المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود - شرح السنة للبغوي - جـ ٧

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ

- ‌بَابُ تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ إِذَا وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ

- ‌بَابُ حَجِّ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ الْمَرْأَةِ لَا تَخْرُجُ إِلا مَعَ مَحْرَمٍ

- ‌بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ

- ‌بَابُ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ وَعَنِ الْمَيِّتِ

- ‌بَابٌ: الصَّرُورَةُ لَا يَحُجُّ عَنِ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ أَشْهُرِ الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الاغْتِسَالِ لِلإِحْرَامِ

- ‌بَابُ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ التَّلْبِيَةِ

- ‌بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ

- ‌بَابٌ: مِنْ أَيْنَ يُهِلُّ وَمَتَى يُهِلُّ

- ‌بَابُ مَنْ أَهَلَّ كَإِهْلالِ غَيْرِهِ

- ‌بَابُ إِفْرَادِ الْحَجِّ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ

- ‌بَابُ الاغْتِسَالِ لِدُخُولِ مَكَّةَ

- ‌بَابُ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ

- ‌بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ

- ‌بَابُ طَوَافِ الْقُدُومِ

- ‌بَابُ كَيْفَ الطَّوَافُ

- ‌بَابُ اسْتِلامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ

- ‌بَابُ الطَّوَافِ رَاكِبًا

- ‌بَابُ طَوَافِ النِّسَاءِ وَرَاءَ الرِّجَالِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا

- ‌بَابُ الْحَائِضِ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الطَّوَافِ

- ‌بَابُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ

- ‌بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌بَابُ أَيْنَ يُصَلَّى الظُّهْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ

- ‌بَابُ التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ

- ‌بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ

- ‌بَابُ فَضْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْوُقُوفِ وَتَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ

- ‌بَابُ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ

- ‌بَابُ التَّغْلِيسِ بِالْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ

- ‌بَابُ الدَّفْعِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌بَابُ تَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ

- ‌بَابُ الرَّمْيِ عَلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌بَابُ حَصَى الرَّمْيِ

- ‌بَابُ مِنْ أَيْنَ يَرْمِي

- ‌بَابُ الْحَاجِّ مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ وَقِسْمَةِ لُحُومِهَا وَجُلُودِهَا

- ‌بَابُ أَكْلِ لَحْمِ الْهَدْيِ

- ‌بَابُ إِذَا عُطِبَ الْهَدْيُ

- ‌بَابُ رُكُوبِ الْهَدْيِ

- ‌بَابُ الْحَلْقِ وَالْتَقْصِيرِ

- ‌بَابُ مَنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ

- ‌بَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى

- ‌بَابُ وَقْتِ رَمْيِ أَيَّامِ مِنًى

- ‌بَابُ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِمنًى لَيَالِيهَا

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ لِلرِّعَاءِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ

- ‌بَابُ التَّحْصِيبِ وَنُزُولِ الْأَبْطَحِ

- ‌بَابُ طَوَافِ الْوَدَاعِ

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ لِلْحَائِضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ

- ‌بَابُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنَ اللِّبَاسِ

- ‌بَابُ مَنْ أَحْرَمَ فِي ثِيَابِهِ

- ‌بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

- ‌بَابُ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ

- ‌بَابُ حِجَامَةِ الْمُحْرِمِ

- ‌بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ

- ‌بَابُ جَوَازِ أَكْلِ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ

- ‌بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ مِنَ الْوَحْشِ

- ‌بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ يَحْلِقُ وَيَفْدِي

- ‌بَابُ الْمُحْرِمِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ

- ‌بَابُ الإِحْصَارِ

- ‌بَابُ فَوْتِ الْحَجِّ

- ‌بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِلا إِحْرَامٍ

- ‌بَابُ خَرَابِ الْكَعْبَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌بَابُ حَرَمِ الْمَدِيَنةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَحُبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا وَدُعَائِهِ لَهَا

- ‌بَابُ الْمَدِينَةِ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَالدَّجَّالُ

الفصل: ‌باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

‌بَابُ اسْتِلامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ

1902 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ:«لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ إِلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ.

1903 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ، اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟» ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ:«لَوْلا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ» ،

ص: 107

قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى يَعْني، رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إِلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ بَعْضِ الاخْتِيَارِ، مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ، فَيَقَعُوا فِي فِتْنَةٍ.

1904 -

أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الْأَحْوَصِ، نَا الْأَشْعَثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْجَدْرِ، أَمِنَ

ص: 108

الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .

قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» .

قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِليَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجدر فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ ألْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ.

وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ خَالَتِه عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثُوا عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحَجَرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ» .

ص: 109

أَرَادَ بِالْجَدْرِ: الْحَجَرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ بَعْضَ مَا هُوَ الْأَوْلَى، إِذَا لَمْ يَكُنْ فَرِيضَةً، عِنْدَ خَوْفِ الْفَسَادِ مِنْ فِعْلِهِ.

وَفِي قَوْلِهِ: «وَأَنْ أَلْصَقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ» ، بَيَانٌ أَنَّ النَّاسَ غَيْرُ مَحْجُوبِينَ فِي حَقِّ الدِّينِ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا، كَمَا أَنَّ الْحَجَرَ جُزْءٌ مِنَ الْبَيْتِ، وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَحْجُبَ النَّاسَ عَنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ السَّدَنَةُ مِنَ النَّاسِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ لَا يَطِيبُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَجْرُهُمْ عَلَى مَا يَتَوَلَّوْنَهُ مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، قَالَ: السَّهْمُ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، إِنَّمَا هُوَ لِلْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ عز وجل.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَ الْخُمُسَ إِلَى نَفْسِهِ لِشَرَفِهِ، وَسَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ.

وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَمْرُ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَشَاهِدِ الرِّبَاطَاتِ، وَالْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْتَابُهَا النَّاسُ لِإِقَامَةِ عِبَادَةٍ، أَوْ لِنَفْعٍ وَارْتِفَاقٍ، وَالْآبَارِ، وَالْحِيَاضِ الْمُسْبَلَةِ فِي الْمَفَاوِزِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَأْتِيهَا شَيْئًا إِلا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ رَجُلٌ، أَوْ يُعْطِيهِ شَيْئًا عَلَى قِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ مِنْ سَقْيِ مَاءٍ، أَوْ تَنْظِيفِ مَكَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ.

قَالَ الإِمَامُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ إِلا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يَمْسَحُ

ص: 110

الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلسُّنَّةِ.

وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أُخْبِرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنَّ الْحَجَرَ بَعْضَهُ مِنَ الْبَيْتِ.

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ إِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَتْرُكِ اسْتِلامَهُمَا إِلا أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَلا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إِلا لِذَلِكَ.

ص: 111

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَجَرِ: مِنَ الْبَيْتِ، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الْحَج: 29].

وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ.

وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الطَّوَافَ فِي الْحَجَرِ لَا يُحْسَبُ.

وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«إِنْ مَسَحَهُمَا كَفَّارَةً لِلْخَطَايَا» ، وَمَعْنَى الاسْتِلامِ: هُوَ التَّمَسُّحُ بِالسَّلِمَةِ، وهِيَ الْحِجَارَةُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلامِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ، كَأَنَّهُ إِذَا اسْتَلَمَهُ اقْتَرَأَ مِنْهُ السَّلامَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا، أَيِ: النَّاسُ يُحَيُّونَهُ.

1905 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ بَامُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،

ص: 112

عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَبَّلَهُ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ.

وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيًّا، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ، وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَيَفْعَلُهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَفِي كِلِّ وَتْرٍ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ يَدُهُ إِلَيْهِ اسْتَقْبَلَهُ إِذَا حَاذَاهُ وَكَبَّرَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

قَالَ نَافِعٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.

قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ.

ص: 113

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ: فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ مُتَابَعَةَ السُّنَنِ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ لَهَا عَلَى عِلَلٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَسْبَابٍ مَعْقُولَةٍ، وَأَنَّ أَعْيَانَهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْقَهْ مَعَانِيهَا، إِلا أَنَّ مَعْلُومًا فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ، إِنَّمَا هُوَ إِكْرَامٌ لَهُ، وَإِعْظَامٌ لِحَقِّهِ، وَتَبَرُّكٌ بِهِ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَ الْأَحْجَارِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ الْبِقَاعِ وَالْبُلْدَانِ، وَكَمَا فَضَّلَ بَعْضَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَبَابُ هَذَا كُلُّهُ التَّسْلِيمُ.

وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «أَنَّ الْحَجَرَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ صَافَحَهُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، فَكَانَ كَالْعَهْدِ تَعْقِدُهُ الْمُلُوكُ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُوَالاتَهُ، وَكَمَا يُصْفَقُ عَلَى أَيْدِي الْمُلُوكِ لِلْبَيْعَةِ.

1906 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَبَجِرْدِيُّ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ،

ص: 114

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلا يَبْكِي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ يَبْكِي، فَقَالَ:«يَا عُمَرُ هَا هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» .

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» .

ص: 115