الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإِحْصَارِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَة: 196]، الإِحْصَارُ: الْمَنْعُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يَقْصُدُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 273]، أَيْ: أَحْصَرَهُمُ الْجِهَادُ، فَمَنَعَهُمُ التَّصَرُّفَ، وَحَصَرْتُهُ أَيْ: حَبَسْتُهُ، وَقَوْلُهُ عز وجل:{وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَيِ: احْبِسُوهُمْ، يُقَالُ لِمَنْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ: حُصِرَ، وَالْحَصِيرُ: السَّجْنُ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الْإِسْرَاء: 8]، أَيْ: سِجْنًا.
1997 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «فَحَلَقَ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
1998 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ بِعَدُوٍّ، أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَهُوَ دَمُ شَاةٍ يَذْبَحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، ثُمَّ يَحْلِقَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلا يَجْعَلُ التَّحَلُّلَ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَذْبَحَهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْحَلْقَ نُسُكًا، فَحَتَّى يَحْلِقَ.
وَالْهَدَايَا كُلُّهَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِالْحَرَمِ، إِلا هَدْيَ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّ مَحِلَّ ذَبْحِهِ حَيْثُ يُحْصَرُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: دَمُ الإِحْصَارِ لَا يُرَاقُ أَيْضًا إِلا فِي الْحَرَمِ، فَيُقِيمُ الْمُحْصَرُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَيَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى مَكَّةَ وَيُوَاعِدُ مَنْ يَذْبَحُهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، حَلَّ.
وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: لَا بَدَلَ لَهُ وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَ، وَالثَّانِي: لَهُ بَدَلٌ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، فَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُتَمَتِّعِ، وَفِي قَوْلٍ: هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، كَفِدْيَةِ الطِّيبِ وَاللُّبْسِ.
ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ حَجُّهُ حَجُّ فَرْضٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذِهِ أَوَّلَ سَنَةِ الْوُجُوبِ، أَوْ كَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا، فَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَزَادَ النَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، فَقَالُوا: إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ فَتَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَمَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ دَمَ الإِحْصَارِ لَا يُذْبَحُ إِلا فِي الْحَرَمِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِبْدَالِ الْهَدْيِ، لِأَنَّهُمْ نَحَرُوا هَدَايَاهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَة: 95].
فَلَمْ تَقَعْ تِلْكَ الْهَدَايَا مَحْسُوبَةٌ، فَلَزَمَهُمُ الإِبْدَالُ.
وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَهُوَ كَالْمُحْصَرِ، وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا عَتَقَ، أَتَى بِهِ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْهَدْيِ بَدَلا، فَإِنْ صَامَ فِي حَالِ رِقِّهِ، جَازَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ لِلْهَدْيِ بَدَلا.
أَمَّا الْحَاجُّ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلانِ،
أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَنْ دُخُولِ مَكَّةَ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْفَائِتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَنْ دُخُولِ مَكَّةَ، ثُمَّ انْكَشَفَ لِلْعَدُوِّ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلانِ: فَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصَوْمُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
1999 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ:«أَلَيْسَ حَسْبكُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا، فَيُهْدِيَ أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» .
أَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِذَا حَبَسَهُ مَرَضٌ، أَوْ عُذْرٌ غَيْرُ حَبْسِ الْعَدُوِّ، فَهَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا حَصْرَ إِلا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالا: صَدَقَ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا حَصْرَ إِلا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَالْعَرَجِ، إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الإِحْرَامِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ أَشْتَرِطُ؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَتْ: فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَمَحِلِّي مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي» .
2000 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا:«لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟» قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا:" حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي "، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَقَالَ: إِذَا أَحْرَمَ، وَشَرَطَ أَنْ يَخْرُجَ بِعُذْرِ كَذَا، يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ، وَلَهُ الْخُرُوجُ بِالْعُذْرِ الَّذِي سَمَّى، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَهَؤُلاءِ يَقُولُونَ: لَا يُبَاحُ التَّحَلُّلُ بِعُذْرٍ سِوَى حَصْرِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَوْ كَانَ مُبَاحًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا كَانَتْ تَحْتَاجُ ضُبَاعَةُ إِلَى الشَّرْطِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ مُنْعَقِدٌ، وَلا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالشَّرْطِ، كَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا.
وَجَعَلُوا ذَلِكَ رُخْصَةً خَاصَّةً لِضُبَاعَةَ، كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ فِي رَفْضِ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ لِقَوْلِهِ:«مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» .