَعَى حَتَّى
إِذَا أَصْعَدَتْ قَدَمَاهُ، مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ، ثُمَّ نَادَى النَّاسَ، وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ، فَقَالَ:«إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، مَنْ لَمْ يكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ» ، فَحَلَّ بَشَرٌ كَثِيرٌ.
وَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبُدْنٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بِمَاذَا أَهْلَلْتَ؟» فَقَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤخَذَ بَضْعَةٌ مِنْ كُلِّ بَدَنةٍ، فيُجْعَلَ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَيَا مِنْ مَرَقِهَا ".
1919 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ الصَّفَا، يَقُولُ:«نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، فَبَدأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو، وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا مَشَى، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدِيثُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَقَالَ فِيهِ: فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرُقِيَ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ، مِنْهَا أَنَّ أَدَاءَ فَرْضِ الْحَجِّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ نَزَلَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ بِلا عُذْرٍ، فَإِنَّهُ خَرَجَ سَنَةَ سَبْعٍ قَاضِيًا لِلْعُمْرَةِ، وَخَرَجَ لِفَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ حَدَّثَنَا هُوَ بِنَفْسِهِ السَّنَةَ الْعَاشِرَةَ مَعَ إِمْكَانِ الْحَجِّ قَبْلَهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي بَدَاءَتِهِ عليه السلام بِالصَّفَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِهِ فِي الذِّكْرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَبْدُوءًا بِهِ فِعْلا، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، كَانَ ذَلِكَ الشَّوْطُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ لَهُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، كَمَا يَجِبُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصْعَدَ الصَّفَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ، حَتَّى يَتَرَاءَى لَهُ الْبَيْتُ، وَيَمْشِيَ حَتَّى يَنْزِلَ مِنَ الصَّفَا، وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي إِلَى أَنْ يَقْرَبَ مِنَ الْمَرْوَةِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَصْعَدَهَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَلَوِ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ وَلَمْ يَرْقَ عَلَيْهِمَا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ السَّعْيَ وَمَشَى بَيْنَهُمَا، فَجَائِزٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: لَئِنْ سَعَيْتُ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى، وَلَئِنْ مَشَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ لِلْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُفْرِدًا، وَكَانَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا، وَمَنْ قَالَ: كَانَ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ كَانَ سُبْعُ بَدَنَةٍ، وَكَانَ الْفَضْلُ تَطَوُّعًا، فَحَصَلَ كُلُّهُ مِنْ حِصَّةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ فِي نَحْرِهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ: إِنَّ سِنَّهُ كَانَ عَامَئِذٍ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، لِيَكُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ.
1920 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَة: 158].
فَمَا أَرَى عَلَى أحَدٍ شَيْئًا أَلا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلامُ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158] الْآيَةَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،
عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ.
وَقَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158].
قَالَ رحمه الله: الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْعُلَمَاءِ.
لَا يَتَحَلَّلُ الرَّجُلُ عَنِ الْحَجِّ، وَلا عَنِ الْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقَ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، فَقَدْ حَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دَمٌ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَة: 158]، وَرَفْعُ الْجُنَاحِ يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ ذَلِكَ، لِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَتَحَرَّجُونَ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ، مَا
1921 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُؤَمَّلٍ الْعَائِذِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنِ نَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى، وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، حَتَّى لَأَقُولَ: إِنِّي لَأَرَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:«اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» .
1922 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالا: نَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ،
عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرٍ لَا ضَرْبَ، وَلا طَرْدَ، وَلا إِلَيْكَ إِلَيْكَ.